• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أحكام التعاقد بالوكالة المستترة وآثاره: دراسة ...
    د. ياسر بن عبدالرحمن العدل
  •  
    خطبة: أم سليم ضحت بزوجها من أجل دينها (1)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    خطبة: التربية على العفة
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    التلاحم والتنظيم في صفوف القتال في سبيل الله...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أسس التفكير العقدي: مقاربة بين الوحي والعقل
    الشيخ حذيفة بن حسين القحطاني
  •  
    ابتلاء مبين وذبح عظيم (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    فضل من يسر على معسر أو أنظره
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    حديث: لا طلاق إلا بعد نكاح، ولا عتق إلا بعد ملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    كونوا أنصار الله: دعوة خالدة للتمكين والنصرة
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    لا تعير من عيرك
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    من مائدة التفسير: سورة النصر
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    أربع هي نجاة الإنسان في الدنيا والآخرة (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    وحدة المسلمين (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: { إذ قال الله يا عيسى ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن
علامة باركود

تجويد الشيخ المنشاوي - رحمه الله - لسورة ( ق ) تحليل

مرشد الحيالي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 5/12/2013 ميلادي - 1/2/1435 هجري

الزيارات: 26627

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تجويد الشيخ المنشاوي رحمه الله لسورة (ق) تحليل


ذكرنا في بحثٍ سابق أن تلاواتِ الشيخ المنشاوي تميَّزت بميزاتٍ جعلتها القمَّة في الروعة والتأثير، والأداء المميَّز، وجمال الصوت، ومن تلك التلاوات المؤثرة تلاوة سورة (ق)، والتي كانت في محفلٍ بدولة الكويت[1]، وتعتبر من روائع - إن لم تكن من أروع - تلاواته على الإطلاق، وقد كنتُ أسمعها كلما شعرت بقسوة القلب، أو غفلة عن الذكر، أو لتذوُّق الحقائق الإيمانية، وقبل التحليل وبيان معاني السورة بشكل مجمل نُبيِّن أهمَّ الميزات الصوتية والنفسية التي أعطت تلاوتَه لهذه السورة الكريمة تلك المهابةَ والتأثير، ومنها:

1- التنويع في النغمات، وتوظيف المقامات، وبما يلائِمُ ظلال الآيات المقروءة في إطار خدمة المعنى، وتوضيح الصورة.


2- التلاوة التفسيرية؛ فهو يقرأ قراءةً تُقرِّب المعاني الجليلة لكتاب الله إلى ذهن المستمع، بما يملكه من إبداع في الوقف والابتداء، وجمال الصوت، وتوظيف المقام، وبما يخدم المعنى الذي سيقت الآية لبيانه، مما يجعلُ المستمِعَ يُحلِّق بروحِه وقلبه إلى أجواءٍ رَحبة من سَعَة عفوِ الله ورحمته تارة، وفي جوٍّ من الخشوع والرَّهبة والإجلال والخوف من عقاب الله تارةً أخرى، وله إبداعات تأمُّليَّة يقفُ فيها عند الآية طويلاً من خلال تَكراره لها، يتفاعَل فيها مع معاني كلام الله، فيشدُّ المستمعَ إلى المعنى شدًّا، يتذوَّق من خلالها حقيقة حلاوة القرآن العظيم، فتُنسِيه مرارة وحزن الدُّنيا بأسرها.


3- أسلوب التَّكرار: وهو أسلوبٌ ثبت ورودُه بالسنة الشريفة[2]، والغرض من ترديد الآيات إنَّما هو لأجل التدبُّر والتفكُّر في المعنى، والحصول على الخشوع؛ ليتمكَّن من وراء ذلك القارئُ من إيصالِ المعنى المطلوب من الآيات، واستحضار المعاني، وبعد أن يتيقَّن أنَّ تلاوتَه تمكَّنت في النفوس واستقرَّ تأثيرُها في القلوب، وأخذت حظَّها من التدبُّر والخشوع، وربَّما البكاء، ينتقِلُ الشَّيخ القارئ إلى تلاوة بقيَّة الآيات الكريمات، وقد تكرَّر هذا الأسلوب في هذه التلاوة خاصة، وسيأتي إيضاح ذلك وبيانه.


4- التنويع في القراءات القرآنية؛ فأنت تَسمعُه يتلو آيةً بقراءة أحدِ الأئمَّة السَّبعة أو العشرة، مثلاً يقرأ برواية الدُّوري ثم يُتْبِعها برواية السُّوسي، وكلاهُما راويا الإمام أبي عمرٍو البصري، أو ورش وقالون عن نافع، أو خلف وخلاد عن حمزة، وهو الغالب في هذه السورة، أو يتلو آيةً واحدة بكل القِراءات قراءةً بعد قِراءة، وكل ذلك من طريق الطيبة، حتَّى تتمكَّن أنت أخي المستمعُ من استيعاب المعنى، وتارةً يَجمَعُ في آية واحدة كلَّ القِراءات الواردة في الآيةِ، وخصوصًا أصول الأئمَّة المختلفة، خدمةً للمعنى لا لأجل التَّطريب، أو إظهار المقدرة والبراعة، بل لأجل توضيح المعنى واكتمال الصورة، ووضوح المشهد واكتماله.


5- وهو من أعظمها وأجلها، أنه يُرتِّل القُرآن على أنَّه هو المخاطَبُ المَعْنِيُّ من الآيات المتلوَّة، بل هو المقصود منها لا غيره، فعند تلاوتِه للآيات التي تُحذِّر من العذاب أو التي تدعو إلى التَّوبة والرجوع إلى الله، أو التي تدعو إلى محبَّة الله والشَّوق إلى لقائه وبذل النَّفْس رخيصةً في جنب الله، أو محاسبة النفس والاستعداد للموت وسكراته، أو التأمُّل في الكون الفسيح - يُوقِنُ بأنَّه هو المخاطَب بها، فيتلوها على أنه هو المَعْنِيُّ من الآيات، فيُورِثُه ذلك ندمًا وخشوعًا وذلاًّ وانكسارًا وتواضعًا وحبًّا لله، وإجلالاً وخوفًا ورجاءً، ممَّا يكون لتلاوتِه أثَرٌ فعَّالٌ عميقٌ في النفوس.


تصوير المعاني:

من خصائص أسلوب القُرآن الكريم التي عُرِف بها تصوير المعاني.


ويراد بها إظهار المعاني بكلماتٍ تَكاد تَجعلُها بصورةِ المحسوس، حتَّى كأنَّك تلمِسُها بيديك، فتجدُها مترابطة متكاملة لا تحسُّ بأي مشقَّة في تركيب معانيها التي تُشكِّلُ الصورة المتكاملة، بل هي حاضرةُ الصورة والمشهد في ذهنك.

 

وتجويد المنشاوي - رحِمه الله - من ناحيةٍ تطبيقيَّة تَجعَلُك تعيش في أجواء الآيات كأنَّك تراها رأي عين، وتجعلك تتذوَّق معانيَها وتنقُلُك إلى عوالِمَ غير عالَم المادِّيَّات، وتجعلُ مَن يستمِعُ إلى التلاوة يتفاعَلُ معها بقلبِه وعقلِه ووجدانه.

 

هذه جملةٌ من الميزات المؤثِّرة في تلاوات المنشاوي - رحمه الله - ولنأخذ سورة (ق) مثلاً، ولنطبِّق تلك الميزات عليها، والغرض من ذلك أن يكون الشيخ المنشاوي أنموذجًا للقارئ المثالي يُحتذَى به في التلاوة، وللوصول إلى ثمرة تدبُّر القرآن، والتغلغل في مقاصده ومراميه، ليحيا القلب، ويُفِيق من نومه وسباته.

 

التفسير الإجمالي لسورة ق:

تتحدَّث السورة عن النَّفْس الإنسانية بكلِّ تفاصيلِها، وترصدُ جميع حركاتِها وسكناتِها من المولد إلى الموت، والبعث والنشور ثم الحساب، فهي شديدة الوقع على النفس؛ حيث (تبين أن الإنسان في القبضة التي لا تغفل عنه أبدًا، ولا تغفلُ من أمره دقيقًا ولا جليلاً، ولا تفارقه كثيرًا ولا قليلاً، كل نَفَس معدود، وكل هاجسة معلومة، وكل لفظ مكتوب، وكل حركة محسوبة، والرقابة الكاملة الرهيبة مضروبة على وساوس القلب، كما هي مضروبة على حركة الجوارح، ولا حجاب ولا ستار دون هذه الرقابة النافذة، المطَّلِعة على السر والنجوى اطِّلاعها على العمل والحركة[3].


ثم ينقُلُنا إلى مشاهد القيامة، وصورٍ من الحشر والحساب، والإشارة إلى الآيات المشهودة والمسموعة، ليتفكَّر فيها مَن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد، في أسلوب قرآني بديع يأخذ بمجامع الفكر والقلب معًا.

 

• يبدأ القارئُ المنشاوي بالتلاوة من قوله - تعالى -: ﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ﴾ [ق: 16].


واختيارُه لهذه الآيات لدلالتها على المعاني الجليلة، وبمقام "البيات" الذي عادةً ما يبتدِئُ به، لكنه أتى به على صيغةِ الحزن، وللمقام دلالاتٌ متنوِّعة يختلف أداؤها بحسب تطبيقها، وهنا يشير إلى أن خالق الإنسان أدرى به لا يحجبه عنه ستر، وكل ما فيه من وساوس خافتة وخافية معلومة لله، تمهيدًا ليوم الحساب الذي ينكره ويجحده، "ولو استحضر القلبُ مدلول هذه العبارة وحدها، ما جرؤ على كلمةٍ لا يرضى اللهُ عنها، بل ما جرُؤ على هاجسة في الضمير لا تنال القبول، وإنها وحدها لكافية ليعيش بها الإنسان في حذر دائم ويقظة لا تغفل عن المحاسبة"[4].


قوله - تعالى -: ﴿ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 17، 18].


حقيقة مصوَّرة يرسمُها لنا القرآن بريشةٍ أبدعَ مِن ريشة فنانٍ، يُجسِّد كل حركة وصورة، وإن هناك مَن يُسجِّل علينا كل كلمة وحركة ولفظ، وستكون في سِجِل الحساب، إنْ خيرًا فخير، وإنْ شرًّا فشرٌّ، ما من صغيرة ولا كبيرة ألا أحصاها.

 

﴿ وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيد ﴾ [ق: 19].

وهو جواب لمقام البيات ولما سبق، فإن الموت أعظمُ ما يحاول الإنسانُ الهروب عنه والتملُّص من شِباكِه، وسكرات الموت هي التي ذاقها الحبيب، فقال: ((اللهم أعنِّي على سكرات الموت))، وهي كفيلة بأن يرتجف من هولِها الإنسان، وأن يُعِدَّ لهذا اليوم عُدَّته، وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما تغشَّاه الموت جعل يمسح العرقَ عن وجهه ويقول: ((سبحان الله، إن للموت لسكراتٍ))، يقولها وهو قد اختار الرفيقَ الأعلى، واشتاق إلى لقاء الله، فكيف بمن عداه؟"[5].


وكلمة الحق في قوله: ﴿ وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ﴾ تُعبِّر عن دلالةٍ بأن النفس البشرية ترى الحق كاملاً وهي في سكرات الموت.


الانتقال إلى مشهد القيامة:

﴿ وَنُفِخَ فِي الصُّورِ ذَلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ * وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ * لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ﴾ [ق: 20 - 22].

في هذه الآيات المباركة يرفعُ الشيخ من وتيرةِ صوته، وقوة نبرتِه، وبنغمة "البيات" الحزين، وبالجواب العالي، وبتكرارها مرتين؛ ليوجِّهَ النداء إلى القلوب الغافلة عن ذكره، المنغمسة في ملذَّاتها: أن استيقظي، فقد كُشِف الغطاء، وبان الحقُّ، وتجلى كل شيءٍ بلا ستر ولا حجاب، وبعد فوات الأوان؛ فإنه لا تنفع نفس إيمانُها لم تكن آمنت من قبلُ أو كسَبت في إيمانها خيرًا، جاء في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله، أيُّ الصدقة أعظم أجرًا؟ قال: ((أن تصدَّق وأنت صحيح شحيح تخشى الفقر، وتأمل الغِنَى، ولا تمهل، حتى إذا بلغتِ الحلقوم قلت: لفلانٍ كذا، ولفلان كذا، وقد كان لفلان))[6].


إن تلاوة الشيخ للآية الكريمة، وبطريقة في غاية الروعة والمهابة، تدعو إلى اليقظة والانتباه، وما أعظم اليقظة قدرًا وأثرًا على القلب والنفس، تأمَّل معي كلامًا نفيسًا لابن القيم - رحمه الله - وهو يقول:

"ولله ما أنفع هذه الروعة! وما أعظم قدرها وخطرها! وما أشد إعانتها على السلوك، فمن أحسَّ به - أي بهذا الانزعاج - فقد أحسَّ والله بالفلاح، وإلا فهو في سكراتِ الغفلة، فإذا انتبه شمَّر بهمَّته إلى السفر إلى منازله الأولى، وأوطانه التي سُبِي منها:

فحيَّ على جناتِ عدنٍ فإنها
منازلُك الأولى وفيها المخيمُ
ولكنَّنا سبي العدوِّ فهل ترى
نعودُ إلى أوطانِنا ونُسلَّمُ

 

فأخذ في أهبة السفر، فانتقل إلى منزلِ العزم، وهو العقد الجازم على المسير، ومفارقة كل قاطع ومُعوِّق، ومرافقة كل مُعِين وموصل، وبحسب كمال انتباهِه ويقظته يكون عزمه، وبحسب قوة عزمه يكون استعداده"[7].


لقد كان نبيُّنا - صلى الله عليه وسلم - دائمَ اليقظة والعبرة، وقد قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((كيف أنعم وصاحب القَرْنِ قد التقم القرن، وحنَى جبهته، وانتظر أن يؤذَن له؟!))، قالوا: يا رسول الله، كيف نقول؟ قال - صلى الله عليه وسلم -: ((قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل))، فقال القوم: حسبنا الله ونعم الوكيل[8].

 

أين الغافلون عن ذكر الله؟

أين المقصِّرون عن طاعة الله؟!

أين المنغمِسون في الملذَّات؟!


لقد حان الأجل، وعن قريب تواجهون الحساب، فماذا أعددتُم؟ وماذا عملتم لهذا اليوم الرهيب؟

 

ينادي الشيخ بهذه المعاني الجليلة لعل مَن يسمعها يستيقظ من غفلته ونومه.

 

• ينتقل الشيخ بتلاوته إلى قولِه - تعالى -: ﴿ قَالَ لَا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ ﴾ [ق: 28]، ويستعمل الشَّيخ في تلاوتِه للآية هنا مقام "النَّهاوند" - وهو من أجمل المقامات وأكثرِها عاطفة وفرحًا وحزنًا معًا، وإن كان الحزنُ يغلِب كثيرًا - وهو بارِع فيه حتَّى إنَّه عُرِف به، والقارئ في تلاوته يُوضِّح ويُجسِّد حال الإنسان مع قرينِه الذي أغواه وأضلَّه، ثم تخلَّى عنه في أحرجِ موقِف، بل يتبرَّأ منه هناك، يوم لا ينفَعُ مال ولا بنونَ، إلا من أتى الله بقلب سليم، وأصبح الإنسان مرهونًا بعمله لا غير، وأصبح ماثلاً أمام عدل الله وقضائه، ولا يظلم ربُّك أحدًا، وعند قراءتِه لقولِه - تعالى -: ﴿ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ [ق: 29] يمدُّ المنفصل - ست حركات وهي رواية حمزة وورش دائمًا - للدَّلالة على تعميق المشهد وإيضاحه بقوَّة، ويقف بالسكت على الهمز، في بيان أن الوقت انتهى، وإنه ليس هناك سببٌ للتَّخاصم بين الإنسان وقرينِه، وبين الأتباع والمتبوعين، فقد قُضِي الأمر وانقضى الوقت، يقول الله: قد أعذرتُ إليكم على ألسنة الرسل، وأنزلت الكتب، وقامت عليكم الحجج والبينات والبراهين، إن الاستماعَ إلى الآيات يدفع الإنسان إلى التأثُّر والاستعداد التام والتزوُّد للآخِرة.


• وعند قوله - تعالى -: ﴿ يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ ﴾ [ق: 30]، يُغيِّرُ نبرة الصوت، ويخفضه، للتعبير عن مشهد عجيب رهيب؛ حيث يُقذَف في النار كلُّ كفَّار عنيد، منَّاع للخير معتدٍ مريب، حتى تُنادي: هل من مزيد؟


أين نحن من هذه الأهوال، جاء في الحديث: ((لا تزال جهنم يُلقَى فيها، وتقول: هل من مزيد؟ حتى يضع ربُّ العزة قدمَه فيها، فينزوي بعضها إلى بعض، وتقول: قط قط، وعزتك وكرمك، ولا يزال في الجنة فضلٌ حتى ينشئ الله لها خلقًا آخر فيُسكِنهم الله - تعالى - في فضول الجنة))[9].

 

• ينتقل الشيخ إلى مشهد آخر، ويصور معناه بصوته الشجي، إنه مشهد الجنة، تُقرَّب من المتقين، حتى تتراءى لهم من قريب، مع الترحيب والتكريم، وتأمَّل الانفتاح في قوله: ﴿ وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ * لَهُمْ مَا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ﴾ [ق: 31 - 35]، على مقام "السيكا" - يَمتاز بالفخامة والأبهة - الذي يدلُّ على الاستبشار والفرَح بفضل الله ورحمتِه.


ولنا هنا إشارات:

الأولى: القارئ يُعِيد تلاوة الآية أكثر من مرَّة من أجل إيصال المعنى المطلوب؛ لأنَّ ترديد الآية له فائدة؛ فهو يؤدِّي إلى التدبُّر، وأيضًا فالقلوب أنواعٌ، فإذا لم يؤثِّر هذا النوع من النغم أثَّر غيرُه، والقُلوب المطمئنَّة يَكْفيها أدنى إشارة.


الثانية: التَّنويع في القراءات، كي تتعدَّد المعاني، وتتنوع الدلالات، وتصب في مقصد واحد وهو الدلالة على عظيم وعد الله للمتَّقين، فقد قرأ الشيخ ﴿ جِيءَ ﴾ بالإمالة والسكت لحمزة من الطيِّبة، ولما أراد أن يوصل ﴿ مُنِيبٍ * ادْخُلُوهَا ﴾ قرأ بكسر التنوين، وهي قراءة أبي عمرو البصري وعاصم وابن ذكوان وحمزة، وبضم التنوين للإتباع التقدمي متأثرًا بحركة الدالة المضمومة، وقرأ قوله: ﴿ لَهُمْ مَا يَشَاؤُونَ ﴾ بالسكت العام، وهو لابن ذكوان وحفص وحمزة، وخلف العاشر فاستوعب القراءات.

 

الثالثة: التَنويع في المقامات، فقد بدأ الشيخ السورة بمقام "البيات" وجوابه، ثم انتقل إلى البيات شوري، ثم إلى الصَّبا الحزين، ثم إلى الحجاز، بعدها إلى النهاوند، ثم إلى الرست ثم السيكاه، وانتهى بالبيات، وهو التدرج الذي يتبعه في جميع تلاواته تقريبًا.


• والمنشاوي ينقلك إلى أجواء رَحبة من عطاء الله للمتَّقين، ويكشِف في تلاوته عن مشهد عظيم من مشاهد يوم القيامة، الدَّالة على دقة التصوير لأهل الجنة، وهم يدخلونَها إخوةً متحابِّين، كما جاء في الحديث: ((أوَّل زمرة يدخُلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، ثم الذين يلونَهم على أشدِّ كوكب دُرِّي في السماء إضاءة، لا يَبولون، ولا يتغوَّطون، ولا يتفِلون، ولا يمتخطون، أمشاطُهم الذهب، ورشحُهم المسك، ومجامِرُهم الألوَّة - عود الطِّيب - أزواجُهم الحُور العِين، على خلق رجل واحد، على صورة أبيهم آدمَ، ستون ذراعًا في السَّماء))[10].


هذا التصوير العجيب لأهل الجنةِ وهم يدخلونها بهذه الصفة، يدلُّك على منهج قرآني عظيم في تربية النفس البشرية على معاني الإيمان بالغيب، والذي يُثمِرُ الأعمال الصالحة من الخوف من الجليل، والمحافظة على أوامر الله وإن كنت خاليًا، وسلامة القلب من الأمراض القلبية، فما أعظم سَعة رحمة الله! وما أحلم الله على خلقه وهم يبارزونه بالعظائم من الذنوب، وهو مع ذلك يدعوهم إلى التوبة ويعرِضُ عليهم الجنة، التي فيها ما لا عين رأت! ولكن الخلقَ في حال العرض من رب العباد مُعرِضون ساهون غافلون!

 

ربَّاه، رحماك ما أعظمك!

 

ربَّاه، ما أعظمك وأرحمك بخلقك!

 

• كل ذلك يُصوِّره القارئ من خلال تلاوته للسورة، فيدعوك إلى الاستعداد وشد العزم إلى التوبة والعمل الصالح، وتحقر حينئذٍ الدنيا وزخرفتها، وتتيقَّن فعلاً بعد سماعك للتلاوة أنها (الدنيا) لا تساوي في ميزان الله شيئًا، وأن موضعًا في الجنة هو أثمن من الدنيا وما عليها.


والتلاوة فوق ما تتصوره الأذهان، وفوق ما أُسطِّره بقلمي، وأخطُّه ببناني، وتأمَّل معي - رحمك الله - كيف أن المقرئ يستعملُ في تلاوته ما يعرف (بالبنتاية)، أو بالمصطلح العلمي: الترقيص، ولكن المنشاوي ينساب منه بخشوع عجيب، وهو معروف به.


حاول أن تستمع لهذه السورة وبصوت الشيح بتدبُّر، لتصل إلى المقصود من تلاوة القرآن، ألا وهو التدبر والخشوع، وما أحوجنا في هذه الأيام - حيث الفتن، فتن الشهوات والشبهات، ترِدُ على القلوب فتجعلها مظلمة قاسية، بعيدة عن الله، بعيدة عن معاني الآخرة - ما أحوجنا إلى أن نتواصل على مائدة القرآن الكريم!

 

إن القرآن الكريم بمعانيه وآياته يفتحُ أبوابه على القلوب والأرواح، فيُورِثُها الأنسَ والشوق والحياة المطمئنة والسعادة الحقة، مائدة القرآن مبسوطةٌ للجميع، وفواكهُه البديعة معروضة للخلق، لكن مَن يأتي إلى فضل الله ورحمته؟!

 

اللهم لطفك بنا يا أرحم الراحمين.

 

• ﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشًا فَنَقَّبُوا فِي الْبِلَادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ * وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ * فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ ﴾ [ق: 36 - 39].


وهنا أشير، ومن خلال تلاوة الشيخ المنشاوي - رحمه الله - إلى ما يلي:

أولاً: قرأ بنغمة الصبا الحزين، المشفق على حال الأقوام المكذِّبة والمعرضة عن رؤية الحقائق، وقد أباد الله كثيرًا من الأمم التي تمرَّدت على سننه وقوانينه، معتقدةً أنه بإمكانها تغييرُ ما خطَّه الله من قوانين ونُظُم؛ ولهذا يذكر الله عند حكايته عن تدمير الأقوام ما يكونُ تذكرة للأقوام الحاضرة، فيقول: ﴿ أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الْأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ﴾ [الروم: 9]، وهي ذكرى لذي القلب الحي المنيب، وليتأمل لئلا يصيبه ما أصابهم، ومَن لم يتذكر - رغم نظره علمه ومعرفته - ويَعِ، فقد مات قلبه.



ثانيًا: في الآية الثانية وجَّه الأنظار إلى التفكر إلى التدبر، وهو الاستدلال بالآيات التي أودعها الله في الكون الفسيح، وما فيه من الآيات الظاهرة العجيبة، والصنع البديع، التي تدل على ربوبية الله للعالم، وأنه يستحيل إيجاد مثل هذا النظام الدقيق من تلقاء نفسه، وأنه لا بد لهذا العالم من مُوجِد عليم حكيم، ومن أعظم الآيات الظاهرة الباهرة خلقُ السموات والأرض، وما حوى من نجوم وأفلاك وأقمار ومجرات، وهو استدلالٌ بالأَوْلى، فإذا كان قادرًا على خلق السموات والأرض، فما دونه أيسر.


﴿ أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ * وَالْأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ﴾ [ق: 6، 7].



ثالثًا: قرأ الشيخ ﴿ لَذِكْرَى ﴾ بالإمالة مع السكت ﴿ لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ ﴾، وهي قراءة ابن ذكوان وحمزة والكسائي وخلف العاشر.



وقد أشرنا إلى أن الشيخ في عموم محافله وتلاوته الخارجية يقرأ من الطيبة دومًا، وحمزة يُقسِّم السكت إلى سبع مراتب؛ كالسكت على أل التعريف، وشيء، والساكن المنفصل غير حرف المد، إلا أن حمزة يزيد على القرَّاء المدود في المفصول والموصول، وهي في الطيبة أيضًا، وفيه تفصيل واسع يرجع إلى مظانِّه، وكل ذلك والشيخ - رحمه الله - له دراية تامَّة في معرفة القراءات.


وباختصار، فقد أعطى الشيخ دروسًا في جوانب متعددة؛ في مجال علم القراءات، وفي المقامات، وفي تفسير الكلمات، بل بدرس يهز المشاعر يدلُّك على طريق الآخرة، وينكشف للقارئ معانٍ جليلة في فهم القرآن وتدبره.


• ومن بداية قوله - تعالى -: ﴿ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ * وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَأَدْبَارَ السُّجُودِ * وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ * يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ * إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ * يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ * نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ ﴾ [ق: 39 - 45].

 

يُطبِّق مقام "الرست"، وله دلالات منوعة في الحزن والفرح، وتختلف طريقة أدائه والطبقة المستخدمة فيه، والشيخ يستعمله هنا بمهارته وتفاعله الصادق في الحزن والتفكُّر في المآل، ويدعو إلى التحدُّث بالنعمة وشكرها واستعمالها في الطاعة، والصبر على أذى المعاندين والمكابرين، وما أكثرهم في زماننا هذا!


إن التأمل والتفكر يمدَّانِ المؤمن بطاقةٍ وقوة يمكنه من خلالها مواجهةُ الأزمات والفتن والشدائد، مهما كانت كبيرة، وإن التسبيح والتحميد والتهليل له آثار نفسية على قلب المسلم، حتى إن ابن القيم بيَّن من فوائد الذكر أنه يعطي قوَّة للبدن والنفس، فقال: "الذِّكر يعطي الذاكر قوة، حتى إنه ليفعل مع الذكر ما لم يظن فعله بدونه، وقد شاهدتُ من قوة شيخ الإسلام ابن تيمية في سننه وكلامه وإقدامه وكتابه أمرًا عجيبًا، فكان يكتب في اليوم من التصنيف ما يكتبه الناسخ في جمعة وأكثر، وقد شاهد العسكر من قوته في الحرب أمرًا عظيمًا"[11].

 

والمشهد الأخير الذي تُختَمُ به السورة المباركة يُجسِّده صوتُ الشيخ بمقام الرست أيضًا والأرض تشَّقَق - (بتشديد الشين)، وزيادة المبنى تدلُّ على زيادة المعنى، قراءة نافع وابن كثير وأبي جعفر ويعقوب، والباقون بالتخفيف - عن القبور والأموات ورُفَات لا يعلم عددهم إلا الله؛ ليقرر بعدها حقيقة أن مرجع الجميع ومآلهم إلى ربهم.

 

وليكون ذلك من وسائل ثبات قلب النبي - صلى الله عليه وسلم - على الحق والمنهج السليم، وألا يحزن على مَن لم يهتدِ ويتبعه، فإن مَرَدَّهم إلى الله، وأن عليه البلاغ المبين، والمسلم يقتدي بنبيه، فحينما تعصف به الخطوب، وتحيط به المصائب يجد في الذكر والتسبيح والتحميد في أدبار السجود خيرَ وسيلة للزوم الصراط المستقيم والثبات عليه، ويستمد قُوتَه وقوَّتَه وسروره، بل وحياته من الذكر.


نداء إلى قرائنا الأجلاء:

تذكَّروا أنكم حملة كتاب الله، وأن الإسلام وصل إلى أرجاء المعمورة بفضل حَمَلة كتاب الله، وبفضل علمهم وورعهم وأخلاقهم الحميدة، وتلاواتهم المؤثرة الصادقة، فلا ينبغي عليكم أن تُفرِّطوا في هذا الشرف العظيم، وتكونوا من طلاب الدنيا، ولتتذكروا أن الناس ينظرون إليكم نظرة إكبار وإجلال واقتداء.


والأهم من ذلك والأعظم أن تتخلَّقوا بآداب القرآن وتتأدبوا بآدابه، وأن تعطوا القرآن حظَّه من التطبيق والتفعيل في حياتكم العملية، فليس الأمر مقصورًا على الصوت الجميل والأداء المتقن فحسب، بل الأمر أوسع من ذلك بكثير؛ فالقرآن هو دستور الأمة، ومنهج حياتها، وحاملُ لوائه لا ينبغي له أبدًا أن يتخذ كتاب الله مطيَّة لنيل مآرب دنيوية دنيئة، وإلا فَقَدَ حلاوة القرآن ولذَّته، ولن تؤثر تلاوتُه في قلوب السامعين وإن كان جميلَ الصوت بارع الأداء، يملك عربا صوتية مؤثرة، طويل النفس، له باع في علم النغمات والمقامات؛ لأنه - وباختصار - ما خرج من القلب وصل إليه، وما خرج من اللسان لم يجاوز الآذان!

 

وصلى الله على نبيه محمد، وعلى آله وصحبه

ومَن تبعهم وسار على نهجهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدِّين



[1] في عام 1966 في الكويت، وقد سُجِّل للشيخ من التلاوات في الكويت ما يلي: الحشر والقصار، والحشر والعلق، والإسراء، والتوبة، والرحمن وق وهي التي نتكلم عنها، وهود ويوسف، والواقعة والحديد، والقصص والروم، والزخرف والدخان، والروم والانفطار والفجر، والرَّعد؛ انظر: موقع الشيخ محمد صديق المنشاوي، وقد استفدتُ من بحثي الذي بعنوان (تجويد المنشاوي دراسة وتحليل)؛ فراجعه إن شئت.

[2] عن أبي ذر - رضي الله عنه - قال: "صلَّى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ليلةً، فقرأ بآيةٍ حتى أصبح، يركع بها ويسجد بها: ﴿ إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [المائدة: 118]، فلما أصبح، قلت: يا رسول الله، ما زلتَ تقرأ هذه الآية حتى أصبحتَ، تركع بها وتسجد بها، قال: ((إني سألتُ ربي - عز وجل - الشفاعة لأمَّتي فأعطانيها، وهي نائلة إن شاء الله لِمَن لا يُشرِكُ بالله - عز وجل - شيئًا))؛ أخرجه أحمد رقم 21366، 5/149، وابن أبي شيبة رقم 31763، 6/323.

[3] تفسير الظلال للسيد قطب - رحمه الله - جزء 26 سورة ق.

[4] المصدر السابق.

[5] رواه البخاري، وفي أثرٍ رواه ابن أبي الدنيا، تقول عائشة - رضي الله عنها - في مرض رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ما رأيتُ الوجع على أحدٍ أشدَّ منه على رسول الله - صلى الله عليه وسلم.
وقد دخلت عائشة - رضي الله عنها - على أبيها أبي بكر - رضي الله عنه - في مرض موته، فلما ثقُل عليه، تمثَّلت بقول الشاعر:

لعَمْرُك ما يُغنِي الثراءُ عن الفتى
إذا حشرجت يومًا وضاق بها الصدرُ


فكشف عن وجهه، وقال - رضي الله عنه -: ليس كذلك، ولكن قولي: ﴿ وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ﴾ [ق: 19].

[6] رواه أبو هريرة رضي الله عنه، متفق على صحته.

[7] مدارج السالكين لابن القيم جزء 1 ص123، بتحقيق حامد الفقي - رحمه الله - دار الكتاب العربي بيروت، طبعة عام 1973 - 1393.

[8] أخرجه بن راهويه رقم (540)، وأحمد 3/7 (11053)، والحميدي 2/332 (754)، ومن طريقه أبو نعيم في الحلية (7/312)، وأخرجه سعيد بن منصور في سننه 3/1118(544)، وعبد بن حميد (886)، والحديث مروي عن سبعة من أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - غير محفوظ إلا من طريق عطية عن أبي سعيد الخدري، والحديث ضعيف؛ انظر: موقع أهل الحديث، كاتب المقال: إسلام منصور - وفقه الله.

[9] متفق عليه، وفي رواية: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((لا تزال جهنَّم تقول: هل من مزيد؟ حتى يضع ربُّ العزة فيها قدَمَه، فتقول: قط قط، وعزتك، ويُزوَى بعضها إلى بعض))؛ أخرجه البخاري ومسلم، وللبخاري نحو الأولى.

[10] البخاري في صحيحه عن أبي هريرة - رضي الله عنه، رقم 3246.

[11] الوابل الصيب من الكلم الطيب لابن القيم ص 77، الفائدة الحادية والستون، طبع بدار الحديث بتحقيق سيد إبراهيم، تاريخ 1999، وله طبعات عدة.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تجويد المنشاوي (دراسة وتحليل)

مختارات من الشبكة

  • الشيخ عبدالله بن عبدالرحمن التويجري في محاضرة: وقفات مع قوله تعالى: {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة}(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل العقيل)
  • رسالة الشيخ عبدالكريم الدبان إلى شيخه الشيخ أحمد الراوي (PDF)(كتاب - ثقافة ومعرفة)
  • ترجمة الشيخ عبداللطيف بن الشيخ عبدالرحمن بن شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الشيخ المحدث عبدالله بن عبدالرحمن السعد في محاضرة: مسائل متعلقة بشهري شعبان ورمضان(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل العقيل)
  • القرآن الكريم بصوت القارئ محمد صديق المنشاوي(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • الشيخ د. عصام بن صالح العويد في محاضرة بعنوان (أركان تربية القرآن)(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل العقيل)
  • الشيخ المحدث خالد بن عبد العزيز الهويسين في محاضرة: السنة في تحقيق الصيام(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن عبدالعزيز بن عقيل العقيل)
  • مسند الديار النجدية وفقيهها الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن إسحاق آل الشيخ(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • الشيخ عبدالرحمن الدوسري مع الشيخ صالح الحيدان - الإيمان بالقضاء والقدر(مادة مرئية - موقع الشيخ عبدالرحمن بن محمد الدوسري)
  • رسالة وفاء ومحبة لعلماء دمشق من الشيخ محمد عبد الجواد القاياتي إلى الشيخ عبد الرزاق البيطار(مقالة - ثقافة ومعرفة)

 


تعليقات الزوار
4- السلام عليكم تعقيب
مرشد الحيالي - الامارات 10-12-2013 09:41 PM

حقيقة مصوَّرة يرسمُها لنا القرآن بريشةٍ أبدعَ مِن ريشة فنانٍ، يُجسِّد كل حركة وصورة، وإن هناك مَن يُسجِّل علينا كل كلمة وحركة ولفظ، وستكون في سِجِل الحساب، إنْ خيرًا فخير، وإنْ شرًّا فشرٌّ، ما من صغيرة ولا كبيرة ألا أحصاها....ا.هـ
أسلوب معروف عند أهل البلاغة والبيان ولا يقصد من ورائه جعل المشبه مثل الشبه به وهما طرفي التشبيه مع الفارق بين إبداع القرآن وريشة الفنان وإنما الغرض التصوير الفني وتقريب المعنى والتحدي والإعجاز ومعناه أن ينقل القرآن مشهدا ويرسم لنا تفاصيله ويبين لنا وقائعه ومعالمه كأنك تشاهده بالعين وتسمعه بالأذن ويصبح ماثلا أمامك مجسدا لنظرك وله أمثلة منها تصوير الحالات النفسية والمعنوية ومنه الأمثال المضروبة والقصص ومشاهد اليوم الآخر وغيرها ومن التصوير التخييل الحسي كالتشخيص وهو خلع الحياة على الجماد والانفعالات ومن التصوير تصور الألفاظ بجرسها الموسيقي بمعنى أنك تجد صوت السورة وقاففيتها يحدث صوتا تناسب السورة ومن أمثلة ما ذكره ابن القيم سورة الناس
ومن الأمثلة على مر (كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ (2)) الحرج في حقيقته المكان الضيق من الغابات الكثيرة الأشجار بحيث يعثر السلوك فيه فأغمض عينيك أيها المتدبر لكتاب الله واعمل خيالك في هذه الصورة القرآنية لحال الآسف الحزين الذي امتلأ صدره حزناً فإنه يعسر منه التنفس من انقباض أعصاب مجاري التنفس فتخيل هذا الضيق النفسي بضيق مكان مليء أشجاراً كيف تستطيع تجاوزها. فها هي صورة القرآن التي ترسم بألفاظها المحكمة ما تعجز ريشة الفنان عن الإتيان به.

3- شكر
مرشد الحيالي - الامارات 10-12-2013 08:25 PM

السلام عليكم : الاخ محب المنشاوي شكرا لكم على تعليقكم الجميل وقد ذكرت في بحثي الموسع عن تجويد المنشاوي دراسة وتحليل الصواب في مسألة المقامات - كما تفضلت - والشكر موصول للأخ حامد الذي أضاف إلى البحث فوائد وفرائد ...

2- استدراك وتعقيب:
محب المنشاوي - السعودية 07-12-2013 02:50 PM

ليأذن لي صاحب الفضل والمقال بتعليق يسير على ماكتب أجمله إجمالاً فيما يلي :

١- قال فضيلته : قوله - تعالى -: ﴿ إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ﴾ [ق: 17، 18].

حقيقة مصوَّرة يرسمُها لنا القرآن بريشةٍ أبدعَ مِن ريشة فنانٍ، يُجسِّد كل حركة وصورة، وإن هناك مَن يُسجِّل علينا كل كلمة وحركة ولفظ، وستكون في سِجِل الحساب، إنْ خيرًا فخير، وإنْ شرًّا فشرٌّ، ما من صغيرة ولا كبيرة ألا أحصاها....ا.هـ

أقول : يرسمها - ريشة - فنان ....الخ
كلمات منافية لجلال الله الذي جعل كلامه صفة له، وأعظم كلامه القرآن !!

٢- جمع القراءات في التلاوة العامة ممنوع عند علماء القراءات، ولم يأذنوا به إلا في المائة الخامسة كما يذكره ابن الجزري قاصرين الإذن لمن أراد جمعها ومذاكرتها على الشيخ - أي في حال التعليم والتعلم- مشترطين أن يكون من أهل الإتقان والأهلية، أما التعبد بجمعها فهو عندهم على المنع، وليُعلم أن سلف القراء لم يكونوا يعرفوا في تلقي القراءات إلا الإفراد، وقد أفتى علماء الأزهر في القرن الماضي بمنع الجمع في المحافل والمناسبات لعدم مشروعيته، وعليه فلا يؤخذ التأثير بالقراءة -كما يذكر الكاتب- من هذا الأمر الذي يرفضه علماء القراءات وفقهاء الأمصار.

٣- إتقان الشيخ لأوزان المقامات غير مبيح دعوة طلاب القراءة لتعلم المقامات وأوزانها، فالصوت هبة من الله ومنحة والكاتب وفقه الله لم يدعوا الطلاب لتعلمها غير أن في توصيفه المفصل لفتة لمعرفة علم المقامات وعلاقة بعلم القراءات، والمهم الذي أريد ذكره : أن علم المقامات والألحان مذكور في كتب القراءات على سبيل التخذير وراجع إن شئت (الإقناع لابن الباذش) و (جمال القراء للسخاوي) وغيرها من كتب القراءات والتجويد، بل نقل ابن رجب في رسالة السماع الإجماع على تحريمه . والمقصود بهذا حتى يفهم كلامي : ألا نجعل القرآن نصاً نمارس عليه أوزان الألحان، فهو أسمى وأجل من ذلك، ولم ينزل القرآن ليكون محلاً لتعلم مقام الصبا والنهاوند وممارسة ذلك عليه كما يصنعه بعض من لا خلاق له في القنوات الإعلامية وكأنهم يرددون نصاً شعرياً يخفضون ويرفعون وهم عن آياته معرضون.
وأما موافقة حَسَن الصوت مقاماً لأحد تلك المقامات فلا ينكر عاقل جوازه، لأن حَسٓن الصوت يستطيع الوصول لها من غير تعلم لها، بل يكفيه أحياناً أن يسمع لأصوات معينة فيأتي بأحسن منها وذلك كما أسلفت من منحة الله له، وقد فسر الزهري وابن سيرين وغيرهم قول الله (يزيد في الخلق ما يشاء) بأنه حسن الصوت، فالحذر الخذر من جمع الشباب وتلقينهم الآيات بالمقامات بحجة التعليم، فذاك مما ينكره أئمة الفقه والقراءات، غفر الله للشيخ المنشاوي وجازاه عن أمة القرآن خيراً، وزادني الله وأخي الكاتب علماً وعملاً، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.

1- نسمات من فيض الرحمن علم الله
حامد إبراهيم - مصر 06-12-2013 11:24 AM

الأخ الفاضل... جزاك الله خيرا كثيرا ووفقك ونفع بك... لقد -والله- لم تترك لمستزيد زيادة... وحاولت قدر جهدك أن توضح تلك التلاوة الإعجازية التى تجلت فيها قدرة المولى عز وجل إذ أودع في تلاوات المنشاوي مفتاحا من مفاتيح حجرات خشوع القلوب وتقوى الله... ولكن هناك ملحوظات صغيرة أولاها أن الشيخ رحمه الله قرأ أيضا الحجرات وق في الزيارة نفسها وهو تسجيل مجهول على ما فيه من إبداع غير معقول... أما الثانية فإن التحليل مع جماله أيها المفضال أحيانا يتوقف بعقل المرء عند حدود من الجمال معينة... بينما التلاوة بها بهاء غير معقول جعلني قبل سابق أجزم أن هذه التلاوة قمة الهندسة القرائية المنشاوية... انظر أخي الفاضل منذ البداية إلى اتكاء الشيخ على كلمة: به نفسه... ومن بعد ذلك العُربة المثناة فى المتلقيات توكيدا لتثنيتهما ... والنفي المؤكد في ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد... والوقف على وجاءت سكرة الموت بالحق... كأن الأمر الإلهي قد جاء والمرء ينظر ملك الموت جاء زائرا لعباد الرحمن ومغضبا لعباد الشيطان... والله لن تصلح الكلمات للتعبير عن الحالة الإيمانية التي يحياها المرء فى رحاب هذا التسجيل الذي زادت مرات سماعه عن 200 مرة على مدى الرحلة مع التلاوات.... ومع كل مرة معان جديدة وفهم أعمق... غفر الله للمنشاوي ورحمه وألحقه بسيد المرسلين فى جنات النعيم.

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 14/11/1446هـ - الساعة: 17:59
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب