• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / عقيدة وتوحيد / الموت والقبر واليوم الآخر
علامة باركود

الغفلة عن الموت

الغفلة عن الموت
أحمد محمد مخترش

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 22/1/2013 ميلادي - 10/3/1434 هجري

الزيارات: 591872

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الغفلة عن الموت


الخطبة الأولى

الحمد لله العليم الحكيم؛ خلق عباده فقسم أرزاقهم، وضرب آجالهم، فلا يتقدم الموت على أحد قبل أجله، ولا يتأخر عنه ﴿ وَلَنْ يُؤَخِّرَ اللهُ نَفْسًا إِذَا جَاءَ أَجَلُهَا وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [المنافقون:11]. نحمده على ما أعطانا، ونشكره على ما أولانا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ لا يقضي على المؤمن بقضاء إلا كان خيرا له، فمن رضي فله الرضا ومن سخط فعليه السخط، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله؛ صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه؛ والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

أما بعد:

أيّها المسلمون، إنكم في دارٍ ليست للبقاء وإن تراخى العمر وامتدَّ المدى. أيّامُها مراحل، وساعاتها قلائل، والمرءُ لا شكَّ عنها راحِل. شبابُها هرَم، وراحتُها سَقَم، ولذّاتُها نَدَم. الدنيا قنطرةٌ لمن عَبَر وعبرةٌ لمن استبصَر واعتبر، ﴿ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ ( آل عمران:185).

 

فاستبقوا الخيرات، وبادِروا قبل أن تتمنّوا المهلةَ وهيهاتَ هيهات، ولا تغترّوا بحياةٍ تقود إلى الممَات، لا يُرى في حُشودِها إلاّ الشتات، ولا يُسمَع في ربوعِها إلا "فلان مرِض" و"فلان مات".

 

أيّها المسلمون:

الدنيا قد آذنت بالفِراق، فراق ليس يشبهُه فراق، قد انقَطع الرجاءُ عنِ التلاق، ﴿ وَالْتَفَّتْ السَّاقُ بِالسَّاقِ إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ ﴾ (القيامة:29، 30).  فطوبى لمن فرَّ من مَواطِن الرِّيَب ومواقِع المقتِ والغضَب، مستمسِكًا بدينه، عاقدًا عليه بكِلتا يدَيه، قد اتَّخذه من الشّرور ملاذًا ومن الفِتنِ مَعاذًا. ويا خسارَ من اقتَحَم حِمى المعاصي والآثام، وأَرتعَ في الموبقاتِ العِظام، وأحكَم عَقدَ الإصرارِ على الذنوبِ والأوزار. هلك المصِرّ الذي لا يُقلِع، وندِم المستمرُّ الذي لا يَرجِع، وخابَ المسترسِلُ الذي لا ينزِع، ﴿ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ ﴾ (الحجرات:11).

 

وما أقبحَ التفريطَ في زمن الصِّبا فكيـف به والشيبُ نازل؟!

ترحّل عن الدنيا بزادٍ من التُّقى فعُمرك أيّـام تُعَدّ قلائـل

 

عباد الله:

اعلموا يا رعاكم الله أن الموت مهلك العباد، وموحش البلاد، وميتم الأولاد، ومُذل الجبابرة الشداد، لا يعرف الصغير ولا يميز بين الوضيع والوزير، سيوفه على العباد مصلته، ورماحه على صدورهم مشرعة، وسهامه لا تطيش عن الأفئدة، فكم شيّعنا من الأقران، كم دفنّا من الإخوان، كم أضجعنا من الجيران، كم فقدنَا من الخِلاّن. فيا مَن يُقصدُ بالموت ويُنحَى، يا من أسمعته المواعظُ إرشادًا ونُصحًا، هلاّ انتهيتَ وارعَوَيت، وندمتَ وبكَيت، وفتحتَ للخير عينَيك، وقُمتَ للهُدى مَشيًا على قدمَيك، لتحصُل على غايةِ المراد، وتسعَد كلَّ الإسعاد، فإن عصيتَ وأبيت وأعرضتَ وتولّيت حتى فاجأك الأجل وقيل: "ميْت" فستعلم يومَ الحساب مَن عصَيت، وستبكي دمًا على قُبح ما جَنيتَ، ﴿ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنْسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ﴾.

 

واعلمو أن الموت هو مفارقة الروح الجسد، وإنه انتقال من حال إلى حال ومن دار إلى دار، ولقد سمى الله الموت في كتابه مصيبه كما قال جل في علاه: ﴿ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ ﴾ (المائدة: 106) نعم الموت مصيبة لكن المصيبة الأعظم هي الغفلة عن الموت عدم تذكر الموت عدم الاستعداد للموت، لقد أوعظنا النبي - صلى الله عليه وسلم - بموعظة من أبلغ مواعظه تلين القلوب وتدعو إلى المحاسبة وتذكرنا بالآخرة فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((أكثروا من ذكر هاذم الذات )) نعم أيها الغالي يوم غفلنا عن الموت وسكرته والقبر وظلمته والسؤال وشدته ويوم القيامة وكرباته والصراط وحدته، يوم غفلنا عن هذه الأشياء قست القلوب وظهر الفساد في البر والبحر، فاعلمو عباد الله إن من كان للموت ذاكراً كان للموت مستعـداً، قال أبو علي الدقاق (من أكثر من ذكر الموت أكرم بثلاث أكرم بتعجيل التوبة ونشاط في العبادة وقناعة في القلب، ومن نسي الموت عوقب بثلاث تسويف في التوبة وكسل في العبادة وعدم القناعة في القلب )، وذكر الموت يقلل كل كثير ويكثر كل قليل، ويزهد في الدنيا، ويعين على العمل الصالح والإكثار من ذكر الله هو سبيل المؤمنين وعباد الله المتقين.

 

كان الحسن بن يسار كثيراً ما يقول: "يا ابن آدم! نطفة بالأمس، وجيفة غداً، والبلى فيما بين ذلك يمسح جبينك كأن الأمر يعني بع غيرك،إن الصحيح من لم تمرضه القلوب، وإن الطاهر من لم تنجسه الخطايا، وإن أكثركم ذكراً للآخرة أنساكم للدنيا، وإن أنسى النّاس للآخرة أكثرهم ذكراً للدنيا، وإنّ أهل العبادة من أمسك نفسه عن الشر، وإن البصير من أبصر الحرام فلم يقربه، وإنّ العاقل من يذكر يوم القيامة ولم ينس الحساب". إذاً يا رعاك الله مما يرقق القلوب التفكر في الموت وفي أحواله وفي القبر وظلماته، فبالله عليك أخي هل تفكرت يوماً وأنت تخرج في الصباح أنك لن ترجع إلى بيتك مرة ثانية، هل تفكرت أن هذا اليوم هو آخر يوماً لك في الحياة، هل إذا أتاك ملك الموت في هذا اليوم أنت راض عن نفسك، هل أنت راضٍ عن عملك الذي ستقابل به ربك؟ هل تخيلت حالك قبيل الموت كيف تكون؟ هل تخيلت أنفاسك الأخيرة على أي حال ستنقضي وهل ستكون ممن يحبون القدوم على ربهم أم ستكون كالعبد الآبق يطلب الرجعة؟ فيا أخي أنت الآن في مهلة فاغتنم فرصة العمل قبل انقضاء الأجل، فوالله لا ينفعك أن تقول: ﴿ رَبِّ ارْجِعُونِ ﴾ فلا تغفل أيها الغالي عن الموت فإنه ليس له مكان معين، ولا زمن معين، ولا سبب معين، ولا عمر معين يأتيكم بغته وأنتم لا تشعرون ﴿ قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ (الجمعة: 8).

 

عباد الله:

إن الناس عند الموت على حالين إما محبٌ للقاء الله فيحب الله لقائه، وإما كارهٌ للقاء الله فيكره الله لقائه، قالت عائشة يا رسول الله كلنا يكره الموت قال: (( لا يا عائشة ليس ذاك لكن هو العبد الصالح - العبد المستقيم – عند سكرات الموت تأتيه ملائكة الرحمن تبشره بروح وريحان ورب راضي غير غضبان فيفرح بلقاء الله فيفرح الله بلقائه، أما العبد العاصي – العبد الغافل – فتأتيه ملائكة الرحمن تبشره بسخط وعذاب من الله فيكره لقاءِ الله فيكره الله لقائه )). فاستعدوا للموت عباد الله قبل أن يفاجئكم، قال أبو الدرداء رضي الله عنه وهو يحتضر( ألا رجل يعمل لمثل مصرعي هذا ألا رجل يعمل لمثل ساعتي هذه؟ ألا رجل يعمل لمثل يومي هذا؟ ثم بكى فقالت له امرأته: أتبكي وقد صاحبت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: ومالي لا أبكي ولا أدري علام أهجم من ذنوبي )، وبكى أبو هريرة رضي الله عنه في مرضه فقيل له ما يبكيك فقال:( أما إني لا أبكي على دنياكم هذه ولكني أبكي على بعد سفري وقلة زادي وإني أصبحت في صعودٍ مهبط على جنة أو نار ولا أدري أيهما يأخذ بي ).

 

فتخيل يا عبد الله نفسك وأنت على فراش الموت تعاني مرارة الموت، وتخيل ممشاك إلى القبر، وتخيل مبيتك فيه وحيداً فريداً في حفرة ضيقة مظلمة مغلقة محكمة، تخيل أول ليلة تبيتها وأول نزلة تنزلها وأول سؤال تسمعه في القبرمن ربك ما دينك ماذا تقول في الرجل الذي بعث فيكم، تخيل ذلك وتخيل حالك كيف سيكون حينها، عن أنس رضي الله عنه قال:( ألا أحدثكم بيومين وليلتين لم تسمع الخلائق بمثلهن أول يوم يجيئك البشير من الله تعالى إما برضاه وإما بسخطه، ويوم تعرض فيه على ربك آخذ كتابك إما بيمينك أو بشمالك، وليلة تستأنف فيها المبيت في القبور وليلة تمخض صبيحتها يوم القيامة).

 

فاعلم أخي أن الموت هو الخطب الأفظع والأمر الأشنع والكأس التي طعمها أكره وأبشع وأنه الحادث الأهدم للذات والأقطع للراحات والأجلب للكربات والمفرق للجماعات، فإن أمراً يا رعاك الله يفرق أعضائك ويقطع أوصالك ويهدم أركانك لهو الأمر العظيم والخطب الجسيم.

 

فيا أيها الناس:

قد آن للنائم أن يستيقظ من نومه، وحان للغافل أن ينتبه من غفلته قبل هجوم الموت بمرارة كأسه وقبل سكون حركاته وخمود أنفاسه وقبل رحلته إلى قبره وخلوده بين أرماسه. فمثل لنفسك يا مغرور فمثل يا رعاك الله وقد حلت بك السكرات ونزل بك الأنين والغمرات والناس من حولك مجتمعون تسمع كلامهم وتريد أن تكلمهم فلا تستطيع، فخيل لنفسك يا ابن آدم إذا أخذت من فراشك إلى لوح مغتسلك فغسلك المغسل وأنت جثة هامدة لا حركة ولا نفس وألبست الأكفان وأوحش منك الأهل والجيران وبكت عليك الأصحاب والأخوان وصلو عليك صلاة لا ركوع ولا سجود لها وحملوك إلى القبر وأنزلوك فيه وأدخلوك في ذلك اللحد الضيق المظلم ثم هلو عليك التراب وانصرفوا عنك وتركوك وحيداً، لا صديق ولا قريب الكل سينصرف عنك حينها ولا يبقى معك إلا ما قدمت من عمل، فتخيل ذلك وتخيل جلوسك لسؤال وما جوابك لهذا السؤال.

 

عباد الله:

إن الموت ساعة لا بد منها طال العمر أو قصر وإنه لو كان الموت هو نهايتنا ولو أننا من بعده تركنا لـكان الموت أهون علينا بل إن هناك أمور وأهوال وشدائد من بعد الموت هناك بعث ونشور وحشر وجزاء وحساب في محكمة قاضيها هو الله وجنوده الزبانية وساحتها القيامة، وأن هناك صراط وجنة ونار، فاستعد أخي لهذه الأهوال.

 

عباد الله:

إذا كان هذا الأمر قد أصاب الأنبياء والمرسلين والأولياء المتقين فمالنا عن ذكره مشغولين وعن الاستعداد له متخلفين، فلمثل هذا اليوم أخي فلتعد الزاد، ولمثل هذا اليوم فلتهجر العناد والفساد، ولمثل هذا اليوم فلتتقي رب العباد. فيا عبد الله ألا دموع تذرفها، ألا زفرات تنفثها، ألا توجعات من بين الضلوع تخرجها، حقا يا عباد الله قست القلوب وران عليها غطاء الذنوب نودع الأموات وها نحن قبل الممات أموات.

 

عباد الله:

إنه كأس الموت وهو حُكم الحي الذي لا يموت تبارك وتعالى، فهل تذكرت يوماً أخي أنك ستتجرع يوماً هذا الكأس حتى النهاية، فيا كثير السيئات غداً ترى عملك، ويا هاتك الحرمات إلى متى تديم زللك، ويا آكلاً لحوم الناس بالغيبة والنميمة ويا مفرط لصلوات ويا هاجراً للقرآن وعاكفاً على الأغاني والأفلام الخليعة والملهيات إلى متى سيبقى هذا هو حالك وإلى متى ستبقى تعصي رب الأرض والسماوات، أأمنت الموت وسكرته أم أنك أيقنت أنك ستعيش إلى الغد، أما تعلم أن الموت يأتي بغتة والقبر صندوق العمل، أما تعلم أن الموت يسعى في تبديد شملك، أما تخاف أن تؤخذ على قبيح فعلك، وا عجباً لك من راحل تركت الزاد في غير رَحَلِك، أين فطنتك ويقضتك وتدبير عقلك؟ أما بارزت بالقبيح فأين الحزن؟ أما علمت أن الحق يعلم السر والعلن؟ ستعرف خبرك يوم ترحل عن الوطن، وستنتبه من رُقادك ويزول هذا الوسن، قال يزيد بن تميم (من لم يردعه الموت والقرآن ثم تناطحت عنده الجبال لم يرتدع ).

 

عباد الله:

إن الموت حق لا ريب فيه ويقين لا شك فيه، فمن يجادل في الموت وسكرته،ومن يخاصم في القبر وضمته، ومن يقدر على تأخير موته وتأجيل ساعته، ﴿ فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ ﴾ فلماذا تتكبر أيها الإنسان وسوف تأكلك الديدان، ولماذا تطغى وفي التراب ستلقى، فيا عبد الله لا تغفل عن الموت وأعد الزاد لحين خروج الروح ومفارقتها جسدك لعل الله يرحمك ويختم لك بالصالحات أعمالك.

 

الموت يردع عن المعاصي، ويُلين القلب القاسي، فما الذي جرى للناس؟ ألم يقل طبيب القلوب - صلى الله عليه وسلم -: "أكثروا من ذكر هاذم اللذات"؟ ألم يرو عنه - صلى الله عليه وسلم -: "كفى بالموت واعظا"؟! فمن لم يعظه الموت فمَن؟ ومن لم تعظه مشاهد الاحتضار فمن؟ ومن لم تعظه سكرات الموت فمن؟ ومتى العمل؟ يا غفلاً عن الموت؟ أعند نزول الموت؟ أمبعد الموت؟ أمفي القبر؟ هيهات هيهات! لا إله إلا الله! كيف لا نرى حالنا؟ والموت أمامنا والقبر منامنا، والقيامة موقفنا، وجسر جهنم طريقنا، ولا ندري ما يفعل بنا. فيا كثير السيئات! إن للموت سكرات! يا هاتك الحرمات! إن للقبر ظلمات! يا صاحب الشهوات! إن للنار زفرات! اسأل نفسك ماذا أعددت لكل هذا؟ حسرات، عبرات، سكرات، قبور موحشات، عظام نخرات، يا أسير الغفلات!.

ولو انا إذا مِتْنَا تُرِكْنَا
لكان الموتُ غايةَ كُلِّ حيِّ
ولكنَّا إذا متنا بُعثنا
ونُسأل بعده عن كل شيء

 

معاشر المسلمين:

إذا كان الموت مصير كل حي ونهاية كل شيء ألا يتعظ العاقل وينزجر الغافل من الغفلة عن المصير، والسؤال عن الكبير والصغير؟ ﴿ قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ (الجمعة:8).

 

اليوم تُعزِّي وغدا يعزى فيك، واليوم تبكي وغدا يبكى عليك.

وإذا حَمَلْتَ إلى القبور جنازةً
فاعلَمْ بأنَّكَ بعدها محمولُ

 

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [آل عمران: 185].

 

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

 

الخطبة الثانية

الحمد لله حمدا طيبا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.

 

أمّا بعد: عباد الله:

قد روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: " ما من بيت إلا وملك الموت يقف على بابه في كل يوم خمس مرات، فإذا وجد إنساناً قد نفد رزقه وانقطع أجله ألقى عليه غم الموت؛ فغشيته كرباته وغمراته، فإذا جزع أهله من مصابه وحزنوا على فراقه قال لهم ملك الموت: ويلكم، مِمَّ الفزع وفيم الجزع؟ فما أذهبت لواحد منكم رزقاً ولا قربت له أجلاً، ولا أتيته حتى أمرت، ولا قبضت روحه حتى استأمرت، وإن لي فيكم عودة ثم عودة حتى لا أبقى فيكم أحداً ".

 

ويروى عنه - صلى الله عليه وسلم -: " فوالذي نفسي بيده لو يرون مكانه ويسمعون كلامه لذهلوا عن ميتهم ولبكوا على أنفسهم، حتى إذا حمل الميت على سريره أو على نعشه رفرف روحه فوق نعشه وينادي: يا أهلي ويا ولدي! لا تلعبن بكم الدنيا كما لعبت بي؛ جمعت المال من حله ومن غير حله ثم خلفته لغيري؛ فالهناة له والتبعة عليّ. فاحذروا مثل ما حل بي ".

 

فيا عبد الله:

تذكر هذه اللحظة الحاسمة فإنها لحظة فضيحة وكرامة يفضح فيها العصاة إذا أنخضلوا، ويكرم فيها المؤمن بالثبات. فالتقوا الله عباد الله وأبكوا على أنفسكم قبل أن يبكى عليكم، وحاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، واحملوا أنفسكم على الطاعات قبل أن تحملوا على الرقاب، واستعدوا للموت قبل أن ننادي بأعلى الصوت رباه ارجعون فلا يستجاب لنا. والاستعداد للموت ليس بالأماني الباطلة والألفاظ المعسولة بل هو بهجر المنكرات، والثواب إلى رب الأرض والسموات، وإزالة الشحناء والبغضاء والعداوة من القلوب وبر الوالدين وصلة الرحم.

 

ولكن يا عبد الله متى يستعد للموت من تظلله سحائب الهوان ويسير في أودية الغفلة؟! متى يستعد للموت من لا يبالي بأمر الله في حلال أو حرام؟! متى يستعد للموت من هجر القرآن، والمساجد، ومن أكل أموال النّاس بالباطل وأكل الربا وارتكب الزنا والواط والمحرمات؟! كيف ومتى سيستعد للموت من لوث لسانه بالغيبة والنميمة وامتلأ بالحقد والحسد وضيع أوقات عمره في تتبع عورات المسلمين والوقوع في أعراضهم؟! فلن نستعد إخوة الإيمان ولنتعظ بما نراه في المقابر ونعتبر، فحامل الجنازة اليوم محمول غدًا، ومن يرجع من المقبرة إلى بيته سيُرجع عنه غدًا، ويُترك وحيدًا فريدًا مرتهنًا بعمله، فإن خيرًا فخير وإن شرًا فشر.

 

فيا من قطَعْتَ صلتك بالمساجد، ماذا تقول إذا بلغت الروح الحلقوم؟ ويا مَن أنشأت أولادك على الفساد، وجلبت لهم ما يسيء إلى القيم والاعتقاد، ويا مَن أدمنت الخمور، ويا من تسعى في أذية الناس، ويا من وقعت في الزنا وهتك الحرمات، ويا مَن ظلَمْتَ العباد وسعيت بالفساد، ما هو حالك عند الموت، وماهي خاتمتك، وهل ستوفق للنطق بالشهادتين عند الموت أم سيُحال بينك وبينها كما فعل بغيرك؟! ﴿ وَحِيلَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ مَا يَشْتَهُونَ كَمَا فُعِلَ بِأَشْيَاعِهِمْ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا فِي شَكٍّ مُرِيبٍ ﴾ [سبأ: 54]

 

فيا أيّها المذنب وكلنا كذلك عد إلى ربّك وجدد التوبة قبل فوات الأوان ولات ساعة مندم، فالحذر الحذر يا عبدالله والبدار البدار والتوبة التوبة وعلينا جميعاً الاستعداد لذلك اليوم وتلك النهاية كما كان هو دأب السلف الصالح. فلموت قادم إلينا لا محاله منه ولا مفر، فلنصلح البقية الباقية من أعمارنا في عبادة الله عز وجل، فوالله ما خلقنا إلا لعبادة سبحنه.

 

 

فاتقوا الله عباد الله، وصلوا وسلموا على من أمركم الله بالصلاة عليه فقال: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه، وارض اللهم عن البررة الأتقياء، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن جميع الصحابة والتابعين لهم بإحسان.

 

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، واحم حوزة الدين، واجعل هذا البلد آمناً مطمئناً وسائر بلاد المسلمين يا رب العالمين. اللهم آمنا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين.

 

اللهم وفق ولي أمرنا خادم الحرمين لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال يا حي يا قيوم، اللهم أصلح له بطانته يا ذا الجلال والأكرام.

 

اللهم اجعل خير أعمارنا أخرها وخير أعمالنا خواتيمها وخير أيامنا يوم نلقاك، اللهم أطل أعمارنا وأصلح أعمالنا، اللهم امنن علينا بتوبة نصوح قبل الموت وشهادة عند الموت ورحمة بعد الموت يا رب العالمين. اللهم اختم لنا بخاتمة السعادة، واجعلنا ممن كتبت لهم الحسنى وزيادة، يا كريم يا رحيم.

 

عباد الله:

إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون، فذكروا الله الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • لماذا تهاب الموت؟
  • لحظات قبل الموت
  • الموت وعظاته
  • الغفلة المحمودة والغفلة المذمومة
  • الموت حق على الإنس والجن
  • إذا جاءت سكرة الموت فلا فوت
  • معنى تردد الله - سبحانه وتعالى - في قبض نفس المؤمن
  • الغفلة عن ذكر الله ( خطبة )
  • موعظة عن الموت (خطبة)
  • الامتحان الأكبر (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • احذروا الغفلة ( دراسة لمواضع الغفلة في القرآن PDF )(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الصوم علاج الغفلة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الدرس التاسع: الغفلة(مقالة - ملفات خاصة)
  • الغفلة: أسبابها وعلاجها(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تحذير الصفوة من أدران الغفلة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أسباب الغفلة (خطبة)(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • آثار الغفلة (خطبة)(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • تحذير الوسنان من الغفلة عن رمضان (خطبة)(مقالة - ملفات خاصة)
  • داء الغفلة (خطبة)(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • الغفلة (خطبة)(مقالة - موقع الشيخ أحمد بن حسن المعلِّم)

 


تعليقات الزوار
6- تثمين
فاطمة السوداني - موريتانيا 27-01-2023 05:16 PM

جزاكم الله خيرا
خطبة مفيدة

5- شكرا
كمال يجر - تونس 07-06-2018 02:39 PM

نشكركم على أعمالكم الجليلة وأفكارهم المستنيرة جعلها الله في ميزان حسناتكم وجزاكم عنا خير الجزاء

4- بادروا بالأعمال الصالحة
عرفان - نيبال 03-11-2017 08:31 AM

بادروا بالأعمال الصالحة فكم من صحيح مات من غير علة - وكم من سقيم عاش حينا من الدهر.

أسأل الله التوفيق والسداد للجميع

3- مفزع
محمد الأمين - guine bissau 14-10-2016 01:34 AM

إن الموت لمفزع

2- كفي بالموت واعظا
أم محمد - السودان 09-08-2016 10:36 AM

اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك جزاكم الله ألف خيروجعله في ميزان حسناتكم

1- تشجيع للإخوة
الشيخ أحمد التجاني انجاي - السنغال 02-05-2016 01:07 AM

نشكر الإخوة الذين قاموا بهذه الأعمال الجليلة خدمة للإسلام والمسلمين وندعو لهم النجاح والتوفيق.

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب