• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    علامات الساعة (1)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    تفسير: (يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تحية الإسلام الخالدة
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    الشباب والإصابات الروحية
    د. عبدالله بن يوسف الأحمد
  •  
    من فضائل الصدقة (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / علوم قرآن
علامة باركود

آلاء الله تعالى في تسخير النحل والاستشفاء بالعسل

د. عبدالرزاق مرزوكَ

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 30/8/2008 ميلادي - 27/8/1429 هجري

الزيارات: 26352

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

آلاء الله تعالى في تسخير النحل والاستشفاء بالعسل

 

الحمد لله ولي النعمة والإفضال، العزيز الجبار الكبير المتعال، والصلاة والسلام على من حاز خصال الشرف جميعًا على جهة الكمال، وعلى آله وصحبه إلى يوم المآل.

وبعد، فإن آلاء الله في خلقه الجليل والدقيق لا تحصى، ولا حصر لعجائبها الشاغلة لأولي الألباب المتفكرين الخاشعين المخبتين، البالغين بتدبرها مراتبَ القربى، المؤثرين نعمى المآب، ومنازل الزلفى؛ القائلين -كلما دلهم على ربهم من بديع تدبيره منار: ﴿ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ [1].

ومما يستحق رعاية اللبيب من دلائل هذا الشأن العجيب ما اشتمل عليه وحيُ الله تعالى إلى النحل من بدائع الأسرار، وما يخرج من بطونها عسلا صافيًا فائقَ اللذاذة والإبشار؛ ضمنت بعضه هذه المقالة؛ راجيًا بها عفو ربي ورفقه ونواله.

 

من أسرار وحي الله تعالى إلى النحل:

قال الله عز وجل في محكم كتابه: ﴿ وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ * ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلًا يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [2].

قال الحافظ ابن كثير[3]: "والمراد بالوحي هنا الإلهام والهداية والإرشاد إلى النحل أن تتخذ من الجبال بيوتًا تأوي إليها ومن الشجر ومما يعرشون، ثم هي محكمة في غاية الإتقان في تسديدها ورصها بحيث لا يكون بينها خلل.

 

ثم أذن لها تعالى إذنًا قدريًّا تسخيريًّا أن تأكل من كل الثمرات، وأن تسلك الطرق التي جعلها الله تعالى لها مذللة أي: سهلة عليها حيث شاءت في هذا الجو العظيم والبراري الشاسعة والأودية والجبال الشاهقة.

 

ثم تعود كل واحدة منها إلى موضعها وبيتها لا تحيد عنه يمنة ولا يسرة؛ بل إلى بيتها وما لها فيه من فراخ وعسل، فتبني الشمع من أجنحتها، وتقـيء العسل من فيها، وتبيض الفراخ من دبرها، ثم تصبح إلى مراعيها".

وهذا الذي كشف به الحافظ ابن كثير معانيَ هذه الآية الكريمة الحقيقة بالتفكر في أحوال النحل؛ قد فصله الإمامُ ابن القيم تفصيلاً بديعًا في كتابه النفيس الماتع "مفتاح دار السعادة"، وأورده إيراد الفقيه الخبير مشتملاً على عجائب تسع:

الأولى: كمال طاعتها وحسن ائتمارها لأمر ربها؛ إذ اتخذت بيوتها في هذه الأمكنة الثلاثة؛ في الجبال وفي الشجر وفي بيوت الناس حيث يعرشون؛ أي يبنون العروش وهي البيوت، فلا يرى للنحل بيتٌ غير هذه الثلاثة البتة.

الثانية: اجتهادها في صنعة العسل، وبناؤها البيوت المسدسة التي هي من أتم الأشكال وأحسنها استدارة وأحكمها صنعة، فإذا انضم بعضُها إلى بعض لم يكن بينها فرجة ولا خلل؛ كل هذا بغير مقياس ولا آلة ولا بيكار، وتلك من أثر صنع الله وإلهامه إياها وإيحائه إليها.


الثالثة: أكثر بيوتها في الجبال وهو البيت المقدم في الآية، ثم في الأشجار وهي من أكثر بيوتها، ومما يعرش الناس، وأقل بيوتها بينهم حيث يعرشون، وأمـا في الجبال والشجر فبيوت عظيمة يؤخذ منها من العسل الكثير جدًّا.

 

الرابعة: ما أداها إليه حسنُ الامتثال من اتخاذ البيوت أولا، فإذا استقر لها بيت خرجت منه فرعت وأكلت من الثمار ثم أوت إلى بيوتها؛ لأن ربها سبحانه أمرها باتخاذ البيوت أولا، ثم بالأكل بعد ذلك، ثم إذا أكلت سلكت سبل ربها مذللة لا يستوعر عليها شيء؛ ترعى ثم تعود.

 

الخامسة: ومن عجيب شأنها أن لها أميرًا يسمى اليعسوب؛ لا يتم لها رواح ولا إياب ولا عمل ولا مرعى إلا به، فهي مؤتمرة لأمره سامعة له مطيعة، وله عليها تكليف وأمر ونهى، وهي رعية له منقادة لأمره متبعة لرأيه؛ يدبرها كما يدبر الملك أمر رعيته؛ حتى أنها إذا أوت إلى بيوتها وقف على باب البيت؛ فلا يدع واحدة تزاحم الأخرى، ولا تتقدم عليها في العبور؛ بل تعبر بيوتها واحدةً بعد واحدة بغير تزاحم ولا تصادم ولا تراكم؛ كما يفعل الأميرُ إذا انتهى بعسكره إلى معبر ضيق؛ لا يجوزه إلا واحد واحد.

 

السادسة: ومن تدبر أحوالها وسياستها وهدايتها، واجتماع شملها، وانتظام أمرها، وتدبير ملكها، وتفويض كل عمل إلى واحد منها يتعجب منها كل العجب، ويعلم أن هذا ليس في مقدورها ولا هو من ذاتها؛ فإن هذه أعمال محكمة متقنة في غاية الإحكام والإتقان.

 

فإذا نظرت إلى العامل رأيته من أضعف خلق الله، وأجهله بنفسه وبحاله، وأعجزه عن القيام بمصلحته؛ فضلا عما يصدر عنه من الأمور العجيبة.

 

السابعة: ومن عجيب أمرها أن فيها أميرين لا يجتمعان في بيت واحد، ولا يتأمران على جمع واحد، بل إذا اجتمع منها جندان وأميران قتلوا أحد الأميرين وقطعوه، واتفقوا على الأمير الواحد من غير معاداة بينهم ولا أذى مـن بعضهم لبعض؛ بل يصيرون يدًا واحدة وجندًا واحدًا.

 

الثامنة: ومن أعجب أمرها ما لا يهتدي إليه الناس ولا يعرفونه، وهو النتاج الذي يكون لها؛ هل هو على وجه الولادة والتوالد أو الاستحالة؟ فقل من يعرف ذلك أو يفطن له.

 

وليس نتاجها على واحد من هذين الوجهين، وإنما نتاجها بأمر من أعجب العجيب؛ فإنها إذا ذهبت إلى المرعى أخذت تلك الأجزاء الصافية التي على الورق من الورد والزهر والحشيش وغيره؛ وهي الطل؛ فتمصها، وذلك مادة العسل، ثم إنها تكبس الأجزاء المنعقدة على وجه الورقة وتعقدها على رجلها كالعدسة، فتملأ بها المسدسات الفارغة من العسل، ثم يقوم يعسوبها على بيته مبتدئًا منه فينفخ فيه، ثم يطوف على تلك البيوت بيتًا بيتًا؛ وينفخ فيها كلها فتدب فيها الحياة بإذن الله عز وجل، فتتحرك وتخرج طيورًا بإذن الله، وتلك إحدى الآيات والعجائب التي قل من يتفطن لها، وهذا كله من ثمرة ذلك الوحي الإلهي؛ أفادها وأكسبها هذا التدبيـر، والسفر، والمعاش، والبناء، والنتاج.

 

فََسَل المعطِّل:

من الذي أوحى إليها أمرها وجعل ما جعل في طباعها، ومن الذي سهل لها سبله ذللا منقادة؛ لا تستعصي عليها ولا تستـوعرها، ولا تضل عنها على بعدها، ومن الذي هداها لشأنها.

 

ومن الذي أنزل لها من الطل ما إذا جنته ردته عسلا صافيًا مختلفًا ألوانه في غاية الحلاوة، واللذاذة، والمنفعة؛ من بين أبيض يرى فيه الوجه أعظم من رؤيته في المرآة؛ وَسَمَه من جاء به وقال: هذا أفخر ما يعرف الناس من العسل وأصفاه وأطيبه، فإذا طعمه ألذ شيء يكون من الحلوى، ومـن بين أحمر، وأخضر، ومورد، وأسود، وأشقر، وغير ذلك من الألوان والطعوم المختلفة فيه؛ بحسب مراعيه ومادتها.

 

التاسعة: وإذا تأملت ما فيه من المنافع والشفاء، ودخوله في غالب الأدوية حتى كان المتقدمون لا يعرفون السكر، ولا هو مذكور في كتبهم أصلا، وإنما كان الذي يستعملونه في الأدوية هو العسل وهو المذكور في كتب القوم.

 

ولعمر الله لهو أنفع من السكر وأجدى وأجلى للأخلاط وأقمع لها وأذهب لضـررها، وأقوى للمعدة، وأشد تفريحًا للنفس وتقوية للأرواح وتنفيذًا للدواء، وإعانة له على استخراج الداء من أعماق البدن.

 

ولهذا لم يجئ في شيء من الحديث قط ذكر السكر، ولا كانوا يعرفونه أصلا، ولو عدم من العالم لما احتاج إليه، ولو عدم العسل لاشتدت الحاجة إليه، وإنما غلب على بعض المدن استعمال السكر حتى هجروا العسل، واستطابوه عليه، ورأوه أقل حدة وحرارة منه، ولم يعلموا أن من منافع العسل ما فيه من الحدة والحرارة، فإذا لم يوافق من يستعمله كسرها بمقابلها فيصير أنفع له من السكر.

 

ومتى رأيت السكر يجلو بلغمًا ويذيب خلطًا أو يشفي من داء؟.، وإنما غايته بعض التنفيذ للدواء إلى العروق للطافته وحلاوته.

 

وأما الشفاء الحاصل من العسل فقد حرمه الله كثيرًا من الناس حتى صـاروا يذمونه، ويخشون غائلته من حرارته وحدته، ولا ريب أن كونه شفاء، وكون القرآن شفاء، والصلاة شفاء، وذكر الله، والإقبال عليه شفاء أمر لا يعم الطبائع والأنفس، فهذا كتاب الله؛ هو الشفاء النافع، وهو أعظم الشفاء، وما أقل المستشفين به، بل لا يزيد الطبائع الرديئة إلا رداءة، ولا يزيد الظالمين إلا خسارًا.

 

وكذلك ذكر الله والإقبال عليه والإنابة إليه والفزع إلى الصلاة؛ كم قد شفي به من عليل، وكم قد عوفي به من مريض، وكم قام مقام كثير من الأدوية التي لا تبلغ قريبًا من مبلغه في الشفاء" [4].

 

ولا يخفى رجوع الضمير في (فيه) من قوله تعالى: ﴿ يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ ﴾ [النحل: 69] على الأصح إلى الشراب؛ لأن الكلام إنما سيق لأجله؛ وقد وجه ذلك الإمام ابن القيم رحمه الله توجيها بديعًا بقوله: (الصحيح رجوعه إلى الشراب، وهو قول ابن مسعود، وابن عباس، والحسن، وقتادة، والأكثرين؛ فإنه هو المذكور، والكلام سيق لأجله، ولا ذكر للقرآن في الآية، وهذا الحديث الصحيح؛ وهو قوله: (صدق الله)؛ كالصريح فيه، والله أعلم)[5].

 

قال الحافظ ابن كثير: "وقوله: ﴿ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ﴾ [النحل: 69] أي: إن في إلهام الله لهذه الدواب الضعيفة الخلقة إلى السلوك في هذه المهامِهِ، والاجتناء من سائر الثمار، ثم جمعها للشمع وهو العسل؛ وهو من أطيب الأشياء- لآيةً لقوم يتفكرون في عظمة خالقها ومقدرها، ومسخرها وميسرها، فيستدلون بذلك على أنه الفاعل القادر الحكيم العليم الكريم الرحيم"[6].

 

من أسرار الاستشفاء بالعسل:

وفي تفسير الحافظ ابن كثير: ﴿ يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ ﴾ [النحل: 69] أي: ما بين أبيض وأصفر وأحمر وغير ذلك من الألوان الحسنة على اختلاف مراعيها ومأكلها منها.


وقوله: ﴿ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ ﴾ [النحل: 69] أي: في العسل شفاء للناس من أدواء تعرض لهم، والدليل على أنه المراد الحديث الذي رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه[7] قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن أخي استطلق بطنه، فقال: (اسقه عسلا) فسقاه عسلا، ثم جاء فقال: يا رسول الله سقيته عسلا فما زاده إلا استطلاقًا!، قال: (اذهب فاسقه عسلا)، فذهب فسقاه ثم جاء فقال: يا رسـول الله ما زاده إلا استطلاقًا!، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صدق الله وكذب بطن أخيك؛ اذهب فاسقه عسلا)، فذهب فسقاه فبرئ.

وفي هذا من الحكمة البالغة ما فصله الحافظ ابن كثير بقوله: (قال بعض العلماء بالطب: كان هذا الرجل عنده فضلات فلما سقاه عسلا؛ وهو حار؛ تحللت فأسرعت في الاندفاع فزاد إسهاله، فاعتقد الأعرابي أن هذا يضره؛ وهو مصلحة لأخيه؛ ثم سقاه فازداد التحليل والدفع، ثم سقاه فكذلك، فلما اندفعت الفضلات الفاسدة المضرة بالبدن استمسك بطنُه وصلَح مزاجُه واندفعت الأسقام والآلام ببركة إشارته عليه من ربه أفضل الصلاة والسلام)[8].

 

تفصيل طبي أدق:

وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: "فهذا الذي وصف له النبي صلى الله عليه وسلم العسل كان استطلاقُ بطنه عن تُخَمة أصابته عن امتلاء، فأمره بشرب العسل لدفع الفضول المجتمعة في نواحي المعدة والأمعاء، فإن العسل فيه جلاء ودفع للفضول، وكان قد أصاب المعدة أخلاط لزجة تمنع استقرار الغذاء فيها للزوجتها، فإن المعدة لها خمل كخمل القطيفة، فإذا علقت بها الأخلاط اللزجة أفسدتها وأفسدت الغذاء، فدواؤها بما يجلوها من تلك الأخلاط، والعسل جلاء، والعسل من أحسن ما عولج به هذا الداء لا سيما إن مزج بالماء بالحار.

 

سر طبي بديع:

وفي تكرار سقيه العسل معنى طبي بديع، وهو أن الدواء يجب أن يكون له مقدار وكمية بحسب حال الداء؛ إن قصر عنه لم يزله بالكلية، وإن جاوزه أوهى القوى فأحدث ضررًا آخر، فلما أمره أن يسقيه العسل سقاه مقدارًا لا يفي بمقاومة الداء، ولا يبلغ الغرض، فلما أخبره علم أن الذي سقاه لا يبلغ مقدار الحاجة.

فلما تكرر ترداده إلى النبي صلى الله عليه وسلم أكد عليه المعاودة ليصل إلى المقدار المقاوم للداء، فلما تكررت الشربات بحسب مادة الداء برأ بإذن الله، واعتبار مقادير الأدوية وكيفياتها، ومقدار قوة المرض والمريض من أكبر قواعد الطب.

وفي قوله صلى الله عليه وسلم: (صدق الله، وكذب بطن أخيك) إشارة إلى تحقيق نفع هذا الدواء، وأن بقاء الداء ليس لقصور الدواء في نفسه، ولكن لكذب البطن وكثرة المادة الفاسدة فيه، فأمره بتكرار الدواء لكثرة المادة"[9].

دفع شبهة:

ودفع الحافظ ابن حجر رحمه الله اعتراض الجاهلين على الحكمة البالغة في هذا الطب النبوي العظيم بقوله: (وقد اعترض بعض الملاحدة فقال: العسل مسهل فكيف يوصف لمن وقع به الإسهال؟.

والجواب: أن ذلك جهل من قائله، بل هو كقوله تعالى: ﴿ بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ ﴾ [10]؛ فقد اتفق الأطباء على أن المريض الواحد يختلف علاجه باختلاف السن والعادة، والزمان، والغذاء المألوف، والتدبير، وقوة الطبيعة، وعلى أن الإسهال يحدث من أنواع؛ منها الْهَيضة[11] التي تنشأ عن تخمة، واتفقوا على أن علاجها بترك الطبيعة وفعلها، فإن احتاجت إلى مسهل معين أعينت ما دام بالعليل قوة، فكأن هذا الرجل كان استطلاق بطنه عن تخمة.)[12].
ثم ساق نفس كلام الإمام ابن القيم الآنف مختصرًا، فكأنه بناه عليه.

فائدة عظيمة في شرط الانتفاع بالطب النبوي:

قال الإمام ابن القيم رحمه الله: (وليس طبه صلى الله عليه وسلم كطب الأطباء، فإن طب النبي صلى الله عليه وسلم متيقن قطعي إلهي صادر عن الوحي ومشكاة النبوة وكمال العقل، وطب غيره أكثره حدس وظنون وتجارب، ولا ينكر عدم انتفاع كثير من المرضى بطب النبوة؛ فإنما ينتفع به من تلقاه بالقبول واعتقاد الشفاء به، وكمال التلقي له بالإيمان والإذعان.

فهذا القرآن الذي هو شفاء لما في الصدور إن لم يتلق هذا التلقي لم يحصل به شفاء الصدور من أدوائها؛ بل لا يزيد المنافقين إلا رجسًا إلى رجسهم ومرضًا إلى مرضهم، وأين يقع طب الأبدان منه؟ فطب النبوة لا يناسب إلا الأبدان الطيبة، كما أن شفاء القرآن لا يناسب إلا الأرواح الطيبة والقلوب الحية. فإعراض الناس عن طب النبوة كإعراضهم عن الاستشفاء بالقرآن الذي هو الشفاء النافع، وليس ذلك لقصور في الدواء، ولكن لخبث الطبيعة وفساد المحل وعدم قبوله، والله الموفق)[13].

وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا.

 


[1] آل عمران: 191.

[2] النحل: 68 - 69.

[3] تفسير القرآن العظيم 4/ 581 - 585.

[4] مفتاح دار السعادة 1 / 248 - 250.

[5] زاد المعاد 4 / 35 - 36.

[6] تفسير القرآن العظيم 4/ 585.

[7] أخرجه البخاري في كتاب الطب من صحيحه، باب الـدواء بالعسل، وقول الله تعالى: (فيـه شفـاء للناس) (10 / 139 فتـح)، ومسلـم في كتاب السلام من صحيحه، باب لكل داء دواء واستحبـاب التداوي (14 / 202 - 203 نـووي).

[8] تفسير القرآن العظيم 4 / 583.

[9] زاد المعاد في هدي خير العباد 4 / 35.

[10] يونس: 39.

[11] الْهَيْضَةُ - بفتح الهاء -: انطلاق البطن، يقال: بالرجل هيْضة أَي: به قُياء وقيام جميعًا. وأَصابت فلانًا هَيْضةٌ إِذا لم يوافقْه شيء يأْكله وتغيَّرَ طبعه عليه، وربما لانَ من ذلك بطنُه فكثر اختلافه. (لسان العرب: هيض).

[12] فتح الباري 10 / 169 - 170.

[13] زاد المعاد في هدي خير العباد 35 - 36.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تنمية الإيمان بالنظر في آيات الله تعالى
  • الاستخدامات الطبية لمنتجات النحل: الدلائل العلمية
  • مرض السكري والعلاج بمنتجات النحل
  • النحل والعسل.. عظات وعبر
  • فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون
  • من فوائد سائل العسل
  • النحل البوليسي وجه آخر من الإعجاز العلمي
  • تفسير آي الذكر الحكيم (1)
  • تسخير ما في الكون للإنسان
  • فيه شفاء للمؤمنين
  • فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون (خطبة)
  • توحيد الله تعالى
  • الاستشفاء بالعسل في السنة النبوية

مختارات من الشبكة

  • فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون (خطبة) - باللغة النيبالية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون (خطبة) - باللغة الإندونيسية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون (خطبة) (باللغة الهندية)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • {فاذكروا آلاء الله لعلكم تفلحون} (باللغة الأردية)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التعليم في العصر العباسي الأول لآلاء خالد العزاوي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • آلاء (قصيدة)(مقالة - موقع أ. محمود مفلح)
  • أصبرا على الآلاء؟ (قصيدة)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • الآلاء في تفسير بعض آي سورة الإسراء(مقالة - ملفات خاصة)
  • خطبة خلق الصدق(مقالة - آفاق الشريعة)
  • دلائل النبوة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 


تعليقات الزوار
7- شكر
أبوعبدالرحمن الأنصاري - مكة المكرمة السعودية 18-05-2012 06:15 PM

أشكر الكاتب على البحث القيم كتب الله أجره

6- جزاكم الله خيرا
الثائر الحق - مصر 24-01-2012 09:03 PM

جزاكم الله خيرا

5- لا يوجد حل
mageda - uae 10-07-2009 01:13 PM

ألا يوجد كمية مقدار العسل المفيدة لعلاج التهاب الكبد

4- فائدة العسل
سامية جمال الدين - مصر 22-05-2009 03:27 PM

سبحان الله الشافي العافي
فخلق كل شىء بمقدار

بارك الله فيك
مقالة مفيدة

3- thank you
f - saudi 02-11-2008 05:28 PM
thank you for this article
2- الباويطى الواحات البحريه
محمود محمد عمار - مصر 20-10-2008 05:04 AM
كنت أبحث عن حياة النمل وحياة النحل وقرأت المقالة
1- سبحان ربي
ابوعبدالعزيز 04-10-2008 12:59 AM
اشكر الكاتب الكريم على هذا الجمع المبارك والتنسيق الجميل والى الامام
1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب