• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    علامات الساعة (1)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    تفسير: (يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تحية الإسلام الخالدة
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    الشباب والإصابات الروحية
    د. عبدالله بن يوسف الأحمد
  •  
    من فضائل الصدقة (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / علوم قرآن
علامة باركود

تفسير القرآن الحكيم .. سورة الحجر ( الآية 94 )

تفسير القرآن الحكيم .. سورة الحجر ( الآية 94)
الشيخ محمد حامد الفقي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 29/8/2013 ميلادي - 22/10/1434 هجري

الزيارات: 11920

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تفسير القرآن الحكيم

سورة الحجر (الآية 94)


قول الله - تعالى ذكره وجلَّ ثناؤه -: ﴿ فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [الحجر: 94].


"الصَّدْع" التشقُّق في الشيء الصلب، كالزُّجاج والحائط والحديد وغيرها، من أثر صَكَّةٍ عنيفة بصلب مثله أو أقوى منه، يُقال: صَدَع الشيء وصَدَّعه يصْدَعه ويُصَدِّعه صَدْعا وتَصْديعا، فانصدع وتصدَّع: شقَّه بنصفَيْن، وقيل: شقَّه ولم يَنْفصل كلُّ شِقٍّ عن الآخر، والصَّدْع: نبات الأرض؛ لأنَّه يَصْدعُها؛ يشُقُّها، فتنصدع به، وفي التَّنْزيل: ﴿ وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ ﴾ [الطارق: 12]، قال ثعلب: تَنْصدع بالنَّبات، وانصدع الصُّبْح: انشقَّ عنه اللَّيل، ويسمَّى الصُّبح صديعًا وفَلَقًا وفجْرًا، قال أبو إسحاق الزجَّاج: ﴿ فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ ﴾ [الحجر: 94]؛ أظْهِر ما تُؤْمَر به ولا تَخَفْ أحدًا، أُخِذ من الصديع، وهو الصُّبح، وقال الفرَّاء: أراد - عزَّ وجلَّ -: اصْدَع بالأمر الذي يُظْهِر دينك؛ أقام "ما" مقام المَصْدر، وقال ابن عرفة: أيْ: فَرِّق بين الحق والباطل، من قوله - عزَّ وجلَّ -: ﴿ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ ﴾ [الروم: 43]؛ أيْ: يتفرَّقون، وقال ابنُ الأعرابِيِّ: أيْ: شُقَّ جماعتهم بالتوحيد، وقال غيره: فرِّق القولَ فيهم؛ مُجتمعين وفُرادى.

 

وقوله تعالى: ﴿ بِمَا تُؤْمَرُ ﴾ قال ابن جرير - رحمه الله -: لَم يَقُل: "بِما تؤمر به"، والأمر يقتضي الباء؛ لأنَّ معنى الكلام: فاصْدَع بأمرنا، فقد أمَرْناك أن تدعو إلى ما بعثْنَاك به من الدِّين خَلْقي، وأذِنَّا لك في إظهاره، ومعنى "ما" في قوله "بِما تُؤمر" معنى المصدر، كما قال - تعالى ذِكْرُه -: ﴿ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ﴾ [الصافات: 102]، معناه: افْعَل الأمر الذي تُؤْمَر به، وكان بعضُ نَحْويِّي أهل الكوفة يقول في ذلك: حُذِفَت الباء التي يُوصل بِها "ما تؤمر"؛ على لُغَة الَّذين يقولون: أمرْتُك أمرًا، وكان يقول: للعرب في ذلك لُغَتان؛ إحداهما: أمَرْتُك أمرًا، والأخرى: أمرتُك بأمر، فكان يقول: إدخالُ الباء في ذلك وإسقاطها سواء، واستشهد لِقَوله ذلك بقول حُصَين بن المنذر الرَّقاشي ليزيد بن المهلب:

أَمَرْتُكَ أَمْرًا جَازِمًا فَعَصَيْتَنِي
فَأَصْبَحْتَ مَسْلُوبَ الإِمَارَةِ نَادِمَا

 

قال: أمَرْتك أمرًا، ولم يقل: بِأَمر، وذلك كما قال - تعالى ذكْرُه -: ﴿ أَلاَ إِنَّ عَادًا كَفَرُوا رَبَّهُمْ ﴾ [هود: 60]، ولم يقل "بِرَبِّهم" وكما قالوا: مدَدْت الزِّمام، ومددت بالزِّمام، وما أشبه ذلك من الكلام؛ اهـ.

 

"وأعرض" العَرْض: خلاف الطُّول، وأصله أنْ يُقال في الأجسام، ثم يُستعمل في غيرها، والعرض خُصَّ بالجانب، وأعْرَضَ عن فلان: ولَّى عنه مُبْدِيًا عَرْضَه، وذلك بأن يتركه ويولِّيَه ظهره، وعُبِّر عن ذلك بالعرض؛ لأنَّه يظهر به عَرْض الجسم، ولم تُسَمَّ الناحية الأخرى من الإنسان بذلك؛ لأنَّ فيها الوجه الذي يُعرف به الإنسانُ كلُّه؛ ولذلك يسمَّى إقبالاً.

 

والمعنى: اصْرِف وجهك عنهم قالِيًا لَهم، ومُحقِّرًا لشأنِهم، ولا تَعْبأ بِهم، ولا تُقِمْ لهم وزْنًا، وخُذ طريقك في تبليغ الرِّسالة؛ فإنَّك مؤيَّدٌ منصور، وهم أحقر شأنًا وأهوَنُ من أن يُعَوِّقوك عن بلوغ الغاية، ما دمت مُعْرِضًا عنهم، صادعًا بأمر ربِّك، مبلِّغًا رسالته.

 

"المشركين" الذين اتَّخَذوا لله شريكًا في العبادة، أو شريكًا في التشريع والطاعة، وأصل "الشِّرك" في اللُّغة يَرْجع إلى معنى "الخَلْط والضَّم والتسوية"، قال في "اللِّسان": الشِّرْكة والشَّرِكة - بكسر الشِّين وفَتْحها، وسكون الرَّاء وكسرها - سواء: مُخالَطة الشريكين، يقال: اشترَكْنا بمعنى تشارَكْنا، وقد اشترك الرَّجُلان وتشاركا، والشَّريك: المشارك، والشِّرْك كالشريك، والجمع: أشراكٌ وشُرَكاء، مثل: شريف وأشراف وشُرَفاء، وفي الحديث: ((من أعتق شِرْكًا له في عبد))؛ أي: حصَّة ونصيبًا، وفي حديث معاذ: "أنَّه أجاز بين أهل اليمن الشرك"؛ أيِ: الاشتراك في الأرض، بأن يَدْفَعها صاحِبُها إلى آخَر بنِصْف ما يخرج منها أو ثلُثِه أو نحو ذلك.

 

وفي الحديث: ((الطِّيَرة شِرْك، ولكن الله يذهبه بالتوكُّل))، جعل التطيُّر شركًا في اعتقاد جلْبِ النَّفع ودَفْع الضرِّ، وفي حديث تلبية الجاهليَّة: "لبَّيك لا شريك لك، إلاَّ شريكٌ هو لك، تَمْلكه وما ملَك"، يعنون بالشَّريك: آلِهَتهم من أوليائهم وما أقاموه لها من الأنصاب والأوثان، يريدون: أنَّ آلِهَتهم وما تملكه ويختصُّ بها من الآلات التي تكون عندها وحولها، ومن النُّذور التي كانوا يتقرَّبون بها إليها - كلها ملْكٌ لله، فذلك معنى قولهم: "تَمْلكه وما ملَك".

 

قال محمد بن مكرم: "اللهم إنَّا نسألك صحَّة التوحيد، والإخلاصَ في الإيمان، انظر إلى هؤلاء، لَم ينفعهم طوافُهم ولا تلبيتهم، ولا قولُهم عن الصَّنم: "هو لك"، ولا قولهم: "تَمْلكه وما ملك"، مع تسميتهم الصَّنم شريكًا، بل حَبِط عمَلُهم بهذه التسمية، ولم يصحَّ لهم التوحيد مع الاستثناء، ولا نفعتهم معذرتُهم بقولهم: ﴿ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ﴾ [الزمر: 3]، وقوله تعالى على لسان موسى: ﴿ وَأَشْرِكْهُ في أَمْرِي ﴾ [طه: 32]؛ أيِ: اجعل هارونَ أخي شريكي في الرِّسالة.

 

والشَّرَك: حِبالة الصائد، يرتبك فيها الصَّيد، واحدته: شَرَكة، وشَرَك الطريق: جَوادُّه وقيل: هي التي حَفرَتِ الدَّواب فيها بأرجلها شَرَكة ههنا، وأخرى بِجَانبها، سُمِّيَت "شَرَكة"؛ لاشتراك الدوابِّ في التأثير فيها واختلاط آثارها، والشِّراك: سَيْر النعل.

 

وقال الرَّاغب: الشِّركة والمشاركة: خلط المِلْكين، وقيل: هو أن يوجد شيء لاثنين فصاعدًا؛ عينًا كان ذلك الشيء أو معنًى، كمُشاركة الإنسان للفرس في الحيوانيَّة، ومشاركة فرَسٍ لِفَرس في لَوْنَي الكُمْتَةِ والدُّهْمَة، قال موسى: ﴿ وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي ﴾ [طه: 32]؛ اهـ.

 

وعبارة الرَّاغب الثانية - في معنى الشِّرك - أعَمُّ من الأولى؛ لأنَّ كون الشيء مشتركًا بين اثنين فأكثر: يشمل ما كان مملوكًا لهما، كالمال، أو وصفًا لهما، كالبياض والسواد، أو جزءًا ذاتيًّا كالحيوانية.

 

فبالتأمُّل فيما ذكر صاحبُ "اللِّسان" والرَّاغب؛ تعلم أنَّ مرجع "الشِّرك" إلى "الخَلْط والضَّم والتسوية" كما ذكرْتُ لك، فإذا كان بمعنى الحصَّة والنصيب؛ من الشيءِ يكون لواحد، وباقيه لآخَر أو لآخرين، كما في قوله تعالى: ﴿ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ في السَّمَوَاتِ ﴾ [فاطر: 40]، وقولِهِ: ﴿ وَمَا لَهُمْ فيهمَا مِنْ شِرْكٍ ﴾ [سبأ: 22]، فالشَّريك مُخالط لشريكه، قد انضمَّ إليه في الملك والمنفعة وتدبير أمر ما شاركه فيه، وإذا كان بمعنى حبالة الصَّائد، فإنَّ الصيد إنَّما يُمْسِكه الشرك باختلاط حبالاته، وارتباكه فيها، فلا يستطيع أن يتخلَّص، وقد ضمَّ الشرك الصَّيد إلى ملك الصائد ناصب الحبالة.

 

وإذا كان بمعنى جوادِّ الطريق وما أثَّرَت فيه الدَّوابُّ بحوافرها وأظلافها وخفافها، والناسُ بأقدامهم، فإنَّ ذلك إنَّما كان باختلاط آثارها، وبانضمام مرَّات السَّيْر بتكراره، حتَّى ترك تلك الآثار، وإذا كان بِمَعنى سَيْر النَّعل؛ فلأنَّه يضمُّ النعل إلى القدَم، ويُمسكها كأنَّها قد اختلطت بها وأصبحا شيئًا واحدًا، والشرك في المعاني: تسوية بين الشريكين في الألوان والصفات والأحوال والحقوق.

 

ثم إطلاق الشركة في الشيء لا يقتضي مساواةَ كلٍّ من الشريكين للآخَر في الأنصبة والحصص، ولا في الصِّفات والحقوق، فهذا موسى - عليه السَّلام - سأل ربَّه أن يشرك أخاه هارونَ معه في الرِّسالة، وقد أجابه الله إلى ذلك، فقال: ﴿ قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى ﴾ [طه: 36]، ولكن ما قصَّ الله في القرآن عنهما يدلُّ على أنَّ نصيب هارون كان دون حظِّ موسى منها.

 

والشركة في الملك: تصدق بِمِلك الثُّلث والرُّبع فما دونه، والشركة في الصِّفات تصدق بالمساواة في صفة واحدة كالسنِّ أو الطُّول أو اللَّون، أو البلد، أو النَّسَب، أو العلم ونحو ذلك، دون أن يكون هناك مشاركةٌ في صفة أخرى، والمشاركة في الحقوق: تصدق بنوع دون الآخر، فحقُّ الأم في البِرِّ أعظم من حقِّ الأب، وإن اشتركا في حقِّ البِرِّ، والأبناءُ شُرَكاء في عطف الوالِدَيْن، وإن كان بعضهم أوفر حظًّا من الآخَر، وسُكَّان البلد شُرَكاء في مَرافقِه، وإن كان حقُّ البعض أعظم من حقِّ الآخر، ووُزَراء المَلِك شركاؤه في الملك وفي طاعة الرَّعية، وإن كان حقُّ الوزراء في ذلك دون حقِّ الملك... وهكذا.

 

إذا عرفْتَ هذا عرفتَ أنَّ "الْمُشركين" هم الذين أشركوا مع الله غيره من الخَلْق فسوَّوْهم وعدَلُوهم به سبحانه في صِفَةٍ من صفاته، أو حقٍّ من حقوقه، أو أيِّ شيء من خصائص ربوبيَّتِه أو إلهيَّته؛ ولذلك قال ربُّنا سبحانه: ﴿ وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 165]، أشركوهم معه في حُبِّ العبادة والطاعة الذي لازمه من التعظيم والتَّوقير البالغ والتَّقديس، والذي هو حقُّ الله الخالق الرَّازق المدبِّر العليم الحكيم وحده، وحبُّ العبادة والطاعة، والانقياد والتسليم، إنَّما ينشأ عن عقيدةِ استحقاق المحبوب المعبود الْمُطاع ما يستوجب له ذلك التَّعظيم والتقديس، والحُبّ والعبادة، من الصفات التي علا بها وارتفع عن عابده الْمُطيع المستسلم من صفاتٍ وخصائص ومزايا.

 

فهُم ما أشركوهم مع الله، ولا سوَّوهم به إلاَّ عن اعتقادِ أنَّ لَهم من الصفات مثلَ ما له، فهُم - بزعمهم - أحياءٌ مِن جنس حياته، يَسْمَعون كسمعه، ويُبْصِرون كبصره، ويَرْحَمون كرَحْمتِه، ويبطشون كبَطْشه، ويَقْدرون كقُدْرته، ويُعْطون كعطائه، كما صرَّح بذلك الشعرانِيُّ في كتاب "العهود المُحمَّدية"؛ إذْ قال: "للأولياء الرَّفْع والخفض، والعطاء والمنع، والعزل والتولية، والقبض والبسط، والقَهْر والتحكُّم"، وإن نفَوْا هذا بألسنتهم، فإنَّ أعمالهم وأحوالهم صريحة ناطقة بذلك، مهما ادَّعَوا أنَّهم لا يُسوُّونهم بالله في الخلق والرِّزق، والإحياء والإماتة، وبقيَّة الصِّفات، كما قال ربُّنا عنهم في سورة يونس: ﴿ قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ * فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ ﴾ [يونس: 31 - 32].

 

وقال تعالى: ﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ * اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَيَقْدِرُ لَهُ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ نَزَّلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ مِنْ بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ ﴾ [العنكبوت: 61 - 63]، وقال: ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾ [الزخرف: 87]، فهم إنما يُجيبون بذلك؛ دفعًا عن أنفسهم خزْيَ الشِّرك ومَعَرَّته؛ لأنَّهم كانوا منساقين في دينهم كالأنعام بلا عقل: ﴿ فَلاَ تَكُ في مِرْيَةٍ مِمَّا يَعْبُدُ هَؤُلاَءِ مَا يَعْبُدُونَ إِلاَّ كَمَا يَعْبُدُ آبَاؤُهُمْ مِنْ قَبْلُ ﴾ [هود: 109]، مقلِّدين عميًا وبكمًا وصُمًّا، فاتَّخذوا الشياطين أولياء من دون الله وهم يحسبون أنَّهم مهتدون.

 

ولقد حكى الله عنهم أنَّهم يَنْفُون جاهدين الشِّركَ عن أنفسهم؛ إذْ قال: ﴿ ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ * انْظُرْ كَيْفَ كَذَبُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ ﴾ [الأنعام: 23 - 24]؛ ولذلك فإنَّهم لِمَا تبين لهم يوم الدين حقيقة ما كانوا عليه من الوثنيَّة والكفر، وظُلْمهم أنفسهم بالدِّين الباطل الذي أحَلَّهم دار البوار جهنَّم، وضلَّ عنهم ما كانوا يفترون، وقد جعل الله بينهم وبين أوليائهم وشركائهم مَوْبِقًا: ﴿ قَالُوا وَهُمْ فيها يَخْتَصِمُونَ * تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ * وَمَا أَضَلَّنَا إِلاَّ الْمُجْرِمُونَ ﴾ [الشعراء: 96 - 99].

 

ولقد نفى الله عن أوليائهم ملك الضَّر والنَّفع في كثيرٍ من آي القرآن الحكيم، والاتِّصاف بصفة الحياة والسَّمع والبصَر وغيرهما، مثل قوله: ﴿ قُلْ أَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا وَاللَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [المائدة: 76]، وقولِهِ: ﴿ وَلاَ تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَنْفَعُكَ وَلاَ يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ * وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلاَ كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلاَ رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [يونس: 106 - 107]، وقوله: ﴿ قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ قُلِ اللَّهُ قُلْ أَفَاتَّخَذْتُمْ مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ لاَ يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ نَفْعًا وَلاَ ضَرًّا قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ ﴾ [الرعد: 16]، وقولِه: ﴿ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لاَ يَضُرُّهُ وَمَا لاَ يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلاَلُ الْبَعِيدُ * يَدْعُو لَمَنْ ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِنْ نَفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ ﴾ [الحج: 12 - 13] وقوله: ﴿ وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلاَ يَمْلِكُونَ لأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلاَ نَفْعًا وَلاَ يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلاَ حَيَاةً وَلاَ نُشُورًا ﴾ [الفرقان: 3].

 

وما يكرِّر الله ويؤكِّد نفْيَ ذلك إلا لأنَّهم يعتقدون لهم هذه الصِّفات، فإن الله لا يعنى هذه العناية بِنَفْي ما ليس بِحاصلٍ منهم ولا موجود في نفوسهم ما يستحقُّ هذه العناية بالنَّفي، ثم هم مهما حاولوا أن ينفوا ذلك عن أنفسهم باللِّسان ومُغَلَّظِ الأَيْمان، فأعمالُهم صريحة الدلالة على ذلك، وأحوالُهم ناطقة بأنَّ ألسنتهم وأقلامهم كاذبة في هذا التبَرِّي من خِزْي الشِّرك ومعرَّة مساواتِهم الموتى بالحيِّ القيُّوم - سبحانه وتعالى عمَّا يقولون ويعتقدون علوًّا كبيرًا.

 

وهذا الشِّرك الخبيث:

إنَّما يكون ثَمرةً حتميَّة لِظُلم أنفسهم بالعَمى عن آيات الله وسننه في الأنفس والآفاق، والكفر بنِعَم الله في الإنسانيَّة وكرامتها بالعقل والتَّفكير، وبنِعَم الله التي تتوالَى منه على عباده في كلِّ لحظة وطرفة عَيْن، وبِأجَلِّ نعم الله عليه فيما أَنزل من العلم والْهُدى على من اصطفى من رسله، فأعرض المشركون عن ذلك كلِّه، وكذَّبوا بآيات ربِّهم، وحقَّروا نِعَمَه عليهم: ﴿ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ ﴾ [إبراهيم: 34].

 

ظلَمَ نفسه بالجهالة والتقليد الأعمى الذي قتل عقله، وأمات إنسانيَّته، فكفر بنعمة الله فيه وعليه؛ من سَمْع وبصر، وصحَّة وعافية، وليلٍ ونَهار، وأرزاقٍ وتسخيرِ كلِّ شيء، وعلمٍ يَنْزل به الوحي من عنده على مَن يصطفي من عباده، وذهب بِهذا العمى والكفر يَجْري بكلِّ قوَّتِه في سبُلِ الضَّلال والغيِّ والفسوق عن أوامر الله، حتَّى أوحى إليه الشَّيطان وزَيَّن له أن يَضْرب الأمثال لله بِمَن خلَقَ مِن الملوك والرُّؤساء، فاتَّخَذ له ما يتَّخِذه لهم من الوُسَطاء، ثم ذهب يشتدُّ في غيِّه، حتى تَمكَّن الشيطان من قلبه، فأوحى إليه أنَّ أولئك الوُسَطاء ما بلغوا إلى تلك المَنْزلة إلاَّ لأنَّهم يتَّصِفون بصفات الربِّ، فأعطاهم كلَّ ما ينبغي لله وحْدَه من التقديس والذُّل والْحُبِّ، والعبادة والطاعة، وجعلهم آلِهَة من دون ربِّه، الذي يربِّيه ويربِّي هؤلاء وغيْرَهم من جميع العالَمين بنِعَمِه وفضله وإحسانه.

 

ولَمَّا كان الشِّرك هو الثَّمرةَ الحتميَّة لشجرة الجهل والعمى عن سُنَنِ الله وتكذيب آياته البيِّنات في الأنفس والآفاق، والكفر بنِعَم الله المتتالية - نزل بصاحبه إلى أحطِّ الدَّرَكات، وأرْكَسَه في أقذر الحمَأ، فكان الْمُشرك نَجَسًا، كان أضرَّ على المُجتمع من أخبث الحشرات، وكان أحقرَ مِن الأنعام وأضلَّ منها سبيلاً، وكان هو الشقيَّ كلَّ الشَّقاء في الدُّنيا والآخرة، وأطوار حياته الأولى والأخرى كلها نكد، وحرَّم الله العليمُ الحكيم عليه راحةَ البال ونعيمَ العيشِ في الدُّنيا والآخرة؛ قال الله تعالى: ﴿ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى ﴾ [طه: 123 - 124]، وقال: ﴿ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ ﴾ [المائدة: 72].

 

وما حقَّر الله شيئًا كتحقيره للشِّرك والمشركين، وما حذَّر من شيءٍ كتحذيره من الشِّرك والمشركين، وما لعن شيئًا كلعنتِه الشِّركَ والمشركين، وما خوَّف من شيءٍ تخويفَه من الشِّرك وما يجرُّ إليه من الجهالة والتقليد الأعمى؛ لذلك يقول الله تعالى لنبيِّه -صلى الله عليه وسلم- ولكلِّ داعٍ إلى الله على سنن هذا الرَّسول الكريم - محقِّرًا لشأن المشركين، ومهوِّنًا لأمرهم ومصغِّرًا لما يعتزُّون ويستنصرون به من طواغيت، أموات وأحياء: ﴿ أَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ﴾.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير القرآن الحكيم .. سورة الحجر ( الآيات 85 : 86 ) [1]
  • تفسير القرآن الحكيم .. سورة الحجر ( الآيات 85 : 86 ) [2]
  • تفسير القرآن الحكيم .. سورة الحجر ( الآية 87 )
  • تفسير القرآن الحكيم .. سورة الحجر ( الآيات 88 : 89 )
  • تفسير القرآن الحكيم .. سورة الحجر ( الآيات 90 : 93 )
  • تفسير القرآن الحكيم .. سورة الحجر ( الآية 95 )
  • تفسير القرآن الحكيم .. سورة الحجر ( الآية 96 ) (1)
  • تفسير القرآن الحكيم .. سورة الحجر ( الآية 96 ) (2)
  • تفسير القرآن الحكيم .. سورة الحجر ( الآيات: 97 - 98 )
  • تفسير القرآن الحكيم .. سورة الحجر ( الآية 99 ) (1)
  • تفسير القرآن الحكيم .. سورة الحجر ( الآية 99 ) (2)

مختارات من الشبكة

  • غرائب وعجائب التأليف في علوم القرآن (13)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (135 - 152) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (102 - 134) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (65 - 101) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (1 - 40) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (40 - 64) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مفسر وتفسير: ناصر الدين ابن المنير وتفسيره البحر الكبير في بحث التفسير (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • شرح كتاب المنهج التأصيلي لدراسة التفسير التحليلي (المحاضرة الثالثة: علاقة التفسير التحليلي بأنواع التفسير الأخرى)(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • فوائد مختارة من تفسير ابن كثير (1) سورة الفاتحة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التنبيه على أن " اليسير من تفسير السعدي " ليس من تفسيره(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب