• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / علوم قرآن
علامة باركود

تفسير سورة الأعلى

تفسير سور الأعلى
أنور الداود النبراوي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 1/11/2012 ميلادي - 16/12/1433 هجري

الزيارات: 272180

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تفسير سورة الأعلى


تسمية السورة:

سميت بالأعلى؛ لما ورود في مطلعها، قال تعالى: ﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ﴾.

عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: ((ما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة حتى قَرَأْتُ: ﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ﴾ في سور مثلها)) (رواه البخاري) أي: فما جاء حتى تعلمتها مع سور أخرى مثلها في المقدار من أوساط المفصل، وهذا يدل على أن سورة الأعلى نزلت بمكة.


مناسبتها لما قبلها:

ذكر الله عز وجل في سورة الطارق خلق الإنسان فقال تعالى: ﴿ فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ ﴾ [الطارق: 5]، وذكر خلق النبات فقال:﴿ وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ ﴾ [الطارق: 12]، وذكر هنا خلق الإنسان فقال: ﴿ الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى ﴾، وذكر خلق النبات أيضًا فقال: ﴿ وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى* فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى ﴾، فدل ذلك على أنه الخالق الأعلى، سبحانه.


فضلها:

عن النعمان بن بشير رضي الله عنه: [أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في العيدين ويوم الجمعة: ((سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى))، و((هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ))] (رواه مسلم).


وجاء عن جابر بن سمرة رضي الله عنه: [أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقرأ في الظهر بـ((سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى))] (رواه مسلم) .


وعن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: [كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوتر بـ ((سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى))، و((قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ))، و((قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ)]  (أخرجه أحمد وصححه الألباني).

وعن جابر بن عبد الله رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ: [هلا صليت بـ: ((سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى))، ((وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا))، ((وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى))] (متفق عليه).


﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ﴾

التسبيح هو: التنزيه عن النقائص وكل ما لا يليق، وهو من الأسماء التي لا تضاف لغير اسم الله تعالى، فإذا قلت: سبحان الله، فالمعنى: إنني أنزه الله عن كل سوء وعيب ونقص، ولهذا كان من أسماء الله تعالى: (السلام، القدوس).


والمراد: نزه الله ربك عن كل ما لا يليق بجلاله وعظمته، وصفاته وأسمائه وأفعاله وأحكامه، مما يصفه به الملحدون.


وقال: ﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ ﴾ أي: سبحه ذاكرًا اسمه تعالى بالقلب واللسان، على وجه التعظيم.


ويدل لهذا المعنى قوله تعالى: ﴿ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ﴾ [الواقعة: 74].


وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: لما نزلت: ﴿ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ﴾.. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اجعلوها في ركوعكم »، ولما نزلت: ﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ﴾.. قال: « اجعلوها في سجودكم» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَابْن مَاجَه والدارمي، وحسنه الألباني؛ وذلك ليقرن أثر التنزيه الفعلي بأثر التنزيه القولي.


والافتتاح بأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يسبح اسم ربه بالقول، يؤذن بأنه سيلقي إليه عقبه بشارةً وخيرًا له وذلك قوله: ﴿ سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى ﴾.


وفي آيات أخر جاء الأمر بتسبيح الله تعالى؛ كقوله:﴿ فَسُبْحَانَ اللهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ ﴾ [الروم: 17]، وجاء أيضًا مقرونا بالضمير العائد إلى الله؛ كقوله: ﴿ وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا ﴾ [الإنسان: 26].


وهنا في هذه السورة لما ألحد في أسماء الله قوم ونزَّهها آخرون جاء التسبيح للاسم، كقوله تعالى: ﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴾ [الصافات: 180].


ويكون تنزيه أسماء الله تعالى على وجوه:

تنزيه اسم الله عمَّا ألحد فيه الملحدون، كتنزيه اسم الله تعالى عن كل ما لا يليق بجلاله، تنزيهها عن إطلاقها على الأصنام كاللات والعزى واسم الآلهة، وتنزيهها عن اللهو بها واللعب والعبث، كالتلفظ بها في حالة تنافي الخشوع والإجلال، أو وضعها في غير مواضعها، كنقش الثوب أو الفراش الممتهن، وتنزيهها عن المواطن غير الطاهرة أو غير اللائقة، كصيانة الأوراق المكتوب عليها لفظ الجلال من الابتذال صونًا لاسم الله، وعدم ذكره تعالى عند التثاؤب، وحال الغائط، وتجنب الحلف به كاذباً أو من غير مبالاة. فإن المأمور به هو إجراء الأخبار الشريفة والصفات الرفيعة على الأسماء الدالة على الله تعالى من أعلام وصفات ونحوها؛ ولهذا يكثر في القرآن إناطة التسبيح بلفظ اسم الله نحو قوله: ﴿ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ ﴾ [الواقعة: 74].


وقد وصف الله الأسماء الحسنى بأنها بالغة غاية الحسن؛ لاشتمالها على صفاته الكريمة، كما في قوله: ﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾ [الأعراف: 180] ﴿ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ﴾ [الإسراء: 110].


فتسبيح اسم الله: النطق بتنزيهه في خاصة نفس المرء، وبين الناس بذكر يليق بجلاله من العقائد والأعمال كالسجود والحمد، استحضار الناطق بألفاظ التسبيح ومعانيها إذ المقصود من الكلام معناه، وبذلك يتجدد تعظيم الله تعالى في نفس العبد، كما يتضمن التسبيح عبادة الله والخضوع لجلاله والاستكانة لعظمته.


وتسبيح الله على نوعين:

• إما تسبيح اسمه، وهذا ملاك التفرقة بين تعلق لفظ التسبيح بلفظ اسم الله نحو ﴿ وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا ﴾ [الإنسان: 26]ونحو ﴿ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ ﴾ [الأعراف: 206]فإذا قلنا: ﴿ الله أحد ﴾ أو قلنا: ﴿ هُوَ اللهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ ﴾ [الحشر: 23]إلى آخر السورة كان ذلك تسبيحا لاسمه تعالى.


• وأما تفكر العبد في عظمة الله تعالى وترديد تنزيهه في ذهنه فهو تسبيح لذات الله، وليس تسبيحًا لاسمه.


فإذا نفينا الإلهية عن الأصنام لأنها لا تخلق كما في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ ﴾ [الحج: 73]كان ذلك تسبيحا لذات الله لا لاسمه؛ لأن اسمه لم يجر عليه في هذا الكلام إخبار ولا توصيف.


ومآل الإطلاقين في المعنى واحد؛ لأن كلا الإطلاقين مراد به الإرشاد إلى معرفة أن الله منزه عن النقائص، ومما يدل على إرادة التسبيح بالقول وجود قرينة في الكلام تقتضيه، مثل التوقيت بالوقت في قوله تعالى: ﴿ وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا ﴾ [الأحزاب: 42]فإن الذي يكلف بتوقيته هو الأقوال والأفعال دون العقائد، ومثل تعدية الفعل بالباء مثل قوله تعالى: ﴿ وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ ﴾ [السجدة: 15]فإن الحمد قول فلا يصاحب إلا قولا مثله.


ويمكن أن يكون التسبيح هنا بمعنى الذكر والتعبد، كالتحميد والتهليل والتكبير، وفي السنة ما يشير لذلك، فقد روى الطبري وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنها لما نزلت، قال صلى الله عليه وسلم بعد أن قرأها: «سبحان ربي الأعلى»، وكذلك أمره أن تكون في الصلاة بقوله: «اجعلوها في ركوعكم» وقوله: «اجعلوها في سجودكم » كما سبق تخريجه.


وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «تسبحون دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين، وتكبرون ثلاثًا وثلاثين، وتختمون المائة بلا إله إلا الله» أخرجه مسلم وأبو داود. وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: «ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة بعد أن نزلت عليه ﴿ إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللهِ وَالْفَتْحُ ﴾ [النصر: 1]، إلا يقول: «سبحانك ربنا وبحمدك اللهم اغفر لي» أخرجه البخاري، وقالت: يتأول القرآن، وهذه الزيادة رواها ابن أبي عاصم.


وقالت أم سلمة: «إنه كان يقولها في قيامه وقعوده، ومجيئه وذهابه صلى الله عليه وسلم» فيكون سبح اسم ربك: أي اذكر ربك، فوضع الذكر موضع التسبيح.


وقوله: ﴿ رَبِّكَ ﴾ بمعنى أن الله تعالى هو الخالق الرازق المالك المدبر لجميع الأمور، وأضيف لفظ الرب إلى ﴿ اسْمَ ﴾ فقال: ﴿ اسْمَ رَبِّكَ ﴾ دون علم الجلالة نحو: سبح اسم الله؛ لما يشعر به وصف رب من أنه الخالق المدبر.


أما إضافة «رب»إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فهي إضافة تكريم وتشريف؛ ليكون له حظ زائد على التكليف بالتسبيح، وأتبع لفظ «ربك» بصفة «الأعلى» وما بعدها من الصفات الدالة على تصرفات قدرته، للإيماء إلى موجب الأمر بتسبيح اسمه بأنه حقيق بالتنزيه استحقاقا لذاته ولوصفه، بصفة أنه خالق المخلوقات خلقا يدل على العلم والحكمة وإتقان الصنع، وبأنه أنعم بالهدى والرزق اللذين بهما استقامة حال البشر في النفس والجسد، وأوثرت الصفات الثلاث الأُول لما لها من المناسبة.


والمشركون يقرون بأن الله له الملك، وله التدبير، وله الخلق، لكن يعبدون معه غيره: ﴿ وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللهُ ﴾ [لقمان: 25]. ﴿ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ ﴾ [الزخرف: 87]. كما أخبر الله سبحانه وتعالى بإقرارهم إذا سئلوا عن ذلك، قال سبحانه: ﴿ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللهُ ﴾ [يونس: 31].

 

﴿ الْأَعْلَى ﴾ من العلو وتفيد بصيغتها الزيادة في صفة العلو، ولم يذكر مع وصف الأعلى مفضل عليه، فلم يقل عز وجل (الأعلى) من كذا وكذا، بل الأعلى من كل شيء، فأفاد التفضيل المطلق.


فله جل في علاه كمال العلو، فله علو الذات وعلو الصفات.


أما علو الصفة: فإن أكمل الصفات لله عز وجل، قال تعالى: ﴿ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى ﴾ [النحل: 60].


وأما علو الذات: فهو أن الله تعالى فوق عباده مستو على عرشه، ولهذا كان الإنسان إذا سجد يقول: سبحان ربي الأعلى، يعني أنزه ربي الذي هو فوق كل شيء، لأني نزلت أنا أسفل كل شيء، فتسبح الله الأعلى بصفاته، والأعلى بذاته، وتشعر عندما تقول: سبحان ربي الأعلى، أن ربك تعالى فوق كل شيء، وأنه أكمل من كل شيء في الصفات.


روى الإمام أحمد عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا قرأ ﴿ سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ﴾ قال: «سبحان ربي الأعلى» أخرجه أحمد وصححه الألباني.


وكذلك في السفر، فإن العبد إذا نزل أو هبط منحدراً فإنه يقول: (سبحان الله ).

وإيثار هذا الوصف في هذه السورة لأنها تضمنت التنويه بالقرآن والتثبيت على تلقيه وما تضمنه من التذكير؛ وذلك لعلو شأنه فهو من متعلقات وصف العلو الإلهي إذ هو كلامه.


• • •

﴿ الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى ﴾

الذي خلق الكائنات جميعا، فأوجدها من العدم، وأحسن خلقها وأتقنه، وجعلها متسقة محكمة، ولم يأت بها متفاوتة غير ملتئمة بل وضع خلقها على نظام كامل، لا تفاوت فيه ولا اضطراب، فقدر لكل حي ما يصلحه مدة بقائه، وعرَّفه وجه الانتفاع بما خلق له، مما يكفي دلالة على أن موجدها هو العالم الحكيم المدبر، وحذف مفعول ﴿ خَلَقَ ﴾؛ليعم كل شيء أي خلق كل مخلوق، كقوله تعالى: ﴿ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾ [طه: 50].


فالله سبحانه وتعالى وحده هو الخالق، وبماذا يخلق؟ بكلمة واحدة: ﴿ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [آل عمران: 59] ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [يس: 82] كلمة واحدة، والخلائق كلها تموت وتفنى وتأكلها الأرض، وإذا كان يوم القيامة زُجِرَت زجرة واحدة؛ صيحة واحدة، وهي نفخة الصور، فتخرج. ﴿ فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ * فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ ﴾ [النازعات: 13، 14]. ﴿ إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنَا مُحْضَرُونَ ﴾ [يس: 53].


وقوله: ﴿ فَسَوَّى ﴾ يعني سوَّى ما خلقه على أحسن صورة، وعلى الصورة المتناسبة مع الأعمال التي في جبلته، وأول من يدخل فيها الإنسان، وفيه قال الله تعالى: ﴿ الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ ﴾ [الانفطار: 7، 8].﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ [التين: 4].


• • •

﴿ وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى ﴾

قدَّر كل شيء عز وجل فقدر أجناس الأشياء وأنواعها وصفاتها وأفعالها وأقوالها وآجالها، فقدر السموات وما فيها من الكواكب، وقدَّر الأرض وما فيها من المعادن، وما يظهر على وجهها من النبات، وما يعيش عليها من الحيوان، قدَّره في حاله، وفي مآله، وفي ذاته، وفي صفاته، فالآجال محدودة، والأحوال محدودة، والأجسام محدودة، كل شيء مقدر تقديرًا قال تعالى: ﴿ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا ﴾ [الفرقان: 2].


وعن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء» أخرجه مسلم.


وقوله: ﴿ فَهَدَى ﴾ أي: فهدى كل مقدَّر من المخلوقات إلى أداء وظائفه، وكيفية استعمال ما قدَّر فيه من المقادير والقوى فيما يناسب استعماله فيه، فالله لما قدر للإنسان أن يكون قابلا للنطق والعلم والصناعة بما وهبه من العقل وآلات الجسد، هداه لاستعمال فكره لما يحصِّل له ما خلق له.


ولما قدَّر النحل لإنتاج العسل ألهمها أن ترعى الزهور والثمار، وألهمها بناء الجِبْح وخلاياه المسدسة التي تضع فيها العسل، ومن أَجَلِّ مظاهر التقدير والهداية تقدير قوى التناسل للحيوان لبقاء النوع، وشمل بهذا الهداية بقسميها: الكونية، والشرعية.


• أما الكونية: فهي: أن الله هدى كل شيء لما خلق له، قال فرعون لموسى: ﴿ فَمَنْ رَبُّكُمَا يَا مُوسَى * قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾ [طه: 49، 50]. فتجد كل مخلوق قد هداه الله تعالى لما يحتاج إليه، وهو شيء مشاهد ومجرب، من الذي هداها لذلك؟ إنه الله عز وجل.


• أما الهداية الشرعية: وهي الأهم والمقصود من حياة بني آدم ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56]، فقد بيَّنَها الله عز وجل لعباده وهداهم لها، حتى الكفار قد هداهم الله وبيّـن لهم طريق الحق والنور، فتعاموا وتولوا معرضين، قال الله تعالى: ﴿ وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى ﴾ [فصلت: 17].


وإنما أخبرنا الله بأنه هو من خلق وبيده التقدير والهداية لأجل أن نلجأ إليه في جميع أمورنا، فإذا علمنا أنه هو الخالق بعد العدم، ثم أصابنا المرض أو البلاء بعد ذلك فإننا نلجأ إليه وحده؛ لأنه هو الذي خلق وأوجد من العدم وهو القادر على أن يَصح البدن، وإذا علمنا أنه هو الهادي فإننا نستهدي بهدايته وشريعته، حتى نصل إلى ما أعد لنا ربنا عز وجل من الكرامة، قال تعالى: ﴿ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ ﴾ [الأعراف: 43].


• • •

﴿ وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى ﴾

والمرعى: هو الكلأ الأخضر، وكل ما تخرجه الأرض من النبات والثمار والزروع المختلفة.


والمراد: أن الله أنزل من السماء ماء، فأنبت به بكمال قدرته أنواعًا من نبات وعشب شتى، ما بين أخضر وأصفر وأحمر وأبيض، ومن كل الثمرات التي ينتفع الإنسان بها في خاصة نفسه أو في رعي مواشيه.


وإيثار كلمة (المرعى) دون لفظ النبات؛ لما يشعر به مادة الرعي من نفع الأنعام به، ونفعها للناس الذين يتخذونها، إضافة إلى مراعاة الفاصلة.


• • •

﴿ فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى ﴾

أي أن ذلك المرعى والعشب بعد أن كان أخضراً غضاً ناعماً هشيماً، جعله ﴿ غُثَاءً أَحْوَى ﴾ .


والغثاء: هو اليابس من النبت، أي: جافا كالغثاء والقمام الذي يحمله السيل ويكون فوقه.


﴿ أَحْوَى ﴾ أي: أسود بعد اخضراره، لأن الكلأ إذا قدم وأصابته الأمطار اسودّ وتعفّن، فصار أحوى: من الحوة، وهي: سمرة تقرب من السواد. وقصر مدة الخضرة، فيها إيماء إلى مدة العمر، وسرعة زوال الدنيا ونعيمها.


فكان انبات الزرع نعمة وغذاء، ثم في زواله تذكرةً وعبرةً، قال تعالى: ﴿ فَأَنْزَلْنَا بِهِ الْمَاءَ فَأَخْرَجْنَا بِهِ مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ كَذَلِكَ نُخْرِجُ الْمَوْتَى لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ ﴾ [الأعراف: 57].


• • •

﴿ سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى ﴾

سنحفظ ما أوحينا إليك من الكتاب، ونوعيه قلبك، فلا تنسى منه شيئًا أصلا من قوة الحفظ والإتقان، وهذه الجملة مسوقة لبيان هدايته تعالى الخاصة برسول الله صلى الله عليه وسلم إثر بيان هدايته تعالى العامة لكافة مخلوقاته، وهي هدايته صلى الله عليه وسلم لتلقي الوحي، وحفظ القرآن الذي هو هدى للعالمين، وتوفيقه صلى الله عليه وسلم لهداية الناس أجمعين.


وإنها بشارة كبيرة، ووعد كريم من الله لعبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، أنه يقرئه القرآن ولا ينساه الرسول، وكان الرسول عليه الصلاة والسلام يتعجل إذا جاء جبريل يُلقي عليه الوحي مخافة أن ينسى، حتى نزلت ﴿ سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنْسَى ﴾ فألهمه الله وعصمه من نسيان القرآن.. قال الله تعالى: ﴿ لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ * فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ ﴾ [القيامة:16، 19]فصار النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ينصت حتى ينتهي جبريل من قراءة الوحي ثم يقرؤه. قال تعالى: ﴿ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا ﴾ [طه: 114].

 

• • •

﴿ إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى ﴾

لا تنسى مما تقرأه إلا ما شاء الله مما اقتضت حكمته أن ينسيكه لمصلحة بالغة، بأن يكون نسخت تلاوته، فإن الأمر بيده عز وجل: ﴿ يَمْحُو اللهُ مَا يَشَاءُ وَيُثْبِتُ وَعِنْدَهُ أُمُّ الْكِتَابِ ﴾ [الرعد: 39].﴿ مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ﴾ [البقرة:106، 107].


وقال الفراء: وهو سبحانه لم يشأ أن ينسي محمدًا صلى الله عليه وسلم شيئا، وهو نظير قوله تعالى:﴿ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ ﴾ [هود: 107]إلا أن القصد من هذا الاستثناء بيان أنه لو أراد أن يصيره ناسيا..لقدر على ذلك، كما جاء في قوله: ﴿ وَلَئِنْ شِئْنَا لَنَذْهَبَنَّ بِالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ بِهِ عَلَيْنَا وَكِيلًا ﴾ [الإسراء: 86]لأن عدم النسيان فضل من الله تعالى وإحسان، لا من قوته.


• • •

﴿ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى ﴾

أي إن الله تعالى يعلم ما يجهر به الإنسان ويتكلم به مسموعًا، (وَمَا يَخْفَى) وما يكون خفيًّا لا يُظهر فإن الله يعلمه، كما قال تعالى:﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ ﴾ [ق: 16].


والمعنى: إن الذي وعدك بأنه سيقرئك، وأنه سيجعلك حافظا لما تقرأ فلا تنساه، عالم بالجهر والسر، ويعلم ما يصلح عباده فيشرع ما أراد، ويحكم بما يريد.


ولما كان في الوعد بالإقراء والوعد بتشريع الأحكام، قد يكون فيه ما يصعب على المخاطبين احتماله- أردفه بوعد آخر يزيده حلاوة في النفوس، وهو التيسير والإعانة، فقال سبحانه:(وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى)

 

• • •

﴿ وَنُيَسِّرُكَ لِلْيُسْرَى ﴾

نسهل عليك أفعال الخير وأقواله، ونشرع لك شرعا سهلا سمحا مستقيما عدلا، لا اعوجاج فيه ولا حرج ولا عسر، وهذه أيضًا بشارة كبيرة، ووعد آخر كريم أن الله ييسر رسوله صلى الله عليه وسلم لليسرى في جميع أموره، ويجعل شرعه ودينه يسرا، يسهل على النفوس قبوله، ولا يصعب على العقول فهمه، واليسرى أن تكون أموره ميسرة، ولاسيما في طاعة الله عز وجل، ولهذا لم يقع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في شدة وضنك إلا وجد له مخرجًا عليه الصلاة والسلام.


• • •

﴿ فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى ﴾

عظ الناس يا محمد صلى الله عليك وسلم بما أوحينا إليك، وأرشدهم إلى سبل الخير، واهدهم إلى شرائع الدين.﴿ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى ﴾ في محل تنفع فيه الذكرى، فتكون ﴿ إِنْ ﴾ شرطية، أي: إن نفع التذكير والعظة والنصيحة فذكر، وإن لم تنفع فلا تذكر، لأنه لا فائدة من تذكير قوم نعلم أنهم لا ينتفعون، وتقييد التذكير بنفع الذكرى؛ لما حدث من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طالما كان يذكرهم، ويستفرغ فيه جهده حرصا على إيمانهم، وكان لا يزيد ذلك بعضهم إلا كفرًا وعنادًا، فأمر صلى الله عليه وسلم بأن يخص التذكير بمدار النفع في الجملة، ولا يتعب نفسه في تذكير من لا يزيده التذكير إلا عتوًا ونفورًا، قال تعالى: ﴿ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ ﴾ [ق: 45].


وقال بعض العلماء: المعنى ذكِّر على كل حال، والذكرى سوف تنفع، فتكون: (إن) في معنى: (قد)، فالذكرى لابد منها حتى وإن ظننت أنها لا تنفع، فإنها سوف تنفعك أنت، وسوف يعلم الناس أن هذا الشيء الذي ذكرت عنه إما واجب، وإما حرام، وإذا سكتَّ والناس يفعلون المحرم، قال الناس: لو كان هذا محرمًا لذكَّر به العلماء، أو لو كان هذا واجبًا لذكَّر به العلماء، فلابد من التذكير ولابد من نشر الشريعة سواء نفعت أم لم تنفع.


• • •

﴿ سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشَى ﴾

سيتعظ بما تبلغه يا محمد صلى الله عليه وسلم مَن كان يخشى الله ويعلم أنه ملاقيه، ويخاف عقابه؛ لأنه هو الذي يتأمل في كل ما تذكره له، فيتبين له وجه الصواب، ويظهر له سبيل الحق.


﴿ سَيَذَّكَّر ﴾ إيماء إلى أن ما جاء به الرسول بلغ حدًا من الوضوح لا يحتاج معه إلا إلى التذكير فحسب، وإنما الذي يحول بينهم وبين اتباعه واقتفاء آثاره - تقليد الآباء والأجداد.


فبيَّن الله تعالى أن الناس ينقسمون بعد الذكرى إلى قسمين:

القسم الأول: من يخشى الله عز وجل، أي يخافه خوفًا عن علم بعظمته جل وعلا، فهذا إذا ذكِّر بآيات ربه تذكَّر، كما قال تعالى في وصف عباد الرحمن: ﴿ وَالَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ لَمْ يَخِرُّوا عَلَيْهَا صُمًّا وَعُمْيَانًا ﴾ [الفرقان: 73]. فمن يخشى الله ويخاف الله إذا ذكُّر ووعظ بآيات الله اتعظ وانتفع وازداد بالتذكير خشية. والقسم الثاني: أشار إليه قوله:

﴿ وَيَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى ﴾

و﴿ الْأَشْقَى ﴾: اسم تفضيل من الشقاء، قال الله: ﴿ فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ ﴾ [هود: 106]، وهو المتصف بالشقاوة البالغ غايتها من الكفرة، لإصراره على الكفر، وانهماكه في المعاصي، ولتوغله في عداوة النبي صلى الله عليه وسلم، فالكافر يُذكر ولا ينتفع بالذكرى بل يتجنبها ويبتعد عنها، ولا يسمعها سماع قبول. وضد ذلك السعادة، قال تعالى:﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ ﴾ [هود: 108].


والناس بالنظر إلى دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم أقسام ثلاثة:

1- عارف صحتها، موقن بصدقها، لا يدور بخلده تردد ولا شك، وهذا هو المؤمن الكامل الذي يخشى ربه.

2- ومتردد متوقف إلى أن يقوم لديه البرهان، فإذا هو سنح له بادر إلى التصديق بها، وهذا أدنى من سابقه.

3- وشقي معاند لا يلين قلبه للذكرى، ولا تنال الدعوة من نفسه قبولا، وهو شر الأقسام وأبعدها من الخير.

 

• • •

﴿ الَّذِي يَصْلَى النَّارَ الْكُبْرَى ﴾

يدخل النار العظيمة الفظيعة، فيعذب عذابًا أليمًا، من غير راحة ولا استراحة، حتى إن أهل النار يتمنون الموت فلا يحصل لهم، كما قال تعالى: ﴿ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا ﴾ [فاطر: 36]وهي: الطبقة السفلى من طبقات النار؛ لأنها أشد حرا من غيرها، قال تعالى: ﴿ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا ﴾ [النساء: 145].


فكما أن الكفار أشقى العصاة، كذلك يصلون أعظم النيران، وقيل: الكبرى: نار جهنم، لأن نار الدنيا صغرى بالنسبة لها، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( ناركم هذه ما يوقد بنو آدم جزء واحد من سبعين جزءا من نار جهنم قالوا والله إن كانت لكافية قال إنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءا كلهن مثل حرها ) متفق عليه.


• • •

ثم بين الله تعالى عاقبة هذا الأشقى، ومآل أمره فقال:

﴿ ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا ﴾

إن هذا الشقي لا يموت فيستريح مما هو فيه من العذاب، ولا يحيا حياة سعيدة فينتفع بها، فهم أحياء في الواقع، لكن أحياء يعذبون ﴿ كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا ﴾ [النساء: 56].


وكما حكاه الله جل جلاله عنهم ﴿ وَنَادَوْا يَا مَالِكُ ﴾وهو خازن النار﴿ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ ﴾أي ليهلكنا ويريحنا من هذا العذاب ﴿ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ ﴾ فلا راحة حينئذ، بل هم في عذاب، ويقال لهم: ﴿ لَقَدْ جِئْنَاكُمْ بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ ﴾ [الزخرف:77-78] وبهذا يظل يشعر بما يعاقب به من أليم العذاب وأنواع النكال.


عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون، ولكن أناس - أو كما قال - تصيبهم النار بذنوبهم - أو قال: بخطاياهم - فيميتهم إماتة حتى إذا صاروا فحما أذن في الشفاعة، فجيء بهم ضبائر ضبائر فبثوا على أنهار الجنة فيقال: يا أهل الجنة أفيضوا عليهم، فينبتون نبات الحبة تكون في حميل السيل» رواه مسلم.


قال: فقال رجل من القوم حينئذ: كأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بالبادية.


والمعنى أنهم لا يموتون فيها ميتة يستريحون بها، ولا يحيون حياة يسعدون بها، فهم في عذاب وجحيم، وشدة يتمنون الموت ولكن لا يحصل لهم.


• • •

﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى ﴾

الفلاح كلمة جامعة لكل خير، دافعة لكل شر، والمراد: قد فاز المتزكي بالمطلوب وربح وظفر بما يرجوه، ونجا من المكروه ومن المرهوب.


والتزكية: هي التطهير والنقاء، ومنه سميت الزكاة زكاة؛ لأنها تطهر الإنسان من الأخلاق الرذيلة، أخلاق البخل، كما قال تعالى: ﴿ خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ﴾ [التوبة: 103].


والمعنى: قد فاز من تطهَّر وتاب من الذنوب، وتنقَّى باطنه من الشرك بالله عز وجل، والشك، والنفاق، ومن العداوة والبغضاء للمسلمين، ومساوئ الأخلاق التي يجب أن يتطهر القلب منها، ثم تَطهَّر ظاهره من إطلاق لسانه وجوارحه في العدوان على عباد الله عز وجل، فلا يسبُّ ولا يغتاب أحدًا، ولا ينم عن أحد، ولا يعتدي على أحد بضرب، أو جحد مال، أو غير ذلك.


فالتزكِّي كلمة عامة تشمل التطهر من كل درن ظاهر أو باطن، وله ثلاث متعلقات: الأول: في حق الله. والثاني: في حق الرسول. والثالث: في حق عامة الناس.


ففي حق الله تعالى يتزكى من الشرك فيعبد الله تعالى مخلصًا له الدين، لا يرائي، ولا يسمع، ولا يطلب جاهًا، ولا رئاسة فيما يتعبد به الله عز وجل، وإنما يريد بهذا وجه الله والدار الآخرة؛ وفي حق الرسول يتزكى من الابتداع فيعبد الله على مقتضى شريعة النبي صلى الله عليه وسلم في العقيدة، والقول، والعمل.


وهذا طريق السلف - أهل السنة والجماعة - الذين يؤمنون بكل ما وصف الله به نفسه في كتابه، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، فلا يبتدعون شيئًا لا في العبادات القولية، ولا في العبادات الفعلية، شأنهم اتباع ما جاء به الشرع.


وفي معاملة الناس يتزكى من الغل والحقد والعداوة والشحناء، ويتزكى من الحسد والكبر وسوء الظن، ويتجنب كل ما يجلب العداوة والبغضاء بين المسلمين، ويفعل كل ما فيه المودة والمحبة ومن ذلك: إفشاء السلام فهو من أقوى الأسباب التي تجلب المحبة والمودة بين المسلمين، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم: أفشوا السلام بينكم » رواه مسلم.


فإن المسلم لو مر به أحد ولم يسلِّم عليه صار في نفسه شيء، أمّا إذا شاع السلام وانتشر بين الناس، فإنه يصير كالرباط بينهم، فيوجب لهم ذلك المودة والمحبة، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما: أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الإسلام خير؟ قال: ( تطعم الطعام وتقرأ السلام على من عرفت ومن لم تعرف ) متفق عليه.


لأنك إذا سلمت على من تعرف فقط لم يكن السلام خالصًا لله، فسلِّم على من عرفت ومن لم تعرف من المسلمين حتى تنال بذلك محبة المسلمين، وبهذا يحصل تمام الإيمان، ومن ثمَّ دخول الجنة، جعلنا الله من أهلها.


• • •

﴿ وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى ﴾

واتصف بذكر الله، وانصبغ به قلبه ولسانه، فا ستحضر في قلبه صفات ربه من الجلال والكمال، فخضع لجبروته وقهره، فإن المرء متى ذكر ربه العظيم، وجل قلبه وخاف من سطوته وامتلأت نفسه خشية منه، ورهبة لجلاله، قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ ﴾ [الأنفال: 2].


﴿ فَصَلَّى ﴾ فأوجب له ذلك الإقبال على الله، والعمل بما يرضي الله، فأقام الصلاة التي هي ميزان الإيمان، وذكر بعض العلماء أن مراتب أعمال المكلف ثلاث:

أولاً: إزالة العقائد الفاسدة عن القلب، وهي المرادة بالتزكي.


ثانياً: واستحضار معرفة الله بذاته وصفاته وأسمائه، وهي المرادة بالذكر؛ لأن الذكر بالقلب ليس إلا المعرفة.


ثالثاً: الاشتغال بالخدمة والطاعة، وهي المرادة بالصلاة؛ ذات الخشوع والخضوع، فمن استنار قلبه بمعرفة جلال الله، لا بد وأن يظهر في لسانه وجوارحه أثر الذلِّ والتواضع الخشوع لله عز وجل.


وأضاف الله عز وجل الذكر للاسم ليكون الذكر باللسان؛ لأنه ينطق فيه باسم الله، ويدخل في ذلك الوضوء، فالوضوء من ذكر اسم الله، أولًا: لأن الإنسان لا يتوضأ إلا امتثالًا لأمر الله. وثانيًا: أنه إذا ابتدأ وضوءه قال: بسم الله، وإذا انتهى قال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين.


ومن ذكر الله عز وجل خطبة الجمعة، لقول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ﴾ [الجمعة: 9]. وعلى هذا قال بعض العلماء: ﴿ وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ ﴾ يعني الخطيب يوم الجمعة ﴿ فَصَلَّى ﴾ أي صلاة الجمعة.


كما يشمل المواعظ والدروس وكل ذكر لاسم الله Y، فالإنسان كلما ذكر اسم الله اتعظ وأقبل إلى الله وصلى.


ثم إن التزكية فضل وتوفيق لا يحصل للعبد إلا بمشيئة الله، فعلى العبد الدعاء وطلب العون من الله عليها، قال تبارك وتعالى: ﴿ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ﴾ [النور: 21]. أمّا تزكية النفس، بمعنى امتداحها والاغترار بذلك، فهذا جاء النهي عنه، قال تعالى: ﴿ فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى ﴾[ النجم: 32]. وخاصة أن ذلك المديح قد لا يكون صحيحا، قال تعالى:﴿ قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا ﴾ [الحجرات: 14].


• • •

﴿ بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴾

﴿ بَلْ ﴾ هنا للإضراب الانتقالي، لبيان حال الإنسان في إيثار العاجل على الآجل﴿ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴾ تقدمونها وتختارون نعيمها المنغص المكدر الزائل على أمر الآخرة الباقية، وتستبدلونها بالذي فيه نفعكم وصلاحكم في معاشكم ومعادكم.


فالكافر يؤثرها إيثار كفر يرى أن لا آخرة، والمؤمن يؤثرها إيثار معصية وغلبة نفس إلا من عصم الله تعالى.


ومن أسباب ذلك: الجهل، وعدم العلم بالحقائق، كما في قوله تعالى:﴿ وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾[العنكبوت: 64].


ومنها: أن الدنيا زينت للناس وعجلت لهم كما في قوله: ﴿ زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴾ [آل عمران: 14]. والإنسان خلق من عجل، يحب العاجلة – التي هي الدنيا – وغالب حاله العجلة والاستعجال، قال تعالى: ﴿ وَيَدْعُ الْإِنْسَانُ بِالشَّرِّ دُعَاءَهُ بِالْخَيْرِ وَكَانَ الْإِنْسَانُ عَجُولًا ﴾  [الإسراء: 11]


والمراد بإيثار الحياة الدنيا: هو الرضا بها، والاطمئنان إليها، والإعراض عن الآخرة بالكلية، كما في قوله تعالى: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ ﴾ [يونس: 7].


قال عرفجة الأشجعي: كنا عند ابن مسعود فقرأ هذه الآية، فقال لنا: أتدرون لـم آثرنا الحياة الدنيا على الآخرة؟ قلنا: لا، قال: لأن الدنيا أحضرت، وعجل لنا طعامها وشرابها ونساؤها ولذاتها وبهجتها، وأن الآخرة نعتت لنا، وزويت عنا فأحببنا العاجل، وتركنا الآجل، أخرجه الطبري.


• • •

﴿ وَالْآَخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ﴾

والآخرة خير من الدنيا في كل وصف مطلوب.﴿ وَأَبْقَى ﴾ لكونها دار خلد وبقاء وصفاء، والدنيا دار فناء، فالمؤمن العاقل لا يختار الأردأ على الأجود، ولا يبيع لذة ساعة، بترحة الأبد، فحب الدنيا وإيثارها على الآخرة رأس كل خطيئة، فكيف يؤثر عاقل ما يفنى على ما يبقى، ويهتم بما يزول عنه قريبا ويترك الاهتمام بدار البقاء والخلد.


عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من أحب دنياه أضر بآخرته، ومن أحب آخرته أضر بدنياه، فآثروا ما يبقى على ما يفنى» أخرجه أحمد وصححه الألباني.


قال مالك بن دينار: لو كانت الدنيا من ذهب يفنى، والآخرة من خزف يبقى، لكان الواجب أن يؤثر خزف يبقى على ذهب يفنى، فكيف والآخرة من ذهب يبقى، والدنيا من خزف يفنى.


إن ظواهر الأشياء إلى حقائقها، كالقشر بالنسبة إلى اللب، واللب خير من القشر وأبقى؛ فأرباب القشور يؤثرون الأمور الظاهرة الخسيسة الفانية على الأمور المعنوية الشريفة الباقية؛ لكونهم محجوبين عن الآخرة، أما أولوا الألباب وأرباب اللباب يختارون الله والدار الآخرة، بل اللهَ يختارون ويؤثرون، قال تعالى: ﴿ قُلِ اللَّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ ﴾ [الأنعام: 91].فمتاع الآخرة دائم، ونعيمها لا يزول، ولا منّ فيه ولا تنقيص ، ومتاع الدنيا متاع زائل تشوبه الأكدار، وتحوط به الآلام.


• • •

﴿ إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى ﴾

إن ما ذكر من فلاح من تزكى، وتطهير النفس عما لا ينبغي، وتكميل الروح بالمعارف، وتكميل الجوارح بالطاعة، والزجر عن الالتفات إلى الدنيا، والترغيب في الآخرة، وفي ثواب الله تعالى في دار كرامته، وأن الآخرة خير وأبقى من الدنيا، وكذلك ما تضمنته الآيات من المواعظ ﴿ لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى ﴾ لثابت في الشرائع لا يختلف باختلافها، في جميع الصحف السالفة والسابقة على هذه الأمة.


• • •

﴿ صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى ﴾

كل ذلك ثابت في ﴿ صُحُفِ ﴾ أبيك الخليل ﴿ إِبْرَاهِيمَ ﴾ عليه السلام ﴿ وَ ﴾صحف أخيك الكليم ﴿ مُوسَى ﴾ عليه السلام وهما أشرف الأنبياء والمرسلين، بعد النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وفي صحف كل منهما من المواعظ ما تلين به القلوب وتصلح به الأحوال، وهذا يؤكد ترابط الكتب السماوية، ومثله قوله تعالى: ﴿ أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى * وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى * أَلَّا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى * وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى * وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى ﴾ [النجم: 36 – 42]فهذه أوامر في كل شريعة، لكونها عائدة إلى مصالح الدارين، وهي مصالح في كل زمان ومكان، وهي شريعة الله وحكمه في الأولين والآخرين.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير سورة الزلزلة
  • فضل آية الكرسي وتفسيرها
  • تفسير سورة الفاتحة
  • تفسير سورة الغاشية
  • تفسير سورة الفاتحة
  • تفسير سورة قريش
  • تفسير القرآن الحكيم .. سورة الحجر (الآيات 14 : 15)
  • خطبة عن سورة الأعلى
  • تفسير سورة الحديد كاملة
  • تأملات في سورة الأعلى
  • فوائد من سورة الأعلى
  • تفسير سورة الأعلى

مختارات من الشبكة

  • تفسير سور المفصل 212 - سورة الأعلى ج 1 - مقدمة لتفسير السورة(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (135 - 152) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (102 - 134) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (65 - 101) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (1 - 40) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • منتقى التفاسير في تفسير سورة البقرة: تفسير الآيات من (40 - 64) (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تفسير السور المئين من كتاب رب العالمين تفسير سورة يونس (الحلقة السادسة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير سور المفصل (34) تفسير سورة قريش (لإيلاف قريش)(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • تفسير سورة المفصل ( 33 ) تفسير سورة الماعون(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • تفسير سور المفصَّل ( 32 ) تفسير سورة الكوثر ( إن شانئك هو الأبتر - الجزء الرابع )(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب