تحقيق تخريج مسألة ( ثلاث هن حق على كل مسلم )

تحقيق تخريج مسألة ( ثلاثُ هُنَّ حقٌّ على كلِّ مسلم )

للإمام الحافظ أبي محمد عبدالرحمن بن أبي حاتم الرازي

قال ابن أبي حاتم في كتاب العِلل: وسألت أبا زرعة عن حديث رواه عكرمة بن عمار، عن يحيى بن أبي كثير، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ثلاثُ هُنَّ حقٌّ على كلِّ مسلم".

قال أبو زرعة: يقولون: عن يحيى بن أبي كثير، عن محمد بن عبدالرحمن بن ثوبان، عن رجل، عن أبي سعيد، عن النبي صلى الله عليه وسلم. وهو الصحيح.

رجال الإسناد:

• عكرمة بن عمّار العجلي، أبو عمار اليمامي البصري (159).

وثقه ابن معين، وابن المديني، والعجلي، وأبو داود، والدار قطني، وغيرهم.

وقال النسائي: ليس به بأس، إلا في حديثه عن يحيى بن أبي كثير. وقال أبو حاتم: كان صدوقًا، وربما وهم في حديثه، وربما دلس، وفي حديثه عن يحيى بن أبي كثير بعض الأغاليط. وقال ابن خراش: كان صدوقًا، وفي حديثه نكرة.

وقال البخاري: مضطرب في حديث يحيى بن أبي كثير، ولم يكن عنده كتاب.

وقال أبو داود: ثقة، وفي حديثه عن يحيى بن أبي كثير اضطراب.

وبنحو قول البخاري وأبي داود ذكر ذلك عنه غير واحد.

قال ابن حجر: صدوق يغلط، وفي روايته عن يحيى بن أبي كثير اضطراب، ولم يكن معه كتاب.

قلت: ولعل الصواب أنه صدوق في غير يحيى بن أبي كثير، إذ الأكثر، على توثيقه في غير يحيى، ولم أر من نص على أنه يغلط في غير يحيى، ويحمل كلام من تكلم فيه مطلقًا على روايته عن يحيى، والله أعلم.

انظر تهذيب الكمال 20/256، التهذيب 7/261، التقريب (4672).

• يحيى بن أبي كثير الطائي، ثقة يدلس ويرسل، تقدمت ترجمته في المسألة رقم 507.

• أبو سلمة بن عبدالرحمن الزهري، ثقة، تقدمت ترجمته في المسألة رقم 501.

• أبو هريرة -رضي الله عنه -، صحابي جليل، تقدمت ترجمته في المسألة رقم 501.

• محمد بن عبدالرحمن بن ثوبان العامري، المدني، من الثالثة.

انظر تهذيب الكمال 25/596، التهذيب 9/294، التقريب (6068).

• أبوسعيد الخدري - رضي الله عنه - صحابي جليل، تقدمت ترجمته في المسألة رقم 534.

تخريج الحديث:

روى يحيى بن أبي كثير هذا الحديث، واختلف عليه:

1- فرواه عكرمة بن عمار، عن يحيى، عن أبي سلمة عن أبي هريرة، مرفوعًا.

2- ورواه أبان بن يزيد العطار عن يحيى، عن محمد بن عبدالرحمن بن ثوبان، عن رجل عن أبي سعيد، مرفوعًا.

3- ورواه أيوب بن عتبة، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن أبي سعيد، مرفوعًا.

4- ورواه عمر بن راشد، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن أبي سعيد، موقوفًا.

5- وروي عن يحيى، عن محمد بن عبدالرحمن، عن رجل، عن أبي سعيد، موقوفًا.

الوجه الأول:

أخرجه أبو بكر الإسماعيلي في حديث يحيى بن أبي كثير (كما في الإمام[1] 3/48)، عن الحسن بن سفيان، عن عبدالله بن عمر الجعفي، عن عنبسة بن عبدالواحد، عكرمة، به.

وذكره المصنف في هذه المسألة، من رواية عكرمة به.

وتقدم في ترجمة عكرمة أنه ضعيف في يحيى بن أبي كثير.

الوجه الثاني:

أخرجه أبو بكر الإسماعيلي في حديث يحيى بن أبي كثير (كما في الإمام 3/48)، عن الحسن بن سفيان، عن هدبة بن خالد القيسي، عن أبان بن يزيد، عن يحيى، به.

وذكره أبو زرعة في هذه المسألة، من رواية يحيى بن أبي كثير به.

وقال أبو زرعة: وهو الصحيح.

قلت: وأبان بن يزيد، وهدبة: ثقتان (التقريب 143، 7269).

والحسن بن سفيان: ثقة مشهور.

الوجه الثالث:

ذكره المصنف في المسألة رقم 597، ولم أقف على من أخرجه.

وحكى عن أبيه وأبي زرعة قولهما: هذا خطأ؛ إنما هو يحيى، عن محمد بن عبدالرحمن ابن ثوبان، عن رجل، عن أبي سعيد، موقوف.

فقال: قلت لهما: ممن الخطأ؟ قالا: من أيوب بن عتبة.

قلت: وأيوب بن عتبة هو اليمامي: ضعيف (التقريب 619).

الوجه الرابع:

أخرجه عبدالرزاق 3/200، رقم 5318 - ومن طريقه ابن المنذر في الأوسط 4/40، رقم 1771، وابن عبدالبر في التمهيد 10/87 - عن عمر بن راشد، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن أبي سعيد، موقوفًا.

قلت: وعمر بن راشد، هو اليمامي: ضعيف (التقريب 4849).

الوجه الخامس:

ذكره أبو حاتم، وأبو زرعة في المسألة رقم 597، ولم أقف على من أخرجه.

وصوبا هذا الوجه، كما تقدم النقل عنهما في الوجه الثالث.

كما رواه سعد بن إبراهيم، عن محمد بن عبدالرحمن، واختلف عليه، وسيأتي في المسألة رقم 613[2].

النظر في المسألة:

مما تقدم يتضح أنه اختلف على يحيى بن أبي كثير في هذا الحديث:

1. فرواه عكرمة بن عمار، عن يحيى، عن أبي سلمة عن أبي هريرة، مرفوعًا.

2. ورواه أبان بن يزيد، عن يحيى، عن محمد بن عبدالرحمن بن ثوبان، عن رجل، عن أبي سعيد، مرفوعًا.

3. ورواه أيوب بن عتبة، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن أبي سعيد، مرفوعًا.

4. ورواه عمر بن راشد، عن يحيى، عن أبي سلمة، عن أبي سعيد، موقوفًا.

5. وروي عن يحيى، عن محمد بن عبد الرحمن، عن رجل، عن أبي سعيد، موقوفًا.

ويرى أبو زرعة في هذه المسألة أن الوجه الثاني هو الصحيح، بينما يرى هو وأبو حاتم في المسألة رقم 597، أن الوجه الخامس هو الصواب.

ويرى أبو زرعة في هذه المسألة أن الوجه الثاني هو الصحيح، بينما يرى هو وأبو حاتم في المسألة رقم 597، أن الوجه الخامس هو الصواب.

ولعل ما ذهب إليه أبو زرعة من ترجيحه للوجه الثاني هو الصواب؛ فراويه وهو أبان بن يزيد ثقة، ومن خالفه في بقية الأوجه - سوى الخامس - ضعفاء، فراويه في الوجه الأول عكرمة بن عمار وتقدم في ترجمته أنه ضعيف في يحيى، وكذلك الحال في الوجه الثالث والرابع؛ فهما من رواية أيوب بن عتبة، وعمر بن راشد، وهما ضعيفان أيضًا.

أما الوجه الخامس، فلم أقف على من رواه عن يحيى، لننظر في حاله، وهل يقوى على معارضة رواية أبان أم لا، ولكن يقويه ترجيح أبي حاتم وأبي زرعة، والله أعلم.

وإسناد الحديث من الوجهين الراجحين ضعيف؛ لجهالة الراوي عن أبي سعيد.

إلا أن له طريقًا أخرى صحيحة عن أبي سعيد:

فقد أخرجه البخاري (مع الفتح 2/423)، كتاب الجمعة، باب الطيب للجمعة، رقم 880، ومسلم 2/581، كتاب الجمعة، باب الطيب والسواك يوم الجمعة، رقم 846، وغيرهما، عن أبي سعيد، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "غسل يوم الجمعة على كل محتلم، وسواك ويمس من الطيب ما قدر عليه".