• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: محدثات نهاية العام وبدايته
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    المغنم بصيام عاشوراء والمحرم (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    خطبة المسكرات والمفترات
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    تفسير: (وما كان له عليهم من سلطان إلا لنعلم من ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    تحريم الخوف دون الطبيعي من غير الله تبارك وتعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    خطبة: الهجرة النبوية دروس وعبر
    مطيع الظفاري
  •  
    الصدقات تطفئ غضب الرب
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    السلام النفسي في فريضة الحج
    د. أحمد أبو اليزيد
  •  
    الذكر بالعمل الصالح (خطبة)
    الشيخ الحسين أشقرا
  •  
    الدرس السابع والعشرون: حقوق الزوجة على زوجها
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    الخيانة المذمومة (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    الإسلام كرَّم الإنسان ودعا إلى المساواة بين الناس
    الشيخ ندا أبو أحمد
  •  
    أدلة الأحكام من القرآن
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    قبسات من الإعجاز البياني للقرآن (2)
    قاسم عاشور
  •  
    التقوى
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    نار الآخرة (10) سجر النار وتسعيرها
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / علوم حديث
علامة باركود

الخمسون النبوية الشاملة (9 /10)

الشيخ محمد بن عبدالله العوشن

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 15/12/2010 ميلادي - 9/1/1432 هجري

الزيارات: 13313

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الخمسون النبوية الشاملة

الحديث الحادي والأربعون


عن أبي هريرة- رضي الله عنه - أنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  قال:«مَنْ قاَل لا إِلَهَ إلّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الملْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، في يَوْمٍ مِئَةَ مَرَّةٍ كَانَ لَهُ عِدْلَ عَشْرِ رِقَابٍ، وَكُتِبَتْ لَهُ مِئَةُ حَسَنَةٍ، وَمُحِيَتْ عَنْهُ مِئَةُ سَيّئةٍ، وَكَانَتْ لَهُ حِرْزًا مِنْ الشَّيْطَانِ يَوْمَهُ ذَلِكَ حَتّى يُمْسِيَ، وَلَمْ يَأْتِ أحَدٌ بِأَفْضَلَ ممّا جَاءَ بِهِ إلّا أحَدٌ عَمِلَ أكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ، وَمَنْ قَالَ: سُبْحَانَ اللهِ وَبِحَمْدِهِ في يَوْمٍ مِئَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ عَنْهُ خَطَايَاهُ وَلَوْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ البَحْرِ» أخرجه البخاري ومسلم[1].


راوي الحديث:

سبقتْ ترجمته- رضي الله عنه - في الحديث الرابع عشر، وزيادة عليها في الحديث السادس عشر.

 

معاني الكلمات:

1- عِدْل: أي ما يساوي.

2- حِرْزًا: حفظًا ووقاية.

 

الشرح:

في هذا الحديث عظم فضل التهليل والتسبيح والحمد، فقد بيّن - صلى الله عليه وسلم -  أن من قال: «لا إله إلا الله.. في يوم مئة مرة كأنما أعتق عشر رقاب، وكُتبت له مئة حسنة ومُحيت عنه مئة سيئة، وكانت وقاية وحماية له من الشيطان طيلة يومه حتى يمسي، فهو في حصن حصين بهذا الذِّكْر العظيم، الذي لا يجد الإنسان مشقّة في قوله له. وذكرُ الله جل وعلا من أعظم القربات، والآيات والأحاديث في فضله كثيرة جدًا، منها قوله تعالى: ﴿ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ﴾ [العنكبوت: 45]، وقوله: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ ﴾ [البقرة: ١٥٢]، وقوله: ﴿ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾.

 

ومن الأحاديث قوله - صلى الله عليه وسلم - : «مثلُ الذي يذْكُر ربّه والذي لا يَذْكُر ربّه مثل الحيّ والميت»[2]، وقوله: «لأنْ أقول: سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله والله أكبر، أحبّ إليّ مما طلعت عليه الشمس»[3] وقوله: «كلمتان خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان، حبيبتان إلى الرحمن: سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم»[4] وغيرها من الأحاديث الكثيرة. وقد بسط الإمام ابن القيم - رحمه الله تعالى - الكلام على فضل الذكر وفوائده، حتى ذكر ما يقرب من ثلاثٍ وسبعين فائدة[5].

 

والذِّكْرُ حِصْنٌ للمسلم، يقيه - بإذن الله - من الشرور والآفات، من شياطين الإنس والجنّ. أخرج الإمام البخاري - رحمه الله تعالى - في «الأدب المفرد» عن أبَانَ بن عثمان بن عفان قال: سمعت عثمان قال: سمعتُ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  يقول: «من قال صباح كل يوم ومساء كل ليلة ثلاثًا ثلاثًا: بسم الله الذي لا يضرّ مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم، لم يضرّه شيء» وكان أبان بن عثمان أصابه طَرَفٌ من الفَالِج، فجعل الرجل ينظر إليه، ففطِنَ له فقال: إن الحديث كما حدّثتك، ولكني لم أقله ذلك اليوم، ليمضي قدر الله»[6].

 

ومِنَ العَجَبِ ما تجده من زهد كثير من الناس في هذه الأذكار، وهي لا تكلّفه شيئا، لا من الجهد ولا المال ولا الوقت «الآن الناس يسافرون ويقطعون الفيافي والصحاري والمهالك والمفاوز من أجل أن يربحوا شيئًا قليلًا من الدنيا قد يتمتّعون به، وقد يُحرمون إياه، وهذه الأعمال العظيمة يتعاجز الإنسان عنها؛ لأن الشيطان يكسّله ويخذّله ويثبّطه عنها، و إلّا فهي كما قال الرسول - صلى الله عليه وسلم -  أحبّ إلى الإنسان مما طلعت عليه الشمس. وإذا فرضنا أن عندك مُلْك الدنيا كلها، ثم حضر الموت، ماذا تستفيد؟ لا تستفيد شيئًا، لكن سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر هي الباقيات الصالحات، قال تعالى: ﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا ﴾ [الكهف: ٤٦]، فينبغي لنا أن نغتنم الفرصة بهذه الأعمال الصالحة»[7].

وينبغي أن يقتصر المسلم على الأذكار الصحيحة الواردة عنه - صلى الله عليه وسلم -  ويدع ما سوى ذلك.

 

تنبيه:

تكفير الذنوب، وحطّ الخطايا إنّما هو للصغائر، أما الكبائر فلا بُدَّ لها من توبة[8].

وآخر: قال الإمام النووي - رحمه الله تعالى ـ: «التدبّر في الذِّكْرِ مطلوب كما هو في القراءة.... واعلم أنّ الأذكار المشروعة في الصلاة وغيرها، واجبة كانت أو مستحبّة لا يحسب شيء منها ولا يعتدّ به حتى يتلفظ به بحيث يُسمع نفسه إذا كان صحيح السمع لا عارض له»[9].

 

ما يستفاد من الحديث:

1- عِظَمُ فضل ذكرُ الله جلّ وعلا.

2- كَثْرة طرق الخير، ويسرها.

3- الحرص على المداومة على الأذكار الشرعية.

4- الأذكار الشرعية حصن للمسلم من الشيطان.

5- تحصيل الأجر العظيم بالعمل اليسير.

 

 

الحديث الثاني والأربعون

عن النُّعْمانِ بن بشيرٍ - رضي الله عنهما - عن النبي - صلى الله عليه وسلم -  قال: «الُّدعَاءُ هُوَ العُبَادَةِ» ثُمَّ قاَلَ: ﴿ وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ﴾. أخرجه أبو داود والترمذي وقال: حسنٌ صحيحٌ[10].


راوي الحديث:

سبقتْ ترجمته- رضي الله عنه - في الحديث الرابع.

 

الشرح:

الدُّعاء عبادة عظيمة، وصفها النبي - صلى الله عليه وسلم -  في هذا الحديث بقوله: «هو العبادة» أي: هو لبُّ العبادة وجوهرها، كقوله - صلى الله عليه وسلم -: «الحج عرفة» أي: أن أهمّ أركان الحج الوقوف بعرفة.

 

والدعاء سلاح معطّلٌ - للأسف - لدى كثيرٍ من المسلمين، مع أنّه من أعظم العبادات، وأيسرها، ويستطيعه كل مسلم. وقد وعد تبارك وتعالى بإجابة دعوة من يدعوه، كما في الآية التي استشهد بها الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وكما في قوله: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾ [البقرة: ١٨٦]، والمسائل المتعلقة بالدعاء كثيرة جدًا، منها - غير ما سبق -:

1- تحرّي أوقات الإجابة.

2- الحرص على الجوامع من الدعاء، وعلى المأثور الصحيح من الدعوات.

 

3- عدم الاستعجال، كما قال الرسول - صلى الله عليه وسلم - : «يستجاب لأحدكم ما لم يَعْجَل، يقول: قد دعوتُ فلم يستجبْ لي» متفقٌ عليه[11]، وكان بعض السلف يقول: دعوتُ ربي في حاجة عشرين سنة فلم يقضها لي، ولم أيأس منها[12].

 

4- المال الحلال من أسباب الإجابة، كما في قوله - صلى الله عليه وسلم - : «أيها الناس إن الله طيّب لا يقبل إلا طيبًا... ثم ذَكَرَ الرَّجل يطيل السفر، أشعث أغبر يمدّ يديه إلى السماء، يا ربّ يا ربّ، ومطعمه حرام، ومشربه حرام، وملبسه حرام، وغُذي بالحرام، فأنى يستجاب لذلك» أخرجه مسلم[13].

 

5- الحذر من الدعاء على النفس أو الولد، قال - صلى الله عليه وسلم - : «لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير، فإنّ الملائكة يؤمّنون على ما تقولون»[14]، وقال: «لا تَدْعُوا على أنفسكم، ولا تَدْعُوا على أولادكم، ولا تَدْعُوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعةً يُسأل فيها عطاءً فيستجيب لكم»[15].

وهذا للأسف يقع فيه البعض من الناس - هداهم الله - ولو أن الأب أو الأمّ دعا لولده بدل أن يدعو عليه، لكان له في ذلك خير كثير.

 

6- أن يعلم الداعي أنه: «ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث، إما أن تعجّل له دعوته، وإما أن يدّخرها له في الآخرة، وإما أن يصرف عنه من السوء مثلها» قالوا: إذا نُكْثِرْ، قال: «الله أكثر»[16].

 

7- عدم الاعتداء في الدّعاء، أخرج أبو داود أنّ عبد الله بن مغفّل- رضي الله عنه - سمع ابنه يقول: اللهم إني أسألك القصر الأبيض عن يمين الجنة إذا دخلتها، قال: يا بني سلْ الله الجنة وتعوذ به من النار، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  يقول: «سيكون في هذه الأمة قوم يعتدون في الطهور، والدعاء»[17].

 

قال الإمام ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: «فالاعتداء في الدعاء تارة بأن يسأل الله ما لا يجوز له سؤاله من الإعانة على المحرمات، وتارة بأن يسأل ما لا يفعله الله، مثل أن يسأل تخليده إلى يوم القيامة، أو يرفع عنه لوازم البشرية من الحاجة إلى الطعام والشراب.. وفُسّر الاعتداء برفع الصوت في الدعاء...ومن العدوان أن يدعوه غير متضرع، بل دعاء مدلّ كالمستغني بما عنده..»[18].

 

قال ابن عثيمين - رحمه الله تعالى -: «العدوان في الدعاء يدور على أمرين: أن يسأل ما لا يمكن شرعًا، أو ما لا يمكن قَدَرًا»[19].

 

8- قال ابن تيمية - رحمه الله ـ: «إجابة الدعاء تكون  عن صحة الاعتقاد، وعن كمال الطاعة»[20]، ولذا قال يحيى بن معاذ - رحمه الله ـ: «لا تَسْتَبْطِئْ الإجابة إذا دعوتَ وقد سَدَدتَ طريقها بالذنوب»[21].

 

9- يقول الله تبارك وتعالى: ﴿ أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ ﴾ [النمل:٦٢]، فدعاء الإنسان لنفسه هو المشروع، وأولى بالإجابة من دعاء غيره له.

 

ما يستفاد من الحديث:

1- عِظَمُ شأن الدعاء.

2- الدعاء هو لبّ العبادة.

3- تسمية الله للدعاء: عبادة.

4- من يتكبّر عن دعاء ربّه مصيره النار.

 

 

الحديث الثالث والأربعون

عن أبي هريرة- رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «إنَّ اللهَ تَعَالى قاَلَ: مَنْ عَادَى لي وَلِيًّا فَقَدْ آذَنْتُهُ بِالحَرْبِ، وَمَا تَقَرَّبَ إليَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أحَبَّ إليَّ مِمَّا افْتَرَضْتُهُ عَلَيهِ، وَمَا زَالَ عَبْدِي يَتَقَرَّبُ إليَّ بِالنَوَافِلِ حَتّى أحْبَبْتُهُ[22]، فَكُنْتُ سَمْعَهُ الذّي يَسْمَعُ بِهِ، وبَصَرَهُ الذّي يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ التي يَبْطِشُ بِهَا، ورِجْلَهُ التّي يَمْشِي بِها، وإنْ سَأَلَنِي لأُعْطِيَنَّهُ، وَلَئنْ اسْتَعَاذَني لأُعِيذَنَّهُ، وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفسِ المؤمِنِ يَكْرَهُ الموتَ وأنَا أكْرَهُ مَسَاءَتَهُ» أخرجه البخاري[23].


راوي الحديث:

سبقت ترجمته في الحديث الرابع عشر، وزيادة عليها في الحديث السادس عشر.

 

معاني الكلمات:

1- وليًا: الوليّ بمعنى الناصر، وهو مشتقٌّ من الولاء وهو القُرب.

2- آذنته: أعلمته.

3- النوافل: جمع نافلة، وهي لغة: الزيادة.

4- يبطش: يضرب.

 

الشرح:

هذا حديث قدسي، وهو ما يرويه الرسول - صلى الله عليه وسلم -  عن ربّه تبارك وتعالى، «وهل هو من كلام الله عزّ وجل لفظًا ومعنى؟ أو هو كلام الله معنى واللفظ من الرسول - صلى الله عليه وسلم -؟ اختلف المحدِّثون في هذا على قولين، والسلامة في هذا أن لا نتعمّق في البحث في هذا، وأن نقول: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -  فيما يَرْويه عن ربّه عزّ وجلّ، وكفى»[24].

ويفترق الحديث القدسي عن القرآن الكريم من وجوه ذكرها أهل العلم[25].

 

«من عادى لي وليًا»، أي: اتخذه عدوًا له. «وولي الله بيّنه سبحانه وتعالى: ﴿ أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آَمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ ﴾ [يونس:٦٢-٦٣]، هؤلاء هم أولياء الله، فمن كان مؤمنًا تقيًا، كان لله وليًا»[26].

 

قوله: «فقد آذنته بالحرب»، أي: أعلنتُ عليهم الحرب، وفي هذا تهديدٌ شديدٌ، ووعيدٌ عظيمٌ؛ لأنّ من حاربَه اللهُ أهلكَه.

 

«وما تقرب إليّ عبدي بشيء أحبّ إليّ مما افترضته عليه»، أي: أن الفرائض التي أمر الله عباده بها هي أحبّ شيء يُتقرب به إليه، فصلاة الفريضة أحبّ إليه من النافلة، والزكاة أحبّ إليه من الصدقة، فصوم رمضان أحبّ إليه من صوم التطوع، وهكذا.

 

«وما زال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل..»، وفي رواية: «وما يزال» بصيغة المضارع، مما يدلّ على استمرار الفعل، ولا يزال العبد كذلك حتى يحبّه الله، وهنيئًا لمن حاز هذه المرتبة العالية، فإذا أحبّه الله: «فكنتُ سَمْعَه الذي يَسْمَع به»، أي: أُسدِّدَه في سَمْعِه، فلا يسمعُ إلّا ما يرضي الله«وبصرَه» أُسدِّدهَ في بَصَرِه، فلا يُبْصر إلّا ما يحبّ الله,«ويده التي يبطش بها» فلا يعمل بيده إلا ما يرضي الله، «ورِجْلَه التي يمشي بها» فلا يمشي برجله إلّا لما يرضي الله عزّ وجلّ، فيكون مُسَددًا في أقواله وأفعاله»[27].

قوله: «وإنْ سألني لأعطينّه» أُعطيه ما سألني إياه.

 

«ولئن استعاذني لأعيذنّه»، أي: لئن اعتصم بي ولجأ إليّ من شرّ كلّ ذي شرّ لأعيذنّه، فيحصل له بإعطائه مسؤوله وإعاذته مما يتعوّذ منه المطلوب، ويزول عنه المرهوب[28].

 

وهذا الحديث العظيم هو أشرفُ حديثٍ روي في صِفَةِ الأوْلياء[29]، «وليس لأولياءِ الله شيءٌ يتميّزون به عن الناس في الظاهر... بل يوجدون في جميع أصناف أمّة محمّد - صلى الله عليه وسلم -  إذا لم يكونوا من أهل البدع الظاهرة والفجور. فيوجدون في أهل القرآن وأهل العلم، ويوجدون في أهل الجهاد والسيف، ويوجدون في التّجار والصّنّاع والزّرّاع..»[30] «وليس من شرط وليّ الله أنْ يكونَ مَعصومًا لا يغلط، ولا يخطئ، بلْ يجوز أن يخفى عليه بعض علم الشريعة، ويجوز أن يشتبه عليه بعض أمور الدين...»[31] «فليس من شرط أولياء الله المتقين أن لا يكونوا مخطئين في بعض الأشياء خطًا مغفورًا لهم، بل ولا من شرطهم ترك الصغائر مطلقًا، بل ولا من شرطهم ترك الكبائر، أو الكفر الذي تَعْقبه التوبة»[32].

 

قال الشيخ حمد بن عتيقت (1301 رحمه الله تعالى): «قد عُلم وتحقق بالعادة الجارية، والأدلة القاطعة، أنه ما مِنْ طائفةٍ قامتْ في عداوة أهل هذا الدِّين، ونصبتْ لهم الحرب، إلا أوقع الله بها بأسه، ونوّع عليها العقوبات، هذا أمرٌ ثابتٌ يعرفه من نظر واعتبر، ويدلّ عليه قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا * سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا ﴾ [الإسراء:٧٦-٧٧][33].

 

ويؤخذ منه أنه لا يُحكم لإنسان آذى وليًا، ثم لم يُعَاجَلْ بمصيبة في نفسه، أو ماله، أو ولده بأنه سلِم من انتقام الله، فقد تكون مصيبته في غير ذلك ممّا هو أشدّ عليه، كالمصيبة في الدِّين مثلًا[34].

 

ما يستفاد من الحديث:

1- إثبات أولياء الله، وهو أمر ثابت بالقرآن والسنة.

2- معاداة أولياء الله من كبائر الذنوب.

3- مُحاربة الله لمن عادى له وليًّا.

4- إثبات المحبّة لله، وأنها تتفاضل.

5- الأعمال الصالحة سبب محبّة الله لعبده.

6- إذا أحبّ الله  عبدًا سدّده في أقواله وأفعاله، وأجاب دعوته.

7- «وفي هذا الحديث عِظَمُ قَدْرِ الوليّ، لكونه خَرَجَ عنْ تدبيره إلى تدبير ربّه، وعن انتصاره لنفسه إلى انتصار الله له، وعن حوله وقوته، بِصِدْقِ توكلّه»[35].

8- هذا الوعيد في حقّ من عادى وليًّا واحدًا، فكيف بمن عادى اثنين؟ فكيف بمن عادى أكثر؟

 

الحديث الرابع والأربعون

عن أبي هريرة- رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : «سَتَكُونُ فِتَنٌ القَاعِدُ فِيها خَيْرٌ مِنَ القَائِمِ، والقَائِمُ فِيها خَيْرٌ مِنَ المَاشِي، والماشِي فِيها خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي، مَنْ تَشَرَّفَ لهَا تَسْتَشْرِفْهُ، فَمَنْ وَجَدَ مَلْجًَا أوْ مَعَاذًا فَلْيَعُذْ بِهِ» متفق عليه[36].


معاني الكلمات:

1- فتن: جَمْعُ فتنة، وأصل الفَتْن: إدخال الذهب في النار؛ لتظهر جودته من رداءته. وقيل: أصل الفتنة الاختبار، ثم أُطلقتْ على كلّ مكروه.

2- تشرّف: تطلّع وتعرّض لها.

3- تستشرفه: تهلكه، بأن يشرف منها على الهلاك.

4- معاذًا: بمعنى الملجأ.

 

الشرح:

يُخبر - صلى الله عليه وسلم -  بأنه ستكون في هذه الأمة فتن عظيمة، تدع الحليمَ حيرانَ، وبيّن أنّ القاعد في هذه الفتن خيرٌ من القائم فيها، وأنّ القائم فيها الذي لا يستشرفها خير من الماشي فيها وفي أسبابها، فربما وقع فيها، وأن الماشي خير ممن يسعى في هذه الفتنة، فَهُمْ درجات، وكل درجة شرّ من التي قبلها. «من تشرّف لها»، أي: تصدّى وتطلّع لها، ولم يُعرض عنها «تستشرفه»، أي: تهلكه.

 

ثم أرشدَ - وهو المعلّم والموجّه لأمّته - صلى الله عليه وسلم -  - أن من وَجَدَ مكانًا فليلتجئْ إليه. وجَاء في رواية عند الإمام مسْلم: «فإذا نزلتْ أوْ وقعتْ، فَمَنْ كان له إبلٌ فليلحقْ بإبِلِه، ومَنْ كانتْ له غنمٌ فليلحق بغنمه، ومن كانت له أرض فليلحق بأرضه» فقال رجل: يا رسول الله: أرأيتَ من لم تكن له إبل ولا غنم ولا أرض؟ قال: «يعمد إلى سيفه فيدقّ على حدّه بحَجَرٍ ثم لينجُ إنْ استطاع النَّجاء، اللّهم هل بلّغت؟ قالها ثلاثًا فقال رجل: يا رسول الله: أرأيتَ إنْ أُكرهتُ حتى يُنطلق بي إلى أحدِ الصفّيْن، أو إحدى الفئتين، فضربني رجلٌ بسيفه، أو يجئ سَهْمٌ فيقتلني؟ قال: «يبوءُ بإثمه وإثمِك، ويكون من أصحاب  النار»[37].

 

وقد أخبر - صلى الله عليه وسلم  - وهو الصادق المصدوق - أن الفتن بعده كثيرة جدًا، فعن أسامة بن زيد - رضي الله عنهما - قال: أَشرف النبي - صلى الله عليه وسلم -  على أُطُمٍ من آطام المدينة، فقال: «هل ترون ما أرى؟» قالوا: لا. قال: «فإني لأرى الفتن تقع خلال بيوتكم كمواقع القطر»[38].

 

وأمر بالمبادرة بالأعمال قبل الفتن: «بادروا بالأعمال فتنًا كَقِطع اللّيل المظلم، يصبح الرجل مؤمنًا ويمسي كافرًا، أو يمسي مؤمنًا ويصبح كافرًا، يبيع أحدهم دينه بعَرَضٍ من الدنيا»[39].

 

ولما وقعت الفتنة بين عليّ ومعاوية - رضي الله عنهما - اجتنبها بعض الصحابة كسعد بن أبي وقاص وابن عمر ومحمد بن مسلمة وأبي بَكْرة، وغيرهم رضي الله عنهم.

 

ولما أخذ الناس في الطعنِ على عثمان بن عفان- رضي الله عنه - قام عامرُ ابن ربيعة رضي الله عنه يصلّي من الليل ثم دعا: «اللهم قني الفتنة بما وقيتَ به الصالحين من عبادك» فما خرج ولا أصبح إلا بجنازته[40].

«والفتنة إذا أقبلت شبّهت، وإذا أدبرت تبيّنت» كما قال أبو موسى الأشعري - رضي الله عنه -[41].

 

قال الشيخ ابن باز - رحمه الله تعالى -: «الأحاديث التي فيها التحذير من الفتن محمولة على الفتن التي لا يُعرف فيها المحقّ من المبْطِل.. وهي التي قصدها النبي - صلى الله عليه وسلم - .. أما الفتن التي يُعرف فيها المحقّ من المبطل، والظالم من المظلوم فليست داخلة في الأحاديث المذكورة، بل قد دلّت الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة على وجوب نصرة المحقّ، والمظلوم على الباغي والظالم»[42].

 

واعلم - وفقني الله وإياك - أنّ من الجهل وقلة العقل تمنّي لقاء العدو، قال - صلى الله عليه وسلم - : «لا تَتَمَنَّوْا لقاء العدو، وسَلُوا الله العافية، فإذا لقيتموهم فاصبروا»[43]، ولا ينافي هذا حبّ الجهاد في سبيل الله، وتمني الموت من أجله، فهذا أمر، وذاك أمر.

 

ومما ينبغي على المسلم فعله زمن الفتنة أمور، منها:

1- الدعاء بأن يقيه الله شرّ هذه الفتنة، وغيرها من الفتن.

2- سؤال أهل العلم الراسخين: ﴿ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ﴾ [النساء: 83].

3- الاجتهاد في العبادة.

4- كفّ اللسان، واليد وسائر الجوارح.

5- لزوم البيوت.

6- الابتعاد عن مكان الفتنة إلى ملجأ آمن.

7- الصبر.

 

ما يستفاد من الحديث:

1- إرشاده - صلى الله عليه وسلم -  أمته إلى ما يجب فعله حال الرخاء، وحال الشدة.

2- تفاوت درجات المشاركين في الفتنة.

3- النهي عن التطلّع للفتن ومواجهتها.

4- الفرار من مواطن الفتن.

 

فائدة:

للشيخ عبد العزيز السدحان رسالة مهمّة في هذا الباب، بعنوان: معالم في أوقات الفتن والنوازل قدّم لها معالي الشيخ صالح الفوزان.

 

 

الحديث الخامس والأربعون

عن أبي هريرة- رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  قال: «مَا نَقَصَتْ صَدَقَةٌ مِنْ مَالٍ، وَمَا زَادَ اللهُ عَبْدًا بِعَفْوٍ إلاّ عِزًّا، وَمَا تَوَاضَعَ أحَدٌ للهِ إلّا رَفَعَهُ اللهُ» أخرجه مسلم[44].


الشرح:

يرشد - صلى الله عليه وسلم -  إلى ثلاث خصال حميدة: الصدقة، العفو، التواضع. «فالصدقة لا تُنقص المال؛ لأنه لو فُرض أنه نقص من جهة، فقد زاد من جهات أُخر، فإنّ الصدقة تبارك المال، وتدفع عنه الآفات وتنميه، وتفتح للمتصدق من أبواب الرزق وأسباب الزيادة أمورًا ما تُفتح على غيره، فهل يقابل ذلك النقص بعض هذه الثمرات الجليلة؟ فالصدقة لله التي في محلها لا تنفد المال قطعًا، ولا تنقصه بنص النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وبالمشاهدات والتجربات المعلومة، هذا كله سوى ما لصاحبها عند الله من الثواب الجزيل، والخير والرفعة»[45].

وقد أخبرنا الحق تبارك وتعالى عن ذلك بقوله: ﴿ وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ ﴾ [سبأ:٣٩].

 

«وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًّا»: والعفو عن أخطاء الآخرين وتجاوزاتهم من الخصال الحميدة، التي مدحها الله جلّ وعلا: ﴿ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ ﴾ [آل عمران: ١٣٤]، ﴿ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾ [الشورى:٤٠]، وقد يوسوس الشيطان - من الجنّ والإنس - أنّ العفو يعني العجز والضعف، والذلّ عند الآخرين، فأخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم -  أنّ ذلك لا يزيده إلا عزًا في الدنيا والآخرة. وقد ضرب - صلى الله عليه وسلم -  أعلى الأمثلة في العفو، عند دخوله مكة عام الفتح، فعفى عن أهلها، وهم الذين ساموه وأصحابه صنوفًا من العذاب لأكثر من عشر سنوات. وقد سار سلف الأمة وصالحوها على ذلك، فهذا الإمام أحمد رحمه الله تعالى جعل كل من آذاه في حلّ إلا أهل البدعة، وكان يتلو في ذلك: ﴿ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا ﴾ [النور:٢٢]. ويقول: ماذا ينفعك أن يُعذّب أخوك المسلم بسببك[46]؟

 

وقال أبو بكر المرُّوذي: «بتّ مع أبي عبد الله - يعني: أحمد بن حنبل - ليلة، فلم أره ينام إلا يبكي إلى أن أصبح، فقلت: يا أبا عبد الله كثر بكاؤك فما السبب؟ فقال: يا أبا بكر، ذكرتُ ضرب المعتصم إياي، وقد مرّ بي في الدرس: ﴿ وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾ [الشورى:٤٠]، فسجدتُ وأحللته في السجود»[47].

 

وأوذي الإمام ابن تيمية - رحمه الله تعالى - وسُجن مرارًا، واستفتاه السلطان في قتل من آذاه ووشى به، فلم يقبل رحمه الله أن ينتصر لنفسه وقال: «من آذاني فهو في حلّ، ومن آذى الله ورسوله فالله ينتقم منه، وأنا لا أنتصر لنفسي»[48].

 

وما زاد الله هذين الإمامين إلا عزًّا في الدنيا، وما زالت الرحمات تتوالى عليهما منذ مئات السنين، وكتب الله لما خلّفاه من العلم القبول والانتشار، وما عند الله خير وأبقى.

 

لكن بقي هنا مسألة، وهي: هل العفو مطلوب عن كل إنسان؟

يقول الشيخ ابن عثيمين - رحمه الله تعالى -: «إذا أساء إليك شخص معروف بالإساءة والتمرد والطغيان على عباد الله، فالأفضل أن لا تعفو عنه، وأن تأخذ بحقك، لأنك إذا عفوتَ ازداد شره، أما إذا كان الإنسان الذي أخطأ عليك قليل الخطأ، قليل العدوان، لكن أمر حصل على سبيل الندرة، فهنا الأفضل أن تعفو، ومن ذلك حوادث السيارات اليوم التي كثرت، فإن بعض الناس يتسرع ويعفو عن الجاني الذي حصل منه الحادث، وهذا ليس بالأحسن، الأحسن أن تتأمل وتنظر، هل هذا السائق متهور ومستهتر، لا يبالي بعباد الله، ولا يبالي بالأنظمة؟ فهذا لا ترحمه، خذ بحقك منه كاملًا، أما إذا كان إنسانًا معروفًا بالتأني، وخشية الله، والبعد عن أذيّة الخلق، والتزام النظام... فالعفو هنا أفضل...» [49].

 

وثالثة الخصال: «وما تواضع أحدٌ لله إلّا رفعه الله» والتواضع هو التذلل والانكسار، عكس التكبّر، وهو «الانقياد الكامل للحق، والخضوع لأمر الله ورسوله، امتثالًا للأمر، واجتنابًا للنهي، مع التواضع لعبادِ الله، وخفضِ الجناح لهم، ومراعاة الصغير والكبير، والشريف والوضيع..»[50]. «وكلاهما سبب للرفعة، سواء تواضعتَ لله بامتثال أمره واجتناب نهيه، وذلَلْتَ له وعبدته، أو تواضعتَ لعباد الله من أجل الله لا خوفًا منهم، ولا مداراة لهم، ولا طلبًا لمال أو غيره، إنما تتواضع من أجل الله عزّ جلّ، فإن الله تعالى يرفعك في الدنيا وفي الآخرة»[51].

 

وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -  سيّد المتواضعين، فإذا كان في بيته كان في مهنة أهله - يعني: خدمتهم - فإذا حضرت الصلاة خرج إلى الصلاة[52]، وفي رواية: «كان بَشَرًا مِنَ البَشَر، يَفْلي ثوبه، ويحلب شاته، ويخدم نفسه»[53]. «وكان يَخْصِفُ نعله، ويرقع ثوبه». قال ابن عثيمين - رحمه الله تعالى ـ: «...الإنسان إذا كان في بيته فمن السُّنة أن يصنع الشاي مثلًا لنفسه، ويطبخ إذا كان يعرف، ويغسل ما يحتاج إلى غسله، كل هذا من السنة، أنت إذا فعلت ذلك تثاب عليه ثواب سُنّة، إقتداءً برسول الله - صلى الله عليه وسلم -  وتواضعًا لله عزّ وجلّ؛ ولأن هذا يوجد المحبة بينك وبين أهلك...» [54].

 

وانظر إلى صورٍ من تواضع السلف رحمهم الله تعالى:

1- قال مجاهد - رحمه الله تعالى -: «صحبتُ ابن عمر وأنا أريد أن أخْدِمَه، فكان هو الذي يخدمني»[55].

 

2- وهذا الإمام أحمد - رحمه الله تعالى - وقد قيل له: ما أكثر الداعين لك، فتغَرْغَرتْ عيناه، وقال: أخاف أن يكون هذا استدراجًا. وقال: قال محمد بن واسع: لو أنّ للذنوب ريحًا ما جلس إليّ منكم أحد[56].

 

3- والإمام سفيان الثوري - رحمه الله تعالى - وقد اجتمع الناس عليه - يقول: لقد خِفْتُ أنّ الأمة قد ضاعتْ إذا احتاج الناس إليّ[57].

 

4- ولما كان الشيخ العلامة عبد الله أبا بطين- رضي الله عنه - 1282 - رحمه الله تعالى - في شقراء وَفَدَ إليه محمد بن عمر بن سَليم ومحمد بن عبد الله بن سَليم لتلقّي العلم عنه، فلما حلّ شهر رمضان كان يحمل لهما السحور بنفسه، فقالا له: إذا أردت أن تعطينا شيئًا فأخبرنا، نأتي، ولا تكلف نفسك، فردّ: يا أبنائي لا تحْرِماني الأجر[58].

 

5- وسئل الشيخ العلامة سعد بن حمد بن عتيق- رضي الله عنه - 1349رحمه الله تعالى عن مسألة فقال - قبل جوابه السائل -: «وإني لمعترف - والصدق منجاة - بأن طلب الإفادة ممن هو مثلي من عجائب الدهر..»[59] وقال مرة: «فسؤال مثلي يدلّ على انقراض العلم وانتقال أهله، لما اتصفنا به من قلّة العلم وقصور الفهم..»[60]، وقال في جواب آخر: «ولا شك أن مسيس الحاجة إلى مثلي في كشف المشكلات يدل على انقراض العلم، وتقوّض خيامه، لعدم الأهلية في ذلك..»[61].

يقول هذا الكلام رحمه الله تعالى مع أنه من أعلم أهل زمانه، إن لم يكن أعلمهم. لكنه تواضع العلماء.

 

تنبيه:

يزيد بعضهم في أول جملة من الحديث: «ما نقصت صدقة من مال» قول: «بل تزده، بل تزده» وهذه الزيادة لا صِحّة لها[62].

 

«وهذه الثلاث المذكورات في هذا الحديث مقدماتُ صفات المحسنين، فهذا محسن في ماله، ودَفَع حاجة المحتاجين، وهذا محسن بالعفو عن جنايات المسيئين، وهذا محسن إليهم. بحلمه وتواضعه، وحسن خلقه مع الناس أجمعين، وهؤلاء قد وسعوا الناس بأخلاقهم وإحسانهم، ورفعهم الله فصار لهم المحل الأشرف بين العباد، مع ما يدّخر الله لهم من الثواب»[63].

 

ما يستفاد من الحديث:

1- الحثّ على الصدقة، وأن الله يبارك للمتصدق.

2- الترغيب في العفو، وأنه يزيد صاحبه عزًّا ومكانة.

التواضع من الخصال التي يحبها الله، إذا فعلها العبد لله، فيرفعه بها في الدنيا والآخرة.



[1] جعله البخاري في حديثين (3293) وكذا (6403 ) والآخر (6405)  أما مسلم فجعله حديثًا واحدًا (2691).

[2] أخرجه البخاري (6407) وأخرجه مسلم (بلفظ: «مثل البيت الذي يذكر الله فيه..»( 779).

[3] أخرجه مسلم (2695).

[4] أخرجه البخاري (6682)  ومسلم (2694).

[5] الوابل الصيّب (72 - 167).

[6] وأخرجه أبو داود أيضًا (5088 )، والترمذي (3388 ) وصححه الألباني صحيح الأدب (513).

[7] ابن عثيمين  شرح رياض الصالحين (5/ 487 - 488) الطبعة الأولى 1427هـ..

[8] وانظر بحثًا قيّمًا في هذه المسألة للشيخ الفاضل: عبد الله بن مانع الروقي نَفْح العبير (3/ 24- 33).

[9] الأذكار (13 - 14).

[10] أبو داود (1479)، الترمذي (2969  - 3247 - 3372 ) والنسائي في تفسيره (2/ 235 ) و(صححه النووي في الأذكار (ص345).

[11] البخاري (6340)  ومسلم (6934).

[12] قالها مُورِّق العجلي  أحد التابعين - رحمه الله - التمهيد (10/ 301).

[13] (2346) أما حديث «يا سعد أطب مطعمك تكن مستجاب الدعوة» فقد قال عنه العراقي: رواه الطبراني في الأوسط من حديث ابن عباس وفيه من لا أعرفه. تخريج أحاديث الإحياء  رقم(1521)، وكذا قال الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 219).

[14] مسلم (2130).

[15] مسلم (7515).

[16] أخرجه الإمام أحمد عن أبي سعيد  الفتح الرباني (14/ 266) وعزاه المنذري إليه وإلى البزار وأبي يعلى وقال: بأسانيد جيدة  الترغيب (2382).

[17] أبو داود (96).

[18] الفتاوى (15/ 22 - 23) وذكرها ابن القيم في «بدائع الفوائد» (3/ 14)، وانظر: مجلة البيان (73/ 120) من (صور الاعتداء في الدعاء  للشيخ خالد السبت.

[19] التعليق على صحيح مسلم (1/ 163).

[20] الفتاوى (14/ 34).

[21] صفة الصفوة (4/ 86).

[22] في رواية الكشميهني «...حتى أحبّه  فإذا أحببته كنت...» انظر الفتح (11/ 343).

[23] رقم (6502 ) وقول الذهبي: ولا خرّجه من عدا البخاري (ولا أظنّه في مسند أحمد  وقول ابن حجر بعد نقله له: ليس هو في مسند أحمد جزمًا الفتح 11 / 341 مما يستدرك عليهما  - رحمهما الله تعالى - فقد أخرجه الإمام أحمد في المسند، عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال الله عزّ وجلّ: من أذلّ لي وليًا، وفي رواية: من آذى... فقد استحلّ محاربتي  وما تقرب إليّ عبدي بمثل أداء الفرائض  وما يزال العبد يتقرّب إليّ بالنوافل حتى أُحبّه  إن سألني أعطيته  وإن دعاني أجبته  ما تردّدتُ عن شيء أنا فاعله تردّدي عن وفاته لأنَه يكره الموتَ وأكره مَسَاءته» المسند، رقم(26193) (43 / 261) الرسالة.

[24] ابن عثيمين  شرح الأربعين النووية (ص372).

[25] انظر مثلًا: الصحيح المسند من الأحاديث القدسية  مصطفى العدوي  فقد ذكر في مقدمة الكتاب عشرة فروق.

[26] ابن عثيمين  شرح رياض الصالحين (5/ 316) ط الأولى 1416  دار الوطن. والطبعة الجديدة (3/ 269).

[27] ابن عثيمين  شرح رياض الصالحين (5/ 317) ط دار الوطن. والطبعة الجديدة (3/ 218).

[28] ابن عثيمين  شرح رياض الصالحين (3/ 75) ط دار الوطن. والطبعة الجديدة (2/ 63 ).

[29] ابن تيمية  الفتاوى (18/ 129).

[30] السابق  (ص194).

[31] السابق  (ص201).

[32] السابق  (ص65-  66).

[33] الدرر السنية (9/ 50).

[34] نقله الحافظ في الفتح (11/ 346 – 347) عن أبي الفضل بن عطاء.

[35] نقله الحافظ في الفتح  عن أبي الفضل بن عطاء (11/ 346).

[36] البخاري (7081)  ومسلم (7247).

[37] مسلم (7250).

[38] البخاري (1878)  ومسلم (7245).

[39] مسلم (313).

[40] أخرجه ابن سعد (3/ 378 ) والحاكم  وصححه الذهبي  ووافقه سعد الحميّد  مختصر استدراك الذهبي على مستدرك الحاكم (4/ 2067).

[41] البداية والنهاية (7/ 237).

[42] فتاواه ( 18/ 434).

[43] البخاري (2966)، مسلم (4542).

[44] برقم (6592).

[45] ابن سعدي  بهجة قلوب الأبرار  (ص149).

[46] البداية والنهاية (10/ 335).

[47] تاريخ بغداد (18/ 163).

[48] البداية والنهاية (14/ 54).

[49] شرح رياض الصالحين (3/ 14 – 15) الطبعة الأولى  دار الوطن.

[50] ابن سعدي  بهجة قلوب الأبرار  (ص149).

[51] ابن عثيمين  شرح رياض الصالحين  (6/ 72) دار الوطن.

[52] أخرجه البخاري (676).

[53] أخرجه أحمد  الفتح الرباني (22/ 24)، والترمذي في الشمائل (2930)  وصححه الألباني.

[54] شرح رياض الصالحين (6/ 224)، الوطن.

[55] الإشراف في منازل الأشراف  لابن أبي الدنيا  الطبعة الأولى  مكتبة الرشد  (ص317)، والجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع  للخطيب البغدادي  مكتبة المعارف  1403هـ  (2/ 241).

[56] كتاب الورع عن الإمام أحمد  للمرّوذي  الطبعة الثانية  دار ابن رجب  (ص164).

[57] تاريخ بغداد (5/ 123).

[58] علماء آل سَليم  وتلامذتهم وعلماء القصيم  صالح بن سليمان العمري  (ص22 )، وانظر مكانة هذا العالم وتبحّره في العلوم  في ترجمة تلميذه ابن حميد له في السحب الوابلة (2/ 626).

[59] الدُرَر السّنية (1/ 559).

[60] المجموع المفيد من رسائل وفتاوى الشيخ سعد بن عتيق  دار الهداية  1415هـ  (ص115 - 125).

[61] المجموع المفيد من رسائل وفتاوى الشيخ سعد بن عتيق  دار الهداية  1415هـ  (ص115 - 125).

[62] ابن عثيمين  شرح رياض الصالحين (6/ 70) دار الوطن.

[63] ابن سعدي  بهجة قلوب الأبرار (149 - 150).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الخمسون النبوية الشاملة (2 / 10)
  • الخمسون النبوية الشاملة (3/10)
  • الخمسون النبوية الشاملة (4 / 10)
  • الخمسون النبوية الشاملة (5/10)
  • الخمسون النبوية الشاملة (6 /10)
  • الخمسون النبوية الشاملة (7 /10)
  • الخمسون النبوية الشاملة (8 /10)

مختارات من الشبكة

  • الخمسون النبوية الشاملة (10/10)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الخمسون النبوية الشاملة(كتاب - آفاق الشريعة)
  • الأحاديث الخمسون المختارة فيما يتعلق بشهر رمضان وصيامه وقيامه (PDF)(كتاب - ملفات خاصة)
  • الفوائد الخمسون فيما يحتاجه الحجاج والمعتمرون(مقالة - ملفات خاصة)
  • الفوائد الخمسون فيما يحتاجه الحجاج والمعتمرون(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الخمسون الغراء في الأحاديث المتعلقة بفقه النساء (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة جزء من كتاب التاريخ (الجزء الخمسون) (نسخة ثانية)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • الأربعون النووية .. الحديث الخمسون - بلغة الإشارة (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة تاريخ ابن أبي خيثمة - الجزء الخمسون(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • عرض كتاب: السنوات الخمسون القادمة (حال العلم)(مقالة - المترجمات)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • في حفل مميز.. تكريم المتفوقين من طلاب المسلمين بمقاطعة جيرونا الإسبانية
  • ندوة دولية في سراييفو تبحث تحديات وآفاق الدراسات الإسلامية المعاصرة
  • النسخة الثانية عشرة من يوم المسجد المفتوح في توومبا
  • تخريج دفعة جديدة من الحاصلين على إجازات علم التجويد بمدينة قازان
  • تخرج 220 طالبا من دارسي العلوم الإسلامية في ألبانيا
  • مسلمو سابينسكي يحتفلون بمسجدهم الجديد في سريدنيه نيرتي
  • مدينة زينيتشا تحتفل بالجيل الجديد من معلمي القرآن في حفلها الخامس عشر
  • بعد 3 سنوات أهالي كوكمور يحتفلون بإعادة افتتاح مسجدهم العريق

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 1/1/1447هـ - الساعة: 21:48
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب