• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الأحق بالإمامة في صلاة الجنازة
    عبد رب الصالحين أبو ضيف العتموني
  •  
    فضل الصبر على المدين
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    تفسير قوله تعالى: { والذين إذا فعلوا فاحشة أو ...
    سعيد مصطفى دياب
  •  
    محاسن الإرث في الإسلام (خطبة)
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    تفسير: (لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنتان عن يمين ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    علامات الساعة (2)
    تركي بن إبراهيم الخنيزان
  •  
    ما جاء في فصل الصيف
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    أحكام التعاقد بالوكالة المستترة وآثاره: دراسة ...
    د. ياسر بن عبدالرحمن العدل
  •  
    خطبة: أم سليم ضحت بزوجها من أجل دينها (1)
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    خطبة: التربية على العفة
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    حقوق الأولاد (1)
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    التلاحم والتنظيم في صفوف القتال في سبيل الله...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أسس التفكير العقدي: مقاربة بين الوحي والعقل
    الشيخ حذيفة بن حسين القحطاني
  •  
    ابتلاء مبين وذبح عظيم (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    فضل من يسر على معسر أو أنظره
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    حديث: لا طلاق إلا بعد نكاح، ولا عتق إلا بعد ملك
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / نوازل وشبهات / نوازل فقهية
علامة باركود

خدعة اسمها الجراحة الروحية

د. عبدالمحسن صالح

المصدر: مجلة عالم المعرفة ( الإنسان الحائر بين العلم والخرافة )
مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 7/7/2008 ميلادي - 3/7/1429 هجري

الزيارات: 32518

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

خدعة اسمها الجراحة الروحية

 

يتحدَّث الناس في الشرق والغرب بشيء من الإثارة والدهشة والإسهاب عن "فنٍّ" حديث نسبيًّا اسمه الجراحة الروحية، ويطنبون في معجزاتها الشافية التي تحقق ما لا يستطيع الجرَّاحون التقليديون تحقيقَه، ولهذه المهنة الغريبة ممارسون قليلون في الولايات المتحدة الأمريكية، وفي بعض دول أمريكا اللاتينية وأوروبا الغربية، لكن هؤلاء الجراحين الروحانيين قد تلقَّوْا أصولَها في الفيليبين؛ فهي الموطن الأصلي الذي نشأتْ فيه المهنةُ وترعرعت؛ ولهذا نجد فيها المئات ممن يُجرون هذه الجراحات، ومن بين هؤلاء يبرز عدد من مشاهير الجراحين يُعدُّون على أصابع اليد الواحدة، أو ربما أصابع اليدين.

ولقد اهتمَّت أجهزة الإعلام في الدول المتقدِّمة بهذه الظاهرة، وخصَّصتْ لها ساعاتٍ في البرامج الإذاعية والتليفزيونية، وتناولتْها الصحافة بشيء من الإثارة، هذا بالإضافة إلى العديد من الكتب التي ظهرت في هذا المجال، وعن هذه الكتب تَرجَم بعضُ الكُتاب العرب أهم ما فيها، ونشروه في صحفهم ومجلاتهم، أو قدَّموه في برامج إذاعية، مؤكِّدين معجزات هذا النوع من الجراحة، ولا أنسى حديثَ أحد رؤساء تحرير مجلة أسبوعية مصرية واسعة الانتشار، وهو يؤكد لي أنه شاهَدَ أحد الجراحين الروحانيين وهو يجري عملياته بدقة وبراعة، وكان الشفاء مضمونًا في كل الحالات، وتحت كل الظروف، وأن الأمر ليس فيه خدعة، ولا ينطوي على دجل!

والواقع أن هؤلاء الجراحين لا يستخدمون في جراحاتهم أدوات الجراحة التقليدية؛ بل تتم الجراحة بمجرد إشارةٍ من أصابعهم، ففي الأصابع تكمن قوة خفية - على حد زعمهم - وهذه القوة ليست نابعة منهم؛ بل مصدرها قدِّيس أو ملاك أو روحٌ طيبة ترشدهم إلى مواطن المرض، وتحدِّد لهم نوع العملية، وتنساب قوتها من بين أصابعهم؛ حيث تشق البطون، وتستأصل الأورام، وتستخرج الحصوات، وتشفي العيون، وتزيل القرح، ثم تعيد كلَّ شيء إلى أصوله، فيقوم المريض سليمًا معافى بفضل هذه الطاقات الخفية التي حلَّت فيهم من مصادر سماوية!

ومن أجل هذا يتميز الجراح الروحي بالطيبة، وتظهر عليه علامات الزهد والتقوى، ويبدو أمامك وكأنما هو مبعوث العناية الإلهية؛ لكي يخلِّص الناس من آلامهم، ويزيل أوجاعهم، وهو لا يتقاضى أجرًا محددًا كما يفعل الطبيب أو الجراح، بل يترك ذلك لكَرَم المريض وَجُودِه، مدَّعيًا أن ما يحصل عليه من مساعدات إنما يُقِيم به أَوْدَ كنيسته الروحية، ويساعد به من يقومون على خدمتها، وجدير بالذكر هنا أن هؤلاء الجراحين قد اشتقوا لأنفسهم مذهبًا عقائديًّا جديدًا؛ ليتناسب مع "مؤهلاتهم" الروحية؛ فأقام المشهورون منهم مبانيَ صغيرة تشبه المعبد أو الكنيسة، وأسموها الكنيسة الروحية، وما يجود به المرضى من مال، إنما يذهب إلى تلك الكنيسة، ومن هذه الحيلة يحصل الجراح الروحي على أموال لا يحلم بها أعظمُ مشاهير الجراحين في العالم.

ولبعض الجراحين الروحيين فلسفةٌ خاصة؛ إذ يدَّعون أن فلسفتهم مشتقة من الإنجيل، فلقد جاء السيد المسيح إلى الأرض؛ ليشفيَ الناس بقوته الروحية، ويهديَهم سواء السبيل، ثم صعد إلى السماء، لكنه سيعود ثانية إلى الأرض، "وقبل أن يعود أعطانا شيئًا من روحه الشافية، ليمهد لنزوله، ونكون نحن برهانًا حيًّا على هذا النزول، فنشفي الناس من خلاله، ولقد اختارنا نحن لذلك؛ لأننا فقراء، وهو سينزل إلى أرض الفقراء..." إلى آخر هذه الأمور التي يتخذونها منفذًا سهلاً إلى قلوب الناس وعقولهم، وهم - بلا شك - يضللون باسم الدين!

والآن قد يطرأ على الأذهان سؤال مهم: ما هي إذًا طبيعة هذه الجراحات الروحية؟

إن الفضل في الإجابة عن هذا السؤال يرجع إلى "تحريات" دكتور ويليام نولين؛ لكشف الحقيقة، خاصةً أنه جراح مارَسَ هذا الفنَّ سنوات طويلة، ويعرف سر المهنة وما يشوبها من حِيَل وخداع، أو قد تكون حقيقة يعجز الطب عن تعليلها، كما جاء على لسان كل من كتبوا في هذا المجال! دعنا إذًا نرى.

ديفيد أولُ جراح روحي في القائمة:

مِن بين عشرة جراحين روحيين في الفيليبين يبرز اسمُ ديفيد أو "داود" الذي مارس المهنة أكثر من 17 عامًا، وورث أصولها عن والده عندما بلغ من العمر 24 عامًا، ويزعم داود أن قوَّته تأتيه من الله رأسًا، ومع ذلك فله أيضًا حامٍ يحميه ويرعاه، وأن هذا الحامي أو القديس هو الذي يرشد يديه ويوجههما كلما أجرى عملية جراحية، ويزعم داود كذلك أنه يقوم أحيانًا بعمله وهو في غشية أو غيبوبة، وبرغم ذلك تدلُّه يداه على الجزء المريض، مدَّعيًا أن أصابعه تحس بالفرق الطفيف في درجة الحرارة بين الجزء المصاب وبين باقي أعضاء الجسم، ومن هنا يعرف موضع الداء، ويستأصل المرض من جذوره!

ويقوم داود في الأيام العادية بإجراء عدد من العمليات الجراحية الروحية يتراوح ما بين 17 و18 عملية يوميًّا، لكن العدد قد يقفز في أيام الآحاد إلى 50 أو ربما 100 عملية، ويدعي داود أن قواه الخفية تزدهر إلى حدود فائقة، فيُتم عملياتِه في أوقات قياسية، وأحيانًا قد تخبو قليلاً؛ ولهذا يخشى اليوم الذي قد يتخلى فيه عنه حاميه أو وليُّه ومرشده، فلا يستطيع ممارسة هذه المهنة أبدًا!

وفي مسرح الجراحات الروحية التي تتم في ركنٍ من معبده على منضدة عادية، يبدأ عمله بالصلاة والدعاء والابتهال، وكأنما هو بهذا يستلهم الله - أو الراعي الذي يرعاه - في الوقوف إلى جانبه ومَنْحه القدرةَ على شفاء الناس، وفي هذا السلوك طمأنينةٌ لنفسية المريض، وتوطيد العلاقة بينه وبين جرَّاحه، ونوع من الإيحاء بحتمية الشفاء التي يباركها الله بالدعاء!

وعندما وصل دكتور نولين ليتحرى أمر داود بناءً على موعد سابق، اعتذر عن عدم إجراء عملياته في معبده، لكنه سوف يجري بعضها في قرية مجاورة، بناءً على دعوة تلقَّاها من مريضَيْنِ هناك، ولا يستطيعان الحضور إلى عيادته، وركب الجميعُ سيارة، وذهبوا إلى منزل متواضع، وكان المريض رجلاً في العقد السادس من عمره، ويشكو من تورُّم في ساقَيْه، بدايةً من الركبتين حتى القدمَيْن، وعندما فحَصَه داود، ادَّعى أنَّ مرضه راجع إلى جلطات دموية في عروقه، ولا بد - والحال كذلك - من إجراء علمية جراحية روحية، لكنه أشار إلى دكتور نولين إن كان يود فحص هذه الحالة؛ ليعرف رأيه فيها.

وبخبرة الطبيب الجراح فحص قلبه وكبده ورئتَيْه، فلم يجد علاقة بينها وبين تورم الساقين، وربما كان داود على حقٍّ في تشخصيه؛ إذ إن هذه الظاهرة المرضية قد تنشأ أحيانًا من عدم مرور الدم خلال الأوعية بكفاءتها المعهودة، وإن ذلك قد يساعد على تكوين الجلطات، فيؤدي إلى التهابات وأورام في الجزء المصاب، وللطب وسائلُه الجراحية الكثيرة في التغلب على ذلك، لكن النتائج قد لا تؤدي إلى نجاح، ومن هنا كان نولين توَّاقًا إلى مشاهدة ما سيفعله داود في تلك الحالة.

وتبدأ العملية بأن يأمر داود مريضَه أن ينبطح على بطنه، ويعري ساقيه وفخذيه، وتأتي مساعِدتُه بلفافات صغيرة من القطن، وزجاجة بها كحول، ومسَح داود فخذي الرجل تحت عجزه بقطعة من القطن مغموسة في الكحول، وبسرعة مرَّ بإبهام يده اليمنى على فخذه، وكأنما هو قد شق فيه جرحًا طولُه حوالي شبر، وأخذ يعبث بأصابعه في الجلد بقوة، وبطريقة بارعة وسريعة، وبحيث لا تعطي أحدًا الفرصة ليرى بدقة ما يجري، كل ما رآه دكتور نولين هو خدش أحمر قانٍ لا يزيد على الإصبع طولاً، وكأنما هذا الخدش من فعل دبوس مرَّ على الجلد مرورًا عابرًا.

ومدَّ داود يده إلى مساعِدته؛ لتعطيه وعاء يشبه الكوب، وفي داخله قطعة قطن مبللة بالكحول، وفيها أشعل داود النار، ثم وضع الفتحة سريعًا على الجلد حيث يوجد الخدش (وهي نفس الطريقة التي نعرفها في بلادنا العربية باسم "كاسات الهواء" التي تستخدم في الأوجاع العضلية أو ما شابه ذلك، وفكرتها تقوم على تمدُّد الهواء في الكأس أو الكوب في أثناء الاحتراق، ثم هروبه إلى الخارج، وعندما توضع الفتحة بإحكام على الجلد، ينطفئ اللهب سريعًا؛ ليبرد ما تبقى من هواء ساخن، ثم ينكمش ويحدث التخلخل، فيشد الجلد إلى الداخل شدًّا، بحيث نراه مكورًا، ويعتقد  العامة عندئذ أن الهواء أو الرطوبة التي تخلَّلت الجسد، وأدَّت إلى الوجع، سوف تخرج تحت وطأة التفريغ الكائن في الكأس أو الكوب).

غير أن جراحة داود الروحية قد جعلت الدم ينبثق من الخدش الذي أحدثه بخفة يد ومهارة، وبحيث لا يلاحظ ذلك أحد، فيعتقد أن الجرح أو الخدش قد نتج عن طاقة روحية خفية خرجت من إصبع السبابة، ويعترف دكتور نولين بأن داود قد خدعه، برغم أنه يمتلك مقدرة في هذا المجال لا تتأتَّى لغيره من المشاهدين؛ ولهذا نراه يكتب عن ذلك ويقول: "إنني جراح أَجْريت أكثر من ستة آلاف عملية جراحية، وفيها عايشت عمليات في الرئات وحصوات المرارة والمصران الأعور والأرحام وشق البطون والرؤوس والأعناق والأطراف وما شابه ذلك، وجالت يداي خلال كل أجزاء الجسم وتجاويفه؛ ولهذا أعتقد أنني أعرف الكثير عن فن الجراحة، ومن هنا كانت قدرتي على تقييم ما يجري أمامي، وهذا ما لا يتأتى للذين لا يعرفون شيئًا عن سر المهنة، فلو أنك لم تكن قد شاهدتَ الكثير من العمليات الجراحية، وعايشت الدم والأنسجة والأعضاء، لكان من السهل جدًّا عليهم خداعك!".

ومع ذلك، فقد خُدِعَ نولين أول مرة، لكنه كان أكثر حرصًا في المرة الثانية؛ إذ عندما أراد داود أن يكرر عملية سحب الدم مِن فخذ الرجل، اقترب نولين أكثر، حتى أطل برأسه من فوق كتف الرجل (كان الأمريكي طويلاً، والفيليبيني قصيرًا، مما يسَّر الملاحظة الدقيقة) واتخذ موضعًا أحسن، ونظر إلى يد داود اليسرى، وهي تمر بقطعة من القطن المغموسة في المُطَهِّر على فخذ المريض، فبدَتْ له اليد خالية من أي آلة جراحية، ومع ذلك ظهر خدش طفيف لا يكاد يُرى، فتحيَّر نولين حيرة كبرى، وعندئذ ركز بصره على يد داود اليسرى، وبينما هذا الأخير يضع قطعة القطن على حافة سرير المريض، لاحظ نولين قطعة صغيرة من الميكا ذات طرف حادٍّ مدبب، وهي تختفي بين إصبعي يد داود اليسرى، ولا تكاد تظهر، فأيقن أن الخدش الطفيف قد حدث بها أثناء تطهيره جلدَ المريض.

لكن فصول الخدعة الذكية لم تنتهِ عند هذا الحد، إذ يَمُرُّ داود بسبابة يده اليمنى مرًّا سريعًا في الهواء فوق الجزء المخدوش، وعلى مسافة بينهما تُقدَّر بحوالي شبر أو يزيد، وفي هذه الحركة نوع من التمويه؛ إذ يوحي للناس بأن إصبعه قد انطلقتْ منه قوةٌ خفية فقطعت الجلد عن بُعد، ثم يبدأ في ثنيِ وضغطِ وشدِّ ثنياتِ الجلدِ بأصابع يديه، فيتمزق الخدش ويصبح جرحًا تنبثق منه قطرات دقيقة من دم، أما قطعة الميكا الصغيرة، فقد تركها بجانب السرير دون أن يلحظها أحد (عدا نولين بطبيعة الحال)، وفي النهاية يضع الكأس على الجرح لينبثق مزيد من الدم، وعندما يتجلط، يطَّلع عليه المشاهدون، مشيرًا إلى أنه قد خلص المريض من الجلطات التي كانت تسد أوعيته الكامنة في الساق!

وهنا تكمن خدعة أخرى لا يعرفها إلا كل مَن مارس الطبَّ؛ إذ لا يمكن أن تسحب الجلطات التي تكونت في أوعية أساسية في الساق من خلال أوعية ثانوية وسطحية تكمن في الفخذ تحت الجلد مباشرة، حتى لو سحب كل دماء المريض من خلال هذا الخدش السطحي، وطبيعي أن هذه الخدعة تجوز على كل مَن لم يمارس مهنة الطب، ومع ذلك فقد قام المريض، وكأنما هو قد عوفي من مرضه، وشد على يد داود شاكرًا له جميل صنعه، وبراعة طبِّه!

لقد ذكَرْنا ما ذكَرْنا بشيء من التفصيل؛ حتى تتضح لنا مهارة هؤلاء المعالجين الأدعياء، وخفة يدهم، وخداعهم الذي ينطلي على الناس، فيتحدَّثون - عن جهل - بمعجزاتهم التي يعجز الطب عن تحقيقها، وطبيعي أن هذا المريض - الذي ظن أن بلاءه قد زال؛ لاعتقاده الشديد فيما يُحكى عن جراحي بلاده من إنجازات هائلة - لم يبرأْ حقًّا مما أصابه، حتى لو قال المستغفَلون غير ذلك!

ومما يدل أيضًا على ذكاء هؤلاء الناس وسرعة بديهتهم، وقدرتهم على التخلص من المآزق الحرجة التي قد يقعون فيها - أنه جاءت لداود حالةٌ أخرى إلى المنزل الذي كان يعالج صاحبه من الجلطات في تلك القرية، وكان المريض ذا بطن منتفخ بشكل واضح، وشرح داود للدكتور نولين حالته، وقال إن هذا الرجل كان يجد صعوبة في التبول، وأنه عالجه قبل ذلك بثلاثة أسابيع، ثم أمره بالحضور قبل أسبوع، لكنه لم يحضر، ربما لفقره، ومع ذلك سوف يعالجه بسبب اشتداد مرضه!

وعندما بدأ الكشف، وجالت يدا داود حول بطنه المنتفخ، أسرَّ إلى الجراح إن كان يريد توقيع الكشف عليه بنفسه، فلم يمانع، ولم تمضِ دقائق حتى أدرك نولين أن هذا الرجل مصاب بورم سرطاني في كليته اليمنى، وأن الورم كان في حجم كرة القدم، ولما استفسر داود عما يمكن عمله إذا زار نولين في عيادته، أخبره الجراح أنه سوف يرسله إلى المستشفى مباشرة؛ لإجراء التحاليل، وتجهيزه لعملية جراحية تستلزم نقل دم؛ حيث إنه مصاب بأنيميا حادة. وعاد نولين ليقول لداود: على أنك لا تهتم بكل هذه الأمور، فأنت تستطيع من خلال جراحتك الروحية أن تتصرف وتستأصل هذا الورم دونما حاجة إلى استخدام وسائلنا الجراحية المعقدة، وأودُّ من كل قلبي أن أراك وأنت تفعل هذه المعجزة.

وكان نولين يقصد بذلك أن يضع داود في مأزق لا مخرج منه ولا مهرب، لكن الجرَّاح الروحي استطاع بذكاء أن يهرب من الفخ المنصوب، فأخبر نولين أنه لن يجري هذه العملية الآن؛ لأن لهذا المريض مشكلتين: إحداهما طبيعية والأخرى غير طبيعية، وسوف يقوم أولاً بعلاج المشكلة غير الطبيعية ببعض الأعشاب الطبية، فيستمر في العلاج لمدة أسبوعين، ثم يعود إليه ليستأصل الورم من جذوره.


ووقع نولين في الفخ، وهزَّ رأسه موافقًا، وإلا فما عساه أن يقول أمام هذا التصرف الذكي الذي أنقذ صاحبه من مأزق كبير؟

لكن داود وافق على إجراء عملية جراحية لسيدة جاءت تشكو ألمًا ببطنها، فبعد الكشف على بطنها، ذهب داود إلى قدمها اليمنى، وأخذ يعصر الإصبع الأكبر، فلم تتألم السيدة لذلك، ولما سأله نولين عن السر فيما فعل، أخبره بأن الضغط على الإصبع يوضِّح له إن كان المرضُ طبيعيًّا أو غير طبيعي؛ إذ أحيانًا ما تأتي الأمراض من الأرواح الشريرة، وبلع نولين هذه الخدعة بمرارة، فمِثْلُ هؤلاء الناس لا يزالون يعتقدون في خرافات قديمة، إما عن جهل وإما عن عمد، لا أحد يدري!

وكان حسنًا أن داود لم يجد مرض السيدة غير طبيعي؛ لأن لديها اضطرابًا في معدتها، ولما سأله نولين عن طبيعته، أخبره بأنه ألم... ألم لازَمَها منذ فترة طويلة؛ ومن أجل هذا سوف يُجري لها الجراحة اللازمة، وبدأت مراسم الجراحة بصلاة ودعاء، ثم أحضرتْ مساعِدتُه المطهِّر، ومسح به بطن المريضة، ووضعت - أي المساعدة - ثلاث قطع صغيرة من القطن على البطن، وبدأ داود بيديه العاريتين وكأنما يعجن بطن المريضة، وبعد ثوانٍ قليلة اختفت قطع القطن الثلاث بعد أن كان يعجنها أيضًا في بطن المريضة، وفجأة وبعد لحظات من اختفاء القطن بدأ سائل أحمر داكن ينزف من بين أصابعه، وعند هذه اللحظة لم تكن تظهر من أصابعه إلا السلاميات أو العُقَل المجاورة لراحة اليد، أما أصابع اليد الأخرى فكانت تحيط بها وتخفيها، ثم تظهرها في وضع وكأنما هي تغوص بالفعل داخل بطن المريضة، وأن السائل الأحمر ليس إلا دمًا ينزف من البطن!

وبعد حوالي دقيقة أخرج داود - بيده اليسرى - من بطن المريضة قطعةً حمراء ملتوية يبلغ طولها حوالي خمسة سنتيمترات، بينما كانت يده اليمنى غائصة في البطن، وأعلن أن ما أخرجه جلطة دموية، فأمَّن الحاضرون على كلامه بهز رؤوسهم، وعاد ليعبث بأصابعه في بطن المريضة، ووضعت المساعدة عليها مزيدًا من قطع القطن، وسرعان ما اختفت هذه القطع بين يدي داود، وبعد لحظات أخرج كتلة أطول وأكبر من سابقتها، وكأنما الدماء تكاد تنزف منها، وأحاط داود علم الحاضرين أن ما أخرجه ليس إلا نسيجًا فاسدًا في المعدة، ووافقه الحاضرون بإيماءة من رؤوسهم، ولم تستغرق هذه العملية سوى ثلاث دقائق، وبعد أن مسح داود السائل الأحمر بقطعة من القطن، وفحص نولين بطنَ المريضة، فلم يجد فيها أثرًا لجرح أو خدش، أو أي علامة تدل على فتح البطن، ونزف الدم، واستئصال هذه الأنسجة!

واختفت بسرعة قطع القطن المبللة بالسائل الأحمر، كما اختفت الأنسجة الفاسدة؛ إذ إن هؤلاء الناس لا يمكِّنون أحدًا من فحصها؛ لأمر لا يخفى على لبيب، فلا الدماء قد انبثقت، ولا الأنسجة الفاسدة قد استؤصلت، ولا فتح البطن قد تم؛ بل إن ما حدث كان حركات بارعة لا تزيد على حركات الحُواة؛ فالأنسجة الفاسدة مثلاً لم تكن إلا قطع القطن التي عجنها في السائل الأحمر، وأخرجها على الملأ مفتولة وكأنها تشبه أنسجة الجسم الداخلية.

وقامت المريضة سليمة؛ لتعلن أن علَّتها قد شفيت، وأن الآلام قد اختفت! وترك نولين القرية، وهو يشد على يدي داود، ويهنئه على براعته الفائقة، وكأنما نفسه تحدثه حديثًا ذا شجون، أو كأنما هو يرثي لحال آلاف المخدوعين الذين وقعوا ويقعون في خزعبلات لا تجوز إلا على المغفلين!

ويذهب نولين في اليوم التالي إلى جرَّاحة روحية اسمها جوزفين: شابة تبلغ من العمر 24 عامًا، وعندما حضرت من السوق كان في انتظارها ثلاثةُ مرضى ودكتور نولين، وعلى أحد المرضى أجرت عملية روحية لاستئصال الزائدة الدودية، وأخرى في المعدة، وثالثة في الفك، ولم تستغرق كل عملية إلا دقيقتين أو ثلاثًا... نفس السائل، وقطع القطن، وحركات الأصابع، وقطع النسيج الأحمر التي هي في الحقيقة قطن ملطخ بالسائل وملفوف بطريقة خاصة؛ ليبدو وكأنما هي جلطات أو أورام أو أنسجة "فاسدة"... إلخ، وفوق كل هذا كانت هذه الأنسجة الخادعة تختفي سريعًا في وعاء، ويُضرمُ فيها النار؛ حتى لا يكتشف أحد الخدعة.
وعنَّ للدكتور نولين أن يتصل بأحد أطباء الفيليبين من أهل البلاد؛ ليجري معه حوارًا عن ذلك الذي يراه... وقد كان.

حوار له مغزاه:

سأل نولين مديرة الفندق في مدينة باجيو التي يقطن فيها: إن كانت تعرف طبيبًا يتحدث الإنجليزية، ولديه رغبة في حوار مفيد عن الجراحات الروحية التي تتم تحت سمع وبصر الهيئات الطبية دون أن تضع حدًّا لذلك.

وأرشدته إلى دكتور "رول أوتيلو"، وحدث الاتصال، وبدأت المناقشة، وكان أوتيلو يتحدث الإنجليزية بطلاقة؛ إذ إنه تلقى تدريبات طويلة في الولايات المتحدة، ومن هنا كانت المناقشة صريحة ومثمرة، خاصة بعد أن أسرَّ إليه نولين بالمهمة التي جاء من أجلها.

يذكُر دكتور أوتيلو أن الهيئات الطبية في الفيليبين قد حاولت المرة تلو الأخرى أن تستقصي حقيقة هؤلاء الناس، وأن تجري معهم حوارًا، لكن من دون فائدة، فإلى الفيليبين ينزح آلاف المرضى سنويًّا؛ لطلب العلاج عند هؤلاء، فمنهم من يأتي من الولايات المتحدة وكندا وألمانيا واليابان... إلخ، ولقد حاولنا أن نحذِّر الوافدين من عدم جدوى العلاج، وأن الأمر ينطوي على خداع، ولكن لا أحد يسمع النصيحة، ومن هنا نفضنا أيدينا، وتركنا الأمور تجري في أعنتها.

ومنذ أن كان أوتيلو رئيسًا للجمعية الطبية المحلية بالمنطقة عام 1967 كان اسم "توني أجباوا" نارًا على عَلَمٍ بين جراحي الفيليبين الروحيين، وهو رجل ثري بمعنى الكلمة... صحيح أنه يدعي أنه لا يقاضي أحدًا من مرضاه أيَّ أتعاب، ولكنه يأخذها على هيئة هبات لكنيسته المزعومة، ثم إن أقلَّ هبة كانت في حدود مائة دولار، وهناك مَن يدفع ألفًا؛ أي إن دخله في الشهر الواحد كان يربو على أربعين ألف دولار، أضف إلى ذلك أن زوجته تمتلك شركة للسياحة، وتورد له الزبائن، ويقال: إنه تقدم لشراء جزيرة يبلغ ثمنها سبعة ملايين دولار!!

ولقد أراد أوتيلو أن يدينَ أجباوا على مهنته غير الأخلاقية وغير المشروعة، لكنه تخلى عن هذه الفكرة؛ حتى لا يتهمه أحد بالغيرة (أو ربما لأن الحكومة تشجع السياحة عن طريق هؤلاء)، واستبدل بذلك فكرة أخرى: لماذا مثلاً لا يتصل بأجباوا ويتقرب منه، ويعرف حقيقة ما يقوم به، فربما أدى ذلك إلى الاستعانة بخبرته في علاج الحالات المستعصية؟


"وقَبِل أجباوا الفكرة، وحدد لنا موعدًا، وجهزنا مسرح العمليات، وأحضرنا بعض المرضى؛ لنرى كيف يجري عملياته، لكنه لم يحضر!

وأردنا أن نخرجه، وذهبنا إليه ذات يوم في كنيسته، فادَّعى أنه مريض، وأن قدراته على العلاج في هذا اليوم ليست على ما يرام، وحدد لنا موعدًا ثالثًا، وانتظرناه فلم يظهر، بل تبيَّن لنا فيما بعد أنه هجر المدينة إلى حين، واستمرت المطاردة بيننا وبينه، وعندما ضيقنا عليه الحصار نقل نشاطه إلى استراحة جميلة على شاطئ البحر".


وماذا عن ضحاياه... ألم يقاضه أحد بالتسبب في إيذائه؟

إن أحدًا لا يستطيع أن يفعل ذلك؛ فمعظم زواره من الغرباء الذين جاؤوا لبضعة أيام، كما أن أحدًا منهم لا يريد أن يحرج نفسه، ويظهر أمام الناس بمظهر المخدوع أو المستغَلِّ، وخير له أن يرحل في هدوء!

ويستطرد دكتور أوتيلو في حواره مع دكتور نولين فيقول: كثيرًا ما استُدعيت إلى هذا الفندق أو غيره لأعالج أو أسعف بعض المرضى الذين جاؤوا طلبًا للجراحات الروحية، ثم أدركوا أنهم وقعوا في أيدي مخادعين محتالين، وكان معظمهم يستحي أن يتحدث إليَّ فيما وقع فيه؛ حتى لا أتهمه بالغفلة أو السذاجة، على أن هناك حالات قد لقيتْ حتفَها، وهذا هو الشيء المحزن حقًّا؛ إذ يفصل بينها وبين أوطانها آلاف الأميال، وطبيعي أن أحدًا لا يستطيع أن يقدم هؤلاء القتلة المستترين إلى القضاء، ما لم يتقدَّم أحدُ الضحايا بإدانتهم.

إن توني أجباوا قد مارس هذه المهنةَ طوال عشرين عامًا دون إدانة واحدة، ولا شك في أنه إنسان على درجة كبيرة من الذكاء والخداع؛ فهو لا يسمح لأحد على الإطلاق بأن يفحص عيناته التي يستخدمها في جراحاته المزعومة، ولا أن يقرب الأنسجة التي يدعي استئصالها مِن مَرضاه؛ بدعوى أن هذه الأنسجة شريرة، ولا بد من حرقها في الحال، ومع ذلك فهناك عينة وحيدة قد أمكن الحصول عليها وتحليلها؛ فلقد حضر رجل أعمال من كندا؛ ليجري جراحة روحية لاستخراج حصاة من إحدى كليتيه، إلا أنه شك فيما يقوم به أجباوا على مرضى سبقوه في العلاج، وعندما تقدم للجراحة، وزعم أجباوا أنه استخرج له الحصوة، وأمسكها في يديه ليريها إياه، خطفها الكندي من يده بسرعة قبل أن يتخلص أجباوا منها في وعاء تَضْطَرِمُ فيه النار، وأحضرها إلى المستشفى الذي يعمل فيه دكتور أوتيلو، فسلَّمها هذا بدَوْره إلى المعمل الباثولوجي حيث تم فحصها، فتبيَّن أنها قطع من السكر... لا أكثر ولا أقل!!

ولم يستطع رجل الأعمال الكندي أن يشكو؛ خوفًا على سمعته من الفضيحة، وكل ما استطاع عمله أنه لم يدفع الهبة لأجباوا.


لكن دكتور نولين لم يكتف بهذه المعلومات الغريبة والمؤسفة؛ بل عوَّل على أن يحصل على المزيد من أخبار الجراحات الروحية، ومن ثَمَّ فقد سعى سعيه لمقابلة توني أجباوا، والاطلاع بنفسه على معجزاته المزعومة، إلا أنه لم يستدل على مكانه؛ لتهرُّبِه من الضرائب، فعَدَل عن ذلك، خاصة بعد أن تناهى إلى علمه أن الجرَّاح الروحي جو ميركادو هو الوحيد الذي لا يغش ولا يخادع، هذا بالإضافة إلى طريقته المثلى في إقناع كل متشكك في جدوى هذا النوع من العلاج، ومن ثم عقد العزم على زيارته.

دكتور نولين يدخل التجربة بنفسه!

بينما نولين يتحدث إلى صديق، لمعَتْ في ذهنه فكرةٌ جريئة، فأسرَّ إلى صديقه أنه سيدخل مع ميركادو في تحديَاتٍ حقيقيةٍ، فيذهب إليه على أنه قد جاء للعلاج وليس للاطلاع، فيَرقُب بعين الجراح الحذِر المتمرِّس كيف ستتم هذه العمليات، وما قد يشوبها من صدقٍ أو خداع.

وفي كنيسة ميركادو لاحظَ دكتور نولين بهوًا واسعًا يصطف فيه حوالي مائتي مقعد، لكن نصفها كان مشغولاً، وهناك قابلتْه مساعدةُ ميركادو (وتُدعي ماريا) على أنه مريض جاء يطلب الشفاء، فأخبرها بأن لديه ضغطًا مرتفعًا في الدم (وهذا صحيح)، وأنه يخشى أن يكون قد أثر في كليتيه، وأشار إلى حيث قد توجد المشكلة التي يعانيها، وأخبرتْه ماريا أن ارتفاع الضغط ليس مشكلة، لكن الذي يهمُّ هما كليتاه، وأمرتْه أن يتخذ له مقعدًا حتى يحين دوره.

وفي الساعة العاشرة صباحًا بدأت مراسم الجراحة الروحية بصلوات استمرت حوالي عشر دقائق، وتَبِع ذلك حديثٌ لرجل يدعى جوكين كونانان، وهو رئيس مذهب الكنيسة الروحية في الفيليبين، واستمر حديثه أيضًا حوالي عشر دقائق، وبعد أن امتدح قدرات العلاج الروحي التي تتم على أيدي المعالجين الروحيين، وعلى رأسهم جو ميركادو، بدأ في تقديم الدليل على صحة هذا النوع من العلاج من خلال مجلات ومقالات ونشرات كانت في حوزته، ومن بينها مجلة "التايم" واسعة الانتشار، وفيها جميعًا تأكيدٌ على امتلاك المعالجين الروحيين لطاقات خارقة، والدليل على ذلك أيضًا أن مجلة التايم قد نشرت لجو ميركادو صورًا، وفيها تظهر أصابعه وقد انطلقت منها هالات غريبة تشع في اتجاهات شتى، قد ظهرت هذه الهالات بواسطة نوع من التصوير يعرف باسم التصوير الكيرلياني (نسبة إلى مخترعه، وهو الروسي كيرليان).

الغريب أيضًا أن هناك صورتين لجو ميركادو، في إحداهما تظهر أصابعه قبل بدء العلاج وحولها هالات واضحة من الطاقة الخفية، وفي الأخرى تبدو الهالات ضعيفة وباهتة بعد إجراء العملية، ويعني ذلك أن ميركادو كان يفرغ طاقته الروحية من خلال أصابعه في جسم المريض أثناء إجراء العملية، ثم يعود الشحن الروحي ليظهر قويًّا بعد قليل في العملية التي تليها... وهكذا كان يشحن ويفرغ مرات عديدة بعدد المرضى الذين يعالجهم، وهذه - كما يزعمون - قدرات خاصة لم يهبها الله إلاَّ لهذا النوع من البشر!

ثم يبدأ كونانان في قراءة فقرات من مقال منشور لرائد الفضاء دكتور إدجار ميتشيل، وفيه يشيد بمعجزات العلاج الروحي، ولقد ذكرنا إدجار ميتشيل هنا مرة أخرى لسبب؛ فبرغم أنه رجل علم، إلا أنه أكبر بوق دعائي لمثل هذه الخرافات، وهذا ما سبق أن أشرنا إليه، ثم يقرأ كونانان في النهاية تقريرًا موقعًا من عدة أشخاص - بعضهم مشهور وبعضهم مغمور - وفيه يشهدون بأن العلاج لا ينطوي على أي خدع أو شعوذة!

إننا نسوق هذه الفقرات هنا ليس من قبيل تحصيل الحاصل؛ بل لكي نوضح كيف أن هذه الخزعبلات تدور في حلقات محكمات، ولها أدعياء برعوا في خداع الناس؛ ليثروا على حساب أهم شيء يمتلكه الإنسان... هذا الشيء هو صحته ومرضه!

وقبل أن يجيء الدور على دكتور نولين لإجراء عملية في كليتيه، نادى المنادي على رجل من البرازيل جاء إلى الفيليبين لبعض الأعمال، وفي نيته أيضًا أن يطلع على معجزات الجراحات الروحية التي قرأ عنها الكثير، وأهمهما معجزات ميركادو بخاصة، وتقدَّم إلى حيث توجد منضدة العمليات، وأخذ حقنة تخدير "روحية"، وهي حقنة لا وجود لها إلا في الخيال؛ إذ يكفي أن يشير ميركادو إلى مكان الوجع بسبابته عدة مرات، وفي هذه الأثناء تخرج من سبابته القوة الروحية المزعومة لتقوم بالتخدير، ثم يقف الرجل أمام ميركادو؛ ليخلِّصه من ضرس فاسد، ويبدأ الجراح الروحي في فتح فم الرجل، ويعبث فيه بحركات مدروسة في "مدرسة" الخداع والتمويه، وبعد قليل يُخرِج من فمه قطعةً صغيرة من مادة بيضاء، وكان واضحًا تمامًا أنها ليست بضرس، وعندما أراد البرازيلي أن يحصل على "ضرسه" المخلوع من ميركادو، سارع هذا بقذفه إلى مساعدته ماريا؛ حيث ألقته في جردل صغير، وأضرمت فيه النار، وعندما تحسس البرازيلي ضرسه المخلوع، وجده في مكانه، واحتج على ذلك بنبرة فيها خيبة أمل وحسرة، وأعلن أن ضرسه لا يزال موجودًا، لكن ميركادو لم يعبأْ بكلامه (كان لا يفهم الإنجليزية كثيرًا)، وأشار إلى مساعدته لكي تشرح له علته، فأخبرت الرجل المخدوع أن ضرسه لا غبار عليه؛ ولهذا فليس هناك داعٍ لخلعه، إنما الجراحة قد أجريت على جذور الضرس الملتهبة، وأنه أمكن إزالة النسيج الفاسد بالجراحة الروحية، واقتنع معظم الحاضرين بهذه التفسيرات الذكية الجاهزة... لكن مما لا شك فيه أن ميركادو لم يفعل شيئًا، إنما هو - في الواقع - كان يخبئ بين أصابعه قطعة صغير من نسيج لا تمت لفم الرجل أو ضرسه بصلةٍ تُذكَر، ثم أظهرها أمام الناس بعد ذلك؛ ليوهمهم أنه قد استأصل بالفعل شيئًا، وأن هذا الشيء هو علة العلل!

وبعد عدد من العمليات يجيء الدور على دكتور نولين، فيجري على بطنه كشْفًا بالأشعة الروحية، وبهذه الأشعة المزعومة يرى ما في الباطن، ويحدد مكان المرض، ويعرف طبيعته، ولا مانع هنا من ذكر الطريقة التي يتخذها ميركادو؛ ليتبين لنا ما تنطوي عليه من سذاجة لا تجوز إلا على أصحاب العقول الضعيفة؛ إذ يمسك ميركادو بفوطة في حجم فوط الوجه، ويضعها بين عينيه وبين بطن نولين، وينظر من خلالها إليه "فتنطبع" على الفوطة صورة واقعية للأعضاء الداخلية، وهو - أي: ميركادو - الوحيد الذي يستطيع أن يرى ويحدد موضع المرض... وبعد أن رأى وحدد، أخبر نولين بضرورة عملية جراحية، ووجَّه ميركادو إصبعه إلى بطن نولين، وكأنما هو يحقنه بحقنة التخدير الروحية، وبعدها تبدأ الجراحة المزعومة!

ولما رأى ميركادو أن هذا الأمريكي فارع الطول، وأن منضدة العمليات القصيرة نسبيًّا لن تكون مريحة، أسرَّ إليه أنه سيجري له العملية وهو واقف، واستبشر نولين بذلك خيرًا؛ فلا شك أن ذلك سيعطيه فرصة ذهبية لينظر من فوق إلى أصابع ميركادو وهي تعمل في بطنه، دون أن يفطن هذا للمراقبة.

ويصف د. نولين بعباراته بعضَ تفاصيل ما رآه، فيقول: "بعد أن كشف ثيابي عن بطني، بدأ في العمل، فأخذ يعجن بطني بأصابعه، وكنت أراقب من فوق بحذرٍ بالغ كلَّ حركة من حركاته، واستطعت أن أرى - من البداية - شيئًا أحمر يميل إلى الاصفرار، لكنه كان يُخفيه في طيات راحة يده اليمنى، وبعد ثوانٍ قليلة، بدأت "الدماء" تسيل على بطني، وهي دماء مزعومة، ثم بدأ ينزع قطعًا من القطن الملوث بهذا السائل الأحمر، وكانت القطع مطوية أو "مبرومة" لتتخذ أشكالاً شتى، وأمسك بعضَها بين أصابعه ثم علَّقها أمام عيني لكي أراها، وهنا صاحتْ ماريا المساعدة "إنها جلطات!"، ثم راح ميركادو يعبث في جلد بطني أكثر وأكثر، وكأنما هو يستأصل من الداخل نسيجًا حقيقيًّا، وأخيرًا وبعد ثوانٍ قليلة ابتسم وأراني نسيجًا متكورًا أحمر يميل إلى الاصفرار، ولم تكن المسافة بين عيني وبين هذا النسيج تزيد على 15 سنتميتر لا غير، مما هيأ لي الفرصة لأُلقي عليه نظرة سريعة فاحصة، وعرَفتُه على الفور بأنه قطعة من الدهون التي غمسها في السائل الأحمر، فاكتسبتْ بعضَ لونه، وعندما رأتْ ماريا ذلك، نظرت إليَّ بدهشة وسرور وقالت: إنه ورم سرطاني... شيء خطير جدًّا... إنك رجل محظوظ للغاية... لقد نجحت العملية... ولتستبشر خيرًا!".

ويستطرد نولين قائلاً: لقد حل بي نَهَمٌ شديد لأخطف من يده هذه القطعة، لكنه لم يمكنني من ذلك؛ إذ كان أسرع في إلقائها في جردل خلفه، ثم جاء مساعد آخر، وأضرم فيها النار، وهذا هو مصير كل نسيج يزعم استئصالَه من المرضى، وعاد ميركادو إلى بطني ليمسح الدماء المزعومة بقطعة من القطن، وعادت الأمور إلى مجاريها، ودعاني لأنْ أنظر إلى بطني، ونظرت... لا خدش... لا جرح... لا ندبة... لا شيء إطلاقًا! وعندئذ ابتسم لي، وابتسمت له، وحييته قائلاً: لكن... هل هذا يخلصني من ضغط دمي العالي؟

"وهنا تدخَّلت ماريا؛ إذ كانت تتحدث الإنجليزية بشيء من الطلاقة، وأخبرتني أن ما أخرجناه كان أكثر خطورة من الضغط؛ إنه ورم خبيث... أنت محظوظ، ومع ذلك فنحن على استعداد لتقديم الشفاء من ضغط الدم... ما عليك إلا أن تجلس هنا؛ لنجري عليك عملية تدليك؛ فتشفيك مما تعاني... وعندما جلسْتُ، بدأ رجل مُسن يدلكني، ثم ساعَدَه ميركادو، ولقد كان عملهما أقرب إلى الضرب والصفع على كتفي ورقبتي ورأسي منه إلى التدليك، وهذا ما جذب انتباه الناس فجعلهم يضحكون ويبتسمون، ثم شاركناهم أيضًا ضحكاتهم وابتساماتهم... لقد كان منظرًا مثيرًا للغاية، إنه منظر فكاهي، لا علاجي!".

والغريب أن ماريا قد أعطت نولين زجاجة بها زيت ليدلك به جسمه، بزعم أن هذا كفيل بتخليصه من ضغط دمه... وطبيعي أن نولين قد ألقى بالزجاجة على أقرب كومة قمامة، فلا بالتدليك، ولا بالزيت يتم شفاء ضغط الدم... إنما الأمور كلها دجل في دجل!

الشيء الوحيد الذي تأكد منه نولين أن ميركادو لم يفتح بطنه، ولم يستخرج منها شيئًا، ولكنه مخادع كبير... هذا الذي يقولون عنه: إنه أعظم الجراحين، وإنه لا يخدع ولا يضلل أبدًا!

والشيء الوحيد أيضًا الذي يتميز به ميركادو عن الجراحين الروحيين المزعومين أنه لا يستخدم قطعًا من القطن المبروم بأشكال شتى، والمغموس في سائل ملون (أحمر أو أصفر أو برتقالي)؛ ليوهم به الناس أنه نسيج حيٌّ مُستأصل، بل طوَّر المهنة، واستبدل بقطع القطن الملونة أنسجةً حية يحصل عليها من قطط وطيور وما شابه ذلك، فهذا أتقن في الخداع، وأعظم في التمويه.

لقد أجرى ميركادو في هذا اليوم المشهود عشرات العمليات الجراحية التي ادعى فيها أنه استأصل أرحامًا ومبايضَ وسرطاناتٍ وكُلًى وأكبادًا وجلطات من القلوب... إلخ... إلخ، كل هذا يحدث... وما عليه إلا أن يَخدَع، وما على الناس إلا أن تَدفَع!

جراحة روحية غريبة للعين:

والواقع أن الجراحات الروحية كثيرة ومتنوعة، ونحن لا نستطيع أن نتعرض لها هنا؛ فهي تستحق كتابًا كاملاً، لكن يكفي أن نقدم هنا جراحة مثيرة على يدي "جراح" آخر يدعى فلورز، فعندما ذهب إليه دكتور نولين في كنيسته، وجدها مكتظة بالناس، وقبل أن يتخذ له مقعدًا فوجئ بالمدعوِّ كونانان - رئيس مذهب الكنيسة الروحية في الفيليبين - وهو يقف "بوثائق" - نفس الوثائق التي كانت معه عند ميركادو - ليُظهِرَ للناس من خلالها أن الجراحة الروحية حقيقة لا ريب فيها، وبعد أن انتهى من "موعظته" المكررة، كان نولين قد تعرف - أثناء وقوفه - بصحفي بريطاني جاء من هونج كونج؛ ليكتب موضوعًا صحفيًّا مثيرًا عن معجزات الجراحات الروحية التي سمع عنها الكثير، لكن نولين لم يشأ أن يصدمه؛ بل صحبه معه ليرى بعينيه.

نعود الآن إلى فلورز، لنراه يجري جراحاته بنفس الطرق التقليدية، وبعد عمليتين في البطن، تقدَّم المدعو كونانان وجلس على كرسي؛ ليجري له فلورز جراحة في عينه، والغريب أن هذا الرجل كان قد تحدَّث بالأمس إلى نولين، ولم يلحظ عليه جرَّاحُنا أيَّ شيء غير عادي، وهذا ما يدعو إلى الشك حقًّا، فهل يقوم هذا الرجل بدور دعائي للجراحين الروحيين، ويقتسم معهم بعضَ الغنيمة؟ لسنا ندري.

وتقدَّم نولين والصحفي إلى الأمام علَّهما يأخذان موقعًا أفضل للمراقبة، إلا أن سيدة عجوزًا قد منعتْهما من ذلك، "فالجرَّاح" فلورز لا يرحب كثيرًا بمن يراقبه، ولا هو يسمح لأحد بالتصوير... ومع ذلك فقد استطاع نولين وصاحبه أن يرقبا ما يجري، وعندما تركت السيدة العجوز مكانها، استطاعا أن يتسلَّلا أثناء انشغال الجميع في العمل، أو التطلع إلى الجراح وهو يعمل، ووقفا في مكان قريب من مسرح العملية، فما عاد يفصلهما عن فلورز ومريضه إلا متر ونصف المتر.

وظهر كونانان بعينه اليسرى مغمضة، أما العين اليمنى، فقد أخرجها فلورز من مقلتها، وأصبحت المسافة بين المقلة وبينها حوالي عشرة سنتيمترات، وبدأ فلورز يعبث في العين، وأخيرًا أخرج منديلاً من جيبه، وأخذ ينظفها ويدعكها كما نفعل نحن مثلاً في نظارتنا الزجاجية... وجذب هذا المنظرُ المثير انتباهَ الصحفي، فهمس في أُذن نولين: إن ذلك لمدهش حقًّا! إذ كيف يستطيع أن يخلع العين ويبعدها إلى مثل تلك المسافة؟!


وجاوبه نولين هامسًا: إنه لم يخلعها، وعليك أن تراقب جيدًا حتى النهاية.

وبعد ثلاث أو أربع دقائق من عملية الصقل و"التلميع" بالمنديل، وضع يده اليمنى بجوار أنف كونانان، ثم ثنى كفَّه بحيث لم نستطع أن نرى ما يجري، ووضع يده اليسرى الممسكة بالعين حول الكف اليمنى المقوسة، وبهذه الحركة كان كل شيء قد تم، وعادت العين إلى مقلتها، وعندما رفع كلتا يديه، نظر كونانان إلى الحاضرين بعينيه، فزادت دهشتهم، وانفرجت أساريرهم بعد أن رأوا هذه المعجزة الخارقة!

وبين دهشة الناس كان نولين والصحفي يرقبان بحذر شديد، وأشار الأمريكي (أي: نولين) إلى الإنجليزي بأن العين التي كان يمسحها ما زالت في راحة يده اليسرى المطوية، وعليه أن يتابع ما قد يحدث بعد ذلك، وسار فلورز حول منضدة عملياته، ودون اكتراث ألقى ما في يده على رفٍّ وراء المنضدة، وبحيث لا يرى هذا الرفَّ أو ما عليه أحدٌ من الحاضرين، وفي اللحظة التالية ظهرت يدُه اليسرى مبسوطةً بغير سوء، وتحرك نولين إلى الوراء قليلاً؛ ليختلس نظرة يلقيها على الرف سريعًا، وحدث ما توقَّعَ، فالعين هناك على الرف قابعة!!

وبعد هذه العملية الكبيرة التي "أجهدت" فلورز لدقتها، حُق له أن يشعل سيجارة، ويرتاح قليلاً، وفي هذه اللحظة شاهد كونانان دكتور نولين، فسعى إليه وتساءل مبتسمًا: هل رأيت عملية جراحية في العين؟ قال نولين وهو يتجنب كذبة على شفتيه: إنها رائعة! فأمَّن كونانان على ذلك بقوله: "إن جراحينا الروحيين لهم قدرات خارقة!".

وخرج نولين مع الصحفي البريطاني الذي أسرَّ إليه بقوله: إنني أعترف بأنني لم أكد أصدقك لولا أنك أشرت إليَّ بمراقبة يده اليسرى، وعندئذ أيقنت بأن الخدعة كانت ستجوز عليَّ... إنهم يستغفلون الناس حقًّا!


ولم يكتب الصحفي - بطبيعة الحال - مقالة جريدته عن المعجزات الخارقة لهؤلاء الناس؛ حتى لا يزيد عدد المخدوعين! وحتى لو كتب الحقيقة، فإن الجريدة لن تنشر منها شيئًا؛ فالمطلوب أخبار مثيرة!

يقول دكتور نولين معلقًا: "إن الجراحة مهنتي، ولهذا أستطيع أن أراقب العمليات الجراحية بعين ناقدة، وبموضوعية قد لا تتأتى للناس، فعندما يرى هؤلاء الدماءَ والأنسجة، ويعيشون في هذا الجو المفعم بالرهبة، فإن شكوكهم وقدراتهم العقلية الفاحصة والناقدة قد تتبخَّر، وحينئذ يصبحون معتقدين ومصدقين. إنني أعرف معرفة يقينية أن العين التي أخرجها فلورز لم تكن عينَ كونانان، فليست هناك أي وسيلة معروفة لشد عصب العين كلَّ هذه المسافة، ثم بأي عملية من عمليات الجحيم أو الشيطان يمكن أن نتناول العين الحساسة هكذا، ثم نمسحها كما نسمح زجاج السيارة؟ إن فلورز ببساطة شديدة قد أتى بعين حيوان، ربما لكلب ميت أو ما شابه ذلك... إن الذين يشاهدون الجراحيين الروحيين - كل الجراحين - سوف يتوصلون إلى حقيقة مؤكدة فبينما إحدى اليدين تعمل، تكون الثانية ستارًا على الجسد، بين الناس وبين العملية المزعومة، ولم يحدث إطلاقًا أن ابتعد جراح روحي بكلتا يديه عن موقع العمل؛ إذ لو فعل لكشف الناسُ الخدعةَ... إن كل شيء رأيتُه وعاينتُه كان وهمًا... وهمًا مجردًا!".

البداية... شعوذة وسحر ودجل!

وفي مانيلا تقابَلَ نولين مع أطباء وجرَّاحين كثيرين في المستشفى العام للعاصمة، وعرف منهم الكثيرَ عن العلاج والجراحة الروحية... عرف كيف بدأتْ هذه الخدع منذ أكثر من ثلاثين عامًا على يدي رجل فيليبيني يدعى تيرته، وكان من المشتغلين بالشعوذة والسحر اللذين تجوز خدعُهُمَا على البسطاء، ولقد لجأ إليه الفيليبينيون الذين يقطنون في المناطق النائية مضطرين؛ حيث لا توجد وقتذاك خدمات طبية، وأوهم الناسَ وأقنعهم بقدراته الخارقة على كشف العلة، وشفاء الأمراض، وكان يُرجِع ذلك إلى الأرواح الشريرة التي تتسبب في كل داء، ووثق الناسُ في علاجه، خاصة عندما نجح في شفاء بعض الأمراض الناتجة عن الحالات النفسية، أو الاضطرابات العقلية، أو الأمراض غير العضوية (مثل الصداع واضطراب الدورة الشهرية... إلخ)؛ إذ يكفي الإيحاء والاقتناع بجدوى ذلك العلاج في شفاء نسبة كبيرة من هذه الأمراض، وهو ما أشرنا إليه قبل ذلك مرارًا.

وذهب تيرته إلى أبعد من ذلك، وادعى قدرته على إجراء العمليات الجراحية دون مبضع أو أدوات جراحية، ورأى العامَّة الدماء وقطع القطن الملطخة والأنسجة التي كان يستأصلها... إلخ. ولم تكن الدماء دماء آدمية، ولا الأنسجة المستأصلة بشرية؛ بل جاءت كلها من بعض الحيوانات، أو من قِطَع القطن المبللة بصبغة حمراء، يحصلون عليها من بذور نبات التنبول الذي ينمو هناك، ولقد شاهد دكتور نولين بعض هذه البذور في كثير من الكنائس الروحية التي زارها، لكنه لم يكن يعرف السبب في وجودها، ومما ساعد على الاعتقاد في هذه الجراحات الخرافية أن الناس العاديين أو البدائيين لا يلقون بالاً إلى تفاصيل ما يجري أمامهم؛ إذ يكفي فقط أن يشْهدوا هذه الدماء الكاذبة، والأنسجة الخادعة، وقطع القطن الملطخة بدم حيواني أو صبغ نباتي يشبه الدم، فهذا يكفيهم دليلاً على أن هناك بالفعل عملية جراحية تتم بحركات كالتي يستخدمها السحرة والحواة!

وكان لتيرته بعض المساعدين الذين تعلَّموا على يديه سرَّ المهنة، فحوَّروا فيها وأكسبوها طقوسًا مبتكرة، وخُدَعًا جديدة. من ذلك مثلاً أن بعضهم عرف أن بيكربونات الصودا إذا خُلطت بسائل فيه مادة بيضاء، فإنها تتلون بلون الدم، ولهذا كانوا يضعون البيكربونات في قطع القطن، وبمجرد لمسها بالسائل، تكتسب لون الدم، وهذا ما يدرسه التلاميذ في المدارس، ونعرفه باسم الكشافات الكيميائية.

وانتشرت الطريقة، لكنها أصبحت محدودة في بلادها، خاصة في المناطق الريفية أو النائية، وتوطدت الثقة بين العامة وهؤلاء السحرة، والناس تتحدث وتطنب عادة في النتائج الإيجابية، ولكنها تهمل النتائج السلبية التي لم تحقق شفاء، وهنا يكمن مربط الفرس.

وسمع بعض الأجانب القليلين الذين كانوا يفدون إلى الفيليبين عن هذه الجراحات المضللة، وكان من السهل خداعهم؛ ولهذا نَقلوا تلك الأخبارَ بعد عودتهم إلى بلادهم، وانتشرت هناك، ووجدت فيها الصحافةُ مادةً دسمة، فزادت الطين بِلة، وذهب المراسلون إلى الفيليبين، فخُدعُوا بدورهم، وصوروا وكتبوا الكثير عن هذا الخداع المبين، وتوافدت الآلاف سنويًّا على جراحي الفيليبين، وأصبحت هذه التجارة الفاسدة موردًا ودخلاً للبلاد، ومن أجل هذا أغمضت الحكومة عينيها، وتركت الأمور تجري في أعنَّتها.

وقبل أن يترك نولين الفيليبين، تقابل في مانيلا مع طبيب نفساني يدعى دكتور لويس مارتينيز، ولهذا الرجل الفيليبيني معلومات غزيرة عن طرق الشعوذة التي يستخدمها العشرات من جراحي الفيليبين الروحيين المشهورين، كما أنه كان يحتفظ بقائمة أسماء وعناوين لبعض الأمريكيين الذين جاؤوا إلى الفيليبين طلبًا لجراحات روحية مزعومة؛ إذ كان هو بدوره مهتمًّا بتقصي أخبار هؤلاء الأمريكيين، ومعرفة الحقيقة منهم، فبعضهم أشاد ببراعة هؤلاء المخادعين، وأصيب البعض بخيبة أمل، وكان دكتور مارتينيز مهتمًّا بهذا الأمر؛ بغيةَ كتابة تقرير مفصل يرفعه إلى وزارة الصحة في بلاده، وحصل دكتور نولين منه على بعض عناوين وأسماء الأمريكيين الذين ادعوا الشفاء من أمراضهم العضوية.

وسافر د. نولين عائدًا إلى بلاده، واتصل بمن ادعوا الشفاء، فمنهم من استجاب لندائه، ومنهم من رفض مقابلته أو التحدث إليه، وخير له ولهم ألا يتناقشوا في هذا الموضوع، فلا جدوى من ذلك، بعد أن خُدعوا وأصيبوا بخيبة أمل كبيرة.

أما الذين استجابوا، وذهب إليهم ليتحرى حقيقتهم، فقد أصيب هو الآخر بخيبة أمل؛ إذ لم يكتشف شيئًا ذا بال، ولم يجد دليلاً واحدًا على إجراء أي عملية، فلا الحصوات قد أزيلت، ولا الأورام قد استؤصلت، ولا الشلل العضوي قد اختفى، ولا خلايا المخ المتصلبة قد برئت مما ألَمَّ بها، ولا العاهات قد شفيت، ولا شيء إطلاقًا إلا وقوع هؤلاء المرضى ضحايا لدعايات مضللة، تطلقها مجموعة من البشر لا تستطيع التمييز بين أساسيات العلوم الطبية، وبين غيرها من طب خرافي يقوم على السحر والشعوذة والخداع الذي لا يزال ساريًا في المجتمعات البدائية.

والواقع أن هذا النوع من العلاج قد نراه بطريقة أو بأخرى في كثير من المجتمعات العربية.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الروحية المهذبة
  • اللياقة الروحية
  • إهمال الجانب الروحي في الحضارة المعاصرة

مختارات من الشبكة

  • المكر والخديعة والسخرية والاستهزاء(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حكم قول: باسم الشعب، باسم العروبة، باسم الوطن(مقالة - آفاق الشريعة)
  • المشتقات (اسم الفاعل - اسم المفعول - الصفة المشبهة - اسم التفضيل)(مقالة - حضارة الكلمة)
  • خدعتها ثلاث سنوات ثم تبت(استشارة - الاستشارات)
  • خدعته وندمت(استشارة - الاستشارات)
  • رجل خدع زوجتي(استشارة - موقع الشيخ خالد بن عبدالمنعم الرفاعي)
  • خدعة ( الأنا ) بين الوعي الناقص وإخلاص النية(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • من الخدع الشيطانية تسمية الأمور بغير مسمياتها(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • خدعة "زواج القاصرات" بين السياسة والعلم والإعلام والغرب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الاستهانة بالرسول الخدعة الذائبة(مقالة - موقع مثنى الزيدي)

 


تعليقات الزوار
4- شكر
هاجر - الجزائر 28-04-2020 02:25 AM

مقالة رائعة، شكرا على كل هذه المعلومات

3- الجراحة غير المادية حقيقة وليست شعوذة
المعلم - الجزائر 14-01-2009 12:39 AM
أوافق صاحب المقال في ما عرضه عن هؤلاء المخادعين ولكني لا أوفقه إطلاقا في كون الجراحة غير المادية أو الروحية او الطاقوية غير موجودة. انا شخصيا متخصص في العلاج بالطاقة وفي مبادئ الجراحة غير المادية اي غير المرئية للعين المجردة وتقريبا لا المس الجسد وانما من خارجه وقد اجريت عمليات فورية لعلاج الاكياس اللمفاوية والمبايض واورام في الجسم واصنع وسائل جراحية من الطاقة وادخلها في الجسم ثم احول مكمن العلة الى الى طاقة لانها اصلا طاقة لانها خلايا والخلايا تتكون من ذرات والكترونات ثم اغرس فيها بلازما طاقوية لم تفتا ان تتمدد وتتضاعف مع النسيج الخلوي...خلال العملية لا سيل دم ولا استعمل قطن والعمل يتم بهدوء ودون سرعة...
ودون الدخول في التفاصيل اقول لصاحب المقال انه انطلاقا من مبدا العالم اينشتاين القائل ان الطاقة تساوي الكتلة في السرعة مربع وهو ما مسلم به في علم الفيزياء اي ان الطاقة تساوي المادة والعكس والطاقة لا ترى مثل اشعة اكس او قاما موجودة ولكن لا نراها كذلك الطاقة لا نراها...لذلك نستطيع ان نحول بعون الله الطاقة الى مادة والعكس فاذا استعملنا مقصا صنعناه من الطاقة لبتر جزء من نسيج خلوي من عضو مريض هو ايضا طاقة لانه متكون من خلايا التي هي تتكون اصلا من ذرات والكترونات دائمة الحركة وهذا يؤكده العلم. لذلك فالمقال المطروح يدفعنا الى البحث في هذا العلم رغم رفضنا للمشعوذين الذين تحدث عنهم صاحب المقال..."وفوق كل ذي علم عليم"
2- صديقي الدكتور مازن النابلسي وأخوه المريض بالسرطان
الدكتور العتيبي - الكويت 28-10-2008 06:19 PM
يجدر بكل إنسان يعرف قدره ويعرف طبيعة الأشياء ويعرف الحي الذي لا يموت بأنه لا وجود للمعجزات على وجه الأرض إلا من خلال النبوءات التي مرت عبر العصور والأزمان وقد شاهدها أولئك القوم عيانا ولم يؤمنوا بها وحسبوها سحرا وشعوذة فكيف بالله عليكم تنطلي هذه الخزعبلات على ذوي الاختصاص والخبرة الواسعة . لقد ذهب صاحبي الطبيب الى بلاد الفلبين مصطحبا أخاه المهندس المريض بالسرطان للعلاج آملا أن يجدضالته في ذلك المشعوذ . ودائما يتعلق الغريق بالقشة وهذا ما حصل لصاحبنا الذي نسرد لكم قصته . لقد رأى الطبيب بأم عينه العملية الروحانية التي أنجزها المشعوذ لأخيه . وقال لي لقد رأيت كل شيء . لقد رأيت الدماء وقطعا من الأنسجة التي استخرجها المشعوذ من جسم أخيه . إن ما استغرب منه صاحبي هو أنه قام بعمل الفحوصات بعد العملية وما أدهشه هو خلو أخيه من الخلايا السرطانية على حد قوله لي وقتئذ . والذي أراه بأن المختبر الذي أجرى الفحص ربما يكون له علاقة مع المشعوذ ليتقاسما الغنائم التي يحصلوا عليها من أولئك المرضى الذين يأملون الشفاء العاجل . لقد رجع الطبيب ومعه أخاه حيث رجع السرطان إليه وتوفي بعد مدة قصيرة .
إنني قد سردت لكم هذه القصة باختصار شديد ومع أحد معارفي الذين أعتز بهم وشكرا .
الدكتور العتيبي النابلسي
1- ؟؟؟
حسن جميل الحريس - سوريا 09-07-2008 10:47 AM
أخي الكريم
لقد قرأت وشاهدت برنامجاً تلفزيونياً حول تلك الجراحة كما وصفوها لنا .... ولكنني لست مؤمناً بها ولا أستسيغها لأنها مجرد خدع تلفزيونية تم تركيبها كما يريد أصحابها ولم يشاهدها أحد ما على الطبيعة كما هي ....
أما بخصوص هذه الفقرة الواردة في إدراجك ""
(((((((( ففي الأصابع تكمن قوة خفية - على حد زعمهم - وهذه القوة ليست نابعة منهم؛ بل مصدرها قدِّيس أو ملاك أو روحٌ طيبة ترشدهم إلى مواطن المرض، وتحدِّد لهم نوع العملية، وتنساب قوتها من بين أصابعهم؛ حيث تشق البطون، وتستأصل الأورام، وتستخرج الحصوات، وتشفي العيون، وتزيل القرح، ثم تعيد كلَّ شيء إلى أصوله، فيقوم المريض سليمًا معافى بفضل هذه الطاقات الخفية التي حلَّت فيهم من مصادر سماوية!)))))))))))))))))
مبدأ الماسونية ذاتها في معاقل وعقول الغرب عموماً وهي خديعة جديدة فلا أحد يملك قوى سحرية سماوية مهما كان ومن كان !!!!!!!!!!!!!!!!!!
والبحث يطول شرحه ولكنني في سبيل عرض ذلك منذ شهور مضت .....................
بارك الله بك للتنبيه لهذه المسألة الفكرية ...........................
تحياتي ومودتي
1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 15/11/1446هـ - الساعة: 15:5
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب