• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / فقه وأصوله
علامة باركود

حول نظرية المقاصد الشاطبية (2)

حول نظرية المقاصد الشاطبية (2)
الشيخ عبدالكريم مطيع الحمداوي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 15/9/2013 ميلادي - 10/11/1434 هجري

الزيارات: 17691

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

حول نظرية المقاصد الشاطبية (2)


بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه والتابعين:

بين المقاصد الشرعية والمقاصد الشاطبية:

يكاد الدارس لنظرية المقاصد الشاطبية، يلتبس الأمر لديه عند محاولته التمييز بين المقاصد الشرعية الثابتة بنصوص الكتاب والسنة، وبين ما دونه الشاطبي عنها في كتابه "الموافقات"، لا سيما عند تعريفه للمقاصد، وجنوحه فيها للمذهب الفردي في الفلسفة اليونانية، واضطرابه بين حاكميتها وبين حاكمية النص، وعند حديثه عن مسالك الكشف عنها، وعن حكم المسكوت عنه في الشرع، وازدواجية الموقف من الأدلة، وفهم الشريعة على معهود الأميين، مما نعرض له في المباحث التالية:

1- تعريف الشاطبي للمقاصد:

أول ما يلاحظ أن تعريف الشاطبي للمقاصد غير دقيق، مما يجعل بناءه على أرض هشة، وإن أشار في سياق تعريفه إلى أن المقاصد هي[1] "ما تحفظ به مصلحة الإنسان في الدين والدنيا"، كما حاول أن يميز بين المقصد التكويني والمقصد التشريعي بقوله[2]: "القصد التشريعي شيء والقصد الخلقي شيء آخر ولا ملازمة بينهما"، إلا أن هذه التفرقة بينهما منه، تحكمٌ ليس له أصل، فالتشريع نزل لتنظيم تصرفات المخلوق البشري ابتلاء، والمخلوق البشري وجد للابتلاء، والقصد التشريعي بذلك مبني على القصد التكويني ﴿ مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ ﴾ [الملك: 3]، نعرف ذلك من نصوص الكتاب المتناثرة في سياقاتها، من ذلك قوله تعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]، فعمليـة الخلق تكوين يبنى عليه التكليف بالتشريع، كما أن تكوين السماوات والأرض خلق وتسخيرها للإنسان بالنسبة لها تشريع فطرة، يقول تعالى: ﴿ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ * وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ ﴾ [إبراهيم:  32- 33]. ونحن هنا لا نتحدث عن مقاصد غيبية استأثر الله بها في علم الغيب عنده، وإنما عن مقاصد من الخلق والتشريع بينها التنـزيل الحكيم والسنة المطهرة وليس لنا إلا هذا المجال.

 

كما حاول في المسألة الخامسة تعريف المقاصد بواسطة التمييز بين المصالح والمفاسد، وفصلها من حيث تعلق الخطاب الشرعي بها، وبيّن أن المصالح والمفاسد المبثوثة في الدنيا إنما كانت على سبيل الابتلاء لقوله تعالى: ﴿ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً ﴾ [الأنبياء: 35]، وأن استقراء الشريعة يقتضي أن لا مصلحة إلا وفيها مفسدة وبالعكس وإن قلت[3]، ولذلك وضعت على سبيل الامتزاج، فلا مصلحة إلا ويقترن بها أو يسبقها أو يتبعها مشقة أو مفسدة، ولا مفسدة إلا ويقترن بها أو يسبقها أو يتبعها من اللطف أو نيل اللذات كثير. فإن كانت المصلحة هي الغالبة فهي مقصود الشرع، وإن كانت المفسدة هي الغالبة فرفعها هو مقصود الشرع[4].

 

وهذا التعريف منه للمقاصد غير دقيق ولا يكفي لاستبانة كنه المصالح المستجلبة والمفاسد المستدفعة، كما أن تعريفها بمجرد كونها مرجعا ووسيلة لحفظ المصالح يسمح بتعدد المسالك المفضية إلى إهدار النصوص وتسيّب التشريع. فإذا أضفنا إليه قوله[5]: "ونحن إنما كُلفنا بما ينقدح أنه مقصود للشارع لا بما هو مقصوده في نفس الأمر" يكون قد أجهز على النصوص بضربة لازب، وتحول الاستنباط الفقهي تحت حاكمية المقاصد إلى حاكمية ما ينقدح في الذهن، على اختلاف القدرات العقلية والعلمية للمستنبط، مما يفسح المجال للتسيب المطلق وتمزق المجتمع مللا ونحلا ومذاهب وأحزابا.

 

2- الفردية في المقاصد الشاطبية:

نظر الشاطبي إلى مقصد الشرع في حفظ الضرورات الخمس على أساس فردي، لا على أساس تحفظ به الأمة كاملة، وجميع مقاصد الشريعة لديه- ما تعلق منها بوضعها ابتداء أو إفهامها أو التكليف بها أو دخول المكلف تحت حكمها - خاص بحفظ الضرورات الخمس للفرد، وهي الدين والنفس والعقل والنسل والمال على أساس أن حفظ الدين بمعنى التدين الفردي كما يتضح من سياق الدراسة، ومن قوله[6]: "فأصول العبادات راجعة إلى حفظ الدين من جانب الوجود، كالإيمـان والنطق بالشهادتين والصلاة والزكاة والصيام والحج وما أشبه ذلك"، وإن أشار إشارات عابرة إلى وجوب الجهاد على الفرد مع الإمام البَرّ والفاجر. وهذا الاتجاه الفردي في المقاصد يعدّ صدى لما كان سائدا آنئذ في الأندلس، من تداخل قيم أديان مختلفة، وتسربها إلى عادات المجتمع وأعرافه وتقاليده ونظمه، وتمازج ثقافات متنوعة المصادر والاتجاه، تزاوج فيها الفكر الإسلامي بغيره، وتحول بها إلى ناقل للتراث اليوناني، فأضعف هذا الدور ولاءه للإسلام، وموّه على أصالة الشريعة وتميزها، وأضفى على الحياة الأندلسية صباغا يكاد يكون علمانيا في الفكر والتصرف، كما ساهم في بلوَرة هذا الوضع قيام أنظمة للحكم مستبدة على أهلها خانعة لعدوها، مغرقة في الضلال والتفسخ والانحلال، مما سرب اليأس إلى عقول العلماء وقلوب العامة، وألجأهم إلى محاولة التسديد والتقريب بين أحكام الشريعة وبين انحراف الواقع، بمحاولة حفظ الضرورات الخمس للفرد، وإهمال ما له علاقة بالشأن العام الذي هو كيان الأمة ونظام الدولة، وضرورة تنفيذ الأمر الإلهي الخاص بإخراج الأمة الإسلامية للناس. ولعل في إشارة الشاطبي إلى اتفاق الشريعة مع سائر الملل في هذا الأمر[7] ما يوضح مدى تأثير الثقافات الأجنبية في التفكير الإسلامي وتمويهها على النص القرآني الملزم ﴿ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ﴾ [المائدة: 48]، وما يُفسِّر بدون لُبس هذا الاتجاه الفردي في المقاصد الشاطبية. ذلك أن الفردية مبدأ فلسفي عريق في الفكر الإنساني. والمجتمعات البدائية نفسها كانت فردية التصرف والمقصد، كما أن النظم التي عرفتها بواكير النضج السياسي في اليونان كانت ذات نهج فردي، والفيلسوفان سقراط وأرسطو كانا يعتقدان أن الفرد أساس التصرف الأخلاقي، وأبيقور جعل الفرد وحدة المجتمع وأساسه، والرواقية طورت مبدأ المساواة الاجتماعية في إطار يرى الفرد أساس كل حقيقة وجودية، والمذهب الفردي في الفلسفة عموما يرى أن غاية المجتمع رعاية الفرد والسماح له بتدبير شأن نفسه ضمن نظام ليبرالي يترك الأمور تجري على سجيتها.

 

ولئن كان الإسلام قد أعطى للفرد حق وعي ذاته ضمن أمة متماسكة ذات رسالة، بما يوازن بدقة متناهية بين الاتجاهين الفردي والجماعي، ويجعل الأفراد ركاب سفينة واحدة تتجه إلى مقصد واضح بيّن، ينجون بنجاتها ويهلكون بغرقها، فإن انفراط عقد الأمة وتسلط الاستبداد، وفوضى الثقافات الوافدة والدخيلة، ساهم في ارتداد النشاط العلمي والثقافي والاجتهادي نحو الفكر الوضعي، أو التأثر به سلبا على أقل تقدير، لاسيما في الأندلس التي كانت سباقة إلى هذا المجال، كما كانت بعد ذلك سباقة إلى السقوط، وكان أهلها بمحافظتهم على ضروراتهم الخمس أكثر سبقا إلى الهجرة والتهجير.

 

لقد كان الاجتهاد الفكري والفقهي في أول عهد الدولة الإسلامية حرا واقتحاميا، مثلما هو حال دولته عقديا وسياسيا وعسكريا، يعالج المعضلات الحادثة ومرتقبة الحدوث في إطار الكتاب والسنة، بثقة واستعلاء إيمان. إلا أن مجال حرية الرأي والاجتهاد والنهج الاقتحامي أخذ يتقلص بالتدريج إلى أن أصبح الخوف سيد الموقف، الخوف من السلطان، والخوف من العدو الخارجي المتربص، والخوف من الفتنة، والخوف من القمع المعنوي الذي يمارسه وُعَّاظ السلاطين. فأصبح التحرك التشريعي والاجتهادي بذلك حبيس دائرة الفردية، محافظة على النفس والعقل والنسل والمال والتدين الفردي، وكانت مقاصد الشاطبي ثمرة لهذه الظروف وصدى لهذه الأوضاع.

 

3- حاكمية المقاصد وحاكمية النص:

قرر الشاطبي أن تكاليف الشرع ترجع إلى حفظ مقاصدها التي هي مصالح العباد في العاجل والآجل، ورأيه هذا منه حكم جازم لا ينازع فيه أحد، لاعتماده على دليل قطعي مستنبط بالاستقراء المعنوي والنظر في أدلة الشريعة الكلية والجزئية[8]. إلا أن هذا المذهب منه غير مسلم بإطلاق، لأنه يؤدي إلى حاكمية معنوية منتحلة على الشريعة نفسها، هي حاكمية المقاصد الشاطبية التي هي حفظ المصالح، على اعتبار أنها غاية الوجود البشري ومصدر تصرفاته، وهو ما يلغي حاكمية النصوص ويهدرها أو يعود على حجيتها بالإبطال، أو يمهد للانقلاب عليها في أقل تقدير، ويجعل من حقنا أن نسأل الشاطبي عن مدى انتساب هذا الرأي منه للكتاب والسنة، وهل هذا الدليل القطعي الاستقرائي على حاكمية المصالح المرسلة التي هي غاية المقاصد، عرفه الرسول - صلى الله عليه وسلم -  وكتمه؟ أو بلغه للمسلمين ونسيه جميعهم؟ أم أنه كان نقصا في الدِين استمر أكثر من سبعة قرون إلى أن جاء الشاطبي فأكمله؟

 

إن القواعد المستقرأة بالاجتهاد غير المعصوم لا يمكن أن تقف في وجه النص، كما أن الشرع لا يعلل وضع الأحكام بالمصالح الفردية وإن تضمنتها، وإنما يعللها تعليلا كليا حاكما على جميع العلل الجزئية الواردة، هو الحكمة الإلهية في الابتلاء والاختبار، نصا محكما لا ينازع ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56] ﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ﴾ [العنكبوت: 2] ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ﴾ [آل عمران: 142].

 

إن العبودية الصادقة لله عز وجل، متمثلة في التعامل الإيجابي مع ضروب الابتلاء والفتن ومكافحة المكاره وعوائق الطريق إلى مرضاة الله، هي المقصد الحقيقي من التكليف الذي يتضمن مصلحة الفرد في الدنيا، كما أرادها الله لا كما يتصورها البشر، ومصلحته في الآخرة التي هي الجنة حسب مشيئة الله وحده لا كما يفترضها العقل البشري.

 

فمصالح الدنيا في مجالها العبادي منضبطة بالنصوص والحمل عليها مطلقا، وفي مجال المحاولات الدنيوية الصرفة جزء محكوم بالشريعة وجزء ترك للعقل البشري حرية التصرف فيه بواسطة الشورى العامة. وينبني على هذا رد ما قرره الشاطبي[9] بقوله: "ثبت أن الشارع قد قصد بالتشريع إقامة المصالح الأخروية والدنيوية، وذلك على وجه لا يختل لها به نظام، لا بحسب الكل ولا بحسب الجزء، وسواء في ذلك ما كان من قبيل الضروريات أو الحاجيات أو التحسينيات، فإنها لو كانت موضوعة بحيث يمكن أن يختل نظامها أو تنحل أحكامها، لم يكن التشريع موضوعا لها، إذ ليس كونها مصالح إذ ذاك بأولى من كونها مفاسد، لكن الشارع قاصد بها أن تكون مصالح على الإطلاق، فلا بد أن يكون وضعها على ذلك الوجه أبديا وكليا وعاما في جميع أنواع التكليف والمكلفين وجميع الأحوال". ذلك أن هذا الرأي منه مخالف لما نعرفه في الشرع من أن الدنيا مطية للآخرة، ولابد للمطية من أن تتأثر بالاستعمال الذي هو ابتلاء في أصله وطبيعته ﴿ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾ [الأنبياء: 35] ﴿ وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ ﴾ [آل عمران: 146]، والتضحية بالمال والنفس والأهل والولد أو الابتلاء بهم من القرب التي يحط بها ذنب أو ترفع بها درجة، وهي مصالح دنيوية لابد من إهدارها أحيانا للفوز بمرضاة الله، وكأن بين بعض مصالح الدنيا ومصالح الآخرة تعارضا وتنافيا هما سر الابتلاء.

 

4- مسالك الكشف عن المقاصد:

خصص الشاطبي فصلا هو خاتمة الجزء الثاني من الموافقات لبيان مسالك الكشف عن مقاصد الشريعة، ووضع سؤالا افتتاحيا للموضوع هو[10]: "بماذا يعرف ما هو مقصود مما ليس بمقصود؟"، ثم استطرد بتوضيح مناهج عامة الفقهاء في أمر هذه المسالك ولخصها في ثلاثة أقسام هي:

• منهج الاعتماد على ظواهر النصوص وحدها، بأن يقال إن مقصود الشارع غائب حتى يأتينا ما يعرفنا به، وهو طريقة الظاهرية.

 

• منهج يؤول إلى إبطال الشريعة، وهو على ضربين، مذهب المتعمقين في القياس، الذين لا يلتفتون إلى معاني الألفاظ ولا تعتبر الظواهر والنصوص لديهم إلا بناء على مراعاة المصالح. ومذهب من يدعي أن مقصد الشارع ليس في ظواهر النصوص ولا يفهم منها، وإنما المقصود أمر آخر وراءها، وهو قول الباطنية سلفا وقول الشيوعية السافرة والمقنعة في عصرنا.

 

• منهج يوازن بين النص والمعنى على وجه لا يخل أحدهما بالثاني، وهو مذهب أكثر العلماء الراسخين.

 

انتقد الشاطبي المذهب الظاهري الذي يخصص مظان العلم بالمقاصد في الظواهر والنصوص، والمذهب الباطني الذي يؤول إلى إهدار النصوص، واختار طريقا وسطا يجمع بين الظواهر والمعاني على وجه لا يخلّ فيه أحدهما بالآخر، وبناه على أربعة أسس هي مسالك الكشف عن المقاصد عنده، وهي:

1. تبين المقصد الإلهي من مجرد الأمر والنهي الواردين في النصوص.

 

2. اعتبار العلل في الأمر والنهي.

 

3. التمييز بين المقاصد الأصلية والمقاصد التابعة في الأحكام العبادية والأحكام العادية، إذ لكل حكم مقصد أصلي ومقصد تابع يؤكده، فالنكاح مثلا مشروع للتناسل على المقصد الأصلي، ولطلب السَكن والتعاون والتراحم على المقصد التبعي.

 

4. تعرف مقاصد الشريعة من عدم الفعل لا من الفعل، فإن سكت الشرع عن حكم مع وجود دواعيه، يكون هذا السكوت دليلا على أن مقصد الشرع هو عدم ذلك الفعل المظنون بالمعنى الذي يقتضيه. وذلك مثل سجود الشكر على مذهب مالك، حيث سكت الشارع فلم يشرعه مع توفر دواعيه، مما جعل السجود زيادة في الدِين وبدعة.

 

ويلاحظ على هذه المسالك الشاطبية عدم دقتها في بيان مرجعية الكتاب والسنة بمجموع نصوصهما في العقيدة والشريعة والأخلاق، ما تعلق منها بالدنيا وما تعلق بالآخرة أو جمع بينهما. ذلك أنه قصر في المسلك الأول تعرف المقاصد على أوامر النصوص ونواهيها، وفي النصوص أكثر من الأوامر والنواهي مما يتعرف به على المقاصد تصريحا وتلميحا.

 

كما قصرها في المسلك الثاني على علل الأحكام في الأمر والنهي، وفي النصوص مما سوى الأمر والنهي علل صريحة ومستنبطة للخلق والمبدأ والمعاد وتنـزيل التشريع ومقاصده وسنن الابتلاء وصراع الحق والباطل.

 

أما التعرف على المقاصد من ترك التشريع مع توفر دواعيه في بعض الأحوال فينبغي أن يميز فيه بين سكوت الشارع في مجال العبادات مما شرحه الشاطبي محقا ووظفه لمحاربة البدع، وبين سكوته في المجال الدنيوي العام الذي تدعو الحاجة إلى تنظيمه، وهو ما للمجتمع المسلم أن يبث فيه بواسطة الشورى العامة.

 

ومن الجدير بالذكر أن هذا الضعف الملحوظ في مسالك الشاطبي، قد تدارك بعضه الشيخ الطاهر بن عاشور إذ صنف المسالك إلى ثلاثة أصناف هي[11]:

1. الاستخلاص المباشر من تصريحات القرآن الكريم.

 

2. الاستخلاص المباشر من السنة المتواترة.

 

3. استقراء الشريعة في تصرفاتها من خلال أحكامها المتعددة المتنوعة المشتركة في علة واحدة على أساس أن العلل مجرد مقاصد قريبة لأنها متعلقة بآحاد الأحكام وفوقها مقاصد أعم.

 

وبهذا الاعتبار تعد المسالك التي أوردها الشاطبي توطئة لما كتبه ابن عاشور ومادة أولية له، وما كتبه ابن عاشور امتدادا وتطويرا لما كتبه الشاطبي في أمر المسالك. إلا أن ما كتب عموما عن المقاصد محتاج إلى مزيد دراسة وسبر وفرز، يجعلها أداة لترقية المجتمع المسلم دون المس بعقيدته أو شريعته، وقبلة لسيره نحو المقصد الأسمى الذي هو إقامة أمر الإسلام ضمن أمة شاهدة ظاهرة.

 

5- حكم المسكوت عنه في الشرع:

مجال ما لم يرد فيه حكم شرعي خصص له الشاطبي فصلا كاملا في الجزء الأول من الموافقات[12]، وانطلق فيه من مبدأ "العفو" وضوابط ما يدخل تحته، مستندا في ذلك إلى مقياس سليم يعد الاقتصار به على محال النصوص نزعة ظاهرية والانحلال من النصوص بإطلاق نزعة باطنية وخرقا لا يرقع، والاقتصار فيه على بعض المحال دون غيرها تحكما يأباه المعقول والمنقول.

 

ثم صنف ما يدخل تحت هذه القضية إلى ثلاثة أقسام هي:

1. الوقوف مع مقتضى الدليل المعارَض وإن قوي معارضه، كمن يدخل تحت العزيمة وإن توجه حكم الرخصة، أو يدخل تحت حكم الرخصة وإن توجه حكم العزيمة.

 

2. الخروج عن مقتضى الدليل من غير قصد أو بتأويل، كمن يعمل عملا على اعتقاد إباحته ولم يبلغه دليل التحريم، أو بلغه دليل التحريم وتأول الإباحة.

 

3. ما سكت عنه الشرع فلم يرد في شأنه حكم، وهو بيت القصيد في موضوعنا هذا. ذلك أن المسكوت عنه ليس عفوا بإطلاق وليست أحكامه مستنبطة بإطلاق، إلا إذا اعتبرنا أن جميع أفعال المكلفين داخلة تحت خطاب التكليف، بحيث يعد "العفو" حكما سادسا زائدا على الأحكام الخمسة إيجابا وحظرا وندبا وكراهة وإباحة، فيكون الفعل مخالفة داخلة تحت حكم العفو. ذلك أن خلو بعض الوقائع والحوادث وتصرفات المكلفين عن حكم الشرع يرجع إلى ثلاثة أوجه هي:

• وجه من العبادات، وهي تامة بينة الأركان، كل زيادة في أحكامها ومبناها بدعة مردودة. وما سكت عنه الشرع في أمرها من خطأ أو نسيان أو إكراه فهو عفو.

 

• وجه معاملات فردية أومأت إلى حكمها النصوص المجملة وكليات القواعد، تستفصل أحكام المسكوت عنه فيها تحت حاكمية هذه النصوص واستقراء منها. وفي قسط من هذه المعاملات مجال للعفو بضوابطه.

 

• وجه معاملات وتصرفات دنيوية متعلقة بالشأن العام للأمة، لم يرد فيه حكم شرعي، ولكن الله أذن في التشريع له، ضمن الإطار العام لدولة الإسلام الناهضة لتحقيق المقصد الأسمى من إخراجها للناس. والتصرفات في هذا المجال تخطيطا وتشريعا وتنفيذا ليست مخالفة لتدخل تحت حكم العفو.

 

6- ازدواجية الموقف من الأدلة:

عندما يستعرض المرء ما كتبه الشاطبي في كتابيه، الموافقات والاعتصام، يلاحظ نوعا من الازدواجية أو الاضطراب في موقفه من الأدلة الشرعية النقلية، ومن منهج استقراء أدلة المقاصد. فهو في المقدمة الخامسة[13] يتمسك بحاكمية النص تمسكا شديدا، ويبين بما لا يدع مجالا للريب أنه إذا تعارض النقل والعقل على المسائل الشرعية، تقدم النقل فكان متبوعا وتأخر العقل فكان تابعا لا يسرح في مجال النظر إلا بمقدار ما يسرحه النقل. ويعلل موقفه هذا بأمور منها أنه لو جاز للعقل تخطي مآخذ النقل لم يكن للحد الذي حده النقل فائدة. وأن العقل لا يحسن ولا يقبح ولو جاز ذلك له لجاز إبطال الشريعة بالعقل وهو محال باطل. ثم يؤكد نفس الموقف بقوله[14]: "والثالث أن يقصد مجرد امتثال الأمر فهم قصد المصلحة أو لم يفهم فهذا أكمل وأسلم". ثم يسير على نفس النهج في "الاعتصام"[15] فيقول: "ثبت في علم الأصول أن الأحكام المتعلقة بأفعال العباد وأقوالهم ثلاثة: حكم يقتضيه معنى الأمر، كان للإيجاب أو الندب، وحكم يقتضيه معنى النهي، كان للكراهة أو التحريم، وحكم يقتضيه معنى التخيير، وهو للإباحة. فأفعال العباد وأقوالهم لا تعدو هذه الأقسام الثلاثة: مطلوب فعله، ومطلوب تركه، ومأذون في فعله وتركه".

 

إلا أنه في المنحى المقاصدي يهمش دور النقل لحساب الاستقراء العقلي محاولا توهين ما يعارض منهجه، فيقول[16]: "وإنما الأدلة المعتبرة هنا المستقرأة من أدلة ظنية تضافرت على معنى واحد حتى أفادت فيه القطع، فإن للاجتماع من القوة ما ليس للافتراق" ثم يقول[17]: "وإذا تأملت أدلة كون الإجماع حجة أو خبر الواحد أو القياس حجة فهو راجع إلى هذا المساق لأن أدلتها مأخوذة من مواضع تكاد تفوت الحصر، وهي مع ذلك مختلفة المساق لا ترجع إلى باب واحد. إلا أنها تنتظم المعنى الواحد الذي هو المقصود بالاستدلال عليه. وإذا تكاثرت على الناظر الأدلة عضد بعضها بعضا فصارت بمجموعها مفيدة للقطع".

 

ويقول أيضا[18]: "وعلمها - أي المقاصد - عند الأمة كالضروري، ولم يثبت لنا ذلك بدليل معين ولا شهد لنا أصل معين يمتاز برجوعها إليه، بل علمت ملاءمتها للشريعة بمجموع أدلة لا تنحصر في باب واحد، ولو استندت إلى شيء معين لوجب عادة تعيينه وأن يرجع أهل الإجماع إليه، وليس كذلك لأن كل واحد بانفراد ظني". ويضيف[19]: "وينبني على هذه المقدمة معنى آخر وهو أن كل أصل شرعي لم يشهد له نص معين وكان ملائما لتصرفات الشرع ومأخوذا معناه من أدلته فهو صحيح يبنى عليه ويرجع، لأن الأدلة لا يلزم أن تدل على القطع بالحكم بانفرادها دون انضمام غيرها إليها". ثم يفصل موقفه بوضوح قائلا[20]: "والنصوص النقلية إما أن تكون نصوصا جاءت متواترة السند لا يحتمل متنها التأويل على حال من الأحوال أو لا، فإن لم تكن نصوصا أو كانت ولم ينقلها أهل التواتر، فلا يصح استناد مثل هذا إليها، لأن ما هذه صفته لا يفيد القطع، وإفادة القطع هو المطلوب، وإن كانت نصوصا لا تحتمل التأويل ومتواترة السند فهذا مفيد للقطع، إلا أنه متنازع في وجوده بين العلماء، والقائل بوجوده مقر بأنه لا يوجد في كل مسألة تفرض في الشريعة، بل يوجد في بعض المواضع دون بعض. ولم يتعين أن مسألتنا من المواضع التي جاء فيها دليل قطعي".

 

هكذا يستبعد الشاطبي الأدلة النقلية عن مجال مسالك الكشف عن المقاصد لأنها في نظره إما قطعية الثبوت متنازع في قطعية دلالتها، أو ظنية لا يستند إليها. والشريعة قطعية لابد أن تبنى على قطعي. والقطعي في نظره هو ما يسفر عنه استقراء الأدلة الكلية والجزئية وما تنطوي عليه من الأمور العامة، مما لا يثبت بدليل خاص، بل بأدلة منضاف بعضها إلى بعض ينتظم من مجموعها القطع. وهذا منه توهين واضح للنصوص وفتح لباب يتيح للعلمانيين والشيوعيين المتدثرين برداء الحداثة والعصرنة الدعوة للتحلل من الدِين وإهدار ما هو معلوم منه بالضرورة.

 

هذه الازدواجية في النظر إلى الأدلة، بالتردد بين الأخذ بالنقل الذي عده كله ظنيا في المسألة، أو الأخذ بالاستقراء الذي عده قطعيا، أدت إلى ما لوحظ من اضطراب وخلط وتناقض أحيانا، إذ يبدو الفقيه أحيانا في بعض كتاباته سلفيا متشددا وحرفيا أقرب إلى الظاهرية، وأحيانا في فقه المقاصد مغاليا في الانفتاح المهدر للنصوص.

 

قد يكون ذلك راجعا إلى كون بدايته السلفية، تأثرت مع الزمن بظروف الأمة وانخفاض مستوى تدينها، وهيمنة الفكر اليوناني المعرب على الثقافة في عصره، وقد يكون بسبب الإحباط الذي تجرعه من فشل محاولاته الشاقة للأوبة بالمجتمع إلى الشريعة وأخلاق السلف، مما حدا به إلى نهج سبيل المقاصد، لما فيها من يسر واستدراج رفيق، وتهدئة للحملة المسعورة التي شنها ضده حكام الأندلس وبطانتهم من الفقهاء السادرين في غفلتهم. مهما كانت المبررات فإن نهجه في فقه المقاصد يعد تحكيما للعقل في النقل، وجسرا للتحلل من الدِين، وسلاحا شاكيا يستخدم في كل عصر لمواجهة الصحوة الإسلامية وتيار الأوبة إلى الإسلام عقيدة ونظاما وشريعة حياة. ذلك لأن منهج الإسلام الحق يجعل أصول الدين وفروعه ومجملاته ومفصلاته وكلياته وجزئياته متلازمة وتحت حاكمية الكتاب والسنة، ولأنه بغير الأحكام الفرعية والجزئيات التعبدية يتحول الدين إلى مجرد شعارات ومبادئ لا جذور لها في الأرض، وبغير المجملات والكليات يكون تعاليم مبعثرة لا توجه حياة ولا تؤطر دولة، وإضعاف النصوص بجعلها ظنية في مقابل تقوية الاستقراء البشري غير المعصوم بجعله قطعيا يتعارض مع مقررات الدين وما هو معلوم منه بالضرورة، كما أن منهج الإسلام في تعبيد الناس لله واستعمارهم في الأرض يقتضي أن تكون مجملات الدين ومقاصده العامة تحت حاكمية الكتاب والسنة مجرد بوصلة للتوجه، أما أحكامه وفروعه فهي موطئ الأقدام على صراط مستقيم، في إطار يخاطب كل مسلم على قدر طاقته ووسعه في قضايا الدين والدنيا، ويوحد كل فرد مع كافة أعضاء مجتمعه ضمن مسيرة يذوب بها الفرد في المجتمع والمجتمع في الفرد، نحو المقصد الأسمى الذي أخرجت الأمة من أجله.

 

7- فهم الشريعة على معهود الأميين:

يبني الشاطبي على كون الرسول -صلى الله عليه وسلم-  أميا لقوله تعالى: ﴿ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ [الأعراف: 158]، وعلى كون الأمة العربية التي بعث فيها أمية لقوله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ [الجمعة: 2]، عددا من الأحكام منها رشيد ومنها دون ذلك[21].

 

أول هذه الأحكام أن الشريعة بما أنها نزلت بلسان العرب فلا يكون فهمها إلا بهذا اللسان، وأن خاصية الإعجاز في القرآن وطبيعة اللغة العربية في كون ألفاظها مطلقة وذات معان مقيدة دالة على معان خادمة، يجعل ترجمة القرآن متعذرة. وهذا حق لاشك فيه.

 

إلا أن دعواه بأن الشريعة الإسلامية أمية لكونها بعثت في أمة أمية، غير سليمة ومردودة لعدة أسباب:

منها أن لفظ "الأمية" مشترك، لا يعني فقط الجهل بالقراءة والكتابة، وإنما يعني أيضا من لا يقر بنبي ولا رسول وكل ما سوى أهل الكتاب من أتباع الديانات الأخرى، وهو معنى قوله تعالى ﴿ فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا ﴾ [آل عمران: 20]، كما أن وصف النبي - صلى الله عليه وسلم - بالأمية مختلف في معناه، ومنهم من يفسر لفظ "النبي الأمي" بكونه ينتسب إلى أم القرى التي هي مكة المكرمة.

 

ومنها أن من العرب من كان يعرف القراءة والكتابة قبل البعثة وبعدها، ومنهم من كان يعرف الحكمة ولغات الجوار فرسا وروما وأحباشا بسبب رحلتي الشتاء والصيف للتجارة.

 

كما أن في دعواه هذه شططًا في استخدام المنطق الصوري الذي لا تتطابق أحكامه أحيانا مع الحقيقة والواقع، وحصرا للشريعة في نطاق ضيق محدود هو الأمة العربية، والحال أنها للبشر كافة ﴿ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِين ﴾ [ص: 87].

 

وبما أن الشريعة أُنزلت من لدن عليم حكيم، ومصدرها العلم المطلق العام الشامل، فلا بد أن تحمل ما يناسبها من علم واضعها سبحانه وتعالى، ولذلك يكشف القرآن الكريم لكل عصر وجيل وعلم وبحث أسرارا من الخلق والتدبير معجزة، مما يوضح حقيقة صدوره عن علم وسع كل شيء.

 

أما دعواه بأن الشريعة ينبغي أن تُفهم على معهود الأميين، لأن رسولها أمي والأمة التي بعث فيها أمية، فجنوح مندفع في الاستقراء غير المنضبط، لا سيما وقد جاء القرآن في جملة مضامينه قابلا للفهم من جميع الخلق جاهلهم وعالمهم، كل حسب قدرته ومدى استيعابه ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾ [القمر:  22]، كما أن أحكامه التكليفية مبنية على مقاييس حسية وعقلية تسع كافة المخاطبين من كل جنس ولون وعصر ومستوى حضاري وثقافي، وإلا لما كانت ملزمة لهم وحجة عليهم جميعا، ولتعذر الامتثال لها وتطبيق أوامرها ونواهيها، والاعتبار بما ورد فيها من مواعظ وحكم، وحقائق علمية في النفس والكون والآفاق. كما أن التطور العلمي المعاصر أكد إعجاز القرآن في انبنائه على العلم المطلق، إذ كل المعلومات الواردة فيه يفهمها الفرد العادي البسيط بما يكفي لتثبيت إيمانه وقيامه بتكاليف دينه، ويفهمها العالم المتخصص بما يفتح له آفاقا في العلم والإيمان.

 

وبما أن معهود كل أمة راجع إلى أسلوب معيشتها بداوة وحضارة، ليونة وخشونة، علما وجهلا، فإن هذا يقتضي منه أن تفهم الشريعة على معهود البداوة والخشونة والجهل، بسبب أمية العرب وبداوتهم وخشونتهم، مما يتنافى مع شمولية الدين للجميع وتميزه بالرفق واليسر ودعوته إلى الرقي والعلم والتحضر؛ وعلى مفهوم جنس العرب، مما يهدر الأخوة الإنسانية لتحل محلها مفاهيم العرقية التي تجعل الإسلام دينا للعرب وحدهم. كما أن هذا الرأي يؤدي إلى أن ينشأ في المجتمع المسلم ثلاثة أديان، دين النخبة المثقفة المبني على المقاصد وطرق الكشف عليها، ودين الملتزمين بالكتاب والسنة، ودين العامة المبني على الجهل ومعهود الأميين، أو دين الحضري المبني على الإفراط في الليونة والرفق، ودين البدوي المغرق في الخشونة والشدة، وهذا كله غير صحيح.

 

وأخيرا فإن ضرورة فهم الشريعة على معهود الأميين يعود أيضا على منهج الشاطبي في الكشف عن المقاصد بالإبطال، لأنه ليس على معهود الأميين بساطة وعفوية وعدم تعقيد. فهو مبني على الاستقراء ملاحظة ومقارنة وتجريدا وتعميما وتقعيدا، ولا يستطيع القيام بهذه العمليات العقلية إلا من أوتي رسوخا في الشريعة أصولاً وفروعًا وأدوات فهم، وفي مختلف العلوم الرافدة فلسفة ومنطقا وكلامًا وجدلاً.



[1] الموافقات 2/4.

[2] الموافقات 2/19.

[3] الموافقات 2/30.

[4] الموافقات2/16.

[5] الموافقات 2/20.

[6] الموافقات 2/4.

[7] الموافقات 1/15.

[8] الموافقات 1/14 ، 2/32 ،2/34.

[9] الموافقات 1/25.

[10] الموافقات 2/273.

[11] مقاصد الشريعة الإسلامية للشيخ محمد الطاهر بن عاشور ص136.

[12] الموافقات 1/112.

[13] الموافقات 1/53.

[14] الموافقات 2 / 261.

[15] 1 / 36.

[16] الموافقات 1/14.

[17] الموافقات 1/14.

[18] الموافقات 1/15.

[19] الموافقات 1/16.

[20] الموافقات 2/32.

[21] الموافقات 2/46.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • حول نظرية المقاصد الشاطبية (1)
  • حول نظرية المقاصد الشاطبية (3)
  • أقسام المقاصد عند الشاطبي
  • مقدمة حول الاجتهاد والتقليد عند الإمام الشاطبي

مختارات من الشبكة

  • خطبة حول التبغ والتدخين ورسائل حوله(مقالة - ملفات خاصة)
  • القول الصحيح حول حديث رهن درع النبي صلى الله عليه وسلم وكشف الشبهات حوله(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مقدمة في مفهوم النظرية والنظرية التربوية ونظرية المنهج(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • أنواع المقاصد باعتبار مدى الحاجة إليها(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حول تكون النظريات الرياضية على مثال جبر الخوارزمي (PDF)(كتاب - ثقافة ومعرفة)
  • نظرية قواعد "جويار" حول نبر الشعر ومناقشتها(مقالة - حضارة الكلمة)
  • تحصيل المعنى في النظرية التصورية(مقالة - حضارة الكلمة)
  • مقاصد الشريعة الإسلامية في أحكام الأسرة والنكاح(مقالة - آفاق الشريعة)
  • هولندا: برنامج عن المتحولين إلى الإسلام(مقالة - المسلمون في العالم)
  • متن في المقاصد (غنية القاصد لعلم المقاصد) (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 


تعليقات الزوار
2- الشاطبي إمام المقاصد.
محمد الأمين زيتوني - الجزائر 28-08-2020 04:02 AM

إن الفصل بين الشاطبي ومقاصد الشريعة على هذا الوجه لا ينبغي وهو انتقاص من مكانة الإمام الشاطبي الذي أسس وبنى هذا العلم واتهامه بالاضطراب والازدواجية إجحاف في حقه فلا بد من تحكيم منهج الاستقراء لكتاب الموافقات كاملا لفهم مراده ،فلكل جزئية حول الشاطبي في هذا المقال لها رد علمي لا يسع ذكره في هذا التعليق والله أعلم.

1- أمية الشريعة ضَيَعت الشريعة!
أبو حسنى - الجزائر 25-06-2014 01:42 PM

مقال رائع، وجهد مشكور مأجور بإذن الله
ولقد بني بعض المعاصرين على هذه القاعدة، أعني"أمية الشريعة" عند الشاطبي، بنى عليها أن فقه الواقع السياسي من علوم الخواص، ولا يفهمه إلا الخواص جدا، وبالتالي لا يجب على العالم الشرعي معرفة الواقع السياسي، لن شريعته أمية!!!

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب