ما جاء في المهدي

ما جاء في المهدي

الصراط السوي في سؤالات الصحابة للنبي صلى الله عليه وسلم

عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: خَشِينا أن يكون بعد نبيِّنا حَدَثٌ، فسألنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: ((يخرجُ المَهْدِي في أمتي خمسًا، أو سبعًا، أو تسعًا))، قال: قلت: أي شيء؟ قال: ((سنين))، ثم قال: ((يرسل السماء عليهم مدرارًا، ولا تدَّخر الأرض من نباتها شيئًا، ويكون المال كُدُوسًا، قال: يجيء الرجل إليه، فيقول: يا مهديُّ، أعطني أعطني، قال: فيَحثِي له في ثوبِه ما استطاع أن يحمله))[1].

فيه مسائل:

المسألة الأولى: معاني الكلمات:

قوله: (خَشِينا أن يكون بعد نبيِّنا حَدَث): بفتح الحاء والدال المهملتين، قال في النهاية: الحَدَث الأمر الحادث المنكر الذي ليس بمعتادٍ ولا معروفٍ في السُّنَّة.

قوله: ((يعيش خمسًا، أو سبعًا، أو تسعًا)): الشك من زيد أبي الحواري العمي، وفي حديث أم سلمة بلفظ: ((فيلبث سبع سنين)) من غير شك، فقول الجازم مقدَّم على قول الشاكِّ.

قوله: ((أعطني أعطني))، التكرير للتأكيد، ويمكن أن يقال: أعطني مرة بعد أخرى؛ لما تعود من كرمه وإحسانه.

قوله: (قال)؛ أي: النبي - صلى الله عليه وسلم.

قوله: ((فيحثي له في ثوبه ما استطاع أن يحمله))؛ أي: يعطيه قدر ما يستطيع حمله؛ وذلك لكثرة الأموال والغنائم والفتوحات مع سخاء نفسه[2].

المسألة الثانية: خروج المهدي:

خروجه من أمارات الساعة الكبرى، ويكون هذا في آخر الزمان.

معنى المهدي لغةً: اسم مفعول من هداه هدًى وهَدْيًا وهداية، والهُدَى هو الرشاد والدلالة، قال ابن الأثير: المهدي الذي هداه الله إلى الحق[3].

واصطلاحًا: هو الذي بشَّر به النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه يجيء في آخر الزمان، ويؤيد الدين، ويُظهِر العدل، ويتبعه المسلمون، ويكون من أهل بيته -صلى الله عليه وسلم- ويخرج في زمن عيسى والدجَّال.

اسمه:

محمد بن عبدالله؛ فعن عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لو لم يبقَ من الدنيا إلا يومٌ واحد، لطوَّل الله ذلك اليوم حتى يبعث الله رجلاً مني أو من أهل بيتي يواطئ اسمُه اسمي، واسمُ أبيه اسمَ أبي، يملأ الأرض قسطًا وعدلاً كما مُلئتْ ظلمًا وجورًا))[4].

نسبه:

هو من ولد فاطمة - رضي الله عنها - فعن أم سلمة - رضي الله عنها - قالت: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((المهديُّ من عترتي من ولدِ فاطمة))[5].

والعترة: قال الخطابي: ولد الرجل لصلبه، ويكون العترة للأقرباء وبني العمومة، ومنه قول أبي بكر يوم السقيفة: "نحن عترة رسول الله - صلى الله عليه وسلم"[6].

صفته:

عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((المهدي مني، أجلى الجبهة، أقنى الأنف، يملأ الأرض قسطًا وعدلاً كما ملئت جورًا وظلمًا، ويملك سبع سنين))[7].

أجلى؛ أي: خفيف الشعر ما بين النزعتين من الصدغين، والذي انحسر الشعر عن جبهته[8].

أقنى: طويل ورقيق أرنبة الأنف مع حدب في وسطه[9].

زمنه:

يخرج في آخر الزمان، ويملأ الأرض عدلاً، ويمنع الجور، ويكثر المال والمواشي في عهده؛ كما في حديث الباب، وفيه: ((يرسل السماء عليهم مدرارًا، ولا تدَّخر الأرض من نباتها شيئًا، ويكون المال كُدُوسًا)).

وفي صحيح مسلم، قال -صلى الله عليه وسلم-: ((من خلفائكم خليفةٌ يحثو المال حثيًا، ولا يعدُّه عدًّا)) [10].

• وفي نهاية حكمه ينزل عيسى - عليه السلام - كما في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((كيف أنتم إذا نزل ابن مريمَ فيكم وإمامُكم منكم؟!))[11].

بيَّنت الأحاديث أن عيسى - عليه السلام - يصلِّي خلفه، ففي حديث جابر بن عبدالله - رضي الله عنهما -: ((فينزل عيسى ابن مريم، فيقول أميرهم: تعالَ صلِّ لنا، فيقول: لا، إن بعضكم على بعض أمراء؛ تكرمة الله - تعالى - لهذه الأمة))[12].

اعلم أن أحاديث المهدي بلغتْ حدَّ التواتر المعنوي، وهو اتفاق الأحاديث في المعنى مع اختلاف في اللفظ، وهو قسيم التواتر اللفظي.

واعلم أننا متعبَّدون بالإيمان بالمهدي، وبما صح من اسمه، ونسبه، وصفاته، وبمبايعته ونحن أحياء.

وقد يعكِّر على هذه المسألة، وهي خروج المهدي، حديثُ: ((لا مهدي إلا عيسى ابن مريم))[13]، فكيف الجمع بين هذا وذاك؟

فيجاب عن ذلك: بأن حديث: ((لا مهدي إلا عيسى)) حديث ضعيف، وعلى فرض صحته يكون معنى الحديث: أي: لا مهدي كامل إلا عيسى، ولا شك أن عيسى - عليه السلام - أكمل في الهداية من المهدي، فيكون النفي المراد في الحديث نفي كمال، لا نفي وجود، هذا مع افتراض سلامة الحديث؛ بل هو ضعيف كما رأيت، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات.

أقسام الناس في المهدي:

انقسم الناس في المهدي وخروجه إلى ثلاثة أقسام:

قسم: ينكرون خروجه بالكلية؛ اعتمادًا على عقلهم، وبناءً على منهجهم في نفي الأمور الغيبية التي لا تدركها عقولهم.

وقد ردَّ العلماء عليهم، وبيَّنوا فساد قولهم، ومن هؤلاء العلماء: شيخ الإسلام ابن تيمية في: "منهاج السنة"، والشيخ الألباني في: "قصة المسيح الدجال"، والشيخ عبدالمحسن بن حمد العباد في رسالته: "الرد على مَن كذب بالأحاديث الصحيحة الواردة في المهدي"، والشيخ حمود بن عبدالله بن حمد التويجري في كتابه: "الاحتجاج بالأثر على مَن أنكر المهدي المنتظر".

القسم الثاني: هو قسم غالى في أمر المهدي، حتى ادعت كل طائفة منه أن زعيمهم هو المهدي المنتظر، وأنه في سرداب سامراء، دخل طفلاً صغيرًا، وهم ينتظرونه كل يوم يقفون بالخيل على باب السرداب، ويصيحون: اخرج يا مولانا، اخرج يا مولانا، ثم يرجعون بالخيبة والحرمان.

ولقد أحسن مَن قال:

ما آن للسردابِ أن يلدَ الذي كلَّمتموه بجهلِكم ما آنَا فعلى عقولِكمُ العفاءُ فإنَّكم ثلَّثتم العنقاءَ والغيلانا

وقد ردَّ عليهم ابن القيم في "المنار المنيف".

القسم الثالث: وهو معتقد أهل السنة والجماعة، فهم يثبتون خروج المهدي كما دلت النصوص الثابتة.

قال ابن القيم:

إنه رجلٌ من أهل بيت النبي -صلى الله عليه وسلم- من ولد الحسين بن علي - رضي الله عنهما - يخرج في آخر الزمان وقد امتلأت الأرض جورًا وظلمًا، فيملؤها قسطًا وعدلاً، وأكثر الأحاديث على هذا تدل[14].