• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / الآداب والأخلاق
علامة باركود

حصنوها بالعدل

عبده قايد الذريبي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 23/3/2011 ميلادي - 17/4/1432 هجري

الزيارات: 33096

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

حصنوها بالعدل

 

تَروي لنا كُتُب التَّراجم والتاريخ والسِّيَر أنَّ بعض وُلاة الخليفة العادل عمر بن عبدالعزيز - رحمه الله - كتب إليه كتابًا جاء فيه: "أمَّا بعد، فإنَّ مدينتنا قد خربت، فإنْ رأى أميرُ المؤمنين أن يقطع لها مالاً يَرمُّها به، فعل، فكتب إليه عُمر: "أمَّا بعد: فقد فهمتُ كتابك، وما ذكرت أنَّ مدينتكم قد خربت، فإذا قرأتَ كتابي هذا؛ فحَصِّنْها بالعدل، ونَقِّ طرُقَها من الظُّلم؛ فإنَّه مَرمَّتُها، والسَّلام"[1].

وصدق واللهِ عمرُ، فلكم شاهَدْنا مدُنًا أحيطت بِها الأسوار كإحاطة السِّوار بالمعصم، ولكنَّها مع هذا كلِّه لَم تُغْنِ عنها تلك الأسوار شيئًا؛ لأنَّ تلك المدن لم تُحصَّن من داخلها بالعدل والقسط، ولم تُنَقَّ طرقها من شوائب الجَوْر والظُّلم.

 

فالجور والظلم يقوِّض أساسها، وينخرها من داخلها، فأنَّى لتلك الأسوار أن تفيدها شيئًا؟! لأنَّها لم تؤسَّس على التقوى، وإقامة العدل والقسط؛ قال تعالى: ﴿ أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [التوبة: 109]، فالمدن إن لَم تُؤسَّس على التَّقوى وإقامةِ العدل والقسط، فإنَّها ستنهار على ساكنيها.

 

وقد حثَّ الله عبادَه المؤمنين على الاتِّعاظ والاعتبار بِما يَجري حولهم من أحداث وفجائع ومصائب؛ فقال تعالى: ﴿ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ﴾ [الحشر: 2] بعد قوله: ﴿ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [الحشر: 2].

 

وبِهذه المقدمة ندرك أهَمِّية العدل والقسط في الحفاظ على حياة الفرد، وصيانة المُجتمعات، وبقاء الشُّعوب، واستمراريَّة الدُّول، قال شيخ الإسلام ابن تيميَّة - رحمه الله -: "عاقبة الظُّلم وخيمة، وعاقبة العدل كريمة؛ ولِهذا يُروى: إنَّ الله يَنصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ولا يَنصر الدولة الظالمةَ وإن كانت مؤمنة"[2].

 

وقال أيضًا: "وأمور الناس تستقيم في الدنيا مع العدل الذي فيه الاشتراك في أنواع الإثم؛ أكثر مما تستقيم مع الظلم في الحقوق وإن لم تشترك في إثم؛ ولهذا قيل: "إن الله يُقيم الدَّولة العادلةَ وإن كانت كافرةً؛ ولا يقيم الظَّالمة وإن كانت مسلمة"، ويُقال: "الدُّنيا تدوم مع العدل والكفر، ولا تدوم مع الظُّلم والإسلام"[3].

 

فبالعدل والقسط تدوم الحياة وتستمِرُّ، وبالجَوْر والظُّلم تزول وتذهب، وكما قيل: "العدل إذا دام عمَّر، والظلم إذا دام دمَّر".

وهكذا هي سنَّة الله: أنَّ بالعدل تدوم الدُّول وتبقى، وبالظُّلم والجَوْر تزول وتُمْحى، وما أحداث تونس ومصر عنَّا ببعيد! وها هي أحداث "ليبيا" أيضًا خير شاهدٍ على ما نقول!

ومما لا شكَّ فيه: أنَّ الظَّلَمة سيَزولون، أو يزول عنهم مُلْكُهم، والمظلومين سينتصرون بإذن الله عاجلاً أو آجِلاً، في الدُّنيا أو في الآخرة؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ ﴾ [غافر: 51]، وقال: ﴿ إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [الأعراف: 128]، وقال: ﴿ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [القصص: 83].

سيُنصر المظلوم ولو كان يعيش في بيتٍ من مدر، لا يُؤْبَه له، وحتَّى لو كان المظلوم امرأةً مسنَّة في كوخ صغير، لا حول لها ولا قوَّة؛ وسيُدمَّر الظَّالِم ويهلك، ولو كان في عِزَّة ومنعة، وصولةٍ وجولة، ولو كان يعيش في قصر مشيد!

 

يذكر الإمام الذهبِيُّ عن وهب بن منبِّه أنه قال: "بنَى جبَّارٌ من الجبابرة قصرًا، وشيَّدَه، فجاءت عجوز فقيرة، فبنت إلى جانبه كوخًا تأوي إليه، فركب الجبَّارُ يومًا وطاف حول القصر، فرأى الكوخ، فقال: لِمَن هذا؟ فقيل: لامرأةٍ فقيرة، تأوي إليه، فأمر به، فهُدِم، فجاءت العجوز، فرأَتْه مهدومًا، فقالت: من هدمَه؟ فقيل: الملك رآه، فهدمه، فرفعت العجوزُ رأسها إلى السماء، وقالت: يا ربِّ، إذا لم أكن أنا حاضرة، فأين كنتَ أنت؟! قال: فأمر الله جبريل أن يقلب القصر على مَن فيه، فقلبه"[4].

فما أضعف الظُّلمَ وأهلَه! وما أقوى العدل وأهله! إنَّها امرأة مُسِنَّة، دعت الله بقلبٍ مضطرٍّ مُخلص، فلبَّى ربُّ العزة النداء، وأجاب الدُّعاء.

 

وقد يكون المظلوم مغمورًا بين الملأ؛ غيرَ معروف، ولكن الله سبحانه ينصفه مِمَّن ظلمه؛ يَذكر المؤرِّخُ الكبير الحافظ ابن كثير أنَّ يحيى بن خالد البرمكيَّ قال له بعضُ بنيه وهم في السجن والقيود بعد أن كان في عزَّة ومنَعة: "يا أبَت، بعد الأمر والنَّهي والنِّعمة؛ صِرنا إلى هذا الحال؟!"، فقال: "يا بُنَيَّ، دعوةُ مظلومٍ سرَتْ بليل، ونحن عنها غافلون، ولم يَغفل الله عنها، ثم أنشأ يقول:

رُبَّ قَوْمٍ قَدْ غَدَوْا فِي نِعْمَةٍ
زَمَنًا وَالدَّهْرُ رَيَّانُ غَدَقْ
سَكَتَ الدَّهْرُ زَمَانًا عَنْهُمُ
ثُمَّ أَبْكَاهُمْ دَمًا حِينَ نَطَقْ[5]

أَمَا وَاللَّهِ إِنَّ الظُّلْمَ شُومُ
وَمَا زَالَ الْمُسِيءُ هُوَ الظَّلُومُ
سَتَعْلَمُ يَا ظَلُومُ إِذَا الْتَقَيْنَا
غَدًا عِنْدَ الْمَلِيكِ مَنِ الْمَلُومُ

 

والظُّلم يتَفاوَت، وبعضه أشَدُّ ضررًا من بعض، وحُكِي: أنَّ الأمير نوحًا لما وضع الخَراج على أهل سمرقند، بعث بريدًا إلى أميرها، فأحضر الأئمَّةَ، والمشايخ، وأعيانَ البلد، وقرأ عليهم الكتاب، فقال الفقيهُ أبو منصور الماتريديُّ للبريد: قد أدَّيت رسالة الأمير، فاردُد إليه الجواب، وقل له: زِدْنا ظلمًا حتَّى نزيد في دعاء اللَّيل، ثم تفرَّقوا، فلم تذهب إلاَّ أيامٌ حتَّى وجَدوه قتيلاً، وفي بطنه زجُّ رمحٍ مكتوب:

بَغَى وَالبَغْيُ سِهَامٌ تُنْتَظَرْ
أَتَتْهُ مِنْ أَيْدِي الْمَنَايَا وَالقَدَرْ
سِهَامُ أَيْدِي القَانِتَاتِ فِي السَّحَرْ
يَرْمِينَ عَنْ قَوْسٍ لَهَا اللَّيْلُ وَتَرْ[6]

 

وأصدَقُ من هذا كلِّه ما جاءت به أحاديثُ سيِّد البشر - عليه الصَّلاة والسَّلام - فعن ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - أن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - بعث معاذًا إلى اليمن، فقال: ((اتَّقِ دعوةَ المظلوم؛ فإنَّها ليس بينها وبين الله حجاب))[7].

وفي حديث خُزَيمة بن ثابتٍ - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((اتَّقوا دعوة المظلوم؛ فإنَّها تُحْمَل على الغمام))؛ السَّحاب، ((يقول الله: وعِزَّتِي وجلالي، لأنصُرَنَّك ولو بعد حين))[8].

وفي حديث عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - أن النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((اتقوا دعوة المظلوم؛ فإنَّها تَصْعد إلى السماء؛ كأنَّها شرارة))[9]؛ أيْ: في سرعتها وقوَّة تأثيرها.

 

وحتَّى ولو كان المظلوم فاجِرًا أو كافرًا؛ فإنَّ الله يستجيب دُعاءَه؛ فعن أبي هريرة أن النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((دعوة المظلوم مُستجابة، وإن كان فاجرًا ففُجوره على نفسه))[10].

وفي حديث أنَسِ بن مالك - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((اتَّقوا دعوة المظلوم، وإن كان كافرا؛ فإنَّه ليس دُونَها حجاب))[11].

فلا صلاح لِهذا الكون، ولا بقاء له إلاَّ بإقامة العدل والقسط؛ لأنَّ بالعدل والقسط قامت السَّماوات والأرض، وصلح أمرُ الدُّنيا والآخرة، وعُبِدَ الله وحده لا شريك له، وما عُصِي اللهُ وعُبِد غيرُه إلاَّ بالظُّلم والجَوْر، يقول ربُّ العزة والجلال: ﴿ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ﴾ [لقمان: 13].

وتحقيق العدل مطلبٌ إِلَهي، وأمرٌ ربَّاني، قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ ﴾ [النحل: 90].

 

ولأجل إقامة العدل بين العباد؛ أرسل الله رسُلَه، وأنزل كتبه؛ قال تعالى: ﴿ لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ﴾ [الحديد: 25]، قال ابن القيِّم - رحمه الله -: "إنَّ الله أرسل رسلَه، وأنزل كتبه؛ ليقوم الناس بالقسط"[12]، وقال أيضًا: "به قامت السَّماوات والأرض، وسائر المَخلوقات، إنَّما قوامها بالعدل"[13].

وأمر سبحانه رسولَه - صلَّى الله عليه وسلَّم - بالقسط والعدل بين النَّاس على مُختلف عقائدهم، وألوانِهم وأجناسهم، ونهاه عن التقصير في ذلك، وأرشده إلى أن يُعلن ذلك ولا يُخْفِيَه، قال تعالى: ﴿ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ ﴾ [الشورى: 15].

ذلك أنَّ العدل في الإسلام يقف حاجِزًا قوِيًّا، وسدًّا منيعًا، ودِرعًا واقيًا دون المُجاملة، أو المُداهنة، أو التَّحامُل؛ فلا مُجاملة في الإسلام لحبيبٍ أو قريب، ولا مُداهنة فيه لِصَديق أو حميم، ولا تَحامُلَ فيه على عدوٍّ أو غريب؛ قال تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلَا تَتَّبِعُوا الْهَوَى أَنْ تَعْدِلُوا ﴾ [النساء: 135].

 

وفي سُنَّة رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - شواهِدُ كثيرة على ذلك؛ منها: حديث عائشة - رضي الله عنها - أنَّ قريشًا أهَمَّهم شأن المرأة المخزوميَّة التي سَرقت، فقالوا: ومن يُكَلِّم فيها رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم؟ فقالوا: ومَن يجترئ عليه إلاَّ أسامة بن زيد حِبّ رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فكلَّمَه أسامة، فقال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أتشفع في حَدٍّ مِن حدود الله؟!))، ثم قام فاختطب، ثم قال: ((إنَّما أهلك الذين قبلكم أنَّهم كانوا إذا سرق فيهم الشريفُ تَركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحدَّ، وايم الله، لو أنَّ فاطمة بنت محمَّد سرقَتْ لقطعتُ يدَها))[14].

 

وفي عهد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أسلم رجلٌ من سادة العرب، وذهب للحجِّ، وبينما كان يطوف حول الكعبة، داس رجلٌ على طرَفِ ردائه، فضربه على وجهه ضربةً شديدة، فذهب الرجل إلى عمر بن الخطاب، واشتكى له، فطلب عمر إحضارَ الضَّارب، فلمَّا حضر أمر عمر الرَّجلَ أن يَقتصَّ منه بأن يضربه على وجهه مثلما فعل معه، فقال متعجِّبًا: "أتقتَصُّ له منِّي سواء، وأنا ملِكٌ وهذا سوقيٌّ؟!" فقال عمر: "نعَم، الإسلام سوَّى بينكما، ولا فضل لك عليه إلاَّ بالتَّقْوَى"[15].

 

وتَروي لنا كُتُب التراجم أن عليَّ بن أبي طالب - رضي الله عنه - وجد درعًا له عند يهودي، التقطها فعرفها، فقال: "درعي، سقطت عن جملٍ لي أورق"، فقال اليهوديُّ: "درعي، وفي يدي"، ثم قال له اليهوديُّ: "بيني وبينك قاضي المسلمين"، فأتَوْا شُرَيْحًا... قال شريح: "ما تشاء يا أميرَ المؤمنين؟" قال: "درعي، سقطت عن جملٍ لي أورقَ، والتقطَها هذا اليهوديُّ"، فقال شُريح: "ما تقول يا يهودي؟" قال: "درعي، وفي يدي"، فقال شريح: "صدَقْتَ واللهِ يا أمير المؤمنين، إنَّها لَدِرعك، ولكن لا بُدَّ من شاهدين"، فدعا قُنبُرًا مولاه، والحسنَ بن علي، وشهدا أنَّها لَدِرعه، فقال شريحٌ: "أمَّا شهادة مولاك فقد أجَزْناها، وأما شهادة ابنِك لك فلا نُجِيزها"... ثم قال لليهوديِّ: "خذ الدِّرع"، فقال اليهوديُّ: "أميرُ المؤمنين جاء معي إلى قاضي المسلمين، فقضى عليه ورضي، صدقت والله يا أمير المؤمنين، إنَّها لَدِرعك، سقطت عن جملٍ لك، التقطتُها، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأنَّ محمدًا رسولُ الله"[16]!

 

وإذا عُدْنا إلى سُنَّة رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - العمليَّة؛ فسنرى العجب العُجاب؛ سنرى أنَّ القائد - عليه والصلاة والسلام - يستجيب لطلب أحد رعيَّتِه طلب منه القصاص؛ فقد رُوي عن عروة بن الزبير - رضي الله عنه - قال: عدَّل رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - الصُّفوف يومئذٍ؛ يوم بدر، فتقدَّم سواد بن غزية أمام الصَّف، فدفع النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بقدح في بطن سواد بن غزية، فقال له رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((استَوِ يا سواد!)) فقال له سواد: "أوجعتَنِي، والذي بعثك بالحقِّ نبيًّا، أَقِدْني؟!"؛ أيْ: أمكنِّي من القصاص، فكشف رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن بطنه، ثم قال: ((استَقد!))؛ أيْ: خُذِ القصاص، فاعتَنقه وقبَّلَه، وقال له: ((ما حَملَك على ما صنعت؟)) فقال: حضَر مِن أمر الله ما قد ترى، وخشيتُ القتل، فأردتُ أن يكون آخِرَ عهدي بك، أن أعتَنِقَك"[17].

 

والعدل له مجالات عديدة، ومن أهم مجالاته ما يلي:

أوَّلاً: عدل الإمام بين رعيته، وتحكيم شرع الله فيهم: فإنَّ ذلك من أجَلِّ الطاعات، وأفضل القربات؛ فقد جاء في حديث السَّبعة الذين يظلُّهم الله في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه: ((إمامٌ عادل...))[18].

وجاء في حديث عبدالله بن عمرو - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ المقسطين عند الله على منابِرَ من نور، عن يمين الرَّحمن - عزَّ وجلَّ - وكِلْتا يديه يَمين، الذين يعدلون في حُكمهم وأهليهم، وما ولوا))[19].

وقال عليُّ بن أبي طالب - رضي الله عنه -: "حقٌّ على الإمام أن يَحكم بما أنزل الله، ويؤدِّي الأمانة، فإذا فعل ذلك فحقٌّ على الرعيَّة أن يَسمعوا ويُطيعوا"[20].

 

وقال ابنُ عثيمين - رحمه الله - عند شرحه لحديث السَّبعة: "وأهَمُّ عدلٍ في الإمام أن يَحكم بين النَّاس بشريعة الله؛ لأنَّ شريعة الله هي العدل، وأمَّا مَن حكم بالقوانين الوضعيَّة المُخالِفة للشريعة؛ فهو من أشدِّ الولاة جَورًا، والعياذ بالله، وأبعَدِ الناس من أن يُظِلَّه الله في ظلِّه يوم لا ظلَّ إلا ظلُّه؛ لأنَّه ليس من العدل أن تَحكم بين عباد الله بشريعةٍ غير شريعة الله...

ومِن ذلك: أن يقتصَّ الإمامُ الحقّ حتَّى مِن نفسه، ومن أقرب الناس إليه؛ لقول الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ ﴾ [النساء: 135].

ومن ذلك أيضًا: ألاَّ يفرِّق بين قريبه وغيره، فتجده إذا كان الحقُّ على القريب تَهاون في تنفيذه وجعل يسوِّف ويؤخِّر، وإذا كان لقريبه على غيره بادر فاقتصَّ منه؛ فإنَّ هذا ليس مِن العدل"[21].

 

ثانيًا: العدل بين المتخاصِمين: قال تعالى: ﴿ وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ﴾ [النساء: 58]، وقال:﴿ يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ ﴾ [ص: 26]، وقد كان النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أعدل الناس؛ فعن أمِّ سلمة - رضي الله عنها - قالت: كنتُ جالسةً عند النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذْ جاءه رجلان يَختصمان في مواريث في أشياء قد درَسَت - بَلِيَت - فقال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنِّي إنَّما أقضي بينكما برأيٍ فيما لَم ينزل عليَّ، فمَن قضيتُ له لقضية أراها، فقطع بها قطعة ظلمًا فإنَّما يقطع بها قطعة من نار أسطامًا، يأتي بها في عنقه يوم القيامة)) قال: فبكى الرجلان، وقال كلُّ واحدٍ منهما: حقِّي هذا الذي أطلب لصاحبي، قال: لا، ولكن اذهبا فتوخَّيا، ثم استَهِما، ثم ليحلل كلُّ واحد منكما صاحبه[22].

 

ثالثًا: العدل بين الزَّوجات: فمن تزوَّج بأكثرَ مِن واحدة وجب عليه أن يعدل بينهما أو بينهنَّ؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((مَن كانت له امرأتانِ، فمال إلى إحداهما، جاء يوم القيامة وشِقُّه مائل))[23].

والميل الذي حذَّر منه هذا الحديث هو الجور على حقوقِها؛ ولِهذا رُوِيَ عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: كان رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقسم فيعدل، ويقول: ((اللَّهم هذا قَسْمي فيما أملك، فلا تَلُمني فيما تَملِكُ ولا أملك))؛ قال أبو داود: "يعني القَلب"[24].

 

رابعًا: العدل بين الأولاد: فعن النُّعمان بن بشير - رضي الله عنه - قال: انطلق بي أبي يَحمِلُني إلى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: يا رسول الله، اشهد أنِّي قد نَحلتُ النُّعمان كذا وكذا من مالي، فقال: ((أَكُلَّ بنيك قد نحلتَ مثل ما نحلت النُّعمان؟!)) قال: لا، قال: ((فأَشْهِد على هذا غيري))، ثم قال: ((أيَسُرُّك أن يكونوا إليك في البِرِّ سواء؟)) قال: بلى، قال: ((فلا إذًا))[25].

بل العدل مطلوب في كلِّ شأن من شؤوننا، وفي كل أمر من أمورنا؛ دينيَّة، أو دُنيوية، العدل في الأقوال؛ لقوله تعالى: ﴿ وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا ﴾ [الأنعام: 152]، والعدل في الأفعال؛ لقوله: ﴿ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ﴾ [المائدة: 8]، والحمد لله الَّذي بنعمته تتمُّ الصالحات، وصلَّى الله وسلم على نبيِّنا محمَّد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 


[1] "حِلْية الأولياء" (5/ 305)، وانظر: "المُجالَسة وجواهر العلم" (5/ 411) لأبي بكر أحمد بن مروان الدِّينوَرِي المالكي، و"تاريخ دمشق" (45/ 202) لابن عساكر.

[2] "مجموع الفتاوى" (28/ 63).

[3] "مجموع الفتاوى" (28/ 146).

[4] "الكبائر"، ص (107).

[5] "البداية والنهاية" (10/ 205) ، وانظر: "سِيَر أعلام النُّبلاء" (9/ 60 61).

[6] "الإتحافات السَّنِية بالأحاديث القدسية"، ص (52) المناوي.

[7] رواه البخاري (2448) ومسلم (19).

[8] رواه الطبرانِيُّ في "الكبير" (3718 ) ، وقال: الألباني: "حسنٌ لغيره" كما في "صحيح الترغيب والترهيب" (2230).

[9] رواه الحاكم في "المستدرك" (7753) ، وقال: "هذا حديث صحيحٌ على شرط الشيخين، ولَم يُخرجاه"، وقال الألبانيُّ: "صحيح" كما في "صحيح الترغيب والترهيب" (2228).

[10] رواه أحمد (8577) ، وقال الألباني: "حسن لغيره" كما في "صحيح التَّرغيب والترهيب" (2229).

[11] رواه أحمد (12140) وقال الألباني: "حَسَن لِغَيْره" كما في "صحيح التَّرغيب والترهيب" (2231).

[12] "بدائع الفوائد" (2/ 152).

[13] "زاد المعاد" (4/ 196).

[14] رواه البخاري (3475) ومسلم (1688).

[15] يُنظَر: "السيرة الحلبية" (3/ 359)، و"تاريخ الخميس في أحوال أنفس النفيس" (2/ 61) حسين بن محمد بن الحسن الدِّيار بَكْري.

[16] ينظر: "حِلْية الأولياء" (4/ 138 - 139).

[17] "مغازي الواقدي" (1/ 57)، وقال الألباني: "وهذا إسناد حسن إن شاء الله تعالى"، كما في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (6/ 808) رقم (2835).

[18] رواه البخاري (660) ومسلم (1031) من حديث أبي هريرة.

[19] رواه مسلم (1827).

[20] "مصنَّف بن أبي شيبة" (6/ 418)، و"السُّنة" (1/ 109) للخلال.

[21] "شرح رياض الصالحين" (3/ 644).

[22] رواه الدارقطني في "سننه" (4580)، وأبو يعلى في "مسنده" (7027)، وقال حسين سليم أسد: "إسناده حسن".

[23] رواه أبو داود (1233) وقال الألباني: "إسناده صحيح على شرط الشيخين" كما في "صحيح أبي داود" (1851).

[24] رواه أبو داود (1234) والحاكم (2761) وقال: "هذا حديث صحيح على شرط مسلم، ولم يخرجاه" والدارمي (2253) وقال حسين سليم أسد: "إسناده صحيح".

[25] رواه مسلم (1623).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • العدل
  • التزام الحق وإقامة العدل
  • العدل: فضله وأهميته
  • أزمة القِيَم في عالمنا المعاصر
  • العدل
  • لا أمن في الأرض إلا بالعدل
  • العدل (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • معركة حصن الأحزان(مقالة - موقع د. محمد منير الجنباز)
  • العدل أساس الملك وحصن الأمن(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سد مداخل الشيطان(مقالة - آفاق الشريعة)
  • معركة حصن الأثارب سنة 524 هـ(مقالة - موقع د. محمد منير الجنباز)
  • حصوننا المهددة بين المهاجمين والمشككين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • صحابة نبينا صلى الله عليه وسلم حصن الإسلام(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الأدعية والأذكار للطفل المسلم: سؤال وجواب "حصن طفلك" (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • النصيحة الأولى: حصنوا أموالكم بالزكاة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الزواج حصن حصين للشباب (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة حصن القارئ في اختلاف المقارئ(مخطوط - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب