• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    علامات الساعة (1)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    تفسير: (يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان ...
    تفسير القرآن الكريم
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / علوم قرآن
علامة باركود

تفسير سورة الفاتحة (16)

الشيخ عبدالرحمن بن محمد الدوسري

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 17/2/2011 ميلادي - 13/3/1432 هجري

الزيارات: 17453

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

تفسير سورة الفاتحة (16)

 

حينما يتم الصفاء لجوهر الدين:

تعليم الله لنا بتكرار الضراعة إليه بـ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ يكشف لنا عن فضيحة غش يعلمه الله، فأولاً: إن شياطين الإنس من اليهود يوحون به إلى أوليائهم من الملاحدة والشيوعيين ونحوهم، يقصدون به تحريف الدين، وقلب حقائقه ومعانيه باسم تجلية جوهرة، أو يزعم أنه ثورات أو تسمية جوهر رسالته بـ: (الإقناع الحر) الذي يقصدون به تفشي الإلحاد، وإبعاد سيطرة الدين عن النفوس، كما تنص مواثيقهم الوطنية بشأن الدين، تلك المواثيق المطبوخة طبخة يهودية، والتي من أجلها شط ملاحدة الكتاب في تفسير الدين تفسيراً طبقياً وثورياً، وإخضاع نصوصه وتشريعاته للفكر الماركسي اليهودي، بل جعل تاريخ أمته يدور عليه، إن كل ما جرى مما يعلم الله وقوعه، قد كفانا إياه بكل وضوح، في هذه الآية الكريمة، فهي توضح لنا:

أولاً: أن الدين كله عبادة خالصة لله، واستعانة به فقط.

وثانياً: أن العبادة لا تكون عبادة بمعناها الصحيح، حتى تكون ناشئة عن حب صحيح، وإخلاص صادق، وتعظيم كامل لله - تعالى - ورسوله، وذلك يستلزم معاملة الله ورسوله معاملة المحب لحبيبه، من كامل النصح والصدق والإشفاق، وبذل النفس والنفيس في سبيل مرضاته

 

وثالثاً: حصر التلقي لجميع أنواع العبادة والسلوك من وحيه - تعالى -: كتاباً وسنةً، والتكيف بهما دون تكييفهما وإخضاع نصوصهما للأهواء، بل بإدراك معانيهما، بحسن التصور المستمد من ذاتهما، لا من مصدر آخر، أو من مقولات يفتعلها بنفسه، أو يقلد بها غيره فيجعلها ميزاناً لما أنزل الله، كشأن المنطقيين، أو المعاصرين اللاحقين، ممن يستمدون تأويل وحي الله وتحريفه، من مقررات سابقة أو لاحقة؛ لأن هذا عين الضلال، والمشاقة لله ورسوله، والتقديم بين يديهما، عياذاً بالله من ذلك.

 

ورابعاً: أن عبادة الله لا تكمل إلا بكمال طاعته، واجتناب نواهيه، والتزام حكمه، وحفظ حدوده، في جميع شئون الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية، دون أن يجعل الإنسان لنفسه الخيرة في أي شيء كان، بل يكون مرتبطاً بشريعة الله نصاً ومعنى؛ لأن من جعل لنفسه الخيار فيما يهواه، كان خارجاً من عبادة الله إلى عبادة الهوى والشيطان، وأعظم جرماً منه، من جنى على النصوص بتأويلها وفق ما يشتهيه أو وفق رغبة من يقلده؛ لأنه متبع لليهود الذين يحرفون الكلم عن مواضعه، فجريمته تتضاعف لجمعه بين اتباع الهوى وتحريف النصوص بسببه، وما أكثر أهل هذا النوع ممن غشهم اليهود طيلة القرون إلى يومنا هذا، وإلى يوم القيامة، بشتى المذاهب والأحابيل!!

 

وخامساً: أن هذه الآية الكريمة: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ التي يكرر المسلم المؤمن ضراعته بها لله، ويجدد عهده بها معه، آية تفسر كينونته في الأرض، حسب إرادة الله الأزلية السرمدية، وعلمه المحيط الأبدي وحكمته الشاملة لجميع تطورات العصور واختلاف البيئات، فالإنسان مخلوق بطبيعته الحادثة الناقصة، وإدراكه الضيق الذي مهما توسع، فإنه محدود قطعاً بحسب طبيعته أولا، ثم هو محدود بوظيفته لرب العالمين ثانياً، وظيفة الخلافة في الأرض، لتحقيق جميع معاني العبادة التي تقتضيها هذه الآية نصاً ومعنى، من التزام حكم الله بلا نقص ولا زيادة، وقصر النظر في معنى وحيه عليه، وانحصار التلقي منه وحده، أي مما أنزل على محمد - صلى الله عليه وسلم - فقط، دون غيره من الأنبياء، فضلاً عن أقوال غيرهم من الملاحدة والدجاجلة أفراخ اليهود.

 

فهذه الآية الكريمة تقرر له العقيدة الربانية، التي تربطه مع الله بتوجيه الربوبية والألوهية، وتفسر له ما حوله، كما تفسر له مكانه، وتضبط وظيفته بضوابط لا تتغير ولا تتأثر بملابسات العصر والبيئة، لأنها من وضع علام الغيوب العليم الحكيم بمصالح عباده على الدوام، وهي واضحة في غاية الصفاء لا يعتريها ما يحتاج إلى تجلية، كما يزعمه المبطلون المغرضون، الذين لا يرضون من موظفيهم تعطيل قوانينهم أو تحريفها بحجة تجلية جوهرها، ونحو ذلك مما جعلوا لأنفسهم منزلة أعلى من الله ورسوله.

 

وسادساً: أنها توجب على المسلم المؤمن صدق البيعة مع الله بالنفس والمال، بدون توقف ولا تخلف، لتكون كلمة الله هي العليا، وحكمه النافذ المقام في كل أرض يحلها المسلمون بحث لا يحكم فيها بغير شريعة الله، ولا يفتن فيها أحد عن دينه بدعوة إلى غيره من أي ملة، أو نحلة، أو نظرية، أو مذهب، كما قال تعالى: ﴿ وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ ﴾ [الأنفال: 39].

 

وهذه البيعة مع الله، ليس فيها للمسلم المؤمن تخلف ولا خيار؛ لأن الله لم يقل بصيغة المضارع: إن الله يشتري، ولكنه بصيغة الماضي القاطعة لكل خيار المبطلة لكل تعليل ﴿ إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ﴾ [التوبة: 111] فالمتخلف عن بيعة الله، ناقض عهده الذي يجدده مع الله في كل ركعة بـ: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾ لم يصدق مع الله في عبادته بطاعة أوامره، ولم يصدق الله في كفايته ونصره له، فيحقق الاستعانة به في صدق الجهاد في سبيله، والاستخفاف بما عداه، بل ينصبغ بقوة أعدائه، وإخافته بهارجهم وتهويلاتهم ولم يوقن تماما بأن الله كافٍ عبده وناصره ومنجيه، وأنه لن يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلاً، وأنه مولانا ﴿ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ ﴾ [الأنفال: 40] وأنه ﴿ مُوهِنُ كَيْدِ الْكَافِرِينَ ﴾ [الأنفال: 18].

 

بل ضعفت عقيدته وخارت قواه الإيمانية، وانهزم هزيمة عقلية، جعلته يستمد العون من أعداء الله وأعدائه،أو يتوقف عن قتال الجميع،تعللاً بضعفه أو عدم إنجاد قومه أو عدم حصوله على التغطية الجوية المادية ناسياً حصانة السماء لمن تدرع بالقوة الروحية، ومعللاً خيانته لله، بانتظار وحدة قومه،أو تحصيل قوة مادية، ناسياً أنه مهما حصل عليها، فأعداؤه يحصلون على أضعافها،فلا تجديه مادياته، مع تضاعف ماديات عدوه، إذا لم يقترن مع قوته المادية قوة روحية، كما يطلب الله منه.

 

وسابعاً: إن هذه الآية الكريمة توجب على المسلم المؤمن أن يكفر بما يناقضها من الأوضاع البشرية كافة، فيكفر بجميع أنواع الطاغوت، من سائر المسميات الشخصية والمذهبية، يبغض كل معبود من دون الله، ويكفر به، ويبغض كل مشرع من دون الله، ويكفر به، ويبغض كل مذهب أو مبدأ أو نظرية، مخالفة لدين الله تقتضي تحكيم غيره، أو العمل لغيره، من قومية، أو وطنية أو أي مذهب مادي، نبشته اليهودية العالمية من مزابلها الفكرية، كالشيوعية وفروعها المزعومة بالاشتراكية، فيعادي جميع ذلك،ويحاربه بلا هوادة، ليحقق مدلول هذه الآية، ويكون مخلصاً لله، صادقاً معه لا يلتقي مع أعدائه في أي عقيدة، أو فكرة، أو خلق، أو سلوك، ليحصل على قيمة حياته، ويجني ثمرة جهاده وبذله.

أما من ساير الركب المادي الذي تحركه اليهودية العالمية وتسيره، فإنه بعيد عن عبادة الله، شارد عن نصره ومدده، حارم نفسه من الحرية التي وهبه الله إياها، ورابط لها بحبال الرق المختلفة الأسماء والألوان، حسب المعسكرات الشرقية والغربية، فما أبعده من الوفاء مع الله!! وما أحرمه من نيل التقدم الصحيح، العز الصحيح، والحرية الصحيحة، والحياة الطيبة الفاضلة!! بل هو أضل ممن يسير مع السراب.

 

وثامناً: أن هذه الآية الكريمة التي ضمنها الله جميع معاني وحيه، ومعاني الحكمة، التي خلق بني الإنسان من أجلها، جميع مدلولاتها صافية صفاء لا يشوبه أي غموض، ولا اشتباه، ولا يعتريه أي صدأ أو غبار، فلا يحتاج أهل هذه الآية إلى زعنفة ملحد تبرزه اليهودية العالمية بمذاهبها وأفكارها، وأحابيل مكرها، فيزعم أن الدين يحتاج إلى تجلية جوهرها، بل إن الدين الصحيح المستمد من مدلول هذه الآية واضح كل الوضوح، صاف كل الصفاء لا يعوزه إلا من يحمله بصدق وإخلاص، وقوة ومبالغة في التضحية الواجبة لله -تعالى -بخلاف الأديان المزعومة الأخرى، من يهودية ونصرانية، ومجوسية وغيرها، فإنها مجرد افتراء على الله، وأغلبها من مكر اليهود وغشهم، ومع ذلك فمهما حاولوا تجليتها، فإنهم كمن يغسل الدم بالدم؛ لأنهم يعالجون الباطل اليهودي، بباطل يهودي جديد.

 

أما الدين الإسلامي، فلو لم يكن فيه إلا هذه الآية، لكفت أهلها بوضوح معانيها، وصفاء جوهرها، اللغوي والمعنوي، بحيث لا تحتاج إلى تأويل خارج عن وحي الله، بل يكون ذلك التأويل تحريفاً يهودياً، وجناية إلحادية، تكون جريمة صاحبها أعظم من جريمة الزاني، والسارق والقاتل،لأن الفتنة: فتنة الناس عن دين الله الحق)أَ﴿ شَدُّ مِنَ الْقَتْلِ ﴾ [البقرة: 191] و ﴿ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْل ﴾ [البقرة: 217].

 

فما أجلى هداية الله وأبلغها لنا بهذه الآية الكريمة، التي يجب علينا أن تكون غاية هدفنا، ومنتهى أملنا، ومبلغ علمنا، ومنتهى قصدنا، وأن نحصر جهودنا في تحقيق معانيها، ونبذل النفس والنفيس لحمايتها من كل محرف دساس، وأن يعتبر كل واحد منا نفسه أنه على ثغر من ثغور الإسلام، فيعمل جاهداً ويقف ليثاً صائلاً، حتى لا يؤتى الإسلام من قبله، ومن كان مع الله، كان الله معه.

 

وكيف يحتاج الدين الإسلامي إلى تجلية جوهره، كما يريده ملاحدة اليهود، والشيوعيين، وتلاميذهم، وآية واحدة من كتاب الله، وهي هذه جمع فيها ما هو موجه إلى الظاهر والباطن: الظاهر قول اللسان اعترافاً وضراعةً، والباطن تحقق القلب بجميع مقتضياتها ولوازمها، وجمع فيها بين الخضوع والانقياد، باطناً وظاهراً، والصدق والإخلاص التام لله بجميع حقوق الدين في كافة شئون الحياة وملابساتها.

 

فهذه الآية تملأ قلوب العازمين الصادقين، أمنا، إيمانا، ويقيناً، وهداية، وتعبداً لله، وتألها له، طبقا لأوامره، ووفق ما يحبه، كما تملأ القلوب إنابة إليه، ومراقبة له في كل الأحوال، ولجوءاً إليه في كل النوازل والمهمات، وتحشوها وجلاً من ذكره، وطمأنينة بمعرفته، وتوجب للعبد قوة التوكل، وتمام الاعتماد على الله، والاستعانة به، في مزاولة جميع الأعمال: الدينية والدنيوية.

 

وكلما ضعفت إرادته، أو وهنت قوته في محاولة أي مهمة، أمدته هذه الآية بقوة قلبية، تجعله يستهين بالمصاعب، ويستخف بما أمامه من القوى المادية الشريرة، وكلما أحاطت به المخاوف، كان إيقانه بهذه الآية حصناً حصيناً، يلجأ إليه، فيطمئن قلبه، وتسكن نفسه، لقوة إيمانه بأن الله ناصر المؤمنين ومنجيهم ﴿ ذلكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ ﴾ [محمد: 11] كما مدح الله أسلافنا، بقوله: ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾ [آل عمران: 173]، ﴿ فَلَا تَخَافُوهُمْ وَخَافُونِ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 175].

 

وكلما انطبع المؤمن بهذه الآية، وتكيف بها، فقصر منهله على وحي الله، واتجاهه إلى الله اكتسب العزة والقوة والشجاعة القولية والفعلية؛ لقوة يقينه أن الله هو: النافع، الضار، المعطي،المانع، وأن من اعتز به فهو العزيز، ومن اعتز بغيره فهو الذليل، فلا يرجو غيره، ولا يخاف سواه، وبذلك يتم له التحرر من رق المخلوقين، ويشمخ برأسه عن الخضوع لأعلى قوة أرضية، أو الخوف منها أو التعلق بها، عكس الذين يزعمون التحرر، وهم قد انتقلوا من رق إلى رق، وارتبطوا بعجلة، بدل عجلة، أو صاروا تبعاً لمعسكر، بدل من معسكر آخر، بل يكون مرتبطاً بالله، متعلقاً به وحده، فيتم له من كفاية الله، وتيسير أموره في جميع الشئون، ونصره في جميع الملمات، ما لا يتم لغيره، ممن يسير على غير هذه الآية.

 

كما أن من ثمرات هذه الآية، تسلية أهلها عند المصائب، وتهوين الشدائد عليهم، وكونهم لا ينتابهم جزع ولا هلع؛ لأنهم منطبعون دائما بوحي الله ﴿ أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ﴾ [الزمر: 36]، ﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 139]، ﴿ وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ ﴾ [النساء: 104]، ﴿ إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ﴾ [آل عمران: 140]، إلى غير ذلك مما يسلي القلوب ويقويها، ويجعلها تستهين بالمصائب، ولا تبالي بالنوائب، بل تفتش عن ذنوبها، التي هي السبب في حصولها، لتعالج الشيء من جذوره، فلا تثبت القلوب عند المزعجات، وتطمئن عند المكروهات، إلا بقوة الإيمان ولا تقنع وتسلم من شرور الأنانية إلا بعدته، ولا تصدق معاملة العبد مع الخالق والمخلوق إلا بسببه، ولا يعصمه من انحلال الأخلاق المفضية إلى الهلاك إلا هو.

 

المنطق الشيوعي في تفسير المادة:

هذا التعليم من الله لعباده بتكرار الضراعة بـ: ﴿ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ﴾، إيقاف لهم عند حدهم عن الشرود بفكرهم إلى فلسفات مبتكرة متعجرفة، يتطلب الوقوف على حقائق الوجود جميعاً، والتعرف على كنه الخالق، ومعرفة قوانين الخلق جميعها، وتعليل كل منها بعلل مادية وطبيعية ونحوها، مما يسميه الماديون: حتمية التاريخ، إما غلطاً وإما زوراً ومكراً شنيعاً، فالله أراح عباده بإيقافهم عند حدهم، وإقرارهم بالعجز، والاعتراف بعدم قدرتهم على النفوذ إلى أسرار الوجود، وتفسير الكون،لئلا يقعوا في سفسطة المنكرين للحقائق، ويشردوا في متائه الإلحاد، كما شرد كثير من الفلاسفة قديماً، والشيوعيين وأتباعهم أخيرًا.

 

ومن رزقه الله العقل السليم، عرف عجزه عن معرفة كنه نفسه، فلا يطمع في معرفة ما هو أكبر منها وأعم وأشمل، بل يجزم بكل يقين أنه لم يعرف من الحياة إلا قشورها دون اللباب، ويرى وجوب الاعتراف بالعجز والتقصير، فيقف حيث أوقفه الله، ويحصر تفكيره على خلق السموات والأرض، وما بث فيهما من دابة، وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض، وأن الله لم يخلقهما باطلاً، بل خلقهما بالحق وأجل مسمى، ويعتبر بآجال من يراه من البشر، ويتفكر في آثار الماضين، وكيف كانت عاقبتهم، وهم أشد قوة وعمارة للأرض من الآخرين، ويتفكر في أسرار النبات الذي يُسقى بماء واحد، وتمده تربة واحدة، كيف يفضل الله بعضه على بعض في الأكل، وغير ذلك مما يغرس في قلبه تعظيم الله، وإجلاله، وتقديسه، وإكباره.

 

وينظر في ترادف نعمه وتسخيره له كل شيء، فتنفرد محبة الله في قلبه وتزداد، فيكون مشغوفاً بحبه، منشغلاً بذكره، قائماً بأمره منفذاً لشريعته، محترماً لحدوده،فإن سلطان الدين، هو محراب القيم الإنسانية الخيرة، المرتبطة بالوجود، يدعوه إلى التأمل والتفكر في مخلوقات الله، ونعمه السابغة، فيريح الفكر، ويدخل الطمأنينة على النفوس العابدة لله.

 

وأما عبادة المادة، وأتباع شياطين الجن والإنس، فإنهم يلغون ذواتهم؛ لأنهم لما نسوا الله؛ أنساهم الله أنفسهم، فأخرجوها من رحمة الله إلى عبودية من يخنق مؤهلاتهم الفكرية والعملية، ويسلب حريتهم، ويجعلهم كالآلات المدارة، أرقاء لطواغيت النزوات، وعبيداً لأحط النزعات والشهوات، فكأنما هم مقادون إلى حتفهم، مساقون إلى مصارعهم بتأثير العوامل الاقتصادية.

 

ولما أسلموا وجوههم لغير الله، مسخت المادة منهم أقدس الجوانب الإنسانية التي هي الجانب الروحي، ولم يبق منهم سوى آثار الصلصال الفخار، وصاروا يسيرون وراء السراب والأفق الماركسي المضحك، الذي جعله الشيوعيون كقواعد لجدلهم الإلحادي مما أسموه: (قانون الترابط والتفاعل الشامل)، (وقانون التحول والنمو المستمر)، (وقانون التحول النوعي)، (وقانون نضال الأضداد، المعتبر كدافع لكل تحول) مما يريدون به قصر الإيمان على السببية دون المسبب، ودون الاعتراف بما يئول إليه هذا الترابط من الحقيقة الحتمية الشاهدة بوجود الخالق، باعث الحياة، والمسير الأول لكل شيء وإنما يريدون من الترابط والتفاعل، مجرد الاعتقاد بوحدة العالم، معارضة لفكرة الخلق، وفضل الخالق واجب الوجود، وخالق الموت والحياة.

 

والعلم الصحيح يسلم- حتماً- بأن الكون فيه من الاستقلال الذاتي ما قد يكون معه مرتبطاً أو ليس مرتبطاً بغيره، بحسب طبيعة الوجود والمكان والزمان، ومن يعرف الشيء البسيط عن الإنسان، يراه بداهة أنه مخلوق مستقل فكرياً، وعاطفياً، وعقلياً، وإن انعكس عليه أثر الوسط الخارجي، قال بعض الخبراء: وإن تشريح الجملة الدماغية للإنسان، يوقفنا على خصائص كل جزء، بل كل خلية من خلايا الدماغ، فهناك منطقة الذاكرة، ومنطقة الرؤية، ومنطقة الذكاء، وبالرغم من وجودها ككل، فكل مركز من مراكز الدماغ يشرف على عمل ذاتي يؤديه مستقلاً، وإن أي تخريب يحدث في مركز من المراكز، فسيؤدي إلى فقدان الوظيفة القائم عليها، دون أن يسبب أي خلل في باقي المراكز!!

 

هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فإن استقلال التفكير والشخصية الفردية، ترينا أن من المستحيل أن نجد مخلوقين يفكران بطريقة واحدة، ويتصرفان بأسلوب واحد، ويصلان إلى هدف بعينه، دون اختلاف ضمني ذاتي، وستبقى فكرة الترابط والتفاعل- بالطريقة المعطاة من قبل الفلسفة الماركسية- أعجز من أن تحقق الهدف الذي أريد لها.

 

وهكذا نجد فكرة الاستقلالية الموجودة في حقائق كل جوهر وعنصر من عناصر الأشياء، والقائمة في كل مدار كل ذرة من ذرات السكون، تشكل استقلالاً ذاتياً معقداً، لم يبلغ الإنسان - على ما بلغ من التطور -النفوذ إلى كنهه، مما يجعل مبدأ الترابط، إدانة لأفكار مبدعي الماركسية، القائمة على مغالطة الفكر وتضليله بحجج واهية، من اختلاف الخيال الذاهب بعيداً في تصوراته، ومن ادعاء فكر مريض، يحاول أن ينصب من الأوهام وجوداً حقيقياً.

وليس هذا فحسب، بل إن فكرته في مبدأ (الترابط والتفاعل) لا بد أن يصل إلى نتيجة تعكس حقيقة وجود الخالق (المحرك الأول) والباعث الوحيد لهذه القوى الطبيعية الكونية، كالميكانيكية، والفيزيائية، أو ظواهر علوم الطبيعة والكيمياء، الكامنة في مظاهر الحياة. انتهى.

 

وأما الذي يسمونه بقانون التحول والنمو المستمر، فهو منبثق من نظرية (داروين) تلك النظرية التي لا تَطَّرِدُ على كل شيء، ولكن الشيوعيين تساقطوا عليها، لغرض خبيث في نفوسهم، متعامين عن مغايرتها للحقائق، ليلبسوا على الطغام أن كل شيء خاضع للعوامل الطبيعية، وأنها تؤثر على غيرها ولا تتغير، وهذا مكابرة للحس وخبط وتناقض؛ لأنها إذا لم تتغير، فليس التحول عاماً كما يزعمون، فهم لم يراعوا أمر المطلق والنسبية، إذ كل شيء نسبي في الحياة، والمطلق لا وجود له على ظهر هذه البسيطة، ولكنهم لشدة إلحادهم، آمنوا بالمطلق، وعمموا عليه صيغة التحول، وطبعوه بطابع التبدل.

 

وهذا - ولا خلاف- إخفاء للحقائق وتشويه للواقع، فالجوامد غير الإنسان، والموت لا يمكن أن يدخل في قانون الأحياء، والمادة هي لا تختلف ولا تتبدل، كما هو ثابت في القوانين الكيماوية، وتفاعلاتها التي جبلها الله عليها، فالحديد لا ينقلب إلى ذهب، والنحاس لا ينقلب إلى قصدير، بل يبقى كل من هذا وهذا محافظاً على ماهيته بالوزن والجوهر، مهما طرأ على صفاته من تبديلات فيزيائية، اللهم إلا إذا أدخل في نطاق التفاعلات النووية،فإن ما يحصل من تفاعلاتها لا يدخل تحت الجدل الكاذب في قانون التحول قطعاً.

 

وإنما تبنى الشيوعيون هذا المبدأ الجدلي بشكله المغاير لحقائق الحياة والمجتمع؛ لأنهم طرحوا الجانب الروحي في المجتمع طرحاً كلياً، هادفين طمس القيم والتعاليم السماوية، فأرادوا التستر بذلك الجدل تحت ستار العلم، ليملئوا الدنيا ضجيجاً بأن (الكل مادة) ويقيسوا الإنسان على الجماد والنبات، ولا يجدوا سائلاً يسألهم، هل تنقلب المادة الجامدة إلى حياة عضوية، وتكتسب روحاً وملكات فكرية؟ وهل يتحول الإنسان إلى مادة جامدة؟ أو أنه سيبقى ذلك الكائن الراقي،الذي كرمه الله؟ ولو سئلوا، فهل يفرقون بين التكليف وقوانين التحول؟ أم يغالطون فيسوون بينهما؟ مع أن التكليف هو: حالة من التأقلم مع وسط خارجي، واكتساب بعض معطياته، فشتان بينه وبين التحول في عرف الشيوعيين الجدلي.

 

وما زعموه من التحول النوعي، فهو أشد إضحاكا من الأول، وأعظم جناية على العقل، وخيانة للعلم بالتلبيس الجدلي، حيث قاسوا المجتمعات الإنسانية على التفاعلات الفيزيائية، وهذا من أفسد القياس؛ لوجود الفوارق، فضلاً عن الفارق، بل تجنوا على الأرقام الحسابية العددية في علم الجبر ونحوه مما لا يقبل الجدل والمغالطة تبريراً لما يأتون به من أفكار خبيثة عدائية للشعوب، وإثارة بعضهم على بعض، ومن رجع إلى العلوم الرياضية استبان له أخطاؤهم المضحكة، وجنايتهم على العلم مما لا يسوغ لنا التعرض له في مثل هذا التفسير.

 

وأما سخريتهم الرابعة بالعقول وهي: نضال الأضداد،فهو محور الفكر الماركسي ومنطق ماديته العرجاء، وهو يرتكز على أن ماهية الأشياء تحتوي على متناقضات داخلية من سلب وإيجاب، وقد سبقهم على إلحادهم في ذلك الفلسفة الإغريقية من أيام (هرقليطس) الموصوف بفيلسوف التغير وعدم الثبات، وكذلك (الهيجلية) أيضا، لكن الماركسية وجدت في كلتا الثنتين مناطق رجائها وحل عقدتها، فأخذت منها الجانب السلبي طلباً لغايتها الملعونة، من نفي فكرة الخالق؛ لإقناع الغوغائية بأن للمادة قوة ذاتية تحركها وتحولها على أساس أن التناقض فيها هو الوجود في حد ذاته، حتى زعموا أن في المادة قوى دائبة التصارع باعتبارها في طبائع مختلفة، ومن هنا يحدث النمو والتطور في الكون والطبيعة والإنسان، لكن تعاموا عن مودع هذه القوى في المادة.

 

ثم إنه: هل يقر العقل الإنساني أن بالحجارة- مثلاً - قوى تتصارع؟ وهل الحجارة تنمو كالطبيعة الحية، تكبر وتتطور؟ والكل يعرف بداهة أن الحجارة تتفتت ولكن ليس بفعل عوامل داخلية ذاتية وإنما بفعل المؤثرات الخارجية من تبدل الحرارة وفعل الرياح والأمطار، والنبات ينمو لكنه لا يملك القوى الداخلية المحركة، وإنما نموه بفعل الوسط الخارجي من تغذية وتنفس وانعكاسه على النبات بدور التمثل الذي يلعب الدور الأكبر، بتطوير العوامل الذاتية التي تتضمن نمو النبات، وكيف يكون لشجرة (السنديان) وهي تشكل وحدة نوعية في تركيبها أن تنتج- بفعل عوامل المتناقضات - ثمار البلوط؟ على أن الأمر أشد صعوبة إذا انتقل بالتطبيق إلى دراسة الإنسان الذي اعترف كبار الباحثين بعدم إدراك كنهه وعقله، وإن خلايا المخ ليست هي العقل كما يزعمه المجادلون، الذين لو رجع كل واحد منهم إلى ذاته وإلى النفس البشرية التي هي بعيدة كل البعد عن المادة لا نكشف له خطأ مزاعمه، ولما أصر واحد منهم على أكذوبته من أن العقل هو المادة المفكرة، والفكر نتاج صراع الأضداد.

 

ولكن أنى يرجى منهم التعقل وهم مبالغون في المغالطة بقولهم: إن الرجل الذي يدرس هو جاهل، ويحتاج للمعرفة في نفس الوقت ويجيبون على أنفسهم بأنفسهم فيقولون: إن درسه يشمل النضال ويشمل تصارع الأضداد، فما هذا اللعب بالأفكار؟ أين هم من المنطق فضلاً عن الحقيقة؟ فهل الدرس موقوف على وجود الجهل؟ كيف عموا عن وجود حب المعرفة وعن فعل الهداية، وعن الانطلاقة النفسية الاستقلالية وعن القدرة الذاتية؟! وأي نوع من التناقض ونضال الأضداد يحصل من دراسة الرجل الذي يمثلون به في مخيلاتهم البديعة في الافتراء؟!

 

والحقيقة أن الباعث المحرك والدافع للتغيير ليس هو مجرد تناقض بين ضدين - الإيجاب والسلب -وإنما هناك عديد من العوامل الخارجية والداخلية: كالقابلية، والحاجة، والفطرة والغريزة، والميول، وغيرها من الدوافع كما أن هناك الإمكانات، ولو سلمنا جدلاً وجود صراع بين المتناقضات فإنه لا يوصل دائماً للغاية التي يقررها هؤلاء الملاحدة، ولا موصل للكمال كما يزعمون، بل قد يكون موصلاً للهلاك بسبب الغلبة في التقاتل والتدمير، وليس عندهم دليل على تصارع الأضداد سوى الأزمات والأحداث السياسية، وهذا ليس سببها الصحيح كما يزعمونه من تصارع الأضداد، بل هذا تنافس وتشاحن قد يحصل مع القريب والحبيب سببه تفاوت الأفكار أو التنافس على القوى المنتجة، أو التشويق أو الإعجاب بالقوة والطمع في التوسع.

 

ومن عجيب ألاعيبهم في الفكر وجنايتهم على العقول قولهم بوحدة تصرف الأضداد المتصارعة، وهذا إفك يفضحه العلم المادي بالتجارب الفيزيائية، فضلاً عن تصور العقول السليمة، والنظر في الواقع المحسوس، فإن اجتماع المادة بنقيضها يؤدي إلى انفجارهما وتلافيهما جميعاً، وهذا طبق ما يقع في صفوف المجتمع الإنساني، وإذا كان الماركسيون يؤمنون بوحدة المتناقضات بعد الصراع فكيف يجرون القتل الجماعي والإبادة لمن يضادهم في فكرتهم؟ ألا يمهلون خصومهم للانسجام والوحدة التي لا تنفصم؟ ولكن خطبهم في الهرج يثبت فساد أفكارهم، وسوء معتقدهم وأخلاقهم.

وهداية الله لعباده في ضبطهم عن الشرود الفكري وإيقافهم عند حدهم، وتوقفهم عند ما خلقوا له هي المسعدة لهم، والحافظة لأوقاتهم وأموالهم وسائر طاقاتهم من الضياع فيما لا ينتج لهم الفائدة التي يطلبونها ويتطلعون إليها تطلعاً أنانيا خارجاً عن الفطرة كما حصل للذين هم عن آيات ربهم معرضون.

 

وقد حمى الله عباده عن الشرود الفكري بإيقافهم عندما أوقفهم حين سألوا نبيه - صلى الله عليه وسلم - عن الأهلة وعن الروح فقال تعالى: ﴿ يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ ﴾ [البقرة: 189]، ﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا ﴾ [الإسراء: 85] وقال - صلى الله عليه وسلم - في النجوم: (( إنها زينة للسماء ورجوم للشياطين))[1] أي: قفوا عند هذا الحد، وفي صفات الذات والأفعال لله قال عنها: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ ﴾ [لشورى: 11]، و ﴿ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ﴾ [الإخلاص: 4] ليقفوا عن البحث والخوض ويؤمنوا بها كما جاءت من غير تشبيه ولا تعطيل.

 

وكل من شرد بفكره في الذات العلية فأنكرها طالباً للحس والمادة كالملاحدة من الشيوعيين وغيرهم، اضطربوا واتخذوا آلهة من البشر زادوا شقاءهم وتعاستهم، وجروا الويلات على أنفسهم وعلى غيرهم من الشعوب، ومن شرد بفكره في الصفات الإلهية واتبع ما تتلوه شياطين الإنس، أفراخ اليهود، كطالوت ولبيد بن الأعصم معلم الجعد بن درهم، وجهم بن صفوان ومن على شاكلتهما ممن خلطوا الينبوع المحمدي الصافي بقلوط[2] المنطق اليوناني، وأشركوا فلاسفة اليونان برسالة محمد - صلى الله عليه وسلم -، بل أكثرهم فضل قوانين منطقهم على وحي الله حيث جعلها تفيد اليقين، والوحي لا يفيده بزعمهم.

 

فماذا يبقى من الإسلام بعد هذا؟ وقد أحدثوا في الأمة شيعاً ومذاهب كثر بينهم الجدل والشقاق، وأخذوا ينبزون أهل السنة بالألقاب الشنيعة، ففسحوا بذلك المجال للعابثين المغرضين من كل نوع.

 


[1] روي هذا من قول قتادة موقوفاً عليه، أخرجه البخاري كتاب بدء الخلق. باب في النجوم.

[2] قلوط : هو النهر الذي تلقى فيه الأوساخ والقاذورات.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير سورة الفاتحة (12)
  • تفسير سورة الفاتحة (13)
  • تفسير سورة الفاتحة (14)
  • تفسير سورة الفاتحة (15)
  • تفسير سورة الفاتحة (17)
  • تفسير سورة الفاتحة (18)
  • تفسير سورة الفاتحة (19)
  • تفسير سورة الفاتحة (20)
  • الفاتحة (السبع المثاني والقرآن العظيم)
  • تفسير سورة الفاتحة (21)
  • تفسير سورة الفاتحة (22)
  • تفسير سورة الفاتحة (23)
  • التبيان من تفسير كلام الرحمن - الفاتحة
  • تفسير سورة الفاتحة

مختارات من الشبكة

  • أسرار الفاتحة (1) اعرف ربك من خلال سورة الفاتحة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير سور المفصَّل ( 10 ) تفسير الآيتين من سورة الفاتحة ﴿ مالك يوم الدين - إياك نعبد وإياك نستعين ﴾(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • تفسير سور المفصَّل ( 9 ) تفسير الآيتين من سورة الفاتحة ﴿ الحمد لله رب العالمين - الرحمن الرحيم ﴾(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • تيسير الإعراب لآي الكتاب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من مائدة التفسير: (تفسير سورة الفاتحة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • البيان في تفسير القرآن - تفسير سورة الفاتحة للأطفال(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية: تفسير سورة الفاتحة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مجلس في تفسير الفاتحة من تفسير ابن جزي المالكي الغرناطي(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • مجلس في تفسير الفاتحة من تفسير ابن جزي الغرناطي المالكي(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • مخطوطة تفسير الفاتحة المسمى (تفسير العلوم والمعاني المستودعة في السبع المثاني)(مخطوط - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب