• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    علامات الساعة (1)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    تفسير: (يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تحية الإسلام الخالدة
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    الشباب والإصابات الروحية
    د. عبدالله بن يوسف الأحمد
  •  
    من فضائل الصدقة (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن
علامة باركود

نفحات قرآنية (40)

نفحات قرآنية (40)
بخاري أحمد عبده

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 5/6/2013 ميلادي - 26/7/1434 هجري

الزيارات: 12491

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

نفحات قرآنية (40)

 

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ [البقرة: 183].

 

جرعة توحيد:

الإحاطة بنِعم الله تعالى غايةٌ لا تدرك، والإنسان وهو يغْدو ويروح، ويرقد ويصحو، ويشهق ويزفر، مجللاً بنعم الله، لا تسمو مداركُه، ولا تبلغ أحاسيسه الدرجة التي تُتيح له مجرَّد التنبُّه إلى كلِّ ما يجلله مِن نِعم.

 

والإنسانُ العاجزُ عن مجرَّد الإحساس بما في معيَّته من نِعم أشدُّ عجزًا عن إدراك شيء في مصدَر هذه النِّعم، والخوض في شيء ممَّا يتَّصل بالمولى - سبحانه - خارجَ نِطاق ما بيَّن الله، تمرُّدٌ على الحجم، وتجاوز للقدْر، وتطاول نحوَ آفاق لا تكتنه ولا تحد؛ ﴿ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [الزمر: 67].

 

ومِثل هذا التطاوُل عدوان وجدال في الله بغير عِلم.

 

وظنِّي أنَّ المولى - إشارةً إلى هذا، وتنبيهًا إلى جلال نِعمه، وإنكارًا للغفلة المطبقة - قال في كتابه العزيز: ﴿ أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ ﴾ [لقمان: 20].

 

والثناءُ على الله فرْع الإحساس بنِعم الله، كلَّما عظُم الإحساس جلَّ الثناء، والعكس صحيح.

 

لقدْ تقرَّر أنَّ الإحاطة القُصوى، أو الإحساس الكامِل بنِعم الله فوقَ المقدِرة، وصدق الله: ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ﴾ [إبراهيم: 34]، [النحل: 18].

 

ولنا أن نقِف متسائلين، لمَ جُمعت كلمة "نِعمة" في ﴿ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ﴾ [لقمان: 20]، ولمَ جاءت مفردة في ﴿ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ ﴾ [إبراهيم: 34]، [النحل: 18].

 

وظنِّي أنَّ الجمع هناك يتناسَب مع كلمة ﴿ وَأَسْبَغَ ﴾ الدالة على الإحاطة والشمول والسخاء، وأنَّ الإفراد هنا يتناسب مع تقريرِ القُصور والعجز؛ عجز الإنسان عن الإحاطة بنِعمة واحدة مِن نِعم الله سبحانه.

 

والمولى الذي لا يكلِّف نفسًا إلا وُسعها، رضِي منا أن نتَّقيه في حدود الاستطاعة؛ ﴿ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ﴾ [التغابن: 16]، وكفانا مَؤُونة استقصاء أسباب الثناء، فهو سبحانه كما أثْنى على نفسه، لا نُحصي ثناءً عليه.

 

إنا سنلقي عليك قولاً ثقيلاً:

ومِن نِعم المولى على العباد أن أضْفَى على بعضِ الأزمنة والأمكنة جلالاً يعمُّ خيره كلَّ مَن أمَّ الأمكنة، أو استقبل الأزمنة مؤتمِرًا بأمْر الله، متبعًا غير مبتدِع، مخلصًا بلا رِياء.

 

ومِن نِعمه كذلك أنْ أودع بعضَ الأذكار، أو بعض الكلِمات قِيمًا خفيَّة، ولكنَّها ثقيلة، ثقيلة.

 

والمؤمِن يُؤخَذ وهو يقدِّر ثقل كلمة التوحيد "لا إله إلا الله" بميزان الوحي وفقَ ما رواه أبو سعيد الخُدري - رضي الله عنه - عن رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((قال موسي: يا ربِّ علِّمني شيئًا أذكُرك، وأدعوك به، قال: قل يا موسي: لا إله إلا الله، قال موسي: يا ربِّ، كلُّ عبادك يقولون هذا، قال: يا موسي، لو أنَّ السموات السبعَ في كِفَّة، ولا إله إلا الله في كِفة، مالتْ بهنَّ لا إله إلا الله))؛ رواه ابن حبان والحاكم وصحَّحه، وضعَّفه الألباني في "ضعيف الترغيب والترهيب".

 

ويُؤخَذ ثانيةً وهو يتدبَّر ما رواه عبدالله بن عمرو مرفوعًا: ((يصاح برجلٍ مِن أمتي على رؤوس الخلائق يومَ القيامة، فيُنشر له تسعةٌ وتِسعون سجلاًّ، كل سِجِلٍّ منها مدّ البصر، ثم يُقال: أتنكر مِن هذا شيئًا؟ فيقول: لا يا رب، فيقال: ألك عُذر، أو حَسنة؟ فيَهاب الرجل، فيقول: لا يا رب، فيقال: بَلى، إنَّ لك عندنا حسناتٍ، وإنَّه لا ظُلمَ عليك، فيخرج له بطاقة فيها "أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله"، فيقول: يا رب، ما هذه البِطاقة مع هذه السجلات؟ فيقال: إنَّك لا تظلم، فتُوضع السجلات في كِفَّة، والبطاقة في كفة، فطاشتِ السجلات، وثَقلتِ البطاقة)).

 

وكلِم الله غزيرة كثيرة؛ ﴿ وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [لقمان: 27].

 

وهي - أيضًا - ذات وطأة؛ ﴿ إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً ﴾ [المزمل: 5].

 

وثقل القرآن حقيقة معنويَّة قد لا تستوعبها الأذهان، والقرآن - كي نقدِّر أمْر ذلك الثقل - يوضِّح المعنوي المحسوس، ويورد صُورًا تمثيليَّة تُعين على الإحساس بمدى الثقل المنوه به:

1- ضرَب لنا مثلاً يجسم شدَّة أسر القرآن، وقوَّة تأثيره، وحتمية غلبتِه، فقال: ﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [الحشر: 21].

 

وظنِّي أنَّ مركز الثقل في القرآن هو حقائقُ التوحيد، وإيحاء بهذا أُتْبِعَتْ (بالبناء للمجهول) آية الثقل بآيات مباشرة تتناول ركائزَ التوحيد، وتَهدي إلى صِفات الكمال والجلال والجمال: ﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [الحشر: 22 - 24].

 

2- ومثَّل لنا جسامةَ المسؤولية، وخُطورة العاقبة التي تتأتَّى مِن التفريط فيما حُمِّلْنا مِن أمانة، فقال:﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولاً ﴾ [الأحزاب: 72].

 

الوعاء والموعَى:

وشهر رمضان شهر أُضفِي عليه من المهابة والجلال والتكريم ما أُضفي، ولا عجبَ! فهو الوعاء الزمني الأوَّل لبيِّنات القرآن، وأشفيته الآسية الهادية، ولا نزاعَ في أنَّ قدر الوعاء مِن قدر الموعَى[1]، والمولى - جلَّ وعلا - في إيجاز معجِز جمَع كل صنوف الشرف لرمضان، ورفَع قدْرَه ارتفاعًا لا يُدانى، أجمل كل هذا في كلمات ثلاث حملْن في تضاعيفهنَّ معانيَ تزخر بالتمجيد والتكريم: ﴿ أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ﴾ [البقرة: 185].

 

وبهذا الثناء الوجيز المليء تَمَيَّز رمضان بعد أنْ كان في الجاهلية ذِكرى هجير، ورمضاء، أضْحى به ينضح بالأنداء، والأضواء، والعبير الجميل.

 

ولقدْ كان - من قبل - عاطلاً فتحلَّى وازدان، وكان خاويًا فامتلأ وعظم، وكان مجرَّد كمٍّ فتكيَّف[2]، وزخر بالمعنى.

 

واستمرار العلاقة بيْن الوعاء والموعى، بين الشهر والقرآن - تلاوةً ووعيًا، وتطبيقًا - عزيمةٌ، وأمر مطلوب، وتحقيقًا لهذا كان جبريل - عليه السلام - يَلْقى الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - كلَّ ليلة في رمضان يعرِض عليه النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - القرآن، وكذلك ندَب المسلمين إلى مزيدٍ من العبادات: ((مَن قام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدَّم مِن ذنبه))؛ رواه مسلم.

 

رَوى الإمام مالك بإسناد صحيح عنِ السائب بن يزيد قال: "أمَر عمرُ أُبيَّ بن كعب، وتميمًا الداري أن يقومَا للناس في رمضان بإحدى عشرةَ ركعة، فكان القارئ يقرأ بالمِئين، حتى كنا نعتمد على العصا مِن طول القيام، فما كنَّا ننصرف إلاَّ في فروع[3] الفجر".

 

ورَوى مالك - أيضًا - بإسناد صحيح عن الأعرجِ، قال: "ما أدركْنا الناس إلاَّ وهم يلعنون الكفَرةَ في رمضان، قال: وكان القارئُ يقرأ سورةَ البقرة في ثمان[4] ركعات، وإذا قام بها في ثِنتي[5] عشرة ركعة رَأى الناس أنَّه قدْ خفَّف".

 

وإذا استحكمتْ هذه العلاقة بيْن القرآن والشهر آتتْ أُكلها، ورسخت وسرَى تيارها مِن رمضان إلى سائرِ الشهور، والنتيجة أن يَحلولَى المؤمن ويطيب، مصداق ما رُوي في الصحاح عن أبي موسي الأشعري، قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((مَثَل المؤمن الذي يقرأ القرآن مَثل الأُتْرُجَّة[6]؛ رِيحها طيِّب، وطعمها طيِّب، ومَثَل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن مثَل الثمرة؛ لا رِيح لها، وطعْمُها حلو، ومثل المنافِق الذي يقرأ القرآن مَثَل الرَّيحانة؛ ريحُها طيِّب، وطعمها مُرّ، ومثل المنافِق الذي لا يقرأ القرآن كمَثَل الحنْظَلة؛ ليس لها ريح، وطعمها مُرّ)).

 

ونتيجة هذا الارتباط المقدَّس بين القرآن والصيام أن يشفعَا يوم القيامة في صاحبهما وَفْق ما رواه أحمد، والبيهقي، والحاكِم وصحَّحه، عن عبدِالله بن عمرو - رضي الله عنهما - أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((الصيام والقرآن يشفعانِ للعبد، يقول الصيام: أي ربِّ، إني منعتُه الطعام والشهوات بالنهار فشفِّعْني فيه، ويقول القرآن: منعتُه النومَ بالليل فشفِّعْني فيه، فيشفعان)).

 

ربيع القلوب:

روَى الإمام أحمد، وابن حبَّان، والحاكم وصحَّحه[7]، عن ابنِ مسعود عنِ النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((ما أصاب عبدًا همٌّ، ولا حزن، فقال: اللهمَّ إنِّي عبدُك، ابنُ عبدِك، ابن أَمَتك، ناصيتي بيدك، ماضٍ فيَّ حُكمك، عدل في قضاؤك، أسألك بكلِّ اسمٍ هو لك، سميتَ به نفسك، أو أنزلتَه في كتابك، أو علَّمته أحدًا مِن خلقك، أو استأثرتَ به في عِلم الغيب عندك، أن تجعلَ القرآن العظيم ربيعَ قلْبي، ونورَ صدْري، وجلاء حُزني، وذَهاب همِّي، إلاَّ أذهب الله حزنَه، وهمَّه، وأبدلَه مكانًا فرحًا)).

 

وطلَبُ أن يكون القرآن ربيعَ القلوب دعاءٌ فريد، يسترعي الانتباه، ويستدْعي التفكير، والحق أنَّ عبارة: ((أن تجعلَ القرآن العظيم ربيعَ قلبي)) جماع دعاء، وجماع خير؛ ذلك لأن السؤال:

1- استعاذة ضِمنيَّة مِن الجفوة والجفاف، والغِلظة والانطوائية، وسوء الطالع، وتطلُّع إلى الطهارة والنقاء، واللِّين وحُسن الطالع.

 

2- ويوحي بأنَّ القرآن غيثٌ غائث، وأنَّ القلوب حياله تتصنَّف على النحو الذي جاء في الحديثِ الصحيح: ((مَثَل ما بَعَثني الله به مِن الهُدى والعلم، كمَثَل الغيْث الكثير أصاب أرضًا، فكانتْ منها طائفة طيِّبة قبِلت الماء، فأنبتتِ الكلأ والعُشْب الكثير، وكانتْ منها أجادب[8] أمسكتِ الماء، فنَفَع الله بها الناس، فشرِبوا، وسقوا، وزَرَعوا، وأصاب منها طائفةً أخرى، إنَّما هي قِيعان[9] لا تُمسِك ماء، ولا تُنبت كلأً، فذلك مثل مَن فقه في دِين الله، ونفَعه ما بعثني الله به فعَلِم، وعلَّم، ومثل مَن لم يرفعْ بذلك رأسًا، ولم يقبلْ هُدى الله الذي أُرسِلت به))؛ متفق عليه.

 

3- والسؤال يشي بطلبِ ثبات القلوب، وعمارتها بالإيمان حتى تغدوَ خصبةً جيِّدة، رزينة بلا تحجر أو ميوعة، حتى تغدو متهيئة لغيوث القرآن.

 

4- وفيه تشوُّقٌ لبَركة ربَّانيَّة تمسُّ القلوب، فتكسبها قدرةً على التفاعل مع هِدايات القرآن.

 

5- وفيه التطلُّع إلى النضارة، والازدهار والجمال، حتى يتحلَّى المؤمن بجاذبية تجمع وتمتع.

 

6- وفيه طلبُ قهْر نوازع النفْس الدنيا من شُحٍّ وبُغض، حتى يطيبَ العطاء، ويدوم التجاوب الحبيب مع الناس قاطبةً.

 

7- وتستوحِي عظمةَ القرآن، وجلال قدْره من:

(أ) السِّياق الذي يشِي عن غاية الخُضوع ومنتهى التذلُّل، والإذعان، والانقياد؛ ((إنِّي عبدُك، ابن عبدِك، ابن أَمَتك ناصيتي... إلخ)).

 

(ب) ومن الإلحاف الضارِع الذي يشِي عن الفاقة والحاجة، واللهفة البالغة؛ ((أسألك بكلِّ اسمٍ هو لك... إلخ)).

 

(جـ) ومِن الأشفية المتنوِّعة التي تتوفَّر في آيات الكتاب، وتَكْفُل للمستهدين بالقرآن الصحَّة النفسيَّة، والسداد والصَّفاء الجميل؛ ((ربِيع قلْبي، ونور صدْري، جلاء حُزني، ذَهاب همِّي))، وظنِّي أنَّ المطالب الثلاثة الأخيرة تترتَّب على المطلب الأول، وتنبُع من تحقُّقه، وهذا الدعاء الخاشِع اختلطتْ بشاشته بأفئدة المتَّقين فانشرحَتْ وطابتْ، وزكت وتلاقت، وشكَّلتْ تجمعًا فريدًا قوامه العقيدة، ورِباطه الأُخوة، وطابعه الحرَكة المتَّزنة الرشيدة.

 

أضحتْ قلوبهم بغيوث القرآن مزدهرةً ناضرةً، يتحقق فيها المَثَل الكريم ﴿ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ﴾ [الفتح: 29].

 

يُعالجون ببلسمه أوضار[10] النُّفوس، ويجلون بأنواره غبشةَ[11] القلوب: ﴿ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ * يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيم ﴾ [المائدة: 15-16].

 

ولقدْ علِموه مددَ حياة؛ مصداق قول الله: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ﴾ [الأنفال: 24].

 

ورَأوه بعثًا وحيوية متدفِّقة؛ مصداق قوله سبحانه: ﴿ أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا ﴾ [الأنعام: 123].

 

وأدْركوه رُوحًا تسري في تجمُّع الإسلام العضوي، تُوحِّد بين القلوب وإنْ تعدَّدتِ الأجساد وبيْن الغايات، وإنِ اختلفت الوسائل، وتطبّع المجتمع بطابع المشاركة الوجدانية؛ ((إذا اشْتكَى منه عضوٌ تداعَى له سائرُ الجسَد بالسهر، والحمَّى)).

 

واتخذوه خُلقًا، وحاضرًا، ومستقبلاً، وأحسنوا التعامُل، والتفاعُل مع هداياته.

 

قال أبو عبدالرحمن السُّلمي: حدَّثَنا الذين كانوا يُقرِئوننا القرآن أنَّهم كانوا إذا تعلَّموا من النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - عشر آيات لم يجاوزوها، حتى يتعلَّموا ما فيها مِن العِلم والعمل، قالوا: فتعلمنا القرآن، والعِلم، والعمل جميعًا.

 

وتحقيقًا لهذا التفاعُل طالت وقفاتهم أمامَ السورة من القرآن، حتى إنَّ الرجل منهم كان إذا قرأ البقرة وآل عمران جلَّ في نظرِهم، وحتى إنَّ ابن عمر أقام على حِفظ البقرة عدَّة سنين.

 

ولا عجبَ! فقد كان رائدهم قول الله: ﴿ كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [ص: 29].

 

وكان مِن بواعثهم الخوف مِن أن يَقَعوا تحتَ طائلة قولِ الله: ﴿ أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا ﴾ [محمد: 24].

 

أو أن يُصيبهم لهيبُ الإنكار الرادِع في قول الله: ﴿ قَدْ كَانَتْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ تَنْكِصُونَ[12] * مُسْتَكْبِرِينَ[13] بِهِ سَامِرًا تَهْجُرُونَ[14] * أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ أَمْ جَاءَهُمْ مَا لَمْ يَأْتِ آبَاءَهُمُ الْأَوَّلِينَ[15] ﴾ [المؤمنون: 66 - 68].



[1] الوعاء شهر رمضان، والموعَى هو القرآن.

[2] تكيف: أي صار كيفًا.

[3] فروع الفجر: أوائله.

[4] هي ركعات التراويح.

[5] هي رَكَعات العشاء والتراويح.

[6] فاكهة تتميَّز بالطعم المساغ والرائحة الطيِّبة، قيل: هي الترنج، جاء في "القاموس": والأترج والأترجة، والترنجة والترنج معروف، حامِض يسكن غلمة النِّساء، ويجلو اللون، والكلف، وقِشْرُه في الثياب يمنع السوس، قال صاحب "التوشيح": إنَّ الجن لا تدخل بيتًا فيه أترجة، قيل: ومنه تظهر حِكمة تشبيه قارئ القرآن به في حديثِ الصحيحين.

[7] قال الحاكمُ: هو صحيح على شرْط مسلم، إن سَلِم مِن إرسال عبدالرحمن عن أبيه، فإنَّه مختلَف في سماعه مِن أبيه.

[8] جمع أجْدب، والمراد الأرض الصُّلبة التي تُمسِك الماء فلا يتسرَّب.

[9] جمع قاع، وهي الأرض المستوية.

[10] الأوضار: درن القلوب.

[11] الغُبْشة - بضم الغين وتسكين الباء -: الظلمة.

[12] تُعرضون عن سماعها أشدَّ الإعراض.

[13] مكذِّبين بالقرآن، أو مستكبرين بمجاورتكم للبيت.

[14] تُعرِضون عن القرآن، وتتسامرون ليلاً بالطعْن فيه، والتعريض به، فكلمة "تهْجُرون" إما مِن الهَجر - بفتح الهاء، وإما مِن الهُجر - بضم الهاء، بمعنى الفُحْش في القول.

[15] أي: مِن الهُدى والحق، فرَأَوْه غريبًا فاستبدعوه واستبعدوه؛ لأنه غير مألوف، وجهِلوا أن المألوف قد يكون باطلاً، وأن غير المألوف قد يكون حقًّا.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • نفحات قرآنية (34)
  • نفحات قرآنية (35)
  • نفحات قرآنية (36)
  • نفحات قرآنية (37)
  • نفحات قرآنية (38)
  • نفحات قرآنية (39)

مختارات من الشبكة

  • نفحات رمضانية تدبرية: ثلاثون نفحة تدبرية (PDF)(كتاب - ملفات خاصة)
  • وأطل علينا شعبان بنفحة من نفحات الخير(مقالة - ملفات خاصة)
  • نفحات قرآنية (17)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • نفحات قرآنية في سورتي الكافرون والإخلاص(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)
  • نفحات قرآنية في سورتي الماعون والكوثر(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)
  • نفحات قرآنية في سور الشمس والضحى والعصر(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)
  • نفحات قرآنية في سورتي الفجر والبلد(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)
  • نفحات قرآنية في سورتي البروج والأعلى(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)
  • نفحات قرآنية في سورتي الانفطار والمطففين(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)
  • نفحات قرآنية في سور عم والنازعات والتكوير(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب