• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن
علامة باركود

نفحات قرآنية (4)

بخاري أحمد عبده

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 1/8/2012 ميلادي - 13/9/1433 هجري

الزيارات: 6077

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

نفحات قرآنية (4)

 

﴿ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3].

 

بحسٍّ مَكلوم، أعيتْه الأثقال، وأثخنتْه جراحات العقال، تسورت النفس الجدران، وعبرتْ حواجز الزمان، وخفت لأرجاء عرفة تراح روحها[1]، وتستقبل نسماتها، تسري سخاءً رخاءً، وتعكس من زهو البقاع، وبلجة[2] حجة الوداع ما تعكس، تعكس السماء وقد انفتحتْ على الأرض عشيَّة الأضحى بالخير الغَدق، فنفحت نفحة العيد، وقلدت[3] وسام الكمال لألاء، مهيب الطلعة، ثقيل التكاليف؛ ﴿ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ﴾ [المائدة: 3]، وسامًا يتوهَّج في بيئة قرآنيَّة تتدرج بالمسلم، فتسمو بخُلقه، وتسحَج قُواه، وتنزه هِمَّته أن يستهويَها سقطُ المتاع، كيف وقد اعْتلى وعزَّ، وتبوَّأ قمة لا ينبغي له فيها أن يَنتهب كما تَنتهب السباع بالظُّفر والمخْلَب والناب، ولا يَليق به أن يرتزق كما تَرتزق الإماء باللغو، أو باللهو، أو بالثديَين؟

 

في بيئة تكفل بجانبها الآخر توعية، وتبصيرًا، وشحْذًا، وإرساءً للدعائم، وتمكينًا في بروج المَنَعة والعزَّة، والنمو المطرد والكمال، هكذا تنبض آية الكمال بين حاشيتيها، وتعكس للمُثْخَنين معانيَ أخرى، معاني تفيض بالأسى والشَّجَى، وتدين أمة فرَّطتْ فانفرطتْ، وضيَّعتْ فضاعتْ، وبدَّدت التراث فجاعتْ وتسوَّلتْ، وضمرتْ فيها معاني الإيمان، فلم تعِ مغزى نداءات الإيمان الجمَّة، التي تصلصل في السورة، هاتفة مُحتفية، موجهة إلى دعائم الكمال، كاشفة مزالق الشطط، والتي احتشدتْ فاحتلَّت نحو ستة عشر موقعًا حيويًّا، تُحيط بالسورة ومطالبها:

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ﴾ [المائدة: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ ﴾ [المائدة: 2]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ ﴾ [المائدة: 6]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ﴾ [المائدة: 8]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ﴾ [المائدة: 11]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ ﴾ [المائدة: 35]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾ [المائدة: 51]، ﴿ مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ ﴾ [المائدة: 54]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَكُمْ هُزُوًا وَلَعِبًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَالْكُفَّارَ أَوْلِيَاءَ ﴾ [المائدة: 57]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ ﴾ [المائدة: 87]... إلخ.

 

وكلها كما ترى مطالبُ توثِّق العُرى، وتزكِّي المجتمع، وتبصِّر بالأعداء، وتحذِّر من أن نرجع القهقرى، مشرعة للمسلمين في خاصة أنفسهم، وفي معاملة من يخالطون، مرشدة لطرق المحاجة والمناقشة، والتلطُّف في ردِّ أباطيل الخصوم، ودَحْض مزاعمهم، مُبَوِّئة المسلمين مقاعد رشدٍ، ومراكز قوة، ويبلغ التلطُّف مداه حين ينادي خصوم الدعوة بصفات مُثْلى تَعتَبِر ذواتهم، وتُشبِع غرورهم، وتُهدهد من جِبِلَّة الطين الثائرة في أعماقهم: يا أهلَ الكتاب، يا أهلَ الكتاب، يا أهلَ الكتاب، نداءات تَنمُّ عن احترام الخصوم، والتلطُّف البالغ معهم.

 

عود إلى الأزلام:

والسورة قبل أن ترفعَ أذان الكمال، تعرضتْ لجملة من المحرَّمات، ثم عطفتْ عليها الاستقسام بالأزلام؛ بجامع الوهم الفاسد الذي ينتظم كلَّ هذه الانتهاكات.

 

والاستقسام لا شك يعني الصورة التي كانتْ تُمارَس في الجاهلية؛ ابتغاء معرفة ما يخبِّئ المستقبل، بواسطة سهام كانوا يجيلونها في الأقداح، كلما أُبْهِمَ أمامهم موقفٌ أو استغلق أمرٌ، فإذا خرَج نذير الشؤم أمسكوا، وإن خرَج الآخر، مضَوا مستبشرين.

 

والإسلام إذ يحرِّم هذا، يربي المسلم على أن يبني أمرَه على تخطيط بصير، يعتمد على حقائق، لا على وهمٍ باطل، ورجْم بالغيب، أو طرْقٍ بالحصى، أو ضرْب للرمل، أو استخارة بآيات القرآن، أو مناجاة للنجوم، واستيحاء للأبراج.

 

ومن الاستقسام طلب ما قسمَ من رِزقٍ بواسطة الأزلام، كما يفعل نُقباء الهياكل، وسَدَنة الأقداح، الذين يتخذون إجالة الأقداح، وإشاعة الأوهام حِرفةً ومصدرَ رزقٍ.

 

ومن هذا ما يفعله سَدَنة الأضرحة، وعَبَدَة صناديق النذور، فإنهم يروِّجون الخرافات، ويبيعون البركات، ويستقسمون للبُلْه بما لأهل القبور من كَرَامات، ومنه الارتزاق بالميسِر.

 

ومثل هذا أن يتلاعب العلماء بما أُخِذ عليهم من مواثيق، فينقضوا أو يعرضوا، أو يكتموا أو يطوِّعوا النصوص، ويلووا أعناق الآيات؛ إرضاءً للسادة، أو تزلُّفًا للقادة، أو طلبًا لدنيا، إلى آخر أساليب هؤلاء الذين يلبسون الحقَّ بالباطل، ويكتمون الحق وهم يعلمون أن الله - سبحانه - أخَذ ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيينه للناس وعدم كتمانه، وأنه تهدَّد وتوعَّد كلَّ مَن يؤثِر العَرَض الحاضر على الأجل الصادق؛ ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ﴾ [البقرة: 174- 175].

 

إن كل هذا استقسام، ولَعِب بالأزلام، وإهدارٌ للعِفَّة، وأكْلٌ بالثدي، والإسلام يربَأ بأهله أن تقودَهم شهوة البطن إلى التسقُّط والرمرمة، أو أن تقودهم شهوة الكسب إلى الإسفاف والإجحاف والمأثمة، أو أن تغلبَهم كَبوة الفكر، فيسقطوا أسْرى الدجَل والشعارات، ويتداولوا في أسواق النخاسة، ويُعللوا بما تعلل به الأطفال، ويُشغلوا بما تُشْغَل به الدواجن والأنعام.

 

وضحايا الأزلام والأوهام كانوا يرون ذلك السَّفه معرفة، ويتخذونه دينًا، والمنتفعون من ورائهم يزيِّفون لهم هذا الرأي الساقط؛ ليدينوا إلى الأبد دينَ الزيف، وليظلوا - ما عاشوا - نهبَ الأنياب والمخالب والأضراس، فالصلة - كما نرى - وثيقة بين هؤلاء وبين أحبار السوء المرابطين في ساحات الاستبداد، يشترون بآيات الله ثمنًا قليلاً، ويكتمون الحقَّ، أو يلبسونه بالباطل، ويضفون الشرعية على أباطيل المستبدين، وينقضون بذلك غزْلَ الإسلام من بعد قوة أنكاثًا، ويحلون عُرى الإسلام عروةً عروة.

وَهَلْ ضَيَّعَ الدِّينَ إِلاَّ المُلُوكُ
وَأَحْبَارُ سُوءٍ وَرُهْبَانُهَا

 

لبنة الكمال وكمال اللبنة:

بمثل هذه اللمسات الرقيقة يصقل القرآن كِيان المسلمين؛ حتى يظل مَجلوًّا مُرهفًا، يعكس من أضوائه على الناس، وتنعكس على صفحته ما يرسله العالم من سِني الحضارة، وإشارات العلم، وما يبثه من عِبَر وحِكم، ونُذر وبُشْريات.

 

وبين هدايات السماء، وآيات الله التي تمض [4] خلال الكون متكاملة متفاعلة، بينها يترعرع المسلم، وتنمو الأمة، وتقوم الدولة، وتحيا الضمائر، وتقوى العلائق، وتعظم الروابط التي تصِل الفرد بربِّه، وبالناس على هدًى وبصيرة.

 

وتحقُّق هذا المستوى الرفيع في ظلِّ التفاعل بين الدين والدنيا، هو الكمال الذي ينبغي أن يدفع إلى مزيد من الكمال، إلى مزيد من التمسك بقِيَم الدين، إلى مزيد من التعامل مع سُنن الله في الكون، إلى مزيد من صلابة العود، ورحابة الأُفق، وسماحة الْخُلق، وجميل المعرفة، وعَظَمة الإعداد، وكلها معانٍ تغذي الكِيان، وتوطِّئ للكمال.

 

والإسلام بما استودع من قوًى وكمالات لَبِنةُ الكمال في صَرْح الأديان، وهو الحلقة الخاتمة في سلسلة الدعوات الطويلة التي استهدفتْ تعبيد العباد لربِّ العباد وحْدَه لا شريك له، ولعلَّ ذلك مفاد حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن مثلي ومثل الأنبياء من قبلي، كمثل رجل بنى بيتًا فأحسنه وأجمله، إلاَّ موضع لَبِنة من زاوية، فجعل الناس يطوفون به ويعجبون له، ويقولون: هلاَّ وضعت هذه اللبنة؟ قال: فأنا اللبنة، وأنا خاتم النبيين)).

 

وإذا كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يمثِّل بدينه القويم الجامع لبنة الكمال في صرْح الأديان، فإن فريضة الحج تمثِّل كمال تلك اللبنة، وذلك:

1- باعتبارها خامسَ الأركان، وغلاق الدائرة، والدائرة إذا استحكمتْ حلقاتها، ولدت النور، وأورثتِ الحركة، وبشَّرت بالخير والكمال.

 

2- وباعتبارها في قمة الأعمال التي تزكِّي النفس، وتطهِّر اليد والأرْدَان، وذلك مصداقًا لِمَا رُوي في الصحاح عن أبي هريرة، قال: سُئل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أي العمل أفضل؟ قال: ((الإيمان بالله ورسوله))، قيل: ثم ماذا؟ قال: ((الجهاد في سبيل الله))، قيل: ثم ماذا؟ قال: ((حج مبرور))؛ متفق عليه.

 

ولِمَا رواه مسلم في صحيحه عن عمرو بن العاص، قال: لَمَّا جعَل الله الإسلامَ في قلبي، أتيتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - فقلتُ: ابْسط يمينك لأبايعك، فبَسَط يمينه، فقبضتُ يدي، فقال: ((ما لك يا عمرو؟))، قلتُ: أردتُ أن أشترطَ، فقال: ((تشترط ماذا؟))، قلتُ: أن يغفرَ لي، قال: ((أمَا علمتَ يا عمرو أنَّ الإسلام يهدِم ما كان قبله، وأنَّ الهجرة تهدِم ما كان قبلها، وأنَّ الحج يهدِم ما كان قبله؟)).

 

والحج بحكم هذا المقام، وبمقتضى ما يلازمه من كَبَدٍ، فريضةُ الأقوياء الكُمَّل، الذين تَفيض أكنافهم حركة وقُدرة، واقتحامًا للعقبة، وانضباطًا وصبرًا، وحُسْن سياسة في معاملة الناس، ولا شك أن المؤمن الذي يخالط الناس ويَصبِر على أذاهم، خيرٌ من الذي لا يخالطهم ولا يصبر على أذاهم؛ وَفْق ما رواه الترمذي وأحمد - رضي الله عنهما - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم.

 

إيحاء كلمة (الناس):

ولعلَّ القرآن الكريم في استعماله كلمة المؤمنين أو صفة الإيمان، حين فرض الصلاة[5]، والزكاة[6]، والصوم[7]، وكلمةَ (الناس) حين أوْجَب فريضة الحج؛ ﴿ وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ﴾ [آل عمران: 97] - أراد أن يوحي بتميُّز الحج؛ ذلك لأن كلمة (ناس) من مادة "ن و س"، التي توحي بالكثرة، وتنبئ عن الحركة والحيويَّة، والحج بما يلابسه من حركة وظَعْنٍ، وإقامة وكَبَدٍ، ولِمَا يستتبع من بيْع وشراء، وإجارة وإسكان، ولتظاهر بلاد كثيرة وأطراف متعددة على تغطية متطلبات الموسم، وتوفير إمكانات الحج، لكلِّ ذلك ولغير ذلك كانتْ كلمة الناس مناسبة للمقام.

 

عرض الأقوياء، وعرض الأذلة:

والحق أنَّ الإسلام إذ يستنفر للحج إنما ينثر كِنانته، ويستعرض جيشه، ويختبر قوَّته، ويدِّرب جُنده على الزحف والكبد، وتحمُّل التقلُّبات، والصبر على اللأواء[8]، والله - سبحانه وتعالى - يبارك فيالق الحج وكتائب الإسلام حين يفدون حُنفاء أنقياء، ويحتشدون في الساحات أسوياء أقوياء، ويدينهم ويُعرِض عنهم حين يَرِدون أذلَّة ضعافًا، متدابرين مُنتهَبِين، متورِّمي الأقْفية من طول ما صُفِعوا، متقرِّحي الأدبار من طول ما رُكِلوا ودِيسوا.

 

إنَّ الله لا يرضى لأصفيائه إلاَّ أن يكونوا في بروج الرفعة والهيمنة والسمو؛ ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 139].

 

إن الحج بمعانيه التي تفيض حركة وقُدرة ورَحابة، كان مُتنزَّل تلك الآيات الكريمة التي تزخَر بالمجد، وتَنبض بالحياة في سورة المائدة سامته رابئة[9] عن المزالق، والمساقط والشهوات.

 

ولقد روعتْ مُعطيات آية الكمال طوائف يهود؛ جاء رجل منهم - فيما يرويه مسلم وغيره - إلى عمر بن الخطاب، فقال: "يا أمير المؤمنين، آية في كتابكم تقرؤونها، لو علينا أنزلتْ معشرَ يهود، لاتخذنا ذلك اليوم عيدًا، قال: وأيُّ آية؟ قال: اليوم أكملتُ، فقال عمر: إنني لأعلم اليوم الذي أُنزلتْ فيه، والمكان الذي أنزلتْ فيه، نزلتْ على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعرفة، في يوم جمعة"، وعرفة عيد، والجمعة عيد، فالله - سبحانه - جمَع بهذه الآية على المسلمين ثلاثة أعياد: عيد يوم عرفة، وعيد الجمعة، وعيد الكمال، ولقد راع عمرَ - رضي الله عنه - تفاعُلُ هذه الأعياد، وتدبَّرَ مغْزَى الكمال الذي أُعْلِن فبكى، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((ما يُبكيك؟)) قال: أبكاني أنَّا كنَّا في زيادة من أمرِ ديننا، فأمَّا إذ كَمل، فإنه لَم يكمُلْ شيء إلاَّ نقَص، فقال: ((صدقتَ))؛ رواه ابن جرير.

 

ومثل عمر - رضي الله عنه - حين يُحلِّل هذا التحليل الدقيق، يَفطن إلى ما وراء ذلك من أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أدَّى الرسالة، وبلَّغ الغاية، وليس بعد ذلك إلا الرحيل، فقد انتقَل - صلى الله عليه وسلم - إلى الرفيق الأعلى بعد يوم عرفة ذلك بواحدٍ وثمانين يومًا؛ رواه ابن جرير.

 

وتدافعت القوى، ودالت الأيام، واهتزَّتْ معايير المسلمين؛ ليبدأ الإسلام رحلة القهقرى، ليعودَ كما بدأ؛ فطوبَى للغُرباء.

 

يتبع،،



[1] تجد ريحها.

[2] البلجة: الإشراق.

[3] قلدت: منحت، وألبست.

[4] تلمع.

[5] ﴿ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا ﴾ [النساء: 103].

[6] ﴿ قُلْ لِعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلَانِيَةً ﴾ [إبراهيم: 31].

[7] ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ ﴾ [البقرة: 183].

[8] الشدة.

[9] مرتفعة.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • نفحات قرآنية (1)
  • نفحات قرآنية (3)
  • نفحات قرآنية (2)
  • نفحات قرآنية (5)
  • نفحات قرآنية (6)
  • نفحات قرآنية (7)
  • نفحات قرآنية (8)
  • نفحات قرآنية (9)

مختارات من الشبكة

  • نفحات رمضانية تدبرية: ثلاثون نفحة تدبرية (PDF)(كتاب - ملفات خاصة)
  • وأطل علينا شعبان بنفحة من نفحات الخير(مقالة - ملفات خاصة)
  • نفحات قرآنية (17)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • نفحات قرآنية في سورتي الكافرون والإخلاص(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)
  • نفحات قرآنية في سورتي الماعون والكوثر(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)
  • نفحات قرآنية في سور الشمس والضحى والعصر(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)
  • نفحات قرآنية في سورتي الفجر والبلد(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)
  • نفحات قرآنية في سورتي البروج والأعلى(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)
  • نفحات قرآنية في سورتي الانفطار والمطففين(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)
  • نفحات قرآنية في سور عم والنازعات والتكوير(مقالة - موقع الشيخ محمد بن صالح الشاوي)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب