• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    تفسير قوله تعالى: { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ...
    سعيد مصطفى دياب
  •  
    محاسن الإرث في الإسلام (خطبة)
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    تفسير: (لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    علامات الساعة (2)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    ما جاء في فصل الصيف
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    أحكام التعاقد بالوكالة المستترة وآثاره: دراسة ...
    د. ياسر بن عبدالرحمن العدل
  •  
    خطبة: أم سليم ضحت بزوجها من أجل دينها (1)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    خطبة: التربية على العفة
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    التلاحم والتنظيم في صفوف القتال في سبيل الله...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أسس التفكير العقدي: مقاربة بين الوحي والعقل
    الشيخ حذيفة بن حسين القحطاني
  •  
    ابتلاء مبين وذبح عظيم (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    فضل من يسر على معسر أو أنظره
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    حديث: لا طلاق إلا بعد نكاح، ولا عتق إلا بعد ملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    كونوا أنصار الله: دعوة خالدة للتمكين والنصرة
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    لا تعير من عيرك
    نورة سليمان عبدالله
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / نوازل وشبهات / شبهات فكرية وعقدية
علامة باركود

لماذا حركوا الأرض؟ (2)

ياسر فتحي وحسن علية

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 4/8/2011 ميلادي - 4/9/1432 هجري

الزيارات: 49251

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

لماذا حركوا الأرض؟ (2)


ثانياً: الأدلة من الكتاب والسنة والإجماع على ثبات الأرض، ودوران الشمس حولها:

الأدلة في هذا الباب كثيرة جداً، وقد تقدم ذكر بعضها في اللوازم، فلا نعيدها، ومما لم نذكره هناك:

• من أدلة الكتاب:

(1): قال الله - سبحانه وتعالى -: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ أَن تَزُولا وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً ﴾ [فاطر (41)]:

قال ابن مسعود: "كفى بها زوالاً أن تدور". [جامع البيان لابن جرير (22/ 145). المحرر الوجيز (4/ 442)].

وقال ابن كثير في تفسيره (3/ 562): "أي: أن تضطربا عن أماكنهما، كما قال - عز وجل -: ﴿ وَيُمْسِكُ السَّمَاءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ ﴾ [الحج: 65]، وقال تعالى: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ﴾ [الروم: 25]".

فهذه الآية حجة ظاهرة على ثبات الأرض؛ إذ لو كانت تدور حول الشمس - كما يزعمون- لكانت دائمة الزوال من مكان إلى مكان.

 

(2): قال الله - سبحانه وتعالى -: ﴿ وَمِنْ آيَاتِهِ أَن تَقُومَ السَّمَاءُ وَالأرْضُ بِأَمْرِهِ ﴾ [الروم (25)]:

قال ابن مسعود: "قامتا على غير عمد بأمره" [تفسير البغوي (3/ 481)].

وقال ابن عطية: "معناه: تثبت" [المحرر الوجيز (4/ 334)]. وقال ابن كثير: "أي: هي قائمة ثابتة بأمره لها، وتسخيره إياها"[تفسيره (3/ 431)].

وقال ابن منظور في لسان العرب (12/ 497): "ويجيء القيام بمعنى: الوقوف والثبات، يقال للماشي: قف لي، أي: تحبس مكانك حتى آتيك، وكذلك: قم لي، بمعنى: قف لي، وعليه فسروا قوله سبحانه: ﴿ وإذا أظلم عليهم قاموا ﴾ قال أهل اللغة والتفسير: قاموا هنا بمعنى: وقفوا وثبتوا في مكانهم غير متقدمين ولا متأخرين".

 

(3): قال الله - سبحانه وتعالى -: ﴿ أَمَّن جَعَلَ الأرْضَ قَرَاراً وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَاراً وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ ﴾ [النمل (61)]:

قال ابن كثير في تفسيره (3/ 371): "أي قارةً ساكنةً ثابتةً، لا تميد، ولا تتحرك بأهلها، ولا ترجف بهم، فإنها لو كانت كذلك لما طاب عليها العيش والحياة، بل جعلها من فضله ورحمته مهاداً بساطاً ثابتةً، لا تتزلزل ولا تتحرك".

وقال القرطبي في تفسيره (13/ 222): "﴿ وجعل لها رواسي ﴾ يعني: جبالاً ثوابت تمسكها وتمنعها من الحركة".

والقرار معناه في لغة العرب: الثبات والسكون [انظر: لسان العرب (5/ 84). القاموس (592). تاج العروس (13/ 392)].

 

(4): قال الله - سبحانه وتعالى -: ﴿ وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ ﴾ [النحل (15)]، وما كان في معناها من الآيات الكثيرة:

أي: أن الله - سبحانه وتعالى - ألقى الجبال على ظهر الأرض لتكون أوتاداً لها ورواسي - أي: ثوابت-؛ لئلا تميد الأرض بأهلها، والميد: الحركة، والميل، والاضطراب، والزلزلة، والتكفؤ، والدوران.

قال القرطبي في تفسيره (11/ 285): "﴿ وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ ﴾ أي: جبالاً ثوابت، ﴿ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ ﴾ أي: لئلا تميد بهم، ولا تتحرك ليتم القرار عليها، ...، والميد: التحرك والدوران، يقال: ماد رأسه، أي: دار".

 

وقال ابن القيم في مفتاح دار السعادة (1/ 217): "فصل: ثم تأمل خلق الأرض على ما هي عليه، حين خلقها واقفةً ساكنةً؛ لتكون مهاداً ومستقراً للحيوان والنبات والأمتعة، ويتمكن الحيوان والناس من السعي عليها في مآربهم، والجلوس لراحاتهم، والنوم لهدوِّهم، والتمكن من أعمالهم، ..." ثم استشهد على كلامه بهذه الآية.

وقال ابن الجوزي في زاد المسير (4/ 435): "أي: نصب فيها جبالاً ثوابت، ﴿ أَنْ تَمِيدَ ﴾ أي: لئلا تميد، وقال الزجاج: كراهة أن تميد، يقال: ماد الرجل، يميد ميداً: إذا أدير به، وقال ابن قتيبة: الميد: الحركة والميل؛ يقال: فلان يميد في مشيته، أي: يتكفأ".

 

وقال الشوكاني في فتح القدير (3/ 405): "الميد: التحرك والدوران، أي: لئلا تتحرك وتدور بهم، أو كراهة ذلك".

[وانظر أيضاً على سبيل المثال لا الحصر: جامع البيان (14/ 90) و(17/ 21) و(21/ 65) و(30/ 47). معاني القرآن للنحاس (5/ 281). معالم التنزيل (3/ 47و64و243). المحرر الوجيز (4/ 347). الجامع لأحكام القرآن (10/ 90). مفردات القرآن (782). معجم مقاييس اللغة (970). تاج العروس (9/ 192). اللسان (3/ 411). تفسير ابن كثير (2/ 566) و(3/ 178و371) و(4/ 223و398و461) وغيرها كثير].

 

(5): قال الله - سبحانه وتعالى -: ﴿ أَلَمْ نَجْعَلِ الأَرْضَ مِهَاداً ﴾ ﴿ وَالْجِبَالَ أَوْتَاداً ﴾ [النبأ (6و7)]:

قال ابن كثير في تفسيره (4/ 463): "أي: ممهدةً للخلائق، ذلولاً لهم، قارةً ساكنةً ثابتةً، ﴿ والجبال أوتادا ﴾ أي: جعلها لها أوتاداً؛ أرساها بها، وثبتها، وقررها، حتى سكنت، ولم تضطرب بمن عليها".

وقد وصف الله - عز وجل - الأرض بكونها: ﴿ فراشاً ﴾، و﴿ قراراً ﴾، و﴿ مهداً ﴾، و﴿ بساطاً ﴾، و﴿ ذلولاً ﴾ كما جاء في آيات كثيرة، وكلها يدل على نفس المعنى، من ثبات الأرض وسكونها، وعدم دورانها، وقد تركت نقل كلام أهل العلم فيها طلباً للاختصار.

 

(6): قال الله - سبحانه وتعالى -: ﴿ أَأَمِنتُم مَّن فِي السَّمَاء أَن يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ ﴾ [الملك (16)]:

قال الشوكاني في فتح القدير (5/ 262): "أي: تضطرب وتتحرك على خلاف ما كانت عليه من السكون".

ومعنى: ﴿ تمور ﴾ هنا مثل معناها في قوله - سبحانه وتعالى -: ﴿ يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاء مَوْراً ﴾ [الطور (9)]، وقد قال فيها مجاهد: "تدور دوراً"، وقال الضحاك: "استدارتها وتحركها لأمر الله، وموج بعضها في بعض" [جامع البيان (27/ 21). تفسير ابن كثير (4/ 241)]، قال ابن الجوزي في زاد المسير (8/ 48): "وهو اختيار الفراء وابن قتيبة والزجاج". وقال ابن كثير في تفسيره: "وهذا اختيار ابن جرير أنه التحرك في استدارة". وقال البغوي في تفسيره (4/ 237): "أي تدور كدوران الرحى وتتكفأ بأهلها تكفؤ السفينة".

قال الشيخ عبد الله الدويش في المورد الزلال ص (260): "إذا علم هذا؛ فآية سورة الملك دالة على أن الأرض قارة ساكنة، لا تدور فتذهب وتجيء، ولهذا امتنَّ الله تبارك وتعالى على عباده بتذليلها لهم، وحذرهم من عقوبته بأن يخسف بهم الأرض، ويجعلها تمور بهم، ولو كان الأمر على ما يزعمه أهل الهيئة الجديدة ومن يقلدهم من العصريين؛ لكانت الأرض تمور دائماً كما تمور النجوم والسحاب والريح، ولم يبق للتخويف بمورها فائدة".

 

(7): قال الله - سبحانه وتعالى -: ﴿ فَأَسْقِطْ عَلَيْنَا كِسَفاً مِّنَ السَّمَاءِ ﴾ [الشعراء (187)]، وما كان في معناها من الآيات؛ من إسقاط الكسف [الإسراء (92). سبأ (9). الطور (44)].

وقال - سبحانه وتعالى -: ﴿ وَإِذْ قَالُواْ اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَـذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ﴾ [الأنفال (32)]:

قال الشيخ الدويش في المورد الزلال ص (261): "ووجه الاستدلال بهذه الآيات الخمس على استقرار الأرض وسكونها: أن الله - سبحانه وتعالى - جعل الأرض مركزاً للأثقال، ومستقراً لما ينزل من السماء، فلو سقطت السماء لوقعت على الأرض، ولو سقط منها شيء لم يستقر إلا في الأرض، ولو كانت الأرض تجري وتدور على الشمس كما زعمه أهل الهيئة الجديدة لكانت الشمس هي المركز والمستقر للأثقال؛ وهذا تكذيب للقرآن".

 

(8): قال الله - سبحانه وتعالى -: ﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾ [الأنبياء (33)]، وقال أيضاً: ﴿ لا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾ [يس (40)]:

هاتان الآيتان دليل على دوران الشمس والقمر والليل والنهار حول الأرض في حركة دائرية؛ لقوله تعالى: ﴿ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ﴾، قال ابن عباس: "في فلك كفلك المغزل" [جامع البيان (23/8)]. وقال قتادة: "الفلك استدارة في السماء تدور بالنجوم مع ثبوت السماء" [الجامع لأحكام القرآن (11/ 286)]. وقال ابن جرير الطبري في تفسيره (17/ 23): "والشمس والقمر كل ذلك في دائر يسبحون". وقال ابن كثير في تفسيره (3/ 179): "أي: يدورون، قال ابن عباس: يدورون كما يدور المغزل في الفلكة". وقال أيضاً (3/ 574): "أي: يدورون في فلك السماء، قاله ابن عباس وعكرمة والضحاك والحسن وقتادة وعطاء الخرساني". وقال البغوي في تفسيره (3/ 243): "والفلك في كلام العرب: كل شيء مستدير، وجمعه أفلاك، ومنه فلكة المغزل". وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "وقد ثبت بالكتاب والسنة وإجماع علماء الأمة: أن الأفلاك مستديرة" [المجموع (25/ 193). وانظر: (6/ 557و566و595)]. وفي لسان العرب (10/ 478): "فلَّك ثدي الجارية تفليكاً و تفلَّك: استدار، ...، وفلكة المغزل: معروفة، سميت لاستدارتها، وكل مستدير فلكة".

هذه بعض أدلة الكتاب، ذكرت أصرحها في الدلالة على المقصود، وتركت ذكر بقية الأدلة حرصاً على الاختصار.

 

• وأما أدلة السنة، فقد تقدم ذكرها في اللوازم، ومما لم أذكره هناك:

ما رواه الشيخان [البخاري (3124و5157). ومسلم (1747)] من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله r: "غزا نبي من الأنبياء، فقال للقوم: لا يتبعني رجل قد كان ملك بُضع امرأة، وهو يريد أن يبني بها، ولَمَّا يبنِ بها. ولا آخر قد بنى بناء له، ولما يرفع سقفها. ولا آخر قد اشترى غنماً أو خَلِفاتٍ، وهو ينتظر وِلادها. فغزا فدنا من القرية حين صلاة العصر، أو قريباً من ذلك، فقال للشمس: أنت مأمورة، وأنا مأمور، اللهم احبسها عليَّ شيئاً، فحُبِستْ عليه حتى فتح الله عليه، قال: فجمعوا ما غنموا، فأقبلت النار لتأكله، فأبت أن تطعمه، فقال: فيكم غلول، فليبايعني من كل قبيلة رجل، فبايعوه، فلصقت يد رجل بيده، فقال: فيكم الغلول، فلتبايعني قبيلتك، فبايعته قبيلته، فلصقت يد رجلين أو ثلاثة، فقال: فيكم الغلول، أنتم غللتم، قال: فأخرجوا له مثل رأس بقرة من ذهب، فوضعوه في المال، وهو بالصعيد، فأقبلت النار فأكلته، فلم تحل الغنائم لأحد من قبلنا، ذلك بأن الله رأى ضعفنا وعجزنا فطيبها لنا".

 

ووجه الدلالة منه من وجوه:

أحدها: قوله للشمس: "أنت مأمورة" فيه دليل على تسخير الشمس، وأنها مأمورة بالإشراق من المشرق، والغروب من المغرب، والسير في فلكها المقدر لها.

الثاني: قوله: "وأنا مأمور" فيه تنبيه على تشبيه الأمر الكوني للشمس بالأمر الشرعي للنبي، حيث إن كليهما مكلف بذلك من قبل خالقه، وعليه فأمر التسخير بالحركة الدائبة موجه إلى الشمس لا إلى الأرض.

الثالث: قوله: "اللهم احبسها عليَّ" فهذا الدعاء مبني على علم النبي السابق بحركة الشمس وتسخيرها للخلق، ومعلوم أن علوم الأنبياء ومعارفهم تكون صحيحة، ولو كان هذا الطلب غير موافق لحقيقة الأمر، لنُبِّه النبي، ولم يترك على هذا الاعتقاد الخاطئ.

الرابع: أنه بذلك يطلب أمراً ممكناً، ودليل إمكانه: عدم نهي النبي عنه، أو صرفه إلى غيره، فهذا نبي الله موسى صلى الله عليه وسلم لما سأل الله تعالى أن يراه ببصره في الدنيا، قال الله - عز وجل - له: ﴿ لَن تَرَانِي وَلَـكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي ﴾ [الأعراف (143)]، فنفى إمكان الرؤية في الدنيا حيث لا تحتملها قدرات البشر، وعلق إمكان الرؤية على استقرار الجبل، فإن كان الجبل الذي هو أشد قوة من البشر لم يحتمل هذه الرؤية فكيف بالبشر، بينما لما سأل خليل الرحمن إبراهيم r رؤية كيفية إحياء الموتى، أجابه الله - سبحانه وتعالى - إلى ذلك وقال: ﴿ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِّنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِّنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [البقرة (260)]، فإذا ثبت كون حبس الشمس أمراً ممكناً، فقد استجاب الله تعالى له، وحبس له الشمس، فدل ذلك على حركتها ودورانها حول الأرض، وإلا لم يكن لذلك معنى.

الخامس: قوله: "فحبست" دل على عظيم قدرة الله تعالى وكمالها، فكما أنه سخر الشمس والقمر بالسير الدائب لمصالح الخلق، وجعل ذلك سنة كونية لا تتبدل ولا تتغير، فإنه - سبحانه وتعالى - قادر على أن يعطل هذه السنة وقتما شاء - سبحانه وتعالى -، حتى يتمكن يوشع بن نون - عليه السلام - من هزيمة أعداء الله، فهل من معتبر!.

وقد بقيت أحاديث، تركت ذكرها إما لما فيها من مقال، أو لعدم صراحتها في الدلالة على المقصود.

 

• وأما الإجماع فقد تقدم ذكره في اللوازم، فيراجع.

• فصل: في ذكر أدلة عقلية على ثبات الأرض واستقرارها:

 

فمن تلكم الأدلة:

(1): أن الأرض لو كانت تسير بهذه السرعة الهائلة (30 كم في الدقيقة)؛ لما استقر على ظهرها شيء من البناء والشجر فضلاً عن الحيوانات؛ وذلك لشدة مخرها للهواء، ولشدة صدم الهواء لوجهها، وأما زعمهم: أن الغلاف الجوي تابع للأرض في الدوران فهذا زعم كاذب؛ لا دليل صحيح عليه من نقل أو عقل.

أما النقل: فقد جاء في آيات كثيرة ما يدل على أن الهواء مستقل بنفسه، وليس تابعاً للأرض، فمن ذلك على سبيل المثال لا الحصر: قوله - سبحانه وتعالى -: ﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لاعِبِينَ ﴾ [الأنبياء (16)]: فدلت هذه الآية الكريمة على أن خلق ما بين السماء والأرض كان مستقلاً بنفسه، وأنه مغاير في حقيقته وتكوينه لهما، والله أعلم.

وأما العقل: فمن المعلوم أن جرم وكثافة الجزيئات المكونة للهواء من الأكسجين و الهيدروجين والنيتروجين وثاني أكسيد الكربون وبخار الماء: في غاية الخفة والضآلة؛ بحيث لا تؤثر عليها جاذبية الأرض؛ فتجعلها في حكم الملاصق لها، أو في حكم الأجسام التي على سطحها.

وكذلك: فإنه من المعلوم أن الأجسام التي على سطح الأرض إذا ارتفعت عنه واستقلت في الهواء؛ فإن سلطان الجاذبية عليها يضعف نوعاً ما، لا سيما كلما ازداد الارتفاع، وقلت الكثافة.

وكذلك: فإنه من المعلوم بالحس والضرورة أن الهواء المحصور في المراكب الحديثة، سواءً البرية أو البحرية أو الجوية، يكون متحركاً بسرعتها، بخلاف ما كان خارجها؛ فإنه لا يتبعها ولا يتحرك بسرعتها، بل يقاومها؛ فكذلك ما على ظهر الأرض من الهواء لا يكون تابعاً لها.

 

(2): سير السحاب المسخر بين السماء والأرض؛ فنحن نراه يتحرك في كل اتجاه، ولو صدق افتراؤهم لكان ينبغي أن تكون حركته فقط من الشرق إلى الغرب.

(3): هجرة الطيور: فما كان لهذه الطيور المهاجرة أن تهتدي لمواطن هجرتها، أو مواطنها الأصلية حين عودتها إليها، لولا فضل الله ورحمته بخلقه أن ثبَّت لهم الأرض التي يسكنونها؛ فجعلها قارَّةً ساكنةً.

 

(4): الطائرات التي تطير على ارتفاع شاهق جداً من الشمال إلى الجنوب، أو بالعكس: لا تلحظ حركة الأرض ودورانها من المغرب إلى المشرق كما يزعمون كذباً وزوراً.

بل لا ينبغي لهذه الطائرات أن تهتدي لمواضع هبوطها على سطح الأرض بمجرد استقلالها في الهواء.

ومن تفكر في زورهم وبهتانهم تبين له ما يترتب على هذه النظرية الفاسدة من المناقضات العقلية الكثير.

 

ونختم هذا البحث الموجز المختصر: فنقول للذين لا يصدقون ولا يطمئنون لأدلة الكتاب والسنة وأقوال أهل الإسلام في تفسيرها، بل يذهبون في ذلك إلى الكفار؛ بدعوى أنهم أعلم بأمور المحسوسات والمشاهدات من المسلمين، ونقول للذين لا يصدقون إلا حملة الشهادات العليا المصدقة من أمريكا وبريطانيا وأمثالهما من دول الكفر الذين لا يجدون سبيلاً لتشكيننا في ديننا وردنا عنه إلا وسلكوه، وهم الذين حذرنا الله منهم بقوله - عز وجل -: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [آل عمران (118)]، وحذرنا من أتباعهم وذيولهم من المنتسبين إلى المسلمين بقوله: ﴿ لَوْ خَرَجُواْ فِيكُم مَّا زَادُوكُمْ إِلاَّ خَبَالاً ولأَوْضَعُواْ خِلاَلَكُمْ يَبْغُونَكُمُ الْفِتْنَةَ وَفِيكُمْ سَمَّاعُونَ لَهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ﴾ [التوبة (47)] فنقول لهؤلاء وأمثالهم: إن الكفار في هذه المسألة ليسوا على قلب رجل واحد، بل لايزالون فيها مختلفين.

 

وسأذكر لهم مثالاً بسيطاً: فإن الهبوط على القمر، وإن كنا نحن لا نصدقه ولا نكذبه؛ لأنه لم يأت في شريعتنا ما يمنع من وقوعه، حيث إن القمر واقع فيما بين الأرض والسماء المبنية المحروسة، والجن يتنقلون فيما بينهما، فكذلك لو ادعى أحد من الإنس ذلك بسببٍ ما، لم نكذبه، ولم نصدقه أيضاً حتى يأتي بالبرهان الصادق على ذلك.

 

وبعض المسلمين في هذا الزمان قد صدق هؤلاء في دعواهم الهبوط على سطح القمر حتى أصبحت هذه المسألة عنده من البدهيات التي لا يختلف فيها اثنان، ومع ذلك فقد أظهر أحد الاستطلاعات للرأي والذي قامت به مؤسسة غالوب عام (1999م) أن 6% من الأمريكان غير واثقين من حدوث الهبوط على سطح القمر، وقد عرضت قناة فوكس التلفزيونية في نفس العام (1999م) برنامجاً يستعرض البراهين والأدلة على زيف عملية الهبوط على القمر، تابعه (6) مليون مشاهد - على زعمهم-، ولذلك فقد قام الأمريكان في جامعاتهم بتنظيم محاضرات خاصة لتفنيد هذه المزاعم، وقد ذُكر من هذه الأدلة على زيف عملية الهبوط: أن العلم الأمريكي الذي غرس على سطح القمر شوهد وهو يرفرف، مع أنهم يجزمون بأن القمر لا هواء فيه، وأنه ليس له غلاف جوي، فكيف رفرف العلم؟!!!.

 

كذلك فقد ثبت أن الأشعة الكونية خارج الغلاف الجوي الأرضي لا يتحملها بدن الإنسان الضعيف، ولحمايته منها ينبغي أن يلف من جميع جهاته بطبقة عازلة واقية سمكها حوالي مترين، وإلا لأصابته تشوهات وحروق وأمراض فتاكة تسرع بوفاته عاجلاً، وهذه السترة الفضائية الفضية لا تغني شيئاً من ذلك، أفلا تعقلون!

 

وقد حاول بعض المتأثرين بالغرب وحضارته الزائفة أن يلمع صورته عند بعض المسلمين ممن لا نصيب له وافر من هدي النبوة ونور الرسالة؛ فذهب يبحث عن أدلة من الكتاب والسنة تؤيد ما توصلوا إليه من علومهم الدنيوية التي فاقوا بها المسلمين فخلطوا السمَّ بالعسل والباطل بالحق، ومن ذلكم: مسألة الدوران، احتجوا لها بأدلة من الشرع المطهر، فتأولوا النصوص، وحمَّلوها ما لا تحتمل، وسأورد مثالاً واحداً فقط من أدلتهم:

 

احتجوا على دوران الأرض بمرور الجبال مرَّ السحاب المذكور في قول الله - عز وجل -: ﴿ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ﴾ [النمل (88)].

 

وسأترك الرد عليهم للعلامة المفسر اللغوي الأصولي الفقيه: فضيلة الشيخ محمد الأمين الشنقيطي - رحمه الله تعالى- حيث يقول في كتابه المبارك "أضواء البيان" (6/ 295): " قوله تعالى: ﴿ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ ﴾.

 

قد قدّمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك: أن من أنواع البيان التي تضمّنها: أن يقول بعض العلماء في الآية قولاً، ويكون في الآية قرينة تدلُّ على بطلان ذلك القول.

وذكرنا في ترجمته أيضًا: أن من أنواع البيان التي تضمّنها: الاستدلال على المعنى بكونه هو الغالب في القرءان؛ لأن غلبته فيه تدلُّ على عدم خروجه من معنى الآية. ومثَّلنا لجميع ذلك أمثلة متعدّدة في هذا الكتاب المبارك.

والأمران المذكوران من أنواع البيان قد اشتملت عليهما معًا آية النمل هذه.

 

وإيضاح ذلك: أن بعض الناس قد زعم: أن قوله تعالى: ﴿ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِىَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ ﴾ يدلُّ على أن الجبال الآن في دار الدنيا يحسبها رائيها جامدةً، أي: واقفةً ساكنةً غيرَ متحركة؛ وهي تمرُّ مرَّ السحاب، ونحوه قول النابغة يصف جيشًا:

بأرعن مثل الطود تحسب أنهم ♦♦♦ وقوف لحاج والركاب تهملج

 

والنوعان المذكوران من أنواع البيان يبينان عدم صحة هذا القول.

أمّا الأول منهما: وهو وجود القرينة الدالَّة على عدم صحته، فهو أن قوله تعالى: ﴿ وَتَرَى الْجِبَالَ ﴾ معطوف على قوله: ﴿ فَفَزِعَ ﴾، وذلك المعطوف عليه مرتّب بالفاء على قوله تعالى: ﴿ وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِى السَّمَاوَاتِ ﴾ أي: ويوم ينفخ في الصور؛ فيفزع من في السماوات، وترى الجبال. فدلَّت هذه القرينة القرءانية الواضحة على أن مرَّ الجبال مرَّ السحاب كائنٌ يوم ينفخ في الصور، لا الآن.

وأمّا الثاني: وهو كون هذا المعنى هو الغالب في القرءان فواضح؛ لأن جميع الآيات التي فيها حركة الجبال كلُّها في يوم القيامة، كقوله تعالى: ﴿ يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاء مَوْراً. وَتَسِيرُ الْجِبَالُ سَيْراً ﴾، وقوله تعالى: ﴿ وَيَوْمَ نُسَيّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأرْضَ بَارِزَةً ﴾، وقوله تعالى: ﴿ وَسُيّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَاباً ﴾ وقوله تعالى: ﴿ وَإِذَا الْجِبَالُ سُيّرَتْ ﴾ .

 

وقوله تعالى في هذه الآية الكريمة: ﴿ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيء ﴾ جاء نحوه في آيات كثيرة، كقوله تعالى: ﴿ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾، وقوله تعالى: ﴿ مَّا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفَاوُتٍ ﴾، وتسيير الجبال وإيجادها ونصبها قبل تسييرها كل ذلك صنع متقن".

فالحمد لله الذي أظهر الحجة، وأبان المحجة، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

نشأة علم الفلك

وأول من قال بدوران الأرض

لما وجدت الناس معرضين عن أدلة الشريعة وفهمها على وجهها الصحيح، ورأيت إقبالهم على تأويل المتفرنجين لأدلة الشريعة حتى توافق هوى من حادَّ الله ورسوله، لم أجد بداً من الشروع في هذا البحث المضني، والذي استغرق جهداً وزمناً طويلاً للوصول إلى هذه نتائجه الباهرة، والتي تعتبر بمثابة حقائق علمية دامغة على كذب مدعي هذه النظرية الباطلة، وبطلان دعواهم أنهم بنوا هذه النظرية على المشاهدات الحسية، والتجارب العملية.

إن القول بأن الحتمية المعرفية هي التي قادت هؤلاء إلى الصدح بهذه النظريات قول لا نصيب له من الصحة، وإنما كان اعتقادهم هو الباعث الحقيقي للخروج على الناس بهذه الترهات التي ألبسوها ثوب العلم زوراً وبهتاناً.

لقد ارتبطت نشأة علم الفلك ارتباطاً وثيقاً بعبادة الأوثان، لاسيما عبادة الشمس والقمر والنجوم والكواكب.

 

ولقد اهتم المصريون القدماء بهذا العلم اهتماماً ملحوظاً، خدمة لآلهتهم التي يعبدونها من دون الله، إلا أنهم كانوا يرون ثبات الأرض، ودوران الشمس حولها، وأن السماء كانت مرتكزة على أربع قوائم.

وقد ذهب بعض الباحثين إلى أن مواضع الأهرام الكبرى الثلاثة إضافة إلى مجرى نهر النيل، إنما كان محاكياً بدقة مواضع نجوم حزام الجوزاء الثلاثة مع درب اللبن، فكأنهم أسقطوها على الأرض.

كذلك كانت نشأة علم الفلك عند السومريين والأكاديين والبابليين لها ارتباط وثيق بعبادة الأوثان لاسيما الشمس والقمر والزهرة.

 

لقد استخدم كهنة الرافدين نظام الحساب الستيني بصفته النظام الأكثر ملاءمة للأبحاث الفلكية، ولقد أسقطوا القبة السماوية على الأرض فكانت منها الدائرة الهندسية المعروفة، ثم قسموها إلى ستة أجزاء، كل جزء مكون من ستين درجة، فكان المجموع (360)، وبالنسبة إلى السماء قسموها إلى (12) جزءاً، كل جزء مكون من ثلاثين درجة، وهي منازل الشمس، اثنا عشر شهراً، كل شهر ثلاثين يوماً، ومن هنا استطاعوا تقسيم دائرة السماء إلى اثني عشر برجاً من البروج المعروفة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في الرد على المنطقيين (133): "وإنما جعلوا الهندسة مبدأً لعلم الهيئة ليستعينوا به على براهين الهيئة، أو ينتفعوا به في عمارة الدنيا، هذا مع أن براهينهم القياسية لا تدل على شئ دلالة مطردة يقينية سالمة عن الفساد إلا في هذه المواد الرياضية".

 

وقال أيضاً (137): "وأولئك المشركون كانوا يعبدون الكواكب ويبنون لها الهياكل، ويدعونها بأنواع الدعوات، كما هو معروف من أخبارهم، وما صنف على طريقهم من الكتب الموضوعة في الشرك والسحر ودعوة الكواكب والعزائم، والأقسام التي بها يعظم إبليس وجنوده، وكان الشيطان بسبب السحر والشرك يغويهم بأشياء هي التي دعتهم إلى ذلك الشرك والسحر، فكانوا يرصدون الكواكب ليتعلموا مقاديرها، ومقادير حركاتها، وما بين بعضها وبعض من الاتصالات، ليستعينوا بذلك على ما يرونه مناسباً لها.

ولما كانت الأفلاك مستديرة، ولم يكن معرفة حسابها إلا بمعرفة الهندسة وأحكام الخطوط المنحنية والمستقيمة، تكلموا في الهندسة لذلك، ولعمارة الدنيا.

فلهذا صاروا يتوسعون في ذلك، وإلا فلو لم يتعلق بذلك غرض إلا مجرد تصور الأعداد والمقادير لم تكن هذه الغاية مما يوجب طلبها بالسعي المذكور".

 

ويقول فرديناند هوفر في كتابه "تاريخ علم الفلك"، والذي طبع في باريس سنة (1873م)، يقول ص (10و11): ((لكي نحرر النظر من كل حاجز لنجعل مشاهدتنا في مكان مسطح موحد، حيث إذا نظرنا إلى الأمام أو إلى الخلف، على اليمين أو على الشمال، أياً كان الاتجاه، نتخيل أننا في مركز الصحراء، إن ربط كل النقاط التي تحد بصرنا حيث تلتقي السماء بالأرض، يكون خطاً منحنياً تام الكمال، هذا الخط المنحني المغلق من كل الاتجاهات، يحد أو يحيط مستوى دائرياً، دائرة يكون المشاهد يحتل مركزها، في الهندسة يسمى المحيط، وفي الفلك يسمى الأفق، المشاهد يحتل المركز، كل الخطوط المستقيمة المنطلقة من المركز وتصل للأفق أو المحيط متساوية فيما بينها، بالنسبة للمهندس هي أشعة الدائرة (جمع شعاع)، بالنسبة للفلكي هي مستقيمات أفقية، المستقيمات التي تمر بالمركز والتي تصل إلى نقطتين متناظرتين من المحيط أو الأفق إنها قطر الدائرة، وهي مثل الأشعة متساوية فيما بينها، المساحة أو المستوى المتكون من جميع الأقطار (عدد غير منتهي) والذي نسميه مساحة الدائرة أو الدائرة الأفقية، هكذا كان الفلك والهندسة متطابقين عند نشأتهما أو هما شيء واحد)).

(HISTOIRE DE L' ASTRONOMIE par FERDINAND HOEFER - PARIS 1873)

 

نظروا إلى ظاهرة الكسوف والخسوف من منظارهم الوثني، وربطوها بأحداث تتعلق بآلهتهم، لذا كانوا حريصين على معرفة وقت الكسوف والخسوف بدقة، وربطوا ذلك بعلم التنجيم، وتكهن ما يكون في المستقبل، ولقد تمكنوا -حسب كلام النقلة- من رصد (832) خسوفاً قمرياً، و(373) كسوفاً شمسياً، خلال (1903) سنة.

 

وقد مر علم الفلك البابلي بثلاثة أطوار:

1- الطور الآشوري الأخير (1000-612 ق.م).

2- الطور الكلداني الفلكي (612-539 ق.م).

3- الطور الفارسي الرياضي (539-331 ق.م).

ولقد ارتبطت هذه الأطوار الثلاثة ارتباطاً وثيقاً بعلم التنجيم وادعاء علم الغيب.

 

ولا أستبعد أن يكون كهنة الكلدانيين هم الذين ناظرهم وحاجهم خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام، إذ يقول الله تبارك وتعالى حاكياً قصته معهم: ﴿ وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ * فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَـذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِن لَّمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَـذَا رَبِّي هَـذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * وَحَآجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلاَ أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاَّ أَن يَشَاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ * وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلاَ تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُم بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ * وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ ﴾ [الأنعام (75-83)].

 

إن هؤلاء الباحثين الذين كتبوا التاريخ الحديث، وإن ادعوا النزاهة العلمية؛ إلا أن اتجاهاتهم، ومصادرهم التي رجعوا إليها، ومحاولة استخراج آثار الديانات الوثنية القديمة في شتى بقاع الأرض، كذلك تفسيراتهم لما أشكل عليهم، كل ذلك يجعلنا نجزم أنهم كانوا ذوي نزعة وثنية معادية لما جاء به الأنبياء والمرسلون من عند الله خالق السماوات والأرض، حيث إنهم اعتمدوا في نظرية نشوء الكون وارتقائه التي زعموها، بما فيها من أكاذيب وافتراءات، ونبوءات وتكهنات، وافتراضات وتخيلات، اعتمدوا في ذلك كله على ما عثروا عليه من آثار فرعونية وبابلية ويونانية وإغريقية وغيرها، حتى أوغلوا في الكذب والتضليل حين اعتمدوا على حكايات خرافية -باعترافهم-، وعلى ما وجدوه من كلام شعراء وكتاب لهم مبالغات ممجوجة، وحكايات مكذوبة، ثم سربلوا ذلك كله بسربال العلم، وأكذوبة البحث العلمي النزيه، وأبوا أن يأخذوا ولو حرفاً واحداً من الكتب المنزلة من عند الله، وناصبوا الأنبياء وأتباعهم العداء، حتى إنهم عن عمد أسقطوا ذكرهم من التأريخ، لكي يغطوا حِيَلهم بغطاء سميك، فلا يكتشف أحد كذبهم وتضليلهم، بل إن بعضهم -إمعاناً في التضليل- لم يعترف بوجود الأنبياء أصلاً، وقالوا -وإن يقولون إلا كذباً- بأنهم لم يكونوا سوى خرافات وأكاذيب لا حقيقة لها، تعالى الله عما يقول الظالمون علواً كبيراً.

 

ثم أمعنوا في تضليل الخلق بعد ذلك حيث جعلوا ذلك الخداع والتضليل المنافي لما جاء به الأنبياء يدرس في المدارس والجامعات، بل منعوا الحقيقة من أن تزاحم كذبهم في جامعاتهم، حتى يخلو لهم الجو، وصار المتلقن يتلقن أحابيلهم في المدرسة والجامعة، وعلموه كيف يرد على ما جاءت به الأنبياء، بحيل دنيئة، وباطل مزين، وعلم مزيف، حتى جرؤوا الخلق على الخالق، بل إنهم حكموا على كل من لم يوافقهم في المذهب بإماتة ذكره، وإدراجه في طي الكتمان، حتى يخيل إلى الناس أن لا ثمة شيء يخالف مذهبهم، يقول فرديناند هوفر في كتابه "تاريخ علم الفلك" ص(313): "فلكيو القرنالسادس عشر الذين رفضوا فكرة كوبرنيك كانوا كثرةً، وبدلاً من ذكرهم لابد أن نحكم عليهم بالنسيان، وهذا لن يكون إلا العدل".

 

واستخدموا أيضاً لنشر أباطيلهم ما استخدمه أسلافهم الوثنيون، للتأثير على قطاعات عريضة من الرعاع، وإقناعهم بأسلوب سحري فريد، ألا وهو المسرحية والتمثيل، فقد استخدم الوثنيون القدامى المسرحيات لإظهار قداسة آلهتهم، مثل مسرحيات أوزيريس في مصر القديمة، والمسرحيات الأورفية القديمة، والمسرحيات اليونانية والإغريقية، وكيف صوروا حب إلههم زيوس لعشيقته أوروبا، التي افتتن بجمالها زيوس فتحول إلى ثور وخطفها، وحملها إلى كريت، وإثر اختفاء أوروبا بنى لها الفينيقيون معبداً عظيماً تخليداً لذكراها، وكيف صوروا صراع زيوس والطيطانيس في سبيل السيطرة على العالم، وكل ذلك محض أكاذيب وافتراءات وتخيلات هسيود في ملحمة الثيوغونيا، وكذلك ما كتبه هوميروس في ملحمة الإلياذة والأوديسا، وما جاء في الملحمة الجرمانية "هلاك الآلهة"، وملحمة "كاليفالا" للشعب الكاريلي البلطيقي، وملحمة "الإيدا الكبرى" للشعب الأيسلندي، وملحمة "الرامايانا" و"المهابهاراتا" الهندية، وكذلك ما جاء في أساطير السلاف الوثنية القديمة، وأساطير الصين الوثنية القديمة، وأساطير الهنود الحمر، وغيرهم.

 

إن الناظر في هذه الأكاذيب يتبين له كيف حول المؤرخون الوثنيون أحداث هذه المسرحيات والقصص إلى حقائق تاريخية في نشأة الكون، وما اعترى الأرض والكواكب والنجوم من تغييرات أو تكوينات، وكل ذلك لا يقبل الشك أو النقد، بينما ينهالون بالتسفيه والتكذيب على الأنبياء وما جاؤوا به من عند الله تعالى.

 

لقد اعترف هؤلاء بأن الكتب السماوية كانت تحض المؤمنين ألا يشاركوا الأمم الوثنية في علومهم الشركية مثل السحر والتنجيم وادعاء علم الغيب وما ارتبط بها من علم الفلك والهيئة، يقول فرديناند هوفر في كتابه "تاريخ علم الفلك" ناقلاً نصاً من التوراة ص (83): "اسمعوا ماذا يقول لكم الرب، أبناء إسرائيل، لا تكونوا أتباعاً لأخطاء الأمم، لاتخافوا أبداً من علامات السماء (النجوم) مثل باقي الأمم"، ثم يتابع منكراً قائلاً: إن العلم هو العمل المشترك للجنس البشري، بدون تمييز لجنس، ولكن شعب مثل شعب بني إسرائيل، يحرِّم كل تبادل فكري وكل تبادل للأنوار [قلت: يدعون بأن وثنياتهم وشركهم نور] مع باقي الأمم الغير موحدة [يعني: التي تقول بتعدد الآلهة وتعترف بالوثنية] لابد أن يبقى بمحض إرادته خارج الحركة العامة للعلم" .

(HISTOIRE DE L' ASTRONOMIE par FERDINAND HOEFER - PARIS 1873)

 

ولذلك فإنهم يعتبرون أن إحدى الكوارث على تاريخ العلم والحضارة، لا سيما علم الفلك، هي اعتناق الامبراطورية الرومانية للنصرانية، والذي أدى بدوره إلى انحسار النشاط العلمي والحضاري بشكل كبير، ويقولون بأن تطور علم الفلك كان قد توقف عملياً من القرن الثاني الميلادي إلى القرن السابع، ولم تعترف الكنيسة الأوروبية بشيء من التراث الإغريقي القديم إلا بعد قرون، ولم تسمح لشيء منه بالتدريس في الكنائس والمعاهد العلمية إلا ما كان قريباً ولو نوعاً ما من أصول ديانتها، مثل تعاليم أفلاطون المثالية، أو آراء أرسطو، وأما تعاليم الذريين المادية الإلحادية فقد تعرضت لملاحقات ضارية، فبعد اعتناق النصرانية اختفى كثير من مؤلفات ديموقريط وإيبيقور وأمثالهم.

 

لقد اعترفوا - وبكل وقاحة - بأن عقائد الكنيسة كانت تستند بشكل واضح على نظام مركزية الأرض في النظرة إلى الكون، فقالوا مثلاً: إن عقيدة اصطفاء الله تعالى للجنس البشري على الأرض، مع جملة من العقائد التي أكدت عليها التوراة: سوف تفقد كل مغزى إذا ما أقرت بدوران الأرض، أو بأنها مجرد كوكب ضئيل لا يسوي شيئاً في هذا الفضاء الهائل.

[أسرار الفيزياء الفلكية والميثولوجيا القديمة. تأليف: س.بريوشينكين. ص (267-270)]

قام فاليس من ميلتوس (624-547 ق.م) بنقل علوم بابل ومصر وفينيقيا إلى اليونان، حيث تعلم على أيدي كهنة مصر الرياضيات والفلك، ثم جاء بعده من سار على منواله، مثل أناكسيماندرس، وأناكسيمين، وهيراقليط، وكان لكل منهم إضافاته في علم الفلك.

 

لقد كان لفلاسفة اليونان دوراً فاعلاً في وضع قواعد ومناهج للفكر الوثني، وأصلوا العداء بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان، القائم على الجدل، ومحاولة التشويش على الحجج العقلية الدامغة، بحجج شيطانية باهتة، إنما تروج على أتباعهم، ولم يكفُّوا عن تزيين الباطل وعبادة الشيطان؛ حتى ابتدعت بعض مدارسهم فكرة رفض خضوع الإنسان لما يسمى بالآلهة، يعنى: رفض عبودية الإنسان لإله ما أياً كان ذلك الإله؛ حقاً أم باطلاً، فهذا ديموقريط -ومن قبله أستاذه ليكيبوس- اللذين جعلا أصل الأشياء جميعاً يرجع في تكوينه إلى الذرة، وجعل عالم الذرات عالماً حتمياً حتمية صارمة، لا وجود لإرادة الإله فيه، لكنه حسب زعمه خاضع خضوعاً تاماً للقوانين الطبيعية التي تحكمه بكل صرامة ودقة، فنفوا بذلك مسألة القدر بمراتبها الأربعة [العلم والكتابة والإرادة والخلق]، بل نفوا الخلق والتدبير.

 

هذه المدرسة هي أصل المدرسة القائلة بأن الحياة مادة ولا إله، وقد عارضتها مدرسة سقراط وتلميذه أفلاطون، اللذين قالا بإثبات الصانع والصفات وحدوث العالم وإنكار عبادة الأصنام، حيث قيل بأنهما أخذا ذلك من أتباع الأنبياء بالشام، وبسبب ذلك قُتل سقراط بالسم، وقد قالا أيضاً بتناسخ الأرواح، كما يوجد في كلامهما الكثير من الباطل والضلال وخلاف ما جاء به الأنبياء، ثم جاء بعدهما أرسطو -تلميذ أفلاطون- فقال بقدم العالم، وازداد غلواً في الكفر [وانظر: الفرق بين الفرق (254). المنقذ من الضلال (20). الملل والنحل للشهرستاني (2/ 83و88). مجموع فتاوى شيخ الإسلام (35/ 182). إغاثة اللهفان (2/ 264). الصواعق المرسلة (3/ 816و849). عيون الأنباء في طبقات الأطباء (70)].

ولقد كان لأفلاطون أثر كبير في تطور علم الرياضيات والهندسة، ومن ثم علم الفلك، وتكلم في أصل نشأة الكون بكلام عقلي باهت، وكأنه كان مشاهداً له وقت خلقه، وما زالت بذوره التي اخترعها وابتدعها في نشأة الكون محل تقديس إلى اليوم، وتلامذته ثلاث فرق: الإشراقيون، والرواقيون، والمشاؤون.

 

ثم جاء من بعده أرسطو والذي كان له أعظم الأثر على الفكر الإنساني الضال المنحرف، وابتدع أقوالاً خرج فيها عن طريقة أسلافه وأساتذته، هي أعظم فساداً وإفساداً من سابقيه، ولقد دخل كثير من بنات أفكاره على أتباع الأنبياء من النصارى والمسلمين، ولقد كان كلامه في الإلهيات ما هو إلا محصلة ونتيجة لكلامه في الرياضيات والفيزياء والفلك، إذ الأربعة عندهم كلٌ واحد لا يتجزأ، وهذا هو الذي أدى به إلى القول بوجود محرك ساكن بدئي عنه تنشأ حركة الأشياء، وهو أيضاً القائل بأن هذا المحرك الأزلي الساكن لابد أن يبقى دائماً مساوياً لنفسه، غير قابل للقسمة، وليس له أجزاء، ولا أي مقدار، وكلامه هذا هو الذي قاد من قال بالتعطيل ونفي الصفات ووحدة الوجود من أتباع الأنبياء من النصارى والمسلمين، حتى أوصلهم إلى عبادة العدم، كما أن أرسطو هو أول من ينسب إليه القول بقدم العالم، وأما من تقدمه من الفلاسفة فإنهم يقولون بحدوث العالم، وقد جرى على قول أرسطو جماعة من أتباع الأنبياء، والحاصل أن كلامه في الإلهيات إنما هو ناتج عن كلامه في الطبيعيات.

[العلم المستيقظ، ولادة علم الفلك. تأليف: فان دير واردن. عجلة الزمن. تأليف: ف. ي. لاريشيف . أسرار الفيزياء الفلكية والميثولوجيا القديمة. تأليف: س.بريوشينكين]

 

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في بيان تلبيس الجهمية (1/ 372): "أن جميع العقلاء الذين خبروا كلام أرسطو وذويه في العلم الإلهي علموا أنهم من أقل الناس نصيباً في معرفة العلم الإلهي، وأكثر الناس اضطراباً وضلالاً، فإن كلامه وكلام ذويه في الحساب والعدد ونحوه من الرياضيات مثل كلام بقية الناس، والغلط في ذلك قليل نادر، وكلامهم في الطبيعيات دون ذلك غالبه جيد، وفيه باطل، وأما كلامهم في الإلهيات ففي غاية الاضطراب مع قلته، فهو لحم جمل غث على رأس جبل وعر، لا سهل فيرتقى، ولا سمين فينتقل، هو قليل كثير الضلال عظيم المشقة، يعرفه كل من له نظر صحيح في العلوم الإلهية، فكيف يستدل بكلام مثل هؤلاء في العلم الإلهي وحالهم هذه الحال" [وانظر: درء التعارض (10/ 143)].

وقال في درء التعارض (5/ 65-66) في الرد على ابن سينا - وهو أشهر من نقل كلام أرسطو-:  "وهل وجد في العالم أمة أجهل وأضل وأبعد عن العقل والعلم من أمة يكون رؤوسها فلاسفة.

 

أو لم تكن أئمتكم اليونان كأرسطو وأمثاله: مشركين يعبدون الأوثان، ويشركون بالرحمن، ويقربون أنواع القرابين لذرية الشيطان.

أو ليس من أعظم علومهم السحر، الذي غايته أن يعبد الإنسانُ شيطاناً من الشياطين، ويصوم له ويصلي، ويقرب له القرابين، حتى ينال بذلك عرضاً من الدنيا، فساده أعظم من صلاحه، وإثمه أكبر من نفعه.

أو ليس أضل الشرك في العالم هو من بعض هؤلاء المتفلسفة.

أو ليس كل من كان أقرب إلى الشرائع ولو بدقيقة؛ كان أقرب إلى العقل ومعرفة الحقيقة، وهل رأيت فيلسوفاً أقام مصلحة قرية من القرى، فضلاً عن مدينة من المدائن، وهل يصلُح دينه ودنياه إلا بأن يكون من غمار أهل الشرائع.

ثم يقال له: أنت وأمثالك أئمة أتباعكم، وهذا قولك وقول أرسطو، وأمثالكم من أئمة الفلاسفة في واجب الوجود، وصفاته وأفعاله، مع دعواكم نهاية التوحيد، والتحقيق والعرفان، قول لا يقوله إلا من هو من أجهل الناس وأضلهم، وأشبههم بالبهائم من الحيوان.

 

وكون الواحد منكم حاذقاً في طبٍ أو نجومٍ أو غرسٍ أو بناءٍ، هو لقلة معرفتكم بالله وأسمائه وصفاته وأفعاله وعبادته، وقلة نصيبكم وحظكم من هذا المطلب، الذي هو أجل المطالب، وأرفع المواهب، فاعتصم بالأدنى عن الأعلى إما عجزاً وإما تفريطاً.

ولا ريب أن أئمة اليهود والنصارى بعد أن بدلوا الكتاب، ودخلوا فيما نهوا عنه: أحذق وأعرف بالله من أئمتكم.

وعوام اليهود والنصارى الذين هم ضالون ومغضوب عليهم: أصح عقلاً وإدراكاً، وأصوب كلاماً في هذا الباب من عوام أصحابكم، وهذا مما لا يشك فيه من له عقل وإنصاف.

 

واعتبر ذلك بعوام النصيرية والإسماعيلية والدرزية والطرقية والعرباء، وعوام التتر المشركين الذين كان علماؤهم المشركون السحرة من البخشية والطوينية وأمثالهم، وكان خيار علمائهم رؤوس الملاحدة مثل النصير الطوسي وأمثاله، وكذلك عوام أتباع سنان رأس الملاحدة وأمثاله، فاعتبر عوام هؤلاء مع عوام اليهود والنصارى تجد عوام اليهود والنصارى أقل فساداً في الدنيا والدين من أولئك، وتجد أولئك أفسد عقلاً وديناً.

وأما متوسطوكم كالمنجمين والمعزمين وأمثالهم ففيهم من الجهل والضلال والكذب والمحال مالا يحصيه إلا ذو الجلال، وهل كان الطوسي وأمثاله ينفقون عند المشركين من التتر إلا بأكاذيب المنجمين ومكايد المحتالين المنافية للعقل والدين.

وأما أئمتكم البارعون كأرسطو وذويه فغايته أن يكون مشركاً سحاراً، وزيراً لملك مشرك سحار، كالإسكندر بن فيلبس، وأمثاله من ملوك اليونان الذين كانوا أهل شرك يعبدون الأوثان، ...

وهذا الكلام وأمثاله إنما قيل للمقابلة لما في كلام هؤلاء من الاستخفاف بأتباع الأنبياء.

 

وأما أئمة العرب وغيرهم من أتباع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، كفضلاء الصحابة مثل: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ومعاذ بن جبل وأبي بن كعب وعبد الله بن مسعود وعبد الله بن سلام وسلمان الفارسي وأبي الدرداء وعبد الله بن عباس، ومن لا يحصى عدده إلا الله تعالى، فهل سمع في الأولين والآخرين بعد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بقوم كانوا أتم عقولاً وأكمل أذهاناً وأصح معرفةً وأحسن علماً من هؤلاء" [وانظر: درء التعارض (4/ 49) و(8/ 286) و(9/ 253 و261 و272 و293 و398) و(10/ 90). الرد على المنطقيين (  106و268 و283 و394). مجموع الفتاوى (2/ 83) و(4/ 136) و(5/ 539) و(6/ 331) و(9/ 134) و(12/ 593) و(17/ 351)].

وقال في بيان حقيقة الفلاسفة، وما قالوه في الإلهيات (9/ 399): "والفلاسفة طوائف متفرقون، لا يجمعهم قول ولا مذهب، بل هم مختلفون أكثر من اختلاف فرق اليهود والنصارى والمجوس، وكلام المشائين في الإلهيات كلام قليل الفائدة وكثير منه بلا حجة".

وقال أيضاً في المفاضلة بين أتباع الأنبياء وبين الفلاسفة، وفي سبب اشتغالهم بعلم الفلك (10 / 301) : "ثم من نظر في أخبار الأمم الذين لم يكن لهم كتاب كالروم واليونان ونحوهم: علم أن النصارى أكمل منهم في الإلهيات وأفضل، وأعلم منهم وأعقل، وإنما كان يكون حذق تلك الأمم في غير العلوم الإلهية: كالطب والحساب والهيئة ونحو ذلك.

وأعظم اشتغالهم بالهيئة إنما كان لأجل الشرك والسحر ودعوة الكواكب والأوثان من دون الله؛فإنهم يقولون إنهم يستخرجون قوى الأفلاك، ويمزجون بين القوة الفعالة السماوية، والقوى المنفعلة الأرضية".

 

(لتحميل المادة كاملة اضغط: هنا)





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • لماذا حركوا الأرض؟ (1)
  • لماذا حركوا الأرض؟ (3)
  • لماذا حركوا الأرض؟ (4)
  • لماذا حركوا الأرض؟ (5)
  • لماذا حركوا الأرض؟ (6)
  • لماذا حركوا الأرض؟ (7)
  • لماذا حركوا الأرض؟ (8)
  • تجري بنا وتدور ونراها في سكون
  • مفاتح التأريخ الكوني في القرآن

مختارات من الشبكة

  • لماذا لا أدري لكن لماذا؟(استشارة - الاستشارات)
  • لمـاذا؟!(مقالة - موقع الدكتور وليد قصاب)
  • وقفة بين جيلين: سابق بالخيرات وظالم لنفسه (1)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لماذا حركوا الأرض؟ (WORD)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • لماذا أنا دون غيري؟!(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لماذا أغني (قصيدة تفعيلة)(مقالة - موقع أ. محمود مفلح)
  • فاقدو الطفولة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • همم وقمم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفة بين جيلين: سابق بالخيرات وظالم لنفسه (2)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لماذا نحج؟(مقالة - ملفات خاصة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 15/11/1446هـ - الساعة: 15:5
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب