• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    آية المحنة
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    توزيع الزكاة ومعنى "في سبيل الله" في ضوء القرآن ...
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    النبي عيسى عليه السلام في سورة الصف: فائدة من ...
    أبو مالك هيثم بن عبدالمنعم الغريب
  •  
    أحكام شهر ذي القعدة
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خطبة: كيف نغرس حب السيرة في قلوب الشباب؟ (خطبة)
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    من صيام التطوع: صوم يوم العيدين
    د. عبدالرحمن أبو موسى
  •  
    حقوق الوالدين
    د. أمير بن محمد المدري
  •  
    تفسير سورة الكوثر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    من مائدة العقيدة: شهادة أن لا إله إلا الله
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    الليلة الثلاثون: النعيم الدائم (3)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    العلم والمعرفة في الإسلام: واجب ديني وأثر حضاري
    محمد أبو عطية
  •  
    حكم إمامة الذي يلحن في الفاتحة
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    طريق لا يشقى سالكه (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    خطبة: مكانة العلم وفضله
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة: العليم جلا وعلا
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / فقه وأصوله
علامة باركود

تمام المنة - الطهارة (2/7)

الشيخ عادل يوسف العزازي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 26/5/2012 ميلادي - 5/7/1433 هجري

الزيارات: 34603

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

أحكام النجاسات

وفيه مسائل:

المسألة الأولى: وجوبُ إزالة النَّجاسة:

قال - تعالى -: ﴿ وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ ﴾ [المدثر: 4]، وقال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أكْثَرُ عذابِ القبْر مِن البَوْل))[1].

 

وعن أبي سعيدٍ الخُدري في قصَّة خَلْعه - صلَّى الله عليه وسلَّم - لنعْلِه في الصلاة، قال: ((إنَّ جبريلَ أتاني فأخْبَرني أنَّ فيهما قَذَرًا))[2]، وسيأتي الحديثُ في آخِر أبواب النجاسة، وغير ذلك مِن الأحاديثِ المذكورة في الباب التي تَدلُّ على وجوبِ إزالة النجاسة.

 

المسألة الثانية: أنواع النجاسات[3]:

أولاً الميتة: وهي كل ما مات دون تَذْكية، والدليل على نجاسةِ الميتة ما ثبَتَ في الصحيحَيْن عن ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - قال: تُصُدِّق على مولاةٍ لميمونةَ بشاةٍ فماتتْ، فمرَّ بها رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: ((هلاَّ أخذتُم إهابَها فدَبَغْتموه فانتفعتُم به؟))، فقالوا: إنَّها ميتة، فقال: ((إنَّما حُرِّم أكْلُها))[4].

 

وعنه أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((أيُّما إهابٍ دُبِغَ فقَدْ طَهُر))[5]، فدلَّ ذلك على أنَّ الأصلَ في الميتة النجاسَة، وأنَّ تطهيرَ جِلْدها يكون بالدِّباغ.

 

ومعنى: ((الإهاب)): الجِلْد قَبْلَ الدبغ.

 

ويُلحَق بحُكم الميتة ما يأتي:

إذا قُطِع منَ البهمية شيءٌ قبلَ ذَبْحها فهو ميتة؛ فعَن أبي واقدٍ اللَّيثي - رضي الله عنه - قال: قال النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما قُطِع مِن البهيمة وهي حيَّة، فهو مَيْتَة))[6].

 

فعلى هذا ما يُقْطَع مِن سَنمَةِ الجمل، أو أَلْيَةِ الضأن، أو ما يَفْعَله بعضُ مَن يتولَّوْن الذبحَ في المذابح العامَّة مِن قطْع أُذن، أو بتْر قدَم ونحوه - يدخُل في حُكْم الميتة، فلا يَحِلُّ أكْلُه، وهو نَجِس.

 

الحيوان غير المأكول اللحم: حُكْمُه حُكْمُ الميتة، حتى لو ذُكِّي بالذَّبْح؛ إذ مِن شروط صِحَّة التذكية: حِلُّ المُذكَّى؛ ففي الصحيحين عن سَلَمةَ بنِ الأكوع - رضي الله عنه - قال: لَمَّا أمْسَى اليومُ الذي فُتِحَتْ عليهم فيه خيبرُ، أوقَدوا نيرانًا كثيرة، فقال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((ما هذه النار، على أيِّ شيءٍ تُوقِدون؟)) قالوا: على لحْم، قال: ((على أيِّ لحْم؟))، قالوا: على لحْمِ الحُمُر الإنسيَّة، فقال: ((أهْريقوها واكْسِروها))، فقال رجلٌ: يا رسولَ الله، أو نُهريقها ونَغْسِلها؟ فقال: ((أو ذاك))[7].

 

فهذا الحديثُ يُستَدلُّ به على نجاسةِ لحم الحيوان الذي لا يُؤكَل وإنْ ذُكِّي؛ لأنَّ الأمر بكَسْرِ الآنية أولاً، ثم الغَسْل ثانيًا يدلاَّنِ على النجاسة، وفي بعضِ الرِّواياتِ التصريحُ بنجاستها، وذلك قوله: ((إنَّها رِجْس))[8].

 

ويُستثنَى مِن ذلك أمور:

1- ميتة السَّمك والجراد:

فإنَّهُما طاهرتانِ؛ لحِلِّهما، وممَّا يدلُّ على حِلِّ ميتة البحْر قولُه - صلَّى الله عليه وسلَّم - فيه: ((هو الطَّهورُ ماؤُه، الحِلُّ مَيتتُه))[9].

 

وعلى هذا فيُباح ميتةُ البحر على أيِّ حالةٍ وُجِد؛ طافيًا كان أو غيرَ طافٍ، وسواء كان بفِعْل آدمي، أو قذَف به البحرُ، أو نحو ذلك.

 

وأمَّا الدليل على حِلِّ الجراد، فعَن ابنِ أبي أوْفَى - رضي الله عنه - قال: "غزَوْنا مع النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - سبع غزوات أو سِتًّا نأكُل معه الجراد"[10].

 

قال الحافظُ - رحمه الله -: "وقدْ أجْمَعَ العلماءُ على جوازِ أكْلِه بغيرِ تذكية"[11].

 

2- عَظْم الميتة وشَعرها وقَرْنها وظُفُرها، ونحو ذلك عدَا الجِلد:

طاهرٌ؛ إذ لا دليلَ على نجاسته، وهذا ما رجَّحه شيخُ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله - في "الفتاوى"، قال: "وهذا قولُ جمهور السَّلَف"[12]، قال الزُّهري - رحمه الله - في عِظام الموتَى - نحو الفيل وغيره -: "أدركتُ ناسًا من سَلَف العلماء يَمتشِطون بها ويَدَّهِنون"[13].

 

3- وأما جِلْد الميتة:

فإنَّه نَجِس، لكنَّه يَطهُر بالدباغ، فعنِ ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - قال تُصُدِّق على مولاةٍ لميمونةَ بشاةٍ فماتتْ، فمرَّ رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقال: ((هلاَّ أخَذْتُم إهابَها فدَبَغْتُموه فانْتَفعتُم به؟))... الحديث[14]، وعنه أيضًا قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أيُّما إِهابٍ دُبِغ فقَدْ طَهُر))[15]. وتقدَّم أنَّ معنى ((الإهاب)): الجِلْد قبلَ الدبغ.

 

مسألة: هل يُطهِّر الدِّباغُ كلَّ الجلود؟

ذَهَب بعضُ أهلِ العِلم إلى أنَّ الدباغ يطهِّر كلَّ الجلود، حتى جلد الكلب والخِنزير؛ لعموم قوله: ((أيُّما))، التي تدلُّ على العموم، ورَجَّح ذلك الشَّوْكانيُّ والصَّنعانيُّ، وهو مذهبُ أبي حنيفة وأصحابه، ومالك والشافعي، واستثنَى الحنفيةُ جِلدَ الخنزير، واستثنَى الشافعيُّ الكلبَ والخِنزير.

 

ويرَى آخرون أنَّ ما كانتْ تُحِلُّه الذكاة (الذَّبْح)، فإنَّ جِلْدَ ميتتِه يطهر بالدِّباغ، وعلى هذا فلا يَطهُر إلا جِلدُ مَيْتة مأكولِ اللحْم فقط إذا دُبِغ، ودليلُهم ما ورَدَ في بعضِ ألفاظ الحديث: ((ذَكاتُها دِباغُها))[16]، فالدَّبْغ إذًا لجلْد الميتةِ بمثابةِ الذَّكاة للحيوان.

 

وهذا القوْل هو قولُ الأوزاعيِّ وابنِ المبارك وإسحاق بن راهويه وأبي ثَوْر، ورجَّحه شيخُ الإسلام في الفتاوى، ورجَّحه الشيخُ ابن عثيمين في "الشرح الممتع"[17].

 

4- وأمَّا لَبَن الميتة وإنفحتها:

فقد قال ابنُ تيمية - رحمه الله -: "والأظهر أنَّ إنفحةَ الميتة ولَبَنَها طاهر؛ وذلك لأنَّ الصحابة لَمَّا فتحوا بلادَ العراق أكَلوا جُبْنَ المجوس، وكان هذا ظاهِرًا شائعًا بينهم"[18].

 

و((الإنفحة)): شيءٌ أصْفَر يخرُج مِن بطن الحيوان، يُعصَر في صوفةٍ مُبْتلَّة في اللَّبَن فيغلظ[19].

 

5- ميتة ما لا نَفْسَ له سائِلة:

والمراد الذي لا يَسيلُ له دمٌ إذا مات أو جُرِح؛ كالذُّباب، والجَراد، والعقرب، فهذه لا تنجُس بموتها، واستدلَّ العلماءُ على ذلك بما ثبَتَ في صحيحِ البخاريِّ عن أبي هُرَيرَةَ - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا وقَعَ الذُّبابُ في شرابِ أحدِكم فلْيغْمِسْه كُلَّه، ثم ليطرحْه، فإنَّ في أحدِ جَناحَيْه داءً، وفي الآخَرِ دواءً))[20]، فلم يأمرْ بإراقةِ الشراب، ومعلومٌ أنَّه لو كان يُنجِّسه لأَمَر بإراقته، والله أعلم.

 

ثانيًا - أي: مِن النجاسات - لحم الخِنزير:

قال - تعالى -: ﴿ قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ ﴾ [الأنعام: 145].

 

والضمير في قوله: ﴿ فَإِنَّهُ رِجْسٌ ﴾ يَرجِع إلى أقربِ مذكور، وهو ((لحْم الخِنْزير)) .

 

ثالثًا: بول الآدمِي وغائِطُه:

قال صِدِّيق حسَن خان - رحمه الله -: بل نجاستُهما مِن بابِ الضرورة الدِّينيَّة، كما لا يخفَى عَلى مَن له اشتغالٌ بالأدلَّة الشرعيَّة.

 

أمَّا الغائط، فعَن أبي هُريرَةَ - رضي الله عنه - أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إذا وَطِئ أحدُكم بنعلِه الأذى، فإنَّ الترابَ له طَهورٌ))[21]، وعن أنس - رضي الله عنه - قال: "كان النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - إذا تبرَّزَ لحاجتِه أتيتُه بماءٍ فيَغسِل به"[22].

 

وأمَّا البول، فعن ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - قال: مَرَّ النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بحائطٍ مِن حيطان المدينةِ، فسمع صوتَ إنسانَيْن يُعذَّبان في قُبورهما، فقال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يُعذَّبانِ، وما يُعذَّبانِ في كبير))، ثم قال: ((بلى؛ كان أحدُهما لا يَسْتَتِرُ مِن بولِه، وكان الآخَرُ يَمشي بالنميمة))[23]، وفي روايةٍ لمسلِم: ((لا يَسْتَنْزِه مِن بوْلِه))، والمقصودُ عدمُ التحفُّظ.

 

وممَّا يدلُّ على نجاستِهما أيضًا: حديثُ الأعرابي الذي بالَ في المسجدِ، فعن أنس - رضي الله عنه - أنَّ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - رأى أعرابيًّا يبول في المسجِد، فقال: ((دَعُوه))، حتى إذا فرَغ، دعا بماءٍ فصَبَّه عليه؛ متفق عليه، زاد مسلِم: ثُمَّ إنَّ رَسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - دعاه، فقال له: ((إنَّ هذه المساجِدَ لا تَصلُح لشيءٍ مِن هذا البولِ ولا القَذَر؛ إنَّما هي لذِكْر الله والصلاة، وقِراءةِ القرآن))[24].

 

حُكْم بول الصبي:

عن أمِّ قيْس - رضي الله عنها -: "أَنَّها أتَتْ بابنٍ لها صغيرٍ لم يأكُلِ الطعامَ إلى رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - فأجْلَسَه رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - في حِجْرِه، فبال على ثوبِه،  فدعا بماءٍ فنَضَحَه ولم يَغْسِلْه"[25].

 

وعن أبي السَّمْح - رضي الله عنه - قال: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يُغْسَل مِن بولِ الجارية، ويُرَشُّ مِن بولِ الغُلام))[26].

 

وهذه الأحاديث يُستفادُ مِنها أحكام:

1- نجاسة بوْل الصبي.

2- يُخفَّف في تطهيرِ بوْل الغلام الذَّكَر بالرشِّ، وأمَّا بول البِنت فيَجِبُ فيه الغَسْل.

3- يُشترَط في ذلك أن يكونَ الغلامُ لم يأكُلِ الطعام، والمرادُ: لم يَحْصُلْ له الاغتذاءُ بغير اللَّبن على سبيلِ الاستقلالِ، بمعنى: أنَّه صار يشتهي الطعام؛ بحيث إذا مُنِع منه بَكَى.

 

رابعًا: بَوْل وَرَوْث الحيوان:

الحيوان إمَّا مأكولُ اللَّحْم، وإمَّا غيرُ مأكول اللحم:

أمَّا مأكولُ اللَّحْم، فالصحيح طهارةُ بولِه ورَوْثه؛ فعن أنس بن مالك - رضي الله عنه -: "أنَّ رهطًا من عُكْل، أو عُرَينة قدِموا فاجْتَووا المدينةَ، فأمَر لهم رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - بلِقاح، وأمَرَهم أن يَخرجُوا فيَشْرَبوا مِن أبوالِها وألبانِها"[27].

 

ومعنى "اجتووا"؛ أي: استوخموها، مُشتَقٌّ مِن الجوى، وهو داءٌ في الجوف، و"اللِّقاح" هي الناقَة إذا كانتْ غزيرةَ اللَّبَن.

 

وقد استدلَّ بهذا الحديثِ مَنْ قال بطهارةِ بول ما يُؤكَل لحمُه، وهذا مذهبُ مالكٍ وأحمدَ وغيرِهما.

 

قال الشَّوْكانيُّ - رحمه الله -: "ويُؤيِّده أيضًا أنَّ الأشياءَ على الطهارة، حتى تَثبُتَ النجاسة"[28].

 

وأمَّا غيرُ مأكول اللَّحْم، فقد ذهَبَ بعضُ أهلِ العِلم إلى نجاسة بوله ورَوْثه، واستدلُّوا لذلك بحديثِ ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: أتَى النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - الغائطَ فأمَرَني أنْ آتيَه بثلاثةِ أحجار، فوجدتُ حجَرينِ والْتَمَسْتُ الثالثَ فلم أجِدْه؛ فأخذتُ رَوْثةً فأتيتُه بها، فأخَذ الحَجرَينِ وأَلْقَى الرَّوْثة، وقال: ((هَذا رِجْسٌ))[29]؛ رواه البخاريُّ، وزاد في روايةٍ عندَ ابن خزيمة: "فوجَدْتُ له حجرَيْنِ ورَوْثةَ حِمار".

 

وذَهَب آخرونَ إلى القول بطهارةِ بوْل ورَوْث غير مأكولِ اللَّحْمِ عدَا رَوْث الحِمار فقط؛ لهذا الحديث.

 

قال صِدِّيق حسن خان - رحمه الله -: "فالحقُّ الحقيقُ بالقَبول الحُكمُ بنجاسة ما ثَبَت نجاستُه بالضرورة الدِّينيَّة، وهو بول الآدمي وغائِطُه، وأمَّا ما عداها فإنْ ورَد فيه ما يدلُّ على نجاستِهِ كالرَّوْثة - يعني: رَوْثة الحمار كما في حديثِ ابن مسعود - وجَب الحُكمُ بذلك، وإنْ لم يرَدْ فالبراءةُ الأصلية كافيةٌ في نفْيِ التعبُّد بكونِ الشيء نجسًا مِن دون دليل، فإنَّ الأصل في جميعِ الأشياء الطَّهارةُ، والحُكم بنجاستها حُكمٌ تكليفيٌّ تعمُّ به البلوى، ولا يَحِلُّ إلا بعدَ قِيام الحُجَّة"[30].

 

خامسًا: لُعاب الكلب:

لعاب الكلب نَجِسٌ؛ لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((طُهورُ إناءِ أحدِكم إذا وَلَغ فيه الكَلْبُ أن يَغْسِلَه سبعَ مرَّات، إحداهنَّ بالتُّراب))[31]، فقوله: ((طهور)) دليلٌ على أنَّه تنجَّس بولوغِ الكلْب، وكذلك أمْرُه بغَسْلِ الإناء، وفي بعضِها بإراقة الماء، وأمَّا عن كيفيةِ تطهيره، فسيأتي في المسألة التالية مِن هذا الفصل.

 

سادسًا: حُكْم الدم:

يختلف دَمُ الحَيْض عن غيرِه مِن الدماء.

أمَّا دَمُ الحَيْض، فنَجِسٌ؛ فعن أبي هُريرَةَ - رضي الله عنه - أنَّ خوْلةَ بنتَ يسار - رضي الله عنها - قالت: يا رسولَ الله، ليس لي إلا ثوبٌ واحد وأنا أَحيضُ فيه؟ قال: ((فإذا طَهُرْتِ فاغْسِلي موضِعَ الدَّم، ثُمَّ صَلِّي فيه))، قالت: يا رسولَ الله، إنْ لم يخرج أثرُه، قال: ((يَكْفِيك الماءُ ولا يَضرُّكِ أثَرُه))[32].

 

وأمَّا غيرُه من الدماء، فالراجح أنَّه طاهرٌ، سواء كان مسفوحًا أو غير مسفوح؛ لما رواه أبو داود، وابنُ خزيمة عن جابر بن عبدالله - رضي الله عنهما - وفيه: أنَّ رجلاً مِن المسلمين قام يُصلِّي يَكْلَؤُ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - وأصحابَه، فجاء رجلٌ مِن المشركين فرَماه بسَهْم فوضعَه فيه فنزَعَه - يفعل ذلك ثلاثَ مرَّات - الحديث[33].

 

هذا الحديثُ دليلٌ على أنَّ الدمَ ليس بنَجِسٍ، كما أنَّه لا ينقُضُ الوضوء؛ إذ لو كان نَجِسًا لخرَج هذا الصحابيُّ من الصلاة، ويبعُد أن يكونَ النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - لم يعلَمْ بهذه الحادثة؛ لتوفُّرِ دواعيهم على السؤالِ عن مِثْل ذلك.

 

وعن الحسنِ البَصْريِّ - رحمه الله - قال: ما زالَ المُسلِمون يُصلُّون في جِراحاتِهم[34].

 

وعصَرَ ابنُ عمر - رضي الله عنه - بثرةً - أي: خُرَّاجًا - فخَرَج منها الدمُ ولم يتوضَّأْ[35]، ونزَف ابنُ أَبِي أَوْفى دمًا فمضَى في صَلاته[36].

 

والأصلُ في الأشياءِ الطهارة، ولم يدلَّ دليلٌ صريح على نجاسةِ الدم، وأمَّا قوله - تعالى -: ﴿ قُلْ لاَ أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ ﴾ [الأنعام: 145].

 

فالضميرُ في قوله: ﴿ فَإِنَّهُ رِجْسٌ ﴾ يعود إلى أقربِ مذْكور، فالرِّجْسُ المقصود في الآية يعود إلى لَحْم الخِنزير.

 

تنبيه: أورد النوويُّ والقرطبيُّ وغيرُهما في كُتبهم الإجماعَ على نجاسةِ الدَّم، وقد عارضَ هذه الدعوى الشيخُ الألباني - رحمه الله - فقال: "... ودعْوَى الاتِّفاق على نجاستِه منقوضةٌ بما سبَق مِن النقول، والأَصْل الطهارة، فلا تُترَكُ إلا بنصٍّ صحيح، يجوز به ترْكُ الأصل، وإذ لم يَرِدْ شيءٌ من ذلك، فالبقاءُ على الأصل هو الواجِب"[37].

 

وممَّن رجَّح طهارةَ الدم: الشيخُ ابن عثيمين، وصِدِّيق حسن خان، والشوكاني - رحمهم الله[38].

 

قلت: استدلَّ الإمامُ النوويُّ - رحمه الله - بحديثِ جابرٍ المذكور على أنَّ خروجَ الدم لا ينقُضُ الوضوء[39]، فكذلك يُمكننا أن نستدلَّ به أنه غيرُ نَجِس؛ لأنَّ الصحابي أتَمَّ صلاتَه رغمَ خروجِ الدم.

 

سابعًا: المذي:

المذي: ماءٌ رقيقٌ لَزِج، يخرُج عندَ الشَّهْوة، لا بشهوةٍ، ولا دَفْق، ولا يَعقُبه فُتور، وربَّما لا يحسُّ بخروجه، وسواء في ذلك الرَّجل والمرأة.

 

عن عليِّ بن أبي طالِب - رضي الله عنه - قال: كنتُ رجلاً مَذَّاءً، فأمرتُ رَجلاً أن يسألَ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - لمكانِ ابنتِه، فسأل، فقال: ((توضَّأْ واغْسِلْ ذَكَرَك))[40]، وفي روايةٍ: ((ليَغْسِلْ ذَكَرَه وأُنثَيَيْهِ))[41]، والمقصود بالأُنثَيَيْن: الخُصْيتَيْن.

 

وعن سهل بن حُنَيفٍ - رضي الله عنه - قال: كنتُ ألْقَى مِن المذْي شِدَّةً، وكنتُ أُكْثِر مِنَ الاغتسال، فسألتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن ذلك، فقال: ((إنَّما يُجْزِيكَ مِن ذلك الوُضوء))، قلتُ: يا رسولَ الله، فكيف ما يُصيب ثَوبي منه؟ قال: ((يَكْفِيكَ بأنْ تأخُذَ كفًّا مِن ماء، فتنضح بها مِن ثَوبِكَ حيث ترَى أنَّه أصابَه))[42].

 

في الحديثَيْن السابقين دليلٌ على نجاسةِ المذي، وأنَّه يتعيَّن تطهيرُه بالماءِ على النحوِ الآتي:

أ- أمَّا الطهارة منه: فبأن يَغْسِل ذَكَره وأُنثَيْيِه (الخصيتين).

ب- وأمَّا ما يُصيب الثوب: فيَكفيه أن يَرُشَّ عليه كفًّا من ماءٍ كما في الرِّواية الثانية.

 

ثامنًا: المني:

المَنِيُّ: ماءٌ أبيضُ غليظٌ، يخرُج من الإنسان بشهوة، ويخرُج بتدفُّق، ويَعقُبه فُتور، وله رائحةٌ تُشبه رائحةَ البيض الفاسِد، ومنِيُّ المرأة رقيقٌ أصفر.

 

عن عائشةَ - رضي الله عنها - قالت: "كنتُ أفْرُكُ المنيَّ مِن ثوب رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ثم يذهب فيُصلِّي فيه"[43]؛ رواه الجماعةُ إلا البخاري، ولأحمدَ: "كان رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يسلُت المنيَّ مِن ثوبه بعِرْق الإذْخِر، ثم يُصلِّي فيه، ويحتُّهُ مِن ثوبه يابسًا، ثم يُصلِّي فيه"[44]، و"الإذخر" نباتٌ مِن حشيشِ الأرض.

 

في هذا الحديثِ دليلٌ على أنَّه يَكفي في إزالة المنيِّ: سَلْتُه أو غَسْلُه إنْ كان رطبًا، وفرْكُه إن كان يابسًا، وسواء في ذلك الرَّجُل والمرأة.

 

وأمَّا عن حُكمه، فهو طاهِر على أصحِّ الأقوال، ودليلُ ذلك ما تقدَّم مِن الأحاديث؛ لأنَّه لو كان نجِسًا لأمر بغسْلِه، وممَّا يدلُّ على طهارته أيضًا أنَّ المني هو أصلُ الإنسان، والإنسان طاهِر، فكذلك المنيُّ.

 

وقدْ ثبْت الحُكم بطهارة المنيِّ عن عمرَ وأنس وأبي هريرة - رضي الله عنهم.

 

ويدلُّ الحديثُ أيضًا على أنَّه لو بَقِي أثرُ المنيِّ بعدَ سَلْته، أو غَسْله، أو فَرْكه، فإنَّ ذلك لا يُؤثِّر في صحَّةِ الصلاة، ففي رِواية قالت: "كنتُ أغْسِلُه من ثوبِ رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ثم يخرُج إلى الصلاةِ وأثَرُ الغَسْل - تعني: مِن المني - في ثوبِه بقع الماء"[45].

 

تاسعًا: الوَدْيُ:

الوَدْيُ: ماءٌ أبيضُ ثخينٌ، يخرُج بعدَ البول، كَدِر - يعني: متغيِّرًا - وهو نجِس، وفيه الوضوء؛ فعن ابنِ عبَّاس - رضي الله عنهما - قال: "المَنِيُّ والوَدْي والمَذْي؛ أمَّا المنيُّ ففيه الغُسل، وأمَّا المَذْي والوَدْي، ففيهما الوضوءُ ويَغْسِل ذَكَرَه"[46].

 

عاشرًا: الخمر:

اختلَف العلماءُ في حُكم نجاسةِ الخمر، فبعضُهم يرَى نجاستَها، وبعضُهم يرَى طهارتها، وهو الراجِحُ مِن حيثُ الدليلُ؛ إذ الأصلُ طهارةُ الأشياء، حتى يأتيَ دليلٌ يدلُّ على نجاستها، وأمَّا القول بنجاستها لكونها مُحرَّمةً، فلا ينهض دليلاً؛ لأنَّه ليس كلُّ مُحرَّم نجسًا.

 

وأمَّا ما استدلَّ به القائلون بالنجاسةِ من قوله - تعالى -:﴿ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ﴾ [المائدة: 90]، فليس فيه دليلٌ على النجاسة؛ لأنَّ المقصودَ بقوله - تعالى -: ﴿ رِجْسٌ ﴾ هنا هو الرجس (المَعْنوي)، وليس (الحِسِّي)، ومما يدلُّ على ذلك: أنَّ الأنصابَ والمَيْسرَ والأزلام المذكورة في الآية لا تُوصَف بالرِّجْس الحسِّي، وحيث إنَّ الخمرَ قد عُطِفَتْ عليها في الحُكم، فإنَّها تأخُذُ نفْسَ الحُكم بأنَّ النجاسةَ معنويَّة وليستْ حِسِّيَّة، وهذا ما ذَهَب إليه الليثُ بن سعد، وربيعةُ الرأي، والمُزنيُّ صاحبُ الشافعي، وأيَّده الشيخُ الألباني في "تمام المنة"، ورَجَّحه كذلك الشيخُ ابن عثيمين في "الشرح الممتع".

 

وإناءُ الخَمْر إذا أُريق ما به مِن الخمْر، وغُسِل بأيِّ شيء يُزيل الخمرَ، حتى ذهب أثَرُ الخمر - جاز الانتفاعُ به، لكن إذا كانتْ زجاجات خاصَّة تُعرَف بأنها زجاجاتُ خمور، فالأَوْلى ترْكُها حتى لو غُسِلت، لا لكونها نَجِسَة، ولكن دَفْعًا للتُّهمة وسوءِ الظن بمَن يستعملها.

 

ملحوظة:

القَيْء والقَلْس[47]، والمُخاط والبصاق، لا دليلَ على نجاستها، والصحيحُ أنَّها طاهرة، كما أنَّها لا تنقُض الوضوء.

 

المسألة الثالثة: في تطهير النجاسات:

1- تطهير دم الحيض:

عن أسماءَ بنتِ أبي بكْرٍ - رضي الله عنها - قالتْ: جاءتِ امرأةٌ إلى النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فقالت: إحْدَانا يُصيب ثوبَها مِن دمِ الحيضة؛ كيف تَصْنَع؟ فقال: ((تَحُتُّه، ثم تَقْرُصُه بالماء، ثم تَنْضَحُه، ثم تُصلِّي فيه))؛ متفق عليه[48].

 

ومعنَى (الحتّ): الحَكُّ، والمقصود إزالةُ عيْن الدم بأن تدلك موضِع الدم، والمقصود بـ(النضح) الغَسْل، كما ورَد في رِوايةٍ أخرى عندَ ابن خزيمة وابن حبَّان بإسنادٍ صحيح مِن حديثِ أمِّ قيس بنتِ محصن، وفيه: أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((حُكِّيه بِضِلَعٍ واغْسِليه))[49]، و((الضِّلَع)) عودٌ ونحوه.

 

ملحوظة: بقاء أثَر النجاسة بعدَ إزالة عيْنه لا يَضرُّ، خصوصًا إذا تعسَّرَتْ إزالتُه؛ لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يَكْفِيك الماءُ ولا يَضرُّك أثَرُه))[50].

 

2- تطهير الإناء من ولوغ الكلب:

عن أبي هُرَيرَةَ - رضي الله عنه - أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((طُهُورُ إناءِ أحدِكم إذا وَلَغ فيه الكلْبُ أن يَغْسِلَه سبعَ مرَّات، أُولاهنَّ بالتُّراب))[51].

 

دلَّ هذا الحديثُ على نجاسةِ لُعابِ الكلْب، وأنه ينُجِّس الإناءَ إذا ولَغ فيه، ومعنى ((الولوغ)): أن يُدخِل لسانَه في الإناء ويُحرِّكه، سواء شرِب، أو لم يَشْرَبْ.

 

ولتطهيرِ الإناء من ولوغِ الكلْب - بعدَ إراقة الماء الذي ولَغ فيه - يُغسَل سبعَ مرَّات على أن يُجعَل في أوَّل غَسْلة تُراب.

 

تنبيه: الحديثُ ورَد في ولوغُ الكلْب فقط، فلا يدلُّ هذا الحديثُ على نجاسةِ بقية أجزائه على الصحيح.

 

قال ابن تيمية - رحمه الله تعالى -: "والأظْهَر أنَّ شَعر الكلْبِ طاهِر؛ لأنَّه لم يثبُتْ فيه دليلٌ شرعي"[52].

 

3-  تطهير النَّعْل إذا أصابتْه نجاسَة:

عن أبي هُرَيرَة - رضي الله عنه - أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إذا وَطِئَ أحدُكم بنعْلِه الأذَى، فإنَّ التُّرابَ له طَهُورٌ))[53].

 

وعن أبي سعيدٍ - رضي الله عنه - أنَّ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إذا جاءَ أحدُكم المَسْجِدَ، فلْيقلبْ نَعْلَيه، فلْيَنظُرْ فيهماخَبَثٌ، فإنْ وجد فيهما خبثًا فلْيَمْسحْهما بالأرْض، ثُم ليُصَلِّ فيهما))[54].

 

دلَّتْ هذه الأحاديثُ على أنَّ النَّعْل أو الخُفَّ المتنجِّس يَكفي في تطهيره أن يُدلَّك بالأرْضِ، حتى يذهبَ أثَرُ هذه النجاسَة.

 

4- تطهيرُ ذَيْل المرأةِ إذا أصابتْه نجاسة:

الواجِب على المرأةِ أن تُطيلَ ثوبَها؛ حتى لا تتكشَّفَ ولا يظهَرَ منها شيء، ولكن قد يَعْلَقُ بذيل ثوبها نجاسةٌ إنْ هي مَرَّت عليها، فماذا تفعل؟

 

روى أحمد وأبو داود: أنَّ امرأةً قالت لأمِّ سَلَمَة - رضي الله عنها -: إنِّي أُطيل ذَيلي وأَمْشي في المكانِ القَذِر؟ فقالت لها: قال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يُطهِّرُه ما بَعْدَه))[55]، وعلى هذا، فيَكْفِيها مشيُها في المكانِ الطاهِر، فتُطهِّره الأرض.

 

5- تطهير الأرض:

عن أبي هُرَيرَة - رضي الله عنه - قال: "قام أعرابيٌّ فبال في المسجِد فقام إليه الناسُ ليَقعوا به، فقال النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((دَعُوه، وأرِيقوا على بوله سَجْلاً مِن ماء - أو ذَنُوبًا مِن ماء - فإنَّما بُعِثْتُم مُيسِّرين، ولم تُبْعَثوا مُعسِّرين))[56].

 

في هذا الحديث دليلٌ على أنَّ الأرضَ إذا أصابتْها نجاسةٌ، فإنَّها تُطهَّر بصبِّ الماء عليها.

 

وقد وردتْ آثارٌ أنَّ الأرْض تُطهَّر أيضًا بالجفاف؛ فعن أبي قِلاَبَة قال: إذا جَفَّتِ الأرض فقد زَكَتْ[57]، وثبَت هذا أيضًا عن ابنِ الحَنفيَّة والحسنِ البصري[58].

 

هذا إذا كانتِ النَّجاسةُ مائعةً - أي سائِلة - أمَّا إذا كان لها جرم وأثَر - أي: جامِدة - فلا تطهُر إلا بزوالِ عينها، أو استحالتِها إلى شيءٍ آخَر.

 

5-  تطهير الأطعِمة الجامدة إذا وقَعَتْ فيها نجاسة:

عن ابن عبَّاس - رضي الله عنهما - عن ميمونةَ - رضي الله عنها - أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - سُئِل عن فأرةٍ سقطَتْ في سمْن، فقال: ((ألْقُوها وما حَوْلها فاطرحوه، وكُلُوا سَمْنَكم))[59].

 

وقد فرَّق جمهورُ العلماء بيْن السَّمْن إنْ كان جامدًا، وإنْ كان مائِعًا، فرَأَوْا أنَّه إنْ كان جامدًا أُلْقِيت النجاسةُ وما حولَها، والباقي يكون على أصْلِ الطهارة، وأمَّا إنْ كان مائعًا فذَهَب البعضُ إلى الحُكم بنجاستِه كلِّه، وذهَب آخرون إلى أنَّه لا يَنجُس إلا بالتغيُّر، وهو مذهبُ ابن عبَّاس وابن مسعود وغيرهما، وهذا هو الراجِح، وهو مذهبُ الزُّهري والبخاري، ورجَّحه ابن تيمية، والله أعلم.

 

وأمَّا إذا وقعَتِ الفأرةُ في السمن، وخرَجَتْ حيَّة ولم تَمُتْ، فالسَّمْن طاهِر، سواء كان جامِدًا أو مائعًا.

 

تنبيهات:

1- تقدَّم في المسألةِ السابقة تطهيرُ بول الغلام، وتطهيرُ جلود المَيْتة، وتطهير المذي، فراجعْه[60].

2- الآنية المصقولة كالمِرْآة والسكِّين والزُّجاج ونحوها، يَكْفِي في طهارتِها المسحُ الذي يُزيل أثَرَ النَّجاسَة.

3- إذا ماتَ حيوانٌ في بِئر ونحوه، فإنْ كان الماءُ لم يتغيَّرْ فهو طاهر، وأمَّا إنْ تغيَّر فإنَّه يُنزَح منه مِن الماء حتى يَطيب[61].

 

المسألة الرابعة: هل يَتعيَّن الماءُ في إزالة النجاسَة، أو يجوز بالماءِ وغيره؟

تَقدَّم في المسألةِ السابقة طُرقُ تطهير بعضِ النجاسات، ولكن السؤال: هل يجب أن تُزالَ النجاسةُ بالماء، أم يجوز بأيِّ شيء آخَرَ يُزيل النجاسة؟

 

ذهَب الجمهورُ إلى تعيُّن الماءِ في إزالَة النجاسَة، وذهَب أبو حنيفَة وأبو يُوسفَ إلى جوازِالتطهيرِ بكلِّ مائعٍ طاهِر.

 

قال الشوكانيُّ - رحمه الله -: "والحقُّ أنّ الماءَ أصلٌ في التطهير لوصفِه بذلك كتابًا وسُنَّة وصْفًا مطلقًا غير مقيَّد، لكنَّ القولَ بتعينه وعدم إجزاء غيرِه يردُّه حديثُ مسْحِ النَّعْل[62]... ولم يأتِ دليلٌ يَقْضي بحصْر التطهيرِ في الماء، ومُجرَّد الأمْر به في بعضِ النجاسات لا يستلزم الأمرَ به مطلقًا، وغايتُه: تعيُّنُه في ذلك المنصوص"[63].

 

وعلى هذا، فيجوزُ إزالةُ النجاسة بالصابونِ والخَلِّ وغيرِ ذلك مِن المُزيلات الحديثة.

 

قال شيخُ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "والصحيحُ أنَّ النجاسةَ تُزال بغيْر الماء، لكن لا يجوز استعمالُ الأطعمة والأشْرِبة في إزالتِها بغير حاجةٍ؛ لما في ذلك مِن فسادِ الأموال، كما لا يجوز الاستنجاءُ بها"[64].

 

قلت: وأمَّا الطهارةُ مِن الحدَث فإنَّه يتعين فيه الماء، أو التراب عندَ فقْدِ الماء، أو عندَ عدم القُدْرة على استعمالِه.

 

المسألة الخامسة: حُكْم النجاسة إذا استحالَتْ إلى شيءٍ آخَر:

قال ابنُ حزْم - رحمه الله -: "وإذا أُحْرِقت العَذْرة، أو المَيْتة، أو تغيَّرت فصارتْ رَمادًا أو تُرابًا، فكلُّ ذلك طاهِر"[65].

 

قال شيخُ الإسلام ابن تيمية - رحمه الله -: "الأظهرُ طَهارةُ النجاسة بالاستحالَة، وهو مذهبُ أبي حنيفة، وأحدُ القولَيْن في مذهبِ أحمدَ ومالكٍ"[66].

 

ملاحظات مُتعلِّقة ببابِ النجاسات:

1- إذا أكلَتِ الهِرَّةُ نجاسةً ثُمَّ شَرِبتْ مِن ماء يسير بعدَ أنْ غابت، فالماء طاهِر، وإنْ شرِبتْ مباشرةً بعدَ أكْلها للنجاسة، ففيه وجهانِ في تنجيسِ الماء، والأصحُّ في ذلك أنه لا يُحْكَم بتنجيسه إلا بالتغيُّر كما تقدَّم. .

 

2- إذا أصابَ الثَّوبَ أو البَدنَ نجاسةٌ، فالمقصود إزالةُ النجاسة مِن المكان الذي أصابتْه، ولا يُقصَد بذلك غسْلُ الثوب كلِّه كما يظنُّه بعضُ العامَّة.

 

3- قال ابن تيمية - رحمه الله -: "والاحتياطُ بمُجرَّد الشكِّ في أمورِ المياه ليس مُستحبًّا ولا مشروعًا، بل المستحبُّ بناءُ الأمر على الاستصحابِ"[67].

 

قلت: وعلى ذلك: لا يَسأل عن طهارةِ الماء إذا أصابَه، بل يَحمِله على الأصْل، وهو الطهارة.

 

قال شيخُ الإسلام - رحمه الله -: "وإذا شكَّ في رَوْثة هل هي نَجِسة أم طاهِرة؟ ففيها قولان، بناءً على أنَّ الأصلَ في الرَّوْث النجاسة، أم الأصل في الأعيان الطهارة؟ وهذا الأخير أصحُّ"[68].

 

4- فأرة المِسْك (وهو الذي يُؤخَذ مِن الغزال) طاهِرة عندَ جماهير العلماء، وليس ذلك مِن قبيل ما يُقْطَع من البهيمةِ وهي حيَّة، بل هو بمنـزلة البَيْض والولد واللَّبن والصُّوف، والله أعلم. أفاده شيخُ الإسلام ابن تيمية[69].

 

5- إذا صَلَّى بالنجاسة جاهلاً أو ناسيًا، فلا إعادةَ عليه، وإن تذكَّر أثناءَ الصلاة أو علِم بها، وجَب إزالتُها؛ وذلك لِمَا رواه أبو داود وأحمد بإسنادٍ صحيح عن أبي سعيدٍ الخُدري - رضي الله عنه - قال: بينما رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يُصلِّي بأصحابِه، إذ خَلَع نعليه فوضعهما عن يسارِه، فلمَّا رأى ذلك القومُ ألْقَوا نِعالهم، فلمَّا قَضَى رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - صلاتَه قال: ((ما حمَلَكم على إلْقائِكم نِعالَكم؟))، قالوا: رأيناك ألقيتَ نَعْلَيْكَ فألْقَيْنا نِعالَنا، فقال رسولُ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ جِبريلَ أتاني فأخْبَرني أنَّ فيها قَذَرًا...)) الحديث[70].

 

6- لا يجوز التداوي بالنجاساتِ ولا بشيءٍ حرَّمه الله - عزَّ وجلَّ - لِمَا ثبَت مِن قوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إنَّ الله تعالى لم يَجْعَلْ شِفاءَ أُمَّتي فيما حَرَّمَ عَلَيْهم))[71].

 

7- هلْ يجوز استعمالُ النجاسة فيما ينفصِل عن استخدام الإنسان، كإطعامِ المَيْتة للصُّقور، وإلْباسِ الثوب النَّجِس للدابَّة، ودَهْنِ السُّفن بالدُّهْن المتنجِّس، وإطفاء الحريقِ بالخَمْر، ونحو هذا؟

الصحيح: الجواز.

 

وذلك لِمَا ثبَت عن جابرِ بن عبدالله - رضي الله عنهما - أنَّ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إنَّ اللهَ حَرَّم بيْع الخمر والمَيْتة، والخِنْزير والأصنام))، فقيل: يا رسولَ الله، أرأيتَ شُحومَ المَيْتة، فإنَّها تُطلَى بها السُّفن، وتُدهن بها الجلود، ويَسْتصبِح بها الناس؟ فقال: ((لا هو حرام...)) الحديث[72]، والمقصود بقوله: ((هو حرام))؛ أي: بيعه، لكنَّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - لم يُنكِرْ عليهم سؤالَهم عن الانتفاع بهذه الأشياء.

 

قال الصنعانيُّ - رحمه الله -: "وجاز إطعامُ شحومِ الميتة الكلاب، وإطعام العسَل المتنجِّس النحْل، وإطعامه الدواب، وجواز جميعِ ذلك في مذهبِ الشافعي"[73].

 

8- إذا استيقظ الإنسانُ مِن نومه، فلا يَنبغي له أن يَضَعَ يدَه في الإناء حتى يَغسلَها ثلاثَ مرَّات؛ لقوله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((إذا اسْتَيْقَظَ أحدُكم مِن نومِه فلا يَغْمِسْ يدَه في الإناءِ حتى يَغسِلَها ثلاثًا؛ فإنَّه لا يَدْرِي أينَ باتَتْ يدُه))[74]، وهذا لا يعني تنجيسَ الماء؛ بل هو أمرٌ تعبُّدي، وأمَّا الماءُ فهو باقٍ على أصل طهوريته، والله أعلم.

 

وقد ذَكَر شيخُ الإسلام - رحمه الله -: "أنَّ العِلَّة بيَّنها النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بقوله: ((إذا اسْتَيقظَ أحدُكم مِن نومِه فلْيَستنثِرْ ثلاثًا؛ فإنَّ الشيطانَ يَبيتُ على خَيْشُومِه))؛ متفق عليه، فيُمكن أن تكونَ هذه اليدُ عبَثَ بها الشيطانُ، وحمَل إليها أشياءَ مُضِرَّة للإنسان، أو مُفْسِدة للماء، فنهَى النبيُّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أن يَغْمِس يدَه حتى يغسلَها ثلاثًا"[75].

 

9- "نهَى - صلَّى الله عليه وسلَّم - عن البَولِ في الماءِ الراكد"[76]؛ وذلك حتى لا يُوحِي في النفس الوسوسةَ باستخدامِه، أو لأنَّه ذريعةٌ إلى تنجيسه.

 

10- لا يَجِبُ عليه أن يغسِلَ ما أصاب رِجْلَه مِن طِين الشوارع، إلا إنْ كان على يقينٍ أن به نجاسَة؛ كأنْ تكونَ مِن مَصْرَفٍ صحِّي، كالبالوعة ونحوها.

 

11- وكذلك يُعفَى عن (أثَر النَّجْو)، وهو الأثَرُ المتبقِّي بعدَ الاستجمار؛ لأنَّ الحجر يُزيل عينَ النجاسة، ولا يَقْلَع الأثرَ تمامًا، وقاعدة الشَّرْع مَبنِيَّة على رفْع الحرَج.

 

12- غسْل الملابسِ في الغسَّالات وتجميعها في مكانٍ واحد، وإنْ كان بعضُها مُتَنجِّسًا لا يضرُّ الباقي؛ لأنَّ الماءَ يتكاثَر على هذِه النجاساتِ، فيَذْهَب أثرُها بحيثُ لا يظْهَر لها طعمٌ ولا لون ولا رِيح، والراجِح أنَّ الثِّيابَ كلَّها تطهُر بهذا الغَسْل.

 

باب الآنية

معنى الآنية: جمْع إناء، وهو الوِعاء.

حكم الآنية: الأصْلُ في الآنية الحِلُّ، ولا فرْقَ بين الأواني الصَّغيرة أو الكبيرة، كما لا فَرْق بيْن الأواني الثمينة والمصنوعة مِن الجواهِر والزُّمرُّد، والألماس، وبين الأواني الرَّخِيصة، فيُباح اتخاذها واستعمالها؛ لعمومِ قوله - تعالى -: ﴿ هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ﴾ [البقرة: 29]، فيُباح تملُّكها والاتِّجار فيها بالبيع والشِّراء، والانتفاعُ بها باستخدامِهافي الطعامِ والشراب، ونحوها.

 

وإنَّما تُكرَه الأواني الثَّمينة؛ لِمَا فيها من الخُيلاء والإسراف، ولكن يُستثنى ممَّا سبق ما يَتعلَّق بآنية الذَّهَب والفِضَّة، وما يتعلَّق بآنية المشركين، وهذا ما أُفصِّله في السطور الآتية:

 

آنية الذهب والفضة:

عن حُذَيفةَ - رضي الله عنه - قال: سمعتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((لا تَلْبَسوا الحريرَ ولا الدِّيباج، ولا تَشْرَبوا في آنيةِ الذَّهب والفِضَّة، ولا تَأكلوا في صِحافِهما؛ فإنَّهما لهم في الدنيا ولكُم في الآخِرة))[77].

 

يدلُّ هذا الحديثُ على تحريمِ الأكْل والشُّرْب في آنيةِ الذهب والفِضَّة للرِّجال والنِّساء على السواء، وأمَّا التحلِّي بهما: فإنَّ الذهب يَحرُم على الرِّجال، وإنَّما يُباح لهم خاتمُ الفِضَّة، وأما النِّساء فيُباح لهنَّ التحلِّي بهما.

 

واختلَف العلماءُ في حُكْم استعمالِ الذهب والفِضَّة في غير الأكْل والشرب؛ فالجمهور على تحريمِ ذلك، وذهَب الشوكانيُّ في "نيل الأوطار" إلى جوازِه؛ لعدمِ نهوض الدليلِ على هذا التحريم، ولأنَّه اقتصَر في الحديثِ على ذِكْر الطعام والشراب، ولمَا ثبَت عن عثمان بن عبدالله بن مَوْهَبٍ قال: أرْسَلني أهلي إلى أمِّ سلمة - رضي الله عنها - بقَدَح مِن ماء، وكان إذا أصابَ الإنسانَ عينٌ أو شيءٌ بعَث إليها مِخْضَبَه، فأخْرَجتْ مِن شعر رسولِ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - وكانتْ تُمسِكه في جُلجُل من فِضَّة، فخَضْخَضتْه فشَرِب منه[78].

 

و(الجُلْجُل) : إناءٌ يشبه الجرَس، و(المِخْضَب): إناءٌ مِن جملة الأواني.

 

وعلى هذا فيجوز الوضوءُ والاغتسالُ وجميعُ الاستعمالات عدَا الأكْل والشُّرْب من إناءِ ذَهبٍ أو فِضَّة، وهو الراجِح، وهذا ما رجَّحه الصنعانيُّ أيضًا في "سُبُل السلام"، ورجَّحه الشيخ ابن عثيمين في "الشرح الممتع".

 

ملاحظات:

1- ممَّا ورَد في الوعيدِ لمن أكَل أو شرِب في آنيةِ الذَّهب والفِضّة ما ثبَت في الصحيحَيْن عن أمِّ سَلَمة - رضي الله عنها - أنَّ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - قال: ((إنَّ الَّذي يَشْرَبُ في آنيةِ الفِضَّة إنَّما يُجَرْجِر في بَطْنِه نارَ جَهنَّم))[79] - وفي لفظٍ لمسلِم -: ((مَن شَرِب في إناءِ ذهبٍ أو فِضَّة))[80].

 

وهذا يدلُّ على أنّ الأكْل والشُّرْب فيهما مِن كبائرِ الذنوب.

 

2- لا يُلْحَق هذا الحُكمُ بنفائسِ الأحجار، كالياقوت والجواهر؛ لأنَّ الأصْلَ الإباحة، ولا دليلَ على تحريمِ استعمالها، ولو في الأكْل والشُّرْب.

 

3- يجوز تضبيبُ الإناءِ بالفِضَّة إذا انكَسَر، ولا يَمنع ذلك مِن استعمال الإناء؛ فعن أنسٍ - رضي الله عنه -: "أنَّ قدَحَ النبيِّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - انكَسَر فاتَّخذَ مكانَ الشَّعْبِ سِلسلةً مِن فِضَّة"[81].

 

و(الشَّعْب): بفتح الشين هو الشَّق، و(السِّلْسِلَةُ)، بالكَسْرِ: دَائِرٌ مِن حَدِيدٍ، ونَحْوه من الجواهِر.

 

4- اعلم أنَّ الآنيةَ المباحَة إذا كانتْ على صورةِ حيوان مثلاً، فإنَّها تَحرُم، ويكون التحريمُ لا لذاتِها، ولكن لغيرها.

 

5- إذا لم يَجِدْ إناءً يَشْرَب أو يأكُل فيه إلا إناءَ ذهبٍ أو فِضَّة، جاز ذلك للضرورة[82].

 

آنية الكفار:

يجوز الأكْلُ والشُّرْب في آنية الكفَّار؛ وذلك لِمَا ثبَت "أنَّ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - أكَل مِن الشاة التي أهدتْها يهوديةٌ مِن خَيْبر"[83].

 

ولِمَا ثبَت في الصحيحَيْن مِن حديثِ عِمرانَ بنِ الحُصَين - رضي الله عنه - في حديثٍ طويل، وفيه: أنَّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - تَوضَّأَ مِن مَزَادة مشرِكة[84].

 

و(المزادة): القِرْبة التي يُوضَع فيها الماء.

 

ولكن الأَوْلى عدمُ استعمال آنيتهم إلا بعدَ غَسْلها، إذا عَلِم أنَّهم يَطْبخون فيها الخِنزير ويَشْربون فيها الخمْر، فعن أبي ثَعْلَبة الخُشَني - رضي الله عنه - قال: قلتُ: يا رسولَ الله، إنَّا بأرضِ قومٍ أهلِ كتاب، أفنأكُل في آنيتهم؟ قال: ((إنْ وَجدتُم غيرَها فلا تَأْكلوا فيها، وإنْ لَم تَجِدوا فاغْسِلوها وَكُلوا فيها))[85]، وفي روايةٍ لأحمدَ وأبي داود: "إنَّ أرْضَنا أرضُ أهل الكتاب، وإنَّهم يأكلون لحمَ الخِنْزير، ويَشْرَبون الخمْر، فكيف نصْنَع بآنيتهم؟..."[86] الحديث.



[1] صحيح: رواه ابن ماجه (348)، وأحمد (2/ 389)، والحاكم (1/ 183)، وابن أبي شيبة (1/ 115)، وصحَّحه الحاكمُ على شَرْط الشيخين، ووافَقه الذهبي.

[2] صحيح: رواه أبو داود (650)، وأحمد (3/ 92)، وابن خزيمة (1017)، وصحَّحه الألباني في "الإرواء" (284).

[3] المقصود في هذه المسألة ذِكْر ما تكلَّم فيه العلماء بالنجاسة، سواء اتَّفقوا عليه، أم اختلفوا فيه، مع بيان الراجِح من كونه طاهرًا أم نجسًا.

[4] البخاري (1492)، (2221)، (5531)، ومسلم (363)، وأبو داود (4120)، والترمذي (1727)، والنَّسائي (7/ 172).

[5] مسلم (366)، وأبو داود (4123)، والترمذي (1728)، والنسائي (7/ 173)، وابن ماجه (3609)، ومالك (2/ 498)، وأحمد ( (1/ 1/ 280، 270 ).

[6] صحيح: رواه أبو داود (2858)، والترمذي (1480)، وأخرجه ابن ماجه (3216)، وأحمد (5/ 218) من حديث ابن عمر.

[7] البخاري (6331)، ومسلم (1802)، وابن ماجه (3195).

[8] البخاري (5528)، ومسلم (1940) من حديث أنس.

[9] صحيح: رواه أبو داود (83)، والترمذي (69)، والنسائي (1/ 50)، وابن ماجه (386).

[10] رواه البخاري (5495)، ومسلم (1952)، وأبو داود (3812)، والترمذي (1822)، والنسائي (7/ 210).

[11] فتح الباري (9/ 621).

[12] مجموع الفتاوى (21/ 100).

[13] رواه البخاري تعليقًا (1/ 342).

[14] البخاري (1492)،  (2226)، ومسلم (363)، وأبو داود (4120)، والترمذي (1727)، والنسائي (7/ 172).

[15] مسلم (366)، أبو داود (4123)، والترمذي (1728)، والنسائي (7/ 173)، وابن ماجه (3609).

[16] صحيح: رواه النسائي (7/ 174)، والطبراني في الكبير (6342)، وأحمد (3/ 476)، وقال الحافظ في التلخيص الحبير (1/ 41): إسناده صحيح.

[17] مجموع الفتاوى (21/ 95)، والشرح الممتع (1/ 75، 74)، وعندي - والله أعلم - أنَّ الدبغ يُطهِّر جميع الجلود، ولكنَّه لا يُباح منه ما تُبيحه الذكاة - كطعام مثلاً، أو طبْخه لأخْذ مرقته - إلا جلد مأكولِ اللحْم، وبهذا نكون جمعْنَا بين الروايات، فالدَّبْغ يُحدِث في جلد ميتة مأكول اللحم شيئَين، وهما: الحِلُّ، والطهارة، وأمَّا ميتة غير مأكولِ اللحم، فلا يُحدِث فيه إلا الطهارة فقط، وانظر نحوَ هذا مِن كتاب المجموع للنووي (1/ 229).

[18] مجموع الفتاوى (21/ 103).

[19] لسان العرَب: (28/ 624).

[20] رواه البخاري (3320)،  (5782)، وأبو داود (3844)، وابن ماجه (3505).

[21] صحيح: رواه أبو داود (385، 386)، والحاكم (1/ 166)، والبيهقي (2/ 430)، وابن خزيمة (292).

[22] البخاري (217)، ومسلم نحوه (270، 271).

[23] البخاري (216، 218)، ومسلم (292)، وأبو داود (20)، والترمذي (70)، والنسائي (1/ 28 - 30)، وابن ماجه (347).

[24] البخاري (219، 221)، ومسلم (285)، والترمذي (147)، وابن ماجه (528).

[25] البخاري (223)، ومسلم (287)، وأبو داود (374)، والترمذي (71)، والنسائي (1/ 157)، وابن ماجه (524).

[26] صحيح: رواه أبو داود (376)، والنسائي (1/ 158)، وابن ماجه (526)، وله شاهدٌ مِن حديث عليِّ بن أبي طالب، رواه أبو داود (377)، وابن ماجه (525)، والترمذي (610).

[27] البخاري (233)،  (6802)،  (6803)،  (6805)، ومسلم (1671)، وأبو داود (4364)، والنسائي (7/ 94).

[28] نيل الأوطار (1/ 60).

[29] البخاري (156)، والنسائي (1/ 39، 40)، والترمذي (17)، وابن ماجه (314)، وابن خزيمة (70).

[30] الروضة الندية (1/ 14)، وانظر نيل الأوطار (1/ 59 - 62).

[31] مسلم (279)، وأبو داود (71)، والترمذي (91)، والنسائي (1/ 177)، ورواه نحوه البخاري (172)، وابن ماجه (364)، والنسائي (1/ 52).

[32] صحيح: رواه أبو داود (365)، وأحمد (2/364، 384)، والبيهقي (2/ 408)، وفيه ابنُ لَهِيعة، ثِقة إلا أنَّه اختلَط، وقد ثبَت في رواية البيهقي أنَّ الراوي عنه هو عبدالله بن وهْب، ورِوايته عنه قبلَ اختلاطه، وبذلك يصحُّ الحديث.

[33] حسن: رواه أبو داود (198)، وأحمد (3/ 343)، وابن خزيمة (36).

[34] صحيح: رواه البخاري تعليقًا (1/ 346)، ورواه ابن أبي شيبة (1/ 47) نحوه.

[35] صحيح: رواه البخاري (1/ 346) تعليقًا، ووصله البيهقي في السنن الكبرى (1/ 141)، وابن أبي شيبة  (1/ 1128)، وعبدالرزاق (1/ 145)، وصحَّحه الحافظ في الفتح (1/ 382).

[36] صحيح: رواه ابن أبي شيبة (1/ 124)، وعبدالرزاق في "مصنفه" (1/ 148).

[37] انظر: الصحيحة للألباني تعليقًا على الحديث (301).

[38] انظر "الشرح الممتع" لابن عُثيمين (1/ 375)، و"الروضة الندية" لصديق حسن خان (1/ 39).

[39] انظر "المجموع" (2/ 55).

[40] البخاري (269)، ومسلم (303)، وأبو داود (206، 208)، والترمذي (114)، والنسائي (1/ 96)، وابن ماجه (504) بألفاظٍ مختلِفة نحوه.

[41] صحيح: رواه أبو داود (208)، وأحمد (1/ 124)، وابن حبان (1170).

[42] حسن: رواه أبو داود (210)، والترمذي (115)، وابن ماجه (506)، وقال الترمذي: حسنٌ صحيح، ورواه ابن حبَّانَ (1103)، و الدارمي (1/ 184).

[43] مسلم (228)، وأبو داود (371)، والترمذي (116)، والنسائي (1/ 156)، وابن ماجه (537).

[44] صحيح: رواه أحمد (6/ 243)، وابن خزيمة (294)، والبيهقي (1/ 418)، وانظر صحيح الجامع (4953).

[45] البخاري (229)، ومسلم (289)، وأبو داود (373).

[46] صحيح: رواه ابن أبي شيبة (1/ 89)، والبيهقي (1/ 169).

[47] هو ماء أصْفَر يخرُج مِن الفم عندَ امتلاء البطْن.

[48] البخاري (227)، ومسلم (291)، والترمذي (138)، والنسائي (1/ 52)، وابن ماجه (629).

[49] حسن: رواه ابن خزيمة (277)، وابن حبان (1395)، ورواه أبو داود (363)، والنسائي (1/ 154)، وقال الحافظ في الفتح (1/ 334): إسناده حسن.

[50] صحيح: رواه أبو داود (365)، وأحمد (2/ 364).

[51] مسلم (279)، وأبو داود (71)، والترمذي (91)، والنسائي (1/ 177)، ورواه البخاري (172)، وابن ماجه (364) نحوه.

[52] مختصر الفتاوى المصرية (ص20).

[53] صحيح: أبو داود (385)، وصححه الشيخ الألباني في "مشكاة المصابيح" (503).

[54] صحيح: رواه أبو داود (650)، وأحمد (3/ 92)، وانظر "صحيح الجامع" (461).

[55] صحيح: رواه أبو داود (383)، والترمذي (143)، وابن ماجه (531).

[56] البخاري (220)،  (6128)، وأبو داود (380)، والترمذي (147)، والنسائي (3/ 14).

[57] رواه ابن أبي شيبة (1/ 59).

[58] المصدر السابق.

[59] البخاري (235)، وأبو داود (3841)، والترمذي (1798)، والنسائي (7/ 178).

[60] انظر (ص: 38).

[61] انظر مجموع الفتاوى (21/ 38).

[62] يُشير إلى حديثِ أبي سعيد وأبي هريرة المتقدِّم في تطهيرِ النعل (ص: 39).

[63] نيل الأوطار (1/ 48).

[64] الفتاوى المصرية (ص: 19).

[65] المُحلَّى (1/ 166) .

[66] الفتاوى المصرية (ص19).

[67] الفتاوى المصرية (ص: 16).

[68] الفتاوى المصرية (ص: 17).

[69] الفتاوى المصرية (ص: 17).

[70] صحيح: رواه أبو داود (650)، وأحمد (3/ 92).

[71] صحيح: رواه الحاكم (4/ 218)، والبيهقي (10/ 5) بإسناد صحيح موقوفًا على ابن مسعود، وله حُكْم الرَّفْع، وله شاهدٌ مرفوع من حديثِ أمِّ سلمة؛ رواه أحمد في "الأشربة" (159)، والبيهقي (10/5)، ورجاله رجالُ الصحيح، عدَا حسَّانَ بن مخارق، لم يُوثِّقْه غيرُ ابن حبَّان، لكنَّه يتقوى بالرِّواية السابقة.

[72] البخاري (2236) (4633)، ومسلم (1581)، وأبو داود (3486)، والترمذي (1297)، والنسائي (7/ 309)، وابن ماجه (2167).

[73] سبل السلام (3/ 791 - 792)، وانظر مختصر الفتاوى المصرية لابن تيمية (ص: 31).

[74] البخاري (162)، ومسلم (237)، وأبو داود (105)، والترمذي (24)، والنسائي (1/ 6، 7)، وابن ماجه (393).

[75] مجموع الفتاوى (21/ 44).

[76] رواه مسلم (281)، وابن ماجه (343)، وأحمد (3/ 350).

[77] البخاري (5426)، ومسلم (2067)، وأبو داود (3723)، والترمذي (1878)، وابن ماجه (3414)، وأحمد (5/ 385، 390، 396).

[78] البخاري (5896)، دون ذكر ((مِن فِضَّة))، وقد أشار الحافظ في شرْحه إلى وجودِها في بعضِ النُّسخ؛ لذا أورده ابنُ شاهين في "الجمع بين الصحيحين" (802) بهذا اللفظ.

[79] البخاري (5634)، ومسلم (2065)، وابن ماجه (3413).

[80] مسلم (2067).

[81] البخاري (3109).

[82] انظر مختصر الفتاوى المصرية (ص: 30).

[83] البخاري (3169، 4249).

[84] البخاري (344)، ومسلم (682).

[85] البخاري (5478)، ومسلم (1930)، والترمذي (1464)، وأبو داود (3839).

[86] صحيح: رواه أبو داود (3839).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تمام المنة - الطهارة (1/7)
  • تمام المنة - الطهارة (3/7)
  • تمام المنة - الطهارة (4/7)
  • تمام المنة - الطهارة (5/7)
  • تمام المنة - الطهارة (6/7)
  • تمام المنة - الطهارة (7/7)
  • تمام المنة - الصلاة (2)
  • ملخص أحكام الغسل من تمام المنة
  • المنة الكبرى (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • مخطوطة شرح ديوان أبي تمام ( شرح ديوان الحماسة لأبي تمام )(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة الفوائد الحديث التمام (النسخة 4)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • كتاب أخبار أبي تمام لمحمد بن يحيى الصولي (ت 335هـ / 946م)(مقالة - موقع د. أنور محمود زناتي)
  • مخطوطة فوائد تمام الرازي (نسخة ثانية)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • تمام المنة: أربعون حديثا في بيان أعمال تدخل الجنة (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تمام المنة بأن سرد الثلاث ركعات في الوتر من السنة (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • التحليل والدراسة لكتاب تمام المنة في التعليق على فقه السنة(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • تمام المنة على شرح السنة للإمام المزني (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تمام المنة ببعثة نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • تمام المنة - الصلاة (43)(مقالة - ملفات خاصة)

 


تعليقات الزوار
1- تراجع الشيخ
أبو البراء محمد بن عبد المنعم آل علاوة - مصر 27-08-2016 12:08 AM

تراجع الشيخ في طبعات الكتاب الجديدة عن القول بطهارة بول وروث غير مأكول اللحم عدا الحمار، إلى القول بنجاسة الجميع قياسًا على روثة الحمار

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 12/11/1446هـ - الساعة: 18:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب