• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطر الظلمات الثلاث
    السيد مراد سلامة
  •  
    تذكير الأنام بفرضية الحج في الإسلام (خطبة)
    جمال علي يوسف فياض
  •  
    حجوا قبل ألا تحجوا (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    تعظيم المشاعر (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرفيق، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (10)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    القلق والأمراض النفسية: أرقام مخيفة (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    آفة الغيبة.. بلاء ومصيبة (خطبة)
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    تخريج حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    الإسلام هو السبيل الوحيد لِإنقاذ وخلاص البشرية
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    خطبة: فاعبد الله مخلصا له الدين (باللغة
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    المحافظة على صحة السمع في السنة النبوية (PDF)
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    اختيارات ابن أبي العز الحنفي وترجيحاته الفقهية في ...
    عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد التويجري
  •  
    القيم الأخلاقية في الإسلام: أسس بناء مجتمعات ...
    محمد أبو عطية
  •  
    فوائد من حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث ...
    محفوظ أحمد السلهتي
  •  
    لم تعد البلاغة زينة لفظية "التلبية وبلاغة التواصل ...
    د. أيمن أبو مصطفى
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / روافد
علامة باركود

أضواء على مذاهب الذين رفضوا الاحتجاج بالسنة (1)

د. عمر الأشقر

المصدر: مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية-السنة الثالثة العدد السادس
مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 22/10/2008 ميلادي - 21/10/1429 هجري

الزيارات: 14283

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

أضواء على مذاهب الذين رفضوا الاحتجاج بالسنة (1)

 

تمهيد:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

وبعد، فمن رحمة الله بخلقه أنه لم يَكِلْهم لأنفسهم، بل أرسل إليهم رسله، وأنزل عليهم كتبه، لدلالتهم على الصراط المستقيم، وهدايتهم للتي هي أقوم، وقد ضمَّن الله وحيَه الهدى والنور، وجعل رسوله في مقام الشارح للكتاب والمبيّن له، ولا يمكن للعباد أن يحصلوا هدي السماء ما لم يرضوا بسنة رسول الله، كما رضوا بكتاب الله، فإن أعرَضوا عن السنّة فقدوا خيرًا كثيرًا، وحصل لهم من الضلال والانحراف بمقدار ذلك البعد عن السُّنَّة، ولقد علم صحابة الرسول مكانة الرسول صلى الله عليه وسلم فأنزلوه من أنفسهم المنزلة التي يَستحِقُّها، فحفظوا عنه قوله وفعله، ونفذوا أمره، وانتَهَوا عن نهيِهِ، واهتَدَوا بهديهِ، ولقد كان القرآن الكريم يصوب خطأهم، ويقوم مُعوَجَّهم، إذا ما أخطؤوا في حق رسول الله صلى الله عليه وسلم أو قصروا في الالتزام بما يطلبه منهم، أو يحذرهم منه، فقد أنَّب الله منهم من قدَّم بين يدي الله ورسوله، ومن رفع صوته فوقَ صَوت النبي صلى الله عليه وسلم ومَن اعترض على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنزل الله فيه: ﴿ فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾ [النساء: 65]، وذم الذين نادَوْه من وراء الحجرات بصوت مُرتَفِع بأسلوب خلا من التوقير: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ﴾ [الحجرات: 4]، ومن تتبَّع هذا تحصل عنده مواضعُ كثيرةٌ، نزلت لتحفظ للرسول صلى الله عليه وسلم مكانته الرفيعةَ في النفوس والقلوب، وفي واقع الحياة.

لقد عرف الصحابة للرسول صلى الله عليه وسلم قدرَه حيًّا وميتًا، فأحلُّوا حديثه من أنفسهم المكان الذي ينبَغي أن يكون، وسار العلماء الأعلام الذين استنُّوا بالصحابة الأخيار على هذا السنن في مختلف العصور، فكانوا لا يقدِّمون على قوله صلى الله عليه وسلم أهواءَ النفوس، ولا أقوالَ الحكماء، ولا آراء السَّاسَة والعلماء، وجعلوه معيارًا وميزانًا يقيسون به كل قول وتصرُّفٍ ورأيٍ، ولكن السنّة مع ذلك تعرَّضَت للرفض في مختلف العصور، وكان هذا الرفض كليًّا في بعض الأحيان، وجزئيًّا في أحيان أخرى، وكان الرفض يحمل في طياته تكذيب الرسول صلى الله عليه وسلم واتهامه في بعض الأحوال، وهذا الفريق مغرضٌ ضالٌّ، لبِسَ لبوس الإسلام؛ ليفسد على المسلمين دِينهم، ومن هؤلاء من كان صريحًا في قوله، ومنهم من كان مخادعًا، يغلِّف دعوته بغلافٍ جميلٍ براقٍ، كالذين سمَّوا أنفسهم بالقرآنيِّين، زاعمين أنهم يكتفون بالقرآن عمَّا عداه، وبعض الذين رفضوا السنّة جزئيًّا علماء أخيارٌ من صالحي سلَف هذه الأمة، وكان رفضهم للجانب الذي رفضوه لا عن تكذيب واتهام للرسول صلى الله عليه وسلم وإنما لشبهة عرضت لهم، أدت بهم إلى المقالة التي قالوها.

وهذا البحث يسلط الضوء على جميع الاتجاهات، مبينًا ما فيها من خطأ، ويقرر الحق الذي ينبغي أن يكون، ويعيد للسنّة - مع بحوث أخرى كثيرة كتبها محبُّو السنة على مر العصور - مكانَتَها في القلوب وفي النفوس، بعد رد الأغاليط والشبهات التي دارت حول الاحتجاج بها.

الفصل الأول

مذهب الرادين للسنة كلها:

هذه الفرقة ضالَّة لا شك في ضلالها، مهما كانت الدوافع التي أدت بها إلى هذه المقالة، وقد وقف العلماء من هذه الفرقة في مختلف العصور موقف المنكر لضلالها، المبيّن لزيف أقوالها، الفاضح لأهدافها الخبيثة، التي يَتَسَتَّر وراءها الذين يقولون بهذه المقالة.

وسأذكر في بحثي هذا شيئًا من تاريخ هذه الفرقة؛ فأصولها تعود إلى العهد النبوي، وأول من بدأها في عهد المصطفى صلى الله عليه وسلم أعرابي جاهلٌ مغرورٌ، وقف بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم معترضًا على حكمه في قسمة مالٍ جاءه من اليمن، وقد وصف لنا الصحابة ذلك الرجل فقالوا: "رجل غائر العينين، مشرِف الوجنتين، ناشزُ الجبهة، كثُّ اللحية، محلوق الرأس، مشمِّر الإزار"، وقد قال للرسول صلى الله عليه وسلم بلَهجَة الآمر المتعالم بعد قسم الرسول صلى الله عليه وسلم للمال: "اتَّق الله"، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: ((ويلك! أوَلسْتُ أحقَّ أهل الأرض أن يتَّقِي الله؟!))، وعندما ولَّى، نظر إليه الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: ((إنه يخرج من ضِئضِئ هذا قوم يتلون كتاب الله رطبًا، لا يجاوز حناجرهم، يمرقون من الدِّين كما يمرُق السهم من الرمية))[1].

لقد حذرنا الرسول صلى الله عليه وسلم من هذا الصِّنف من البشر الذي لا يعرف قدر نفسه، فيعترض على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويرد عليه أمره، ويتشدد في الدين تشددًا يخرجه من الدين، وقد حذر الرسول صلى الله عليه وسلم من هذا الصِّنف من الناس الذين يردون قوله، مدَّعين استغناءهم بكتاب الله عن السنة؛ ففي الحديث الذي يرويه المقدام بن مَعديكَرِب رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ألا هل عسى رجل يبلغه الحديث عنِّي، وهو متكئٌ على أريكته، فيقول: بيننا وبينكم كتاب الله، فما وجدنا فيه حلالاً استحلَلْنَاه، وما وجدنا فيه حرامًا حرَّمْناه، وإنَّ ما حرَّم رسول الله كما حرم الله))؛ رواه الترمذي، ورواه أبو داود بلفظ ((ألا وإني أوتيت الكتاب ومثله معه، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته، يقول عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه، ألا لا يحل لكم الحمار الأهلي، ولا كل ذي ناب من السباع، ولا لقطة معاهد، إلا أن يستغني عنها صاحبها))[2].

رد الصحابة لضلالة هذه الفرقة:

وقد حافظ الصحابة على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد وفاته، كما حَفِظوها في حياته؛ فقد تحاكموا إليها، ونفذوا تعاليم الرسول صلى الله عليه وسلم وعلَّموا سنته في أقطار المعمورة، وكان التَّابعون يأخذون ما يرويه الصَّحابَة من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير تلَكُّؤ ولا تردُّد، فقد كانت الثقة بصحابة الرسول صلى الله عليه وسلم عظيمةً كبيرةً، فهُم في نظر الناس أصدَق النَّاس وأبَر النَّاس، والرسول في أعينهم أعظم من أن يكذب عليه، ويُفتَرى عليه، فلما وقعت الفتنة الكبرى التي أودت بحياة الخليفة الراشد عثمان بن عفان - رضي الله عنه - نبتت نابتة تكفر صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم وتتَّهِمُهم، وتردُّ ما رووه من أحاديث، وكانت تلك الفرقة فرقة الخوارج، وهم أصحاب ذلك الرجل الذي أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن حالهم، وقد استباحوا دماء المسلمين وأموالهم، وسبوا نساءهم، وزعموا أنهم وحدهم على الإيمان، وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم بهم وبمقالهم وحالهم في حياته، حتى يكون المسلمون على بيِّنة من أمرهم، فقد وصف الرسول صلى الله عليه وسلم حال أصحاب ذلك الرجل الذي تعالم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وسفَّه حكمَه، فقال فيه: ((فإن له أصحابًا يحقر أحدكم صلاته مع صلاتهم، وصيامه مع صيامهم، يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم، يمرقون من الإسلام كما يَمرُق السهم من الرمية))، ثم دل أصحابه على علامة تعرفهم بهؤلاء، فقال: ((آيَتُهم رجل أسود، إحدى عضديه مثل ثدي المرأة، أو مثل البضعة تدردر، يخرجون على حين فرقة من النَّاس)).

وقد شهد راوي الحديث أبو سعيد الخدري: أنه سمع هذا الحديث من رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال: "وأشهد أن علي بن أبي طالب قاتلهم، وأنا معه، فأمر بذلك الرجل فالتُمس، فوُجِد، فأُتي به حتى نظرت إليه على نعت رسول الله الذي نعت".

وفي رواية أخرى لأبي سعيد الخدري: أن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر قومًا في أمته يخرجون في حالِ فرقة من النَّاس سيماهم: التحالق، قال: هم شر الخلق أو من أشر الخلق، يقتلهم أدنى الطائفتين إلى الحق"[3].

وبدعة الخوارج هذه أول البدع ظهورًا في الإسلام، كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى فقد قال في ذلك: ((أول البدع ظهورًا في الإسلام وأظهرها ذمًّا في السنة والآثار - بدعة الحرورية المارقة[4]، فإن أولهم[5] قال للنبي صلى الله عليه وسلم في وجهه: اعدِل، يا محمد؛ فإنك لم تعدل، وأمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقتلهم وقتالهم، وقاتلهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مع أمير المؤمنين علي بن أبي طالب"[6].

وخطورة هذه الفرقة ومن تابعها أنها ترد أمر الرسول صلى الله عليه وسلم بقِحة وجَرأة، وتخالف ما جاء به، وهذا يتناقض مع ما يزعمونه من أنهم يؤمنون به رسولاً لرب العالمين؛ فالإيمان به رسولاً يلزم طاعته؛ ولهذا لما قال أولهم للرسول صلى الله عليه وسلم: "اعدل، يا محمد؛ فإنك لم تعدل"، كان قوله هذا تجويزًا منه أن يخون ويظلم فيما ائتمنه الله عليه من الأموال، فكيف يستقيم هذا مع ادعاء هذا القائل أنه يؤمن به رسولاً لرب العالمين؛ ولذلك قال الرسول صلى الله عليه وسلم لأمثال هذا الرجل: ((أيأمَنُني من في السماء ولا تأمنوني؟!)).

وقد كذب هؤلاء بالسنن الثابتة المتواترة زاعمين أنها تخالف القرآن، فمن ذلك تكذيبهم بحكم الرَّجم، وتكذيبهم بالنصاب الذي يقطع فيه السارق، فيزعمون أن الزاني المحصن يُجلَد ولا يُرجَم، وأن السارق تقطع يده في القليل والكثير، يقول ابن تيمية: "فهم لا يَرَون اتباع السنة التي يظنون أنها تخالف القرآن، كالرَّجم، ونصاب السرقة، وغير ذلك فضلوا"[7]، وهذا الرد للسنة ليس بسبب تكذيبهم بصحة النقل عن الرسول صلى الله عليه وسلم ولكنه رد لقول الرسول صلى الله عليه وسلم يقول شيخ الإسلام في ذلك: "والخوارج جوَّزوا على الرسول نفسه أن يجور ويضل في سننه، ولم يوجبوا طاعته ومتابعته، وإنما صدقوه فيما بلغه من القرآن، دون ما شرعه من السنة التي تخالف - بزعمهم - ظاهر القرآن"[8].

وقد كان من أتى بعدهم من نفاة السنة أشد دهاء منهم، فلم يصرحوا كما صرح هؤلاء برد السنة، ولكنهم أخذوا يحتالون لذلك بشتَّى الحيل، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "وغالب أهل البدع غير الخوارج يتابعونهم لما اتَّبعوه، فإنهم يرون: أن الرسول صلى الله عليه وسلم لو قال بخلاف مَقَالتهم لما اتبعوه، كما يحكي عمرو بن عبيد في حديث الصادق المصدوق، وإنما يدفعون عن أنفسهم التُّهْمَة إما برد النقل، وإما بتأويل المنقول، فيطعنون تارة في الإسناد، وتارة في المتن، وإلا فهم ليسوا متبعين، ولا مؤتَمِّين بحقيقة السنة التي جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم بل ولا بحقيقة القرآن"[9].

وقد ضل هؤلاء برفضهم السنة، ووقعوا في أخطاء جسيمة، ومن ذلك، أنهم كفروا المسلمين بالذنوب والسيئات، واستحلوا دماءهم وأموالهم، وجعلوا دار المسلمين دار حرب، ودارهم دار الإيمان، والسبب في ذلك كما يقول شيخ الإسلام[10] هو: "خروجهم عن السنة، وجعلهم ما ليس بسيئةٍ سيئةً، وما ليس بحسنةٍ حسنةً، وهذا تشترك فيه البدع المخالفة للسنة، فقائلها لا بد أن يثبت ما نفته السنة، وينفي ما أثبتته السنة، ويحسن ما قبحته، أو يقبِّح ما حسَّنت، وهذا القدر قد يقع من بعض أهل العلم خطأ في بعض المسائل، لكن أهل البدع يخالفون السنة الظاهرة المرويَّة".

ومن ضلالهم الذي وقعوا فيه عدَمُ انقيَادهم لحكم رسول الله، وحكم ولاة الأمر من بعده، ولذلك كان أصدَق وَصف ينطبق عليهم وصف الرسول صلى الله عليه وسلم لهم: ((يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية))[11].

وقد كان لأقوال هذه الفرقة في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم شيءٌ من التأثير في المجتمع الإسلامي في عهد الصَّحابَة، ولكن الصَّحابَة كانوا لأمثال هذه الأقوال بالمِرصَاد، فكانوا يكشفون ظلمتها، ويُبيِّنون عوارها، ويردون باطلها؛ فقد أخرج البيهقي والحاكم عن الحسَن، قال: بينما عمران بن الحصين يحدِّث عن سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إذ قال له رجل: "يا أبا نُجَيْد، حدثنا بالقرآن"، فقال له عمران: "أنت وأصحابك تقرؤون القرآن، أكنت تحدثني عن الصلاة وما فيها وحدودها؟ أكنت محدثي عن الزكاة في الذهب والإبل والبقر وأصناف المال؟ ولكن شهدت وغبت أنت"، ثم قال: "فرض الرسول صلى الله عليه وسلم في الزكاة كذا وكذا"، فقال الرجل: "أحييتني، أحياك الله"، قال الحسن: "فما مات ذلك الرجل حتى صار من فقهاء المسلمين"[12].

أرأيت: كيف عالج عمران الشبهة، وكشف الغمة، وأنار للرجل طريقه؟ وواضح من السياق أن هذا الرجل كان له أصحاب يأخذون بقوله، وأن الشبهة عملت عملها عنده وعند أصحابه.

وأخرج أحمد والبزار والطبراني عن زيد بن أرقم، قال: "بعث إليَّ عبيد الله بن زياد فأتيته، فقال: ما أحاديث تحدِّث بها وترويها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا نجدها في كتاب الله، تحدِّث أن له حوضًا في الجنة؟! قال: قد حَدَّثَنَاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ووعدناه"[13]؛ وقد ثبت في صحيحَي البُخَاري ومسلم: أن امرأة جاءت إلى الصحابي الجليل عبدالله بن مسعود تلومه على لعنه الواشمات والمستوشمات، والمتنمصات والمتفلجات للحُسْن، المغيرات خلق الله، وقد قال لها: "ما لي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله"، فقالت: "لقد قرأت ما بين اللوحين، فما وجدت فيه ما تقول"، قال: "لئن كنتِ قرأته لقد وجدْتِهِ، أما قرأت: ﴿ وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ﴾ [الحشر: 7]"، قالت: بلى، قال: "فإنه نهى عنه"[14].

وابن مسعود هنا ينبه هذه المرأة إلى أن هذا اللعن في كتاب الله، ثم بيَّن مراده من قوله: ((وهو في كتاب الله))، أي: أن الله أمر بأخذ ما جاءنا عن رسولنا صلى الله عليه وسلم وكأنه كان بذلك يعلم النَّاس طريقة الرد على هذه الفرقة الضالَّة، كيف وهو الذي كان يقول للناس معلمًا وموجهًا: ((أيها النَّاس، عليكم بالعلم قبل أن يُرفَع، فإن مِن رَفعِه أن يُقبَض أصحابه، وإياكم والتبدُّع والتنطُّع، وعليكم بالعتيق، فإنه سيكون في آخر هذه الأمة أقوام يزعمون أنهم يدعون إلى كتاب الله، وقد تركوه وراء ظهورهم))؛ أخرجه الدرامي[15].

وقد واجه الصَّحابَة هذه الفرقة وأمثالها من أهل البدع بالسنة، وخاصموهم بها، وقد كان هذا منهجهم في أمثال هؤلاء، فقد أخرج الدرامي واللالكائي في "السنّة"، عن عمر بن الخطاب، قال: "سيأتي ناس يجادلونكم بشبهات القرآن، فخذوهم بالسنن، فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله"، وأخرج اللالكائي في "السنة"، عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: "سيأتي قوم يجادلونكم، فخذوهم بالسنن؛ فإن أصحاب السنن أعلم بكتاب الله"، وأخرج ابن سعد في "الطبقات"، من طريق عكرمة، عن ابن عباس: أن علي بن أبي طالب أرسله إلى الخوارج، فقال: "اذهب إليهم فخاصمهم، ولا تحاجِّهم بالقرآن، فإنه ذو وجوه، ولكن خاصمهم بالسنة"، وأخرَج من وجه آخر أن ابن عباس قال: "يا أمير المؤمنين، فأنا أعلم بكتاب الله منهم، في بيوتنا نزل"، قال: "صدقت، ولكن القرآن حمَّال ذو وجوه، نقول، ويقولون، ولكن حاجِّهم بالسنن؛ فإنهم لن يجدوا عنها محيصًا، فخرج إليهم، فحاجهم بالسنن، فلم يبق بأيديهم حجة"[16].

 


[1] الحديث رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري، ورواه غير أبي سعيد أيضًا، وهو عند مسلم من طرق كثيرة، انظر: "مسلم بشرح النووي"، 7/ 163.

[2] "جامع الأصول من أحاديث الرسول"، 1/ 281، قال محقق الكتاب: رواه أبو داود رقم (4604) في السنة، وسنده صحيح، والترمذي رقم (2666) في العلم، باب رقم (60)، وقال: هذا حديث حسن وأخرجه أحمد في المسند (4/ 130 - 132)، وابن ماجه رقم (12) في المقدمة باب تعظيم حديث الرسول صلى الله عليه وسلم.

[3] كل الروايات التي ذكرتها رواها مسلم في صحيحه، انظر: "مسلم بشرح النووي"، 7/ 167.

[4] الحرورية: هم الخوارج سموا بذلك لانحيازهم إلى ما كان يعرف باسم: حروراء.

[5] المراد به ذو الحُوَيْصرة اليماني، وكان ذلك مرجع الرسول صلى الله عليه وسلم من حنين بعد قسمه لغنائم معركة حنين، والحديث في صحيح مسلم من رواية جابر، انظر: "مسلم بشرح النووي"، 7/ 159.

[6] "مجموع فتاوى شيخ الإسلام"، جمع ابن قاسم، 19 / 72.

[7] "مجموع فتاوى شيخ الإسلام"، 13/ 208.

[8] "مجموع فتاوى شيخ الإسلام"، 19/ 73.

[9] "مجموع فتاوى شيخ الإسلام"، 19/ 73.

[10] "مجموع فتاوى شيخ الإسلام"، 19/ 72.

[11] رواه مسلم، وقد سبق تخريجه.

[12] "مفتاح الجنة"، للسيوطي، ص 38.

[13] "مفتاح الجنة"، ص 38.

[14] "مشكاة المصابيح"، 2/ 493، حديث رقم (4431).

[15] "مفتاح الجنة"، للسيوطي، ص 35.

[16] "مفتاح الجنة"، للسيوطي، ص 41.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الحديث النبوي والقرآن الكريم
  • الاحتجاج بالسنة ( وجوب إنشاء مدرسة للتخصص في الحديث )
  • الاحتجاج بالسنة

مختارات من الشبكة

  • أضواء على مذاهب الذين رفضوا الاحتجاج بالسنة (2)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • نقطة ضوء(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أضواء على المذاهب الهدامة (الماسونية)(مقالة - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • أضواء على المذاهب الهدامة (PDF)(كتاب - موقع الشيخ عبد القادر شيبة الحمد)
  • كتاب: أهداف ذو الحجة من أضواء السنة النبوية وعلى النبي أفضل الصلاة والسلام (PDF)(كتاب - ملفات خاصة)
  • الأنوار الكاشفة لما في كتاب أضواء على السنة من الزلل والتضليل والمجازفة (PDF)(كتاب - موقع الشيخ علي بن محمد العمران)
  • أضواء على انتفاضة الموصل المنسية سنة 1839 م(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • أضواء حول سورة "ق" (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شرح كتاب المنهج التأصيلي لدراسة التفسير التحليلي (المحاضرة العاشرة: أضواء على المنهج العقدي في وصايا لقمان)(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • تخريج حديث: فمن كان سائلا عن وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم فهذا وضوؤه(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 20/11/1446هـ - الساعة: 15:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب