• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطر الظلمات الثلاث
    السيد مراد سلامة
  •  
    تذكير الأنام بفرضية الحج في الإسلام (خطبة)
    جمال علي يوسف فياض
  •  
    حجوا قبل ألا تحجوا (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    تعظيم المشاعر (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (الرفيق، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (10)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    القلق والأمراض النفسية: أرقام مخيفة (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    آفة الغيبة.. بلاء ومصيبة (خطبة)
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    تخريج حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    الإسلام هو السبيل الوحيد لِإنقاذ وخلاص البشرية
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    خطبة: فاعبد الله مخلصا له الدين (باللغة
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    المحافظة على صحة السمع في السنة النبوية (PDF)
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    اختيارات ابن أبي العز الحنفي وترجيحاته الفقهية في ...
    عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد التويجري
  •  
    القيم الأخلاقية في الإسلام: أسس بناء مجتمعات ...
    محمد أبو عطية
  •  
    فوائد من حديث أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث ...
    محفوظ أحمد السلهتي
  •  
    لم تعد البلاغة زينة لفظية "التلبية وبلاغة التواصل ...
    د. أيمن أبو مصطفى
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / علوم حديث
علامة باركود

المذاكرة عند المحدثين (5/5)

محمد بن عبدالله السريِّع

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 4/11/2010 ميلادي - 27/11/1431 هجري

الزيارات: 17895

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

المذاكرة عند المحدثين

(مفهومها، أساليبها، أثرها في النقد الحديثي) (5 / 5)


المسألة السادسة: التحمُّل عن الراوي في المذاكرة:

قد كان المحدثون - لشدة عنايتهم - يحملون عن الرواة أحاديثهم، حتى في المذاكرات بينهم.

 

وطريقتهم في ذلك طريقتان -كما في طرائق التحمُّل في الإملاء والسماع-:

إحداهما: الحفظ:

وهو الأصل، وقد سبق من أخبار المحدثين في صفاء أذهانهم، وسرعة حفظهم؛ ما لا يُعجَب معه مِن حفظهم ما يدور بينهم من مذاكرات.

 

ومن ذلك:

ما مرَّ في مذاكرة عبدالرحمن بن مهدي وأبي عوانة، حيث فتَّش عن الحديث الذي ذاكر به، فلم يجده في كتبه، قال ابن مهدي: "فقال -يعني: أبا عوانة-: "من أين أُتِيت يا أبا سعيد؟"، فقلت: هذا ذوكرت به وأنت شاب، فعَلِق بقلبك، فظننتَ أنك قد سمعته"[1].

 

وقال يحيى بن معين: "لقيت علي بن عاصم على الجسر، فقلت: كيف حديث مطرف عن الشعبي من زوج كريمته؟ فقال: "حدثنا مطرف، عن الشعبي"، فقلت: لم تسمع هذا من مطرفٍ قطّ، وليس هذا من حديثك. قال: "فأَكذب؟"، فاستحييت منه، وقلت: ذوكرت به، فوقع في قلبك، فظننت أنك سمعته، ولم تسمعه، وليس من حديثك"[2].

وقال أبو بكر ابن أبي شيبة: "كنا نجتمع للمذاكرة...، وكان إذا مرَّ حديثٌ لم يكن عندي عَلِقتُه..."[3].

وقال أبو زرعة الرازي: "قَعَدتُ إلى أبي الوليد يومًا، فحملت عنه ثمانية عشر حديثًا -وحدثنا مذاكرةً-؛ من غير أن كتبت منه حرفًا، وتحفَّظت عنه كله"[4].

 

وقال أبو زرعة - أيضًا، في أبي قتادة عبدالله بن واقد -: "إنما كان أحمد حدثنا عنه في المذاكرة؛ ذكرنا ما رُوي عن عكرمة، عن الهرماس...، قال أحمد: "وحدثنا عبدالله بن واقد، عن عكرمة...، فذكر حديث الهرماس، فعَلِقتُه حفظًا"[5].

بل ربما حفظ الواحد منهم مذاكرةً حضرها وما كان يذاكر فيها.

 

قال عبدالله بن أحمد بن حنبل: "قال أبي: "مات هشيم وأنا ابن عشرين سنة، فكنت أحفظ من حديثه ما سمعته منه وما لم أسمع"، فقلت له: كيف حفظتَ ما لم تسمع؟ فقال: "كنت أسمع أصحابنا يتذاكرون""[6].

 

ثاني الطريقتين: الكتابة:

مرَّ عن عبدالرحمن بن مهدي، أنه قدم عليهم عمر بن هارون البصرةَ، فذاكره عبدالرحمن، فكتب عنه ثلاثة أحاديث.

ومرَّ قول محمد بن المثنى: "سألت عبدالرحمن -يعني: ابن مهدي- عن حديث، وعنده قوم، فساقه، فذهبت أكتبه، فقال: "أيَّ شيءٍ تصنع؟"، فقلت: أكتبه...".

 

وقال أحمد بن حنبل: "كتبت عن يحيى بن سعيد عن شريك على غير وجه الحديث" -يعني: المذاكرة-[7].

وقال عبدالله بن أحمد: "سمعت أبي ذكر حديثًا عن عبدالرحمن بن مالك بن مغول، عن أبي حصين في المذاكرة؛ على غير وجه الحديث، فكتبته عنه"[8].

 

وروى محمد بن رافع النيسابوري، عن يحيى بن آدم، عن أبي يعقوب إسحاق بن راهويه حديثًا، قال محمد: "فسألت أبا يعقوب عن هذا الحديث، وأعلمته أن يحيى بن آدم حدثني به، فقال: "قد كتب عني يحيى زُهاء ثلاثة آلاف حديث في المذاكرة""[9].

وقال أبو إسماعيل الترمذي -وساق حديثًا-: "ذاكرت به بندارًا، ولم يكن عنده، فكَتَبَه"[10].

وكتب أبو حاتم الرازي عن بعض الرواة في المذاكرة[11].

وقال الأزدي: "كان ابن خراش شيخا عسرًا في الحديث، كتبتُ عنه في المذاكرة نحو عشرين حديثًا"[12].

وقال الحافظ أبو علي النيسابوري: "كَتَب عني أبو محمد ابن صاعد غيرَ حديثٍ في المذاكرة"[13].

 

وقال الحاكم - فيما سبق من وصف المذاكرة في مجلس أبي الحسين القنطري -: "فلما بلغنا آخر الباب -يعني: طرق حديث الغار-؛ قال لنا الشيخ: "عندكم عن جويرية بن أسماء، عن نافع؟"، فقلنا: لا. فقال: حدثناه معاذ بن المثنى، قال: حدثني ابن أخي جويرية، عن جويرية"، فكتبنا بأجمعنا الحديث..."[14].

هذا، وقد كان المحدثون ينهون عن الحمل عنهم في المذاكرة، ويُحَرِّجون على من يفعل ذلك.

 

روي عن أحمد بن محمد بن سليمان التستري، قال: "حدثني أبو زرعة الرازي، حدثني إبراهيم بن موسى، نا عبدالرحمن بن الحكم المروزي، عن نوفل بن المطهر، قال: قال لنا عبدالله بن المبارك: "لا تحملوا عني في المذاكرة شيئًا". قال أبو زرعة: وقال إبراهيم: "لا تحملوا عني في المذاكرة شيئًا"". قال أحمد: "وقال لي أبو زرعة: "لا تحملوا عني في المذاكرة شيئًا""[15].

 

وفي لفظٍ عن أحمد، قال أبو زرعة: "لا تكتبوا عني بالمذاكرة؛ فإني أخاف أن تحملوا خطأً، هذا ابن المبارك كَرِه أن يُحمَل عنه بالمذاكرة، وقال لي إبراهيم بن موسى: "لا تحملوا عني بالمذاكرة شيئًا""[16].

وقال عبدالرحمن بن مهدي: "حرامٌ عليكم أن تأخذوا عني في المذاكرة حديثًا؛ لأني إذا ذاكرت تساهلت في الحديث"[17].

وسبق عن ابن مهدي نهيُه محمدَ بنَ المثنى أن يكتب عنه في المذاكرة.

وقال أبو زرعة الرازي: "حرجٌ على [من كتب عني في] المذاكرة شيئًا"[18].

 

ويمكن تعليل نهيهم هذا، وتلمُّس مَرجعه من عباراتهم ومنهجهم في المذاكرة، وردُّه إلى أمور منها:

1- التساهل في المذاكرة:

وهذا نصُّ ابن مهدي المارُّ آنفًا؛ حين علَّل نَهيَه عن ذلك بتساهله في المذاكرة.

قال ابن الصلاح: "وكان جماعةٌ من حفاظهم يمنعون من أن يحمل عنهم في المذاكرة شيء...؛ وذلك لما قد يقع فيها من المساهلة..."[19].

وقد سبق أن للتساهل في المذاكرة صورًا؛ كانوا يَحْذَرون أن تقع منهم في المذاكرة، فيُحمل عنهم الحديث خطأً، ويتحمَّلون هم تَبِعَته.

 

وقد مرَّ في قصة ابن مهدي مع عمر بن هارون -وقد سبق طرفٌ منها-، أن ابن مهدي كتب عنه في المذاكرة ثلاثة أحاديث، ثم لما روجع بها في قدمته التالية؛ بيَّن أنه تساهل في المذاكرة بها، فتحمل تبعة ذلك، حيث أُخبر ابن مهدي بذلك، فنال منه وتكلم[20].

 

2- التحديث من الحفظ، وقرب الخطأ:

قال ابن الصلاح: "وكان جماعةٌ من حفاظهم يمنعون من أن يحمل عنهم في المذاكرة شيء...؛ وذلك لما قد يقع فيها من المساهلة، مع أن الحفظ خوَّان"[21].

وقد مرَّ قول أبي زرعة الرازي: "لا تكتبوا عني بالمذاكرة؛ فإني أخاف أن تحملوا خطأً".

 

3- عدم إمكان تصحيح الخطأ - إذا وقع -، أو عُسر ذلك:

وقد مرَّ قول ابن مهدي لمحمد بن المثنى: "لو كنتَ وحدك لحدثتك به، فكيف أصنع بهؤلاء؟".

وقول الخطيب - معقِّبًا -: "كان أبو موسى من الملازمين لعبدالرحمن، فقوله: "لو كنت وحدك لحدثتك به"؛ أراد: أنه متى بَانَ له أن الحديث على غير ما حدثه به؛ أمكنه استدراكه لإصلاح غلطه، ولا يمكنه ذلك مع الغرباء الذين حضروا عنده، والله أعلم".

ولأجل كل ذلك؛ كان المتحرُّون من المحدثين لا يرضون أن يُكتَب عنهم في المذاكرة إلا من كتبهم.

 

وفي حكاية مذاكرة أحمد بن حنبل وأحمد بن صالح، قال ابن زنجويه: "إلى أن قال أحمد بن حنبل لأحمد بن صالح: "عند الزهري، عن محمد بن جبير بن مطعم، عن أبيه، عن عبدالرحمن بن عوف، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ما يسرني أن لي حمر النعم، وأن لي حلف المطيبين"". فقال أحمد بن صالح لأحمد بن حنبل: "أنت الأستاذ وتذكر مثل هذا!"، فجعل أحمد بن حنبل يبتسم، ويقول: "رواه عن الزهري رجلٌ مقبول أو صالح؛ عبدالرحمن بن إسحاق"، قال: "من رواه عن عبدالرحمن بن إسحاق؟"، فقال: "حدثناه رجلان ثقتان: إسماعيل بن علية، وبشر بن المفضل"، فقال أحمد بن صالح لأحمد بن حنبل: "سألتك بالله إلا أمليته عليَّ!"، فقال أحمد: "من الكتاب"، فقام، فدخل وأخرج الكتاب وأملاه عليه"[22].

 

وروي عن إبراهيم بن جابر المروزي، قال: "كنا نجالس أبا عبدالله أحمد بن حنبل، فنذكر الحديث ونحفظه ونتقنه، فإذا أردنا أن نكتبه قال: "الكتاب أحفظ"، فيَثِبُ وَثبةً، ويجيء بالكتاب"[23].

وأما من لم يتحرَّ؛ فإنه ربما جرت له تبعاتٌ من الكتابة عن حفظه في المذاكرة، وسبق ذكر بعض نماذج ذلك.

وربما كان الراوي أحرص من شيخه، فلم يأخذ عنه في المذاكرة إلا من أصل كتابه.

حكى أبو عمرو ابن حمدان مذاكرةَ أبيه مع عبيد العجل في حديثٍ، وفيه: قال أبوه: "فسألته، فحدثني به، قلت: الأصل! فأخرج الأصلَ، فكتبته منه"[24].

 

المسألة السابعة: البحث عن العُلُوِّ بعد المذاكرة:

وهذه الفائدة الرئيسة الثانية من المذاكرة -كما سبق في المسألة الثانية-، حيث كان من منهج بعضهم الاستفادة من المذاكرة في تلمُّس الأحاديث الغريبة، وطلب ما لم يكن عنده من الأسانيد، ثم سماعها من أصحابها -إن أمكن ذلك-.

 

قال أبو بكر ابن أبي شيبة: "كنا نجتمع للمذاكرة وفينا الشاذكوني، وكان إذا مرَّ حديثٌ لم يكن عندي عَلِقته، فإن كان صاحبه الذي سمع منه حَيّ؛ سمعت منه..."[25].

 

وقال ابن عدي: أخبرنا محمد بن أحمد بن عثمان المديني، حدثنا حرملة، حدثنا ابن وهب، عن حاتم بن إسماعيل، عن شريك، عن محمد بن إسحاق، عن محمد بن المنكدر، عن جابر، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا زنت أمة أحدكم فاجلدوها... فذكر الحديث".

قال ابن عدي: "قال لنا ابن عثمان: "ذاكرت هذا الحديث أبا حاتم الرازي بمكة، فجاء إلى مصر، حتى سمعه من حرملة""[26].

 

وقال أحمد بن سعيد بن أبي مريم: "ذاكرت يحيى بن معين يومًا وهو بمصر عن أبي مودود، عن سليمان بن يسار، قال: "مرضت، فعادني ابنُ عمر في يومٍ مرتين"، فأعجَبَ يحيى هذا الحديثُ، وقال لي: "أَفِدنيه، عمَّن كتبتَه؟"، فَصِرت مَعَه إلى عبدالمنعم -يعني: ابن بشير-، فسأله يحيى..."[27].

 

وقال أبو حاتم الرازي: "قلت على باب أبي الوليد الطيالسي: مَن أغرب عليَّ حديثًا غريبًا مسندًا صحيحًا لم أسمع به؛ فله عليَّ درهمٌ يتصدق به. وقد حضر على باب أبي الوليد خلقٌ من الخلق؛ أبو زرعة فمن دونه، وإنما كان مرادي: أن يُلقَى عليَّ ما لم أسمع به، فيقولون: هو عند فلان، فأذهب، فأسمع، وكان مرادي أن أستخرج منهم ما ليس عندي..."[28].

المبحث الثاني: أثر تصوُّر المذاكرة عند المحدثين في النقد الحديثي

لا بُدَّ -بعد هذا التطواف في مفهوم المذاكرة وأساليبها- أن نعرِّج على أثر تصوُّر تلك المفاهيم والأساليب في النقد الحديثي، وما يؤدي ذلك إليه من فهمٍ لكلام الأئمة النُّقَّاد، وسيرٍ على منهجهم في النقد الحديثي.

 

ويمكن إبراز عددٍ من النقاط في هذا المبحث:

1- تقدير أئمة الحديث ونقَّاده:

تبيَّن في المبحث الأول أن مدارَ المذاكرة ومناطَها على الحفظ الواسع، والاستحضار السريع، والضبط والإتقان.

 

والمُطالِع في حكايات الأئمة النُّقَّاد في مذاكراتهم ومدارساتهم فيما بينهم؛ يلمس -جليًّا- مدى حفظهم وتمكُّنهم في علومهم، وهذا يظهر في أمور، منها:

أ- استعدادهم النفسي للمذاكرة، واقتحامهم منافساتها ومطارحاتها.

ب- مذاكرتهم مئات -بل آلاف- الأحاديث فيما بينهم حفظًا، واستمرار المذاكرة بينهم ساعاتٍ طويلة.

ج- عدم إغراب بعضهم على بعض.

د- عجز عامة المحدِّثين عن مذاكرتهم، وانفرادهم بجودة المذاكرة وحُسنها والغَلَبَة فيها.

هـ- ردُّهم على المخطئ من المذاكِرِين خطأه، وهذا يدل على استحضارهم القوي، ومعرفتهم للصواب من الخطأ.

و- حرصهم على ضبط المحفوظ عن المشايخ بالتذاكر فيه عقب حفظه.

 

ومن ثم؛ فإنه يتبيَّن بهذا عظيم موقع كلامهم في النقد الحديثي، وأنهم إذا تكلَّموا في ذلك؛ فإنما يتكلمون بهذه الخلفية العلمية الفائقة حفظًا وضبطًا وتمكُّنًا وسعةَ اطِّلاع.

ولذا؛ فإن من الواجب احترام نقدهم، وإحلاله ما يستحقُّه من محل، وعدم التسرُّع في تخطئتهم وتغليطهم.

وهذا لا يعني - بلا شك - التقليد الأعمى، وتسليم القياد، وسد باب الاجتهاد، وإنما هو الاعتراف بالعجز والقصور أمام أولئك الكبار.

 

2- التحرِّي في الأحاديث المرويَّة في المذاكرة:

إذا تبيَّن من حديث بعض الرواة أنه حدَّث به مذاكرةً، فإن من الواجب التحرِّي والتدقيق في روايته، فيُتَوقَّف في تصحيحها - ما لم تدلَّ القرائن على صحتها -، وتُضعَّف - رأسًا - إن خولف فيها، أو دلَّت القرائن على غلطه فيها.

وقد سبق من عادات المحدِّثين في المذاكرة ما يلزم معه هذا التحرِّي؛ مِن تساهلهم فيها، واختصارهم في الإسناد والمتن، وروايتهم عمَّن لا يرضون، وغير ذلك.

قال الذهبي: "إذا قال: "حدثنا فلان مذاكرةً"؛ دلَّ على وهنٍ ما؛ إذ المذاكرة يُتَسمَّح فيها"[29].

ومما يدخل في ذلك: التحرِّي في صحة سماع الرواة من بعضهم إذا روى أحدهم عن شيخه مذاكرةً، أو ورد سماع راوٍ من آخر في المذاكرة.

 

3- إرجاع ما لم تتبيَّن عِلَّته إلى المذاكرة:

قد يتبيَّن لدى الناقد أنه قد وقع في الحديث غلطٌ ما، وأنه لا يمكن أن يكون من صحيح حديث المحدِّث، فربما أرجع ذلك إلى أنه حدَّث به مذاكرةً.

 

روى محمد بن العلاء أبو كريب، عن أبي أسامة، عن بريد بن عبدالله بن أبي بردة، عن جده، عن أبيه أبي موسى، عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "المؤمن يأكل في معي واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء".

وهذا تفرد به أبو كريب -في حكم عددٍ من الأئمة-، وتقرَّر عندهم أنه حديثٌ خطأ.

ثم نقل الترمذي عن البخاري قوله: "وكنا نرى أن أبا كريب أخذ هذا الحديث عن أبي أسامة في المذاكرة"[30].

فأرجع البخاري علَّةَ الحديث إلى كونه جرى من أبي أسامة مذاكرةً.

قال ابن رجب: "وما حكاه الترمذي عن البخاري... فهو تعليلٌ للحديث...؛ والمذاكرة يحصل فيها تسامح، بخلاف حال السماع أو الإملاء، ولذلك لم يَروِه عن بريدٍ غيرُ أبي أسامة"[31].

 

والظاهر أن الخلل في هذا الحديث وقع من إحدى جهتين محتملتين:

الأولى: جهة أن أبا أسامة لم يسمعه من بريد، وإنما كان بلغه عنه، فتسامح في أدائه في المذاكرة، واختصر الإسناد؛ فذكره عن بريدٍ مباشرةً، فحمله أبو كريب عنه كذلك، وصار يتفرَّد به أبو أسامة عن بريد.

 

الثانية: جهة أن أبا أسامة حدَّث به متساهلاً في المذاكرة؛ ولم يكن مستيقنًا منه ولا متوثِّقًا ولا متثبِّتًا، فتبيَّن أنه ليس من حديثه، وأنه إسنادٌ غلط، إلا أن أبا كريب حمله عنه كذلك، فصار يتفرَّد به أبو أسامة عن بريد.

 

ومن نماذج إرجاع ما لم تتبيَّن علَّتُه إلى المذاكرة -كذلك-:

قول الحافظ ابن حجر: "حديث: أنه -صلى الله عليه وسلم- قال: "إذا توضأتم فلا تنفضوا أيديكم؛ فإنها مراوح الشيطان": ابن أبي حاتم في كتاب العلل من حديث البختري بن عبيد، عن أبيه، عن أبي هريرة، وزاد في أوله: "إذا توضأتم فأشربوا أعينكم من الماء"، ورواه ابن حبان في الضعفاء في ترجمة البختري بن عبيد، وضعفه به، وقال: "لا يحل الاحتجاج به".

ولم ينفرد به البختري؛ فقد رواه ابن طاهر في صفة التصوف من طريق ابن أبي السري، قال: حدثنا عبيدالله بن محمد الطائي، عن أبيه، عن أبي هريرة، به.

وهذا إسنادٌ مجهول، ولعل ابن أبي السري حدَّث به من حفظه في المذاكرة؛ فوَهِم في اسم البختري بن عبيد، والله أعلم"[32].

 

4- حمل رواية المتثبِّتين من الأئمة عن الرواة الواهين على المذاكرة:

قال الشيخ المعلمي: "وفي "فتح المغيث" : "تتمة: ممن كان لا يروي إلا عن ثقة إلا في النادر: الإمام أحمد، وبقي بن مخلد...".

وقوله: "إلا في النادر" لا يضرُّنا، إنما احترز بها لأن بعض أولئك المحتاطين قد يُخطئ في التوثيق، فيروي عمَّن يراه ثقة وهو غير ثقة، وقد يضطر إلى حكاية شيءٍ عمَّن ليس بثقة، فيحكيه، ويبين أنه ليس بثقة، والحكم فيمن روى عنه أحد أولئك المحتاطين: أن يُبحَث عنه؛ فإن وُجد أن الذي روى عنه قد جرحه؛ تبيَّن أن روايته عنه كانت على وجه الحكاية، فلا تكون توثيقًا..."[33].

 

ومن أولى مواضع الحكاية عن هؤلاء: موضع المذاكرة؛ حيث سبق أنهم كانوا يروون فيها عمَّن لا يرضونه من الرواة، وأنَّ روايتهم عنهم في المذاكرة غير معتبرة في مقابلة تضعيفهم وجرحهم.

 

5- استبانة حال الراوي في المذاكرة:

مرَّ - في الكلام على الإغراب في المذاكرة - أنها موضعٌ ظاهرٌ من مواضع افتضاح الكذابين والمجازفين بافتعال الأسانيد والمتون؛ للإغراب بها.

قال د. إبراهيم اللاحم: "يستفاد من المذاكرة في معرفة سعة حفظ الراوي، واكتشاف أخطائه، بل والتأكد من صدقه، فإن بعض المذاكِرِين قد يدَّعي - أنفةً - أشياء لا وجود لها...، وأما الصادق منهم؛ فلا يدَّعي سماع ما لم يسمع..."[34].

 

6- حمل ما لم يقل فيه المحدِّث: "حدثنا" على المذاكرة:

ومنه الكلام في معلَّقات البخاري عن شيوخه بقوله: "قال لي"، أو: "قال لنا".

وهو قولٌ لبعض العلماء.

 

قال ابن الصلاح - حكايةً عن "بعض المتأخرين من أهل المغرب" -: "وقال: "متى رأيت البخاري يقول: "وقال لي، وقال لنا"؛ فاعلم أنه إسنادٌ لم يذكره للاحتجاج به، وإنما ذكره للاستشهاد به، وكثيرا ما يعبِّر المحدثون بهذا اللفظ عما جرى بينهم في المذاكرات والمناظرات، وأحاديث المذاكرة قلَّما يحتجُّون بها""[35].

 

وقال - في موضع آخر -: "وأما قوله: "قال لنا فلان"، أو: "ذكر لنا فلان"؛ فهو من قبيل قوله: "حدثنا فلان"؛ غيرَ أنه لائقٌ بما سَمِعه منه في المذاكرة، وهو به أشبه من "حدثنا""، ثم أحال إلى ما سبق نقله عنه عن بعض المغاربة[36].

 

وناقش ابن حجر هذا القول، ونظر فيه، فقال: "قوله -أي: البخاري-: "وقال لنا محمد بن يوسف"؛ هو الفريابي.

قيل: "عبَّر بهذه الصيغة لأنه مما أخذه من شيخه في المذاكرة؛ فلم يقل فيه: "حدثنا"".

وقيل: "إن ذلك مما تحمله بالإجازة أو المناولة أو العرض".

وقيل: "هو متصل من حيث اللفظ، منقطع من حيث المعنى".

والذي ظهر لي بالاستقراء خلاف ذلك، وهو: أنه متصل، لكنه لا يعبِّر بهذه الصيغة إلا إذا كان المتن موقوفًا، أو كان فيه راوٍ ليس على شرطه..."[37].

 

وقال: "قوله - أي: البخاري -: "وقال لي علي بن عبدالله"؛ أي: ابن المديني، كذا لأبي ذر والأكثر...، لكن أخرجه المصنف في التاريخ، فقال: "حدثنا علي بن المديني"، وهذا مما يقوِّي ما قرَّرته غيرَ مرة؛ من أنه يعبِّر بقوله: "وقال لي" في الأحاديث التي سمعها؛ لكن حيث يكون في إسنادها عنده نظر، أو حيث تكون موقوفة، وأما من زعم أنه يعبِّر بها فيما أخذه في المذاكرة أو بالمناولة؛ فليس عليه دليل"[38].

آخره، والله - تعالى - أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم وسلَّم.



[1] المجروحين (1 / 54)، الجامع (2 / 39).

[2] سؤالات البرذعي (2 / 395، 396).

[3] طبقات المحدثين بأصبهان (2 / 124)، ومراده بـ"عَلِقته": حفظته، ومنه قول يحيى بن سعيد القطان -كما في مراسيل ابن أبي حاتم (ص3)-: "هؤلاء قومٌ حفاظ؛ كانوا إذا سمعوا الشيءَ علقوه".

[4] الجرح والتعديل (1 / 332).

[5] سؤالات البرذعي (2 / 348، 349).

[6] العلل ومعرفة الرجال (2 / 250).

[7] العلل ومعرفة الرجال، برواية عبدالله (3 / 298).

[8] العلل ومعرفة الرجال (3 / 454).

[9] تاريخ بغداد (1 / 245).

[10] تاريخ بغداد (2 / 44).

[11] الجرح والتعديل (7 / 115، 187، 8 / 110).

[12] تاريخ بغداد (1 / 288).

[13] تاريخ بغداد (8 / 71)، تاريخ دمشق (14 / 275).

[14] معرفة علوم الحديث (ص431، 432).

[15] الجامع (2 / 37).

[16] سير أعلام النبلاء (13 / 80).

[17] الجامع (2 / 37).

[18] الجامع (2 / 37)، وانظر طبعة محمد عجاج الخطيب (2 / 30).

[19] علوم الحديث (المقدمة) (ص234).

[20] العلل ومعرفة الرجال، برواية المروذي (ص54-56).

[21] علوم الحديث (ص234).

[22] الكامل (1 / 181)، تاريخ بغداد (4 / 197).

[23] الجامع (2 / 12)، وانظر طبعة الخطيب (1 / 666، 667).

[24] تاريخ بغداد (7 / 370).

[25] طبقات المحدثين بأصبهان (2 / 124).

[26] الكامل (2 / 459).

[27] ضعفاء العقيلي (3 / 112).

[28] الجرح والتعديل (1 / 355).

[29] الموقظة (ص64).

[30] العلل الصغير، للترمذي (ص70 ط. الزرقي).

[31] شرح علل الترمذي (2 / 647).

[32] التلخيص الحبير (1 / 99، 100).

[33] التنكيل (2 / 659، 660).

[34] الجرح والتعديل (ص64).

[35] علوم الحديث (ص69، 70).

[36] علوم الحديث (ص136).

[37] فتح الباري (2 / 188)، وهو مما كرر نحوه ابن حجر في عدة مواضع، انظر: (335، 513، 5 / 394، 9 / 154، 433-434، 10 / 53، 11 / 128، 256-257، 13 / 334).

[38] الفتح (5 / 410).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • المذاكرة عند المحدثين (1 / 5)
  • المذاكرة عند المحدثين (2 / 5)
  • المذاكرة عند المحدثين (3 / 5)
  • المذاكرة عند المحدثين (4 / 5)
  • من اشتهر بالحفظ وقوة الذاكرة

مختارات من الشبكة

  • احرص أخي على المذاكرة(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • أهمية مراجعة الدروس ومذاكرة المحفوظات أولا بأول(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • ابن قتيبة محدث الأدباء وأديب المحدثين(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة تحفة المسامرة وعقود المحاضرة وسحر المذاكرة(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • المذاكرة في ألقاب الشعراء للنشابي الإربلي (657هـ)(مقالة - موقع د. أنور محمود زناتي)
  • أدعية المذاكرة والامتحانات على ميزان التحقيق(مقالة - موقع د. طالب بن عمر بن حيدرة الكثيري)
  • مهارات في فن المذاكرة لتحقق النجاح(مقالة - موقع د. ناجي بن إبراهيم العرفج)
  • نصائح هامة أثناء المذاكرة(مقالة - موقع د. ناجي بن إبراهيم العرفج)
  • إذاعة مدرسية عن المذاكرة والدراسة وأهميتها(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • الكسل عند المذاكرة(استشارة - الاستشارات)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • دفعة جديدة من خريجي برامج الدراسات الإسلامية في أستراليا
  • حجاج القرم يستعدون لرحلتهم المقدسة بندوة تثقيفية شاملة
  • مشروع مركز إسلامي في مونكتون يقترب من الانطلاق في 2025
  • مدينة روكفورد تحتضن يوما للمسجد المفتوح لنشر المعرفة الإسلامية
  • يوم مفتوح للمسجد يعرف سكان هارتلبول بالإسلام والمسلمين
  • بمشاركة 75 متسابقة.. اختتام الدورة السادسة لمسابقة القرآن في يوتازينسكي
  • مسجد يطلق مبادرة تنظيف شهرية بمدينة برادفورد
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 20/11/1446هـ - الساعة: 15:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب