تحقيق تخريج مسألة ( كان النبي يسلم تسليمتين )

تحقيق تخريج مسألة ( كان النبي يسلم تسليمتين )

للإمام الحافظ أبي محمد عبدالرحمن بن أبي حاتم الرازي

518- وسمعت أبي وذكر حديثاً حدثنا به عن حيوة بن شريح، عن بقية، عن الزبيدي، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان[1] يسلم تسليمتين.

فقال أبي: هذا حديث منكر.

رجال الإسناد:

• حيوة بن شريح الحمصي، ثقة، تقدمت ترجمته في المسألة رقم 517.

• بقية بن الوليد، صدوق يدلس عن الضعفاء، تقدمت ترجمته في المسألة رقم 517.

• الزبيدي: محمد بن الوليد بن عامر، أبو الهذيل الحمصي القاضي (ت 247).

قال ابن حجر: ثقة ثبت من كبار أصحاب الزهري.

انظر تهذيب الكمال 26/586، السير 6/281، التهذيب 9/502، التقريب (6372).

• الزهري: محمد بن شهاب، ثقة ثبت، تقدمت ترجمته في المسألة رقم 501.

• سالم بن عبد الله بن عمر، ثقة ثبت، تقدمت ترجمته في المسألة رقم 514.

• عبد الله بن عمر بن الخطاب العدوي، أبو عبد الرحمن، (ت73هـ).

صحابي جليل، ولد بعد المبعث بيسير، واستصغر يوم أحد، وهو ابن أربع عشرة، وكان من المكثرين من الصحابة، وكان من أشد الناس اتباعاً للأثر.

انظر الاستيعاب6/308، أسد الغابة 3/327، السير 3/203، الإصابة 6/167.

تخريج الحديث:

روى بقية بن الوليد هذا الحديث، واختلف عليه في إسناده ومتنه:

1- فرواه حيوة، عن بقية، عن الزبيدي، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يسلم تسليمتين.

2- ورواه يزيد بن عبد ربه، وسليمان بن سلمة، عن بقية، عن الزبيدي، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سلم بتسليمة.

3- ورواه سليمان بن سلمة، عن بقية، عن الزبيدي، عن الزهري، عن أنس، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سلم تسليمة واحدة.

الوجه الأول:

• أخرجه الطبراني في المعجم الأوسط 4/345، رقم 3593، وفي مسند الشاميين 3/41، رقم 1766، عن خير بن عرفة.

• والطحاوي في شرح معاني الآثار 1/268، عن أبي بكر بن أبي داود.

كلاهما عن حيوة بن شريح، عن بقية، عن الزبيدي، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يسلم تسليمتين.

• وقال الطبراني: لم يرو هذا الحديث عن الزهري إلا الزبيدي.

قلت: وخير بن عرفة المصري: محدث صدوق (السير 13/413).

وابن أبي داود، قال ابن حجر: الإمام الحافظ الثقة (لسان الميزان 3/292).

الوجه الثاني:

• أخرجه ابن عدي في الكامل 2/510، وابن الأعرابي في المعجم 2/871، رقم 1817 من طريق يزيد بن عبد ربه.

• ابن عدي في الكامل 2/510، من طريق سليمان بن سلمة.

كلاهما عن بقية، عن الزبيدي، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، سلم بتسليمة.

• وقال ابن عدي: وهذا الحديث عند بقية بإسنادين، عن الزبيدي، عن الزهري، عن سالم عن أبيه. وعن الزهري، عن أنس... وجميعاً لا يرويه عن الزبيدي[2] غير بقية.

قلت: ويزيد بن عبدربه: ثقة (التقريب 7745).

وسليمان بن سلمة: ضعيف جداً (الميزان2/209).

الوجه الثالث:

• أخرجه الطبراني في مسند الشاميين 3/8، رقم1696، عن إبراهيم بن محمد بن عرق، عن سليمان بن سلمة الخبائري، عن بقية، عن الزبيدي، عن الزهري، عن أنس بن مالك أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سلم تسليمة واحدة تلقاء وجهه.

قلت: وسليمان بن سلمة: ضعيف جداً كما تقدم.

النظر في المسألة:

مما تقدم يتضح أنه اختلف على بقية في إسناد هذا الحديث ومتنه:

1- فرواه حيوة، عن بقية، عن الزبيدي، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - يسلم تسليمتين.

2- ورواه يزيد بن عبد ربه، وسليمان بن سلمة، عن بقية، عن الزبيدي، عن الزهري، عن سالم، عن ابن عمر، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سلم بتسليمة.

3- ورواه سليمان بن سلمة، عن بقية، عن الزبيدي، عن الزهري، عن أنس، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - سلم تسليمة واحدة.

ولعل الوجهين الأول والثاني محفوظان عن بقية، حيث رواه في كل منهما ثقة، وهما حيوة، ويزيد. وأما متابعة سليمان ليزيد في الوجه الثاني فلا يعتد بها، لأنه ضعيف جداً.

وأما الوجه الثالث، فهو مرجوح عن بقية؛ لأنه أيضاً من رواية سليمان بن سلمة.

ولعل الحمل في هذا الاختلاف على بقية، وهو كما تقدم صدوق كثير التدليس عن الضعفاء، وقد تفرد بروايته عن الزهري، كما تقدم.

وقد سأل ابن أبي حاتم أباه عن الوجه الأول، فقال: هذا حديث منكر.

قلت: يعني بهذا الإسناد، لا مطلقاً، حيث سيأتي أن متن الحديث صحيح.

والحديث من وجهيه الراجحين إسناده ضعيف؛ لحال بقية.

ولكن روي من طريق أخرى عن ابن عمر، وقد وقع فيها اختلاف أيضاً: فرواه عمرو بن يحيى المازني، واختلف عليه، وعلى أحد الرواة عنه:

أولاً: رواه ابن جريج، ومحمد بن فليح، عن عمرو بن يحيى، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن عمه واسع بن حبان، عن ابن عمر، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يسلم تسليمتين وتابعهما الدراوردي - في أحد وجهين عنه -، كما سيأتي.

ثانياً: ورواه الدراوردي، واختلف عليه:

1- فرواه قتيبة، وأبو سلمة الخزاعي، عن الدراوردي، عن عمرو بن يحيى المازني، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن عمه واسع بن حبان، عن ابن عمر، نحوه.

2- ورواه الشافعي، عن الدراوردي، عن عمرو بن يحيى، عن محمد بن يحيى، عن عمه واسع بن حبان، قال مرة: عن ابن عمر، ومرة: عن عبدالله بن زيد.

وفيما يلي تفصيل ذلك:

أولاً: رواه ابن جريج، ومحمد بن فليح، عن عمرو بن يحيى، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن عمه: واسع بن حبان، عن ابن عمر، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يسلم تسليمتين:

• أخرجه النسائي 3/62، كتاب السهو، كيف السلام على اليمين، رقم 1320، وابن خزيمة 1/289، رقم 576، والبيهقي في الكبرى 2/178. من طريق حجاج بن محمد وابن خزيمة 1/289، رقم 576، وأحمد 2/152، وأبو يعلى في مسنده - كما في نتائج الأفكار 2/224، ومن طريقه ابن حجر في النتائج - ورواه الطحاوي في شرح معاني الآثار 1/268. من طريق روح بن عبادة.

• والشافعي في مسنده 1/99، رقم 285، وفي الأم 1/122 - ومن طريقه البيهقي في المعرفة 3/94، رقم 3844، وفي تخريج أحاديث الأم (ق 182/أ) - عن مسلم بن خالد، وعبد المجيد.

• كلهم عن ابن جريج، أخبرني عمرو بن يحيى المازني، به، نحوه.

• وتوبع ابن جريج؛ تابعه محمد بن فليح:

أخرجه ابن حجر في نتائج الأفكار 2/224، 225، من طريق يحيى بن محمد بن صاعد عن محمد بن يعقوب الزبيري، عن محمد بن فليح، عن عمرو بن يحيى، به.

• كما تابعهما الدراوردي في الراجح عنه، كما سيأتي.

ثانياً: ورواه الدراوردي، واختلف عليه:

1- فرواه قتيبة بن سعيد، وأبو سلمة الخزاعي، عن الدراوردي، عن عمرو بن يحيى المازني، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن عمه واسع بن حبان، عن ابن عمر:

• أخرجه النسائي 3/63، كتاب السهو، كيف السلام على الشمال، رقم 1321، والسراج في مسنده (11 ق 140/أ)، وفي الرابع من حديثه (ق 69/ب).

• كلاهما عن قتيبة.

• وأحمد 2/71، 72. عن أبي سلمة الخزاعي.

• وقتيبة، وأبو سلمة، كلاهما عن الدراوردي[3]، به، نحوه.

• وتابع الدراوردي على هذا الوجه: ابن جريج، ومحمد بن فليح، كما تقدم.

2- ورواه الشافعي، عن الدراوردي، عن عمرو بن يحيى، عن محمد بن يحيى، عن عمه واسع بن حبان، قال مرة: عن ابن عمر، ومرة: عن عبدالله بن زيد:

• أخرجه الشافعي في مسنده 1/99، رقم 286، وفي الأم 1/122- ومن طريقه البيهقي في المعرفة 3/95، رقم 3846، وفي تخريج أحاديث الأم (ق182/أ) -، عن الدراوردي، به.

• وقال البيهقي: أقام إسناده حجاج بن محمد وجماعة، وقصر به بعضهم عن ابن جريج واختلف فيه عبد العزيز بن محمد الدراوردي على عمرو بن يحيى، ومن أقامه حجة فلا يضره خلاف من خالفه، والله أعلم.

قلت: ولعل الوجهين محفوظان عن الدراوردي، إذ الرواة عنه في كليهما ثقات، ولعل الحمل في هذا الاختلاف على الدراوردي نفسه، حيث تقدم أنه متكلم فيه لكن الوجه الأول أرجح عن عمرو؛ حيث توبع عليه الدراوردي، في حين لم يتابع على الوجه الثاني، والله أعلم.

ومما تقدم فالراجح عن عمرو بن يحيى، هو ما رواه ابن جريج، ومحمد بن فليح، والدراوردي -مرة-، عنه، عن محمد بن يحيى بن حبان، عن عمه: واسع بن حبان، عن ابن عمر، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يسلم تسليمتين.

وإسناده من هذا الوجه الراجح صحيح؛ فعمرو بن يحيى، ومحمد بن يحيى: ثقتان، وواسع: صحابي، أوثقة. (التقريب 5138، 6381، 7380). والله أعلم كما إن له شواهد صحيحة عن عدد من الصحابة، وبعضها عند مسلم في صحيحه.

انظر صحيح مسلم 1/409. رقم 581، 582، السنن الكبرى للبيهقي 2/176، الإحسان 5/329، شرح معاني الآثار 1/266، وغيرها.