• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / نوازل وشبهات / شبهات فكرية وعقدية
علامة باركود

الإسلام وتكريم الجنس البشري (2)

سيد مبارك

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 18/12/2013 ميلادي - 14/2/1435 هجري

الزيارات: 26518

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الإسلام وتكريم الجنس البشري (2)

الإسلام رسالة الله للعالمين (1)

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين -صلى الله عليه وسلم- وبعد.


فقد قلنا: إننا في هذا المبحث سنبين ثلاثة من وسائل تكريم الإنسان كما يلي:

1- تكريم الإنسان صحيًّا وبدنيًّا في الإسلام.

2- تكريم الإنسان خُلقيًّا وخَلقيًّا في الإسلام.

3- تكريم الإنسان حيًّا وميتًا في الإسلام.


وذكرنا الوسيلة الأولى منها في "المقالة السابقة"، ونذكر هنا الوسيلتين الثانية والثالثة بشيء من البيان والشرح، والله المستعان.


2- تكريم الإنسان خُلقيًّا وخَلقيًّا في الإسلام:

كرَّم الإسلام الإنسان خُلقيًّا وخَلقيًّا في كثير من الآيات، والأحاديث النبوية الصحيحة، وما نذكره هنا في هذه الدراسة على سبيل المثال لا الحصر، والله الموفِّق.


أولًا: تكريم الإنسان في الإسلام خَلقيًّا:

قلنا سلفًا: إن من أعظم مظاهر التكريم للجنس البشري هو خَلْقُ الله تعالى الإنسان بيديه في شخص سيدنا آدم أبو البشر- عليه السلام - خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون، وكان ذلك بأمر الله - جل في علاه -، وهو يملكها ولا تملكه، وتتقيد بإرادته كيفما شاء، ولكن ذريته جَعَلَ وجودها وخلْقَها، له سببٌ دنيويٌّ، وهو التقاء الرجل بالمرأة، وعن طريق التناسل بينهما تأتي الذرية.


قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى ﴾ [الحجرات: 13].


قال العلامة ابن العثيمين - رحمه الله -: والخطاب للمؤمن والكافر، والبَر والفاجر، ﴿ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى ﴾ [الحجرات: 13] من ذكر هو آدم، وأنثى هي حواء، هذا هو المشهور عند علماء التفسير، وذهب بعضهم إلى أن المقصود بالذَّكَر والأنثى هنا الجنس، يعني أن بني آدم خُلقوا من هذا الجنس من ذكر وأنثى، وفي الآية دليل على أن الإنسان يتكون من أمه وأبيه، أي يُخلق من الأم والأب اهـ. [1].

 

وخَلْقُ الإنسان من أعظم مظاهر تكريم الإنسان في الإسلام.


وبيَّن لنا الله تعالى كيفية الخلق، ومراحل تكوين الإنسان، وهو جنين في بطن أمه، فقال - جل وعلا -: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾ [المؤمنون: 12 - 14].


وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إنَّ خلْقَ أحدكم يُجمَع في بطن أمه أربعين يومًا أو أربعين ليلة، ثم يكون علَقَة مثله، ثم يكون مضغة مثله، ثم يُبعَث إليه الملَك، فيؤذَن بأربع كلمات، فيكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أم سعيد، ثم ينفخ فيه الروح، فإنَّ أحدكم لَيعملُ بعمل أهل الجنة حتى لا يكون بينها وبينه إلا ذراعٌ، فيسبقُ عليه الكتابُ فيعملُ بعمل أهل النار، فيدخل النار، وإن أحدكم ليعملُ بعمل أهل النار، حتى ما يكون بينها وبينه إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب فيعمل عمل أهل الجنة، فيدخلها))[2].


• ومن مظاهر تكريم الإنسان في الإسلام خَلقيًّا أن الله تعالى خَلَقه في صورة حسنة يتميز بها عن غيره؛ قال تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [آل عمران: 6].


قال ابن كثير: ﴿ هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الْأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاءُ ﴾ [آل عمران: 6]؛ أي: يخلقكم كما يشاء في الأرحام من ذكر وأنثى، وحسن وقبيح، وشقي وسعيد، ﴿ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [آل عمران: 6]؛ أي: هو الذي خَلَق، وهو المستحق للإلهية وحده لا شريك له، وله العزة التي لا تُرَام، والحكمة والأحكام اهـ[3].


• ومن كرم الله على النفس البشرية أنه أنعم عليها بنعم ظاهرة وباطنة، لا تُحصى ولا تُعَدُّ، كما قال تعالى: ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ﴾ [النحل: 18]؛ وذلك ليتمكن الإنسان من أداء الأمانة المكلَّف بها على أفضل وجه وأحسنه، ومن هذه النعم التي أُكرِمَ بها الإنسان على سبيل المثال ما يلي:

♦ خلق له عينين ليبصر بهما، ولسانًاينطق به، وشفتين يضبط بهما النطق والكلام؛ ليفهم قوله، قال تعالى: ﴿ أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ ﴾ [البلد: 8، 9].


♦ وخلقه في أحسن هيئة وأكملها، بأن جعله يمشي منتصبًا على رجليه، ويأكل بيديه، وغيرُه من المخلوقات يمشي على أربعٍ ويأكل بفمه.


قال تعالى: ﴿ وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [النور: 45].


قال ابن كثير - رحمه الله -: يذكر تعالى قدرته التامة، وسلطانه العظيم، في خلقه أنواع المخلوقات على اختلاف أشكالها وألوانها، وحركاتها وسكناتها، من ماء واحد؛ ﴿ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ ﴾ كالحية وما شاكلها، ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ ﴾ كالإنسان والطير، ﴿ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ ﴾ كالأنعام وسائر الحيوانات؛ ولهذا قال: ﴿ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ ﴾ أي: بقدرته؛ لأنه ما شاء كان، وما لم يشأ لم يكن؛ ولهذا قال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾اهـ [4].

 

♦ وخلق له أذنين ليسمع بهما ويميز بين الأصوات، وعقلاً ليدرك به الأشياء ويفقه، وما إلى ذلك من النعم والحواس.


ومن مظاهر تكريم الإنسان في الإسلام خَلقيًّا أنه اختص فئة من الخلق بالبلاء في السمع، أو البصر، أو شلل يصيبهم في البدن، أو غير ذلك؛ لحكمة لا يعلمها إلا هو - جل في علاه - قال تعالى: ﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الملك: 14]، قال السعدي - رحمه الله - في تفسيرها: هذا إخبار من الله بسَعَة علمه، وشمول لطفه، فقال: ﴿ وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ ﴾ [الملك: 13]؛ أي: كلها سواء لديه، لا يخفى عليه منها خافية، فــ﴿ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ﴾ [الملك: 13]؛ أي: بما فيها من النيات والإرادات، فكيف بالأقوال والأفعال التي تُسمَع وتُرى؟!


ثم قال - مستدلاًّ بدليل عقلي على علمه -: ﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ ﴾ [الملك: 14]، فمن خلق الخلق وأتقنه وأحسنه، كيف لا يعلمه؟! ﴿ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الملك: 14] الذي لطف علمه وخبره، حتى أدرك السرائر والضمائر والخبايا، وهو الذي ﴿ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى ﴾ [طه: 7].


ومن معاني اللطيف: أنه الذي يلطف بعبده ووليه، فيسوق إليه البر والإحسان من حيث لا يشعر، ويعصمه من الشر من حيث لا يحتسب، ويُرقِّيه إلى أعلى المراتب بأسباب لا تكون من العبد على بال؛ حتى إنه يذيقه المكاره؛ ليتوصل بها إلى المحابِّ الجليلة، والمقامات النبيلة اهـ[5].

 

قلت: والبلاء جسديًّا في الدنيا امتحان للعبد، ليس تحقيرًا من شأنه، بل لرفع درجته برحمته، ومحبته له - عز وجل - وإن صبر واستقام ولم يشْكُ إلا إليه، فقد يشفيه من بلائه في الدنيا بقدرته وكرمه، كما قال تعالى عن نبي الله أيوب - عليه السلام -: ﴿ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ ﴾ [الأنبياء: 83، 84].


وقد يدَّخِر دعاءه ومناجاتَه له ثوابًا وعطاءً لصبره ورضاه بقضائه فيه، في دار الخلد نعيمًا أبديًّا سرمديًّا.


• قال تعالى: ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ﴾ [البقرة: 214].


قال ابن كثير: قوله تعالى: {﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ ﴾ قبل أن تُبتَلَوا وتُختبروا وتُمتحنوا، كما فُعل بالذين من قبلكم من الأمم؛ ولهذا قال: ﴿ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ ﴾ [البقرة: 214]، وهي: الأمراض والأسقام والآلام، والمصائب والنوائب اهـ[6].

 

• وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الله - تبارك وتعالى - يبتلي عبده بما أعطاه، فمن رضي بما قسم الله - عز وجل - له، بارك الله له فيه ووسعه، ومن لم يرضَ، لم يبارك له فيه))[7].


• وفي رواية أخرى قال -صلى الله عليه وسلم-: ((أشد الناس بلاء الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل، يُبتَلَى الناس على قدر دينهم، فمن ثَخُن دينه، اشتد بلاؤه، ومن ضعُف دينه، ضعف بلاؤه، وإن الرجل لَيُصيبُه البلاء حتى يمشي في الناس ما عليه خطيئة))[8].


قال ابن القيم: والله تعالى يبتلي عبده؛ ليسمع شكواه وتضرعه ودعاءه.


وقد ذم اللهُ سبحانه من لم يتضرع إليه، ولم يستَكِنْ له وقت البلاء، كما قال تعالى: ﴿ وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُمْ بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ ﴾ [المؤمنون: 76].


والعبد أضعف من أن يتجلَّد على ربه، والرب تعالى لم يُرِدْ من عبده أن يتجلد عليه، بل أراد منه أن يستكين له ويتضرع إليه، وهو تعالى يمقت من يشكوه إلى خلقه، ويحب من يشكو ما به إليه اهـ[9].

 

ثانيًا: تكريم الإنسان في الإسلام خُلقيًّا:

من مظاهر تكريم الإنسان في الإسلام خُلقيًّا: دعوته له للتمسك بحسن الخلق، وهو الجامع لكل خير، وبيَّن ذلك من لا ينطق عن الهوى بكلمات قليلة، فيها جوامع الخير كله، فقال -صلى الله عليه وسلم-: ((البِر حُسنُ الخُلُق، وَالإِثمُ مَا حاك فِي نَفسك وكرهت أَن يُطَّلَع عَلَيْهِ)).


قال ابن العثيمين: أما حُسْنُ الخلق مع الله، فهو: الرضا بحكمه شرعًا وقَدَرًا، وتلقي ذلك بالانشراح وعدم التضجر، وعدم الأسى والحزن، فإذا قدَّرَ الله على المسلم شيئًا يكرهه، رضي بذلك واستسلم وصبر، وقال بلسانه وقلبه: رضيت بالله ربًّا، وإذا حكم الله عليه بحكم شرعي، رَضِي واستسلم، وانقاد لشريعة الله - عز وجل - بصدر منشرح، ونفس مطمئنة، فهذا حُسْنُ الخلق مع الله - عز وجل.


أما مع الخَلْقِ، فيُحْسِنُ الخُلُق معهم بما قاله بعض العلماء: كف الأذى، وبذل الندى، وطلاقة الوجه.


كفُّ الأذى: بألا يؤذي الناس لا بلسانه ولا بجوارحه.


وبذْلُ النَّدَى: يعني العطاء، فيبذل العطاء من مالٍ وعلم وجاه، وغير ذلك.


وطلاقة الوجه: بأن يلاقي الناس بوجه منطلق، ليس بعبوس، ولا مُصَعِّر خده، وهذا هو حسن الخلق. اهـ.


قلتُ: ومن تكريم الله - تبارك وتعالى - للإنسان خُلقيًّا أنه خلق الناس جميعًا على الفطرة السوية، والحنيفية السمْحة لا تشوبها شائبة؛ قال تعالى: ﴿ فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الروم: 30].


• وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((كل مولود يُولَد على الفطرة، فأبواه يُهوِّدانه، أو ينصِّرانه، أو يُمَجِّسانه، كمثل البهيمة تُنتَجُ البهيمةَ، هل ترى فيها جدعاء))[10].


يقول السعدي - رحمه الله - ما مختصره:

فإن جميع أحكام الشرع الظاهرة والباطنة قد وضع اللَّه في قلوب الخلق كلهم الميل إليها، فوضع في قلوبهم محبة الحق، وإيثار الحق، وهذا حقيقة الفطرة.


ومن خرج عن هذا الأصل، فَلِعَارض عَرَض لفطرته أفسدها، كما قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهوِّدانه، أو ينصِّرانه، أو يمجِّسانه)) اهـ[11].

 

• والإسلام رسالة الله للعالمين، ضمت شريعته الكثير من الأوامر والنواهي؛ لإرساء مبدأ الثواب والعقاب - سنزيد من بيانه في المبحث التالي - وهو المبدأ الذي لا تستقيم حياة الشعوب والأمم إلا به، وقد يقال: إن الثواب والعقاب موجود في كل ملة وشريعة، وقانون وضعي، نقول: هذا صحيح، ولكن في الإسلام بسماحته وسموه وعدله ومنهجه الرباني الذي حفظه الله من التبديل والتحريف، فيه سعادة البشرية ورقيُّها، كما سوف يتبين لكل منصف في هذه الدراسة، والله المستعان، وعليه التكلان.


إذًا مبدأ الثواب والعقاب في ديننا الإسلامي، شُرِع لتحسين أخلاق البشر، وإن طُبق على كل إنسان، لاستقام حال البشرية جمعاء.


وأذكر في هذه العجالة من مظاهر تكريم الإنسان خُلُقيًّا ما يلي:

• حثَّ الإسلام على الرفق واللين، والإحسان للخلق، وترك الغلظة والشدة، وكظم الغيط الذي يؤدي للكراهية والعداوة؛ فقال تعالى: ﴿ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [آل عمران: 134].


وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يُنْزَعُ من شيء إلا شَانَه))[12].


• ونهى الإسلام عن خيانة الأمانة، وحث على الالتزام بأدائها، وأمَرَ بالوفاء بالوعد، ونهى عن إخلافه بلا عذر، فقال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴾ [المؤمنون: 8].


وقال النبي - صلى الله عليه وسلم –: ((أربعٌ من كُنَّ فيه، كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خَصلة منهن، كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا اؤتُمِنَ خان، وإذا حدَّث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فَجَر))[13].


• وحث الإسلام على حفظ اللسان عن الغيبة والنميمة، وقول الزور، والكذب، والفحش في القول، والسخرية من الخير، وما أشبه ذلك مما يتلفظ به الإنسان ويحاسَب عليه، فقال تعالى: ﴿ مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 18].


• قال النبي -صلى الله عليه وسلم- لمعاذ بن جبل - رضي الله عنه -: ((ألاَ أخبرك بِمِلاك ذلك كُلِّه؟))، قلتُ: بلى يا رسول الله، فأَخَذَ بلسان نفسه، وقال: ((كُفَّ عليك هذا))، قلت: يا رسول الله، إنَّا لَمُؤاخذون بما نتكلم به؟! قال: ((ثَكِلَتْكَ أمك يا معاذ! وهل يَكُبُّ الناسَ في النار على وجوههم - أو قال: على مناخِرِهِمْ - إلا حصائدُ ألسنتهم))[14].


قال ابن العثيمين: فالمؤمن يجب أن يَحْذَرَ لسانه؛ فإنه آفة عظيمة؛ ولهذا قال الرسول - عليه الصلاة والسلام -: ((من كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فَلْيَقُل خيرًا أو ليصمت))[15]، وحينئذٍ نعرف أن الصمت مفضَّل على الكلام؛ لأن الكلام قد لا يدري الإنسان أخيرٌ هو أم شرٌّ، ثم إني أقول: الكلمة إذا أطلقْتَها، وخرَجَتْ من فَمِكَ، فهي كالرصاصة تطلقها، لا يمكنك أن تمنعها إذا خرجت من فوهة البندقية، إذا انطلقت تُفْسِد أو تُصلح، كذلك الكلمة، فالعاقل يمنع لسانه، ولا يتكلم إلا بخير، والخير إما في ذات المتكلَّم به، وإما في غيره، يعني قد يكون الكلام ليس خيرًا لا بنفسه، لكنه خير من جهة آثاره، قد يتكلم الإنسان بكلام لغو، ليس أمرًا بالمعروف، ولا نهيًا عن منكر، وليس إثمًا ووزرًا، لكن يتكلم من أجل أن يفتح الباب للحاضرين؛ لأنه أحيانًا تستولي على المجلس الهيبة، ولا أحد يتكلم، فيبقى الناس كلهم في غم، فيتكلم من أجل أن يفتح الباب للناس، وتنشرح صدورهم، ويحصل تبادل الكلام الذي قد يكون نافعًا، نقول: هذا الكلام الذي تكلم، وفتح به باب الكلام، وأزال عن الناس الغم - يعتبر خيرًا اهـ. [16].

 

والحاصل مما ذكرنا أن مِنْ كَرَمِ الله تعالى على الجنس البشري أنه وهبهم حُسْن الخُلُق، وحسن الخِلْقة، وشرع لهم دينًا يخاطب قلوبًا واعية، تتعطش للكرامة الإنسانية في سموها ورقيها؛ لأنه رسالة الله للعالمين.


3- تكريم الإنسان حيًّا وميتًا في الإسلام:

النفس البشرية في الإسلام حَظِيَتْ في تكريمها وتعظيم شأن صاحبها حيًّا وميتًا بما لا يوجد في أي ملة من الأديان، سواء كانت ديانة سماوية أو دنيوية، وها هي بعضٌ من تعاليم وأحكام هذا الدين الذي ارتضاه الله لعباده، وجعله الدين الخاتم والمهيمن على سائر الأديان.


أولًا: من مظاهر تكريم الإنسان حيًّا:

1- كرَّم الله النفس البشرية بأن جعل لها الحق في الحياة وحرَّم إهلاكها، وقد ذم الله في قرآنه وَأْدَ البنات قديمًا في الجاهلية قبل البعثة، وهو دفنهنَّ أحياءً خوفًا من العار أو الفقر.


قال تعالى: ﴿ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾ [النحل: 58، 59].


قال ابن العثيمين: وأد البنات هو: أن من عادة الجاهلية الحمقاء أن الإنسان إذا وُلِد له بنت دفنها - والعياذ بالله - وهي حية ﴿ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ ﴾ [النحل: 58، 59]؛ يعني: يختفي عن الناس من سوء ما بشر به، ﴿ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ ﴾ [النحل: 59]؛ أي: يبقيها مع الإهانة وعدم المبالاة بها، ﴿ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ ﴾ [النحل: 59]؛ أي: يدفنه وهو حي، حتى إن بعضهم - والعياذ بالله - كان يَحفِر حفرة لابنته، فطار شيء من الغبار على لحيته وهو يريد أن يدفنها، فنفضت لِحْيته عن التراب ودفنها والعياذ بالله، إلى هذا الحد؛ يعني قلوب أغلظ من الحجارة، حتى البهائم لا تفعل بأولادها هكذا. اهـ[17].

 

ولأن الحياة منحةٌ إلهيةٌ؛ فقد حرم الله في الإسلام قتل النفس البشرية حتى وهي جنين في بطن الأم بدون سبب شرعي يسوِّغ ذلك، فحرم على النساء الإجهاض بعد نفخ الروح؛ فالجنين بعد نفخ الروح فيه، لا يجوز إجهاضه، بلا خلاف بين علمائنا؛ لأنه قتلُ نفس بغير حق، أما قبل ذلك، ففيه خلاف، ولسنا بصدد بيانه في موضعنا هذا.


والأصل في حكم الإجهاض: الحظر والمنع؛ والإسلام اعتبر النفس البشرية لها حرمتها، وجعلها إحدى الضرورات أو الكليات الخمس، قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ﴾ [الأنعام: 151].


• والنبي المبعوث رحمة للعالمين -صلى الله عليه وسلم- ضرب القدوة في حفظ النفس البشرية، وحرمة قتلها بغير حق، فلم يُقِمِ الحد على الغامدية التي جاءت معترفة بالزنا، فقالت يا رسول الله: إني قد زنيت فطهرني، وإنه رَدَّها، فلما كان الغدُ، قالت: يا رسول الله، لِمَ تَرُدُّني؟ لعلك أن تردَّني كما رَدَدْتَ ماعزًا، فوالله إني لحبلى! قال: ((إما لا، فاذهبي حتى تلدي))، فلما ولدت، أتته بالصبي في خرقة، قالت: هذا قد ولدته، قال: ((اذهبي فأرضعيه حتى تفطميه))، فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز، فقالت: هذا يا نبي الله قد فطمته، وقد أكل الطعام، فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين، ثم أمر بها فحُفِرَ لها إلى صدرها، وأمر الناس فرجموها فيقبل خالد بن الوليد بحجر، فرمى رأسها، فتنضح الدم على وجه خالد فسبَّها، فسمع نبيُّ الله -صلى الله عليه وسلم- سبَّه إياها، فقال: ((مهلاً يا خالد، فوالذي نفسي بيده، لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس لغُفِر له))، ثم أمر بها فصلى عليها ودُفِنَتْ[18].


لقد أبى النبي -صلى الله عليه وسلم-إقامة الحد عليها إلى أن وضعت حملها، ثم أرضعته وفطمته، وبعد ذلك أقام الحد عليها، ودفع الصبي إلى رجل من المسلمين، فهذا دليل على حرمة النفس في هذا الدين الذي يسمو بها ويكرمها.


2- حرَّم على الإنسان وسائل إهلاك النفس وقتلِها؛ حفظًا لها، بغير مبرر شرعي يبيح ذلك، كالإضراب عن الطعام، أو الانتحار، أو ما أشبه ذلك، وسوف نفصِّل هذا فيما يأتي من مباحث في هذه الدراسة، فما نجمله هنا، نبسطه في موضع آخر؛ منعًا للتكرار، والله المستعان.


3- حرم عليه ما يَشِين آدَمِيَّته، ويضر بصحته، ويهلكه، كالتدخين، وتعاطي المخدرات والمسكرات، واللواط والزنا، وكل ما يخالف الفطرة، ويسبِّب له أمراضًا، تؤثر عليه صحيًّا ونفسيًّا، وقد تؤدي لوفاته.


قال تعالى: ﴿ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ﴾ [البقرة: 195].


قال السعدي: والإلقاء باليد إلى التهلكة يرجع إلى أمرين: ترك ما أُمِر به العبد، إذا كان تركه موجبًا أو مقاربًا لهلاك البدن أو الروح، وفِعْل ما هو سبب موصل إلى تلف النفس أو الروح، فيدخل تحت ذلك أمور كثيرة، فمن ذلك: ترك الجهاد في سبيل الله، أو النفقة فيه، الموجب لتسلط الأعداء، ومن ذلك تغرير الإنسان بنفسه في مقاتلة، أو سفر مخوف، أو محل مسبعة أو حيَّات، أو يصعد شجرًا أو بنيانًا خطرًا، أو يدخل تحت شيء فيه خطر، ونحو ذلك، فهذا ونحوه ممن ألقى بيده إلى التهلكة.


ومن الإلقاء باليد إلى التهلكة: الإقامة على معاصي الله، واليأس من التوبة، ومنها: ترك ما أمر الله به من الفرائض، التي في تركها هلاك للروح والدين. اهـ[19].

 

وقال النبي - صلى الله عليه وسلم-: ((لا ضرر ولا ضرار))[20].


4- دعا لتزكية النفس بما يحييها ويسمو بها، ونهى عن اتباع الهوى، وطاعة الشيطان، فيضلها وتشقى، والإنسان مخير في عمل الخير أو الشر في دنياه؛ لأنها دار عمل وبلاء، وفي الآخرة يجازيه الله تعالى بعدله وكرمه ما شاء.


قال تعالى: ﴿ وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا ﴾ [الشمس: 7 - 10].


قال الشنقيطي - رحمه الله - ما مختصره:

فهذه النفس في تسويتها لتلقي معاني الخير والشر، واستقبال الإلهام الإلهي للفجور والتقوى، أعظم دلالة على القدرة من تلك الجمادات التي لا تبدي ولا تعيد، والتي لا تملك سلبًا ولا إيجابًا.


وهنا مثال بسيط فيما استُحْدِث من آلات حفظ وحساب، كالآلة الحاسبة والعقل الإلكتروني؛ فإنها لا تخطئ كما يقولون، وقد بهرت العقول في صفتها، ولكن بنظرة بسيطة نجدها أمام النفس الإنسانية كقطرة من بحر.


فنقول: إنها أولاً من صنع هذه النفس ذات الإدراك النامي، والاستنتاج الباهر.


ثانيا: هي لا تخطئ؛ لأنها لا تقدر أن تخطئ؛ لأن الخطأ ناشئ عن اجتهاد فكري، وهي لا اجتهاد لها، إنما تشير وَفْق ما رُسِم لها؛ كالمادة المسجَّلة في شريط، فإن المسجِّل مع دقة حفظه لها، فإنه لا يقدر أن يزيد ولا ينقص حرفًا واحدًا.


أما الإنسان، فإنه يغيِّر ويبدل، وعندما يبدِّل كلمة مكان كلمة، فلقدرته على إيجاد الكلمة الأخرى، أو لاختياره ترك الكلمة الأولى.


وهكذا هنا، فالله تعالى هنا خلق تلك النفس أولاً، ثم سواها على حالة تقبلُ تلقِّي الإلهام بقسميه: الفجور والتقوى، ثم تسلك أحد الطريقين، فكأن مجيء القسم بها بعدتلك المسميات دلالة على عظم ذاتها وقوة دلالتها على قدرة خالقها، وما سواها مستعدة قابلة لتلقي إلهام الله إياها. اهـ[21].

 

ثانيًا: من مظاهر تكريم الإنسان ميتًا:  

1- فرض غُسله وتكفينه، والصلاة عليه، والدعاء له بالرحمة، وتشييعه حتى يوارى جسده الثرى.

• ودليل الغُسل حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((خَرَّ رجل من بعيره فوقع فمات، فقال: اغسلوه بماء وسدر، وكفِّنوه في ثوبيه، ولا تخمروا رأسه؛ فإن الله يبعثه يوم القيامة مُلَبِّيًا))[22].


• ودليل الصلاة عليه وتشييعه حديث ثوبان قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((من صلى على جنازة، فله قيراط، ومن شهد دفنها، فله قيراطان))، قال: فسئل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن القيراط، فقال: ((مثل أُحُدٍ))[23].


• ودليل الدعاء حديث عثمان بن عفان - رضي الله عنه - قال: كان النبي -صلى الله عليه وسلم- إذا فرغ من دفن الميت، وقف عليه وقال: ((استغفروا لأخيكم وسَلُوا له التثبيت؛ فإنه الآن يُسأل)).


2- حثَّ على احترام الميت، وعدم احتقاره وأذيته بالقول أو الفعل، مهما كان دينه؛ لحرمة النفس البشرية عمومًا، وكرامتها عند الله تعالى، وهو الذي يحاسبها إن شاء غفر لها وأدخلها جنته، وإن شاء عذبها وأدخلها ناره، وأدلة ذلك ما يلي:

• دليل احترام الميت كنفس بشرية خلقها الله -تعالى-: حديث عبدالرحمن بن أبي ليلى قال: كان ابن حنيف، وقيس بن سعد قاعدين بالقادسية، فمر عليهما بجنازة، فقاما، فقيل لهما: إنها من أهل الأرض؛ أي: من أهل الذِّمَّة؟ فقالا: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مرَّت به جنازة، فقام، فقيل له: إنها جنازة يهودي؟! فقال: ((أليست نفسًا؟))[24].


• وفي رواية عن جابر بن عبدالله - رضي الله عنهما - قال:

كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- إذ مرت بنا جنازة، فقام لها، فلما ذهبنا لنحمل، إذا هي جنازة يهودي، فقلنا: يا رسول الله، إنما هي جنازة يهودي؟ فقال: ((إن الموت فزع، فإذا رأيتم جنازة فقوموا))[25].


قال الحافظ ابن حجر العسقلاني في شرح الحديث ما مختصره: قال القرطبي: معناه أن الموت يفزع منه، إشارة إلى استعظامه، ومقصود الحديث ألا يستمر الإنسان على الغفلة بعد رؤية الموت؛ لما يُشْعِرُ ذلك من التساهل بأمر الموت، فمن ثم استوى فيه كون الميت مسلمًا أو غير مسلم.


وأضاف - رحمه الله -: وعن ابن عباس مثله عند البزار قال: وفيه تنبيه على أن تلك الحالة ينبغي لمن رآها أن يقلق من أجلها ويضطرب، ولا يُظْهِر منه عدم الاحتفال والمبالاة اهـ. [26].

 

• ودليل عدم احتقاره وأذيته، وسرقة أعضائه، أو نبش قبره، إلا لضرورة شرعية أو ما أشبه هذا: حديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((كسر عظم الميت ككسره حيًّا))[27].


قال العلامة ابن العثيمين - رحمه الله -: واعلم أن كسر عظم الميت ككسره حيًّا، كما جاء ذلك عن النبي - عليه الصلاة والسلام - فالميت محترم لا يجوز أن يؤخذ من أعضائه شيء، ولا أن يُكسر من أعضائه شيء؛ لأنه أمانة، وسوف يُبعَث بكامله يوم القيَامة، وإذا كان كذلك، فلا يجوز أن تأخذ منه شيئًا.


ولهذا نص فقهاء الحنابلة - رحمهم الله - على أنه لا يجوز أن يؤخذ من الميت شيء من أعضائه، ولو أوصى به؛ وذلك لأن الميت محترم، كما أن الحي محترم، فإذا أخذنا من الميت عضوًا، أو كسرنا منه عظمًا، كان ذلك جناية عليه، وكان اعتداء عليه، وكنا آثمين بذلك اهـ. [28].

 

3- كرَّم الإسلام النفس البشرية، فحرم التمثيل بجسد صاحبها ميتًا، ودليل ذلك حديث عبدالله بن يزيد عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه نهى عن النهبة والمُثْلة.


وقال ابن تيمية: فأما التمثيل في القتل، فلا يجوز إلا على وجه القصاص، وقد قال عمران بن حصين - رضي الله عنهما -: ما خطَبَنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- خطبة إلا أمَرَنا بالصدقة، ونهانا عن المُثْلة، حتى الكفار إذا قتلناهم، فإنَّا لا نُمَثِّل بهم بعد القتل، ولا نجْدَع آذانهم وأنوفهم، ولا نَبْقُر بطونهم، إلا أن يكونوا فعلوا ذلك بنا، فنفعل بهم مثلما فعلوا، والترك أفضل، كما قال الله تعالى: ﴿ وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ * وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ ﴾ [النحل: 126، 127]، قيل: إنها نزلت لما مثَّل المشركون بحمزةَ وغيرِه من شهداء أُحُد - رضي الله عنهم - فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((لئن أظفرني الله بهم، لَأُمَثِّلن بضعْفَيْ ما مثَّلُوا بنا))، فأنزل الله هذه الآية، وإن كانت قد نزلت قبل ذلك بمكة. اهـ[29].

 

وختامًا لهذا المبحث من الدراسة، ننبه القارئ الكريم أن ما أثبتُّه هنا بالأدلة الشرعية عن تكريم الإسلام للجنس البشري، كله صدق ويقين، وما أردنا إلا أن نُمِيط اللثام، ونكشف النقاب، عن الغفلة عن هذه الشريعة العظيمة، التي أصابت كثيرًا من المسلمين، فصاروا يتفاخرون بمواثيق وحقوق لا تراعي دينًا ولا حرمة، ظاهرها الرحمة، وباطنها العذاب، بما تحتويه من عَوَار في التطبيق والمضمون، وإهانة للنفس التي أكرمها خالقها - جل في علاه - برسالة خَاتمة، فيها صلاحها وفلاحها، دينًا ودنيا، والله من وراء القصد، وهو يهدي السبيل، وللحديث بقية إن شاء الله تعالى.



[1] انظر تفسير العلامة محمد العثيمين (7:38).

[2] أخرجه البخاري برقم:3085، باب خلق آدم - صلوات الله عليه - وذريته.

[3]  تفسير القرآن العظيم لابن كثير (2:6)؛ الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع.

[4] تفسير القرآن العظيم؛ لابن كثير (6:73)، الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع.

[5] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان؛ لعبدالرحمن بن ناصر السعدي (1:876).

[6] تفسير القرآن العظيم؛ لابن كثير (1:571)، الناشر: دار طيبة للنشر والتوزيع.

[7] انظر السلسلة الصحيحة (4: 215) للألباني.

[8] انظر حديث رقم: 993 في صحيح الجامع.

[9] عدة الصابرين وذخيرة الشاكرين؛ لابن القيم (ص:26)؛ الباب التاسع: في بيان تفاوت درجات الصبر.

[10] أخرجه البخاري برقم:1296، باب ما قيل في أولاد المشركين.

[11] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان؛ لعبدالرحمن بن ناصر السعدي (1:640).

[12] أخرجه مسلم برقم:4698، باب فضل الرفق، من حديث عائشة - رضي الله عنها.

[13] انظر حديث رقم: 889 في صحيح الجامع.

[14] صحح الألباني إسناده في الترهيب والترغيب برقم:2866؛ والسلسلة الصحيحة (3: 114).

[15] أخرجاه في الصحيحين: البخاري برقم:5994، باب حفظ اللسان، ومسلم برقم:67، باب الحث على إكرام الجار والضيف ولزوم الصمت.

[16] انظر تفسير ابن العثيمين (8:18).

[17] انظر شرح رياض الصالحين؛ لمحمد بن صالح بن محمد العثيمين (1:2135)، باب النهي عن إضاعة المال في غير وجوهه التي أذن الشرع فيها.

[18] أخرجه مسلم برقم:3208، باب من اعترف على نفسه بالزنا.

[19] تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان؛ لعبدالرحمن بن ناصر السعدي (1:90).

[20] صحح الألباني إسناده في غاية المرام في تخريج أحاديث الحلال والحرام، برقم: 68.

[21] تفسير أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن؛ للشنقيطي (8:540)، الناشر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، بيروت - لبنان.

[22] أخرجاه في الصحيحين: البخاري برقم:1187، باب الحنوط للميت، ومسلم: برقم: 2092، باب ما يفعل بالمُحرِم إذا مات.

[23] أخرجه مسلم برقم:1575، باب فضل الصلاة على الجنازة واتباعها.

[24] أخرجاه في الصحيحين: البخاري برقم:1229، باب من قام لجنازة يهودي، ومسلم برقم: 1596، باب القيام للجنازة.

[25] أخرجه البخاري حديث رقم:1228، باب من قام لجنازة يهودي.

[26] انظر شرح الحديث رقم:1228 لابن حجر في فتح الباري (4:366).

[27] انظر صحيح الأحكام (233) ، والإرواء (763) للألباني.

[28] انظر شرح رياض الصالحين؛ لمحمد بن صالح بن محمد العثيمين (1301).

[29] مجموع الفتاوى؛ لابن تيمية (28:314).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الإسلام وتكريم الجنس البشري (1)
  • الإسلام وحقوق الإنسان الأساسية
  • كرامة الإنسان
  • تكريم الإنسان في الإسلام

مختارات من الشبكة

  • الإسلام دين جميع الأنبياء، ومن ابتغى غير الإسلام فهو كافر من أهل النار (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مكانة المرأة في الإسلام: ستون صورة لإكرام المرأة في الإسلام (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الحرب في الإسلام لحماية النفوس وفي غير الإسلام لقطع الرؤوس: غزوة تبوك نموذجا(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لماذا اختيار الإسلام دينا؟ الاختيار بين الإسلام والمعتقدات الأخرى (كالنصرانية واليهودية والهندوسية والبوذية..) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • لو فهموا الإسلام لما قالوا نسوية (منهج الإسلام في التعامل مع مظالم المرأة)(مقالة - ملفات خاصة)
  • كلمات حول الإسلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • اليابان وتعاليم الإسلام وكيفية حل الإسلام للمشاكل القديمة والمعاصرة (باللغة اليابانية)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مقاييس جمال النص في صدر الإسلام وموقف الإسلام من الشعر(مقالة - حضارة الكلمة)
  • الإسلام (بني الإسلام على خمس)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • شرح لامية شيخ الإسلام من كلام شيخ الإسلام (WORD)(كتاب - موقع د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب