• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن
علامة باركود

نفحات قرآنية (21)

بخاري أحمد عبده

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 2/1/2013 ميلادي - 19/2/1434 هجري

الزيارات: 4884

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

نفحات قرآنية 21

الآل والأهل والمودة في القربى[1]


قلبنا كلمةَ (أهل) على وجوهِها المختلفة، وتتبَّعْنا ما ينبعثُ من الكلمةِ من إشعاعاتٍ متشعِّبةٍ متشابهةِ السَّنى (الضوء)؛ لأنَّها تصدرُ من مشكاةٍ واحدة، واهتدينا في تعاملِنا مع الكلمةِ بآياتٍ كريمة ألقتِ الأضواءَ، وهدتْنا السَّبيل، وعرفنا - يومئذٍ - أنَّ الإسلامَ أحلَّ صالحي المؤمنين منزلةً رفيعةً تتضاءلُ إزاءها منازلُ الأهلِ والأصحاب، والأنسابِ والأصهار، فلأولئك الذِّروة التي وطِّئتْ (بضم الواو وتشديد الطاء المكسورة) للذين أنعمَ اللهُ عليهم من النَّبيِّين، والصِّديقين، والشُّهداء، والصَّالحين، وغير أولئك تتحدَّدُ مراتبُهم على قدرِ أعمالِهم وصدقِهم وإخلاصهم.

 

أمَّا الأهليةُ المجرَّدة - وإن قلنا:

إنَّها مخصوصةٌ بأقربِ الأقْربين - فقد تُضْفي بريقًا يخلبُ ألبابَ النَّاس، ولكنَّها عند اللهِ لا ترفعُ ولا تخفضُ، بل ربُّما كان الحسيبُ النَّسيب أحوجَ إلى العطف والدُّعاءِ من غيرِه؛ لاحتمال أنْ يتَّكِلَ (بتشديد التاء المفتوحة، وكسر الكاف) وخشيةَ أن يغترَّ بصِلاته العرقية فيقصر، أو يطْغى، أو يعمل لاستغلالِ هذه الصِّلات في أغراضٍ شخصية دنيا، وخوفَ أن ينتشي بالدُّخَان الذي يتصاعَدُ من مجامر المغرِضين والبلهاء، أو يستطيب غلو الغالين، وتراتيلَ المحاسيبِ الزَّائفين من مارقي (جمع مارق وهو الخارج عن الصِّراط) الشِّيعة، وحمقى المتصوِّفة فإن نُدبنا (البناء للمجهول) أنْ نصلِّي عليهم - كما ورد في حديث التَّعليم السَّابق - فذلك لأنَّهم على خطرٍ عظيم يشكِّله كلُّ تلك الاحتمالاتِ التي ذكرناها.

 

لقاح إبليس:

والآية ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ [الأحزاب: 33] حَرِيَّةٌ بأنْ نعودَ إليها مستمنحين مستنفِحين[2]، فهي عند الصُّوفيةِ دليلُ التمييز، وعند الشِّيعة الرَّافضة حُجَّةُ العِصمة، وأصلُ الإمامية، وقاعدة المذهب[3] الشِّيعي الذي استفحلَ خطبُه وتطايرَ شررُه.

 

والصُّوفية وليدةُ تماسٍّ (بتشديد السين) تَمَّ بين الشَّيطان والرَّافضة، فهما - الشِّيعة والصُّوفية - متكاملان، ومن ثمرات تكاملهما ما نرى من موالدَ ومناسباتٍ، وقِبابٍ وأضرحة، وأغواثٍ وأقطاب وأبدال، وقداسات مفتراة ما أنزلَ اللهُ بها من سلطان؛ قداساتٌ أُضفيتْ على مقبورين يحجُّ إلى ساحاتِهم - ولا سيما في لياليهم الختامية - ملايين من الأغرار والسُّذَّج، يقدمهم منتفعون مضلِّلون وتشجِّعُهم أقلام، وتباركُ وِفادتهم سلطات ويغمضُ عن غيِّهم شياطينٌ خرس، ويبلغ الخطْبُ أشدَّه حين تُخصَّصُ صفحاتٌ كاملة تروِّج لهذا العته، وتضحكُ - وشرُّ البلية ما يُضحك - وأنت ترى جريدةً سيَّارة تفردُ صفحةً كاملة لأنباء مولد البدوي، وتنشرُ فيما تنشر أنَّ مطربًا شابًّا ظفر بلقبٍ فني خليع فَنَذَرَ - شكرًا لله- أن يسوقَ الهديَ إلى ساحة الكُفْرِ البواح، وأن يغنِّيَ في ليلةِ البدوي الختامية حتَّى الصَّباح، وتأسفُ حين يُنقل إليك عن مسؤولٍ كبير أشرفَ على عمليةِ نقل رُفاتِ عشرة (من الأولياء) الذين ظلُّوا رابضينَ بساحة أبي العبَّاس المرسيِّ دهرًا طويلاً مقدَّسين مؤلَّهين، يُلتمسُ رضاهم، ويُتَّقى سخطُهم، وتُرجى بركتُهم - تأسف حين تسمع عن المسؤول أنَّه كاد يُصعق حين لم يجدْ في الحفائرِ غير أطْرافٍ وجماجم حيوانات، وأنه اضطرَّ أن يستمرَّ في التمثيلية التي أُنيطت به فنقلَ عظامَ الحمير، وجماجمَ الكِلاب، وهياكل البِغال إلى مثواها الجديدِ في احتفالٍ رهيب، رجاءَ ألا تحلَّ لعنتُهم على السَّاحة التي أخليتْ كي تكونَ حرمًا لقبلة البعض، وهكذا أضحى لكلِّ ناحية مشركُوها، ولكلِّ وثنٍ سدنتُه، ولكلِّ مَبَاءَةٍ قبلة وحرم، وكذلك آلتْ قضايا التقديس، والتنزيه والعصمة، ودعاوى البركات والكرامات إلى مهازلَ ومساخِرَ، واستخفافٍ بالعقول، وابتزازٍ باسم الدِّين المظلوم.

 

ونحن حين نعيدُ ونزيد، ونطيلُ الوقوفَ أمام عواصفِ الخبال المشرك، إنَّما نفعلُ ذلك تقديرًا لخطورةِ الأمر، وإظهارًا للحقِّ، وسدًّا للذَّرائع، ورجاء أنْ نحاصرَ الدَّاءَ الوبيل حتَّى لا تستشري العدوى.

 

أهمية استقرار البيت النبوي:

وآيتنا ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ… ﴾ وُضِعتْ بين آياتٍ تربطها وِحْدَةُ البيئة القرآنية التي تمتدُّ ما بين قولِ الله: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا ﴾ [الأحزاب: 28]، وقولِه - سبحانه -: ﴿ وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ﴾ [الأحزاب: 36]، والآيات تستهدفُ أول ما تستهدف ضمانَ استقرارِ بيت النبوة، استقرارًا يكفلُ مسيرةً صحية لا تشوبها قلاقلُ، ولا يعكِّرها توترٌ أو قلق؛ ذلك لأنَّ الزوجية هي السَّكنُ وهي السَّكينة، والسَّكينة مهدُ كلِّ صحةٍ نفسية، وأيُّ اهتزازٍ في بيت النبوَّة - وإنْ صغر - حري أن يهدرَ وقتًا ثمينًا من وقتِ النبوَّة، فوق أنَّ أثرَ الاهتزاز - بلا شكٍّ - سيتجاوزُ رسولَ الله ليعمَّ سائرَ المؤمنين، كما كان يوم حديثِ الإفك، ويوم شاع أنَّ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - طلَّق نساءه[4].

 

واتقاء هذا الاهتزاز، وحفاظًا على استقرارِ بيت النُّبوة كانت السَّماء تتدارك الأمر، وتتدخل في حسمٍ بليغ:

1- تدخلت السماء يوم حجل الشَّيطان بحديثِ الإفك ينقلُه من فمٍ إلى فم.

 

2- ويوم تآمر على الرَّسول - صلى الله عليه وسلم - بعضُ نسائه وحملنه على أمر كريه، يومئذٍ زجر القرآنُ نساءَ النبي زجرًا عنيفًا: ﴿ إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ * عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ ﴾ [التحريم: 4، 5].

 

3- ويوم ضيَّقْنَ عليه - صلى الله عليه وسلم - الخناقَ يسألنه الزينةَ ويطالبنَه بما ليس عنده - يومئذ كان التخيير بمقتضى قوله - سبحانه -: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا ﴾ [الأحزاب: 28]، وكانت التربية القويمة، والتأديب البالغ بهذه الآياتِ التي تشكِّل بيئةً متميزة للآية التي نحن بصددِها ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ… ﴾.

 

آية تكليف:

والآية - فيما أرى - تكليفٌ لا تشريف، ولتوضيحِ هذا أقولُ: إنَّ النَّاظر في الآية تستوقفُه كلمةُ: (يريد)، كما تستوقفُه لام التعليل الدَّاخلة على الفعلِ (ليذهب)، والمعنى الذي يتبادرُ إلى الذِّهنِ: أنَّ إذهابَ الرِّجسِ نتيجةٌ ومسبب، وأنَّ (اللام) أداةُ تعليل، وأنَّ ما سبق من توجيهاتٍ ومن حظرٍ، وإغراءٍ وتحذير أسباب نتيجتها ذهاب الرِّجس والتطهير، فكان المعنى: (يا نساء النبي: إنَّ الله إذ يصرفُ أنظارَكنَّ عن زهرةِ الدُّنيا وزينتِها، وإذ يحثكنَّ على أن ترضينَ بما رضي به رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - من عيشِ الكفافِ مؤْثرات ما عند الله، وإذ يأمركُنَّ بالإحسان، والترفُّعِ والتعفُّفِ والقنوت، وإذ يلزمكنَّ بالتقوى، والفضائلِ، والكمال… إنَّ الله إذ يريدُ لكنَّ كلَّ هذا كي تحقِّقْنَ الطَّهارةَ، وتتخلَّصْنَ من كلِّ الأدران، وتوفِّرْنَ اللياقة التي ترفعكنَّ إلى مستوى بيوتِ النبيِّ العامرة بآياتِ الله والحكمة…)، وبهذا التفسيرِ يتضحُ أنَّ فعل الإرادة - كونية كانت أم شرعية، كما سنبيِّنُ فيما بعد - لا يتسلَّط على إذهابِ الرِّجس، وإنما يعمل في محذوفٍ تقديرُه (ذلك)؛ إشارةً إلى ما ذكرَ من توجيهاتٍ وأوامرَ ونواهٍ، وظنِّي أنَّ هذا التفسير يُجنِّبُنا مخاضاتِ الرَّافضة، ومتاهات الشِّيعة، ويكفينا مؤونةَ التكلُّفِ البيِّن في تقسيمِ (الإرادة) إلى كونية وشرعية.

 

ولقدْ أشار القاسمي في تفسيرِه إلى نحو هذا، حين قال معقبًا على قول الله: ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ [الأحزاب: 33]؛ (أي: ما أمركنَّ، ونهاكنَّ، ووعظكنَّ، إلا خيفةَ مقارفةِ المآثم والحرص على التصونِ عنها بالتقوى، فالجملةُ تعليليةٌ لأمرهنَّ ونهيهنَّ على سبيلِ الاستئناف).

 

مدارج الأهلية:

والأهليةُ المذكورةُ في الآية أهليةٌ عملية لا تتحقَّقُ بمجردِ النَّسب، فالتمتعُ بشرفِ الانتماء إلى بيوتِ النبوَّةِ حظُّ الأتقياءِ المحسنين، أمَّا الغاوون المخلدون إلى الأرضِ فبينهم وبين هذا الشَّرفَ بُعْدُ المشرقَيْن ولو كانوا آباءً، أو إخوانًا، أو أبناءً، والقرآن الكريم تأكيدًا لهذا جرَّد ابنَ نوحٍ من هذه الأهلية حين تمرَّد ومَرَقَ: ﴿ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ﴾ [هود: 46]، وإقرارًا لهذا المفهومِ بيَّن القرآنُ الفواصلَ التي ينبغي أنْ تقومَ بين المؤمنين بالله، والمحادِّين لله: ﴿ لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ... ﴾ [المجادلة: 22]، كما أعلن القرآنُ في سورة الأحزابِ الخلال التي تؤهِّلُ المرءَ كي ينعمَ بشرفِ الانتماء إلى ظلالِ النبوة الوارِفة، وكلَّفَ اللهُ - هناك - رسولَه الكريم أنْ يؤكِّد حتميةَ تلك المؤهِّلات لكلِّ من أراد أن ينضوي تحتَ لوائِه، أمَّا من نبا ومال وآثرَ الحياةَ الدُّنيا، فهو مطلق السراح وهو محرومٌ من هذا الشَّرف الرَّفيعِ، فلا عجبَ إذا أُمِرَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - أن يخيِّرَ أزواجَه بين أنْ يلتزمنَ بهذه القيم ويعشنَ في كنفِه، وبين ألا يلتزمنَ فيُعزلنَ، ويُقْصِين.

 

وفي هذا نزلت آيةُ التخيير، وتوالتْ بعدها آياتٌ تقيِّمُ المدارجَ التي ترفعُك نحو المستوى المرموقِ نحو مستوى يكونُ فيه رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وليَّك، وأولى النَّاس بك؛ ﴿ النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ ﴾ [الأحزاب: 6]، وهذه المدارجُ ليستْ وَقْفًا على نساءِ الرَّسول - صلى الله عليه وسلم - بل هي متاحةٌ، رحبة الآفاق تسعُ الكافَّةَ وتستحثُّ خطا كلِّ المؤمنات والمؤمنين.

 

والإسلام - حين يعالِجُ أو يحاسب - يبتدئُ غالبًا بالرؤوس، وتوجيهه الخطاب في هذه الآيات إلى حلائلِ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - من هذا القبيل:

1- فهنَّ السِّيداتُ الأُولَيَاتُ وهنَّ القدوةُ، والتَّشديدُ عليهنَّ - على هذا النحو - حريٌّ أنْ يثيرَ حماسةَ غيرِهنَّ؛ لأنَّ قربَهنَّ من منزل الوحي وارتباطَهُنَّ برسول الله - صلى الله عليه وسلم - لم يعفهنَّ، فما بالُ غيرِهنَّ؟

 

2- وهنَّ فوق هذا قريباتٌ من مشاكي النبوَّةِ حريَّات أن يعكسنَ ما يتلقينَ، وأنْ يكنَّ أمثلةً تُحتذى.

 

3- وهنَّ قد يبهرنَ بالأضواءِ، وقد يظنن أنْ مكانهنَّ ربما نفع أو شفع، فإذا أُخذْنَ (بالبناء للمجهول) بهذه الصَّيحة أيقنَّ (بالنون المشددة) وأيقن غيرهن أنَّ العبرةَ في الإسلام بالعمل.

 

4- والقصور فيهنَّ أقبح من القصور في غيرِهنَّ؛ وذلك لزيادة فرصتهنَّ، ولكمال النِّعمة عليهنَّ، ألا ترى أنَّ حدَّ الحرِّ ضعفُ حدِّ العبد، وأن حسناتِ الأبرار سيئاتُ المقربين، وأنَّ الأنبياء - عليهم السلام - عُوتبوا فيما لا يُعاتب فيه غيرهم؟ لهذا، ولغير هذا أوثرنَ بالخطابِ، وخوطبت الأمَّةُ كلُّها من خلالهنَّ، إغراءً بالطَّهارة، وحفزًا للهمم، وحثًّا على التصوُّن، والترفُّع والتقوى.

 

وظنِّي أنَّ كلَّ من جدَّ وأخلص، وعزم فصدقَ وحقَّقَ في نفسه كلَّ هذه الخلال النبيلة الجليلة، وتحلَّى بكلِّ هذه القيم العلوية أصبحَ حقيقًا بالأهلية، أهلاً للانضواء تحتَ فسطاط النُّبوة ولا غروَ فالنبي - صلى الله عليه وسلم - أولى بالمؤمنين من أنفسهم، وهذه الولاية التي تخمل[5] كلَّ الأواصرِ كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يؤكدُها عمليًّا كلما سنحتْ فرصة، جاء في الصَّحيحين أنَّ رسولَ - الله صلى الله عليه وسلم - كان لا يصلِّي على ميت عليه دَيْنٌ، فلمَّا فتح اللهُ عليه الفتوحَ قال: ((أنا أولى بالمؤمنين مِنْ أنفسِهم، فمن توفَّى وعليه دينٌ فعلي قضاؤه، ومن ترك مالاً فلورثتِه))، وبعد فيجدرُ بنا أن نعيشَ هُنَيْهَةً في خِضمِّ الآياتِ فوقَ المدارج، وعلى أجنحةِ القيم الأصيلة التي تكفلُ لأصحابِها مستوى الأهلية، ذلك المستوى الذي تتجرَّدُ فيه من الذَّاتيةِ المحضة، وترتفع فوق العواطفِ والأغراض، وتحسُّ برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يحوطُك ويأخذ بحجزك[6]، حتَّى لا تهوى في الهلكاتِ، ترتفعُ إلى حيثُ يكونُ رسولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - الحب الأثير وَفْقَ ما جاء في الصَّحيح: ((والذي نفسي بيدِه لا يؤمنُ أحدُكم حتى أكونَ أحبَّ إليه من نفسِه ومالِه وولدِه، والنَّاسِ أجمعين))، ومصداقَ ما جاء في الصَّحيحِ، مِنْ أنَّ عمرَ - رضي الله عنه - قال: "يا رسولَ الله، والله لأنت أحب إلىَّ من كلِّ شيء إلا نفسي، فقال - صلى الله عليه وسلَّم -: ((لا يا عمرُ، حتَّى أكونَ أحبَّ إليك من نفسِك))، فقال: "يا رسول الله، والله لأنت أحب إلىَّ من كل شيء حتَّى من نفسي"، فقال - صلى الله عليه وسلم -: ((الآن يا عمر)).



[1] باقيات من نفحات (تبت يدا) ولمسات أخيرة - إن شاء الله - على قضية (الآل والأهل والمودة في القربى).

[2] نطلب المنحة وننشد النفحات.

[3] تدعي الرَّافضةُ عصمةَ علي - رضي الله عنه - وأنه بهذه العصمة صاحب الحقِّ الأول في إمارة المؤمنين، وأن ما حدث بعد موت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سقيفة بني ساعدة ظلمٌ لعلي، وسرقة بينة لحقه.

[4] روى الإمام أحمد عن عمر - رضي الله عنه - قال من حديث طويل ما معناه: "كنت أنا وجار لي نتناوب النزول على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نلتمس خبر الوحي وكنا نسكن في دار أمية بن زيد بالعوالي، قال وكنا نتحدث أنَّ غسان تعد الخيلَ لتغزونا - فنزل صاحبي يومًا، ثم عاد عشاء فضرب بابي فخرجت مفزعًا أقول: - ماذا، أجاءت غسان؟ قال: لا بل أعظم من ذلك وأطول، طلق رسول الله نساءه….إلخ".

[5] تخفي.

[6] أخرج مسلم في صحيحه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إنما مَثَلي، ومثل أمتي كمثل رجلٍ استوقد نارًا، فجعلت الدَّواب، والفراش يقعنَ فيه، وأنا آخذ بحجزكم، وأنتم تقحمون فيه)، والحجز (بضم الحاء، وفتح الجيم) جمع حجزة (بضم الحاء، وإسكان الجيم) والحجزة للسراويل كالمعقد للإزار، فإذا أراد الرجل إمساك من يخاف تفلته، أو سقوطه أخذ بذلك الموضع منه، وهذا مثل لاجتهاد نبينا - صلى الله عليه وسلم - في نجاتنا، وحرصه على تخلصنا من الهلكات التي بين أيدينا؛ ا.هـ من القرطبي.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • نفحات قرآنية (16)
  • نفحات قرآنية (17)
  • نفحات قرآنية (18)
  • نفحات قرآنية (19)
  • نفحات قرآنية (20)
  • نفحات قرآنية (22)
  • نفحات قرآنية (23)
  • نفحات قرآنية (24)
  • نفحات قرآنية (25)
  • نفحات قرآنية (26)

مختارات من الشبكة

  • نفحات رمضانية تدبرية: ثلاثون نفحة تدبرية (PDF)(كتاب - ملفات خاصة)
  • وأطل علينا شعبان بنفحة من نفحات الخير(مقالة - ملفات خاصة)
  • نفحات قرآنية في سورتي الكافرون والإخلاص(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)
  • نفحات قرآنية في سورتي الماعون والكوثر(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)
  • نفحات قرآنية في سور الشمس والضحى والعصر(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)
  • نفحات قرآنية في سورتي الفجر والبلد(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)
  • نفحات قرآنية في سورتي البروج والأعلى(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)
  • نفحات قرآنية في سورتي الانفطار والمطففين(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)
  • نفحات قرآنية في سور عم والنازعات والتكوير(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)
  • نفحات قرآنية في سورتي القيامة والإنسان(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب