• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    المحافظة على صحة السمع في السنة النبوية (PDF)
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    اختيارات ابن أبي العز الحنفي وترجيحاته الفقهية في ...
    عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد التويجري
  •  
    القيم الأخلاقية في الإسلام: أسس بناء مجتمعات ...
    محمد أبو عطية
  •  
    فوائد من حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث ...
    محفوظ أحمد السلهتي
  •  
    لم تعد البلاغة زينة لفظية "التلبية وبلاغة التواصل ...
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    البشارة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    حديث: لا نذر لابن آدم فيما لا يملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    خطبة: شهر ذي القعدة من الأشهر الحرم
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    تفسير سورة الكافرون
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    ملخص من شرح كتاب الحج (4)
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    من مائدة الفقه: السواك
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    أهمية عمل القلب
    إبراهيم الدميجي
  •  
    أسوة حسنة (خطبة)
    أحمد بن علوان السهيمي
  •  
    إذا استنار العقل بالعلم أنار الدنيا والآخرة
    السيد مراد سلامة
  •  
    خطبة: أم سليم صبر وإيمان يذهلان القلوب (2)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    تحريم أكل ما ذبح أو أهل به لغير الله تعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / عقيدة وتوحيد
علامة باركود

تأملات في قصة إيمان (1)

تأملات في قصة إيمان (1)
د. محمد شلبي محمد

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 23/10/2013 ميلادي - 18/12/1434 هجري

الزيارات: 9347

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تأملات في قصة إيمان (1)


لمَّا كان القصص شيئًا من التاريخ، ولمَّا كان التاريخ شيئًا مِن القدَر، كان القصص مشتملاً على ألوانٍ مِن العِبر؛ لأنَّه مِن قدر الله تعالى، وقدَرُ الله مَظْهَر مِن مَظاهر حِكمته البالِغة.

 

يتضمَّن القصصُ مِن العبر ما يُثبِّت الله به فؤادَ المؤمنين، وقلَّما تصل إليك قِصَّةٌ ما قدَّرها الله - عزَّ وجلَّ - إلا وتجد فيها أنواعًا مِن الحِكم والدلالات على صِفات الله - عزَّ وجلَّ - فليس قَصص التاريخ والواقع كقَصص الخيال والأذْهان.

 

وإن قَصص الهُدَى والإيمان لَمِن أعجب قصص التاريخ، فهو دليلٌ باهِر على وجودِ الله تعالى وصِفاته، وسبيل لاستشرافِ عجائبِ أمْره، ومُحْكَم أقداره.

 

وفي هذا المقال أسرد عليكم قِصَّة إيمان، لا أزعم أنها أغرَبُ ما سَمِعْتُ، ولكن بهَرَني فيها استجلاءُ مظاهر الحقِّ، ومعاني نِعمة الإسلام، تلك النِّعمة التي نمرُّ عليها مرَّ الكرام، في حين أنَّ الله لم يُنعِم علينا مِن نِعمه التي لا تُحصَى نِعمةً أعظم منها.

 

ولكن لي شرْطٌ عليكم قبلَ سردها: لا أُريدكم أن تقرؤوها، بل أريدكم أن تَعيشوها.

 

أنت الآن خِلٌّ مُخلِص لهذا المهتدي، تعيش ما يعيش، وتُعاني ما يُعاني.

 

بينما كان يَبْحَث على صفحاتِ (النت) عن دِراسات في أسماء الله تعالى وصفاته، وهدَاه ربُّه لموقع (الألوكة)، فقرأ ملخَّص البحْث الذي كتبتُه عن آثارِ الأسماء والصِّفات الإلهية في الكون والإنسان، فتواصَل معي، وأخْبَرني أنه مِن روسيا، وكان مِن حُسن القدر أنَّه في مصر، فزارني، وكان أنْ سألتُه عن سبب إسلامه، وهو في بلدٍ كُفْرُه غيرُ كلِّ كفر، إنَّهم يُنكِرون الله ربَّ العالمين!

 

ورأيتُ في هذه القصَّة كيف يُحيي الإسلامُ الإرادةَ، ويبعث النُّفوس، وكيف يملأ أركانَ النفس بالأمْن، وأركانَ القلْب بالإيمان.

 

كيف يمدُّ البصر، ويجلو البصيرة.

 

وسوف أسرد القصَّة، ثم أُتبعها بما استشرفتُ فيها مِن عبر:

1- الأسرة:

حكَى لي أنه وُلِد في أسرة مفكَّكة، ولكنِّي رأيتُها نموذجًا في ذلك، فالأمُّ مصروفةٌ هِمَّتُها لإدمان الخمر، تقضي جُلَّ وقتها مع صواحبها في الحانات، تعود غيرَ عاقلة لشيء، والأبُ لا يشعر بكونه رَبَّ أسرة، وكِلا الوالدين: لا مسؤولية، لا عاطفة، وأخوه غيرُ عابئٍ بشيء، واقتضَى الحال سُرعةَ الانفصال، فهجَر الأبُ أسرتَه إلى مكانٍ آخَرَ، وتزوَّج من أخرى، وتزوَّجت الأمُّ مِن رجل آخر، وحال الأمِّ مع الثاني كحالِها مع الأول: لا مسؤولية لا عاطفة.

 

وثَمَّة طامَّةٌ أخرى.

 

قال لي: البيوت هنالك تَفتَح الشاشات على الزِّنا الصراح، ولم يُرِد مشاهدَ التعرِّي، إنما أراد ما قال، والعجبُ العجاب كيف يَهتدي أحدٌ كانت هذه البيئةُ منبتَه، سبحانَ نورِ السموات والأرض!

 

2- الديانة:

كانتْ تَسيح في روسيا جماعاتٌ تبشيرية منظَّمة، فاستطاعتْ أن تثقُب في غلاف الإلحاد ثُقبًا صغيرًا، وهو وإنْ كان لا يؤدِّي إلاَّ إلى ضلال، إلا أنَّه شرٌّ أهونُ مِن شر، وكانتِ الأمُّ ممَّن حيزوا إلى النصرانية، فما كان منها إلا أنْ توجَّهتْ بابنها إلى الكنيسة، وعمَّدتْه ليكونَ نصرانيًّا - وهم يجهلون أنَّ ماء المعمودية لا يَغسِل أبدًا فِطرةَ الله تعالى عندَ المهديِّين - بينما كان زوجُها الثاني ملحِدًا، وإنْ كانت المقدمات شتَّى، إلا أنَّ النتائج واحِدة: لا مسؤولية، لا عاطفة.

 

وكان مِن أمرِ صاحبنا هذا: أن غَلَب على تربيته زوجُ أمِّه؛ لأنَّها ليستْ فارغة لشيء، فكان كثيرًا ما يحاوره:

 

"إنَّك جبانٌ ضعيف، لا بدَّ أن تكون قويًّا وشِرِّيرًا؛ حتى لا يأكلك الناس، ابدأْ بالاعتداء لِتُثبتَ أنَّك الأقوى...".

 

"إيَّاك أن تظنَّ أنَّ هناك إلهًا، هذا كلامٌ كاذب، هل رأيتَ الله بعينك؟ هل كلَّمَك أو كلمتَه؟ ما الدليلُ على وجوده؟ لا تُؤمِن إلا بما ترَى...".

 

وكان صاحبُنا صغيرًا عن الجِدال العقلي، وشيئًا فشيئًا صار ملحدَ الفِكرِ، نصرانيَّ الانتماءِ، وقال لي: اعتقدتُ حينئذٍ أنَّ الله غيرُ موجود، (وأنَّه فِكرة هلامية شعبيَّة يُردِّدها الرعاعُ الجهلاء).

 

3- الضياع:

كان مِن شأنِ هذا الرجل الملحِد أنَّه انتحر!

 

تعرَّضَ لبعض المشكلات في العمل، وكان هو المديرَ، ونُسِب إليه الإهمال، فانغَلَق عليه الخارج، وكانتْ زوجه تلك شديدةَ السوء، ولا تُشعِره بأنه حي، فانغلَق عليه الداخِل، فلم يجد مفتوحًا إلا باب الموت، وأدْخل نفْسَه عالَمَ الآخِرة.

 

وانغلق كذلك على صاحِبنا وأخيه وأمِّهما بابُ الكفاية المادية، وكان صاحبُنا كبيرَ الأسرة، فترَك تطوُّعَه في الجيش، ووضَع نفسه موضعَ المسؤولية، وقادَه البحثُ عن عمل إلى أن يَفتتح محلاًّ صغيرًا لبيع أسطوانات الموسيقا والأفلام، ولكن سريعًا ما طردَه المنافِسون في المنطقة، وما هو إلا قليل حتى وجد نفْسًا مُفْلِسة، وأخًا ضائعًا، وأمًّا مخمورة.

 

فما كان منه إلاَّ أنْ طرَد أمَّه عندَ أمِّها، فلعلَّ الجدة أن تتحمل مسؤوليةَ ابنتها، وسافر هو إلى أبيه في بيته الجديد، فمَكَث شهرًا ثم طرده أبوه، لقد ارتكبَ جريمةً عاطفية، لقد أحبَّ ابنةَ زوجةِ أبيه، وأراد أن يتزوَّجها، فطَرَده أبوه، وقال: لا أريدك أن تعودَ هنا مرَّةً أخرى أبدًا.

 

4- الحالة النفسية:

قال لي صاحبُنا: كنتُ حينئذٍ في أشدِّ حالاتي سوءًا، وخِفتُ حتى لقد كنتُ أشعر كأنَّ حجرًا يَقُضُّ حنجرتي، وأجد ألَمًا في قلبي مستمرًّا باستمرار شعوري بالخوف، أخاف الناسَ مِن حولي، وأخاف الناس أن يقتلوني، وقال لي: عندنا لا يستطيع أحدٌ أن يَسيرَ في بعضِ الشوارع بعد غروبِ الشمس.

 

5- اللجوء لغير الله:

لمَّا كانتْ هذه حالَه، ما كان منه إلا أنْ فعل أمرين مُضحِكَيْن لي ولكما، ولكنهما مُبكيانِ عندَ التأمل.

 

الأول: اشترَى كتاب "دعِ القلقَ وابدأ الحياة"؛ لديل كارنيجي، الكاتب الأمريكي المعروف، وجعَل يقرأ ويُطبِّق كلَّ حرْف فيه، وليس كل كلمة فقط: "استيقظ صباحًا، واذهبْ إلى المِرآة، وارسم عليها وجهًا ضاحكًا، وقل: اليوم سيكون سعيدًا، اليوم سيكون سعيدًا!"، وكان صاحبُنا يُطبِّق!

 

الثاني: أنَّه شَعُر بالحاجة إلى تنمية القوَّة الغضبية عنده، فتوجَّه لتعلُّمِ لعبة الكونغ فو، باعتبارها لعبةً خطرة قاسية، تناسب القلوبَ القاسية التي حولَه، وتَحمي مُجيدَها مِن شرِّ المعتدين، وقال لي مِن عجيب ما قال: لم يكن أحدٌ على الأرض أحبَّ إليَّ مِن "بروس لي"، [ذلك الفتى الصيني، الذي مات في رَيْعان شبابه]؛ لأنَّ "بروس لي" كان أعجوبةً في هذه اللُّعْبة.

 

قال لي: وكنتُ أعبده، فضَحِكْتُ.

 

قال: لا تضحَك، فهذه حقيقةٌ، كنتُ أغمض عيني وأستغرِق في التأمُّل لأتواصلَ مع رُوح "بروس لي"، حتى يأتيَني فيُعينني على إجادةِ الكونغ فو! [هذا هو تخبُّط العقل الضال، ملحِد بالله مؤمِن بغيره].

 

6- وفي الكنيسة كان بدء الهدى:

قال: فلمَّا لم يكن ثَمَّة نتيجة، حاولتُ أن أُجرِّب الكنيسة، تلك التي لم أرَها مُنذ صِغري، فذهبتُ إلى القِسِّ وشكوتُ له ما بي، فقال لي: ادفعْ في هذا الصندوق كذا وكذا مِن المال، وسَجِّل هنا أسماءَ أسرتك ونحن سوف نُتابِع معهم.

 

فتَفكَّر في ذلك الأمر الغريب، ثم زادَه غرابةً أنَّ أحدًا منهم لم يهتمَّ به.

 

فعاود إلى القِسِّ وذكَر له سوءَ حاله، فقال له: اشترِ هذه الأيقونة، [صورة لمريم في زعْمهم] وادْعُها، وضعْها في بيتك ستجلِب عليك الحظَّ كلَّه، والعافية!

 

فتفَكَّر كذلك في ذلك، وزاده أيضًا غرابةً أنْ قال له القِسُّ: هذه الأيقونة صُنِعت في موسكو - رأسًا - فهي شديدةُ الفعالية، ادْعُها، وسيمطرك الخير، ولِمَ لا، إنها مصنوعة في موسكو المحروسة؟!

 

قال لي: ذهبتُ فأعطيتُ هذه الأيقونةَ لابنةِ زوجة أبي (تقديرًا لها، فهي لوحة مُقدَّسة عزيزة)، ثم رجعتُ للكنيسة لأطلبَ أخرى، فقال لي القِسُّ: للأسف لقد نفدتِ الكمية، ولكن هنا أيقونات أُخرى للعذراء رائعة، وهي وإنْ كانتْ أقلَّ كفاءةً؛ لأنَّها صنعت في "كييفا" إلا أنها رائعة، فاشتريتُ واحدةً أخرى.

 

قال لي: ورأيتُ هناك على رفٍّ في غُرفة القِس كُتبًا دِينيَّة كثيرة جدًّا وقديمة كذلك، عن عيسى - عليه السلام - وكنتُ في شوقٍ عارم لأقرأَها، فطلبتُها منه أن أستعيرَها، فرفَض القِسُّ، وقال: هي بالثمن.

 

قال لي: وكانتْ قديمةً وباهظةَ الثمن، وحَدَاني كل ما سبَق لأنْ أحتقرَ الكَنيسة.

 

فهو وإن لم يَنلْ منهم مبتغاه، إلا أنَّه لم يرجِعْ صفرَ اليدين، فقد عاد مالئًا يديه بِبَراهين بُطلانهم، وبالشكِّ فيهم وفي مظاهرِهم المزخرَفة.

 

7- ليس إلا طريق واحد:

حين جرَّب صاحبُنا الإلحادَ فلم ينفعْه، وجرَّب الكنيسة فلمْ تنفعْه، ذهَبَ ليأكلَ مِن عمل يدِه، فبحَث عن عملٍ فلم يجدْ إلا أن يعمل طبَّاخًا في سفينة، ثم فُوجِئ بأنَّ هذا العمل كان لمدَّة محدودة، وطُرِد منه رغمًا عندَ انتهاء المدة.

 

ولمَّا أراد الله به خيرًا هيَّأ له عملاً في نفْس السفينة، ولكنَّه كان مع طاقم إصلاحِ السفينة بعدَ رُجوعها من البحْر، وثَمَّة كان الهُدَى.

 

كان في هذا الطاقمِ رجلٌ أسودُ ضخمٌ، يراه صاحبُنا كأنَّه وحشٌ كاسِر؛ لأنه كان شيشانِيًّا مُسلِمًا، وكان دأبُ الناس في روسيا أن يُخيفوا صِغارَهم بالشيشانيِّين، فهم إرهابيُّون غليظون، يأكلون لحومَ البشر.

 

فكان مِن شأن صاحبِنا الروسي أنْ فَزِع منه فزَعًا لم يكن يحتمل منه أن يبقَى هو والشِّيشاني في مكان، إذا دخَل خرَج، وإذا خرَج دخَل!

 

قال لي: وفي يومٍ مِن الأيام ذهبتُ إلى المطعم لأتناولَ طعامي، فلم أجد فيه أحدًا، ولمَّا اتخذتُ مكاني على طاولة فيه، إذ بهذا الشيشاني يدخُل.

 

وكانتِ الفاقِرة أنِ اختار طاولتي ليجلسَ عليها.

 

قال لي: مِن شِدَّة الخوف لم أستطعْ تناولَ الطعام، آكُل وأتوقَّف، وأتوقف وآكُل، وأُلاحظه في الحينِ والحين.

 

قال: فدخلتْ قِطَّة المطعم، وحامتْ حولنا، فإذا بالشيشاني يَتناولها ويحملها في يدِه، بعطفٍ عجيب، ويُداعِبها، ويسألها: هل أنتِ جائعة؟ ثم أطْعَمها مِن طعامه.

 

قال: فصُدِمت صدمةً ضخمة؛ إذ لم أكن حينئذٍ أظنُّ أنَّ هناك على وجهِ الأرض كلِّها شيئًا يُسمَّى الرحمة.

 

ومِن شدَّة صدمته وجَد نفسه متجرِّئًا على سؤال الشِّيشاني، وسأله سؤالاً عجيبًا، لم يسأله عن صِفات دِينه التي تجعل الناسَ رُحماء، ولم يسألْه عن الدافع الذي حدَا به إلى ذلك الفِعل، وإنَّما سأله:

• كيف يجعَلُك دِينُك تتغلَّب على مخاوفك؟

 

إنَّه سؤالٌ يعكس مدى الجُرْح الذي أصيب به هذا الشابُّ مِن جرَّاء إلحادِه الفِكري، وانتمائه النصراني.

 

كلُّ أملِه أن يجدَ للأمنِ سبيلاً، وللراحةِ أرضًا وطيئة.

 

حدَّثه الشيشاني عنِ الإسلام وأخلاقِ الإسلام، ثم وعَدَه بأنه سوف يأتيه ليوسِّعَ له الكلامَ في هذا الدِّين.

 

ولكن كان صاحبُنا ما زال خائفًا، وكان الله يعلم في قلْبِه خيرًا، كان مِن خوفه يُغلِق بابَه، ويأتي الشيشانيُّ يطرُق فلا يُجيبه أحدٌ فيرجع، وهكذا حتَّى شاء الله تعالى، ونسِي صاحبُنا بابَه مفتوحًا، فجاء الشيشانيُّ فاستأذن فدخَل، فلم يكن بُدٌّ مِن أن يحادثَه صاحبنا، وتوسَّعَا في الحديث عن دِين الإسلام، ورسول الإسلام، وأهل الإسلام، ووجد الشابُّ أنَّه ربما يجد في هذا الدِّين بُغيتُه التي يَبتغي.

 

وبَيَّن استعدادَه لاعتناقِ هذا الدِّين، فاصطحبه الشيشاني إلى مركز إسلامي هناك، وهناك وُلِد صاحبُنا الروسي ميلادًا جديدًا، وهناك تكسَّرَتِ القضبان التي سَجَنتْ رُوحَه سِنين طوالاً.

 

قال لي: لمَّا أعلنتُ إسلامي ضجَّ المسجد بالتكبير، وكان لهذا أثرٌ كبير في نفْسي، ثم ازدحموا حولي يُبارِكون لي، ويَضْحكون في وجهي، وقد كنتُ أظنُّ أنَّ أحدًا في العالَم لا يمكن أن يَضحَك في وجهي إلا لمصلحةٍ ما.

 

وممَّا زاده انشراحًا - ولا تتصوَّرون كيف كان سعيدًا وهو يَحْكي لي - أنَّهم في هذا المركز أعْطَوه كِيسًا مملوءًا بالكُتب المنوَّعة عن الإسلام، مجَّانًا، والضد يُظهِر حُسْنَه الضدُّ، عطاء يسير أثَرُه جزيل.

 

8 - أولئك يُبدِّل الله سيئاتِهم حسنات:

أشار عليه الشيشانيُّ المبارَك بأن يتعلَّمَ اللغة العربية، ويبحَث عن وظيفةٍ للترجمة في إحْدى البلاد الإسلاميَّة، وكان.

 

سافَر إلى مدرسةٍ لتعلُّم اللُّغة العربية والدِّراسات الإسلاميَّة في مكان بعيدٍ جدًّا، رحلة طويلة لطلبِ العِلم، ظلَّ يُسافِر فيها بالقطار سبعةَ أيَّام، وفي تلك المدرسة تَعلَّم اللغة العربية، وعرَف مِن دِينه ما قد يجهله بعضُ المسلمين في مدارسهم.

 

وبعدَ أن أتمَّ تعليمَه، أعدُّوا له جوازَ سفر، ثم بَحثوا له عن وظيفةٍ في مصر، وبعدَ أن غادر مدرستَه مباشرةً أعدَّ "أمن الدولة" في المنطقة جريمةً مفبْرَكة للمدرسة وأغلقوها، وسافَر هو إلى مصر، والْتَحَق بالأزهر، وأصبح مِن طلاَّب العِلم الشرعي.

 

وممَّا شدَّني أنه أراد التخصُّصَ في بابِ التوحيد، ومعرفة أسماء الله تعالى وصفاته، وعرَض عليَّ بحثًا يعدُّه في هذا الشأن، وهذا دليلُ امتلائه بالإحساسِ بالله الذي يُبيِّن عمقه وإقباله عليه مدَى بُعْده عنه أيَّام إلحاده، وسبحان الله! ﴿ إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ﴾ [القصص: 56].

 

بقي شيء:

سألتُه: لماذا لا تدعو أهلَك للإسلام؟ قال لي: يَقْتُلني ضُبَّاطُ الأمْن، وأهلي لا يَستجيبون لي، بل يستهزِئون بي: انظرْ إلى نفسك قد أصبحتَ كالقِرْد نحولاً، وما هذا الشَّعْر الذي يملأ وجهَك؟ قد كنتَ قبلَ الإسلام ممتلئًا صحَّة، أصبحتَ الآن هزيلاً ضَيِّق الأفق.

 

كلمات كهذه، ولكن الإسلام الذي هَدَى الله به قَلْبَه، هدَى فِعالَه، فظلَّ يتصل بأمِّه وأبيه، وأخيه وجَدَّته، ولا يتصِلُ به منهم أحد؛ ﴿ قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ ﴾ [الإسراء: 84].

 

كانتْ هذه قِصَّةَ إيمان شدَّتْني حقيقةً، حتى صرتُ أحكيها كلَّ حين، وسأتبع هذا بمقالٍ آخَرَ عن العِبر التي مررتُ بها ومرَّتْ بي.

 

وكم لله في خلْقِه مِن عِبر!





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • المرأة الثابتة على الإيمان تقود قبيلتها للإسلام ( أم شريك )
  • من حقوق النبي على أتباعه .. الإيمان به - صلى الله عليه وسلم
  • من قصص القرآن الكريم: قصة إسلام ملكة سبأ
  • حلاوة الإيمان
  • تأملات في مركب "حوار الحضارات": أي حوار وأية مقومات؟

مختارات من الشبكة

  • تأملات إيمانية في قصة نبي الله أيوب عليه الصلاة والسلام من خلال سورتي الأنبياء وص (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تأملات دعوية في قصة مؤمن آل فرعون بسورة غافر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تأملات دعوية في قصة يوسف عليه السلام في السجن(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تأملات إيمانية في رحاب خواتيم سورة القصص(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تأملات في سورة الفاتحة(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • تأملات بين الواقع وبعض معاني سورة الحجرات(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تأملات في الطلاق وأحكامه(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: تأملات في سورة العنكبوت(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تأملات في قوله تعالى: (أن أرضعيه)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تأملات في بعض آيات سورة النازعات (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 


تعليقات الزوار
1- الله إذا أراد شيئاً هيأ له الأسباب
محمد موسى أبو عمر - مصر 05-12-2013 07:16 PM

لا تدري كيف ومتى تأتي الهداية .... وكيف ومتى يقع العابد في الغواية

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 19/11/1446هـ - الساعة: 13:49
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب