• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطر الظلمات الثلاث
    السيد مراد سلامة
  •  
    تذكير الأنام بفرضية الحج في الإسلام (خطبة)
    جمال علي يوسف فياض
  •  
    حجوا قبل ألا تحجوا (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    تعظيم المشاعر (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرفيق، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (10)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    القلق والأمراض النفسية: أرقام مخيفة (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    آفة الغيبة.. بلاء ومصيبة (خطبة)
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    تخريج حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    الإسلام هو السبيل الوحيد لِإنقاذ وخلاص البشرية
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    خطبة: فاعبد الله مخلصا له الدين (باللغة
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    المحافظة على صحة السمع في السنة النبوية (PDF)
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    اختيارات ابن أبي العز الحنفي وترجيحاته الفقهية في ...
    عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد التويجري
  •  
    القيم الأخلاقية في الإسلام: أسس بناء مجتمعات ...
    محمد أبو عطية
  •  
    فوائد من حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث ...
    محفوظ أحمد السلهتي
  •  
    لم تعد البلاغة زينة لفظية "التلبية وبلاغة التواصل ...
    د. أيمن أبو مصطفى
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن
علامة باركود

في رحاب آية

نور الدين قوطيط

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 7/1/2013 ميلادي - 24/2/1434 هجري

الزيارات: 19724

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

في رحاب آية


﴿ طه * مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى * إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى * تَنْزِيلاً مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَوَاتِ الْعُلَى * الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ [طه: 1 - 5].

 

هذا القرآن بمنهجه الواسع الشامل - عقائد وأخلاقًا، وشرائع وأخبارًا - لم ينزل لكي يشقى به الإنسان، بل نزل ليسعد بكلماته وتوجيهاته وهداياته، نزل ليرسم للمسلم مسارَ حياة جميلة، رائعة ومتألقة، نزل ليوقظ في الإنسان طاقات الروح وحواسَّها، فتدرك من معاني الحياة، وأسرارِ الحكمة، وجمالِ الإبداع - ما يعجز عن فهمه وتذوقه وطاقاتُه خاملةٌ وحواسه ساكنة!

 

ومن ثمَّ فالمسلم لا يشقى به أبدًا، ليس لشيء إلا لأن هذا الدين تنزيلٌ من لدن عليم حكيم، الله الذي خَلَق الإنسان، ويعلم مدى طاقاته، وطبيعةَ مهمته في الحياة: ﴿ أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ [الملك: 14]، ولك - يا صاح - أن تتبصر السر الجميل في تركيب الآية: من حيث جمعُها بين الخَلْق واللُّطف والخبرة في نظام واحد، ومن حيث تقديمها "اللطيف" على "الخبير".

 

إن الشقاء المنفي في الآية الكريمة، شقاءٌ ينسحب على شتى تجليات هذا الدين: العقيدة والشريعة والأخلاق والأخبار؛ ومن ثم فالسعادة التي تحقِّقها هداياتُه تنسحب أيضًا على هذه الأبعاد كافة.

 

فعندما يَتِيه الإنسان في معرفة حقيقة الألوهية وحقيقة العبودية وحقيقة العلاقة بينهما، فهذا شقاء أليم، وعندما يقدِّم القرآنُ للإنسان عقيدة واضحة شفيفة عميقة ومثيرة حول الله والإنسان والعلاقة بينهما، فهذه سعادة رفيفة.

 

عندما يضل الإنسان في تقرير القوانين التي يجب أن تحكمَ علاقات أفراد المجتمع، فتنتج الفوضى ويعم الظلم، فهذا شقاء أليم.

 

وعندما يقدم القرآنُ للإنسان مجموعةَ قوانين تنظِّم حياتَه وعلاقاته بالآخرين، فيشيع العدل وينتشر السلام في المجتمع، فهذه سعادة رفيفة.

 

عندما يلهث الإنسان في رسم معالم أخلاق فاضلة، تهذب نفسه، وتسمو بروحه، وتشيع في أفراد المجتمع روحَ المحبة والتكافل والسلام، ثم لا يجني إلا البؤس والمأساة والأنانية المقيتة، فهذا شقاء أليم.

 

وعندما يقدم القرآن للإنسان قِيَمَ أخلاق رائعة تزكو بنفسِه، وتسمو بشخصيته، وتنظمه مع إخوانه في المجتمع والأمة في نظام واحد متماسك، فهذه سعادة رفيفة.

 

وعندما يذهب الإنسان شاردًا تائهًا في مسارب الحياة، لا يعرف حقيقة ولا يهتدي لرشاد، فتذهب حياتُه سدًى بعد أن مضت عبثًا، ويحس فيها غربة حالكة بعد أن خلت لهوًا باطلاً، فهذا شقاء أليم.

 

وعندما يقدم القرآنُ منهج حياة شاملاً متكاملاً؛ يراعي فطرتَه، ويحترم طاقاته، فهذه سعادة رفيفة.

 

وأنت إذا نظرت في سرِّ المسألة وعمقها، تجد أن إشاعة اليُسر والرحمة والرفق في تضاعيف معطيات هذا الدين - لها غاية واحدة: أن يعيش الإنسان حياة سعيدة وجميلة ورائعة، حياة تكون فيها كينونة الإنسان بشتى طاقاتها مفعَّلة مستثارة إلى أقصى حدودها الممكنة، حياة تعكس تبصُّر هذا الكائن الفريد بمعاني الحياة الصحيحة، وجماليات الحكمة المشرقة، حياة تكون موصولة برُوح الوجود: ظاهره وباطنه، حياة تعبر عن جمال المحبة، وصدق الشوق، وإخلاص الشكر لله - تبارك وتعالى.

 

إن الله يريد للإنسان بأمره بالالتزام بمقتضيات هذا الدين أن يعيش حياة الخلود وهو يدب على الأرض، وهو يتقلب في عالم الفناء؛ وتلك هي قصة الإنسان ما لم يتذوق روائع الجمال في الكون والحياة والمصير، فإنه لا يستطيع أن يتقدم خطوة واحدة إلى الأمام، ولأجل هذا قرَّر الحق أن هذا القرآن لم ينزل ليشقى به الإنسان، بل إنه وسيلته القوية ومعراجه المتين إلى الفهم الصحيح، والشعور الجميل، والسلوك النبيل.

 

لقد قرَّر الله -تعالى- هنا أن كلمات هذا القرآن، وتعاليمه في الحياة، ومراياه لحقائق الوجود - ليست سببَ شقاء وألم ومأساة: ﴿ مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى ﴾ [طه: 2]، وقرَّر في آية أخرى أنه يسَّر هذا القرآن للإنسان: تيسير حفظ وترتيل، وتيسير فَهْم وتأويل، وتيسير عمل وسلوك، وتيسير دعوة وتبليغ: ﴿ وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ ﴾ [القمر: 17]؛ ولهذا ليس يصح في منطق هذا القرآن أن يجعله الإنسانُ المسلم سببَ شقاء ومعاناة، سواء حين يسعى لتفعيل مضامينه العقيدية والأخلاقية والتشريعية في مجالات الحياة، أم حين يسعى لنشر كلماته وإشاعة هداياته بين العالمين؛ ذلك لأن المسلم حين يفعل هذا، ويتعامل مع المنهج القرآني على نحو هذه الشاكلة الشائهة، فإنَّه يسيء لهذا المنهج القرآني ذاته، ويسيء لنفسه الذاتية، ويسيء لمن يريد أن يوصل إليهم تعاليمَه ومضامينه.

 

هو يسيء للقرآن؛ لأن هذا القرآن إنما نزل ليكون مصدر رحمة وسعادة، ومنبعَ نور وجمال، وهو يسيء لنفسه؛ لأنه يحرمها من تذوق جماليات الكلمة القرآنية وإشعاعاتها في العقل والقلب والسلوك، وهو يسيء لمن يريد دعوتَهم إلى القرآن؛ لأنه يَحرمهم من نور القرآن، وينفِّرهم من هداياته، فلا يجدون إلا الاستمرار في سبيل الانحراف والضلال.

 

ولك - يا صاح - أن تتأمَّل السر في ذلك المد الصوتي - بالرسم العثماني - في نهاية كلٍّ من: ﴿ مَا ﴾ و﴿ لِتَشْقَى ﴾؛ لتدرك جمالية الكلمة القرآنية، حين يوائم وينسق ويمزج النصُّ القرآني بين المعنى الباطني والمبنى الظاهري لكلماته، إنه مد صوتي يحمل دلالة عميقة جدًّا، وشديدة الإيحاء، بأن التمسك بمنهج هذا القرآن يفتح للإنسان من آفاق الرحمة والسعادة، ويرتقي به إلى مستويات من معارج النور والجمال - ما تستطيع به طاقات العقل والرُّوح أن تتفتح وتتسامى إلى أبعدِ حدودها الممكنة، إنْ في الدنيا وإنْ في الآخرة، وأنَّ تنكُّب سبيله واطِّراح تعاليمه في الحياة يفتح على الإنسان من أبواب النقمة والشقاء، ويهوي به إلى دركات الألم والمعاناة - ما تتشوَّه به معاني الفطرة ومعاني الحياة بما لا يتصوره عقلٌ رشيد، ولا يقيِّده خيالٌ واسع، إنْ في الدنيا وإنْ في الآخرة.

 

وإنها لحقيقة يدركها كلُّ مَن عاش في وحل الجاهلية، واكتوى بلَظاها، ثم انتشلتْه يدُ العناية الإلهية؛ فابتهج بإشراقات الجمال، ودفقات السلام، في ظلال الإسلام.

 

•  •  •

والذي يسعد بكلمات هذا القرآن وحقائقه، والذي يبتهج بأنواره وإشراقاته؛ إنما هو العبد الذي يخشى فيتذكر، فيتبع منهج الوحي فيسعد سعادة الأبد، فهذا القرآن ليس يعدو أن يكون للإنسان تذكِرةً صادقة مخلصة.

 

هو تذكرة يجد فيها حقيقةَ نفسه المكنونة، وطبيعة مهمته في الحياة؛ ومن ثم يخشى شقاء العقل ومأساة الرُّوح، ويخشى فوضى المجتمع وشيوع الظلم، فيتذكر ضرورة الالتزام بنهج هذا القرآن.

 

وهو تذكرة يجد فيها حقيقة ما ينتظره بعد انتهاء فترة حياته في هذا العالم ولقائه لخالقه الجليل؛ ومن ثم يخشى غضب الله -تعالى- وعذابَه، فيتذكر ضرورة الالتزام بنهج هذا القرآن.

 

وحينما يتذكر العبد حقيقته الذاتية، وحينما يتذكر مهمته في الحياة، وحينما يتذكر مصيره بعد الرحيل عن هذا العالم، حينها فقط سيخشى على نفسه، وسيبحث لها عن الخلاص والسعادة الجميلة، فلا يجد بدًّا من الالتزام بنهج هذا القرآن في حياته.

 

ولأنه المسلم يدركُ بأن هذا القرآن هو كلمات ذي الجلال السرمدي والبهاء الأبدي، وأنه يريد له أن يتذوق هذا الجمال الإلهي المطلق، وهو يخوض ملابسات الحياة بأفكاره وأشواقه وأهدافه، لأنه يعي هذه الحقيقة جيدًا؛ فإنه يتعامل معه بفنٍّ بديع متألق، وبروحانية جميلة متسامية، تنعكس على شخصيته وعلاقاته؛ ذلك لأنه صار - أي القرآن - في حسه: طريقَ السعادة الرحيب، ومشكاة الجمال الأبدي؛ ﴿ إِلَّا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى ﴾ [طه: 3].

 

•  •  •

والمسلم لا ينظر للقرآن هذه النظرة الشفيفة السامية؛ نظرة أنه مادة السعادة الجميلة والروعة السامية، نظرة أنه تذكرة كاشفة له عن عظمة الأمر وجلال المسؤولية، هو لا ينظر له هذه النظرة، إلا لأنه يدرك بصورة عميقة أنه تنزيل من رب العالمين، وأنه كلماتُ بديع الأرض والسموات العُلى، ولقد أشار الحق -تعالى- في آية أخرى إلى أن هذا القرآن هو مرآة حقائق الوجود بأبعاده الأربعة: البعد الإلهي، البعد الإنساني، البعد الكوني، البعد الأبدي؛ ﴿ قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا ﴾ [الفرقان: 6]، ولك - يا صاح - أن تتبصر معنى ورود هذه الآية في سورة تحمل دلالة عميقة وإيحاءً كبيرًا.

 

هذه المعرفة الواضحة، وهذا الشعور المرهف - يفيض في وجدانه سلامًا جميلاً، وطمأنينةً هادئة؛ وما ذلك إلا لبصيرته الصادقة بأن الإلهَ العظيم الذي خلق الوجود، وأبدع خلق الإنسان، ورتَّب حقائق الكون والحياة على نسق الحكمة المتعالية، ومسارات الجمال الفياض، هذا الإله المطلق لا يمكن إلا أن يكونَ إلهًا جميلاً برًّا رحيمًا ودودًا كريمًا، يُحب للإنسان الخيرَ والنجاح، ويحب له السعادة والفلاح، إنه إله لا يمكن إلا أن يحب للإنسان أن يعيشَ حياة طيبة مباركة جميلة، تتفتق فيها معاني إنسانيته الكريمة، وتتفتح فيها طاقاتُ شخصيته المكنونة إلى أقصى حدودها الممكنة، وهي حدود واسعة جدًّا، وعميقة جدًّا.

 

ومن ثَم يطمئن هذا الإنسان لشرع الله ولمنهجه في الحياة، فيأخذُه بحبٍّ صادقٍ، ورغبة مخلصة، وعزم أكيد؛ ذلك لأنه يعرف أن الخيرَ كلَّ الخير، والرشد كل الرشد، والسعادة كل السعادة - تكمن في تعاليم شريعة هذا الإله البرِّ الرحيم الودود الكريم.

 

ولأنه يعرف هذه الحقيقة، ويعي معانيَها؛ فإنه لا يحاول - بل لا يخطر في فضاء نفسه - أن يضيف مصادرَ جديدةً، يتلقى منها معاني الحقيقة ومناهج الحياة: في العقيدة والقِيَم والأخلاق والعلاقات أبدًا؛ ذلك لأن سكينته إلى الله إلهه، الذي عرفه عليمًا حكيمًا، حكمًا عدلاً، خالقًا مبدعًا، برًّا رحيمًا، ودودًا كريمًا، والذي عرفه بأنه يحب له الخير والصلاح، ويريد له السعادة والفلاح في الدنيا والآخرة، هذه المعرفة ببُعديها: العقلي والوجداني، تمنعه من أن يفكر - فضلاً عن أن يحاول - في صناعة تلفيقات من هنا وهناك مع تعاليم هذا الدين، سواء في كل مناهجه وأحكامه أم في بعضها فقط؛ ذلك لأن هذا الموقف منه - موقف التلفيقات من مصادرَ أخرى - ليس يعني إلا طعنَه في منطق عقله وصدق شعوره الذي هداه إلى التعرف على منزِّل هذا القرآن، والإقرار بعدله ورحمته وحكمته ورفقه وجماله، وليس يعني إلا اتهامًا للملك الديان في علمه وحكمه ورحمته، وهو اتهام مهما تفكر فيه المسلم الجاد، يجد أن لو يخر من السماء أو تخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق - خيرٌ عنده من أن تخطر هذه الخاطرة الكالحة بنفسه!

 

إن اطمئنان العبد لرحمة الله وعدله، وإن إدراكه لجماله وجلاله - ينأيان به بعيدًا عن أن يشرك به شيئًا في عملية التلقي لمنهج حياته، سواءٌ في الكليات أم في الجزئيات، وإنه بسبب صلتِه العميقة بخالق الوجود العظيم، ينظر إلى الحياة وأشخاصها، وإلى أحداثها وأشيائها - نظرةً خاصة، نظرة تمتزج فيها معانيها الباطنة وحقائقها الظاهرة، وهي نظرة مشوبة بحنان الرحمة، ومشوبة بإشراقات الجمال، ومتدفقة بأنوار الحكمة، ومن ثم يتعامل معها بمعانيها الصحيحة، دونما اغترارٍ بأراجيف الأقزام الصغار، وضجيج الشاردين في أودية التِّيه؛ ﴿ تَنْزِيلًا مِمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَوَاتِ الْعُلَى ﴾ [طه: 4].

 

•  •  •

والعبد يسعد بتعاليم هذا المنهج الرباني الفائق، وتستقيم به حياتُه، وتتفتح له آفاق السعادة والجمال؛ لأن معاني الرحمة ممزوجة بتعاليمه، ومهيمنة على كلماته.

 

هذه الرحمة الشفيفة تتجلى في كل شيء فيه؛ سواء في العقائد، أم في الأخلاق، أم في التشريعات، إنها الرحمة التي تراعي مستوى عقل الإنسان، فلا ترهقه عنتًا، ولا تكلفه رهقًا، على غرار مقولة: "آمن وكفى".

 

وهو عندما يشهد تجليات الرحمة الإلهية في تفاصيل هذه الشريعة المباركة، حينها يرتقي إلى مستوى شهودِ معانيها في تفاصيل الحكمة الإلهية المطلقة في الكون والحياة والمصير، وهذا ما يترع كينونته رحمة وسلامًا، ويغمر أعماقه حنانًا وجمالاً، إنه الشعور الذي يتيح له تحقيق التوازن النفسي، والثبات في وجه صدمات ملابسات الواقع، إنه الشعور الذي يسكب في قرارة فؤاده برودة اليقين وحلاوة الطمأنينة، مهما ضغطت عليه - أحيانًا - بعضُ الأقدار الإلهية، ومن ثَمَّ يفيض هذا الشعور منه بروعة الرحمة الإلهية في الكون والحياة والمصير، على شتى مظاهر شخصيته: على أفكاره، على أهدافه، على رغباته، على أشواقه، وعلى أحلامه، كما تتجلى معاني هذه الرحمة الحنون في مختلف علاقاته، مع زوجته، مع أولاده، مع أصدقائه، مع مجتمعه، ومع الإنسانية جميعًا، كما تتبدى جمالياتُ هذه الرحمة في ممارسته الدعوة والتبليغ لرسالات هذا الدين بين العالمين؛ ذلك لأنه ينظر إلى عالم الأرض وعالم الإنسان من عَلٍ، من القمة السامقة؛ قمة: ﴿ الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى ﴾ [طه: 5].

 

وأنت مهما نظرت في شخصية المسلم المعاصر، وتأملت واقعه البئيس، وجدت نظامَ هذه الشخصية وهذا الواقع قائمًا على العنف والقسوة والشدة، سواءٌ وهو يتعامل مع تعاليم هذا الدين الخالد، أم وهو يسعى لتطبيق مضامينه في الحياة، أم وهو يمارس تبليغه للعالمين، انتفاء الرحمة من شخصية المسلم المعاصر تستطيع أن تتبيَّنه في كل شيء، حتى في أفكاره وأحلامه وأهدافه؛ فلأجل ذلك هو يشقى ويتعب ويعاني، وصدق رسولُ الرحمة حين يقول: ((هلك المتنطِّعون، هلك المتنطِّعون، هلك المتنطعون)).

 

تلك هي قصة هذه الآية، وتلك هي معانيها التي تدفقت في العقل والرُّوح وأنا أتأمَّل مبانيَها ودلالاتِها، والحمد لله رب العالمين.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تأملات إيمانية في رحاب خواتيم سورة القصص
  • في رحاب الله
  • في رحاب القرآن
  • في رحاب ذكرى الإسراء (قصيدة)
  • في رحاب آية
  • في رحاب آية: (واستعينوا بالصبر والصلاة)
  • وجوه يومئذ ناضرة * إلى ربها ناظرة

مختارات من الشبكة

  • في رحاب سورة (والليل)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • في رحاب علم "الترجمة"(مقالة - حضارة الكلمة)
  • في رحاب طيبة (قصيدة)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • في رحاب شهر الخيرات(مقالة - ملفات خاصة)
  • في رحاب مكة (قصيدة)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • في رحاب فضائل السور(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وتواصوا بالحق: في رحاب سورة العصر (5) (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وتواصوا بالصبر: في رحاب سورة العصر (4) (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • النجاة من الخسران المبين بالإيمان والعمل: في رحاب سورة العصر (3) (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • في رحاب سورة الشورى(مقالة - آفاق الشريعة)

 


تعليقات الزوار
2- تعليق على مقال في رحاب آية للكاتب نور الدين قوطيط
سناء - اليمن 07-03-2013 11:50 PM

فتح الله على كاتب المقال الرائع هذا . ونرجوا من إدارة الصفحة نشر مقالات أكثر للأستاذ نور الدين قوطيط .

1- تعليق على مقال في رحاب آية للكاتب نور الدين قوطيط
أميرة نور - اليمن 24-02-2013 07:00 PM

ما شاء الله مقال رائع ، جزا الله كاتبه كل خير .أشعرنا بحلاوة القرآن وجمال آياته ومعانيه ومقاصده. اسأل الله أن لا يحرمه أجر إفادتنا وأن يرزقنا حب القرآن وتلاوته آناء الليل وأطراف النهار.

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 20/11/1446هـ - الساعة: 9:38
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب