• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن
علامة باركود

نفحات قرآنية (37)

نفحات قرآنية (37)
بخاري أحمد عبده

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 15/5/2013 ميلادي - 5/7/1434 هجري

الزيارات: 6705

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

نفحات قرآنية (37)


بسم الله الرحمن الرحيم

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة: 183 - 185].

 

خذوا زينتكم:

تتجاذَبُني - وأنا أستهِلُّ المقالَ - نوازِعُ شتَّى؛ كل نازعة منها تشدُّ لمعنى جديد.

 

والنازعة التي استأثرَتْ بمبادرتي تتمثَّل في أنَّ مخلصين كرامًا تناولوا معي أمر النفحات، فكان مما أخذوا:

1- فخامة الكلم، ورصانة السَّبك، وأناقة الأسلوب، ورأَوْا أن مِثْل هذه الصياغة قد يَجْعل النَّفحات عزيزةَ المنال، منيعةَ المُسْتَقى.

 

وعذري:

أ) أنَّ قَدْر الوعاء "التعبير" من قدر الموعيِّ "نفحات القرآن"، والقرآن هو ما علمنا إعجازًا، وبلاغة، وقوَّة سَبْك، وعمقًا وجلالَ معنى، ونحن إنما نُدَندن، ونرفرف حول أضواء القرآن، ونحو عطاياه، ومن الأدب - ونحن في محراب القرآن نتعبَّد - أن نترفَّع خاشعين، عن التَّهافُت، والتفاهة، والإسفاف.

 

ونفحات القرآن أجَلُّ من أن نعرضها في أَسْمالٍ بالية، مطروحة في الطريق.

 

ثم لمن تُدخر - بالبناء للمجهول - الكلمةُ المختارة، والسَّبْك الرصين إذا ضُنَّ - بالبناء للمجهول - بهما على القرآن العظيم؟

 

إن الكلمة العابرة - ولا سيَّما في هذا المجال - من الباقيات الصَّالحات، فهي تحمل أصولاً ثرَّة، وتهدي إلى قواعد طيِّبة، وتنشر من أريج القرآن، فالواجب أن ترسل رصينة، فَضْفاضة بلا افتعال، واحتمال بقائها طويلاً قائم، وربما عبَرَت الأزمنة، والأمكنة، وانتقلت إلى أقدارٍ مُتفاوتة، فما أحسن أن تكون مرنةً في دقَّة، موحِيَة، حَمَّالةَ أوجُه!

 

ب) وقُرَّاؤنا - أكرمهم الله - علِموا من القرآن، ثم علموا من السُّنة، وقرؤوا، وسمعوا، فمِن المخجل أن نقدِّم لأمثالهم الغثَّ الهزيل، ومثل هذه الصِّياغة حريٌّ أن يؤنس الماضين على الطَّريق، وأن يشجع المتردِّدين، ويحفِّز المقيمين على ما أَلِفوا.

 

ج) ونحن - في كلِّ مُحاولاتنا - نتعبَّد في محراب القرآن على أضواء السُّنة، فما أحرانا أن نأخذ زينتنا في معبدنا المهيب!

 

د) ولقد أُثِر عن الإمام البخاريِّ أنه قال: "ما وضعتُ في كتاب الصحيح حديثًا إلاَّ اغتسلتُ وصلَّيتُ ركعتين"، وصنيع البخاريِّ - رحمه الله - يُنْبِئ عن إجلاله الشديدِ لِكَلِم من لا ينطق عن الهوى، وهذا الإجلال صدَى عرفانٍ، وانفعالٍ بالغ بالرسول الكريم، وآثارِه الشريفة، وهذا الإحساس الفيَّاض يحمله على أن يتهيَّأ، ويتجمَّل، ويأخذ في معبده زينتَه، ولِمَ لا، والإسلام الحنيفُ قضَى أن نأخذ زينتنا عند كلِّ مسجد، ونبِيُّ الإسلام سنَّ لنا سنة الاحتفاء بأعياد الإسلام، فدعا - فيما رواه أبو داود بسند جيِّد - دعا إلى أن نغتسل ليوم الجمعة، ونلبس من أحسن ثيابنا، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما رواه أبو داود، وابن ماجه بإسنادٍ صحيح عن عبدالله بن سلام: ((ما على أحَدِكم - إنْ وجَد - أن يتَّخِذ ثوبين ليوم الجمعة، سوى ثوبَيْ مهنته))؟!

 

وظنِّي أن كل هذه الآثار تستقي من قول الله تعالى: ﴿ يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ... ﴾ [الأعراف: 31].

 

والآية تمسُّ - بالدرجة الأولي - من كان يطوف بالبيت عريانًا، غير أنَّها لا تقف عند خصوص السَّبب، بل تعمُّ كل مسجد للصلاة، وربما تجاوَزَت المحلَّ إلى العبادة ذاتِها، بل إلى كلِّ العبادات، تتهيَّأ لكل عبادة بما يناسبها من زينة، ومن هنا استحبَّ بعض العلماء أخذ الزينة لكلِّ عبادة، وقالوا: إن الوقوف عند حدِّ الطواف إغضاءٌ عن مفهوم الكليَّة في عبارة ﴿ كُلِّ مَسْجِدٍ ﴾؛ إذ الطَّواف لا يكون إلا في مسجد واحد فقط، وحول بيت واحدٍ، هو بيت الله المحرم.

 

أما عطاء كلمة ﴿ كُلِّ مَسْجِدٍ ﴾ فهو أرحَبُ وأغنى.

 

استطراد:

هذا.. ويَحْسن هنا أن نذكر - إتمامًا للفائدة - أن السَّلف أخذوا من الآية، ومن قوله تعالى بعد الآية: ﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ ﴾ [الأعراف: 32] مشروعيَّةَ ارتداء الرَّفيع من الثياب؛ تجمُّلاً، وإظهارًا للنِّعمة، واحتفاءً بالجُمَع، والأعياد، وعند مُزَاورة الإخوان؛ فقد ورد أن المسلمين كانوا إذا تزاوروا تجمَّلوا، ويُروى عن تميمٍ الداريِّ أنه اشترى لصلاته حُلَّة بألف درهم!

 

والسَّلف - في ترفُّعِهم عن الثياب الدُّون، وتخيُّرِهم الأجود للصلوات وللمناسبات - استرشَدوا بِمِثل ما روي عن مكحولٍ أنَّه روى عن عائشة - رضي الله عنها - أنها قالت: كان نفَرٌ من أصحاب رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ينتظرونه على الباب، فخرج يريدهم، وفي الدَّار ركوةٌ فيها ماء، فجعل ينظر في الماء، ويسوِّي لحيته وشعرَه، قالت: يا رسول الله، وأنت تفعل هذا؟ قال: ((نعم، إذا خرج الرجل لإخوانه فليُهَيِّئ من نفسه؛ فإنَّ الله جميل، يحب الجمال)).

 

ومن هذا ما أخرج مسلم عن ابن مسعود عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((لا يدخل الجنَّة من كان في قلبه مثقالُ ذرَّة من كِبْر))، فقال رجلٌ: إن الرَّجل يحب ثوبه حَسَنًا، ونعله حسَنة؟ قال: ((إن الله جميل يحبُّ[1] الجمال؛ الكِبْر بطر الحقِّ، وغَمط الناس)).

 

لا تهويم، ولكن مشاكل تطبيق:

2- وكان مِمَّا أخذوا: أنَّني سرحت، سرحًا كأنه التهويم، وأوغلتُ في الفلسفة بحديثي عن الزَّمان والمكان، والفضاء، والكون، وكيمائيَّة الإنسان... إلخ، ومثل هذا التهويم يحرم كثيرين من المُتابعة والفائدة.

 

والذي أعرفه أن التَّهويم، ونظائره أمور نسبيَّة؛ فأحلام بعض الناس حقائق واقعةٌ عند آخرين، والمشاركة الوجدانيَّة - وهي مَطْلب إسلام - حساسية تورث الجنون في مذهب الأنويِّين. والنظرة الشموليَّة العميقة التي تبصر الهُوَى - بضم الهاء وفتح الواو؛ جمع هوَّة - وتحيط بالمخاطر، والتي ترصد في الوقت نفسِه آفاقَ الأعداء تعجُّ بالصواريخ، والمراكب، والأقمار، ثُمَّ توازن بعد ذلك بين ثرانا وذراهم؛ تلك النظرة عند المنطوين، المنـزوين في فِتْرٍ[2] صغير من ساحة الإسلام المترامية؛ إفلات زمام، وتهويم، وربما رأَوْها ميوعةً وتسيُّبًا.

 

والحقُّ أنَّ أبصار بعض الناس لا تتجاوز موضع أقدامهم، والإسلام في نظرهم لا يعدو قواقِعَهم ومحاراتِهم، وهؤلاء وغيرهم من النظريِّين لا يَنْفُذون إلى مشاكل التطبيق، ولا تروعهم العقبات، والنهايات المشؤومة للثَّورات، والثَّروات والصحوات، والسِّياسات، والحركات، والشِّكايات، والاحتجاجات والصرخات التي ترتَفِع من ديار المسلمين كنار الهشيم!

 

والحقُّ أن سبيلنا هو عين البصر بمشاكل التَّطبيق، وشأن المؤمن أن يتصوَّر أبعاد الميدان، ويخبر طبيعته، وأن يستحضر مشاكل التطبيق؛ لينظر في الحلول، وذلك - كما أسلفتُ - عين الربَّانية التي نُدِبْنا إليها بقوله سبحانه: ﴿ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ ﴾ [آل عمران: 79].

 

ويهمُّني - كي تتَّضِح خطورة القضيَّة التي نُعالجها - أن أُشِير إلى أنَّ مجلة "الأمة" القطَرِيَّة شغلها ما شغلنا؛ أدركَتْنا في الطريق، ثم مضت معنا تخوض فيما خُضْنا فيه[3]، وتدور حول عناصر، مِن أهَمِّها:

1- أهميَّة فقه المراحل، وحَتْميَّة التخطيط البصير عند الانتقال بالمبادئ إلى أطوار التنفيذ خلال الظروف المحيطة، والمتاحة.

 

2- ضرورة الإحاطة بطبيعة الموقع، وجغرافيَّة الميدان، مع البصر بأعراف المُجتمع، وظروف معاشهم.

 

3- إمكان تغيُّر الأحكام "الفرعيَّة" بتغيُّر الأزمنة.

 

4- رُوَّاد العمل الإسلاميِّ ينبغي أن يتمتَّعوا بحسٍّ مرهف صادق، ووعيٍ ثاقب، وفطنة تحيط بأبعاد المعركة، ومقتضيات الظُّروف، ووسائل الانفتاح على الناس.

 

5- وَصْل الواقع ذي البيئة الماديَّة، والمجتمع الواقعي بالمثاليَّة الشرعية أمرٌ شاقٌّ يتطلَّب قدرات عالية، وتدرُّجًا وفقهًا بالأوَّليات، والأولويَّات دقيقًا، وبلا استغراقٍ في المثالية، بل نتعامل مع السُّنن، ولا ننتظر المعجزات.

 

6- اتِّساع قاعدة الإيمان يكفل فُرَص النَّجاح، فلا بد من جمع الشَّمل، والتغاضي السياسي؛ كي نلتقي ولو على حد أدني.

 

7- التديُّن تحرُّز، والتوحيد خلاصٌ وانبعاث، أما الجمود فصوفيَّةٌ تُغْري بالاستبداد، وتفضي إلى الاستِعْباد.

 

8- ما أحوجَ السلبيِّين الجامدين إلى هزَّات توقِظُهم، وتحملهم نحو منهجٍ يقوم على الوعي العميق بطبيعة الأمَّة، وروح العصر، وواقع البيئة، وأخاديد السِّياسة، وألاعيب السَّاسة[4]... إلخ.

 

ألاَ إن كلَّ الدلائل تشير إلى أهمِّية وضع كلِّ القوى الواقعيَّة في الحسبان كي نُوائم بينها وبين مثاليَّات الإسلام، ومعاييره الدقيقة.

 

ومن مُنطلق الإيمان بهذه الحقيقة، ومن خلال الرُّؤية المروعة للانفصام الشديد بين العقيدة والسُّلوك؛ مضيتُ أنظر إلى المستقبل، وأتساءل: إنَّ الحياة في عصور الإسلام الأولى كانت محدودة، وكانت رقعة البلاد - رغم اتِّساعها - ضيِّقة، وهي بالنسبة لحياتنا، وبلادنا المترامية - الآن - شيءٌ ضئيل.

 

والدِّين - الذي غطَّى حياة الأوَّلين، واستجاب لمتطلَّباتها - رحْبٌ فضفاض، نزل صالحًا لتغطية حياتنا الممدودة، كما غطَّى تلك الحياة المحدودة، ولكن كيف؟ إذا رُزِقنا البصيرة المرِنة التي تهدينا إلى أنَّ حقائق الدِّين ثابتة، وأصوله راسخة، أمَّا الفرعيَّات والاجتهاديَّات وكل المسائل التي تتعدَّد فيها الرُّؤى، فيُمْكِن التصرُّف فيها على نحوٍ يَرْبطها بالواقع، ولا يُخْرِجها عن نطاق الإسلام.

 

وأعودُ فأقول: إنَّني مراعاةً لبعض المستويات؛ حرصتُ - برغم وحدة الموضوع - على أن أرصِّع المقالات بآيات، وأحاديث هي - بلا شكٍّ - تخدم الموضوع، ولكنَّها يمكن أن تنفرد بعطايا سخيَّة تتجمع زادًا لكلِّ الراغبين[5].

 

فأووا إلى الكهف:

هذا، وقد ذكرت - في مقالي السابق - أننا سلَفِيُّون، وأيضًا عصريُّون، ومضيت أحذِّر من تبتُّل جديدٍ طوى بعض الناس في أكفانٍ بالية، وحشرهم في رهبانيَّة حديثة تتَّفق في النتائج مع رهبانيَّة الصوامع، وتبتُّل الرهبان، فكلاهما غفلة عن السنن، ورحلة مع الظَّلام في سراديب الموت.

 

ولقد قصَّ الله علينا بالحقِّ نبأ أصحاب الكهف والرقيم؛ ﴿ أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا * إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا ﴾ [الكهف: 9 - 10].

 

قالوا: فالقصَّة صريحة في مشروعيَّة التعامل مع الكهوف[6] والغِيران، واعتزال الأهل والأوطان؛ فرارًا بالدِّين، واستجابةً للأمر الكريم؛ ﴿ وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا ﴾ [الكهف: 16]

 

وحالة أهل الكهف - بكلِّ ملابساتها - لا تعدو التبتُّل إلى الله الذي جعل لنا من الجبال أكنانًا[7].

 

والحقُّ:

1- أن الفتية كانوا يدينون بدينٍ محدودِ الجوانب، يتَّفِق مع حجم الإنسانية يومئذٍ[8]، أما الإسلام فدينٌ عامٌّ شامل، خطَّط للدارين، وربَّى للحياتين، وقعَّد القواعد، وقنَّن ونظَّم، ووضع أسس المعاملات، وحَمَّل أهله مسؤوليَّة الدعوة، والدولة، والسِّياسة، والعلاقات؛ فمسؤوليَّة المسلم جسيمة، وحياته موصولةٌ، تبتدئ بالميلاد، وتصبُّ - إن شاء الله - في الجنَّة.

 

ولعلَّ هذا هو إيحاء الأثر الذي رواه رزين عن ابن مسعودٍ أنه - رضي الله عنه - سُئِل: ما الصراط المستقيم؟ فقال: "تركَنا محمَّدٌ - صلَّى الله عليه وسلَّم - في أدناه، وطرَفه في الجنَّة، وعن يمينه جوادّ[9]، وعن يسارِه جوَادّ، وثَمَّ رجال يَدْعون من مرَّ بهم، فمن أخذ في تلك الجوادّ انتهت به إلى النَّار، ومن أخذ على الصِّراط المستقيم انتهى به إلى الجنَّة، ثم قرأ ابنُ مسعودٍ: ﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ﴾ [الأنعام: 153].

 

والمسلم مبتلًى بهذه الحياة الموصولة، الحافلة بالمتناقضات، وقدَرُه أن يُجاهد، ويتبصَّر الجوادّ، ويواجه المخاطر، ويقاوم قُوَى الشرِّ، فإذا انطوى في كهف، أو انزوى في غارٍ فقد فرَّ من الميدان، وهو في فراره قد ينجو ببعض دينه، مخلِّفًا وراءه جلَّ دينه، ومعظم مسؤولياته، هو إذًا لم يفِرَّ بدينه، بل فرَّ من دينه.

 

2- وأهل الكهف لم يعتزلوا مؤمنين، وإنَّما اعتزلوا الشِّرك والمشركين؛ فرُّوا حين حاصرَتْهم الفتنة، وتعقَّبَهم الملك الغَشُوم ليحملهم على الشِّرك أو ليقتلهم، فكلمة: ﴿ وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ ﴾ [الكهف: 16]، تعني هجرانَهم لأولئك الضالِّين المتلبِّسين بالشِّرك؛ ابتغاء سلامة النفس، والنفيس[10].

 

3- فالآية لا تدلُّ على مشروعيَّة الاعتزال أو التبتُّل مطلقًا، بل توحي باستحباب التأسِّي بأهل الكهف حيث تتنمَّر الفِتَن، ويحمل العبد على الشِّرك، وتخلو الساحة فلا إمام، ولا جماعة، ولا قدرةَ على المناوأة والحركة الفعَّالة، حينئذٍ فقط يحقُّ للمسلم أن يعتزل، ويعضَّ بأصل شجرة؛ مصداقَ حديثِ رسول الله الصحيح.

 

4- وإضافة إلى ما سبق، فإنَّ سياق الآيات يدلُّ على أن الأمر كان أمر اضطهاد، وطلبًا حثيثًا، وفهم شيء غير هذا افتئات وغلو.

 

ولعلَّ الفتية تحرَّكوا حركة مرحليَّة - كما لجأ رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - إلى غار ثور - ولعلَّهم كانوا قد خطَّطوا لانطلاقٍ وشيك، وخطوة أخرى فعَّالة إذا هدأَت الأجواء، وهيَّأ الله لهم المرفق الذي ينشدون؛ ﴿ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرْفَقًا ﴾ [الكهف: 16][11]، والإسلام دين المجاهدة، والمثابرة، والمصابرة، ومن تعاليمه أنَّ "المؤمن الذي يُخالط الناس، ويَصْبِر على أذاهم أفضلُ من المؤمن الذي لا يخالط الناس، ولا يصبر على أذاهم"[12].

 

6- ولقد علِمْنا مِمَّا روي عن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنَّ قدر المسلم أن يظلَّ آخذًا وضع الاستعداد؛ فالجهاد في حقِّ المسلم ماضٍ حتَّى يقاتِلَ آخِرُ الأمة الدجَّالَ، ووَضْع الاستعداد يتطلَّب يقظة، وحركة، واطِّلاعًا على شؤون الناس، ورصدًا لذبذبات الأعداء، ورباطًا إلى يوم القيامة؛ تحقيقًا لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيما أخرجه مسلمٌ عن جابر بن سَمُرة: ((لن يَبْرَح هذا الدِّينُ قائمًا يقاتل عليه عصابةٌ من المسلمين حتَّى تقوم الساعة)).

 

نعم؛ روي البخاريُّ عن أبي سعيدٍ عن رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - أنه قال: ((يوشِكُ أن يكون خيْر مال المسلم غنَمٌ يتبع بها شعف الجبال، ومواقع القَطْر؛ يفِرُّ بدينه من الفِتَن)).

 

والحديث - كما ترى - يصوِّر مطاردةً قاهرة، وينبئ عن تكالُبِ الأخطار واستشرائها، وتهديدها الأنفس، والأموال، وهذه حالة خطيرة، لا تستحكم إلاَّ إذا أفلت الزِّمام، وانحلت عُرَى الجماعة.

 

هي الحالة التي صوَّرها حديثُ مسلمٍ عن أبي بكر قال: قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّها ستكون فِتَن، ألا ثُمَّ تكون فِتَن، ألاَ ثم تكون فتنة، القاعد فيها خيرٌ من الماشي، والماشي فيها خير من السَّاعي إليها، ألاَ فإذا وقعت فمن كان له إبِلٌ فلْيَلحق بإبِلِه، ومن كان له غنم، فليلحق بغنمه، ومن كانت له أرض فليلحق بأرضه))، فقال رجلٌ: يا رسول الله، أرأيتَ من لم يكن له إبل، ولا غنم ولا أرض؟ قال: ((يَعْمد إلى سيفه، فيدقُّ على حدِّه بحجر، ثم لْيَنجُ إن استطاع النَّجاء، اللهم هل بلَّغتُ؟)) ثلاثًا... إلخ؛ فالحديث يشير إلى الفِتَن التي تموج كموج البحر، ويعلمنا كيف نتَّقي العواصف، ونُطَأطئ للزَّوابع حتَّى تمر، فإذا مرَّت أعَدْنا على ضوئها حساباتِنا، وأصلحنا من وضعنا، وغيَّرنا ما بأنفسنا.

 

والمتبتِّلون الجدد بعيدون - بُعْد المشرقين - عن مقصود الحديث، وهم لم يتبعوا شعف الجبال، ولا أوَوْا إلى غِيران وكهوفٍ، ولا تجرَّدوا من فضول الأموال، ولكنهم أقحموا أنفُسَهم في نقوب[13] بأذهانهم، وفي مساقط ومنحدَرات في عقولهم، ومن خلالها أبصروا الدِّين، فظنُّوه آسنًا ضيقًا! وهو دين الواسع العليم، رحمته واسعة، وأرضه واسعة، ودينه واسع، يستوعب الأوَّلين والآخرين، ويكفل للبشر خير الدَّارين.

 

والمسلم حمل أمانة الدِّين، بما في الدين من رحابةٍ وسعة، وثقل، راعت السَّماوات والأرض فأبَيْن، وأشفقن، وهو كي يُعان على هذا العبء غذَّاه المولى بِهدايات ونفحات، وقِيَم تنبته، "راداريَّ" البصيرة، "إلكترونيَّ" الفِكْر، مكرًّا، مفرًّا[14]، وتخلِّي المسلمين عن هذا المقام المحمود أصابهم بالصَّمم، والعمى، وتبلُّد الحواسِّ، وأطاح بهم إلى حيث الضَّعةُ والهوان، وكأنَّهم - لضيق الدُّنيا في وجههم، وتدفُّق الذلِّ من فوقهم، وتفجُّره من تحتهم - أضحوا على النحو الذي ذكره الله: ﴿ لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ ﴾ [التوبة: 57].



[1] فأين هذا من دين الصُّوفية الذين يحرِّمون زينة الله، مُدَّعين أنَّهم مكتفون بلباس التَّقوى، وهم بصنيعهم هذا يرفضون سُنَّة أتقى العالَمِين.

[2] الفِتْرُ ما بين طرَفَي الإبهام والسبَّابة؛ كناية عن الصِّغر والضِّيق.

[3] أُثيرت هذه القضايا في أعداد: ربيع الأول، وربيع الآخر 1405هـ في حوار المجلة مع الدكتور "حسن الترابي"؛ للوقوف على أصداء التجربة الميدانيَّة التي يخوضها السُّودان، وهو يطبِّق الشريعة، وينتقل بالمبادئ إلى طور التنفيذ.

[4] انظر "الأمة" عدد جمادى الأولى 1405هـ "المَنْهج العصري في سلفيَّة الإمام ابن باديس".

هذا، ويجدر أن أشير هنا إلى أنَّ مقالات "التوحيد" هي السابقة.

[5] وشغل بعضَ الناس طولُ الحلقات، فقالوا مداعبين: متى تُكْمِل العِدَّةَ، وتكبِّر الله؟! وأقول لهؤلاء مداعبًا: ﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ ﴾ [التوبة: 36].

[6] الكهف: النقب المتَّسِع في الجبل، فإن لم يتَّسع فهو غار.

[7] الأكنان جمع كِنّ: وهي الغِيران في الجبال.

[8] تابعَ الله بين الشرائعِ وفق تطوُّر الإنسانية، ونُموِّها الفكري، فكلُّ شريعة تقدِّم الجرعة التي تتناسب مع العمر الفعلي للبشرية، أما الإسلام فقد جاء لبشريَّةٍ بلغَتْ أشُدَّها، واستوَتْ، وراعى ما سيكون من تطوُّر داخل نطاق بلوغ الأَشُدِّ.

[9] الجوادُّ - بتشديد الدال - جمع جادة، والجادَّة الطريق.

[10] المراد العقيدة.

[11] المرفق ما يرتفق به؛ أي: ما يُستعان به على بلوغ الغاية.

[12] رواه البغويُّ عن ابن عمر.

[13] جمع نقب، والنقب الشقّ.

[14] يجيد الأقدام، ويعرف مواضع الأحجام، ويتقن أساليب الكَرِّ، والفر.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • نفحات قرآنية (33)
  • نفحات قرآنية (34)
  • نفحات قرآنية (35)
  • نفحات قرآنية (36)
  • نفحات قرآنية (38)
  • نفحات قرآنية (39)
  • نفحات قرآنية (40)

مختارات من الشبكة

  • نفحات رمضانية تدبرية: ثلاثون نفحة تدبرية (PDF)(كتاب - ملفات خاصة)
  • وأطل علينا شعبان بنفحة من نفحات الخير(مقالة - ملفات خاصة)
  • نفحات قرآنية (17)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من خصائص رمضان: لله نفحات من رحمته يصيب بها من شاء من عباده وشهر رمضان أرجى الأزمنة لذلك(مقالة - ملفات خاصة)
  • نفحات قرآنية في سورتي الكافرون والإخلاص(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)
  • نفحات قرآنية في سورتي الماعون والكوثر(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)
  • نفحات قرآنية في سور الشمس والضحى والعصر(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)
  • نفحات قرآنية في سورتي الفجر والبلد(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)
  • نفحات قرآنية في سورتي البروج والأعلى(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)
  • نفحات قرآنية في سورتي الانفطار والمطففين(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 16:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب