• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    التلاحم والتنظيم في صفوف القتال في سبيل الله...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أسس التفكير العقدي: مقاربة بين الوحي والعقل
    الشيخ حذيفة بن حسين القحطاني
  •  
    ابتلاء مبين وذبح عظيم (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    فضل من يسر على معسر أو أنظره
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    حديث: لا طلاق إلا بعد نكاح، ولا عتق إلا بعد ملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    كونوا أنصار الله: دعوة خالدة للتمكين والنصرة
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    لا تعير من عيرك
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    من مائدة التفسير: سورة النصر
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    أربع هي نجاة الإنسان في الدنيا والآخرة (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    وحدة المسلمين (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: { إذ قال الله يا عيسى ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    نعمة الماء (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    تدبر خواتيم سورة البقرة
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    قال ما أظن أن تبيد هذه أبدا (خطبة)
    حسان أحمد العماري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن
علامة باركود

القرآن (الوصف، والهداية، والأثر 2)

محمد عبدالعزيز الخولي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 26/1/2013 ميلادي - 14/3/1434 هجري

الزيارات: 7514

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

القرآن (الوصف، والهداية، والأثر 2)


القرآن هو الذي سلك للتأثير في النفوس وهدايتها إلى ما يحييها والأخذ بحجزاتها عما يشقيها - مسلكا خطابيًا أخَّاذًا جذابًا - قد ساير الحقائق جنبًا لجنب ولم يهم في أودية الخيال كما يهيم الشعراء وأكثر الخطباء، بل كان في بيانه الخلاب وعباراته العذبة، مقررًا للحقائق وداعمها بالآيات البينة والحجج الناطقة التي لا تقبل في شرعة الانصاف جدلا ولا مناقشة ولا حوارًا ولا مراجعة، ولذلك وصفه الله بقوله ﴿ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ ﴾ فذكر أنه بينات وبراهين ساطعات، ولكن لا كبراهين المنطقيين التي يشكلونها بأشكالهم المعروفة فإنها براهين جافة ربما مجتها النفوس واستثقلتها الطباع، وربما مكنت العقول في تعرفها وتفهم الصلة بين أولها وآخرها واعتصار نتائجها من مقدماتها – ربما مكثت وقتًا طويلا، ولا كذلك براهين القرآن فإنها لطيفة الملمس طيبة المخبر واضحة المقصد، تجاري الفطرة وتساير العقول، مع تأثير في النفس غريب يأخذ بها إلى مراتب الكمال.

 

فبينات القرآن مع ما فيها من التفرقة بين الحق والباطل هادية مرشدة تسلك بالإنسان سبيل الخير وتأخذ به عن مواطن الشر.

 

وإني لمتدبر معك أيها القارئ الآيات الأولى من سورة النحل - إلى قوله تعالى ﴿ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ ﴾ لتعرف صدق ما ذكرت وبرهان ما ادعيت. فإن هذه الآيات سيقت لإبطال أن يكون لله من خلقه شريك يعبد كما يعبد، ويدعى كما يدعى أو يتقرب به إلى الله زلفى.

 

فتراه في أول السورة يقول ﴿ أَتَى أَمْرُ اللَّهِ فَلَا تَسْتَعْجِلُوهُ ﴾ فبدأ كلامه بالوعيد وأنه مدرك المشركين لا محالة وقال ﴿ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ فنزه نفسه عن شركائهم، ونبا بشأنه عن شأنهم، وبين بعد أن القرآن أنزله فيما أنزل على من تخيره من عباده ليرشدهم إلى مصالحهم ويحذرهم بأس الله إن لم يرعووا عن شركهم ﴿ فما لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآَنُ لَا يَسْجُدُونَ ﴾ ألا فليتقوه وليخافوه ويحذروه فإن أخذه شديد، وإن عذابه أليم.

 

ثم أخذ في إقامة الحجة على إبطال الشركاء فذكر أنه خلق السماوات والأرض بالحق، ثم نزه نفسه عن الشريك وكأنه يشير بهذا التعقيب إلى أن من هذا صنعه لا ينبغي أن يُشرك به خلقه.

 

ثم ذكر خلقه للإنسان من النطفة وتربيته له حتى صيره بشرًا سويًا، فكان عليه أن يشكر له نعمة التربية ولكنه كفر بها واصبح لربه خصما مبينًا، بدفاعه عن الشرك ومحاماته عن الانداد. وذكر عقب ذلك خلقه للأنعام شارحًا ما لنا فيها من المصالح والمنافع بأسلوب بدع، وخلقه للخيل والبغال والحمير وما أعدت له، فانه يخلق ما لا نعلمه مما حَدّث به العصر من دراجات وسيارات وطيارات وغواصات وقطارات وباخرات، وكأنه بذلك يبين أنه قائم بتدبير شأن الإنسان وسد حاجه، وما اتخذوه من دون الله لا يقوم بشيء من ذلك فلِمَ يشرك به؟ ثم ذكر هذه الجملة ﴿ وَعَلَى اللَّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَمِنْهَا جَائِرٌ ﴾ ليبين نعمة أخرى له، نعمة الهداية والبيان للطريق الحق الذي إذا سلكه الإنسان نجا وإن تنكبه ضل وغوى.

 

ثم رجع إلى تعداد نعمه، فذكر الماء وآثاره الجمة من إحيائه للإنسان وانباته للاشجار التي يُسيم فيها الحيوان، وفصلها بالزرع والزيتون والنخيل والاعناب ومن كل الثمرات، وحثنا على التفكر فيها لاستنباط العبر منها والوصول إلى معرفة بارئها المعرفة اللائقة بجلاله وعظمته وأنه جدير بالتوحيد والافراد بالعبادة والخضوع، وذكر بعدُ خلقه للَّيل والنهار -الأول للإنسان لباس، والثاني له معاش - وخلقه للشمس والقمر، اللذين هما آيتا الليل والنهار، وأنهما والنجوم خاضعات لأمر الله تعالى لا تخرج عن نظامه الذي أبدعه، ولا عن سننه الذي وضعه. وفي ذلك آية بينه لمن عقل وتفهم وتبصر وتدبر.

 

وذكر بعد ذلك أنه خلق في الأرض أشياء مختلفة في الأشكال والألوان والطبائع والمنافع، وأن فيها آية للمتفكرين.

 

وذكر البحار وثمراتها من الاسماك والحلي، وسير الفلك فيها لابتغاء الرزق والعلم. وذكر الجبال والأنهار والسبل التي يهتدي بها السائر كما يهتدي بالنجوم.

 

ذكر كل هذه المخلوقات العظيمة التي غمر الانسان بمزاياها ومنافعها وسلطه على تسخيرها في تدبير شؤونه وتوفير حاجه – ذكرها الابطال الشركاء كما نبينه، ولكنه لم يسردها سردًا ولم يعدها عدًا كما نعد الاشياء، بل أفادك في الاثناء معلومات قيمة وثمرات طيبة، وحثك على أن تنفذ منها إلى عظمة مبدعها. فلم يكن العد بذلك ثقيلا على النفس بل كان حلوًا مستمرًا شهيًا مستطابًا ينسيك كثرة المعدود ما حف به من مزايا الموجود ثم خلص من عد المخلوقات إلى هذه الجملة الحكيمة التي لا تستقر إلا في هذا الموضع ﴿ أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ ﴾ فأتم بذلك الحجة على أن من لا يملك لنفسه ضرًا ولا نفعًا ولا يخلق شيئًا لا ينبغي أن يكون لله ندًا ﴿ إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا ﴾ فألقم المشركين بذلك حجرا ولم يبق لهم عذرا.

 

وكأني بالقارئ وقد وصل إلى هذه الجملة، وقد تدبر ما سبقها وفكر فيما تقدمها وقف مبهوتًا صاغرًا أمام هذه الطريقة المثلى التي سلكها القرآن في حجاجه، وبرهن بها على صدق قضاياه وصحة نظرياته، طريقة تخر لها طرق المناطقة ساجدة مسبحة لله ممجدة.

 

وانظر كيف عقبها الله بقوله ﴿ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ ﴾ حثًا لنا على الادكار والاعتبار، فإن الذاكرين المفكرين هم الذين يقفون على اسرار القرآن، وهو الذي تخالط حلاوته بشاشة قلوبهم، وتروى منه أفئدتهم، وتحيا به عقولهم. أما الذين يمرونه على ألسنتهم مرًا لا يجاوز تراقيهم ولا يعدو آذانهم فأولئك في قلوبهم عمى لا يبصرون في القرآن هدى.

 

كما عدد كثيرًا من النعم قبل هذه النتيجة الحكيمة عقبها بأن نعم الله لا تقف عند ما فصل وبين، بل هي لا يحصيها العد ولا يضبطها القلم. فكيف يسوى رب هذه نعمه بمخلوق هذا شأنه؟ إن ذلك لوزر كبير وظلم عظيم يستدعي مؤاخذة عاجلة ومناجزة قاتلة. ولكن الله رحيم بعباده، يؤخر عقابه رجاء أن يثوبوا إلى رشدهم ويرجعوا عن غيهم.

 

ثم ذكر تعالى أنه يعلم سرهم وعلانتيهم، وآلهتهم لا تعقل ولا تفهم ولا تبصر ولا تسمع، فلا سبيل لها إلى المعرفة، فكيف تسوى بمن أحاط بكل شيء علما؟.


ثم ترقى جل شأنه في البرهان فبين أن هذه الآلهة مع كونها لا تخلق شيئًا فلا تسوى بالخالق - هي لله ملخوقة ولمعونته محتاجة، فكيف نستنصر بعاجز ضعيف ونترك قويا قهارا؟ كيف نستنجد بالأموات وندع رب الكائنات؟ ثم صرح بالدعوة التي ذكرها أول السورة فقال {إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} وبين أن الحامل لهؤلاء الكفار على مجانبة هذه الدعوة مع وضوح دليلها ونصوع برهانها وبداهة مقدماتها إنما هو استكبارهم وعنادهم وبغيهم واستعلاؤهم وقد قال تعالى ﴿ سَأَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِنْ يَرَوْا كُلَّ آَيَةٍ لَا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِنْ يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُوا بِآَيَاتِنَا وَكَانُوا عَنْهَا غَافِلِينَ ﴾.

 

وحجاج القرآن كله على هذا النحو البدع الذي تسترسل معه النفس، ويسلس به قياد العقل. انظر قوله تعالى حكاية عن واعظ المدينة ﴿ أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آَلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ * إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ﴾ وتأمل مجادلته لأهل الكتاب ﴿ وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آَمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ﴾ وتبصر قوله ﴿ وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْءانُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ * أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ ﴾ وقوله للذين طعنوا على القرآن بنزوله مفرقا ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلَا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآَنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا * وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا ﴾ وفي مثل هذا المعنى قوله تعالى ﴿ وَقُرْآَنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا ﴾ وانظر رده تعالى على الذين اقترحوا على محمد صلى الله عليه سلم انزال آيات معينة ليؤمنوا به يأخذك العجب ويستولي عليك الدهش من قوة الجواب وقضائه على كل شبهة وازالته لكل قترة. وذلك في قوله تعالى ﴿ وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا * أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهَارَ خِلَالَهَا تَفْجِيرًا * أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا[1] أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلَائِكَةِ قَبِيلًا[2] * أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ[3] أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلَّا بَشَرًا رَسُولًا ﴾.

 

ولولا إطالة الموضوع به لسردت لك الكثير من أمثال ذلك ونحن إنما يهمنا تنبيهك بالأمثلة إلى تلك الخطة الحكيمة التي ارتسمها القرآن في الاستدلال فألان بها الطباع الجامدة وحرك بها النفوس الساكنة وفتح بها أعينًا عميًا وآذانًا صما وقلوبًا غلفا. فإذا أردت أن تحسن الجدال وتأخذ به الخصوم وتدرك به الغاية وتقطع العذر على معارضيك فانهج منهج القرآن فانه أهدى سبيلا وأقوم قيلا وأحسن تأويلا.

 

القرآن هو الكتاب الذي إذا لازمه الانسان واتخذ منه خليلا جليسًا وسميرا أنيسًا وأقبل عليه يتلوه حق تلاوته، يتفقهه كلمة كلمة، وجملة جملة وآية آية، وسورة سورة - أفاض عليه من الهداية ما يجعله كبير العقل صادق الرأي نافذ البصيرة قوي الحَدْس طاهر النفس يأتي كل خير ويذر كل شر ﴿ إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ﴾ ولقد تأثر به الجن ساعة سمعوه وامتلأت قلوبهم بمحبته وإجلاله حتى أسرعوا لدعوة قومهم إليه ﴿ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآَنًا عَجَبًا * يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآَمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا ﴾ و﴿ قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾.

 

وكيف لا يكون للقرآن في النفوس هذا الاثر وله عليها هذا السلطان يفعل فيها ما لا تفعله القوى القاهرة وقد وصفه الله بقوله ﴿ لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآَنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ ﴾.

 

ولأن القرآن الأستاذ الكبير والمربي العظيم ذو الارشاد الحميد والأثر المجيد أمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم بتلاوته خصوصًا في وقت هدوء الليل وسكون الناس وراحة النفس وصفاء العقل وخلوه من الشواغل والاسترسال وراء الحس فقال له ﴿ أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآَنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا[4]﴾ فالنفس تشهده القلب يحضره. وقال له ﴿ يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا * إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا ﴾ فامره بترتيل القرآن ليقوي نفسه فتستطيع القيام باعباء الرسالة والدعوة إلى الله والصبر على مناوأة الاعداء.

 

وانى وربك لمحدثك عن مشاهدة ومخبرك عن عيان ما وجدت معضدا على تحمل متاعب الحياة ولا مخففًا لنوائبها ولا مذيبًا لشدائدها ولا مسليا عن فائتها أكبر من هذا القرآن، إنه ليحيل التعب في سبيل الجهاد إلى راحة والألم إلى لذة والشقاء إلى سعادة وإن الخطب لينتابك وقد كبر عليك حلوله وهالك نزوله فإذا ما لجأت إلى القرآن وتدبرت آياته وتفهمت عظاته وقرأت من قصص المرسلين والأئمة المصلحين وما أصابهم من ضروب الايذاء وسهام الاعداء دق الجليل وهان العظيم وتبددت الاحن وكأن لم تكن نائبة. وإذا ساورتك الهموم ومتلكتك الاحزان ففرق جيشها بآي القرآن واملأ قلبك بخشية الديان فلا ترى غمًا ولا هما ولا حزنا ولا ألما.

 

وكان خليقا بالمسلمين وقد يسر الله لهم القرآن وسهل عليهم حفظه وارخص لهم ثمنه حيث أوجد المطابع التي كثرت بها المصاحف كثرة لم يبق معها اقتناء المصاحف على أي أحد عسيرا، خليق بالمسلمين والحالة هذه ان يهبوه من وقتهم ولو قليلا ومن تفكيرهم ولو يسيرا ولا يضنوا عليه بعشر ما ينفقونه في قراءة الفقه والاصول وكتب الكلام والفلسفة، بله القصص والروايات والاساطير والخرافات ولكن هجروا القرآن وصدق عليهم قول الرسول صلى الله عليه وسلم فيما يحكي عنه ربه ﴿ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآَنَ مَهْجُورًا ﴾ فهل لهم أن يعودوا إلى حصنهم الحصين وناصحهم الأمين وإنه لبين أيديهم؟﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾.

 

(يتبع)


المصدر: مجلة الإصلاح، العدد السابع والثامن، جمادى الثانية 1347هـ، ص10



[1] قطعاً.

[2] جماعة.

[3] ذهب.

[4] في البخاري في كتاب التفسير عند قوله تعالى ﴿ إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ﴾ عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال «فضل صلاة الجميع على صلاة الواحد خمس وعشرون درجة, وتجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الصبح» يقول أبو هريرة اقرؤوا إن شئتم ﴿ وقرآن الفجر إِنَّ قُرْآَنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا ﴾. ا هـ. فهذا يدل على أن قرآن الفجر غير التهجد في الليل.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • القرآن (الوصف، والهداية، والأثر 1)

مختارات من الشبكة

  • كلمات وصفت القرآن(مقالة - آفاق الشريعة)
  • واجبنا نحو القرآن الكريم (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بيان معجزة القرآن بعظيم أثره وتنوع أدلته وهداياته(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أثر القرآن الكريم في الخطاب النثري الأندلسي في القرن الخامس الهجري(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • أثر القرآن الكريم في هداية النفوس(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أسماء القرآن وأوصافه في القرآن الكريم " جمع ودراسة "(رسالة علمية - مكتبة الألوكة)
  • مفهوم الأثر عند المحدثين وبعض معاني الأثر في القرآن(مقالة - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • من الذي يهتدي بالقرآن؟ القرآن كتاب هداية ونور وبصيرة وبشارة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التربية في القرآن الكريم: ملامح تربوية لبعض آيات القرآن الكريم - الجزء الثاني (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • محاضرات في الدفاع عن القرآن: المحاضرة الرابعة: رد دعوى الطاعنين بالقول بنقص القرآن(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 14/11/1446هـ - الساعة: 17:59
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب