• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: (ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    سورة الكافرون.. مشاهد.. إيجاز وإعجاز (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من آداب المجالس (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    خطر الميثاق
    السيد مراد سلامة
  •  
    أعظم فتنة: الدجال (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    فضل معاوية والرد على الروافض
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    ما جاء في فصل الشتاء
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرحمن، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    تفسير: (فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تخريج حديث: إذا استنجى بالماء ثم فرغ، استحب له ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    الخنساء قبل الإسلام وبعده
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    اختر لنفسك
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون (خطبة) - باللغة ...
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / روافد
علامة باركود

التفسير بالأثر والرأي وأشهر كتب التفسير فيهما

د. عبدالله بن إبراهيم بن عبدالله الوهيبي

المصدر: مجلة البحوث الإسلامية، العدد 7، ص200-237
مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 29/1/2007 ميلادي - 10/1/1428 هجري

الزيارات: 613347

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

التفسير بالأثر والرأي وأشهر كتب التفسير فيهما


1- من مواليد الإحساء عام 1364هـ.

 

2 - حاصل على الماجستير 1394هـ، والدكتوراه 1399هـ، من جامعة الأزهر في التفسير وعلومه.

 

3- أستاذ مساعد بكلية أصول الدين، جامعة الإِمام محمد بن سعود الإِسلامية وعضو بمركز البحث العلمي بالجامعة.

 

4 - من مؤلفاته:

العز بن عبدالسلام: حياته وآثاره ومنهجه في التفسير (مطبوع).

تحقيق تفسير العز بن عبدالسلام (مخطوط).

أسباب النزول (مخطوط).


التفسير بالأثر والرأي

يشتمل هذا الموضوع على بيان معنى التفسير لغة واصطلاحاً والفرق بينه وبين التأويل، واهتمام الصحابة والتابعين بالتفسير، وتاريخ تدوينه، وأقسامه، ونبذة موجزة عن أشهر كتب التفسير بالأثر والرأي.

معنى التفسير لغة واصطلاحاً:

التفسير في اللغة: هو الإيضاح والتبيين، ومنه قوله تعالى: ﴿ وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا ﴾ [الفرقان: 33].

وهو مأخوذ من الفسر أي: الإِبانة والكشف، قال في القاموس: الفسر: الإِبانة وكشف المغطى كالتفسير، والفعل كضرب ونصر. والتفسير في الاصطلاح عرفه الزركشي بأنه: علم يعرف به فهم كتاب الله المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وبيان معانيه واستخراج أحكامه وحكمه. واستمداد ذلك من علم اللغة والنحو والتصريف وعلم البيان وأصول الفقه والقراءات ويحتاج لمعرفة أسباب النزول والناسخ والمنسوخ[1].


معنى التأويل لغة:

التأويل في اللغة مأخوذ من الأول وهو الرجوع قال في القاموس: آل إليه أولاً ومآلاً رجع وعنه ارتد وأول الكلام تأويلاً وتأوله دبره وقدره وفسَّره[2].

قال الراغب الأصفهاني: التأويل من الأول أي الرجوع إلى الأصل ومنه الموئل للموضع الذي يرجع إليه وذلك هو رد الشيء إلى الغاية المرادة منه علماً كان أو فعلاً، ففي العلم نحو قوله تعالى: ﴿ هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ ﴾ [الأعراف: 53][3].


التأويل في الاصطلاح والفرق بينه وبين التفسير:

والتأويل في الاصطلاح مختلف فيه، فيرى بعض العلماء أن التأويل بمعنى التفسير، وعلى هذا جرى الطبري في تفسيره فتجده يقول: (تأويل قوله تعالى... أو يقول اختلف أهل التأويل) يريد بذلك أهل التفسير ويرى بعض العلماء أن التأويل مخالف للتفسير، فالتأويل يتعلق بحقيقة ما يؤول إليه الكلام علماً أو عملاً كما سبق في كلام الراغب والتفسير يتعلق بالألفاظ وبمفرداتها وقيل التفسير القطع بأن مراد الله تعالى كذا والتأويل ترجيح أحد المحتملات بدون قطع... وقيل التفسير ما يتعلق بالرواية والتأويل ما يتعلق بالدراية[4] ولذا اختلف السلف في الوقف على قوله تعالى: ﴿ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [آل عمران: 7]. فمن قال: إن التأويل بمعنى التفسير وقف على قوله: ﴿ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ﴾ [آل عمران: 7] أي أن الراسخين في العلم يعلمون تأويل المتشابه ببيان معناه لغة وشرح ألفاظه، ومن قال: إن التأويل بمعنى حقيقة ما يؤول إليه الكلام وقف على قوله ﴿ إِلَّا اللَّهُ ﴾ [آل عمران: 7] بمعنى أنه لا يعرف حقيقة ما يؤول إليه المتشابه إلا الله تعالى.


التأويل في اصطلاح علماء الكلام:

هو صرف اللفظ عن المعنى الراجح إلى المعنى المرجوح لدليل. وهذا الاصطلاح استخدمه علماء الكلام في صرف آيات الصفات عن ظاهرها ومعانيها الراجحة إلى معان مرجوحة كما قالوا في قوله تعالى: ﴿ وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا ﴾ [الفجر: 22] . المراد به جاء أمر ربك لأنهم لو أثبتوا المعنى الظاهر وهو المجيء لترتب على هذا خلو المكان والحدوث والله منزه عن ذلك فصرفوا الكلام عن معناه الراجح إلى معناه المرجوح لتنزيه الله تعالى وهذا الدليل غير مسلم لهم عند أهل السنة والجماعة فهم يثبتون المجيء على ظاهره من غير تكييف ولا تمثيل على حد قوله تعالى: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [الشورى: 11]. وهو الصواب لأن الذين تأولوا آيات الصفات خشية من الوقوع في التشبيه قد وقعوا فيما فروا منه ؛ لأنهم تصوروا أن الله كالمخلوق يلزم من مجيئه الخلو والحدوث، فشبهوا الله به ثم تأولوا صفات الله فوقعوا في التعطيل، فلو أنهم تصوروا أن الله بخلاف المخلوق في ذاته للزم على هذا أنه مخالف له في صفاته فوجب إثبات الصفات له على ما يليق بجلاله.

والراجح أن التفسير يتعلق بشرح ألفاظ القرآن وبيان معانيها من جهة اللغة، والتأويل يتعلق باستنباط الحكم والأحكام من الآيات وترجيح أحد المحتملات، هذا إذا أردنا التفريق بين التفسير والتأويل وإلا فيصح إطلاق أحدهما على الآخر فبينهما عموم وخصوص من وجه كالإِيمان والإِسلام فإذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا فإذا استعملنا كلمة التفسير مفردة فتعم التأويل، وكذلك إذا استعملنا كلمة التأويل مفردة فتعم التفسير وإذا جمعنا بين الكلمتين فقلنا التفسير والتأويل فينصرف التفسير إلى شرح ألفاظ القرآن وبيان معانيها وينصرف التأويل إلى استنباط الحكم والأحكام وترجيح المحتملات كما سبق بيانه والله أعلم.


اهتمام الصحابة والتابعين بالتفسير:

اهتم الصحابة رضوان الله عليهم بحفظ القرآن، وتدبر معانيه وفهم مراد الله، والعمل بما جاء فيه، فكان من اهتمامهم بالقرآن أنهم إذا حفظوا مجموعة من الآيات لا يتجاوزونها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل، قال أبو عبدالرحمن السلمي: (حدثنا الذين كانوا يقرئوننا القرآن كعثمان بن عفان وابن مسعود وغيرهما أنهم كانوا إذا حفظوا من الرسول صلى الله عليه وسلم عشر آيات لا يتجاوزونها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل، قال فحفظنا القرآن والعلم والعمل جميعاً).

وروى عن ابن عمر أنه أقام على حفظ سورة البقرة ثماني سنين وهذا دليل على تدبره لها وفهمه لمعانيها وتطبيق ذلك. وروى عن أنس بن مالك أنه قال: (كان الرجل منا إذا حفظ البقرة وآل عمران جل في أعيننا) أي عظم قدره[5].

وكذلك كان التابعون يحرصون على حفظ القرآن وتدبر معانيه فهذا مجاهد يقول عرضت المصحف على ابن عباس ثلاث مرات أوقفه عند كل آية وأسأله عنها.

وقال الشعبي رحل مسروق إلى البصرة في تفسير آية فقيل له إن الذي يفسرها رحل إلى الشام فتجهز ورحل إليه حتى علم تفسيرها[6]. فتفسير القرآن من أشرف العلوم وأفضلها ؛ لأن العلم يشرف بشرف المعلوم، وعلم التفسير يتعلق بكلام الله وهو خير الكلام قال تعالى: ﴿ يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [البقرة: 269]. فالحكمة فهم القرآن وتفسيره كما قال المفسرون. وقال الرسول صلى الله عليه وسلم((خيركم من تعلم القرآن وعلمه))[7].


المفسرون من الصحابة والتابعين:

وقد اشتهر بالتفسير من الصحابة رضي الله عنهم الخلفاء الأربعة، وابن مسعود، وابن عباس، وأبي بن كعب، وأبو موسى الأشعري، وزيد بن ثابت، وعبدالله بن الزبير، وأكثر من روى عنهم من الخلفاء علي بن أبي طالب لأن الخلافة لم تشغله أول الأمر، ولبقائه مدة طويلة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكلما طال الزمان بالناس احتاجوا إلى التفسير نظراً لما يجد عندهم من قضايا لم تكن موجودة ولاختلاطهم بالأعاجم، وبعدهم عن عهد العروبة الأول، لذا يشكل عليهم القرآن كثيراً فيحتاجون إلى التفسير لذا تجد ما روي عن ابن عباس أكثر مما روي عن علي رضي الله عنهما بخلاف الثلاثة السابقين فقد اشتغلوا بالخلافة أولاً، وكانت مدة بقائهم، بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم قصيرة، خصوصاً أبا بكر الصديق رضي الله عنه فإنه لم يلبث بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا سنتين وأشهراً لذا لم يرو عنه في التفسير إلا نزر يسير أما علي رضي الله عنه فقد روى عنه كثير، وكان يقول: (سلوني فوالله لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم، وسلوني عن كتاب الله، فوالله ما من آية إلا وأنا أعلم أبليل نزلت أم بنهار أم في سهل أم في جبل).

وكان يقول: (والله ما نزلت آية إلا وقد علمت فيم أنزلت، وأين أنزلت، إن ربي وهب لي قلباً عقولاً ولساناً سؤولاً.) [8] وكذا روى عن ابن مسعود كثير، وكان يقول: (والذي لا إله غيره ما نزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيمن نزلت، وأين نزلت، ولو أعلم مكان أحد أعلم بكتاب الله مني تناله المطايا لأتيته)[9] فما روى عنهم من تسم على العلم بكتاب الله أية آية دليل على مدى اهتمامهم بهذا الكتاب العظيم، وتدبرهم له آية آية، وتتبعهم لنزوله، وفهم مقاصده ومراميه والعمل به.

لذا نجد ابن عباس رضي الله عنه لما فاته الأخذ عن الرسول صلى الله عليه وسلم لصغر سنه حيث توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث عشرة سنة تقريباً، نجده يلازم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم ويجد في الطلب ويتحمل في ذلك المشاق والمتاعب، فقد روى عنه أنه كان يجلس في القائلة عند باب أحدهم والرياح تؤذيه والشمس تشتد عليه، ومع هذا يتحمل في سبيل تعلم كتاب الله، وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم فبجهوده التي بذلها في طلب العلم، وبركة دعوة الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال: ((اللهم فقهه في الدين، وعلمه التأويل)) فتح الله عليه في فهم القرآن، وتدبره فكان حكماً في تفسيره ومن يؤتى لحكمة فقد أوتي خيراً كثيراً.

واشتهر من التابعين مجاهد وقد قيل: (إذا جاءك التفسير من مجاهد فحسبك) وممن اشتهر من التابعين أيضاً سعيد بن جبير، وعكرمة - مولى ابن عباس - وقتادة، والضحاك، وعطاء بن أبي رباح، وزيد بن أسلم وغيرهم كثير.


تاريخ تدوين التفسير:

مر تدوين تفسير القرآن بالمراحل الآتية:

المرحلة الأولى:

أن التفسير كان يعتمد على الرواية والنقل فالصحابة يروون عن الرسول صلى الله عليه وسلم ويروى بعضهم عن بعض.

المرحلة الثانية:

أن التفسير دون ضمن كتب الحديث فالمحدوثون الذين تخصصوا في رواية أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وجمعها كالبخاري ومسلم وأصحاب السنن أفردوا باباً للتفسير في كتبهم جمعوا فيه ما روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم أو الصحابة أو التابعين في تفسير القرآن فتجد ضمن صحيح البخاري ومسلم باب التفسير وكذلك كتب السنن.

المرحلة الثالثة:

أن التفسير دون مستقلاً في كتب خاصة به جمع فيها مؤلفوها ما روي عن الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين مرتباً حسب ترتيب المصحف فيذكرون أولاً ما روي في تفسير سورة الفاتحة ثم البقرة ثم آل عمران وهكذا إلى آخر سورة الناس.

تم ذلك على أيدي طائفة من العلماء منهم ابن ماجه (ت273هـ.) وابن جرير الطبري (ت310هـ.) وأبو بكر بن المنذر النيسابوري (ت318هـ.) وابن أبي حاتم (ت327هـ.) وأبو الشيخ بن أبي حِبَّان (ت369هـ.) والحاكم (ت405هـ.) وأبو بكر بن مردويه (ت410هـ.) وغيرهم من أئمة هذا الشأن وكل هذه التفاسير مروية بالإِسناد إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وإلى الصحابة والتابعين وتابع التابعين، وليس فيها شيء غير التفسير المأثور اللهم إلا ابن جرير الطبري فإنه ذكر الأقوال ثم وجهها ورجح بعضها على بعض، وزاد على ذلك الإِعراب إن دعت إليه حاجة واستنبط الأحكام التي تؤخذ من الآيات القرآنية[10].

المرحلة الرابعة:

في هذه المرحلة دون التفسير مجرداً عن الإِسناد واختلط الصحيح بالضعيف ودخلت الإِسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير والذين جاؤوا بعد ذلك نقلوا هذه الأقوال على أنها صحيحة.


تلون التفسير بثقافة المفسرين:

ثم كثر التأليف في التفسير بالرأي والاجتهاد فخرجت تفاسير تلونت بلون ثقافة مؤلفيها فالعالم بالنحو حشا تفسيره بقواعد النحو وخلافياته كما فعل أبو حيان في تفسيره (البحر المحيط) وصاحب العلوم العقلية والفلسفية حشا تفسيره بأقوال الفلاسفة ونظرياتهم وفندها ورد عليها كما فعل الفخر الرازي في تفسيره (مفاتيح الغيب) وصاحب الفقه حشا تفسيره بذكر مسائل الفقه وفروعه وأدلة المذاهب كما فعل القرطبي في تفسيره (الجامع لأحكام القرآن) وصاحب القصص والأساطير حشا تفسيره بذكر قصص الأنبياء مع قومهم واستطرد في ذلك كما فعل الثعلبي في تفسيره (الكشف والبيان عن تفسير القرآن) وهكذا تلون التفسير بعلم من ألف فيه.


التفسير الموضوعي:

وبجانب تلك التفاسير ظهرت كتب عنيت بدراسة جانب من جوانب القرآن، فأفردته بالبحث والدراسة وتوسعت فيه وتحدثت عن جزئياته، سميت فيما بعد (بالتفسير الموضوعي) ففي مقدمة المؤلفين في هذا النوع من الدراسة (قتادة بن دعامة الدوسي) (ت118هـ.) روى أنه أول من ألف في (الناسخ والمنسوخ) كما ألف أبو عبيدة معمر بن المثنى (ت210هـ.) في مجاز القرآن وكتابه طبع في القاهرة سنة 1954م. وألف أبو عبيد القاسم بن سلام (ت244هـ.) في (الناسخ والمنسوخ) أيضاً وكذا أبو داود السجستاني صاحب السنة (ت275هـ.) وألف أبو علي ابن المديني شيخ البخاري (ت234هـ.) كتابه في (أسباب النزول) وهو أول من ألف في أسباب النزول في القرآن الكريم ولكن كتابه لم يصل إلينا[11].

كما ألف أبو الفرج ابن الجوزي (ت597هـ.) كتابه (أسباب نزول القرآن) وألف الواحدي (ت468هـ.) كتابه (أسباب النزول) وهو مطبوع ومتداول، وألف الراغب الأصبهاني (ت502هـ.) كتابه (المفردات في غريب القرآن) وأفرد الجصاص الفقيه الحنفي (ت370هـ.) كتاباً خاصاً (بأحكام القرآن) تناول فيه تفسير آيات الأحكام وكذلك فعل ابن العربي المالكي (ت543هـ.) والكيَّا الهرَّاس الشافعي (ت504هـ.).


أقسام التفسير:

ينقسم التفسير إلى قسمين:

1 - التفسير بالمأثور:

ويشمل تفسير القرآن بالقرآن ؛ لأن ما أجمل وأطلق في مكان بين وقيد في مكان آخر، والتفسير المروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين.

مثال تفسير القرآن بالقرآن، قوله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ ﴾ [المائدة: 1]. فقوله تعالى: ﴿ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ ﴾ [المائدة: 1] فسر بالآية رقم 3 من السورة وهي قوله تعالى: ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ ﴾ [المائدة: 3] الآية ومن أمثلة ذلك قوله تعالى: ﴿ نَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا ﴾ [المعارج: 19]فسر بالآيات التي بعده ﴿ إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ ﴾ [المعارج: 20 - 22] ومثال المروي عن الرسول صلى الله عليه وسلم ﴿ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ﴾ [الفاتحة: 7] فسر الرسول صلى الله عليه وسلم المغضوب عليهم: باليهود، والضالين: بالنصارى رواه الترمذي عن عدي بن حاتم رضي الله عنه[12]. ومن ذلك ما روى عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: لما نزلت ﴿ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ ﴾ [الأنعام: 82]. شق ذلك على المسلمين، وقالوا أيُّنا لا يظلم نفسه؟ فقال: رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ليس ذلك إنما هو الشرك، ألم تسمعوا قول لقمان لابنه: ﴿ يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13]. رواه البخاري ومسلم والترمذي[13].

2 - التفسير بالرأي:؟

وهو الذي يعتمد فيه المفسر على الاستنتاج العقلي للأحكام والحكم من الآيات، وترجيح المحتملات ويجوز التفسير بالرأي لمن كان عالماً باللغة العربية والنحو والصرف والبلاغة وناسخ القرآن ومنسوخه وأسباب النزول والسنة صحيحها وضعيفها وأصول الفقه، وأن يكون موهوباً، والموهبة لا تأتي إلا بالتقوى فكلما كان الإِنسان أكثر تقوى وخشية لله فتح الله عليه وعلمه مالم يعلم، وبارك في علمه قال تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ ﴾ [البقرة: 282].

فالمطلع على كتب العلماء السابقين يجد نفسه أمام موسوعات علمية في التفسير والحديث والتوحيد والفقه والأصول، فإذا ما قرأ فيها وجد فيها الغزارة العلمية والاستنتاج الدقيق والاستقصاء والترجيح بين الأدلة والرد على المخالفين ودفع الشبه وغير ذلك من المباحث، فيتساءل كيف جمعوا هذه المعلومات وكيف اتسعت أعمارهم لتأليف هذه الموسوعات، ولا يجد جواباً على ذلك إلا أنهم أخلصوا النية في طلب العلم، واتقوا الله، ففتح الله عليهم وبارك في وقتهم وعلمهم.


ويحرم التفسير بالرأي لمن لا تتوفر فيه الشروط السابقة قال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((من قال في القرآن بغير علم فليتبوأ مقعده من النار)) رواه الترمذي، وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((من قال في كتاب الله عز وجل برأيه فأصاب فقد أخطأ)) رواه أبو داود والترمذي عن جندب بن عبدالله رضي الله عنه[14] والمعنى أن من فسر القرآن برأيه المجرد دون الرجوع إلى لغة العرب وأساليبها في البيان والرجوع إلى المروي عن الرسول والصحابة، ومعرفة الناسخ والمنسوخ فقد أخطأ الطريق الذي يتوصل به إلى تفسير كتاب الله وإن أصاب في رأيه لمراد الله لأنه أتى الأمر من غير بابه حيث فسر كتاب الله بما لا يعلمه، ولذا نجد الصحابة رضوان الله عليهم والتابعين تكلموا في القرآن بما يعلمون، وتحرجوا عن الكلام في القرآن بما لا علم لهم به، روى عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال: (أي أرض تقلني وأي سماء تظلني إذا قلت في كتاب الله مالا أعلمه) وروى عن أنس أن عمر بن الخطاب قرأ على المنبر: ﴿ وَفَاكِهَةً وَأَبًّا ﴾ [عبس: 31] فقال: هذه الفاكهة عرفناها فما الأب؟ ثم رجع إلى نفسه وقال: إن هذا لهو التكلف يا عمر[15] وهذا محمول على أنه إنما أراد استكشاف علم كيفية الأب وإلا فكونه نبتاً من الأرض ظاهر لا يجهل لقوله تعالى: ﴿ فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا * وَعِنَبًا وَقَضْبًا * وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا * وَحَدَائِقَ غُلْبًا * وَفَاكِهَةً وَأَبًّا ﴾ [عبس: 27 - 31].


أشهر كتب التفسير بالأثر والرأي:

هذا المبحث يحتوي على نبذة موجزة عن أشهر كتب التفسير بالأثر والرأي تتناول التعريف بمؤلفيها وبيان طريقتهم في التفسير، وما تمتاز به هذه التفاسير وما يلاحظ عليها. وقد قسمنا هذه التفاسير إلى تفاسير بالأثر وتفاسير بالرأي ولا يعني ذلك خلو تفاسير الأثر عن الرأي وخلو تفاسير الرأي عن الأثر فكل تفسير يجمع بين الرأي والأثر ولكن تقسيمنا مبني على الغالب فما يغلب عليه الأثر جعلناه من تفاسير الأثر، وما يغلب عليه الراي جعلناه من تفاسير الرأي.


أ - أشهر كتب التفسير بالأثر:

1 - جامع البيان عن تأويل آي القرآن لابن جرير الطبري

التعريف بمؤلف هذا التفسير:

هو الإِمام الحافظ المفسر المحدث الفقيه المؤرخ شيخ المفسرين والمؤرخين، أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، ولد بآمل من بلاد طبرستان سنة 224هـ، وتوفي ببغداد سنة 310هـ، وكان عالماً بالقراءات بصيراً بالمعاني، عالماً بالسنة، متفانياً في العلم، ذكر عنه أنه مكث أربعين سنة يكتب كل يوم أربعين ورقة وكان من الأئمة المجتهدين، وقد ألف في علوم كثيرة فأبدع فيها ومن مؤلفاته:

1 - تاريخ الأمم والملوك، مطبوع وهو من أهم مصادر التاريخ.

2 - اختلاف الفقهاء، مطبوع.

3 - كتاب التبصر في أحوال الدين.

4 - تفسيره (جامع البيان عن تأويل آي القرآن).


التعريف بتفسيره وطريقته فيه:

تفسير الطبري من أجل التفاسير بالمأثور وأعظمها قدراً ذكر فيه ما روى في التفسير عن النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة والتابعين وأتباعهم، وكانت التفاسير قبل ابن جرير لا يذكر فيها إلا الروايات الصرفة، حتى جاء ابن جرير فزاد توجيه الأقوال، وترجيح بعضها على بعض، وذكر الأعاريب والاستنباطات والاستشهاد بأشعار العرب على معاني الألفاظ.

وطريقته في التفسير أنه يلخص الأقوال التي قيلت في تفسير الآية ثم يذكر بعد كل قول الروايات التي رويت فيه عن الرسول صلى الله عليه وسلم أو الصحابة أو التابعين، ثم يروى الروايات التي قيلت في القول الثاني ثم الثالث وهكذا حتى يستكمل الأقوال والروايات، ثم يرجح ما يراه ويستدل عليه ويرد الأقوال المخالفة.

وكان الطبري في نيته أن يكون تفسيره أوسع مما كان ولكنه اختصره استجابة لرغبة طلابه، فابن السبكي يذكر في طبقاته الكبرى أن أبا جعفر قال لأصحابه: أتنشطون لتفسير القرآن؟

قالوا: كم يكون قدره؟ فقال ثلاثون ألف ورقة.

فقالوا: هذا ربما تفنى الأعمار قبل تمامه. فاختصره في نحو ثلاثة آلاف ورقة، ثم قال قبل ذلك في تاريخه. ويقع تفسير ابن جرير في ثلاثين جزءاً من الحجم الكبير، وكان هذا الكتاب من عهد قريب يكاد يكون مفقوداً لا وجود له، ثم قدر الله له الظهور والتداول، فكان مفاجأة سارة للأوساط العلمية في الشرق والغرب أن وجدت في حيازة أمير حائل الأمير حمود بن عبيد عبدالرشيد نسخة مخطوطة كاملة من هذا الكتاب طبع عليها الكتاب من زمن قريب فأصبحت في يدنا دائرة معارف غنية في التفسير المأثور، وقد حظي هذا التفسير بالقبول والثناء في الأوساط العلمية قديماً وحديثاً، قال النووي: أجمعت الأمة على أنه لم يصنف مثل تفسير الطبري. وقال أبو حامد الأسفراييني: لو سافر رجل إلى الصين حتى يحصل على كتاب تفسير محمد بن جرير لم يكن ذلك كثيراً. وقال شيخ الإِسلام ابن تيمية: وأما التفاسير التي في أيدي الناس فأصحها تفسير ابن جرير الطبري فإنه يذكر مقالات السلف بالأسانيد الثابتة وليس فيه بدعة ولا ينقل عن المتهمين كمقاتل بن بكير والكلبي.


هذا وكتب (نولدكه) في سنة 1860م. بعد اطلاعه على بعض فقرات من هذا الكتاب: لو كان بيدنا هذا الكتاب لاستغنينا به عن كل التفاسير المتأخرة ومع الأسف فقد كان يظهر أنه مفقود تماماً، وكان مثل تاريخه الكبير مرجعاً لا يغيض معينه أخذ عنه المتأخرون معارفهم.

وقد التزم ابن جرير في تفسيره ذكر الروايات بأسانيدها إلا أنه في الأعم الأغلب لا يتعقب الأسانيد بتصحيح ولا تضعيف لأنه كان يرى كما هو مقرر في أصول الحديث، أن من أسند لك فقد حملك البحث عن رجال السند ومعرفة مبلغهم من العدالة والجرح، فهو بعمله هذا قد خرج من العهدة، ومع ذلك فابن جرير يقف أحياناً من السند موقف الناقد البصير فيعدل من يعدل من رجال الإِسناد ويجرح من يجرح منهم ويرد الرواية التي لا يثق بصحتها ويصرح برأيه فيها بما يناسبها.

ثم إننا نجد ابن جرير يأتي في تفسيره بأخبار إسرائيلية يرويها بإسناده إلى كعب الأحبار ووهب بن منبه وابن جريج والسدي وغيرهم، ونراه ينقل عن محمد بن إسحاق كثيراً مما رواه عن مسلمة النصارى.

وهكذا يكثر ابن جرير من رواية الإِسرائيليات، ولعل هذا راجع إلى ما تأثر به من الروايات التاريخية التي عالجها في بحوثه التاريخية الواسعة.

فعلى الباحث في تفسيره أن يتابع هذه الروايات بالنظر الشامل والنقد الفاحص، وقد يسر لنا ابن جرير الأمر في ذلك حيث إنه ذكر الإِسناد وبذلك يكون قد خرج من العهدة.

وعلينا نحن أن ننظر في السند ونتفقد الروايات[16] وقد استفاد المفسرون الذين جاءوا بعد الطبري من تفسيره فاعتمدوا عليه في نقل كثير من التفسير المأثور واستناروا بآرائه واجتهاداته وترجيحاته.

ويوجد لهذا التفسير طبعتان طبعة الحلبي كاملة في ثلاثين جزءاً ولكنها غير محققة وطبعة دار المعارف بتحقيق أحمد شاكر وأخيه محمود شاكر ولكنها ناقصة حيث بدأت من مقدمة التفسير إلى تفسير الآية (27) من سورة إبراهيم في ستة عشر مجلداً.


2 - الكشف والبيان عن تفسير القرآن للثعلبي.

هو أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي النيسابوري المقرئ المفسر كان حافظاً واعظاً رأساً في التفسير والعربية متين الديانة حدث عن أبي طاهر بن خزيمة وعنه أخذ أبو الحسن الواحدي التفسير وأثنى عليه، وكان كثير الحديث كثير الشيوخ ولكن هناك من العلماء من يرى أنه لا يوثق به ولا يصح نقله توفي سنة 427هـ. ومن مؤلفاته:

1 - كتاب العرائس في قصص الأنبياء عليهم السلام، مطبوع.

2 - من ربيع المذكرين.

3 - تفسيره: الكشف والبيان عن تفسير القرآن[17].


التعريف بتفسيره وطريقته فيه:

وطريقته في التفسير أنه يفسر القرآن بما جاء عن السلف مع اختصاره للأسانيد اكتفاء بذكرها في مقدمة الكتاب، كما أنه يعرض للمسائل النحوية ويخوض فيها بتوسع ظاهر، ويعرض لشرح الكلمات اللغوية وبيان أصولها ويستشهد على ما يقول بالشعر العربي ويتوسع في الكلام عن المسائل الفقهية عندما يتناول آية من آيات الأحكام فتراه يذكر الأحكام والخلافات والأدلة ويعرض للمسألة من جميع نواحيها إلى درجة تخرجه عما يراد من الآية. ويلاحظ عليه أنه يكثر من ذكر الإِسرائيليات بدون تعقيب مع ذكره لقصص إسرائيلية في منتهى الغرابة.

ويظهر من ذلك أن الثعلبي كان مولعاً بالأخبار والقصص إلى درجة كبيرة بدليل أنه ألف كتاباً يشتمل على قصص الأنبياء وإن أردت أمثلة على ذلك: فارجع إليه عند تفسير قوله تعالى: ﴿ إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ ﴾ [الكهف: 10] وقوله تعالى: ﴿ نِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ ﴾ [الكهف: 94] ثم ارجع إليه عند تفسير قوله تعالى من سورة مريم: ﴿ فَأَتَتْ بِهِ قَوْمَهَا تَحْمِلُهُ ﴾ [مريم: 27] كذلك نجده قد وقع فيما وقع فيه كثير من المفسرين من الاغترار بالأحاديث الموضوعة في فضائل السور سورة سورة فروى في نهاية كل سورة حديثاً في فضلها منسوباً إلى أبي بن كعب كما اغتر بكثير من الأحاديث الموضوعة على ألسنة الشيعة فشوه بها كتابه دون أن يشير إلى وضعها واختلاقها ومن هذا ما يدل على أن الثعلبي لم يكن له باع في معرفة صحيح الأخبار من سقيمها.

قال شيخ الإِسلام ابن تيمية في مقدمته في أصول التفسير:

والثعلبي هو في نفسه كان فيه خير ودين وكان حاطب ليل ينقل ما وجد في كتب التفسير من صحيح وضعيف وموضوع.

وقال الكتاني: في الرسالة المستطرفة عند الكلام عن الواحدي المفسر لم يكن له ولا لشيخه الثعلبي الكبير بضاعة في الحديث، بل في تفسيرهما وخصوصاً الثعلبي، أحاديث موضوعة وقصص باطلة[18].


3 - معالم التنزيل للبغوي.

التعريف بمؤلف هذا التفسير:

هو أبو محمد الحسين بن مسعود بن محمد المعروف بالفراء البغوي الفقيه الشافعي المحدث المفسر الملقب بمحي السنة وركن الدين، كان تقياً ورعاً زاهداً إذا ألقى الدرس لا يلقيه إلا على طهارة ولد سنة 436هـ. وتوفي سنة 516هـ. بمروالروذ.

كان البغوي إماماً في التفسير والحديث والفقه وله مؤلفات في هذه العلوم فمن مؤلفاته:

1 - شرح السنة، مطبوع.

2 - مصابيح السنة، مطبوع.

3 - الجمع بين الصحيحين في الحديث.

4 - التهذيب في الفقه، مخطوط.

5 - تفسيره: معالم التنزيل، مطبوع[19].


تفسيره وطريقته فيه:

تفسير البغوي مختصر من تفسير الثعلبي، لكنه صان تفسيره عن الأحاديث الموضوعة والإِسرائيليات المبتدعة.

وطريقته أنه يفسر الآية بلفظ سهل موجز وينقل ما جاء عن السلف في تفسيرها وذلك بدون ذكر الإِسناد فيقول قال ابن عباس، أو قال مجاهد وهكذا اكتفاء بذكر إسناده إلى كل من روى عنهم في مقدمة تفسيره، وقد يذكر الإسناد في أثناء التفسير إذا روى بإسناد آخر لم يذكره في المقدمة ويمتاز بأنه يتعرض للقرآن بدون إسراف، ويتحاشى الاستطراد في الإِعراب ونكت البلاغة وغير ذلك من العلوم التي أولع بها المفسرون ويلاحظ عليه أنه يذكر روايات عن السلف في تفسير الآية ولا يرجح، وينقل عن الضعفاء كالكلبي، ويذكر بعض الإِسرائيليات بدون تعقيب. قال حاجي خليفة في كتابه كشف الظنون عن تفسير البغوي: هو كتاب متوسط نقل فيه عن مفسري الصحابة والتابعين ومن بعدهم، واختصره الشيخ تاج الدين أبو نصر عبدالوهاب بن محمد الحسين المتوفى سنة 875هـ[20].

وقد سئل شيخ الإِسلام ابن تيمية عن أقرب التفاسير للكتاب والسنة؟ الزمخشري؟ أم القرطبي؟ أم البغوي؟ أم غير هؤلاء؟ فقال في فتاواه. وأما التفاسير الثلاثة المسئول عنها فأسلمها من البدعة والأحاديث الضعيفة البغوي، لكنه مختصر من تفسير الثعلبي وحذف منه الأحاديث الموضوعة والبدع التي فيه، وحذف أشياء غير ذلك[21]. اهـ.


4 - تفسير القرآن العظيم لابن كثير.

التعريف بمؤلف هذا التفسير:

هو الإِمام الجليل الحافظ عماد الدين أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير الفقيه الشافعي، لازم المزي، وقرأ عليه تهذيب الكمال وصاهره على ابنته وأخذ عن ابن تيمية وفتن بحبه وامتحن بسببه ولد في قرية من أعمال بصرى الشام سنة 701هـ. وتوفي سنة 774هـ.

كان ابن كثير على مبلغ عظيم من العلم وقد شهد له العلماء بسعة علمه وغزارة مادته خصوصاً في التفسير والحديث والتاريخ ومن مؤلفاته:

1 - البداية والنهاية في التاريخ، مطبوع.

2 - شرح صحيح البخاري، ولم يكمله.

3 - طبقات الشافعية.

4 - جامع المسانيد، مخطوط في ثمانية مجلدات.

5 - تفسير القرآن العظيم، مطبوع[22].


التعريف بتفسيره وطريقته فيه:

تفسير ابن كثير من أشهر ما دون في التفسير بالمأثور، ويعتبر الكتاب الثاني بعد كتاب ابن جرير الطبري، اعتنى فيه مؤلفه بالرواية عن مفسري السلف. وقد قدم له بمقدمة طويلة هامة تعرض فيها لكثير من الأمور التي لها تعلق واتصال بالقرآن وتفسيره، ولكن أغلب هذه المقدمة مأخوذ بنصه من كلام شيخه ابن تيمية الذي ذكره في كتابه أصول التفسير.

وطريقته في تفسيره أنه يفسر الآية بأسلوب سهل واضح، ويذكر وجوه القراءات بدون إسراف، ويشير إلى الإِعراب إن كان له تعلق بتفسير الآية ثم يفسر الآية بآية أخرى إن أمكن، ويسرد في ذلك الآيات التي تناسبها، وهذا من قبيل تفسير القرآن بالقرآن، وقد اشتهر ابن كثير بذلك، ثم يذكر الأحاديث المرفوعة المتعلقة بتفسير الآية وما روى عن الصحابة والتابعين في ذلك ويعني بتصحيح الأسانيد أو تضعيفها مع بيان سبب الضعف، وترجيح بعض الأقوال على بعض مع توجيه ذلك.

وكثيراً ما نجده ينقل من تفسير ابن جرير الطبري وابن أبي حاتم وعبدالرزاق وابن عطية والفخر الرازي وغيرهم ممن تقدمه وقد يتعقب أقوالهم. ومما يمتاز به تفسيره أنه ينبه على ما في تفسير المأثور من منكرات الإِسرائيليات ويحذر منها على وجه الإِجمال تارة، وعلى وجه التعيين لبعض منكراتها تارة أخرى، مع نقد أسانيدها ومتونها، ويذكر مناقشات الفقهاء وآرائهم وأدلتهم عندما يشرح آية من آيات الأحكام من غير إسراف ولا استطراد.

وبالجملة فإن هذا التفسير من خير كتب التفسير بالمأثور وقد شهد له بعض العلماء فقال السيوطي في ذيل تذكرة الحفاظ والزرقاني في شرح المواهب: إنه لم يؤلف على نمط مثله[23].


5 - الدر المنثور في التفسير بالمأثور للسيوطي.

التعريف بمؤلف هذا التفسير:

هو الحافظ جلال الدين أبو الفضل عبدالرحمن بن أبي بكر بن محمد السيوطي الشافعي المسند المحقق صاحب المؤلفات الفائقة النافعة، حفظ القرآن وهو ابن ثماني سنين، وحفظ كثيراً من المتون، وأخذ عن شيوخ كثيرين عدَّهم الداودي فبلغ بهم واحداً وخمسين كما عد مؤلفاته فبلغ بها ما يزيد على خمسمائة مؤلف ولد سنة 849هـ. وتوفي سنة 911هـ. بالقاهرة ومن مؤلفاته:

1 - الجامع الصغير في الحديث، مطبوع.

2 - حسن المحاضرة في أخبار مصر والقاهرة، مطبوع.

3 - همع الهوامع في النحو، مطبوع.

4 - الإِتقان في علوم القرآن، مطبوع.

5 - الدر المنثور في التفسير بالمأثور، مطبوع[24].


التعريف بتفسيره وطريقته فيه:

عرف السيوطي تفسيره في مقدمته فقال: فلما ألفت كتاب ترجمان القرآن وهو التفسير المسند عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم وتم بحمد الله في مجلدات فكان ما أوردته فيه من الآثار بأسانيد الكتب المخرج منها واردات، رأيت قصور أكثر الهمم عن تحصيله ورغبتهم في الاقتصار على متون الأحاديث دون الإِسناد وتطويله فلخصت منه هذا المختصر مقتصراً فيه على متن الأثر مصدراً بالعزو والتخريج إلى كل كتاب معتبر وسميته: بالدر المنثور في التفسير بالمأثور[25].

فالسيوطي يسرد فيه الروايات عن السلف في التفسير بدون أن يعقب عليها فلا يعدل ولا يجرح ولا يضعف ولا يصحح إلا في حالات نادرة وقد أخذ هذه الروايات من البخاري ومسلم والنسائي والترمذي وأحمد وأبي داود وابن جرير وابن أبي حاتم وعبد بن حميد وابن أبي الدنيا وغيرهم.

ونلاحظ أن تفسير السيوطي هو الوحيد الذي اقتصر على التفسير بالمأثور من بين التفاسير السابقة التي تحدثنا عنها، فلم يخلط بالروايات التي نقلها شيئاً من عمل الرأي كما فعل غيره.


ب - أشهر كتب التفسير بالرأي

1 - مفاتيح الغيب للفخر الرازي.

التعريف بمؤلف هذا التفسير:

هو محمد بن عمر بن الحسين بن الحسن فخر الدين الرازي أبو عبدالله القرشي التميمي من ذرية أبي بكر الصديق رضي الله عنه المفسر الفقيه المتكلم إمام وقته في العلوم العقلية، ولد في رمضان سنة 544هـ. طلب العلم على والده ضياء الدين عمر، وأتقن علوماً كثيرة وبرز فيها، وتخرج عليه طلاب كثيرون حكي أنه إذا ركب يمشي حوله نحو ثلاثمائة تلميذ فقهاء وغيرهم وصنف في فنون كثيرة وقيل إنه ندم على دخوله في علم الكلام، روي عنه أنه قال: لقد اختبرت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية فلم أجدها تروي غليلاً ولا تشفي عليلاً، ورأيت أصح الطرق طريقة القرآن. توفي بهراة سنة 606هـ. وخلف مصنفات كثيرة منها:

1 - كتاب المحصول في أصول الفقه، مطبوع.

2 - كتاب شرح أسماء الله الحسنى، مطبوع.

3 - كتاب من اعجاز القرآن.

4 - كتاب المطالب العالية في ثلاث مجلدات ولم يتمه وهو من آخر تصانيفه.

5 - تفسيره: مفاتيح الغيب[26].


التعريف بتفسيره وطريقته فيه:

تفسير الفخر الرازي: ((مفاتيح الغيب)) من التفاسير المطولة ويقع في اثنين وثلاثين جزءاً في طبعة دار المصحف وهذا التفسير لم يتمه الفخر الرازي ذكر حاجي خليفة في: كشف الظنون، أنه وصل فيه إلى تفسير سورة الأنبياء ثم أتمه نجم الدين أحمد بن محمد القمولي المتوفي سنة 727هـ. وقاضي القضاة شهاب الدين بن خليل الخوي أكمل ما نقص منه أيضاً توفي سنة 639هـ. وذكر ابن حجر العسقلاني في كتابه: الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، أن الذي أكمله نجم الدين القمولي. فلعل الشيخين اشتركا في تكملته بوجه من الوجوه أو أن كل واحد منهما ألف تكملة له[27]، ومسألة تكملة تفسير الفخر الرازي والموضع الذي انتهى إليه الفخر الرازي في تفسيره مسألة فيها خلاف قديم بين العلماء ولم تحقق إلى الآن.

وطريقة الفخر الرازي في تفسيره أنه يعنى بذكر مناسبة السور بعضها لبعض، ومناسبة الآيات بعضها لبعض فيذكر أكثر من مناسبة، ويلاحظ على بعض هذه المناسبات أنها بعيدة أو فيها تكلف، كما أنه يعنى بذكر أسباب النزول، فيذكر للآية الواحدة سبباً أو أكثر من سبب حسب ما روي فيها، ويذكر وجوه القراءات ووجوه الإِعراب، ويعنى باللغة، فتجد له مباحث لغوية قصيرة لتحقيق بعض اللغويات، ويشير إلى القواعد الأصولية، وبتوسع في المباحثات الفقهية، فيعنى كثيراً بمذهب الشافعي وتحقيقه وترجيح آرائه والرد على مخالفيها، كما أنه في مسألة آيات الصفات يجريها على طريقة الأشعري في مذهبه، ويرد على أقوال المعتزلة في مسألة الصفات وغيرها، ويفند أقوالهم وكذلك يعنى بذكر آراء الفلاسفة ونظرياتهم في الكون ويفندها وقد استطرد في المباحث الفلسفية والكلامية فطغت على تفسيره فهو مرجع في هذا الباب إلا أنه يؤخذ عليه أنه يورد شبه الجاحدين والمخالفين يوردها ويحققها ويتوسع في تحقيقها أكثر من أصحابها ثم يرد عليها رداً ضعيفاً لأنه قد استنفذ طاقته في التوسع في تحقيقها حتى قال عنه بعض المغاربة: يورد الشبه نقداً ويحللها نسيئة فنلاحظ من هذا الاستعراض السريع لطريقة الفخر الرازي في تفسيره أنه جمع في تفسيره علوماً كثيرة، واستطرد في بعضها مما جعله يخرج عن التفسير، ولذا قال بعض العلماء فيه كل شيء إلا التفسير، وهذا القول وإن كان فيه مبالغة إلا أنه يشعر باستطرادات الفخر الرازي في تقرير بعض قضايا التفسير[28].


2 - الجامع لأحكام القرآن للقرطبي.

التعريف بمؤلف هذا التفسير:

هو الإِمام أبو عبدالله محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح بإسكان الراء والحاء المهملة الأنصاري الخزرجي القرطبي كان من العباد الصالحين والعلماء العارفين الزاهدين في الدنيا وكان متواضعاً وكانت أوقاته كلها معمورة بالتوجه إلى الله بالعبادة تارة وبالتصنيف تارة أخرى، حتى أخرج للناس كتباً انتفعوا بها توفي سنة 671هـ. بمنية بني خصيب بصعيد مصر، ومن مصنفاته:

1 - كتاب شرح أسماء الله الحسنى.

2 - كتاب التذكار في أفضل الأذكار، مطبوع.

3 - كتاب التذكرة في أمور الآخرة، مطبوع.

4 - تفسيره: الجامع لأحكام القرآن[29].


التعريف بتفسيره وطريقته فيه:

قال في مقدمة تفسيره يبين السبب الذي دفعه إلى تأليفه فالطريقة التي سار عليها فقال: وبعد فلما كان كتاب الله هو الكفيل بجميع علوم الشرع الذي استقل بالسنة والفرض، ونزل به أمين السماء إلى أمين الأرض رأيت أن أشتغل به مدى عمري واستفرغ فيه منتي[30] بأن أكتب فيه تعليقاً وجيزاً يتضمن نكتاً من التفسير واللغات والإِعراب والقراءات والرد على أهل الزيغ والضلالات، وأحاديث كثيرة شاهدة لما نذكره من الأحكام ونزول الآيات جامعاً بين معانيهما ومبيناً ما أشكل منهما بأقاويل السلف، ومن تبعهم من الخلف... وشرطي في هذا الكتاب إضافة الأقوال إلى قائليها والأحاديث إلى مصنفيها فإنه يقال من بركة العلم أن يضاف القول إلى قائله، وكثيراً ما يجيء الحديث في كتب الفقه والتفسير مبهماً لا يعرف من أخرجه إلا من اطلع على كتب الحديث، فيبقى من لا خبرة له بذلك حائراً لا يعرف الصحيح من السقيم، ومعرفة ذلك علم جسيم فلا يقبل منه الاحتجاج به ولا الاستدلال حتى يضيفه إلى من خرجه من الأئمة الأعلام، والثقات المشاهير من علماء الإِسلام ونحن نشير إلى جمل من ذلك في هذا الكتاب، والله الموفق للصواب.

وأضرب عن كثير من قصص المفسرين، وأخبار المؤرخين، إلا ما لابد منه ولا غنى عنه للتبيين واعتضت من ذلك تبيين آي الأحكام، بمسائل تسفر عن معناها، وترشد الطالب إلى مقتضاها فضمنت كل آية تتضمن حكماً أو حكمين فما زاد مسائل نبين فيها ما تحتوي عليه من أسباب النزول والتفسير الغريب، والحكمة، فإن لم تتضمن حكماً ذكرت ما فيها من التفسير والتأويل.


وهكذا إلى آخر الكتاب، وسميته بالجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان[31]. فنلاحظ من هذه المقدمة الطريقة التي سار عليها القرطبي في تفسيره حيث إنه يذكر آية أو مجموعة من الآيات متصلة في المعنى، فيجعل تفسيره لهذه الآيات في جملة مسائل تكون مسألتين، وقد تصل إلى أربعين مسألة فأكثر، يذكر في كل مسألة حكماً من أحكام الآية أو سبباً من أسباب النزول أو تفسيراً لغريب الآية أو صلة لها أو يذكر فروعاً فقهية تتصل بالآية من بعيد أو من قريب، ويستدل على ذلك بالأحاديث ويخرج هذه الأحاديث، كما يستدل بأقاويل السلف وينسبها إلى قائلها. كما أنه لا يستطرد في ذكر القصص والتواريخ، وقد وفى بما وعد في مقدمة تفسيره إلا أنه استطرد في ذكر الفروع الفقهية والتفصيلات الدقيقة في مذاهب أئمة الفقه التي لا تتصل بالآية إلا من بعيد حتى إن القارئ فيه أحياناً يجد نفسه أمام ثروة كبيرة من الأقوال الفقهية تخرجه عن تفسير الآيات القرآنية ومن المراجع التي اعتمد عليها القرطبي في تفسيره ابن جرير الطبري وابن عطية وابن العربي والكِيَّا الهراس وأبو بكر الجصاص ومما يمتاز به القرطبي في تفسيره أنه لا يتعصب لمذهبه المالكي فتجده في بعض المسائل يسوق رأي الإِمام مالك ثم يرجح غيره مما دل عليه الدليل، ومن أمثلة ذلك تفسيره لقوله تعالى في الآية 43 من سورة البقرة: ﴿ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ﴾ [البقرة: 43] نجده عند المسألة السادسة عشرة من مسائل هذه الآية يعرض لإِمامة الصغير ويذكر أقوال من يجيزها ومن يمنعها، ويذكر أن من المانعين لها الإِمام مالك والثوري وأصحاب الرأي، ولكنا نجده يخالف إمامه فيقول بجواز إمامة الصغير لما ظهر له من الدليل على جوازها وهو ما ثبت في صحيح البخاري من حديث عمرو بن سلمة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((فإذا حضرت الصلاة فليؤذن أحدكم وليؤمكم أكثركم قرآناً)) قال عمرو بن سلمة فنظر قومي فلم يكن أحد أكثر مني قرآنا لما كنت أتلقى من الركبان فقدموني بين أيديهم وأنا ابن ست أو سبع سنين اهـ. باختصار[32] ومن أمثلة ذلك تفسيره للآية [172 من سورة البقرة] ﴿ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ﴾ [البقرة: 173] نجده يعقد المسألة الثانية والثلاثين من مسائل هذه الآية في اختلاف العلماء فيمن كان في سفره معصية كقطع طريق فاضطر إلى الأكل من المحرمات فيذكر أن مالكاً حذّر ذلك عليه وكذلك الشافعي في أحد قوليه ثم يعقب القرطبي على هذا كله فيقول: (قلت الصحيح خلاف هذا فإن إتلاف المرء نفسه في سفر المعصية أشد معصية مما هو فيه) قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ﴾ [النساء: 29]. وهذا عام ولعله يتوب في ثاني الحال فتمحو التوبة عنه ما كان...[33].

وقد لاحظت في بعض المسائل الفقهية التي يذكرها القرطبي تشابهاً مع المسائل التي يذكرها ابن قدامة في المغني فلعل القرطبي استفاد من كتاب المغني لابن قدامة في نقل بعض المسائل الفقهية لأن ابن قدامة سابق في الوفاة للقرطبي، فابن قدامة متوفى سنة 620هـ. والقرطبي متوفى سنة 671هـ. وهذه المسألة تحتاج إلى تحقيق.


3 - إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم لأبي السعود.

التعريف بمؤلف هذا التفسير:

هو محمد بن محمد بن مصطفى العمادي أبو السعود من علماء الترك المستعربين، مفسر شاعر، ولد بقرب استنبول، سنة 898هـ. ودرس ودرّس في بلاد متعددة وتولى القضاء في بروسة فاستنبول فالروم ايلى، وأضيف إليه الإِفتاء سنة 952هـ. كان حاضر الذهن سريع البديهة، وحكي عنه أنه يكتب الإِفتاء على نسق سؤال المستفتي، فإن كان سؤاله بالشعر أفتاه بالشعر بوزن شعره وإن كان السؤال بالفارسية أفتاه بها، وكذا إن كان بالتركية أو بالعربية، وقد أشغلته المناصب التي تولاها عن التأليف، فلذا لم يترك لنا إلا مؤلفات قليلة، وكان مهيباً، حظياً عند السلطان توفي سنة 982هـ. ودفن بجوار أبي أيوب الأنصاري باستنبول. ومن مؤلفاته:

1 - تحفة الطلاب.

2 - رسالة المسح على الخفين.

3 - قصة هاروت وماروت.

4 - تفسيره: إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم[34].


التعريف بتفسيره وطريقته فيه:

ذكر أبو السعود في مقدمة تفسيره أنه بعد ما قرأ الكشاف للزمخشري وأنوار التنزيل للبيضاوي رأى أن يؤلف تفسيراً يجمع فيه فوائد هذين التفسيرين ويضيف إليه ما تحصل عليه من فوائد من التفاسير الأخرى، فألف هذا التفسير الذي جلّى فيه بلاغة القرآن وإعجازه وأبرزها في أحسن صورة وهذا مما امتاز به هذا التفسير، يضاف إلى ذلك ذكره للفوائد الدقيقة والحكم البديعة التي دلت عليها الآية والنكت البلاغية النادرة كما أنه يشير إلى القراءات ووجوه الإِعراب ويبين معنى الآية على حسب ذلك دون إطالة، ويعرض للمسائل الفقهية المستفادة من الآية ويشير إلى آراء أئمة المذاهب من غير استطراد ويعنى بذكر أقوال الحنفية ويرجحها كثيراً.

ولم يستطرد في ذكر الأخبار الإِسرائيلية وإن ذكرها فإنه يصدرها بلفظ روى أو قيل إشارة إلى ضعفها كما أنه يعنى بذكر المناسبات بين الآيات، هذا ويلاحظ عليه ذكره للأحاديث الموضوعة في فضائل السور، حيث ذكر في نهاية كل سورة ما روى فيها من تلك الأحاديث، ويلاحظ عليه صعوبة عبارته في بعض المواضع ودقة إشارته واختصاره للعبارة، بشكل يجعلها غامضة على القارئ العادي فلا يدركها إلا القارئ المتخصص، وقد نال هذا التفسير شهرة واسعة بين العلماء فقد اهتموا به وتدارسوه واقتبسوا منه.


4 - فتح القدير للشوكاني.

التعريف بمؤلف هذا التفسير:

هو محمد بن علي بن محمد بن عبدالله الشوكاني الإِمام العلامة الفقيه المحدث المجتهد، ولد بهجرة شوكان عام 1173هـ. في ذي القعدة، وتربى في صنعاء، وقد حفظ القرآن وقرأه وختمه على الفقيه حسن بن عبدالله الهبل، وجد في حفظ متون كتب الفقه والحديث واللغة، واطلع على كتب التواريخ، تفقه - رحمه الله - على مذهب الزيدية وبرع فيه وألف وأفتى، ثم خلع ربقة التقليد وتحلى بمنصب الاجتهاد، وألف رسالة سماها: القول المفيد في أدلة الاجتهاد والتقليد وتحامل عليه من أجلها جماعة من العلماء وأرسل إليه أهل جهته سهام اللوم والنقد وثارت من أجل ذلك فتنة في صنعاء اليمن بين من هو مقلد ومن هو مجتهد، وعقيدة الشوكاني عقيدة السلف من حمل صفات الله الواردة في الكتاب والسنة على ظاهرها من غير تأويل ولا تشبيه، وقد ألف رسالة في ذلك سماها: التحف بمذهب السلف، وتوفي الشوكاني - رحمه الله - سنة 1250هـ. وقد خلف الشوكاني مجموعة من المؤلفات منها:

1 - نيل الأوطار ((شرح منتقى الأخبار))، مطبوع.

2 - إرشاد الفحول إلى علم الأصول، مطبوع.

3 - السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار، طبع بعضه.

4 - إرشاد الثقات إلى اتفاق الشرائع على التوحيد والمعاد والنبوات (رد به على موسى بن ميمون اليهودي)[35].

5 - تفسيره: فتح القدير.


التعريف بتفسيره وطريقته فيه:

يعتبر تفسيره أصلاً من أصول التفسير ومرجعاً مفيداً للباحثين، وقد جمع في تفسيره من الرواية عن السلف والدراية بالاستنباط ومناقشة الآراء والترجيح وقد اعتمد في تفسيره على أبي جعفر النحاس وابن عطية الدمشقي وابن عطية الأندلسي والقرطبي والزمخشري وابن جرير الطبري وابن كثير والسيوطي، وقد استفاد كثيراً من تفسير السيوطي (الدر المنثور في التفسير بالمأثور) وطريقة الشوكاني في تفسيره أنه يذكر ما في تفسير الآية من جهة اللغة والبلاغة ويشير إلى الإِعراب إن كان له أثر في المعنى، ويذكر القراءات في الآية، ويناقش الآراء التي ينقلها، ويرجح في بعض الحالات، ويستنتج من الآيات الأحكام الفقهية، ويناقش بعض المسائل الفقهية ويبدي فيها رأيه ثم بعد ذلك يسرد ما روي في تفسير الآية من التفسير المأثور معتمداً في ذلك على تفسير الدر المنثور وقد يضيف إلى ذلك إضافات استفادها من كتب أخرى، كما نبه على ذلك في مقدمة تفسيره.


وقد لاحظ عليه الدكتور الذهبي أنه ينقل بعض الروايات الموضوعة في تفسيره ولا ينبه عليها، وضرب مثلاً لذلك بتفسيره للآية (55) من سورة المائدة وهي قوله تعالى: ﴿ إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ﴾ [المائدة: 55] ذكر أنها نزلت في علي رضي الله عنه حينما تصدق بخاتمه وهو في الصلاة وذكر الشوكاني أنه لا يصح الاستدلال بها، ولم ينبه على أنها موضوعة وقد نبه على ذلك ابن تيمية في مقدمة التفسير وقال: إن هذه القصة موضوعة باتفاق العلماء، كما استدل الذهبي بتفسير الشوكاني للآية (67) من سورة المائدة وهو قوله تعالى: ﴿ يَاأَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ ﴾ [المائدة: 67] فذكر روايات عن السلف في تفسير هذه الآيات منها ما رواه ابن أبي حاتم وابن مردويه وابن عساكر عن أبي سعيد الخدري قال: إن هذه الآية نزلت على رسول الله يوم ((غدير خمة))[36] في علي ابن أبي طالب. وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود قال: كنا نقرأ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك إن عليا مولى المؤمنين وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) قال الذهبي إنه مرّ على هاتين الروايتين أيضاً بدون أن يتعقبهما بشيء أصلاً[37].


قلت الشوكاني معذور في هذا لأنه جرى على المنهج الذي رسمه وقد بينه في مقدمة تفسيره، ونقطف منه هذا النص الذي يهم الموضوع وهو قول الشوكاني: (وقد أذكر الحديث معزواً إلى راويه من غير بيان حال الإِسناد لأني أجده في الأصول التي نقلت عنها كذلك كما يقع في تفسير ابن جرير والقرطبي وابن كثير والسيوطي وغيرهم. ويبعد كل البعد أن يعلموا في الحديث ضعفاً ولا يبينونه، ولا ينبغي أن يقال فيما أطلقوه إنهم علموا بثبوته، فإن من الجائز أن ينقلوه من دون كشف عن حال الإِسناد، بل هذا هو الذي يغلب به الظن، لأنهم لو كشفوا عنه فثبت عندهم صحته لم يتركوا بيان ذلك، كما يقع منهم كثيراً التصريح بالصحة أو الحسن، فمن وجد الأصول التي يروون عنها ويعزون ما في تفاسيرهم إليها فلينظر في أسانيدها موفقاً إن شاء الله)[38].

وقد لاحظ عليه الدكتور الذهبي ذمه للتقليد، وأنه كان شديد العبارة على مقلدي أئمة المذاهب فيرميهم بأنهم تاركون لكتاب الله معرضون عن سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد قسا إلى حد كبير على المقلدين حيث يطبق ما ورد من الآيات في حق الكفرة على مقلدي الأئمة وأتباعهم، فمثلاً عندما تعرض لقوله تعالى في الآية (28) من سورة الأعراف: ﴿ وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [الأعراف: 28] قال ما نصه: (... وإن في هذه الآية الشريفة لأعظم زاجر وأبلغ واعظ للمقلدة الذين يتبعون آباءهم في المذاهب المخالفة للحق، فإن ذلك من الاقتداء بأهل الكفر لا بأهل الحق فإنهم قائلون: ﴿ إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ ﴾ [الزخرف: 23]. والقائلون: ﴿ وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا ﴾ [الأعراف: 28]


والمقلد لولا اغتراره بكونه وجد أباه على ذلك المذهب مع إعتقاده بأنه الذي أمر الله به وأنه الحق، لم يبق عليه وهذه الخصلة هي التي بقى بها اليهودي على اليهودية والنصراني على النصرانية والمبتدع على بدعته. فما أبقاهم على هذه الضلالات إلا كونهم وجدوا آباءهم في اليهودية أو النصرانية أو البدعة، وأحسنوا الظن بهم بأن ما هم عليه هو الحق الذي أمر الله به ولم ينظروا لأنفسهم ولا طلبوا الحق كما يجب ولا بحثوا عن دين الله كما ينبغي، وهذا هو التقليد البحت والقصور الخالص...[39].

ويمتاز تفسير الشوكاني بأنه يناقش آراء المعتزلة ويرد عليهم وقد عدّ الذهبي تفسير الشوكاني من تفاسير الزيدية والواقع أنه ليس كذلك فالمتتبع لتفسير الشوكاني لا يجد الشوكاني يتبنى فيه رأياً للزيدية، فعقيدته سلفية، وهو يرد آراء المعتزلة فلو كان زيدياً لوافقهم ؛ لأن الزيدية يوافقون المعتزلة في أقوالهم في تأويل الصفات، ومسألة العدل، وغير ذلك من المسائل التي اختلف فيها أهل السنة والمعتزلة، وكذلك أيضاً في آرائه الفقهية لا يتبنى آراء الزيدية، وإنما يذكرها كما يذكر آراء غيرهم، ويعني بذكر آرائهم لمعرفته بها ؛ لأنه تفقه في الأصل على مذهب زيد، ثم ترقى في العلم حتى بلغ مرتبة الاجتهاد.

ومما جعله يعنى بآراء الزيدية أنه يمني ويعاهد طائفة الزيدية في بلاده فكان عليه أن يذكر آراءهم ويناقشهم.


5 - روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني للألوسي.

التعريف بمؤلف هذا التفسير:

هو أبو الثناء شهاب الدين السيد محمود أفندي الآلوسي، ولد سنة 1217هـ. في جانب الكرخ من بغداد، كان - رحمه الله - شيخ العلماء في العراق، جمع كثيراً من العلوم حتى أصبح علامة في المنقول والمعقول، فبرز في التفسير والحديث والأصول والفروع، أخذ العلم عن فحول العلماء، منهم والده، والشيخ خالد النقشبندي، والشيخ علي السويدي. وقد اشتغل بالتدريس والتأليف وهو ابن ثلاث عشرة سنة، وتخرج عليه جماعة من العلماء، وكان ذا حافظة عجيبة، وكثيراً ما كان يقول: ما استودعت ذهني شيئاً فخانني، ولا دعوت فكري لمعضلة إلا وأجابني، وقد قلد إفتاء الحنفية، وولي الأوقاف بالمدرسة المرجانية وكانت مشروطة لأعلم أهل البلد، وكان - رحمه الله - عالماً باختلاف المذاهب مطلعاً على الملل والنحل، سلفيَّ الاعتقاد، شافعيَّ المذهب، إلا أنه في كثير من المسائل يقلد الإِمام أبا حنيفة رضي الله عنه وكان في آخر أمره يميل للاجتهاد، توفي في 25 ذي القعدة سنة 1270هـ. ودفن بالكرخ، وقد خلف مؤلفات نافعة منها:

1 - شرح السلم في المنطق.

2 - الأجوبة العراقية على الأسئلة اللاهورية.

3 - درة الغواص في أوهام الخواص.

4 - تفسيره: روح المعاني.


التعريف بتفسيره وطريقته فيه:

ذكر في مقدمة تفسيره أنه شرع في تأليفه في شعبان سنة 1252هـ. وانتهى من تأليفه سنة 1267هـ. وذكر أنه كان في نهاره يشتغل بالتدريس والإِفتاء وفي أول ليله يجتمع بالعلماء ويتناقش معهم في المسائل العلمية، وفي آخر ليله يكتب في التفسير، ثم بعد ذلك يدفع ما كتبه إلى كتاب استأجرهم لهذه المهمة، فيبيضون ما كتبه في ليلته في عشر ساعات، فهذا يدل على كثرة كتابته وسرعة بديهته، والمطلع على تفسيره يجد نفسه أمام موسوعة تفسيرية كبيرة، حوت أقوالاً في التفسير كثيرة للسلف والخلف كما أنه رجع إلى تفاسير كثيرة في كتابة تفسيره منها تفسير أبي السعود وإذا نقل عنه قال: قال شيخ الإِسلام، وتفسير البيضاوي وإذا نقل عنه قال: قال القاضي، وتفسير الفخر الرازي وإذا نقل عنه قال: قال الإِمام، كما نقل عن تفسير ابن عطية وأبي حيان والزمخشري وابن كثير وغير ذلك من التفاسير، فقد نقل في تفسيره خلاصة هذه التفاسير، ولا يقتصر على النقل فقط، فنجده ينصب نفسه حكماً بين هذه التفاسير ويناقشها ويرجح ما يراه صحيحاً ويضعف ما يراه ضعيفاً، فكان يناقش المعتزلة في آرائهم ويرد عليها كما في تفسير قوله تعالى: ﴿ وَطَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ﴾ [التوبة: 93] وقوله: ﴿ اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ﴾ [البقرة: 15].  ويناقش الشيعة ويرد عليهم في طعنهم على الصحابة كما في قوله تعالى: ﴿ وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا ﴾ [الجمعة: 11]. كما نجده يستطرد في ذكر المسائل النحوية متأثراً بأبي حيان في تفسيره في ذلك. ويعنى بذكر القراءات المتواترة وغيرها وذكر المناسبات بين الآيات وبين السور، وذكر أسباب النزول، ويستطرد في ذكر مسائل الفقه عند تفسير آيات الأحكام، فيذكر أقوال الفقهاء وأدلتهم مع الترجيح وغالباً ما يرجح مذهب أبي حنيفة ولا يتعصب له، فتجده أحياناً يرجح مذهب الشافعي إذا اقتنع بأدلته، كما أنه يناقش الإِسرائيليات ويفندها، ومن ذلك تفنيده لقصة عوج ابن عنق، وقصة سفينة نوح[40].

ويلاحظ على الألوسي اهتمامه بالتفسير الإِشاري على طريقة الصوفية فإذا انتهى من التفسير الظاهر تكلم عن التفسير الباطن فينقل فيه كلام الصوفية في التفسير كالجنيد وابن عطاء وأبي العباس المرسي، فينقل عنهم نقولاً في تفسير باطن الآية وهي بعيدة عن التفسير، ومن أمثلة ذلك تفسيره لقوله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ [آل عمران: 33].


قال الألوسي: وما يتعلق بالباطن من أصول الدين فهو ولده كأولاد المشايخ والولد سر أبيه ويمكن أن يقال: آدم وهو الروح في أول مقامات ظهورها، ونوح هو هي مقامها الثاني من مقامات التنزل وإبراهيم هو القلب الذي ألقاه نمرود النفس في نيران الفتن ورماه فيها بمنجنيق الشهوات وآله القوى الروحانية، وعمران هو العقل الإِمام في بيت المقدس البدن وآله التابعون له في ذلك البيت المقتدون به كل ذلك ذرية بعضها من بعض لوحدة المورد واتفاق المشرب: ﴿ إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا ﴾ [آل عمران: 35]. عن رق النفس مخلصاً في عبادتك عن الميل إلى السوى: ﴿ فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ ﴾ [آل عمران: 37] قال الواسطي: محفوظ عن إدراك الخلق: ﴿ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا ﴾ [آل عمران: 37] حيث سقاها من مياه القدرة، وأثمرها شجرة النبوة وكفلها زكرياء لطهارة سره وشبيه الشيء منجذب إليه ﴿ كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا ﴾ [آل عمران: 37] هو ما علمت، ويجوز أن يراد الرزق الروحاني من المعارف والحقائق والعلوم والحكم الفائضة عليها من عند الله تعالى إذ الاختصاص بالعندية يدل على كونه أشرف من الأرزاق البدنية[41] فهذا التفسير بعيد جداً عن ظاهر الآيات ولا علاقة له البتة بالآية ؛ لأن الآية ورد فيها اصطفاء الله لآم ونوح وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين فهؤلاء أشخاص فكيف يرمز لهم بالمعاني كالروح أو العقل أو القلب، فهذه الرموز لا علاقة لها بالآية ولا دليل عليها من السنة أو كلام السلف أو لغة العرب، فهذه التفسيرات وأمثالها باطلة لا يصح تفسير كتاب الله بها، فالسير على هذا المنهج في التفسير تحريف لآيات الله، وإبطال لمعانيها فكان الأولى بالألوسي أن ينزه تفسيره عن مثل هذا كما لا يفوتني أن أبين أن الألوسي ينقل عن الصوفية تفسيرات قد تكون قريبة من معنى الآية أو لها وجه صحيح، وهذا كثير في مواضع متعددة من تفسيره لا يحتاج إلى تمثيل.


فهرس المراجع

1 - الإِتقان في علوم القرآن للسيوطي (ت911هـ.) طبع مصطفى الحلبي بمصر - ط: 3 - 1370هـ. - 1951م.

2 - الأعلام للزركلي (ت1396هـ.) - ثمانية أجزاء - دار العلم للملايين - بيروت - ط: 5 - 1980م.

3 - البرهان في علوم القرآن للزركشي (ت794هـ.) - أربعة أجزاء - طبع عيسى الحلبي بمصر - ط: 2 - 1391هـ. - 1972م.

4 - تفسير ابن كثير (ت774هـ.) - 4 أجزاء - طبع عيسى الحلبي بمصر.

5 - تفسير أبي السعود (ت982هـ.): إرشاد العقل السليم إلى مزايا القرآن الكريم - طبع عبدالرحمن محمد بمصر - 9 أجزاء.

6 - تفسير الألوسي (ت1270هـ.): روح المعاني - المطبعة الميزية - بمصر ط: 2 - 30 جزء -.

7 - تفسير البغوي (ت516هـ.): معالم التنزيل - مطبوع بهامش تفسير الخازن - طبع مصطفى الحلبي بمصر ط: 2 - 1375هـ.

8 - تفسير الثعالبي (ت876هـ.): الجواهر الحسان في تفسير القرآن: 4 أجزاء - الناشر: مؤسسة الأعلمي، بيروت.

9 - تفسير السيوطي (ت911هـ.): الدر المنثور في التفسير بالمأثور - 6 أجزاء - الناشر: محمد مين دمج - بيروت.

10 - تفسير الشوكاني (ت1250هـ.): فتح القدير - 5 أجزاء - طبع مصطفى الحلبي - بمصر.

11 - تفسير الطبري (ت310هـ.): جامع البيان عن تأويل آي القرآن - تحقيق أحمد شاكر وأخيه محمود - طبعة دار المعارف بمصر - وهي ناقصة. وطبعة مصطفى الحلبي الثالثة - 1383هـ. - وهي كاملة في 30 جزءاً.

12 - تفسير الفخر الرازي (ت606هـ.): مفاتيح الغيب - 32 جزءًا - طبع عبدالرحمن محمد بالقاهرة.

13 - تفسير القرطبي (ت671هـ.): الجامع لأحكام القرآن - 20 جزءاً - طبعة دار الكتب المصرية - 1387هـ.

14 - التفسير والمفسرون لأستاذنا المرحوم د. محمد حسين الذهبي (ت1397هـ.) - 3 أجزاء - مطابع دار الكتاب العربي بمصر ط: 1 - 1381هـ.

15 - جامع الأصول في أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم لابن الأثير الجزري (ت606هـ.) تحقيق عبدالقادر الأرناؤوط - 11 مجلداً - طبع بيروت سنة 1389هـ.

16 - الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة لابن حجر العسقلاني (ت852هـ.) - 4 أجزاء - دار الجيل - بيروت -.

17 - ذخائر المواريث في الدلالة على مواضع الحديث: لعبدالغني النابلسي سنة 1143هـ. - 4 أجزاء - الناشر: ناصر خسرو - طهران.

18 - صحيح البخاري (ت256هـ.) بشرح - فتح الباري - لابن حجر العسقلاني (ت852هـ.) المطبعة السلفية بمصر - 13 مجلداً -.

19 - طبقات المفسرين للداودي (ت945هـ.) بتحقيق علي محمد عمر - جزءان - مطبعة الاستقلال الكبرى بمصر - ط: 1 - 1392هـ.

20 - فتاوى شيخ الإِسلام ابن تيمية (ت728هـ.) - 37 مجلداً - مصور عن الطبعة الأولى سنة 1398هـ.

21 - القاموس المحيط: للفيروز أبادي (ت817هـ.) - 4 أجزاء - المطبعة الحسينية بمصر.

22 - مذكرات في علوم القرآن لأستاذنا فضيلة الدكتور أحمد السيد الكومي، د. القاسم - مطبعة دار الجيل بالقاهرة - ط: 1 سنة 1391هـ.

23 - معجم البلدان لياقوت الحموي (ت626هـ.) - 5 مجلدات - دار صادر بيروت سنة 1376هـ.

24 - المفردات في غريب القرآن للراغب الأصبهاني (ت502هـ.) الناشر: مكتبة الأنجلو المصرية - المطبعة الفنية الحديثة.

25 - مقدمة في أصول التفسير لشيخ الإِسلام ابن تيمية (ت728هـ.) - المطبعة السلفية بالقاهرة - ط: 2 سنة 1385هـ.


[1] راجع كتاب: البرهان في علوم القرآن ج: 1/ 13.

[2] راجع القاموس في مادة آل ج: 3.

[3] راجع كتابه: المفردات في غريب القرآن ص: 38.

[4] راجع تفسير الألوسي (1/ 5).

[5] راجع تفسير ابن كثير (1/ 3).

[6] راجع تفسير الثعالبي (1/ 11).

[7] رواه عثمان بن عفان رضي الله عنه، وأخرجه عنه البخاري في صحيحه: كتاب فضائل القرآن، باب 21 - راجع فتح الباري 9/ 74، وأخرجه عنه أبو داود في سننه: كتاب الصلاة، والترمذي في سننه: كتاب فضائل القرآن، وابن ماجه في سننه: كتاب السنة.

[8] الإِتقان للسيوطي (2/ 187).

[9] الإِتقان للسيوطي (2/ 187).

[10] التفسير والمفسرون للذهبي (1/ 141).

[11] مذكرات في علوم القرآن د. الكومي، د. القاسم (17/ 18).

[12] راجع جامع الأصول لابن الأثير (2/ 7).

[13] المصدر السابق (2/ 134).

[14] المصدر السابق (/ 3).

[15] راجع تفسير ابن كثير (1/ 5).

[16] راجع التفسير والمفسرون د. محمد حسين الذهبي (1/ 207).

[17] راجع طبقات المفسرين للداودي (1/ 65).

[18] راجع التفسير والمفسرون د. الذهبي (1/ 233).

[19] راجع طبقات المفسرين (1/ 157) والأعلام للزركلي (2/ 259).

[20] راجع التفسير والمفسرون د. الذهبي (1/ 235).

[21] راجع مجموع فتاوى شيخ الإِسلام ابن تيمية (13/ 386).

[22] راجع الدرر الكامنة لابن حجر العسقلاني (1/ 373) وطبقات المفسرين للداودي (1/ 110) والأعلام للزركلي (1/ 320).

[23] راجع التفسير والمفسرون للذهبي (1/ 247).

[24] الأعلام للزركلي (3/ 301) والتفسير والمفسرون (1/ 253).

[25] راجع الدر المنثور للسيوطي (1/ 2).

[26] راجع طبقات المفسرين للداودي (2/ 213).

[27] التفسير والمفسرون (1/ 293).

[28] راجع المصدر السابق (1/ 296).

[29] راجع طبقات المفسرين للداودي (2/ 65) والأعلام للزركلي (5/ 322).

[30] المنة: بالضم القوة.

[31] راجع تفسير القرطبي (1/ 2- 3).

[32] راجع تفسير القرطبي (1/ 353).

[33] المصدر السابق (2/ 232) قد ذكر المرحوم د. الذهبي أمثلة أخرى على ذلك راجع كتابه التفسير والمفسرون (3/ 127).

[34] الأعلام للزركلي (7/ 59).

[35] راجع ترجمته في مقدمة تفسيره (1/ مقدمة).

[36] خمة: اسم مكان بين مكة والمدينة عند الجحفة لا يفارقه ماء المطر أبداً وكان الناس يأتونه في الجاهلية والإِسلام في الدهر الأول يتنزهون فيه راجع معجم البلدان لياقوت الحموي 2/ 389.

[37] التفسير والمفسرون (2/ 288).

[38] تفسير الشوكاني (1/ 13).

[39] المصدر السابق (2/ 295).

[40] المصدر السابق (1/ 360).

[41] الألوسي (3/ 143).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • مفاتيح الغيب للرازي
  • أزاهير من كتب التفسير
  • التفسير بالغرب الإسلامي
  • فوائد في كتب التفسير

مختارات من الشبكة

  • شرح كتاب المنهج التأصيلي لدراسة التفسير التحليلي (المحاضرة الثالثة: علاقة التفسير التحليلي بأنواع التفسير الأخرى)(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • كتب علوم القرآن والتفسير (2) أصول التفسير(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • مفهوم الأثر عند المحدثين وبعض معاني الأثر في القرآن(مقالة - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • أسرار الشهادتين في التفسير المأثور لحسين إسماعيل الجمل(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • شرح كتاب المنهج التأصيلي لدراسة التفسير التحليلي (المحاضرة السادسة: تابع منهج الإمام الطبري في التفسير)(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • شرح كتاب المنهج التأصيلي لدراسة التفسير التحليلي (المحاضرة الرابعة: مكانة التفسير التحليلي)(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • شرح كتاب المنهج التأصيلي لدراسة التفسير التحليلي (المحاضرة الثانية: التعريف بالمنهج التأصيلي لدراسة التفسير التحليلي)(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • شرح كتاب المنهج التأصيلي لدراسة التفسير التحليلي (المحاضرة الأولى: مفهوم التفسير والتأويل)(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • التفسير والمفسرون: الجزء الأول من كتابي: تمهيد البداية في أصول التفسير (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • نسخ التفسير القديمة(مقالة - آفاق الشريعة)

 


تعليقات الزوار
13- شكر وتقدير
أبو عبد الله الجزائري - الجزائر 11-10-2024 04:18 PM

بارك الله فيكم وجزاكم الله خيراً.

12- وفقكم الله
عبدالله الصاعدي - ksa 04-01-2021 01:47 PM

جزاكم الله خيرا
استفدت فائدة عظيمة من هذا العمل

11- شكرا لكم
آلاء الحسني - المملكة العربية السعودية 02-10-2017 01:30 AM

الموضوع مفيد جدا وساعدني لفهم المحاضرة والدرس شكرا جزيلا لمن عمل عليه

10- التفسير بالرأي و أقوال العلماء فيه
عبدالكريم فوفانا - غينيا كوناكري 29-06-2017 07:45 PM

موضوع قيم ومفيد جدا

9- التفسير بالأثر والرأي
عبدالكريم فوفانا - غينيا كوناكري 22-06-2017 11:52 AM

موضوع قيم ومفيد جدا

8- تفسير سورة الملك
حنان - الجزائر 26-04-2015 10:11 PM

أريد تفسير الآية من سورة الملك (تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير) وشكراً.

7- سؤال مهم بالنسبه للآيات المأثورة
morad - فلسطين 21-10-2014 07:03 PM

ما هي السورة في القرآن التي فيها آايه مأثورة وآية رأي في نفس السورة "كما ذكر بالسابق التفسير بالرأي والتفسير بالمأثور
إذا يوجد آيتان في نفس السورة فيها آيه مأثورة وآيه بالرأي

6- chokran
ikbel - tunisie 23-12-2012 02:13 PM

chokran ma3loumat moufida kathiran

5- شكر
خديجة رمضان - مصر الحبيبة 23-12-2011 01:25 PM

نشكر فضيلتكم على هذا العمل الجليل وجزاكم الله خير الجزاء بفضل الله استفدت كثيرا أسأل الله أن ينفع بكم.

4- "استدلال غريب بآية من كتاب الله"
نصر عويس - مصر 25-10-2009 10:00 PM
قال الزمخشري في تفسير قوله تعالى : " إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آَمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ " :

ومعنى ( إنما ) : وجوب اختصاصهم بالموالاة ، فإن قلت : قد ذكرت جماعة ، فهلا قيل : إنما أولياؤكم ، قلت : أصل الكلام ، إنما وليكم الله ، فجعلت الولاية لله على طريق الأصالة ، ثم نظم في سلك إثباتها له ، إثباتها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، والمؤمنين ، على سبيل التبع ، ولو قيل : إنما أولياؤكم الله ، ورسوله ، والذين آمنوا ، لم يكن في الكلام أصل ، وتبع .
وفي قراءة عبد الله : ( إنما مولاكم ) ، فإن قلت : ( الذين يقيمون ) ما محله ؟ قلت : الرفع على البدل من الذين آمنوا ، أو على هم الذين يقيمون ، أو النصب على المدح .
وفيه تمييز للخلص من الذين آمنوا نفاقا ، أو واطأت قلوبهم ألسنتهم ، إلا أنهم مفرطون في العمل .
( وهم راكعون ) : الواو فيه للحال ، أي : يعملون ذلك في حال الركوع ، وهو : الخشوع ، والإخبات ، والتواضع لله إذا صلوا ، وإذا زكوا ، وقيل : هو حال من يؤتون الزكاة ، بمعنى ، يؤتونها في حال ركوعهم في الصلاة ، وأنها نزلت في علي - كرم الله وجهه - حين سأله سائل ، وهو راكع في صلاته ، فطرح له خاتمه ، كأنه كان مرجا في خنصره ، فلم يتكلف لخلعه كثير عمل تفسد بمثله صلاته ، فإن قلت : كيف صح أن يكون لعلي - رضي الله عنه - واللفظ لفظ جماعة ؟ ، قلت : جيء به على لفظ الجمع ، وإن كان السبب فيه رجلا واحدا ؛ ليرغب الناس في مثل فعله ، فينالوا مثل ثوابه ، ولينبه على أن سجية المؤمنين ، يجب أن تكون على هذه الغاية ، من الحرص على البر ، والإحسان ، وتفقد الفقراء ، حتى إن لزهم أمر لا يقبل التأخير وهم في الصلاة لم يؤخروه إلى الفراغ منه . انتهى كلام الزمخشري .



وفي التعليق على هذا الكلام ، نقول - وبالله التوفيق - :

قول الزمخشري في قوله تعالى : ( وهم راكعون ) : الواو فيه للحال ، أي : يعملون ذلك في حال الركوع ، وهو الخشوع ، والإخبات ، والتواضع لله إذا صلوا ، وإذا زكوا ، وقيل : هو حال من يؤتون الزكاة بمعنى يؤتونها في حال ركوعهم في الصلاة ، وأنها نزلت في علي - كرم الله وجهه - حين سأله سائل ، وهو راكع في صلاته ، فطرح له خاتمه .
فذكر الزمخشري للركوع معنيين : المعنى الأول : أنه يعني : الخشوع والإخبات ، والتواضع لله ، إذا صلوا ، وإذا زكوا .
المعنى الثاني : أنه الركوع الحقيقي المعروف ، الذي هو ركن من أركان الصلاة .

ولا شك أن المعنى الأول ، هو الصحيح الذي لا غبار عليه ، والذي لا يختلف عليه اثنان من المفسرين ، أما المعنى الثاني ، فهو معنى غير مقبول ، بل هو معنى باطل ، وذلك من وجهين :

الأول : أن إيتاء الزكاة أثناء الركوع في الصلاة ، مناف لحال المؤمنين الذين هم في صلاتهم خاشعون ، والذين إذا شرعوا في الصلاة ، اشتغلوا بها ، واستغرقوا فيها ، فلا ينشغلون عنها بشيء كائنا ما كان ، ومعلوم أن من اشتغل في صلاته بغيرها ، فليس بخاشع .

الثاني : أن قائل هذا القول ، يستند إلى الأثر المنسوب إلى الصحابي الجليل علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – أن الآية نزلت فيه حين سأله سائل وهو راكع في صلاته فطرح له خاتمه ، وهو استدلال باطل من وجوه :

الأول : أن الأثر موضوع ، حكم عليه ابن الجوزي ، وغيره ، بالوضع (*) ، وأثر التشيع ظاهر عليه ، وجميع أسانيده لا تخلو من ضعف وجهالة . هذا من جهة السند .

الثاني : أما من جهة المتن ، فهو يتنافى مع منزلة وقدر الصحابي الجليل علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – ؛ إذ كيف ينشغل عن صلاته بشيء آخر ؟ فهذا لا يليق بأي صحابي ، ولو كان أقل منزلة منه – رضي الله عنه – ، فلا يَنسب إليه هذا القول ، إلا من جهل قدره ، وقدر الصحابة – رضي الله عنهم أجمعين – ، وجهل أحوالهم في الصلاة .

الثالث : أن المذكور في الأثر ، هو إعطاء علي – رضي الله عنه – للسائل خاتمه صدقة ، ولم يذكر أنه أعطاه زكاة ماله ، ونص الآية يتوجه أول ما يتوجه إلى إيتاء زكاة المال ، فإذا سلمنا جدلاً بجواز إعطاء صدقة لسائل ونحن نصلي ؛ لقلة العمل – اقتداءً بعلي – رضي الله عنه – ، وعلى فرض صحة الأثر الموضوع - أفيجوز لنا أن نؤتي زكاة أموالنا ونحن نصلي ؟؟ سبحانك ربنا ما أعجب هذه التأويلات الغريبة !!

الرابع : والأعحب من ذلك كله ، استدلال الرافضة بالآية على ولاية علي – رضي الله عنه – ، أي : على أحقيته – رضي الله عنه – بخلافة المسلمين بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، دون سائر الصحابة – رضي الله عنهم أجمعين – ، وذلك بناءً على الأثر الموضوع السابق ذكره في سبب نزول الآية ، وقد بينا – آنفاً - بطلان الاستدلال بهذا الأثر سنداً ومتناً ، وإذا كان الاستدلال به لا يحل في أمر الصلاة ، وإيتاء الزكاة فيها ، فإن الاستدلال به على مسألة الأولوية بالخلافة ، أولى بالبطلان ؛ إذ لو سلمنا – مرة أخرى – بصحة هذا الأثر جدلاً ، وأنه سبب نزول الآية ، لكان جميع المؤمنين الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون – أولى بالخلافة ؛ فالعبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ، فهل يتفوه عاقل بهذا ؟ فالمقصود بالولاية – في هذه الآية وما قبلها ، كقوله تعالى : " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ " - هي المحبة والنصرة والمؤازرة ، وليست الخلافة - يا أيها الروافض – إن كنتم تعقلون !!
ـــــــــــــــــــ
(*) تذكرة الموضوعات ، للفتني ، ص : [84] ، الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير بالمأثور ، للشيخ : محمد أبو شهبة ، ص : [398] ، الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة ، للشوكاني ، ص : [317] .
1 2 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب