• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن
علامة باركود

نفحات قرآنية (26)

بخاري أحمد عبده

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 20/2/2013 ميلادي - 9/4/1434 هجري

الزيارات: 7039

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

نفحات قرآنية (26)


﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ [البقرة: 183 - 185].

 

مسَسْنا في مقالنا السَّابق بعض قضايا الصوم مسًّا مباشرًا، أردنا به أن نَفِي بحقِّ المناسبة، وأن نقوِّي الطارق الكريمَ الغريب "رمضان" الذي أطلَّ مأخوذًا ينكر البلاد، ويستغرب العباد، ويستعجل لحظة الرَّحيل، ولبث فينا مرتاعًا، وانطوى حسيرًا يُحَوقل، ويسترجع، ويأسى للأُمَّة الممتهنة، والعزة الْمُهراقة، والتاريخ الكاسف الحزين.

 

وعَلِمنا - هناك - أنَّ آياتنا نَبْضة من نبضات سورة البقرة التي تزيد الإيمان، وتعلي الأركان وتجلو، وتَنْزح، وتغذو، وتصنع للمسلمين.

 

وعجبنا لغفلة المسلمين، وضيعة العرب، رغم صفحات الاتِّهام الدافع التي يَنْشرها القرآن، يكشف بها أحزابَ الشيطان، ويجلو قسماتِهم، ويفضح حركاتِهم وسَكناتِهم.

 

ورأينا كيف يتدرَّج المولى بالمسلمين، وكيف يُمهِّد لهم، ويهيِّئهم لنفحات رمضان، ولأعبائه الجسيمة[1].

 

مدارج التحرير:

تحسُّ وأنت ترتع في رياض الآيات التي تكتنف آيات الصِّيام بأرواح الحرِّية تنبعث فوَّاحة منشِّطة، وتشعر بعمليات (فكِّ الارتباط) التي تقوم بها الآيات الكريمة، وتكاد تسمع وقْعَ معاول الحقِّ تحطم الأطواق التي غلَّ بها أهلُ الكتاب أعناقَ العرب، وتكاد تشَمُّ أرياح العفَن الوبيء، والقرآن يَنْزَح مُخلَّفات اليهود، ورواسبَ الزَّيف، ويُبْطِل[2] آثارَ غزوهم للأفكار في عبقريَّةٍ منقطعة النَّظير.

 

وشَرُّ ألوان الرِّق أن تَسْبِيَك[3] شهواتُك، وأن تكبِّلك أهواؤُك، أن تَنْسج بيديك القيودَ، وتسلِّم بنفسك زمامك للنَّزعات الدُّنيا وللشَّيطان، فتمسي - منها - وَفْق المشهد الذي تَعْرضه آيات سورة (يس): ﴿ لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ * وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ ﴾ [يس: 7 - 9].

 

واستمراء الغواية، وإشباع كلِّ رغبات النَّفْس يوهن الإرادة، ويسلم لنِير الشَّيطان[4]، والإسلام الذي يعمل على تَحريرك يرفض أن تبيت عبْدَ الأهواء؛ ﴿ أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنْتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا * أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴾ [الفرقان: 43 - 44].

 

وتقديرًا لأوزار هذا النوع منَ العُبُوديَّة أشادت الآثار بِجهاد النَّفس، وشكمها عن نزعاتِها، وارتفعَتْ بِمنْزِلة هذا الجهاد (جهاد النَّفس) حتَّى عدَّتْه الجهاد الأكبر.

 

والصوم بكافَّة أدبيَّاته يحطم أغلال الهوى، ويحرِّر من أصفاد الشيطان وسلاسله، تلك السلاسل التي تُرَدُّ إلى نَحْر الشيطان - في رمضان - ليبيت ويصبح مغلولاً مدحورًا.

 

والصَّائم إذا استخلص نفسه من أوضارها، وحرَّرها من نزعاتِها، فقد تبوَّأ قمَّة يستطيع من عليائها أن يرى فيُحْكِم الرُّؤية، وأن يسدِّد فيصيب السَّداد.

 

الصوم إذًا - بعد كونه عبادةً خالصة - مَظْهرُ تحرُّر، ووسيلةٌ إلى مزيدٍ من تحرُّر.

 

وإبرازًا لمعاني الحرية التي تزخر بِها شعيرة الصوم جاءت الآيات التي تكتنف آيات الصيام دواعِيَ تحرُّر، ومدارج نحو القمَّة الشمَّاء التي يتربَّع عليها الصائم.

 

في موكب الحرية:

والحديث عن التَّحرير في معرض الحديث عن الإسلامِ والصِّيام ليس بِدْعًا، ولا تكلُّفًا، ولا افتعالاً؛ فالعلاقة بين الإسلام والتحرير علاقةٌ وثيقة وبيِّنة، الإسلام أن تُسْلِم وجْهَك لله، وتَنْبذ كل القُوَى الأرضية التي تتنازعك وتحتويك، وتتسلَّط عليك.

 

والإسلام إذْ يأمرك بأن تبرِّئ وجهتك، وتطهِّر بالتوحيد عقيدتَك، إنَّما يَمْنعك من أن تتعدَّد جهاتُ ذلك، وتُطْحَن بين شركاءَ متشاكسين؛ ﴿ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ [الزمر: 29].

 

وهو إذْ يحدِّد لك قبلتك، وإذْ يَحدو نزعاتك وقلبَك، حتَّى لا يتشعَّب ويغدو بكلِّ وادٍ شعبة إنَّما يريد أن يَجْمع شتاتك، ويحرِّرك من أن تَخْلد إلى الأرض، أو تحتبس رهْنَ عنصر الطِّين الذي يَؤُودك، ويَغُلُّك.

 

وهو إذْ يفرض عليك، ويستنفِرُك كي تستَبِق الخيرات، يوثِّق صلاتك بالله، ويُحْكِم رباطَك؛ حتَّى لا تكون قلقًا تلين لكلِّ لامس، وتدور مع كلِّ رياح.

 

والقرآن يحدد لنا رسالة محمد -صلى الله عليه وسلم- فيَذْكر خلالاً تحمل معاني التحرير - ضمنًا - ويعود فينصُّ على التحرير - صراحةً - مِمَّا يدلُّ على علُوِّ كعب قضية التَّحرير في الإسلام.

 

ذلك ما تجده حين تتمعَّن في مغزى قولِه سبحانه: ﴿ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ... ﴾ [الأعراف: 157].

 

فما أُمِرنا به، وما نُهِينا عنه، وما أُحِلَّ من طيبات، وما حرِّم من خبائث تتضافر فتَصْنع إنسانًا لا يستهويه نداءُ الحيوان الكامن في الأعماق، ولا يطويه الزَّبَد الذي يتطاير كثيفًا من مستنقع الغريزة، ولا يعميه الدُّخان الذي يتصاعد خانقًا من التقاليد الموروثة والعادات.

 

ووَضْع الآصارِ والأغلال تصريحٌ بالأمر مِن بَعد تلميح، ونَصٌّ على قضية التحرير من بعد تضمين؛ ﴿ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ ﴾ [الأعراف: 157]، عبوديَّة النَّزعة المادية يحطمها الإيمان بالغيب.

 

النَّزعة المادية غلٌّ يضمُّ الأعناق إلى الأذقان، ويُقْمِح[5] المرء، فيَغْدو كتمثال شُدَّ شدًّا إلى جهة واحدة.

 

وتَغلغل النَّزعة المادية هو الذي يجعل الإنسان لا يؤمن إلاَّ بالمحسوس الملموس، وتحت وطأة هذه النَّزعة ضعف الإدراك، ووهَى حسُّ اليقين عند كثيرين، فاستعظموا أن يَعْبدوا غير مرئيٍّ مُدْرَكٍ بالأبصار، فأضفَوْا عظمة المعبود على موادَّ يصنعونَها، أو صُوَرٍ ينحتونها، أو مخلوقاتٍ يعظِّمونها، ثم عكفوا على ما صنعوا، واختلقوا، وقدَّسوا.

 

والنَّزعة المادية هي التي طمسَتْ نور الفطرة، وأفسدتْ على الإنسان رؤيته، ونوَّعت له الشُّركاء، وعدَّدت الآلهة ﴿ وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَى لَا يَسْمَعُوا وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ ﴾ [الأعراف: 198]، وهكذا أمسى الإنسانُ عبْدَ هذه النَّزعة في دينه ودُنياه.

 

وحَدًّا من طغيان هذه النَّزعة، واستنقاذًا من عبودية المَحسوس؛ حتَّم الإسلامُ الإيمانَ بالغيب، وأشاد القرآنُ بالمؤمنين بالغيب في آياتٍ جَمَّة، أُولاها آية البقرة التي جعلت الإيمان بالغيب أُولَى سِمات المتَّقين؛ ﴿ ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [البقرة: 2 - 5].

 

فالإيمان بالغيب دليلُ التحرُّر من أصفاد المادانية، وهو قمَّة الإيمان، ومظهر الثِّقة المُثْلى بكلِّ ما يَصْدر من الرَّسول -صلى الله عليه وسلم- بل هو الإيمان كلُّه؛ لأنَّ خبَر السَّماء غيب كلُّه، يعالِج أمورًا تنطوي في دائرة المَحجوبات، أو المعقولات، أو المَحسوسات.

 

والإيمان بالغيب يتجلَّى أوضح ما يكون الجلاء في الأُمِّيين الأوَّلين؛ فالغيب بالنِّسبة لَهم غيب مُطْبق، وبالنسبة لغيرهم - من اللاَّحقين - غيبٌ استأنس بالأضواء التي عكسَتْها معارف السَّماءِ والأرض، والقلب الذي يَمتلك خاصِّية الإيمان بالغيب قلبٌ مؤهَّل، يطيق أن يقام فوقه صرحُ الإيمان بكلِّ طوابقه وشُعَبِه.

 

وخاصيَّة الإيمان بالغيب تختلف في قوَّتِها من قلب إلى قلب؛ فمن القلوب قلوبٌ تعجز عن الغَوْر والاستيعاب، وقلوب تستوعب، وتنفذ إلى عمقٍ محدود، ثم تَلْهث، وقلوب تذهب إلى نهاية الشَّوط.

 

وكلَّما كان الغيبِيُّ أبعدَ عن التصوُّر، وأدخلَ في عالَمِ ما وراء الطَّبيعة، كان المؤمنُ به أجلى وجدانًا، وأعمق إيمانًا؛ شريطةَ أن يعتمد ذلك الغيبِيُّ على أثَرٍ معتمَدٍ صحيح.

 

ومِمَّن امتلك خاصِّية الإيمان بالغيب في أعلى مستوياتِها الصِّديق - رضي الله عنه - ومِن رحاب هذه الخاصِّية استمدَّ موقِفَه من قصَّة الإسراء والمعراج، ومن كلِّ أخبار السماء.

 

ولِمقام الإيمان بالغيب، ولشدَّة تأثيره في شُعَب الإيمان الأخرى، أشادَ رسولُ الله بالآخِرين الذين يؤمنون به ولَم يرَوْه، وعجَّب (بتشديد الجيم المفتوحة) من إيمانِ قومٍ يكونون من بَعْد، يجدون صحفًا فيها كتاب، فيؤمنون بِما فيها.

 

إن تحرير الوجدان بتحتيم الإيمان بالغَيْب، وتحرير الجَنان بعقيدة التوحيد التي تَعْصمك من أن تذلَّ فتتَّخذ من دون الله الأرباب: ﴿ اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [التوبة: 31].

 

إنَّهما دعامتا كلِّ الحريات التي يتيحها لك الإسلامُ الحنيف لتنطلق على أجنحتها نحو قمَّتِك الشمَّاء.

 

والإخلال بعقيدة التوحيد يورث التخبُّط، والشَّلل، والزَّلَل إلى قاعٍ سحيق؛ ﴿ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ ﴾ [الحج: 31].

 

واهتزاز الإيمان بالغيب يَنْسف الدِّين كلَّه، ويحيل العبد أرضانيًّا[6]، يغوص في الظَّلام، ويعيش في الحُفَر مع الديدان.

 

وظنِّي أن هاتين الحرِّيتين اللَّتين تلتئم بِهما سائر الحريات المشروعة هما النُّور الذي منَّ الله علينا به، وأمرنا أن نكون - باستمرارٍ - الأُمَّةَ التي تشيع هذا النُّور وتنشره، والقوَّةَ الضاربة التي تذود عنه، وتَمْنعه؛ ﴿ يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ﴾ [التوبة: 32].

 

والمسلمون منذ فرَّطوا في أمر التوحيد فأشركوا، وأذعنوا لغير الله، وقرَّبوا، ورجَوا، خافوا... إلخ.

 

ومنذ اهتزَّ موقفهم من الغيب، فعكفوا على المادَّة، وكفروا بغير المَعْمل، والمخبَر، والتَّجربة... إلخ، أضحوا مهيضي الجناح، مَشْلولين، مَخنوقين، ويرقِّعون دُنيا غيرهم بدِينهم.

 

ولَست - بِهذه الإشارة - أقلِّل من شأن التَّجربة، والمعمل، كيف والإسلام هو الدِّين الوحيد الذي طوَّف بك في الآفاق، وحلَّق بك في الأجواء، ونفذ بك إلى الأغوار، وجال بك بَيْن ظواهر الكون، وأغراك بالتَّحليل، ولفت نظرك إلى الشَّيء وأبعاضِه التي لا تتناهى، وأوحى إليك - بِهذا - أن تتَّخذ المعمل، والمجهر، والمرصد... إلخ؟

 

إنَّما أردت ألاَّ يصرفنا ذلك عن الله وملكوته، وعن النَّفس وأوضارها، وعن الغَيْب وأسراره، وعن الدِّين وقِيَمه، وعن الآخرة ومشاهدها، وأردتُ ألاَّ ننحو منحى المسلم اللَّوْذَعي الذي أُشْرِب مَقْت الإسلام والمسلمين، فهو يَنِبُّ وراء دينه نبيبَ التُّيوس[7]، وقلَمُه لا يسيل ولا يصول إلاَّ إذا صُوِّب إلى صدر الإسلام والمسلمين، ولكَمْ كتبَ يتندَّر بالإسلام، ويزعم أنَّ حضارته حضارة الكلمة - وإنَّها حضارة مطحونة تَذْروها الرِّياح؛ رياح الآلة والتقدُّم العلمي - وأنَّ المناداة بالإسلام معناها الارتداد، والقهقَرى، ومواجهة عصر الآلة بمحصول لفظي، ونادى بضرورة التخلُّص من حضارة الكلمة[8].

 

ومِثْل هذا الكاتب هو المُقْمَح المغلول بأغلالٍ تَضمُّ إلى عنُقِه ذقنَه وعضدَيْه، وقلبه، ومتنه كلَّه.

 

والإسلام إنَّما جاء ليحرِّر أمثال هذا من آصار الجاهلية الأولى، وهو حريٌّ أن يحرِّر عبيد الماسونيَّة، وضحايا المستشرقين، وصنائعَ الإلحاد والصليبيَّة التي تَجِدُّ كي تفكَّ الارتباط بين المسلم ودينه، وقرآنه[9]، متوسِّلة إلى ذلك بصدور مَحمومة، وأقلام مسمومة تشحن فتبث، وتنفث، وتعكس أصوات سادتِها.

 

وهؤلاء أسرى مكبَّلون، منوَّمون مغناطيسيًّا، وظنِّي أنَّ حالةَ كثيرٍ منهم أضحت متأخِّرة لا تنفعها أشفية، ولا ينقذها طبٌّ، فأشفية الإسلام لا تطبُّ الصُّدور التي تأكَّلَت وبليت، وأصحابها سواءٌ عليهم أأنذرتَهم أم لَم تنذرهم، ﴿ خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [البقرة: 7].

 

والخطورة في أنَّ مَوالي هؤلاء المكبَّلين جلَوْهم، وموَّهوا ظواهرهم، وأضفَوْا عليهم من بريقِ الشَّيطان ثم بوَّؤوهم مواقعَ تأثير؛ ليقذفوا من فوقها بغازاتِهم السامَّة، ويَخدعوا، وما يخدعون إلاَّ أنفسهم وما يشعرون.

 

ومن أساليب المَوالي أن يثيروا كلابَهم في وقت واحد؛ وذلك:

1- حتَّى يَضيع في صخب النباحِ صوتُ الحق.

 

2- وحتَّى تَنْطلق قذائفُهم من عدَّة جبهات؛ فيصعب التصدِّي، وتَعِزُّ المواجهة.

 

3- لما في التَّكرار، وتعدُّد المصادر، ومواصلة القول من أثَرٍ نفْسي يورث الاقتناع.

 

4- ورُبَّما ليشغلوا السَّاحة الإسلاميَّة عن التربية، والبِناء، ويصرفوا الدُّعاة عن الجادَّة المُثْلى إلى الجدل والمهاترة، والمواجهة التي تستنفد الطاقات، ﴿ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ﴾ [آل عمران: 118].



[1] راجع الصفحتين الأوليين من مقال عدد رمضان.

[2] يَنْزح.

[3] تأسرك.

[4] النِّير: القَيْد.

[5] أقمحَ الغُلُّ الأسيرَ: ضيَّق الخناق على رأسه بحيث لا تتحرَّك، ولا تنظر إلا في اتِّجاه واحد، قال تعالى: ﴿ إِنَّا جَعَلْنَا فِي أَعْنَاقِهِمْ أَغْلَالاً فَهِيَ إِلَى الأَذْقَانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ ﴾ [يس: 8].

[6] نسبة إلى أرض تفيد المبالغة.

[7] النَّبيب صوت التَّيس حين يُراود ويصيح، والتَّيس يصيح أوَّل ما يصيح خلفَ أمِّه.

[8] نشرت جريدة الأهرام - إثر معاهدة "كامب دافيد" - عدَّة مقالات بعنوان "مصر ومعركة التحدِّي الحضاري مع إسرائيل"، وأذكر منها ما جاء في أعداد 24/6، 27/6، 1/7/1979، واستغلالاً للمناخ الذي ساد البلادَ وقتئذٍ، هبَّ كاتبُنا يقرِّب القرابين، راجيًا من مَواليه القبول.

[9] في مجلة "الأمَّة" القطَريَّة (عدد رجب 1404- أبريل 1984) حديث عن: "لغة القرآن بين مكر الأعداء وحرص الأبناء"، قدَّم له بما يأتي: مضى أربعة عشر قرنًا من الزمان، وأعداء الله لم يهدأ لهم بالٌ، ولن يهدأ، وكتاب الله موجود يؤرِّق نومهم، فالقضاء عليه هو الهدف والأمنية، هذا ما دفع "جلادستون" رئيس وزراء بريطانيا إلى أن يقول أمام مجلس العموم: "ما دام القرآن موجودًا فلن نستطيع السيطرة على الشرق، ولا أن نكون في أمان"، أمَّا المبشر "تاكلي" فيقول: "يجب أن نَستخدم القرآن - وهو أمضى سلاحٍ في الإسلام - ضدَّ الإسلام نفسه، حتَّى نقضي عليه تمامًا، يجب أن نبيِّن للمسلمين أن الصحيح في القرآن ليس جديدًا، وأن الجديد فيه ليس صحيحًا"؛ هكذا يريدون استئصالَ شجرة الإسلام، ولكن بأيدي مسلمين!





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • نفحات قرآنية (21)
  • نفحات قرآنية (22)
  • نفحات قرآنية (23)
  • نفحات قرآنية (24)
  • نفحات قرآنية (25)
  • نفحات قرآنية (27)
  • نفحات قرآنية (28)
  • نفحات قرآنية (29)
  • نفحات قرآنية (30)
  • نفحات قرآنية (31)

مختارات من الشبكة

  • نفحات قرآنية (17)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • نفحات رمضانية تدبرية: ثلاثون نفحة تدبرية (PDF)(كتاب - ملفات خاصة)
  • وأطل علينا شعبان بنفحة من نفحات الخير(مقالة - ملفات خاصة)
  • نفحات قرآنية في سورتي الكافرون والإخلاص(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)
  • نفحات قرآنية في سورتي الماعون والكوثر(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)
  • نفحات قرآنية في سور الشمس والضحى والعصر(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)
  • نفحات قرآنية في سورتي الفجر والبلد(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)
  • نفحات قرآنية في سورتي البروج والأعلى(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)
  • نفحات قرآنية في سورتي الانفطار والمطففين(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)
  • نفحات قرآنية في سور عم والنازعات والتكوير(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب