• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    أحكام التعاقد بالوكالة المستترة وآثاره: دراسة ...
    د. ياسر بن عبدالرحمن العدل
  •  
    خطبة: أم سليم ضحت بزوجها من أجل دينها (1)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    خطبة: التربية على العفة
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    التلاحم والتنظيم في صفوف القتال في سبيل الله...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أسس التفكير العقدي: مقاربة بين الوحي والعقل
    الشيخ حذيفة بن حسين القحطاني
  •  
    ابتلاء مبين وذبح عظيم (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    فضل من يسر على معسر أو أنظره
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    حديث: لا طلاق إلا بعد نكاح، ولا عتق إلا بعد ملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    كونوا أنصار الله: دعوة خالدة للتمكين والنصرة
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    لا تعير من عيرك
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    من مائدة التفسير: سورة النصر
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    أربع هي نجاة الإنسان في الدنيا والآخرة (خطبة)
    د. أحمد بن حمد البوعلي
  •  
    وحدة المسلمين (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    المسارعة إلى الاستجابة لأمر الله ورسوله صلى الله ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: { إذ قال الله يا عيسى ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن
علامة باركود

نفحات قرآنية (11)

نفحات قرآنية (11)
بخاري أحمد عبده

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 17/10/2012 ميلادي - 1/12/1433 هجري

الزيارات: 5139

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

نفحات قرآنية (11)


بسم الله الرحمن الرحيم: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [آل عمران: 102 - 105].

 

حذو مثل الآيات يجعل بنا أن نقف فنطيل الوقوف، نصعد خلالها البصر، وننعم بمشهد أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين وحسن أولئك رفيقًا.

 

وسرعان ما نندحر حين تمنع ظلمة الواقع مد البصر، فنرتطم بالحاضر المر الذي يجثم غصة على الصدور كما تجثم الجلطة في الأوعية الدموية. حينئذ ينقلب إليك البصر خاسئًا حسيرًا يتعثر في أشلاء أولئك الذين خلفوا من بعد. وعدنا - في غير وعي -نهمهم بقول الله:

﴿ فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ شَيْئًا ﴾ [مريم: 59، 60].

 

وتنداح دوائر الشجون، وتتداعى المعاني فتسرح النفس في خربات أولئك الذين ذكروا (بضم الذال وكسر الكاف المشددة) فنسوا وبدلوا، وعتوا فسيموا سوء العذاب، وغاصوا في أوحال الأدنى وتقطعوا في الأرض أمما.

 

وصحنا - في غير وعي - ما أشبه الليلة بالبارحة، وعدنا نتمتم بقرآن: ﴿ فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا[1] قِرَدَةً خَاسِئِينَ * وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ * وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَمًا مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ * فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ[2] عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ[3] سَيُغْفَرُ لَنَا وَإِنْ يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ[4] يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيه ﴾ [الأعراف: 166 - 169].

 

نعم يجمل هنا أن نقف فنطيل الوقوف. فالقرآن - كما علمنا - لا يجذ عطاؤه، ولا تنفذ معانيه، وأنت إذ تنظر فيه بعين زمانك، ووعي عصرك، وحس مشاكلك، تنتثل منه وتنتثل، وتكتشف الجديد، وتظفر بالخرائد الفرائد التي تأسو علل الزمان، وتشخص أدواء الجيل.

 

ولا نزاع في أن من شر العلل التي تجتاح المسلمين علة الشقاق والشتات. ولقد كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يعوذ بالله من شتات الأمر ووسوسة الصدر استعاذته به سبحانه من عذاب القبر كما روى عنه وإن كان فيه ضعف:

(اللهم إني أعوذ بك من عذاب القبر، ووسوسة الصدر، وشتات الأمر) وشتات الأمر - فيما أحسب - هو الفردية التي تفك عقال الفؤاد كي يجمح وراء الأهواء، فيتشتت، ويتبع الشعب كلها، ويمسي شعبًا، بكل واد شعبة مصداق حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم.

 

نداء التوحيد:

والمؤمن سداه، ولحمته التوحيد. وكل المعاني الإسلامية الأخرى تجود، وتزهو في حمى التوحيد بين السدى واللحمة.

 

والمؤمنون في كنف التوحيد متلاقون تجمعهم وحدة الولاية ووحدة الغاية ووحدة الوسيلة. وبعضهم - في ظل ولاية الله - أولياء بعض، يتلاقون بلا تدابر، ويتعاونون بلا تخاذل ويتناصرون فلا تناحر ﴿ وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيم ﴾ [التوبة: 71].

 

هكذا بواو الجمع في كل شئونهم ليظل دأبهم التجمع وهمهم المجتمع.

 

والوجود الصحي للمؤمن لا يكمل إلا في إطار الجماعة. فلا فردية إذ الله وحده هو الفرد الصمد. وإذا انفرد المسلم بنفسه، وانفك عن أمته أوشك معين الإيمان فيه أن ينضب، ويغيض، ولذا كان من دعاء النبيين ﴿ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِين ﴾ [الأنبياء: 89].

 

وإذا شط وبعد اختطف، وانتهب (إنما يأكل الذئب من الغنم القاصية).

 

ولشدة ارتباط الوحدة بالتوحيد اختلفت رؤية نبيين كريمين إلى مرتبتهما:

هارون عليه السلام رأى أن قضية الوحدة حرية بالمراعاة، وأن التصدع يفضي إلى انكشاف وشتات. وأن من شت شذ، ومن شذ شذ في النار. ولذلك خشى أن يكون - من حيث لا يحتسب - معول تفريق، وآثر التريث والتأني في شأن أولئك الذين كفروا واتخذوا العجل.

 

وموسى - عليه السلام - رأى أن الأساس التوحيد فإذا اندك كله، أو بعضه تصدعت سائر الدعائم وانهار البنيان. ولذلك غلى، واشتد وقذف بالزبد، وأخذ برأس أخيه يجره إليه منكرًا عليه ألا يكون حاسمًا حازمًا في قضية حيوية كقضية التوحيد، وأن يقف موقف الرجاء الهين اللين حيال المرتدين ﴿ قَالَ يَاهَارُونُ مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا * أَلَّا تَتَّبِعَنِ أَفَعَصَيْتَ أَمْرِي[5]* قَالَ يَاابْنَ أُمَّ لَا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلَا بِرَأْسِي إِنِّي خَشِيتُ أَنْ تَقُولَ فَرَّقْتَ بَيْنَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي ﴾ [طه: 92- 94].

 

والحق أن التوحيد حبل الله الذي ينتظم المؤمنين جميعًا. فهو بالضروة يجمع، ويوحد، ويرفع إلى أفق رفيع فسيح يؤاخي، ويصهر، ويبرز المؤمنين كل المؤمنين في كينونة واحدة. والتوحيد الذي لا يحقق هذا حري بإعادة النظر فيه كما أن التجمع لا يكون موطد الأركان، سامق الدعائم متبعًا إلا شد على أرضية من توحيد. وظني أن هارون عليه السلام اعتبر الشكل، ونظر إلى وحدة الصف باعتبارها مظهرًا من مظاهر التوحيد، وأن موسى عليه السلام تجاوز الشكل إلى الموضوع فارتاع حين مادت أرضية التوحيد وزلزلت زلزالها.

 

وليست العبرة أبدًا بوحدة الشكل. فالله تعالى قد ذم قومًا استوفوا جوانب المظهر وأفئدتهم خواء 0﴿ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعًا وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ﴾ [الحشر: 14].

 

كما عرض سبحانه بفرعة جسام راع مبناهم وضاع معناهم ﴿ وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ﴾ [المنافقون: 4].

 

إن الإسلام يعني بالمخبر، ولكن لا يغفل المظهر المتاح.

 

فالتماسك الذي يشد المؤمن إلى المؤمن يحكم صلابته أوثق عرا الإيمان من موالاة في الله،وحب في الله، وبغض في الله مصداق ما رواه ابن عباس عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم.

 

والمؤمن في كنف أوثق العرا صحي النزعات، طيب النفس، وطيب النفس النعيم. ومقومات المسلم تلك ترتفع بالمسلمين إلى مستوى القربى، وتقتضي بالضروة المودة في القربى.

 

والمودة في القربى تغذي الانفعال بالقربى، وتفضي إلى مزيد من التآلف والتداني إلى مزيد من قربى ومزيد من مودة يصورها الله تعالى في صورة عائد تقر به عين رسول الله نفسه ﴿ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ﴾ [الشورى: 23].

 

والقربى هنا أعم مفهومًا،وأرحب أفقًا. فهي تسع العشيرة الأقربين المعنيين بقول الله ﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾ [الشعراء: 214]، وتسع مفهوم كلمات (الْقُرْبَى) التي وردت في القرآن مسبوقة بـ (ذي) أو (ذا) أو (ذوي) أو(أولو) أو (أولي) - أو غير مسبوقة، وتسع مفهوم (الأرحام) التي حذر الله من تقطيعها، ومفهوم (أولي الأرحام) الذين جعل الله بعضهم أولى ببعض...الخ.

 

ولا تزال الكلمة تتسع وتمتلئ حتى تنتظم المسلمين قاطبة، فالإسلام رحم بين أهله والمؤمنون كلهم إخوة بمنطوق القرآن، وصريح السنة، وبروح الشريعة الغراء ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ﴾ [الحجرات: 10].

 

والمؤمن مطالب أن يدرج مشتملًا بمعاني (القربى) حتى يرقى إلى مقام الأخوة الحقة التي امتن الله بها على العباد ﴿ وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا ﴾ [آل عمران: 103].

 

وإذا كانت الأخوة نعمة حقيقة بالمن، فإن الانسلاخ عنها، والتفريط فيها، والهوى (بكسرالواو وتشديد الياء) من آفاقها كفر يستنزل سخط الله،ويوجب الهوان والضيق مصداق قول الله:

﴿ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ ءَامِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِنْ كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ ﴾ [النحل: 112].

 

علل تنخر في البنيان وتصدع الأركان:

إن المؤمن كي ينعم بحلاوة التوحيد لا بد أن ينخرط في جماعة ممتثلًا لأمر الله ﴿ وَاعْتَصِمُوا ﴾ وكي تخفق ألوية الحق، وينتشر شذى الدين، ويرتفع سناه لا بد أن يتضافر مع جماعة ممتثلًا لأمر الله ﴿ وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ… ﴾ [آل عمران: 104].

 

وكي تطيب حياته، وتزكو دنياه،وتعلو أمته لا بد أن يتحرك ضمن جماعة ممتثلًا لأمر الله ﴿ وَتَعَاوَنُوا ﴾ وكل عضو يتحتم عليه أن يصدق النية، ويطهر الذيل، ويستهدف الخير، يذب عن فيلقه حتى لا[6] يردى، أو يقع طعمة للهوام، نهبًا للآفات، عرضة للمزالق.

 

والغريب أنه رغم وضوح المعالم، ونصاعة الهدي تختلط على الناس السبل، ويضلون الطريق، وتفترسهم علل تنخر نخر السوس في الكيان. من هذه العلل:

(أ) تراث الطين والأنوية وعشق الذات

ورث الناس فيما ورثوا عفن الحمأ المسنون، وضعة الماء المهين. ووجدوا يرشفون في شهوات وأدواء كثيرًا ما تثور فتعصف بالمقومات، وتنسف معالم الطريق.

 

وفي حميا الثورة العارمة التي تغذيها الشهوات، ويذكي أوارها الشيطان، يفلت من خلال الأيدي الحبل الذي يصل بالله، ويكفل العصمة، ويضمن السلامة. وعندئذ يمسي صيدًا سهلًا للشيطان يحنكه بالهوى، ويجرعه خمرته، ويرسله ثملًا متخبطًا فاقد الوزن، نهب الشهوات البينة، والخفية التي يفجرها المنتمى والعنصر المتغير المسنون. وإذا انفجر في الإنسان تراث الطين تكدر صفوه وتغير أمره، واحلولك طريقه إلى الخالق، والخلق.

 

وانفعالًا بتراث الطين استعظم الناس أن يعبدوا ما لا يرى. فرصدوا أجرامًا، ونحتوا أصنامًا، وقدسوا كائنات، وألهوا مخلوقات، وعبدوا شهوات، وسبحوا بحمد الدرهم والدينار، وسكبوا من مشاعرهم المادية على مواقف تعبدية، واختلقوا بدعًا، وعظموا صالحين.. الخ وعلى درب هذه الطبيعة، وانفعالًا بتراث الطين علت صيحات مستويات عليا ﴿ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى ﴾ [البقرة: 260]، ﴿ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ ﴾ [الأعراف: 143]، وعلت صيحات مستويات وسطى ﴿ اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ ءَالِهَةٌ ﴾ [الأعراف: 138]، أجعل لنا ذات أنواط وعلت صيحات مستويات دنيا ﴿ لَوْلَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَى رَبَّنَا ﴾ [الفرقان: 21]، ﴿ يَاهَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا ﴾ [غافر: 36]، ﴿ لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعًا ﴾ [الإسراء: 90]...الخ

 

وانفعالًا بتراث الطين استعظم الإنسان أن يدب فلا يسمع دبيبه، أو يحضر فلا يرى مكانه ولا يحتل الصدارة، أو يعبد فلا تعلم عبادته، أو يعمل فلا يقوم من الناس عمله، أو يجد فلا يقوم على الأرض سعيه. كيف وهو من صلصال كالفخار، ومعدنه الفخاري يصل صليلًا يطلب الإشباع لغريزة حب الظهور الراسخة في أعماقه، ولعاطفة اعتبار الذات التي تقيمه وتقعده.

 

وانفعالًا بتراث الطين جلجلت في التاريخ كلمة (أنا) ودوت ملتهبة مارجة كالنار ﴿ قَالَ أَنَا خَيْرٌ منه ﴾ [الأعراف: 12]، ﴿ قَالَ أَنَا أُحْيِي وأميت ﴾ [البقرة: ٍ258]، ﴿ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِين ﴾ [الزخرف: 52]، ﴿ أَنَا أَكْثَرُ مِنْكَ مَالًا وَأَعَزُّ نَفَرًا ﴾ [الكهف: 34].

 

والإسلام إذ يندبنا إلى درجة الإحسان (اعبد الله كأنك تراه...) إنما يشبع نهم الغريزتين ويهدهد من حدتهما حتى لا تستحيلا نارًا ضارية. فالإسلام يرفض أن يكون المسلم دفين ماديته فهو كما علمنا ينتشله من أوحال المادية بالتوحيد، ويكبح جماح غريزة الظهور وعشق الذات فيغلق دون المؤمنين كل دروب الرياء باعتباره شركًا أصغر وشهوة خفية تنذر بالتمزق والمحق ((... طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله، أشعث رأسه مغبرة قدماه إن كان في الحراسة كان في الحراسة، وإن كان في الساقة كان في الساقة، إن استئذن لم يؤذن له وإن شفع لم يشفع))؛ حديث صحيح.

 

والرسول بهذا الحديث يربي المؤمنين على نكران الذات باعتباره وسيلة عمران، وغاية إسلام. وفي طريق الحد من نزعة عشق الذات تقرأ في الصحيح قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((من سمع سمع الله به،ومن يرائي يرائي الله به)).

 

إن ثغرات الرياء منافذ الشيطان إلى القلوب يدنسها، ويوهيها، وإلى الأعمال يحبطها. وهي مسارب الأدواء التي تورث العفن، وتصيب بالتآكل.

 

ولقد تسلل الشيطان من خلال هذه الأدواء إلى الصف، ونفذ إلى النفوس فأفقدها الاتزان، ورفع فوق الرءوس المهتزة السكرى بيارق الأنانية، والأثرة، واللجاج. وطواهم في أكفان الشهوات الخفية. أمسك بخطامهم يدور بهم في فراغ، ويحشرهم في متاهات، ويغريهم كي يبتنوا مساجد ضرار، ويعتلوا منابر ضرار، وينشئوا روابط ضرار وينشطوا أنشطة خوت من كل إخلاص، وشرقت بالذاتية، وفاضت بالشهوة الخفية، وطفحت بكل خبائث الشرك الأصغر، فلا غرو إذا انفصمت العرا، وانحلت العلائق فلا اعتصام ولا انسجام، ولا مودة ولا وئام.



[1] وقيت هذه الأمة ذل المسخ المادي، أما المسخ المعنوي الذي يلحق الصفات ويشوه الخلال، وينال من الجلال فهو قائم يتهدد من غفل وحرف وبدل.

[2] استغراق في المنع، وكلف بالصغائر، وتمرس بالصغار.

[3] استغراق في أحلام كاذبة.

[4] نهم لا يشبع، وغرام بالرشا والمكاسب الخبيثة.

[5] أمره قوله: ﴿ اخلفني في قومي وأصلح ولا تتبع سبيل المفسدين ﴾.

[6] يهلك.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • نفحات قرآنية (6)
  • نفحات قرآنية (7)
  • نفحات قرآنية (8)
  • نفحات قرآنية (9)
  • نفحات قرآنية (10)
  • نفحات قرآنية (12)
  • نفحات قرآنية (13)
  • نفحات قرآنية (14)
  • نفحات قرآنية (15)

مختارات من الشبكة

  • نفحات رمضانية تدبرية: ثلاثون نفحة تدبرية (PDF)(كتاب - ملفات خاصة)
  • وأطل علينا شعبان بنفحة من نفحات الخير(مقالة - ملفات خاصة)
  • نفحات قرآنية (17)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من خصائص رمضان: لله نفحات من رحمته يصيب بها من شاء من عباده وشهر رمضان أرجى الأزمنة لذلك(مقالة - ملفات خاصة)
  • نفحات قرآنية في سورتي الكافرون والإخلاص(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)
  • نفحات قرآنية في سورتي الماعون والكوثر(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)
  • نفحات قرآنية في سور الشمس والضحى والعصر(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)
  • نفحات قرآنية في سورتي الفجر والبلد(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)
  • نفحات قرآنية في سورتي البروج والأعلى(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)
  • نفحات قرآنية في سورتي الانفطار والمطففين(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 15/11/1446هـ - الساعة: 15:5
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب