• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: تربية الشباب على حسن الخلق
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    الإسلام منهج يقبل الآخر ويتعايش مع غير المسلمين
    الشيخ ندا أبو أحمد
  •  
    يا ابن آدم، لا تكن أقل فقها من السماوات والأرض ...
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    حقوق البنات
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    لا تنشغل بحطام زائل
    محمد بن عبدالله العبدلي
  •  
    فقه يوم عاشوراء
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    أدوات الكتابة المستخدمة في الجمع الأول في العهد ...
    الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي
  •  
    ولا ظالم إلا سيبلى بأظلم
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    مصارع العُشَّاق: تشخيص الداء، ووصف الدواء (WORD)
    د. لحرش عبد السلام
  •  
    الصدقات سبب في نزول البركة
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الدرس الثامن والعشرون: حقوق الزوج على الزوجة
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    بناء الإنسان قيمة حضارية (خطبة)
    د. عبدالرزاق السيد
  •  
    أيها الداعي! اعزم مسألتك وعظم رغبتك (خطبة)
    د. محمد بن عبدالله بن إبراهيم السحيم
  •  
    أفضل الخلق بعد الأنبياء (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    العام الجديد والتغيير المنشود (خطبة)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    عام تصرم وعام يتقدم (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب / في النصيحة والأمانة
علامة باركود

لا تقيد نفسك بين هم وحزن

الشيخ عبدالله بن محمد البصري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 18/12/2013 ميلادي - 15/2/1435 هجري

الزيارات: 15826

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

لا تقيد نفسك بين هم وحزن


الخطبة الأولى

أَمَّا بَعدُ، فَأُوصِيكُم - أَيُّهَا النَّاسُ - وَنَفسِي بِتَقوَى اللهِ - عَزَّ وَجَلَّ - ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ﴾ [الأنفال: 29].

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، نَقرَأُ قَولَ رَبِّنَا وَخَالِقِنَا - عَزَّ وَجَلَّ -: ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي كَبَدٍ ﴾ [البلد: 4] فَنَعلَمُ عِلمَ يَقِينٍ، أَنَّ طَرِيقَ الإِنسَانِ في هَذِهِ الحَيَاةِ، مَحفُوفٌ بما يَكرَهُ وَلا يُحِبُّ، وَأَنَّ عَيشَهُ في دُنيَاهُ في مُغَالَبَةٍ وَمُكَابَدَةٍ، وَلا بُدَّ لَهُ مِن شِدَّةٍ تُصِيبُهُ، فَيَومًا يَغلِبُ وَيَومًا يُغلَبُ، وَحِينًا يُسَرُّ وَحِينًا يَحزَنُ، وَيَصِحُّ زَمَنًا وَيَمرَضُ زَمَنًا، وَيَغتَنِي مَرَّةً وَيَفتَقِرُ أُخرَى، بَل وَيقوَى إِيمَانُهُ في وَقتٍ وَتَكثُرُ طَاعَاتُهُ، وَيُقبِلُ عَلَى رَبِّهِ وَتَزِيدُ قُرُبَاتُهُ، ثم مَا يَلبَثُ أَن يَفتُرَ وَيَكسَلَ وَيَضعُفَ، وَمِن ثَمَّ فَإِنَّ اجتِمَاعَ هَذِهِ الأُمُورِ عَلَيهِ وَتَقَلُّبَهُ في بُحُورِهَا، وَتَذَكُّرَهُ مَرَارَةَ بَعضِهَا وَفَقدَهُ حَلاوَةَ أُخرَى، وَخَوفَهُ مِن حُصُولِ مَكرُوهٍ وَفَوَاتِ مَحبُوبٍ، لا بُدَّ أَن يُورِثَهُ هَمًّا وَحَزَنًا يَزِيدَانِ أَو يَنقُصَانِ، وَيَغِيبَانِ أَو يَحضُرَانِ، بَل لا يَكَادَانِ يُفَارِقَانِهِ حَتى يَأذَنَ اللهُ لِمَن رَحِمَهُ بِدُخُولِ الجَنَّةِ دَارِ السَّلامِ، حَيثُ لا حَزَنَ هُنَالِكَ وَلا هَمَّ وَلا غَمَّ، وَلا كَربَ وَلا ضِيقَ وَلا أَلَمَ، بَل دَارُ مُقَامَةٍ في نَعِيمٍ يَكُونُ أَوَّلُ دُعَاءِ أَهلِهِ ﴿ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ ﴾ [فاطر: 34، 35] وَمَعَ هَذَا - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - وَمَعَ أَنَّ الدُّنيَا دَارُ هُمٍّ وَحَزَنٍ وَبَلاءٍ، وَمَرحَلَةُ شِدَّةٍ وَكَبَدٍ وَبَأسَاءَ، إِلاَّ أَنَّ لِلمَرءِ نَفسِهِ دَورًا كَبِيرًا في التَّخفِيفِ مِن هَذَا أَو زِيَادَتِهِ، وَلا شَكَّ أَنَّ مَنشَأَ ذَلِكَ وَأَسَاسَهُ، يَرجِعُ إِلى إِيمَانِ العَبدِ قُوَّةً وَضَعفًا، وَكَثرَةِ ذِكرِهِ لِرَبِّهِ أَو شِدَّةِ نِسيَانِهِ وَالغَفلَةِ عَنهُ، قَالَ - سُبحَانَهُ -: ﴿ مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً ﴾ [النحل: 97] وَقَالَ - جَلَّ وَعَلا -: ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ [طه: 124] فَبِقَدرِ إِيمَانِ المَرءِ تَكُونُ سَعَادَتُهُ، وَبِقُوَّةِ يَقِينِهِ تَستَقِرُّ نَفسُهُ، وَبِذكرِهِ رَبَّهُ يَطمَئِنُّ قَلبُهُ وَيَثبُتُ فُؤَادُهُ. رَوَى البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ عَن أَنَسٍ - رَضِيَ اللهُ عَنهُ - قَالَ: كَانَ النَّبيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الهَمِّ وَالحَزَنِ، وَالعَجزِ وَالكَسَلِ، وَالجُبنِ وَالبُخلِ، وَضَلَعِ الدَّينِ وَغَلَبَةِ الرِّجَالِ " وَقَد جَمَعَ - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بما عَلَّمَهُ رَبُّهُ في هَذِهِ الدَّعَوَاتِ، جَمَعَ مَعَانيَ السَّعَادَةِ الدُّنيَوِيَّةِ الكَامِلَةِ، حَيثُ تَعَوَّذَ مِن أَضدَادِهَا مِن مُنَغِّصَاتِ الحَيَاةِ وَمُكَدِّرَاتِ العَيشِ، وَهِيَ: الهَمُّ، حَيثُ يَضِيقُ الصَّدرُ بِسَبَبِ مَا يُتَوَقَّعُ مُستَقبَلاً، وَالحَزَنُ، وَهُوَ الضِّيقُ مِن كَثرَةِ تَفكِيرِ المَرءِ فِيمَا مَضَى وَتَأَسُّفِهِ عَلى مَا فَاتَ، وَالعَجزُ، وَهُوَ عَدَمُ قُدرَةِ الآلَةِ وَالجَوَارِحِ عَلَى القِيَامِ بما يَأمَلُهُ الإِنسَانُ وَيُرِيدُهُ وَيَطمَحُ إِلَيهِ، وَالكَسَلُ، وَهُوَ القُعُودُ عَنِ المَعَالي وَالرُّكُونُ إِلى الرَّاحَةِ وَالدَّعَةِ، وَعَدَمُ السَّعيِ أَو بَذلِ الجُهدِ لِتَحقِيقِ المَطَالِبِ وَالأَمَانِيِّ، وَالجُبنُ، وَهُوَ ضِدُّ الشَّجَاعَةِ وَالإِقدَامِ، وَالبُخلُ، وَهُوَ الشُّحُّ بِالمَالِ وَالحِرصُ عَلَيهِ بِشِدَّةٍ، وَعَدمُ الجُودِ بِهِ في زَكَاةٍ أو صَدَقَةٍ أَو إِيثَارٍ، وَضَلَعُ الدَّينِ، وَهُوَ ثِقَلُهُ وَشِدَّتُهُ، وَتَكَاثُرُهُ حَتى يَعجِزَ صَاحِبُهُ عَن سَدَادِهِ، وَغَلَبَةُ الرِّجَالِ، وَهُوَ قَهرُهُم وَتَسَلُّطُهُم، وعَدَمُ القُدرَةِ عَلَى التَّخَلُّصِ مِن أَذَاهُم... وَمَا مِن شَكٍّ أَنَّ عِلاجَ كُلِّ هَذِهِ المُسَبِّبَاتِ وَالقَضَاءَ عَلَيهَا، يَبدَأُ بِقُوَّةِ إِيمَانِ العَبدِ بِرَبِّهِ وَخَالِقِهِ، وَاليَقِينِ بما عِندَهُ وَصِدقِ التَّوَكُّلِ عَلَيهِ، وَالثِّقَةِ فِيمَا وَعَدَ بِهِ وَالرِّضَا بما قَدَّرَهُ، ثم التَّجَافي عَنِ الدُّنيا وَأَهلِهَا، وَالزُّهدِ في زَخَارِفِهَا وَأَطمَاعِهَا، وَأَن يَعلَمَ المَرءُ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لم يَكُنْ لِيُخطِئَهُ، وَأَنَّ مَا أَخطَأَهُ لم يَكُنْ لِيُصِيبَهُ، وَأَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجتَمَعُوا عَلَى أَن يَنفَعُوهُ بِشَيءٍ، لم يَنفَعُوهُ إِلاَّ بِشَيءٍ قَد كَتَبَهُ اللهُ لَهُ، وَلَوِ اجتَمَعُوا عَلَى أَن يَضُرُّوهُ بِشَيءٍ، لم يَضُرُّوهُ إِلاَّ بِشَيءٍ قَد كَتَبَهُ اللهُ عَلَيهِ، وَمِن ثَمَّ فَإِنَّ العَاقِلَ يَعِيشُ يَومَهُ الَّذِي هُوَ فِيهِ، وَسَاعَتَهُ الحَاضِرَةَ الَّتي هُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنهَا، مُتَوَافِقًا مَعَ مُجتَمَعِهِ الَّذِي هُوَ جُزءٌ مِنهُ وَعُضوٌ في جَسَدِهِ، مُوَازِنًا بَينَ مَصَالِحِهِ الشَّخصِيَّةِ الخَاصَّةِ، وَمَصَالِحِ الآخَرِينَ العَامَّةِ، غَيرَ طَامِعٍ فِيمَا لَيسَ لَهُ، وَلا مُتَعَدِّيًا عَلَى مَا لِلآخَرِيَن، وَلا حَابِسًا نَفسَهُ في مَوقِفٍ بِعَينِةِ أَو حَدَثٍ بِذَاتِهِ، وَلا مُستَسلِمًا لإِخفَاقِهِ مَرَّةً أَو فَشلِهِ وَعَدَمِ حُصُولِ مَا يُرِيدُ، فَالحَيَاةُ فُرَصٌ مُتَكَرِّرَةٌ، وَالدُّعَاءُ حَبلٌ مَتِينٌ يَتَمَسَّكُ بِهِ مَن خَشِيَ الغَرَقِ، وَاللهُ يُجِيبُ المُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكشِفُ السُّوءَ.

 

أَيُّهَا المُسلِمُونَ، يَظُنُّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ اليَومَ، أَنَّ تَحَقُّقَ السَّعَادَةِ وَحُصُولَ الرَّاحَةِ، مَرهُونٌ بِتَحَقُّقِ اللَّذَّاتِ الدُّنيَوِيَّةِ العَاجِلَةِ، وَنَيلِ الشَّهَوَاتِ المَحسُوسَةِ، وَالوُصُولِ إِلى الرَّغَبَاتِ النَّفسِيَّةِ، وَتِلكَ لَعَمرُ اللهِ سَعَادَةُ الأَطفَالِ وَلَذَّةُ الصِّغَارِ، وَغَايَةُ مُختَلِّي العُقُولِ وَمُنتَهَى تَفكِيرِ المَجَانِينِ، الَّذِينَ يُغرِقُونَ في طَلَبِ اللَّذَّاتِ العَاجِلَةِ وَالبَحثِ عَنهَا، وَيَعِيشُونَ أَعمَارَهُم عَلَى تَمَنِّيهَا وَتَخَيُّلِهَا، وَيَأسَفُونَ وَيَحزَنُونَ لِمَا يَرَونَ أَنفُسَهُم مَحرُومِينَ مِنهُ، مِمَّا فِيهِ غَيرُهُم مِن مُتَعٍ مَحسُوسَةٍ وَشَهَوَاتٍ رَخِيصَةٍ، وَيَغفُلُونَ عَمَّا يَعِيشُهُ الكِبَارُ وَيَتَلَذَّذُونَ بِتَحَقُّقِهِ عَلَى أَيدِيهِم، مِن أَهدَافٍ نَبِيلَةٍ وَغَايَاتٍ جَلِيلَةٍ، وَيَنسَونَ أَو يَتَنَاسَونَ أَو يَجهَلُونَ أَو يَتَجَاهَلُونَ، أَنَّ الدُّنيَا بِمُتَعِهَا وَزَخَارِفِهَا، لم تَكُنْ وَلَن تَكُونَ يَومًا مَصدَرًا لِلسَّعَادَةِ أَو جَالِبَةً لِلرَّاحَةِ، وَإِلاَّ لَمَا حَجَبَهَا اللهُ - تَعَالى - عَن صَفوَةِ خَلقِهِ وَمَنَعَهَا خِيرَةَ عِبَادِهِ، مِنَ الأَنبِيَاءِ وَالرُّسُلِ وَالحَوَارِيِّينَ وَالصَّالِحِينَ، نَعَم - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - إِنَّ عَيشَ الكَثِيرِينَ اليَومَ في حَيِّزِ أَهدَافٍ دُنيَوِيَّةٍ دَنِيئَةٍ، وَتَغَلغُلَهَا في قُلُوبِهِم وَاستِيلاءَهَا عَلَى أَفئِدَتِهِم، وَغَفلَتَهُم عَنِ الغَايَةِ الكُبرَى مِن خَلقِهِم وَالهَدَفِ الأَسمَى مِن إِيجَادِهِم، بَل وَعَيشَ فِئَامٍ مِنهُم لأَنفُسِهِم وَانكِفَاءَهُم عَلَى مَصَالِحِهِم الشَّخصِيَّةِ البَحتَةِ، آخِذِينَ غَيرَ مُعطِينَ، حَرِيصِينَ عَلَى حُقُوقِهِم مُتَهَاوِنِينَ في وَاجِبَاتِهِم، إِنَّ ذَلِكَ لَمِن أَسبَابِ عَيشِهِم في هُمُومٍ وَغُمُومٍ وَأَحزَانٍ، وَشُعُورِهِم بِالضِّيقِ وَالكَربِ وَالشِّدَّةِ، وَإِلاَّ فَلَو تَفَكَّرُوا وَتَدَبَّرُوا، وَتَأَمَّلُوا قَلِيلاً وَتَعَقَّلُوا، لَعَلِمُوا أَنَّهُم إِنَّمَا خُلِقُوا لِعِبَادَةِ رَبِّهِم وَتَزكِيَةِ نُفُوسِهِم، وَأَنَّ في قَلبِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنهُم فَاقَةً دَائِمَةً وحَاجَةً مُلِحَّةً، لا يُمكِنُ أَن يَسُدَّهَا إِلاَّ قُوَّةُ العَقِيدَةِ وَالإِيمَانِ بِاللهِ، وَكَمَالِ التَّعَبُّدِ لَهُ ذُلاًّ بَينَ يَدَيهِ وَخُضُوعًا لِمَا يُرِيدُهُ، وَإِلاَّ فَسَيَبقَى البَعِيدُ يَشعُرُ بِنَقصٍ شَدِيدٍ وَفَرَاغٍ كَبِيرٍ، لا تُكمِلُهُ وَلا تَسُدُّه الدُّنيَا بما فِيهَا ﴿ وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ ﴾ [النور: 40] وَإِنَّ مِن قُوَّةِ الإِيمَانِ وَاليَقِينِ بِاللهِ وَالثِّقَةِ بِمَوعُودِهِ، أَن يَعلَمَ المَرءُ أَنَّهُ لا يُمكِنُ أَن يَرتَاحَ أَو يَسعَدَ أَو يُسَرَّ وَيَهنَأَ لَهُ بَالٌ، وَهُوَ عَبدٌ لِنَفسِهِ أَسِيرٌ لِهَوَاهَا، مُتَّبِعٌ لما تَشتَهِي مُطِيعٌ لها فِيمَا تُملِي عَلَيهِ، لا يَعِيشُ إِلاَّ لها، وَلا يَبحَثُ إِلاَّ عَن رَاحَتِهَا، وَلا يُفَتِّشُ إِلاَّ عَنهَا لِيُبرِزَهَا، بَعِيدًا عَن مَحَبَّةِ الخَيرِ لِغَيرِهِ، أَو في مَعزِلٍ عَن إِسعَادِ مَن سِوَاهُ، وَلَو أَنَّهُ استَقرَأَ سِيَرَ الغَابِرِينَ وَاستَنطَقَ حَيَاةَ النَّاجِحِينَ، لَوَجَدَ أَنَّ أَصحَابَ الإِنجَازَاتِ العَامَّةِ، وَالَّذِينَ حَقَّقُوا لأَنفُسِهِم وَلِمُجتَمَعَاتِهِم قَدرًا كَبِيرًا مِن التَّقَدُّمِ، وَخَدَمُوا غَيرَهُم وَأَعطَوا وَبَذَلُوا وَآثَرُوا عَلَى أَنفُسِهِم وَصَبَرُوا، هُم غَالِبًا مِن أَسعَدِ النَّاسِ وَأكثَرِهِم رَاحَةً وَأَعظَمِهِم سُرُورًا، وَأَقَلِّهِم هَمًّا وَأَبعَدِهِم غَمًّا، وَعَلَى العَكسِ مِن أُولَئِكَ، فَإِنَّ الَّذِينَ عَاشُوا لأَنفُسِهِم وَانكَفَؤُوا عَلَى ذَوَاتِهِم، وَلم يُحَقِّقُوا لِمُجتَمَعَاتِهِم إِنجَازًا يُذكَرُ طُوَالَ أَعمَارِهِم، وَظَلَّوا يَستَعطُونَ وَلا يُعطُونَ، وَيَستَجدُونَ وَلا يُقَدِّمُونَ، وَيَجمَعُونَ وَلا يَبذُلُونَ، لم يَجِدُوا إِلاَّ فَرَاغًا في الأَروَاحِ وَخَوَاءً، وَوَحشَةً في القُلُوبِ وَضِيقًا، بَل وَوَحشَةً مِنَ النَّاسِ وَنُفُورًا ﴿ وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ ﴾ [النور: 40]  أَلا فَاتَّقُوا اللهَ - أَيُّهَا المُسلِمُونَ - وَابحَثُوا عَنِ السَّعَادَةِ في مَوَاطِنِهَا وَاطلُبُوهَا مِن مَظَانِّهَا ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 139] وَلا تَجعَلُوا الدُّنيَا أَكبَرَ هَمِّكُم، وَلا غَايَةَ قَصدِكُم وَلا مُنتَهَى إِرَادَتِكُم؛ فَقَد قَالَ نَبِيُّكُم - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ - فِيمَا رَوَاهُ التِّرمِذِيُّ وَغَيرُهُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ: " مَن كَانَتِ الآخِرَةُ هَمَّهُ، جَعَلَ اللهُ غِنَاهُ في قَلبِهِ، وَجَمَعَ لَهُ شَملَهُ، وَأَتَتهُ الدُّنيَا وَهِيَ رَاغِمَةٌ، وَمَن كَانَتِ الدُّنيَا هَمَّهُ، جَعَلَ اللهُ فَقرَهُ بَينَ عَينَيهِ، وَفَرَّقَ عَلَيهِ شَملَهُ، وَلم يَأتِهِ مِنَ الدُّنيَا إِلاَّ مَا قُدِّرَ لَهُ " أَعُوذُ بِاللهِ مِنَ الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ [الأحقاف: 13، 14].

 

الخطبة الثانية

أَمَّا بَعدُ، فَاتَّقُوا اللهَ - تَعَالى - رَبَّكُم حَقَّ التَّقوَى، وَتَمَسَّكُوا جُهدَكُم بِالعُروَةِ الوُثقَى، وَتَحَلَّوا بِاليَقِينِ وَالرِّضَا، وَالزَمُوا القَنَاعَةَ بما قَسَمَ رَبُّكُم وَقَضى، فَقَد قَالَ نَبِيُّكُم - صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " ذَاقَ طَعمَ الإِيمَانِ مَن رَضِيَ بِاللهِ رَبًّا وَبِالإِسلامِ دِينًا وَبِمحَمَّدٍ رَسُولاً " رَوَاهُ مُسلِمٌ وَغَيرُهُ. وَقَالَ - عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ -: " لَيسَ الغِنى عَن كَثرَةِ العَرَضِ، وَلَكِنَّ الغِنى غِنى النَّفسِ " رَوَاهُ البُخَارِيُّ وَمُسلِمٌ. إِنَّ حُبَّ الدُّنيَا وَالرُّكُونَ إِلَيهَا قد يُحكِمُ قَبضَتَهُ عَلَى بَعضِ القُلُوبِ، فَتَستَولِي عَلَيهَا الخَوَاطِرُ الفَاسِدَةُ، وَتَغلِبُهَا الإِرَادَاتُ الضَّارَّةُ، فَيَعِيشُ أَصحَابُهَا في حَيَاتِهِم بَينَ غَضَبٍ وَسُخطٍ وَكَثرَةِ شَكوَى، وَانتِصَارٍ لِلنَّفسِ وَعَدَاوَةٍ لِلآخَرِينَ وَانتِقَامٍ مِنهُم. أَلا فَعِيشُوا دُنيَاكُم كَمَا يَنبَغِي، وَلا تُعطُوهَا أَكثَرَ مِن حَقِّهَا، فَتَتَحَسَّرُوا عَلَى فَائِتٍ أَو تَحزَنُوا عَلَى مَفقُودٍ، أَو تَهتَمُّوا وَتَخَافُوا مِن مُستَقبَلٍ بَعِيدٍ، وَتَذَكَّرُوا أَنَّ مَا مَضَى فَاتَ وَالمُؤَمَّلَ غَيبٌ، وَأَن لَيسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ سَاعَتُهُ الَّتي هُوَ فِيهَا، فَتَوَكَّلُوا عَلَى اللهِ وَسَلِّمُوا إِلَيهِ، وَقَدِّمُوا الخَيرَ عِندَهُ تَجِدُوهُ... اللَّهُمَّ أَصلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصمَةُ أَمرِنَا، وَأَصلِحْ لَنَا دُنيَانَا الَّتي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجعَلِ الحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا في كُلِّ خَيرٍ، وَالمَوتَ رَاحَةً لَنَا مِن كُلِّ شَرٍّ.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • ثق بنفسك
  • فلا تزكوا أنفسكم
  • ولنفسك عليك حقا
  • فوائد من قوله تعالى: { واصبر نفسك.. }
  • أنصف نفسك
  • روحي عن نفسك (قصة)
  • اكسب نفسك
  • كن مجاهدا لنفسك والشيطان
  • خطبة المسجد النبوي 27/12/1431هـ - حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا
  • أسعدي نفسك بتربيتهم
  • هم دون شسع نعله!!

مختارات من الشبكة

  • التوفيق بين التقيد بالثوابت وبين مقتضيات المواطنة للمسلمين خارج البلاد الإسلامية (WORD)(كتاب - موقع أ. د. محمد جبر الألفي)
  • النعمة تقيد بالشكر، وتفك بالكفر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تضرع وقنوت(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إن الحلال بين وإن الحرام بين وبينهما أمور مشتبهات(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من أدعية الاستفتاح: اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • اللهم باعد بيني وبين خطاياي كما باعدت بين المشرق والمغرب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بيني وبين فتاة علاقة عاطفية وعرف أهلها ما بيننا(استشارة - الاستشارات)
  • المؤاخاة في العهد النبوي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شيوع الحقد والبغض(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير قوله تعالى: (قال رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي فافرق بيننا وبين القوم الفاسقين)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ختام الدورة التاسعة لمسابقة "جيل القرآن" وتكريم 50 فائزا في سلوفينيا
  • ندوة في سارنيتسا تبحث تطوير تدريس الدين الإسلامي وحفظ التراث الثقافي
  • مشروع للطاقة الشمسية وتكييف الهواء يحولان مسجد في تيراسا إلى نموذج حديث
  • أكثر من 5000 متطوع مسلم يحيون مشروع "النظافة من الإيمان" في زينيتسا
  • في حفل مميز.. تكريم المتفوقين من طلاب المسلمين بمقاطعة جيرونا الإسبانية
  • ندوة دولية في سراييفو تبحث تحديات وآفاق الدراسات الإسلامية المعاصرة
  • النسخة الثانية عشرة من يوم المسجد المفتوح في توومبا
  • تخريج دفعة جديدة من الحاصلين على إجازات علم التجويد بمدينة قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 6/1/1447هـ - الساعة: 14:41
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب