• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    {وما النصر إلا من عند الله} ورسائل للمسلمين
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرزاق، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    الأحق بالإمامة في صلاة الجنازة
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    فضل الصبر على المدين
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    تفسير قوله تعالى: { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ...
    سعيد مصطفى دياب
  •  
    محاسن الإرث في الإسلام (خطبة)
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    تفسير: (لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    علامات الساعة (2)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    ما جاء في فصل الصيف
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    أحكام التعاقد بالوكالة المستترة وآثاره: دراسة ...
    د. ياسر بن عبدالرحمن العدل
  •  
    خطبة: أم سليم ضحت بزوجها من أجل دينها (1)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    خطبة: التربية على العفة
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    التلاحم والتنظيم في صفوف القتال في سبيل الله...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أسس التفكير العقدي: مقاربة بين الوحي والعقل
    الشيخ حذيفة بن حسين القحطاني
  •  
    ابتلاء مبين وذبح عظيم (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الأسرة والمجتمع / قضايا المجتمع / في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
علامة باركود

بر الوالدين كفارة للكبائر

الشيخ محمد كامل السيد رباح

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 28/3/2013 ميلادي - 16/5/1434 هجري

الزيارات: 66339

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

بر الوالدين كفارة للكبائر


الحمد لله رب العالمين ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ونشهد أن محمدًا عبده ورسوله، أما بعد:

 

فيا عباد الله: اتقوا الله -عز وجل- والتزموا حدوده التي حدها، واحذروا من تضييع فرائضه وارتكاب مساخطه، ألا وإن مما فرضه ربكم -عز وجل- وأكد عليه وبالغ في الأمر بالاهتمام به والعناية به وأعلى سبحانه من منزلته ورفع شأنه ودرجته: بر الوالدين؛ هذه العبادة العظيمة وهذه القربة العظيمة، التي لها في دين الله -عز وجل- القدر المعلى، والنصيب الأوفى من الأوامر والنواهي، بل هذا الجانب الإنساني الذي يقدره أهل الفطر السوية، والقلوب السليمة، والنفوس الصحيحة، وإن لم يكونوا أهل إسلام.

 

لو لم يرد في دين الله -عز وجل- الأمر ببر الوالدين لكانت المروءة الإنسانية والفطرة البشرية داعية إلى البر بهما، وموجبة ذلك لهما. وإن مما يدعو للحديث عن هذا الموضوع المهم ما يلحظ في أوساط المجتمع من قِبل فئة من الناس ضعفت التقوى عندهم، وانعدمت الشفقة في نفوسهم، وزالت الرأفة من قلوبهم، فتنكروا لوالديهم وعقوهم بأبشع أنواع العقوق، ما بين فترة وأخرى يسمع المرء قصة أو حادثة تنبئ عما وصل إليه كثير من الناس في عقوقهم لوالديهم من انحطاط عظيم.

 

تعريف البر:

من معاني البر في اللغة:

الخير والفضل والصدق والطاعة والصلاح وفي الاصطلاح:

يطلق في الأغلب على الإحسان بالقول اللين اللطيف الدال على الرفق والمحبة، وتجنب غليظ القول الموجب للنفرة، واقتران ذلك بالشفقة والعطف والتودد والإحسان بالمال وغيره من الأفعال الصالحات

 

قيل للحسن: ما برِ الوالدين؟ فقال: تبذل لهما ما ملكت، وتطيعهما فيما أمراك، ما لم يكن معصية وذكر أبو اللّيث السّمرقنديّ: «أنّ من حقوق الوالد على ولده أن يطعمه إذا احتاج إلى طعمة، ويكسوه إذا قدر» قال معاوية بن إسحاق عن عروة بن الزبير - رحمهم الله ورضي عنهم - أنه قال: ما برَّ والده من شدَّ الطرف إليه.

 

أيها الإخوة في الله: إن من له أدنى علاقة بكتاب الله - عز وجل - وسنة رسول الله - صلى الله عليه وآله وسلم - ليلحظ ذلك الكم الهائل من نصوص القرآن والسنة التي تحث على بر الوالدين، وتنهى عن عقوقهما، وليس المقام مقام حصر واستيفاء، وإنما الغرض الإشارة إلى طرف من هذه النصوص القرآنية والأحاديث النبوية التي تذكر وتؤكد هذا الحق العظيم، لعلها تكون موقظة عند من ابتلي بكبيرة العقوق.

 

كثيرًا ما يقرن الله - عز وجل - الأمر بطاعة الوالدين بعبادته - سبحانه وتعالى - كما في قوله تعالى: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ [النساء: 36]، وكما في قوله: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ [الإسراء: 23].

 

وفي هذا الاقتران ما يدل على تعظيم شأن بر الوالدين، بل كثيرًا ما يوصي الله -عز وجل- بالإحسان إلى الوالدين كما في قوله تعالى: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ ﴾ [لقمان: 14]، وقوله سبحانه: ﴿ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ [البقرة: 83]، وقوله - عز وجل -: ﴿ وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا ﴾ [الأحقاف: 15].

 

بل قرن الله - عز وجل - في كتابه الكريم شكر الوالدين بشكره سبحانه، فقال -عز وجل-: ﴿ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ﴾ [لقمان: 14]، فأمر الله تعالى الولد بشكر الوالدين، وقرن شكرهما بشكره سبحانه، وهذا والله غاية عظيمة في الوصاية بالوالدين.

 

كيف يقرن الخالق - عز وجل - الأمر بشكره بالأمر بشكر الوالدين؟! وإنما كان ذلك كذلك في حق الوالدين لأنك إذا تأملت فستجد أنهما السبب في وجودك، ثم من حين استقرار النطفة في قرارها إلى أن تولد وهم في حرص عليك، فالحديث كله من قِبل أبيك لأمك: إياكِ، إياكِ، حذرًا على النطفة، ثم يتأهبان لتربيتك وجلب المنافع إليك ودفع المضار عنك، ولو تُرِكتَ بعد والدتك في الأرض أكلتك الهوام وعاقرتك الحشرات.

 

وأما ما جاء في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الحثّ على بر الوالدين، فهو كثيرٌ كثير، من ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "رغم أنف، ثم رغم أنف، ثم رغم أنف من أدرك والديه عند الكبر - أحدهما أو كلاهما - فلم يدخل الجنة". أي: رغم أنف من أدرك والديه في سن الكبر فلم يفعل معهما ما يوجب دخوله الجنة، بل عقهما وفعل معهما ما يوجب تعذيبه، وما يوجب سخط الله - تبارك وتعالى - وغضبه عليه. إلى غير ذلك من الأحاديث التي أكد فيها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما أكده الله - عز وجل - في الآيات السابقة من كتابه - تبارك وتعالى- من التوصية ببر الوالدين.

 

وبر الوالدين يستمرّ في ذرية الإنسان وعقبِه من بعده؛ عن ابن عمر - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "بروا آباءكم تبركم أبناؤكم، وعفّوا تعِف نساؤكم".

 

كذلك بر الوالدين يزيد في العمر، عن سهل بن معاذ - رضي الله عنه - أن رسول - صلى الله عليه وسلم - قال: "من بر والديه طوبى له، زاد الله في عمره".

 

وليس بر الوالدين مقصورًا عليهما في الحياة فقط، بل يتعدى إلى ما بعد وفاتهما؛ ففي سنن أبي داود وفي صحيح ابن حبان عن أبي أسيد مالك بن ربيعة الساعدي - رضي الله عنه - قال: بينما نحن جلوس عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا جاء رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله: هل بقي علي من بر والدي شيءٌ أبرهما به بعد موتهما؟! قال: "نعم، الصلاة عليهما - يعني الدعاء لهما والاستغفار لهما -، وإنفاذ عهدهما، وصلة الرحم التي لا صلة لك إلا من قبلهما، وإكرام صديقهما"..

 

فاتقوا الله أيها المسلمون: اتقوا الله في الوالدين. فإن حقهما من أعظم الحقوق، وعقوقهما من أكبر الكبائر والآثام. واسمعوا رحمكم الله إلى نصيحة هذا الشاعر، حيث يوجه الأبناء تجاه والديهم، فيقول:

قضى الله أن لا تعبدوا غيره حتما
فيا ويح شخص غير خالقه أما
وأوصاكوا بالوالدين فبالغوا
ببرهما فالأجر في ذاك والرحما
فكم بذلا من رأفة ولطافة
كم منحا وقت احتياجك من نعما
وأمك كم باتت بثقلك تشتكي
تواصل ومما شقها البؤس والغما
وفى الوضع كم قاست وعند ولادها
مشقا يذيب الجلد واللحم والعظما
وكم سهرت وجدا عليك جنونها
وأكبادها لهفا بجمر الأسا تحمى
وكم غسلت عنك الأذى بيمينها
حنوا وإشفاقا وأكثرت الضما
فضيعتها لما أسنت جهالة
وضقت بها ذرعا وذوقتها سما
وبت قرير العين ريان ناعما
مكبا على اللذات لا تسمع اللوما
وأمك في جوع شديد وغربة
تلين لها مما بها الصخرة الصما
أهذا جزاها بعد طول عنائها
لأنت لذو جهل وأنت إذًا أعمى

 

وقال غيره:

لأمك حق لو علمت كبير
كثيرك يا هذا لديه يسير
فكم ليلةٍ باتت بثقلك تشتكي
لها من جواها أنةٌ وزفير
وفي الوضع لو تدري عليك مشقةٌ
فكم غصص منها الفؤاد يطير
وكم غسلت عنك الأذى بيمينها
ومن ثدييها شربٌ لديك نمير
وكم مرةٍ جاعت وأعطتك قوتها
حنوًا وإشفاقًا وأنت صغير
فضيعتها لما أسنت جهالةً
وطال عليك الأمر وهو قصير
فآهٍ لذي عقل ويتبع الهوى
وواهًا لأعمى القلب وهو بصير
فدونك فارغب في عميم دعائها
فأنت لما تدعو إليه فقير

 

والسؤال المهم في هذه الخطبة: كيف نَبَر والدَينا أحياءً وأمواتًا؟!

هذه بعض الأفكار العملية في بر الوالدين:

أولاً: السمع والطاعة: فإذا أمرك والداك في غير معصية فطاعتهما واجبة، ولو منعاك من الجهاد في سبيل الله، كما ثبت في الأحاديث الصحيحة، إلا إذا تعين عليك الجهاد.

 

ثانيًا: التوقير والاحترام: قال تعالى: ﴿ فَلاَ تَقُل لَّهُمَا أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا ﴾ [الإسراء: 23]، قال الهيثمي: "أي اللين اللطيف المشتمل على العطف والاستمالة، وموافقة مرادهما وميلهما ومطلوبهما ما أمكن، لا سيما عند الكبر...

 

ثالثًا: الدعاء لهما: اجعل الدعاء لهما ملازمًا لك، تذكرهما في سجودك، في وترك، في دعائك المطلق، ادع لهما بالرحمة، بالمغفرة، بالعافية، بالهداية والصلاح، بطول العمر على الطاعة، بحسن الخاتمة، بدخول الجنة والنجاة من النار، بأن يجزيهما عنك خير الجزاء.

 

رابعًا: الترويح عنهما وإدخال السرور عليهما: يمكنك أخذهما في رحلة برية، إلى مكان جميل، إلى جولة داخل المدينة، زيارةِ بعض الأقارب، زيارةِ بعض الأحياء القديمة أو المناطق الأثرية، زيارةِ منزلكم القديم، جيرانِكم السابقين.

 

خامسًا: مدحهما والثناء عليهما: امدح والديك في حضورهما، افتخر بهما، تشرف بالانتساب إليهما، إن نجحت في دراستك فقل: هذا النجاح بفضل الله ثم تربية الوالد والوالدة، إن وُفقت في عمل أو زواج، أو ترقيت في وظيفة أو رزقت بمال فقل: هذا بتوفيق الله ثم دعاء الوالد والوالدة، إذا رأيتهما فقل: الحمد لله أن رزقني والدين مثلكما، ولا تستحيي ولا تتحرج من إدخال السرور عليهما بمثل هذه الكلمات اللطيفة.

 

سادسًا: مشاورتهما وتقديم رأيهما: شاورهما وخذ برأيهما، واعلم أن فيه الخير والبركة، شاورهما في اختيار تخصصك الجامعي، واختيار الزوجة، والسكن، وأسماء الأولاد، ونوع السيارة، واختيار الوظيفة، وسترى التوفيق بإذن الله.

 

سابعًا: الصدقة عنهما: في حياتهما وبعد موتهما، بالتبرع لهما استقلالاً، أو إشراكهما في أجر الصدقات، وبناء المساجد، وحفر الآبار، وطباعة المصاحف، والأوقاف الخيرية العامة ولو بالقليل.

 

قصص في بر الوالدين:

أحبابي في الله: إليكم هذه القصة وبدون مقدمات، ذكر أن أمية الكناني كان عنده ولد اسمه كلاب، وكان شابا صالحا، وحين سمع أن الجهاد أفضل الأعمال في الإسلام، ذهب إلى عمر بن الخطاب، وقال له: أرسلني إلى الجهاد، قال عمر: أحي والداك؟

 

قال: نعم، قال: فاستأذنهما، فاستأذنهما وبعد إلحاح شديد، وافقا على مضض، فقدا وحيدهما وكان شديد البر بهما، يؤنسهما ويساعدهما في كل شؤونهما، ذهب كلاب إلى الجهاد، ومرت الأيام على الأبوين بطيئة ثقيلة، وما لبِث أن اشتد الشوق بالوالد. فصار البكاء رفيقه في ليله ونهاره، وذات يوم جلس أمية تحت شجرة، فرأى حمامه تُطعم فراخها فجعل ينظر، وينشد:

لمن شيخان قد نشدا كلابا
كتاب الله لو عقلا الكتابا
تركت أباك مرعشة يداه
وأمك لا تسيغ لها شرابا
طويلا شوقه يبكيك فردا
على حزن ولا يرجوا الإياب
إذا هتفت حمامة بطن وج
على بيضاتها ذكرا كلابا

 

ثم اشتد حزنه على ولده، وطال بكاؤه حتى أصابه ما أصاب يعقوب عليه السلام، فابيضت عيناه من الحزن، وفقد بصره، وصار لا يفتر عن ذكر ولده، ومن شدة ما في قلبه أخذ يدعو على عمر بن الخطاب، ويقول شعرًا:

أعاذل قد عذلت بغير علم
وما تدرى أعاذل ما ألاقي
إن الفاروق لم يردد كلابا
على شيخين سامهما فراق
سأستعدى على الفاروق ربًا
له دفع الحجيج إلى بساق
وادعوا الله مجتهدًا عليه
ببطن الأخشبين إلى زقاق

 

فما كان من أحد أصحابه إلا أخذ بيده حتى أقبل به على حلقة عمر بن الخطاب وأجلسه فيها، وهو لا يدرى، ثم قال له صاحبه: يا أبا كلاب، قال: نعم، قال: أنشدنا من أشعارك، ولشدة تعلقه بولده، فإن أول ما تبادر إلى ذهنه:

إن الفاروق لم يردد كلابا
على شيخين سامهما فراق
سأستعدى على الفاروق ربا
له دفع الحجيج إلى بساق
وادعوا الله مجتهدا عليه
ببطن الأخشبين إلى زقاق

 

فقال عمر: من هذا؟ قالوا: هذا أميه الكناني قال عمر: فما خبره؟ قالوا: أرسلت ولده إلى الثغور، قال: ألم يأذن؟ قالوا: أذن على مضض.

 

فوجه عمر من فوره أن ابعثوا إلى كلاب ابن أمية الكناني على وجه السرعة، فلما مثل كلاب بين يدي عمر، قال له: اجلس يا كلاب، فلما جلس قال له عمر: ما بلغ من برك بأبيك يا كلاب؟ قال: والله يا أمير المؤمنين، ما أعلم شيئا يحبه أبى إلا فعلته قبل أن يطلبه منى، ولا أعلم شيئا يبغضه أبى إلا تركته قبل أن ينهاني عنه، قال عمر: زدني..

 

قال: يا أمير المؤمنين والله إني لا آلوه جهدي برًا وإحسانًا، قال عمر: زدني، قال كلاب: كنت إذا أردت أن أحلب له آتى من الليل إلى أغزر ناقة في الإبل ثم أنيخها وأعقلها حتى لا تتحرك طوال الليل، ثم استيقظ قبيل الفجر فاستخرج من البئر ماء باردًا، فاغسل ضرع الناقة حتى يبرد اللبن، ثم احلبه وأعطيه أبى ليشرب، قال عمر: عجبًا لك، كل هذا لأجل شربة لبن، فافعل لي كما كنت تفعل لأبيك، قال كلاب: ولكني أود الذهاب إلى أهلي يا أمير المؤمنين، قال عمر: عزمت عليك يا كلاب، فمضى كلاب إلى الناقة فحلب وفعل كما كان يفعل لأبيه، ثم أعطى الإناء لعمر بن الخطاب، قال عمر لمن حوله: خذوا كلاب فادخلوه في هذه الغرفة وأغلقوا عليه الباب.

 

ثم أرسل عمر إلى الشيخ ليحضر، فاقبل يقاد لا يعلم ما يُراد به، فإذا شيخ واهن، قد عظم همه واشتد بكاؤه وطال شوقه، يجر خطاه جرًا، حتى وقف على رأس أمير المؤمنين، فسأله الفاروق يا أمية: ماذا بقى من لذاتك في الدنيا؟ قال: ما بقى لي من لذة يا أمير المؤمنين، قال عمر: فما تشتهى؟ قال أمية: اشتهي الموت، قال عمر: أقسمت عليك يا أمية إلا أخبرتني بأعظم لذة تتمناها الآن قال أمية: أما وقد أقسمت علي، فإني أتمنى لو أن ولدى كلابا بين يدي الآن أضمه واشمه وأقبله قبل أن أموت، قال عمر: فخذ هذا اللبن لتتقوى به، قال أمية: لا حاجة لي به يا أمير المؤمنين، قال عمر: أقسمت عليك يا أمية إلا شربت من هذا اللبن، فلما أخذ الإناء وقربه من فمه، بكى بكاءً شديدًا، وقال: والله إني لأشم رائحة يدي ولدى كلاب في هذا اللبن، فبكى عمر حتى جعل ينتفض من بكائه، ثم قال: افتحوا الباب، فاقبل الولد إلى أبيه فضمه أبوه ضمة شديدة طويلة، وجعل يقبله تارة، ويشمه تارة، وجعل عمر رضي الله عنه يبكي، ثم قال: إن كنت يا كلاب تريد الجنة، فتحت قدمي هذا.

 

عن أنس بن النضر الأشجعي: استقت أم ابن مسعود ماء في بعض الليالي، فذهب فجاءها بشربة، فوجدها قد ذهب بها النوم، فثبت بالشربة عند رأسها حتى أصبح.

 

جاء رجل إلى عمر رضي الله عنه فقال: إن لي أمًا بلغ بها الكبر، وإنها لا تقضي حاجتها إلا وظهري مطية لها، وأوضؤها، وأصرف وجهي عنها؛ فهل أديت حقها؟ قال: لا، قال: أليس قد حملتها على ظهري، وحبست نفسي عليها؟ فقال عمر رضي الله عنه: إنها كانت تصنع ذلك بك، وهي تتمنى بقاءك، وأنت تتمنى فراقها.

 

عن أُسير بن عمرو ويقال ابن جابر قال: كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- إذا أتى عليه أمداد أهل اليمن سألهم: أفيكم أويس بن عامر حتى أتى على أويس -رضي الله عنه-، فقال له: أنت أويس بن عامر؟ قال: نعم، قال: من مراد ثم من قرن؟ قال: نعم، قال: فكان بك برص فبرأت منه إلا موضع درهم؟ قال: نعم، قال: لك والدة؟ قال نعم، قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: " يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن؛ من مراد، ثم من قرن، كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها بر، لو أقسم على الله لأبره؛ فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل "، فاستغفِرْ لي، فاستغفَرَ له، فقال له عمر: أين تريد؟ قال: الكوفة، قال: ألا أكتب لك إلى عاملها؟ قال: أكون في غبراء الناس أحبَّ إليَّ، فلما كان من العام المقبل حج رجل من أشرافهم فوافق عمر، فسأله عن أويس، فقال: تركتُه رثَّ البيت قليلَ المتاع، قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: " يأتي عليكم أويس بن عامر مع أمداد أهل اليمن؛ من مراد، ثم من قرن، كان به برص فبرأ منه إلا موضع درهم، له والدة هو بها بر، لو أقسم على الله لأبره؛ فإن استطعت أن يستغفر لك فافعل " فأتى أويسًا، فقال: استغفر لي، قال: أنت أحدث عهدًا بسفر صالح فاستغفر لي؟ قال لي: لقيت عمر؟ قال: نعم فاستغفر له، ففطن له الناس، فانطلق على وجهه. رواه مسلم.

 

من فوائد (بر الوالدين):

1- من كمال الإيمان وحسن الإسلام.

2- من أفضل العبادات وأجلّ الطّاعات.

3- طريق موصّل إلى الجنّة.

4- الزّيادة في الأجل والنّماء في المال والنّسل.

5- رفع الذّكر في الاخرة وحسن السّيرة في النّاس.

6- من برّ آباءه برّه أبناؤه والجزاء من جنس العمل.

7- برّ الوالدين يفرّج الكرب.

8- من حفظ ودّ أبيه لا يطفأ اللّه نوره.

نسال الله عز وجل البر بوالدينا





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • بر الوالدين.. سبل للعمل
  • بر الوالدين... ففيهما فجاهد
  • بر الوالدين.. من الإيمان
  • أساليب ومهارات وقصص في بر الوالدين
  • بر الوالدين بين التطبيق والتهميش
  • رعاية الوالدين عند كبرهما
  • بر الوالدين
  • حقوق الوالدين
  • من عرف ببر الوالدين من العلماء والأخيار
  • وجوب بر الوالدين والتحذير من عقوق الوالدين
  • الإحسان إلى الوالدين

مختارات من الشبكة

  • فضل بر الوالدين (وبرا بوالديه)(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • بر الوالدين من الأخلاق الإسلامية(مقالة - موقع عرب القرآن)
  • العيد موسم لأعمال البر(مقالة - ملفات خاصة)
  • أصدق البر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فائدة في كفارة اليمين(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله)
  • الصيام كفارة من الكبائر والصغائر كالقتل والظهار والأيمان ونحوها(مقالة - آفاق الشريعة)
  • صلاة الجمعة كفارة للذنوب عشرة أيام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • دعاء كفارة المجلس سبب لمغفرة الذنوب (بطاقة دعوية)(مقالة - مكتبة الألوكة)
  • دعاء كفارة المجلس(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الصيام كفارة لفتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره(مقالة - ملفات خاصة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 15/11/1446هـ - الساعة: 15:5
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب