• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / علوم قرآن
علامة باركود

نسق الفواصل في سورة الرعد (3)

نسق الفواصل في سورة الرعد (3)
د. محمد بن سعد الدبل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 1/1/2014 ميلادي - 28/2/1435 هجري

الزيارات: 13132

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

نسق الفواصل في سورة الرعد (3)


لقد كانت الفواصل أبرز مظاهر الائتلاف والتلاؤم، ولعلنا استطعنا في الكلمات السابقة أن نكشف عن طبيعة هذه الفواصل وعن التلاؤم في أجراسها ومعانيها، وأثر ذلك كله في نظم السورة الكريمة وخصائص هذا النَّظم.

••••


ولكن هنالك جوانب أخرى لذلك التلاؤم في جزئيات هذه السورة وفي كلياتها، بل في داخل كل آية من آياتها، فهناك ملائمة بين اللفظ ومعناه، وملائمة بين اللفظ وجيرته من الألفاظ من ناحية الأصوات والدلالات، وهنالك تلاؤم يجمع شمل الوحدات المتعاقبة في هذه السورة الكريمة، ويقتضي هذا البحثُ المتخصص الإلمامَ بكل جانب من هذه الجوانب.

 

ومن واجبنا قبل الشروع في تحقيق هذه الغاية أن نلم بمفهوم كلمة التلاؤم، وتحديد العلماء لمعناها، سواء أكانوا من علماء اللغة ومؤلفي المعجمات اللغوية، أو كانوا من علماء الاصطلاحيين الذين تحدثوا عن ذلك التلاؤم في القرآن الكريم بخاصة وفي التعبير الأدبي بعامة.

 

وإذا بحثنا عن مفهوم التلاؤم ومعناه عندهم وجدنا لهذه اللفظة أكثر من معنى، في أكثر من لفظ؛ فقد جاء في لسان العرب مما نحن بصدده في معنى هذه المادة:

1- اللأم: الاتفاق، وقد تلاءم القوم والتأملوا: اجتمعوا واتفقوا، وتلاءم الشيئان إذا اجتمعا واتصلا، وقال: التأم الفريقان والرجلان إذا تصالحا واجتمعا، ومنه قول الأعشى:

يظن الناس بالملكَيْ
نِ أنهما قد التأما
فإن تَسمعْ بِلَأْمِهما
فإن الأمرَ قد فَقَما

 

2- وهذا طعام يلائمني؛ أي: يوافقني، ولا تقل: يلاومني، وفي حديث ابن أم مكتوم: "لي قائد لا يلائمني"؛ أي: يوافقني ويساعدني، وقد تخفَّف الهمزة فتصير ياء، ويروى يلاومني بالواو، ولا أصل له، وهو تحريف من الرواة؛ لأن الملاومةَ مفاعلة من اللوم.

••••


وفي حديث أبي ذر: ((من لايَمَكم من مملوكيكم فأطعموه مما تأكلون))، قال ابن الأثير: "هكذا يروى بالياء منقلبة عن الهمزة، والأصل: لاءمكم".

 

3- ولأم الشيء لأمًا، ولاءمه، ولأَمه، وألأمه: أصلحه فالتأم وتلأَّم.

 

4- واللِّئم: الصلح، مهموز، ولاءمت بين الفريقين: إذا أصلحت بينهما، ولاءمت بين القوم ملائمة: إذا أصلحت وجمعت، وإذا اتفق الشيئان فقد التأما، ومنه قولهم: هذا طعام لا يلائمني، ولا تقل: يلاومني، فإن هذا من اللَّوم، واللِّئم: الصلح والاتفاق بين الناس، أنشد ثعلب:

إذا دعيت يومًا نمير بن غالب
رأيت وجوهًا قد تبيَّن لِيمُها

 

5- وريش لؤام: يلائم بعضه بعضًا، وهو ما كان بطن القذة منه يلي ظهر الأخرى، وهو أجود ما يكون، فإذا التقى بطنان أو ظهران فهو لُغاب ولَغب[1] قال أوس بن حجر:

يقلب سهمًا راشَه بمناكب
ظُهارٍ لؤامٍ، فهو أعجف شاسف[2]

 

6- والتأم الجرح التئامًا: إذا برأ والتحم، قال الليث: ألأمت الجرح بالدواء، وألأمت القمقم: إذا سددتَ صدوعه، ولأمْت الجرحَ والصَّدع: إذا سددته فالتأم.

 

7- وفلان لئم فلان ولئامه؛ أي: مثله وشبهه، والجمع: ألآم ولئام؛ عن ابن الأعرابي، وأنشد:

أنقعد العام لا نجني على أحد
مجنَّدين، وهذا الناس ألآم

••••


وقالوا: لولا الوئام هلك اللئام، قيل معناه: الأمثال، وقيل: المتلائمون، وفي حديث عمر: أن شابة زوِّجت شيخًا فقتلته، فقال: أيها الناس، لينكح الرجل لُمَتَه من النساء، ولتنكح المرأة لمتها من الرجال؛ أي شكله وتِرْبه ومثله، والهاء عوض من الهمزة الذاهبة من وسطه، وأشد ابن بري:

فإن نعبُرْ فإن لنا لُماتٍ
وإن نغبُرْ فنحن على نُدورِ

 

أي: ستموت لا محالة، وقوله: لماتٍ؛ أي: أشباهًا.

 

هذا بعض ما أورده ابن منظور من المعاني التي يستعمل فيها لفظ التلاؤم ومشتقاته، إلى غير ذلك من معانٍ أخرى ليس لذكرها حاجة فيما نعرض له ونقصد إليه.

 

وأورد الزمخشري في أساس البلاغة:

1- لأم: صدع ملتئم ومتلائم، وقد لاءمته ملاءمة، ولأمته، وفلان لا يلائمني: لا يوافقني.

 

2- وريش لؤام: خلاف لغاب، إذا التقى بطن قذة وظهر أخرى، وسهم لأم: مريش باللؤام، وبه فسر: كرَّك لأمين على نابل، ولبس لأمته: وهي الدرع المحكمة الملتئمة.

 

3- ولبسوا اللَّأْم، وقيل اللُّؤَم، كقرية وقُرَى، قال المتلمس:

وعليه من لأم الكتائب لأْمَةٌ
فضفاضةٌ فيما يقوم ويجلس

 

4- واستلأم: أي تدرَّع.

 

5- ومن المجاز والكناية: هذا طعام لا يلائمني.

 

6- وما التأمت عيني حتى فعل كذا: أي ما ثقِفه بصري.

 

7- وهذا كلام لا يلتئم على لساني، ورجل لُؤَمة: أي يحكي ما يصنع غيرُه.

••••


وبتأمل تلك المعاني التي أوردها أصحاب اللغة مما سبق ذكره يتضح لنا أن معنى التلاؤم ومفهومه: الاتفاق والاجتماع، والاتصال والتناسق.

 

وتلك المعاني وثيقة الصلة بالمعنويات، كما هي وثيقة الصلة بالحسيات، فإنك تقول: تلاءم القوم: إذا اجتمعوا واتفقوا، كما تقول: تلاءم الكلام إذا اجتمعت ألفاظه في إطار حسن جميل، وتوافقت أولياته مع أخرياته، ومن معانيه: التلاحم والالتحام، كما قال صاحب اللسان:

"التأم الجرح التآمًا إذا برأ والتحم"، وهذا المعنى في الكلام من صفات حسنه؛ إذ يقال: كلام متلاحم الأجزاء، ومن معاني التلاؤم: الشبه والتِّرب والمثل، كما قال صاحب اللسان: فلان لئم فلان، ولئامه؛ أي: مثله وشبهه، وهذا المعنى يرد وصفًا للكلام إذا تشابهت أطرافه وتلاءمت، وأصبح بعضه بسبب من بعض.

 

ونورد في هذا السياق شيئًا مما ذكره علماء البلاغة والأدب فيما يتعلق بمعنى هذه اللفظة ومفهومها.

 

هناك ألفاظ اصطلاحية آثرها بعض أولئك العلماء على لفظة "التلاؤم"، مما يؤدي معناها من مترادفات اللغة، ومن هذه الألفاظ:

1- التناسب والمناسبة، بل إن البلاغيين استخرجوا فنًّا من فنون البديع سموه: "مراعاة النظير"، ويسمى "التناسب" "والتوافيق"، "والائتلاف" "التلفيق" أيضًا، ويؤخذ من معناه وجه التسمية، وهو أي "مراعاة النظير" جمعُ أمرٍ وما يناسبه؛ أي: أن يجمع بين أمرين متناسبين، أو أمور متناسبة لا بالتضاد، بل التوافق، في كون ما جمع من واد واحد، لصحبته في إدراك، أو لمناسبة في شكل، أو لتوقف بعضه على بعض.

 

والجمع في هذا الباب قد يكون بين أمرين، نحو قول الله - تعالى -: ﴿ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ ﴾ [الرحمن: 5]، فقد جمع بين أمرين هما الشمس والقمر، ولا يخفى تناسبهما، وقد يكون بين ثلاثة...، ومن "مراعاة النظير" ما يسميه بعضهم تشابه الأطراف، وهو: أن يختم الكلام بما يناسب ابتداءه؛ كقوله - تعالى -: ﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الأنعام: 103].

 

فإن اللطيف يناسب: ﴿ لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ ﴾، والخبير يناسب: ﴿ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ ﴾[3].

 

وأما المناسبة فهي على ضربين: "مناسبة في المعاني، ومناسبة في الألفاظ؛ فالمعنوية هي: أن يبتدئ المتكلم بمعنى ثم يتم كلامه بما يناسبه معنى دون لفظ، والفرق بين الضرب وبين الملاءمة هو: أن الملاءمة تكون في مفردات الألفاظ ومعانيها، وهذا الضرب من المناسبة بين الجمل المركبة ومعانيها".

 

واللفظية: هي عبارة عن الإتيان بلفظات متزنات مقفَّاة وغير مقفاة، فالمقفاة مع الاتزان مناسبة تامة، والمتزنة من غير التقفية مناسبة ناقصة.

 

2- ومن الألفاظ التي يؤثرونها على غيرها في شرح معنى التلاؤم:

"المشاكلة"، بل لقد يتوسعون في مفهومها فيخصصون بابًا يسمونه: باب المشاكلة، وهي عندهم التعبير عن الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحبته تحقيقًا أو تقديرًا.

 

3- ومنهم من آثر كلمة الائتلاف، وإمامهم في هذا قدامة بن جعفر "ت 337هـ"، الذي جعل عناصر الشعر أربعًا، هي: اللفظ والوزن، والمعنى والقافية، وذكر لكل عنصر من هذه العناصر ما يحسُن به وما يقبُح عند النظر إليه مفردًا، ثم عاد فذكر الائتلاف بين عنصر وعنصر آخر من هذه العناصر؛ حيث فصل القول في ائتلاف اللفظ والمعنى، وذكر له أنواعًا ستة، هي:

المساواة، والإشارة، والإرداف، والتمثيل، والتطبيق، والتجنيس... وائتلاف اللفظ والوزن، وهو من دلائل نضج الشاعرية واستوائها، حيث طواعية الألفاظ للنغم الذي يؤثره الشاعر، وانقياد هذه الألفاظ للوزن الذي يتخيره، وائتلاف المعنى والوزن، وهذا لا يعدو ائتلاف اللفظ مع الوزن، فبالشاعرية المطبوعة وجودة التناسق التام بين الألفاظ يبسط الشاعر معانيه دون أن يحد هذا الوزن من الرغبة في هذا البسط، ويركز ما أراد التركيز، ويدقق ما يشاء، أو يكتفي باللمحة الدالة حين يريد من غير أن يضطره الوزن إلى شيء من الزيادة، وذكر قدامة ائتلاف القافية مع ما يدل عليه معنى البيت، والقافية إنما هي لفظة مثل ألفاظ سائر البيت من الشعر، فائتلافها كسائر لفظ الشعر المؤتلف مع المعنى...[4]، وممن فصل القول في الائتلاف ابن أبي الإصبع في كتابه: "بديع القرآن"، وملخص الائتلاف عنده: أن تكون ألفاظ المعنى المراد يلائم بعضها بعضًا، ليس فيها لفظة نافرة عن أخواتها، غير لائقة بمكانها، كلها موصوف بحسن الجوار، بحيث إذا كان المعنى غريبًا قحًّا كانت ألفاظه غريبة محضة، وإذا كان المعنى مولدًا كانت الألفاظ مولدة، وإذا كان المعنى متوسطًا كانت الألفاظ كذلك...، ومن أمثلة الائتلاف قوله - تعالى -: ﴿ قَالُوا تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتَّى تَكُونَ حَرَضًا أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ ﴾ [يوسف: 85][5]؛ فألفاظ هذه الآية الكريمة آية في التناسب والائتلاف، والذي ينبغي أن ننبه عليه في هذا المقام أن من جودة الائتلاف بين ألفاظ هذه الآية حُسْنَ الوضع في النظم؛ بحيث جاورت كل لفظة أختها، وجعلت من جنسها في الغرابة أو الاستعمال، رغبة في ائتلاف المعاني بين الألفاظ وتناسبها وتعادلها في النظم.

 

4- ومن البلاغيين الذين عالجوا مفهوم التلاؤم ومعناه إمام البلاغة عبدالقاهر الجرجاني "ت 471هـ"، الذي يهيم بكلمة النظم ويؤثرها على كل اصطلاح، وإن كان التلاؤم أبرز ما درسه في فكرة النظم، ويكفينا شاهدًا على مفهوم التلاؤم - وإن من معانيه النظم عند عبدالقاهر - ذلك الأسلوب التحليلي للآية الكريمة التي هي قول الله - تعالى -: ﴿ وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [هود: 44]، وقد سبقت الإشارة إلى الآية الكريمة أثناء البحث عن النظم، وأنه وجه من وجوه الإعجاز، الذي يعنينا في هذا المقام هو الطريقة التحليلية للآية الكريمة كما شرحها عبدالقاهر؛ حيث يرى أن مما يزخر به نظم الآية هنا حسن مجاورة الألفاظ، وجعل بعضها بسببٍ من بعض؛ حيث لاقت الأولى بالثانية والثالثة بالرابعة، وأنه لا علاقة للفظ من حيث هو صوت مسموع وحروف تتوالى في النطق، ولكن مرد ذلك لما بين معاني الألفاظ من الاتساق العجيب"، وهذا ظاهر في كل كلام تلاءمت ألفاظه وتراكيبه ومعانيه، ودليل آخر على ما ذهب إليه عبدالقاهر في الأخذ بالنظم في معنى التلاؤم هو قوله: "ولكن الألفاظ تثبت لها الفضيلة وخلافها في ملاءمة معنى اللفظة لمعنى التي تليها، أو ما أشبه ذلك مما لا تعلق له بصريح اللفظ، ومما يشهد لذلك أنك ترى الكلمة تروقك وتؤنسك في موضع، ثم تراها بعينها تثقل عليك وتوحشك في موضع آخر[6]، "وإذًا لا بد من مراعاة وضع اللفظة بجانب أختها حتى يتم التلاؤم بين أجزاء الكلام كله.

 

ويشير الرماني في "النكت" إلى معنى التلاؤم بأنه نقيض التنافر، وأنه تعديل الحروف في التأليف، وفائدته حسن الكلام في السمع، وسهولته في اللفظ، وتقبُّل المعنى له في النفس لما يرد عليها من حسن الصورة، وطريق الدلالة"[7].

 

والتلاؤم في حقيقة معناه وطبيعة مداه، "كلمة جامعة لكل وصف لا بد منه في اللفظ؛ ليكون الكلام خفيفًا على اللسان، مقبولاً في الأُذن، موافقًا لحركات النفس، مطابقًا لطبيعة الفكرة، أو الصورة أو العاطفة التي يعبر عنها الأديب"[8].

 

إذا كان من مفهوم التلاؤم: المناسبة بين الألفاظ، والمشاكلة بينها، ومن معانيه الاتفاق والاتساع، كما مر ذكره عند أصحاب اللغة، وعلماء البلاغة والأدب، فلنبدأ الحديث عن مظاهر التلاؤم بين اللفظ وجيرته.

 

"في سورة الرعد" لنرى مدى تلاؤم اللفظة في الآية القرآنية من هذه السورة الكريمة، من حيث حسن الجوار والتلاحم في الحروف من جهة مخارجها، وأثر ذلك في نظم السورة، متبينين تلك الظاهرة في عدد من آياتها؛ قال - تعالى -: ﴿ اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ﴾ إلى قوله - عز وجل -: ﴿ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ ﴾ [الرعد: 2].

 

تخيَّرْ ما شئت من ألفاظ تلك الآية، وتأمل طريقة نظمها من حيث تلاؤم الحروف، واستواء كل لفظة بجانب أختها، خذ مثلاً قوله - تعالى -: ﴿ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ﴾ [الرعد: 2]، وابدأ في تحليل الألفاظ الثلاثة الأولى: استواء على العرش، نعم إنه استواء مطلق يليق بجلال الله تعالى، ترسمه الآية هنا على طريقة القرآن في تقريب الأمور المطلقة الغيبية إلى مدارك البشر المحدودة، ثم راعِ قرب مخارج الحروف، واعتدالها في هذه الألفاظ؛ فالسين والتاء في لفظة ﴿ اسْتَوَى ﴾ من أول الفم ومن طرف اللسان، وبعدهما حرفا مد: هما الواو والألف المقصورة مما يعطي النفس إعانة في النطق، وراحة في الأداء، ثم لِم التعبير بـ: ﴿ عَلَى ﴾ دون فوق تلك التي تؤدي معنى العلو؟ ذلك لأن لفظة "عَلَى" تعطي المعنى على أتم وجه يتناسب مع العلو المطلق الذي رسمته لفظة ﴿ اسْتَوَى ﴾، وأعجب من ذلك تقارب الحروف في قوله: ﴿ عَلَى الْعَرْشِ ﴾ فالعين من أقصى الحلق، واللام من طرف اللسان، لكأن الناطق بالحرفين يؤدي حرفًا واحدًا؛ لسهولة النطق، وقُرْب المخرج، أي نظم يساوي ذلك التعديل والتلاؤم؟

 

ثم اخلص إلى الألفاظ الثلاثة الأخر في قوله: ﴿ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ﴾ [الرعد: 2] فإلى جانب اللمسة الأولى في العلو المطلق تأتي اللمسة الثانية في جانب العلو المنظور، واللمستان تتجاوران وتتسقان في السياق[9]، وبجانب هذا التجاور انظر لجمال ذكر الشمس بجانب القمر، وأروع منه وصف تلك الحروف؛ فالكلمة الأولى تنتهي بحرف الراء كما في "سخر"، والكلمة الثالثة تنتهي بها أيضًا كما في لفظ "القمر".

 

ولكن أَذِكْر الشمس قبل ذكر القمر لأجل ذلك التآلف في الحروف فحسب بحيث تأتي الراء في الأولى وفي الثالثة متقابلتين؟ ليس ذلك لأجل هذا، بل هناك حِكَم لا يعلمها سوى اللطيف الخبير، ولعل في تقديم ذكر الشمس على القمر التنويه بإنعام الله بها على سائر المخلوقات.

 

أما حروف الألفاظ الثلاثة فمعظمها من الحروف الهامسة؛ كالسين في "سخر"، والشين والسين في "الشمس"، وهذه الألفاظ مجتمعة تؤدي معنى العظمة الكاملة، والقوة القادرة، وهذه الحروف في همسها وصفيرها كأنما تتبع أحداث هذين الكوكبين العظميين، وسريانهما في جوانب الكون الفسيح المترامي الأطراف.

 

وإذًا فهذا التلاؤم تلاؤم في الحرف واللفظ والمعنى.

 

إذا كان هذا بعض ما أدركناه عن تلاؤم الستة الألفاظ السابق ذكرها في آية واحدة، فكيف بالحال لو استعرضنا تراكيب السورة بأكملها وبجميع جزئيات هذا التراكيب؟ مثل ذلك لا يأتي لباحث إلا بعد جهد وتوفر طويلين، فلنأخذ بعض آيات أخر.

 

قال - تعالى -: ﴿ وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ ﴾ [الرعد: 3] الآية.. إلى قوله: ﴿ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الرعد: 6].

 

الآيات هنا جاءت لرسم خط عريض للجانب السفلي من الكون، وفي ذلك تلاؤم تام؛ إذ إن ما سبق هذه الآيات سيق عن الجانب العلوي من مخلوقات الله - تعالى.

 

وقد مرَّ معنا في معرض الكلام على نظم تلك الآيات ما يكفي عن استعراض كثير من ألفاظها، وإذًا سنومئ إلى مظاهر التلاؤم بين الألفاظ هنا ما وسعنا الجهد.

 

إن أول ما يبدو من مظاهر التلاؤم بين ألفاظ تلك الآيات وحروفها ذلك الهدوء الذي يتطلبه الأمر بالتأمل والتفكُّر في ملكوت الكون.

 

فلاحِظْ مثلاً خفة التعبير بلفظة "جعل" مكررة في موضعين، ولاحظ التعبير "يفكرون" إذ جيء به فيما يستوجب التفكر، والتعبير بـ: "يعقلون" فيما يستوجب التعقل، وانظر لتمام التلاؤم بين لفظتي ﴿ جَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ ﴾ فلِمَ التعبير بقوله: ﴿ مِنْ أَعْنَابٍ ﴾ دون "من نخيل أو زيتون أو رمان"؟ إن في ذكر الأعناب ما يدعو إلى التأمل، وتمام التلاؤم واضح؛ فإن الجنة في اشتقاقها مأخوذة من "جن"؛ أي: ستر وغطى، ومنه الجنين في الرحم؛ لستره عن الأنظار، ومنه جن الليل؛ أي: ستر.

 

وشجرة العنب في شكلها ليست فارعة كغيرها من أنواع الأشجار الأخرى، وإنما هي مرسلة تغطي ما تحتها وتستره، فتلاءَمَ لفظ أعناب بجانبِ لفظ "جنات" معنًى، بل ولفظًا؛ فهما جمعانِ.

 

وراعِ التعبير بلفظتي ﴿ يُسْقَى بِمَاءٍ ﴾، فقد جاءتا بعد تعداد أصناف من الثمار والزروع، فلو أن متحدثًا أطال النفس عن ذكر هذه الأصناف كما طال ذكرها وتعدادها في الآية، لذكر بعد كل صنف أو صِنفين ذِكْر السَّقي بحُكم قصوره البياني، ثم ما حياة تلك الأصناف، وما قيمتها بغير السقي بالماء، هنا يبدو سر التلاؤم في نسق الآيات جميعها طالت أو قصرت، وإذا كانت هذه لمحات عن التلاؤم في الألفاظ، فكيف بأسرار التلاؤم في التراكيب؛ إذ طلبه عسير على كل متحدث، لكنه في القرآن الكريم غير شاق ولا عسير؛ لصدوره عمن هو أعلم وأحكم.



[1] لُغاب ولَغب: اللغب: الريش القاسد، مثل البطنان منه، وسهم لغب ولغاب: فاسد لم يُحسَن عمله؛ لسان العرب، مادة: لغب.

[2] أعجف شاسف: الأعجف الهزيل، والنصل الرقيق، والشف: القاحل الشامر واليابس، لسان العرب، مادة: أعجف وشف.

[3] انظر شروح التلخيص ص 301 وما بعدها، لسعد الدين التفتازاني، الجزء الرابع، مطبعة الحلبي.

[4] انظر قدامة بن جعفر، والنقد الأدبي للدكتور بدوي طبانة، ط. الثالثة، ص 294، 295، 296، 315، 318، 322، المطبعة الفنية الحديثة بمصر 1389هـ.

[5] انظر بديع القرآن لابن أبي الإصبع، تحقيق حفني محمد شرف ص 77، الطبعة الثانية، مطبعة دار نهضة مصر.

[6] انظر البيان العربي للدكتور بدوي طبانة ص 226، 227، ط الرابعة، المطبعة الفنية الحديثة 1388هـ.

[7] انظر النكت في إعجاز القرآن للرماني، ضمن ثلاث رسائل في إعجاز القرآن ص 876، 88، تحقيق محمد خلف الله، والدكتور محمد زغلول سلام.

[8] انظر دفاع عن البلاغة لأحمد حسن الزيات ص 122، الطبعة الثانية، مطبعة الاستقلال بالقاهرة.

[9] انظر ظلال القرآن لسيد قطب، الجزء الخامس، ص 70 طبعة بيروت.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • نسق الفواصل في سورة الرعد (1)
  • نسق الفواصل في سورة الرعد (2)

مختارات من الشبكة

  • خصائص نظم الفواصل القرآنية في سورة الرعد(مقالة - موقع د. محمد الدبل)
  • المناسبة بين الفواصل القرآنية وآياتها (نماذج تطبيقية من سورة الرعد)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المناسبة بين الفواصل القرآنية وآياتها (دراسة تطبيقية لسور القصص، العنكبوت، الروم )(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • المناسبة بين الفواصل القرآنية وآياتها ونماذج تطبيقية من سورة يوسف(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المناسبة بين الفواصل القرآنية وآياتها، مع نماذج تطبيقية من سورة البقرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بلاغة الفواصل القرآنية: قراءة في آيات العقيدة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير القرآن بالقرآن من أول سورة يونس إلى آخر سورة الرعد جمعا ودراسة(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • خصائص النظم في سورة الرعد وغيرها من السور(مقالة - موقع د. محمد الدبل)
  • توحيد الربوبية في سورة الرعد(مقالة - آفاق الشريعة)
  • آيات الذرية في سورة الرعد ومضامينها التربوية(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب