• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الأحق بالإمامة في صلاة الجنازة
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    فضل الصبر على المدين
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    تفسير قوله تعالى: { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ...
    سعيد مصطفى دياب
  •  
    محاسن الإرث في الإسلام (خطبة)
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    تفسير: (لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    علامات الساعة (2)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    ما جاء في فصل الصيف
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    أحكام التعاقد بالوكالة المستترة وآثاره: دراسة ...
    د. ياسر بن عبدالرحمن العدل
  •  
    خطبة: أم سليم ضحت بزوجها من أجل دينها (1)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    خطبة: التربية على العفة
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    التلاحم والتنظيم في صفوف القتال في سبيل الله...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أسس التفكير العقدي: مقاربة بين الوحي والعقل
    الشيخ حذيفة بن حسين القحطاني
  •  
    ابتلاء مبين وذبح عظيم (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    فضل من يسر على معسر أو أنظره
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    حديث: لا طلاق إلا بعد نكاح، ولا عتق إلا بعد ملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن
علامة باركود

نفحات قرآنية (7)

نفحات قرآنية (7)
بخاري أحمد عبده

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 12/9/2012 ميلادي - 25/10/1433 هجري

الزيارات: 6478

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

نفحات قرآنية (7)

﴿ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ ﴾  


دنيا حَشْوُها محن:

البشرية -بكلِّ مستوياتها- تُعرَك تحت أطباق الفتن عرْك الرحى بثفالها؛ ذلك لأنَّ الإنسان بين الكائنات صاحب لواء الأمانة، اللواء الرفيع العالي، الخافق بين السماء والأرض، واللواء بحكم سموقه وظهوره عُرضة لرياح الفتن تنشره وتَطوِيه، وتُقصِيه وتُدنِيه، وحامل اللواء -إنْ لم يُثبِّته القول الثابت، ويشدّ عضدَه وعوده الإيمان- تزلُّ قدمه، فيترنَّح ويختلُّ توازنه في زحمة التدافُع، وتسقط الراية، وتُهرَق الأمانة، ويظهر الفساد في البر والبحر.

 

والتدافُع سنة الله التي قد خلتْ في عباده، ولن تجدَ لسنَّة الله تبديلاً، ولن تجد لسنَّة الله تحويلاً، وصَدَقَ الله: ﴿ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ الْأَرْضُ ﴾ [البقرة: 251].

 

إنَّ الله يَقذِف بالحقِّ على الباطل، ويدفَعُ حُلَفاء الشيطان وعبَدَة الهوى بِجُند الأيمان وأولياء الرحمن، ولولا ذلك لسادت الأهواء، ولفسد الكون كلُّه: الأرَضون والسماوات؛ ﴿ وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ ﴾ [المؤمنون: 71].

 

والتدافُع يقْتَضي احتِكاكًا، والاحتكاك يُهيج الحرارة، ويُرسِل الشرر، ويُورِث التوتُّر والقلق، والفرح المختال، والحزن واليأس الكافر؛﴿ وَلَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنَّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْنَاهَا مِنْهُ إِنَّهُ لَيَئُوسٌ كَفُورٌ * وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ ﴾  [هود: 9 - 10]، هكذا نُعمِّر مقلاة في حجم الدنيا، محيطها ونسيجها فتن، فتن.

 

أولئك الذين صبروا يَهدِيهم الله للمنهج الرباني الفعَّال، يُقاوِمون مِن خِلاله الأنواء، ويُغالِبون الفتن، ويَخُوضون غِمار التدافُع حيث يُثار النَّقع فتَضِيق الصدور ويفتقد الحلم، ويعزُّ الصبر.

 

وسرابيل المنهج الرباني التي تَقِي البأس، وتصدُّ عواد الفتن عزيزة غالية؛ ﴿ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ﴾  [فصلت: 35].

 

هي سرابيل واقية، ونفحاتٌ ربانيَّة شافية، وقوام كلِّ ذلك:

1- علمٌ من لدنْه يُوضِّح الرؤية، ويُسدِّد الخُطَا، ويُورث اليقين، ويُقِيم على الحق.

 

2- ذكر ندي، ومراقبة لله خاشعة، ويقين يَعصِمنا، ويُهوِّن علينا مصائب الدُّنيا.

 

3- صبر جميل يُورِث السكينة، ويُوفِّر فرص التخطيط، ويُسكِّن من ثائرة النُّفوس المستنفرة المعرضة عن التذكرة.

 

4- ثم استشفاء دائم بأشفية القرآن من مثل قول المولى: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ * يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ ﴾ [البقرة: 152 - 153]، ﴿ وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلَّا بِاللَّهِ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ * إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ ﴾ [النحل: 127 - 128].

 

﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ [البقرة: 155 - 157].

 

إيحاء الاستفهام:

وإشادة بالصابرين، وتنويه بقيمة الصبر في مُعتَرَك الحياة، قال الله عقب تقرير حتميَّة الفتنة: ﴿ أَتَصْبِرُونَ ﴾ [الفرقان: 20]، هكذا باستفهام مجازي يَشِي بالتشكيك في القُدرات المؤهَّلة للصبر، وفيه إثارةٌ وحثٌّ وحفزٌ على اقتحام حَواجِز الصبر الحقيقي الذي لا يُزيفه تصنُّع، ولا يُداخِله رياء.

 

وبعدًا بالاستفهام عن مجاله الحقيقي، وتأكيدًا لإيغاله في المجال المجازي، وحتى لا يظن غرٌّ بالله الظنونَ، عقَّب الله بما يُفِيد تغلغل علم المولى في كلِّ شيء؛ فهو -سبحانه- بصيرٌ، يرى ما لا نرى، ويُدرِك المعنويات والماديات والخواطر، ويعلم السرَّ وأخفى، وخائنة الأعين وما تخفي الصدور، وهو -سبحانه- وإنِ استعمل ما يستعمل الناس من أساليب الاستفهام: عن، متى، وأين، وهل، وسائر أدوات الاستفهام، وإلى كلِّ هذا أشار الله بقوله: ﴿ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا ﴾ [الفرقان: 20].

 

فتنتم أنفسكم:

والفتَنُ منها الطوارق العابرة التي تُكفِّرها الصلاة، والصوم، والصدقة، ومنها المنيئة المميلة المسقطة، التي تتمطَّى بصلبها وكلكلها وأعجازها، ومنها المضلاَّت الطاحِنات المجنونة التي لا تُبقِي ولا تذرُ، تُجَندل الظالم والمظلوم، وتحومُ على شفير جهنم؛ ﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الأنفال: 25].

 

وخشية أنْ تحصر الفتنة في الإعراض والإدبار والعُزوف عن الله وداعية، بحكم الآية السابقة ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا... ﴾ [الأنفال: 24]، أو تحصر في الأعداء المتربِّصين المتنمِّرين بحكم الآية اللاحقة ﴿ وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ ﴾ [الأنفال: 26]، ردك القرآن إلى مَأمَنك، إلى نفسك وأهلك، وعرفك أنَّ الفتن قد تنبع من بين أصابعك، أو من تحت قدمَيْك؛ فقال: ﴿ وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ ﴾ [الأنفال: 28]، وقال -سبحانه-: ﴿ يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ ﴾ [الحديد: 14].

 

تعتام الكرام:

والأماثل -لعلوِّ كعبهم وارتفاع هاماتهم وتصدُّرهم- هم أكثر العالمين تعرُّضًا لدوَّامات الفتن، وأمثَلُ الناس هم الأنبياء -عليهم الصلاة والسلام- فلا عجب إذا عاشوا مراعي فتن، وأغراضًا لسهامها؛ ((أشدُّ الناس بلاءً الأنبياءُ، ثم الأمثَل -دينًا- فالأمثل))، فكأنَّ الأماثل الصفوة كالذهب الإبريز؛ توقد عليه في النار وتمتحنه ليصفو ويخلص، ويلفظ ما شابَهُ من زبد.

 

لذا صاحبت الفتن مَواكِب الهداة المرسلين، والدُّعاة المؤمنين:

1- منذ البداية فُتِن آدم -عليه السلام- بإبليس، وفُتِن به إبليس، وسجَّل المولى ذلك في القُرآن محذِّرًا بني آدم من فتنة الشيطان ومن العاقبة الوخيمة؛ ﴿ يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا ﴾ [الأعراف: 27].

 

2- وفُتِن نوح -عليه السلام- يوم حاجَّ ربَّه في ابنه الذي سبق عليه القول بدعوى أنَّه من أهله؛ ﴿ وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ * قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ * قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [هود: 45 - 47].

 

بل كانت الفتنة من معالم مسيرته الشاقَّة المضنية؛ ولذا صرح القرآن بعد سرد قصَّته في "المؤمنون" بأنَّ الابتلاء كان من أهداف المِحنة التي أرهقت نوحًا حتى صاح: ﴿ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا ﴾ [نوح: 26]، ذلك قول الله: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ وَإِنْ كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾ [المؤمنون: 30].

 

بعثتك لأبتليك وأبتلي بك:

والذي خلق الموت والحياة ليبلونا أينا أحسن عملاً، جعل الابتلاء هدفًا أساسيًّا في كلِّ رسالة، ولعلَّ ما رواه مسلمٌ عن عياض المجاشعي يُؤكِّد هذا، ويكشف عن حقائق أخرى وثيقة الصلة بهذا الغرض، حَرِيَّة بالتأمُّل: عن عياض بن حمار المجاشعي أنَّ رسول الله قال ذاتَ يومٍ في خِطبته: ((ألا إنَّ ربي أمرني أنْ أُعلِّمكم ما جهلتم ممَّا علَّمني يومي هذا: كلُّ مال نحلته[1] عبدًا حلال، وإني خلقت عبادي حُنَفاء كلهم، وإنهم أتتهم الشياطين، فاجتالَتْهم[2] عن دِينهم، وحرَّمت عليهم ما أحللت لهم، وأمرتهم أنْ يشركوا بي ما لم أنزل به سلطانًا، وإنَّ الله نظر إلى أهل الأرض فمقتهم عربهم وعجمهم إلا بقايا من أهل الكتاب، وقال: إنما بعثتك لأبتليك وأبتلي بك، وأنزلتُ عليك كتابًا لا يغسله الماء، تقرؤه نائمًا ويقظان، وإنَّ الله أمرني أنْ أحرق[3] قريشًا، فقلت: يا رب، إذن يثلغوا[4] رأسي فيدعوها خبزة، قال: استخرجهم كما أخرجوك، واغزهم نغزك، وأنفق فسنُنفق عليك، وابعثْ جيشًا نبعث خمسة مثله، وقاتِل بِمَن أطاعك مَن عصاك)).

 

والحديث دسم ثرُّ[5] العطاء، حافلٌ بخير الدنيا والآخرة؛ ولذلك أمر رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- أنْ يبثَّ في الناس ما استقبل من السماء فورًا، والتبليغ الفوري شِيمة الرُّسل، والأمر بالتبليغ يحمل في طيَّاته الفوريَّة، والمُتَراخِي لا يأمن على نفسه عادية الموت قبل أنْ يُؤدِّي واجب التبليغ؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ﴾ [المائدة: 67].

 

نظرة في الحديث:

والحديث الشريف -رغم تنوُّع عطائه- تتشابَك عطاياه وتتوافَق، وتدورُ حول محور (الابتلاء)، ومن عَطاياه الحيويَّة المرتبطة بموضوع الابتلاء:

1- أنَّ المرء يُولَد حنيفًا متحصنًا بفطرة الله التي فطَر الناسَ عليها، فإشاعات الفطرة تُشكِّل خطَّ المقاومة الأوَّل لدوَّامات الفتَن، وحوامات الشياطين، إلاَّ أن تعتلَّ الفطرة، فينقَطِع الإشعاع.

 

2- وأنَّ الهدف البعيد لكلِّ شيطان فتَّان ضرب هذا المركز المشعِّ -الفطرة- وطمْس معالمها وإيقاف بثِّها.

 

3- وأنَّ من غايات إرسال الرُّسل ابتلاءَ المرسلين أنفسهم، وابتلاءَ الذين أُرسِل إليهم أولئك؛ كي يصبروا ويصمدوا ويستمرُّوا حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولاً، وهؤلاء كي يمحصوا وينقدوا بين مدِّ الفطرة وصد وشد الشياطين التي تحومُ على بني آدم كي تجتال وتغتال، وتحلهم محل سخط الله ومقته، وتتبعهم حتى يكونوا من الغاوين المخلدين إلى الأرض.

 

4- وأنَّ الله لسعة رحمته يردأ العباد في هذا المعترك الضَّروس فيُوالِيهم بالأشفية وبمضادَّات الفتن وقوى الثبات قذائف الحق.

 

5- وأنَّ دأب المؤمنين المرابطة، ورصد أنفاس القُوَى المضادَّة، وضرب الرقاب، دأبهم مواصلة الجهاد.

 

وبمثْل هذا يمتحن الله عباده؛ ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ [التوبة: 16].

 

والقُروح المتبادَلة بين قُوَى الحق وقُوَى البغي امتحان للمؤمنين، وامتهان للمجرمين، والمولى كي يُوفِّر لعباده أسباب الكرامة، ويدمغهم في ساحة الوغى بدمغة الإيمان - ألزمهم بالمرابطة وأخذ وضع الاستعداد متحفِّزين مرهبين مرعبين؛ ﴿ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا ﴾ [النساء: 89]، ﴿ فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ ﴾ [النساء: 91].

 

إنَّ القرآن الكريم تربية من أجل الجهاد، وإغراء بالمواجهة الحاسمة، وتهوين لما قد يكون من جُروحٍ وقُروحٍ، وتعريضٌ للمؤمنين لفضل المرابطة والشهادة؛ قال -تعالى-: ﴿ إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ * أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ ﴾ [آل عمران: 140 - 142].

 

وتأكيدًا لهذا، وإقامة على منهج الإعداد، والمبادرة التي تفهم من قول الله: ﴿ ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ ﴾ [المائدة: 23]، أجرى الله على لسان رسوله هذه الكلمات: ((وإنَّ الله أمرَنِي أنْ أحرق قريشًا، فقلت: يا رب، إذن يثلغوا رأسي فيدعوها خبزة، قال: استخرجهم كما أخرجوك، واغزهم نغزك، وأنفق فسينفق الله عليك، وابعث جيشًا نبعث خمسة مثله، وقاتل بِمَن أطاعَك مَن عصاك)).

 

ونستَطرِد فنقول: إنَّ منطق القوة الذي يحملنا القرآن عليه، ويُلزِمنا به... إنَّ منطق التدخُّل الجراحي للحسم، واستِئصال الأدواء؛ ﴿ فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ ﴾ [محمد: 4] - هو العلاج الجذري لكلِّ مشاكل المسلمين، أمَّا الاستِجداء والعَوِيل في المحافل الدوليَّة، والتعلُّق بوهْم الرأي العام العالمي، أو بالمؤتمر الدولي، أو بالمُفاوَضات، والحوار المباشر وغير المباشر، فذلك هو الخطل[6] وهو الذل، وهو الخبال الذي حذَّرنا منه، ومع ذلك مُنِينا به؛ ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ﴾ [آل عمران: 118].



[1] نحلته: منحته.

[2] اجتالتهم: صرفتهم.

[3] أن أحرق؛ أي: أهلك.

[4] يثلغوا: يكسروا.

[5] ثرُّ العطاء: كثير العطاء.

[6] الخطل: الحمق وفساد الرأي، والخبال: الجنون والفالج.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • نفحات قرآنية (3)
  • نفحات قرآنية (2)
  • نفحات قرآنية (4)
  • نفحات قرآنية (5)
  • نفحات قرآنية (6)
  • نفحات قرآنية (8)
  • نفحات قرآنية (9)
  • نفحات قرآنية (10)
  • نفحات قرآنية (11)
  • نفحات قرآنية (12)

مختارات من الشبكة

  • نفحات قرآنية (17)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • نفحات رمضانية تدبرية: ثلاثون نفحة تدبرية (PDF)(كتاب - ملفات خاصة)
  • وأطل علينا شعبان بنفحة من نفحات الخير(مقالة - ملفات خاصة)
  • نفحات قرآنية في سورتي الكافرون والإخلاص(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)
  • نفحات قرآنية في سورتي الماعون والكوثر(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)
  • نفحات قرآنية في سور الشمس والضحى والعصر(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)
  • نفحات قرآنية في سورتي الفجر والبلد(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)
  • نفحات قرآنية في سورتي البروج والأعلى(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)
  • نفحات قرآنية في سورتي الانفطار والمطففين(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)
  • نفحات قرآنية في سور عم والنازعات والتكوير(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 15/11/1446هـ - الساعة: 15:5
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب