• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / دراسات شرعية / فقه وأصوله
علامة باركود

النظام الاجتماعي للتقاضي

النظام الاجتماعي للتقاضي
سمو الأمير د. عبدالعزيز بن سطام بن عبدالعزيز آل سعود

المصدر: مجلة العلوم الشرعية - العدد السابع عشر - شوال 1431هـ
مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 6/10/2010 ميلادي - 27/10/1431 هجري

الزيارات: 23033

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

النظام الاجتماعي للتقاضي

دراسة المؤثرات الاجتماعية في التقاضي من منظور علم اجتماع القانون

ملخص الدراسة

 

تستعرض هذه الدراسة أثر العوامل الاجتماعية على عملية التقاضي من منظور علم اجتماع القانون، وتحديداً أثر التدرج الاجتماعي والتكامل الاجتماعي والثقافة والتنظيم الاجتماعي على عملية التقاضي ونتائجه، كما تناقش هذه الدراسة المؤثرين في عملية التقاضي ونتائجه، وبشكل خاص الأطراف الرئيسة في القضية، وأدوار الداعمين لأطراف القضية والمسؤولين في الجهاز القضائي، وفي ضوء هذه المؤثرات تحاول هذه الدراسة تقصي الفروق المختلفة بين المُدَّعي والمُدَّعَى عليه، وأثر هذه الفروق على عملية التقاضي، ومآل التقاضي من حيث شدة الاهتمام بالقضية القضائية، ومن حيث مدى الحزم في الأحكام القضائية.

 

ومن خلال عرض مختصر تُلقي الدراسة الضوء على التطور التاريخي لعلم اجتماع القانون في مراحله المختلفة، كما تستعرض النظرية الموضِّحة للتأثيرات الاجتماعية على عمل القاضي.

 

وتنتهي الدراسة أخيراً بمناقشة أهمية علم اجتماع القانون في فهم القانون بصفة عامة، وعملية التقاضي بصفة خاصة، وذلك من خلال التركيز على دلالات علم اجتماع القانون المتمثلة في الآثار القضائية، والآثار والدلالات الأخلاقية والآثار العلمية لجوانب وتطبيقات تلك النظرية في إجراءات التقاضي وجوانبها الاجتماعية لحالات الدعوى القضائية ومخرجاتها.

 

المقدمة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضللْ فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلاَّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن اتبع سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدِّين.

 

قبل الشروع في البحث لا بد من التوضيح أن موضوعه ليست الشرائع أو الأنظمة أو الثقافات، وإنما المقصود هو القاضي كإنسان، وما يعتريه من نقص وقصور، فالإنسان هو العامل المشترك بين الثقافات والأمم والأديان، والمسلم والكافر كلاهما مخاطبان بشريعة الإسلام، ومحاسبان على أعمالهما، و القاضي في الإسلام معنيٌّ بتحقيق العدالة من باب أولى؛ لذا فهو أحرص على اكتشاف أي قصور أو تأثير سلبي، والمبادرة بتصحيحه بأسرع ما يمكن، لأجل ذلك فالتجربة الإنسانية سواء تلك التي عند المسلمين، أو التي عند غيرهم ذات علاقة بعمل القاضي المسلم، والمقصود هو توفير جميع المعارف والتجارب التي تعين القاضي على تحقيق أكبر قدر من النزاهة والعدالة وفق شريعة الإسلام.

 

مشكلة الدراسة:

القاضي إنسان، والإنسان بطبيعته غير معصوم، يخطئ ويصيب، ولكن القاضي بحكم دينه وعلمه وأهمية عمله مطالب بأن يكتشف عوامل القصور الشخصية في نفسه، وعوامل التأثير في بيئته ومجتمعه، ويعمل على الاحتراز منها، وإلغاء تأثيرها ليكون سلوكه على الواقع أقرب ما يكون من السلوك الأتم و الأمثل من حيث موافقته للشرع الحنيف.

 

ويمكن تلخيص مشكلة البحث في التساؤل الرئيس التالي:

كيف يختبر القاضي نفسه؟ وما هي الأدوات التي يستخدمها لأجل تقويم نفسه بنفسه؟ وكيف يتيسر للجهات القضائية معاونته على ذلك؟

 

أهداف الدراسة وتساؤلاتها:

تحاول هذه الدراسة تقصي العوامل الاجتماعية المؤثرة في عملية التقاضي وما يتمخض عنها من أحكام ونتائج في ضوء معطيات علم اجتماع القانون. وتحاول أن تجيب عن التساؤلات التالية:

أ – ماذا يتغير في عملية التقاضي وماذا يختلف؟

ب- ماذا ينبئ عن مآل التقاضي ونتيجته؟

ج- ما المؤثرات الاجتماعية في نتيجة التقاضي؟

 

متغيرات البحث:

في ضوء تشخيص مشكلة البحث، وعرض التساؤلات يمكن تحديد متغيرات البحث فيما يأتي:

المتغير المستقل: المؤثرات الاجتماعية التي يحتمل أن يكون لها دور في عمل القاضي، أو توجيه وظيفة المؤسسة القضائية، أو التأثير في مخرجات العمل القضائي.

المتغير التابع: عملية التقاضي بكل مكوناتها ومستوياتها، ونتائجها متمثلة في الأحكام القضائية.

المتغيرات الوسيطة: مجموعة المتغيرات الناقلة لأثر المتغير المستقل (المؤثرات الاجتماعية) في المتغير التابع (الأحكام القضائية).

 

منهج البحث:

البحث من البحوث المكتبية التي ينظر في البحوث والكتب والتقارير ذات العلاقة بموضوعه، ويعتمد في التحليل العلمي للوصول إلى النتائج على تقنيات منهج الاستقراء الناقص، حيث إن الاستقراء التام غير ممكن؛لاستحالة إحصاء كل ما كتب في هذا الموضوع، والذي يعتمد على الاطلاع على عينة من المراجع في موضوع البحث بحيث تفيد غلبة الظن أن النتيجة تكون صادقة في الدلالة على موضوعها، ويستخدم أداة تحليل مضمون النصوص العلمية والوثائق لتفسير النصوص والمواد العلمية.

 

عينة البحث:

لما كان البحث من البحوث الكيفية المكتبية الذي يوظف منهج تحليل المضمون، فقد جاءت عينة البحث في مجموعة المراجع، مثل الكتب والتقارير والدراسات والبحوث وأوراق المؤتمرات أو الندوات ذات العلاقة بموضوع البحث، والتي من شأنها أن تساعد في تقديم إجابات موضوعية عن تساؤلات البحث، وصولاً إلى النتائج المستهدفة.

 

الدراسات السابقة:

نظرًا لقلة - بل لندرة - البحوث والدراسات العربية في هذا الموضوع في حدود علم الباحث، فإن معظم الأوراق والمشاريع العلمية التي تناولت هذه الموضوع جاءت على هيئة تقارير ومشاريع وورش عمل، ومنها:

♦ تقرير صدر عام (1424هـ) فيما يختص بقطاع القضاء: والتقرير مقدم إلى اللجنة الوزارية الفرعية للجنة الوزارية للتنظيم الإداري رقم (41) وتاريخ 19-12-1424هـ. تناول التقرير المذكور دراسة الموضوعات المتعلقة بالجانب التنظيمي، وجانب الوظائف والموظفين والجانب المالي في قطاع القضاء، وكان الهدف من التقرير تدارك جوانب القصور ورفع فاعلية وكفاءة أداء أجهزة قطاع القضاء.

 

♦ وفي دراسة الجربوع والعيسى والضبعان (1428هـ) بعنوان البيئة العدلية ومتطلبات التنمية الاقتصادية، قام الباحثون الثلاثة بإعداد دراسة قدمت لمنتدى الرياض الاقتصادي الثالث، 1428هـ، وكان مما جاء في الدراسة وله علاقة بموضوع البحث، إدراك أهمية دراسة القاضي لعلم الاجتماع (ص:127) وأن أهم مقترح لتطوير البيئة العدليةمتعلق بتأهيل القضاة (ص:164).

 

♦ أما دراسة التويجري (1431 هـ) بعنوان "استقلال القضاء ضمانات وإشكالات"، فقد تطرق فيها الباحث إلى مجموعة من العوامل النظامية والهيكلية والإدارية والوظيفية المؤثرة في استقلال القضاء، وكان مما جاء في الدراسة وله علاقة بموضوع البحث هو الحديث عن تأثير الإعلام و أجهزة حقوق الإنسان على استقلال القضاء.

 

♦ وفي تقرير مقدم (1431هـ) بعنوان التفتيش القضائي، المجلس الأعلى للقضاء، والذي عدد فيه أهم الملاحظات والعوامل المؤثرة على عمل القاضي.

 

♦ وفي ورقة العمل (1431هـ) بعنوان:لماذا التأهيل القضائي؟، لمعالي الشيخ صالح بن عبد الرحمن الحصين، مقدمة إلى الملتقى الأول "تأهيل القضاة... رؤيا مستقبلية"، 11-12 صفر 1431هـ، تطرق فيها إلى حاجة أطراف الخصومة للاقتناع بالحكم القضائي تقتضي معرفتهم بأسبابه وحيثياته وأهميتها لعملية مراقبة القضاة في أحكامهم من قبل الجهات القضائية العليا، وتطرق إلى التأثير السلبي للإعلام على القضاء والقضاة.

 

♦ أما ورقة العمل التي أعدها المحامي (المسلم) جوهان جوهانسون (1431) بعنوان "التدريب القضائي الممارسة الدولية وقياس الانعكاسات"، المقدمة إلى الملتقى الأول "تأهيل القضاة... رؤيا مستقبلية"، 11-12 صفر 1431هـ، وباعتباره خبيراً قانونياً فقد ضمنها تأسيس الكلية الوطنية القضائية في أستراليا لقياس عوائد التدريب القضائي ومراجعته، وعدد فيها أهم العوامل الداعية إلى ذلك، والتي تبنتها المحكمة العليا في استراليا، وتتمثل في: أن القضاة يؤدون مهامهم في مجتمع متنوع الأطياف والثقافات؛ لذا فإنه من المرجح جدّاً أن يصادفوا أثناء ذلك مواقف وسلوكيات وقيماً لم تواجههم من قبل؛ وأنه يجب على المنظمين مواكبة القضايا الاجتماعية والأخلاقية المعقدة التي تطرأ نتيجة للتطورات العلمية والتقنية، مع التنبيه على أن ذلك ينطبق على القضاة أنفسهم أيضاً؛ وأن الأدوار التي يقوم بها القضاة متغيرة ومتعددة.

 

♦ ومما جاء من نتائج أعمال (ورشة العمل التخصصية 1430 هـ) مشروع الخطة الإستراتيجية لتطوير مرفق القضاء والتوثيق في المملكة العربية السعودية:، الرياض 9 صفر 1430 هـ، والتي خصصت برنامج (رقم 33) لتطوير آلية التظلم من الضغوط للقضاة وكتاب العدل للتخلص من الضغوط التي تمارس عليهم وتؤثر في استقلاليتهم، والبرنامج (رقم 50) لبناء الهوية والصورة الذهنية ويقصد به تحسين الصورة الذهنية للقضاء وعن القضاة لدى الجهات والأفراد.

 

♦ وفي ورقة د. محمد بن عبدالله الدويش: "أهم المهارات والسمات الشخصية للمرشح القضائي"، المقدمة لورشة العمل الثانية للمجلس الأعلى للقضاء: معايير اختيار القضاة، 14ـ6ـ 1430هـ، الرياض، تناول فيها السمات اللازمة للقاضي في المجال النفسي والتفكير ومهارات التعامل مع الآخرين ومهارات الاتصال وتطوير النفس واتخاذ القرار.

 

♦ ومما جاء في ورقة د. صالح بن عبدالعزيز العقيل، "شروط القاضي في الفقه ونظام القضاء"، المقدمة لورشة العمل الثانية للمجلس الأعلى للقضاء: معايير اختيار القضاة، 14ـ 6 ـ 1430هـ، الرياض، بيان مناهج في اختيار القضاة وتعيينهم في الفقه والنظام.

 

♦ وفي هذا السياق جاءت "الدراسة الخاصة بمشروع تطوير المعهد العالي للقضاء": الرياض شوال 1428 هـ، المقدم إلى جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، والتي جاء فيها تخصيص وكالة القياس والتقويم والاعتماد الأكاديمي و مركز الأبحاث والدراسات القضائية.

 

ونخلص من الدراسات السابقة إلى أن مشكلة البحث موضوع لكثير من الأعمال الرسمية والأكاديمية، وأنها همٌّ يشغل الكثير من الجهات الحكومية من حيث تأثير جوانب الحياة الاجتماعية والاقتصادية على القضاة ومناهج تقويم الأداء والتدريب والتعليم، وجميعها مما تدفع الحاجة إلى العناية به، وأهمية الإسهام في جسر الفجوة البحثية في هذا المجال العلمي الحيوي.

 

خطة البحث:

يحتوي البحث على تمهيد، ومبحثين، وخاتمة تتضمن النتائج والتوصيات، وتفصيل ذلك كما يأتي:

التمهيد: ويشمل مختصرًا وصفيًا لموضوع البحث وتساؤلاته.

المبحث الأول: تاريخ علم اجتماع القانون: ويشمل استعراضاً مختصراً لموضوع علم اجتماع القانون وتطوره حتى صار تخصصاً مستقلاً.

المبحث الثاني: النظرية والتطبيقات: مناقشة النظرية التي تفسر مصدر المؤثرات الاجتماعية على عملية التقاضي وكيفية قياس التأثير والاحتراز منه مع ضرب الأمثلة التطبيقية حيثما دعت الحاجة إلى ذلك.

الخاتمة؛ النتائج والتوصيات: استعراض لنتائج البحث مع ذكر بعض التوصيات.

 

تمهيد

يختلف القضاة في سائر الشرائع والقوانين فيما يطلقونه من أحكام قضائية، وهذا الاختلاف ظاهرة إنسانية طبيعية، فالناس يختلفون في مدى التقيد بالضوابط السلوكية باختلاف الحال والزمان والمكان، ويختلفون باختلاف شخصياتهم؛ فمنهم من لا يراعي أي نوع من حسن التقدير للأمور في تصرفاته، ويكون سلطان الهوى هو المتحكم فيه؛ لذا تجده يستخدم سلطته بصورة تلقائية دون تقدير لموجبها ومقدار الداعي لها، وكذلك يختلفون حسب تناقضاتهم الفكرية إن وجدت، والمقصود بذلك ليس سلوك الإنسان في استخدامه للسلطة التقديرية في القرارات العادية، مثل: متى يستيقظ أو ينام؟ أو متى يأكل أو يشرب؟ متى يعمل أو يرتاح؟ وإنما المقصود هو سلوكه في ممارسته للسلطة التقديرية في القرارات المهمة التي يكون لها تأثير كبير عليه أو على الآخرين، فَمْن تكون؟ ومَنْ ستصبح؟ أمران تحددهما إلى درجة كبيرة قراراتك واختياراتك[1] (Stephen، :20033-4).

 

والمقصود: هو أنه في كل مجتمع ثمة نوعان أو مستويان للسلوك الإنساني الأول: السلوك المثالي الذي ترسمه شريعة المجتمع وأنظمته، ويمثل ما يجب أن يكون عليه العمل، والثاني: السلوك الواقعي الممارس فعلاً في المجتمع، ويمثل ما عليه العمل في الحقيقة، وغالباً ما يعتريه نقص عن النوع الأول المثالي، فإذا جاوز هذا النقص الحد المسموح به اجتماعياً أو نظامياً صار انحرافاً يستوجب نوعاً من العقوبة.

 

وهذا يعني أن ليس كلُّ نقصٍ عن المثالي يستوجب عقاباً، فالكثيرُ من المخالفات المحدودة تكون ضمن الحدِّ المسموح به اجتماعيّاً ونظاميّاً، كما أنَّ العقاب الذي قد يستوجبه الانحراف عن الأمثل في الغالب لا يكون متساوياً في نوعه أو في درجته من حيث الشدة أو اللين[2].

 

هذه الثنائية في الحياة الواقعية بجميع أبعادها وأشكالها والمتغيرات الداخلة فيها هي ميدان الظواهر التي تشكل موضوعاً لشتى التخصصات والدراسات في فروع العلوم المختلفة، ومنها ظاهرة التقاضي، فمما لا شك فيه أن القاضي يجد فرقاً بين القضاء المثالي والقضاء الممارَس، فالجانب المثالي ليس مرتبطاً بنقص الموارد والقدرات، أما الجانب الواقعي الممارس فهو مقيد بالإمكانات والقدرات، والتقاضي كظاهرة اجتماعية يتم حسب قواعد ومتطلبات تتحكم فيه، ومن سمات هذه الظاهرة وجود حالة من الثنائية السلوكية، تتمثل في الفرق بين القضاء المثالي، والقضاء الممارَس، فلا يوجد إنسان لديه تمام القدرة على تحصيل الصورة المثالية للعمل، فالصورة المثالية للعمل تتطلب أن يكون لدى المكلَّف معرفة تامة وفهم كامل وقدرة على التحكم بالبيئة المحيطة به؛ لذا فهو مستحيل[3]، فلا بد من حصول فرق بين المثالي والواقعي؛ لذا لا يمكن الاحتراز من الفرق اليسير بين المثالي والواقعي، ولا تكون هذه الحقيقة عذراً لتبرير الابتعاد المتعمد عن المثالي بتقصير أو نحوه بحجة أن المثالي مستحيل، فالحق المقدور عليه لابد من إتيانه والسعي لتحصيله قال العز بن عبد السلام: "لا يُترك الحقُ المقدور عليه من أجل الباطل"[4]، كما أن التحصيل المطلوب يكون حسب الاستطاعة، قال صلى الله عليه وسلم: (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) متفق عليه من حديث أبي هريرة[5]. واختلاف الاستطاعة ونقصها عن القدرة التامة هي سبب في وجود ثنائية وفرق بين المثال المطلوب والتطبيق الواقع، وذلك يمثل فجوة سلوكية يجب ردمها، ومع ذلك فإن تحقيق وحدة التقاضي ممكن ومن باب أولى عند المسلمين حتى وإن كان كل إنسان بنفسه لا يستطيع أن يكون مثالياً بصفه تامة أو دائمة ويمكن تدارك جوانب القصور عبر تعلم العلم النافع وتعود العمل الصالح، ثم إن طبيعة وجود هذه الثنائية في ظاهرة التقاضي وكيفية التعامل معها وتعدُّ من أهم الموضوعات التي يدرسها علم اجتماع القانون، وهي موضوع هذا العمل الذي سيتطرق إلى بيان أهم العوامل والمعطيات الاجتماعية التي تكمن وراء الانحراف عن الصورة المثالية الموصوفة في الأحكام القضائية والأنظمة المرعية.

 

المبحث الأول

تاريخ علم اجتماع القانون ومسار تطوره

نظرة تاريخية:

من أجل تحقيق الهدف من هذه الدراسة من الضرورة الوقوف على مسيرة علم اجتماع القانون من أجل فهم أعمق وأشمل للقضية محور هذه الدراسة، فالتفكير في القانون والحديث عنه قديمان ِقدم حياة الإنسان الاجتماعية؛ أو بتعبير آخر عندما بدأت الحاجة إلى القوانين المتحكِّمة في سلوك الإنسان في الظهور من خلال تدافع الإنسان مع أفراد نوعه. ولكن الذي يعدُّ من علم اجتماع القانون بالمعنى الخاص للكلمة، أي ما يعدّ جديراً بالوصف بـ (العلمية) خلال هذه الحقبة التاريخية الطويلة، يمثل جزءاً قصيراً منها بدأ كما هو معروف عندما تحول التفكير من الاهتمام بالقوانين المثالية أو ما ينبغي أن يكون عليه المجتمع كما ورد في جمهورية أفلاطون (427ق. م ـ347 ق.م) أو كما ورد في المدينة الفاضلة عند الفارابي (874 - 950م) وعشرات من أمثالها إلى الواقعيات أي ما القانون وما طبيعته في مجتمع ما؟ وكيف يوضع ويمارس؟ وقد كانت هذه نقطة تحول في تاريخ الفكر الإنساني، وما يتعلق بالقانون ودراسته بدءاً بأعمال عدد من المفكرين في القرون الأخيرة، ومنهم مفكران فرنسيان أولهما: مونتيسكيو (1689م - 1755م) الذي نشر في عام 1748م كتابه روح الشرائع حيث أوضح أن الشرائع في كل مجتمع وليدة عاداته وتجاربه اليومية وظروفه البيئية التي يجب أن تؤخذ في الحسبان عند البحث عنه وعن مصادره، والثاني: جان جاك روسو (1712م – 1778م)، الذي نشر بعد ذلك بقليل، أي في عام 1762م كتابه العقد الاجتماعي، حيث لفت الانتباه إلى العلاقة السببية الموجودة بين الوضع الاجتماعي للأفراد وتمايزهم الطبقي من جهة، وطبيعة القوانين التي تسود مجتمعهم من جهة أخرى، وإذا كانت كتابات مونتسكيو وروسو تمثل نهاية لفترة تمهيدية كانت فيها الرؤية الجديدة للقانون في مرحلة الولادة، فهي في الوقت نفسه حلقة وصل بين الحقبة المذكورة وحقبة جديدة شهدت ظهور علم الاجتماع، بما فيه علم اجتماع القانون.

 

وكان من رواد المرحلة الجديدة أوجست كونت (1798 – 1857م)، المؤسس الرسمي لعلم الاجتماع في تاريخه الحديث بعد ابن خلدون، وقد ربط بين مراحل تطور المجتمع عقلانياً ومصادر المعرفة والقانون باقتراحه قانون المراحل الثلاث[6] وهو عبارة عن بيان علاقة الشراكة بين تطور المجتمع ونوعيَّة القوانين المتحكمة فيه، ومن هؤلاء أيضاً كارل ماركس (1818م - 1883م) الذي ركز على دور عدم المساواة الاجتماعية في تحديد طبيعة القوانين، قائلاً: إن القانون ظهر في المجتمع البشري نتيجة ظهور الفروق الطبقية بين الناس و التي أدت إلى تقسيم المجتمع إلى طبقات، ومؤداه أن القانون الذي وضعه البشر ويتحكم في تفاعلاتهم وعلاقاتهم اليومية سوف يزول عندما تزول الطبقات)[7].

 

وابتداءً من الجيل الثاني لرواد علم الاجتماع، أخذ الاهتمام بالقوانين والشرائع طابعاً أكثر إمبيريقيةً[8] وعلميِةً؛ ففي كتابه المعروف تقسيم العمل في المجتمع 1893م ميّز (إميل دوركايم) (1858م - 1917م) - التلميذ المصحح لأفكار كونت - نوعين من التضامن[9]؛ التضامن الآلي المبني على التشابه والتماثل في الوظائف المتكافئة وعدم التخصص، والتضامن العضوي المتحكم في المجتمعات المتطورة والمبني على التباين والتفاوت في الوظائف المتخصصة المتساندة والمتكافلة. وإذ يقع هذان النوعان من التضامن في علاقة زمنية تعاقبية، بمعنى أن النوع الأول يسبق النوع الثاني، وما يلبث حتى يتغير ويتطور دائماً إلى النوع الثاني في نظر دوركايم، فهو يرى أن تطور مجتمع التضامن الآلي يسير باتجاه أن يصبح مجتمع تضامن عضوي أمراً ثابتاً يأخذ صفة القانون، وأن السمات المذكورة لكل نوع من أنواع التضامن تعد مؤشرات دقيقة على طبيعة المجتمع وذات دلالة على طبيعة الأقضية أو العقوبات فيه: ففي مجتمعات النوع الأول في الوقت الذي تكون القوانين رادعة وزاجرة وتعذيبية للخارجين عن القانون، فإنها في مجتمعات النوع الثاني تكون إصلاحية، تنظر إلى الخارجين عن القانون كأنهم مرضى بحاجة إلى العلاج وليس كجناة متخلفين جِبِلِّياً، ومستحقين للإبادة أو الإعدام، كما هو الحال في النوع الأول من المجتمعات.

 

ومتزامناً مع دوركايم كان ماكس فيبر (1864م - 1920م) أحد الأعمدة الثلاثة لعلم الاجتماع المعاصر، والممثل الألماني لرواد الجيل الثاني من علماء الاجتماع الذي خصص جزءاً كبيراً من عمله في الاقتصاد والمجتمع والقانون، ورأى تطور البيروقراطية[10] الممثلة لعقلانية الحياة، والمتمثلة أساسا في الحكم والعمل على أساس القانون المدون، عوضاً عن الأهواء الفردية والعلائق الشخصية التي تمثل أكبر سمة للمجتمعات الحديثة وأهمها.

 

وعلى الرغم من وجود تفاوت في تفاصيل المنطلقات والرؤى بين الرواد المذكورين إلا أنهم اتفقوا في النظر إلى القانون كظاهرة إمبيريقية، وحاولوا دراسته على أمل بناء نظرية عامة له تكون قابلة للتطبيق في مختلف المجتمعات ومختلف الأزمنة، وهو أمر غير ممكن بقانون بشري أرضي، وفي هذا الصدد فإنهم ساعدوا في تحديد عدد من المتغيرات التي كان لها الأثر البالغ في تطور القوانين في مختلف المجتمعات، مثل التدرج الاجتماعي والعلاقات الفردية والتنظيمات الرسمية التي لا تزال تُعد من أهم المتغيرات المستقلة[11] في دراسة طبيعة القوانين عبر المجتمعات وتفسيرها.

 

هذا، وإذا كان الاهتمام بالقانون عند المفكرين الاجتماعيين باعتباره جزءاً من منظومة الظواهر الاجتماعية التي تمثل موضوع علم الاجتماع، فقد كان ثمة تطور آخر مستقل ركز على القانون فقط باسم الواقعية القانونية وظهر متزامناً تقريباً في أمريكا في أوائل القرن العشرين بواسطة (كارل لولين) و(جيروم فرانك)، وفي إسكندنافيا بواسطة (ألكس هاجر ستروم) و(ألف روس) وغيرهما، حيث لفتوا الانتباه إلى الفجوة الكبيرة التي تفصل بين القانون المدوَّن كما هو في الكتب، وبين القانون الممارس والمطبق في أرض الواقع[12].

 

وفي تفسير هذه الفجوة لفت هؤلاء المفكرون الانتباه إلى اختلاف القائمين على القوانين فيما يتعلق بخلفياتهم الثقافية والبيئية، واتجاهاتهم وخصوصياتهم الفردية كعامل وراء اختلاف القوانين وتطبيقها[13].

 

نحو نظرية معاصرة متكاملة:

وبهذه الخلفية التي استمرت في التطور طوال القرن العشرين، فقد شهدت العقود الأخيرة منه قفزة هائلة في الدراسات القانونية، شارك فيها ليس فقط علماء الاجتماع والقانون، بل وأصحاب التخصصات الأخرى مثل: علم السياسة، والأنثروبولوجيا، والتاريخ، وعلم النفس؛ وكان لهذه الدراسات أثر كبير في تمهيد الطريق لصياغة نظرية عامة وشاملة للعمل القانوني وتفسيره بمختلف أبعاده، وكان من ثمار تلك التطورات الرؤية الجديدة التي أنتجها بحث أنثروبولوجي[14] في عمل المحاكم أجري فيما يعرف اليوم بِدولة زامبيا، فعلى العكس من المحاكم المعروفة في الغرب، حيث ينتهي التقاضي عادةً إلى حكم لأحد الطرفين وخسارة الآخر أي أن الأصل أن تكون معادلة التقاضي صفرية بحيث يأخذ المحكوم له كامل ما ادعى به ويأخذ المحكوم عليه صفراً مما ادعى به، ولاحظ الباحث أن الأصل في المحاكم التقليدية في (زامبيا) هو فصل الدعاوى على أساس الصلح، بحيث يكون لكل من المتقاضيين شيء مما ادَّعيا به[15].

 

وتُوِّج هذا البحث بعرض ما عُدَّ أشمل وأهم تطور نظري في دراسة القانون، حيث رصد وجمع أبعاد ما عُرف عن الظاهرة المذكورة في أدبيات علم الاجتماع والقانون وحوَّله إلى نظرية أنيقة شاملة وقابلة للاختبار؛ وتم ذلك على يد "دونالد بلاك" Black, Donald الذي عرضها لأول مرة عام 1973م، وطورها فيما بعد[16] ومن خصائص هذه النظرية أنها اجتماعية خالصة، بمعنى أنها لا تنظر إلى القضايا النفسية، ولا تركز على ما يدور في أذهان الأفراد، وهي بالإضافة إلى ذلك عُرضت بصياغة بارعة، وفي الوقت نفسه فإنها سهلة التناول. وعلى الرغم من أن محورها يدور على القانون، إلا أنها قابلة للتطبيق على الظواهر والجوانب الأخرى من الحياة الاجتماعية، وهي بهذا قد أعطت منحىً جديداً للبحث والتفكير في ظاهرة القانون.

فما هي هذه النظرية وما أهم خصائصها؟

 

 

المبحث الثاني

النظرية والتطبيقات

أسئلة النظرية وأجوبتها:

يتطلب فهم النظرية الإجابة عن ثلاثة أسئلة أساسية هي:

1- ما الذي يختلف في القوانين؟ أو فيمَ تختلف القوانين؟

2- وما العوامل الاجتماعية الدخيلة (الوسيطة)[17] التي تؤدي إلى اختلاف عمليات التقاضي فيما تسفر عنه من نتائج ومخرجات؟

3- وأخيراً كيف تتخلل وتدخل تلك العوامل إلى عملية التقاضي؟

 

وفيما يلي تفصيل لهذه القضايا:

الأول: ما الذي يختلف في القوانين؟ أو فيمَ تختلف القوانين؟

يمكن أن يبدو منذ النظرة الأولى أن التنوع في حالات التقاضي والقوانين المتحكمة فيها أمر لا نهاية له ويستحيل حصره وجمع أطرافه، ولكن الواقع ليس كذلك، ويتبين بالفحص الدقيق أن القوانين يمكن جمعها تحت عنوانين، وحسب معيارين فقط:

أولهما: حجم القوانين أو كميتها.

وثانيهما: أسلوبها أو طبيعة الحكم الذي تتضمنه.

 

وفيما يلي توضيح لهذين المعيارين:

أ- تنوع القوانين في الحجم والكم:

من المعروف أنه في الشريعة الإسلامية لا يوجد أي تصرف للإنسان إلاَّ وله حكم يدور بين الواجب والمندوب والمباح والمكروه والمحرم؛ وعلى هذا فإن الشريعة الإسلامية أغنى الشرائع السماوية إطلاقاً من جهة حجم الأحكام (القوانين) وكميتها، والمقصود هنا هو: حجم الأحكام من حيث الأمر والنهي الجازم وغير الجازم، وما جاء فيها من ضوابط واعتبارات ومقاصد تبين للإنسان السلوك السوي في مختلف مجالات حياته، وليس المطلوب في هذه البحث حصر جميع أشكال الأحكام والقواعد السلوكية، فالمطلوب في هذه الخلاصة هو بعض ما يندرج منها تحت علم اجتماع القانون والقضاء، وعلى وجه الخصوص الأعمال التي تنفذها الجهات الرسمية عن طريق التقاضي ومعاقبة الخارجين على ما يراه المجتمع سلوكاً سويّاً، سواء أكان المتَّبعُ هو تطبيق شرع الله سبحانه وتعالى، أم قوانين وضعية وعرفية صادرة عن الحكومات، فالموضوع المقصود هو أساس المقاضاة نفسها، وليس عمّا إذا كانت مادة القضاء مخالفة لشرع الله أو غير مخالفة له، وغني عن القول: إن هذه القوانين تزداد حجماً وكمّاً كلما ازداد المجتمع تقدماً وتعقيداً وتصنيعاً، وكلما ازداد تدخل الجهات الحكومية في حياة المواطنين، وكلما ازداد لجوء المواطنين إلى القضاء واستخدموا المحامين لطرح شكاواهم، واستيفاء حقوقهم، والعكس أيضاً صحيح، بمعنى أن حجم القوانين تقل كلما قلت العوامل والمتغيرات التي ذُكرت.

 

وانطلاقًا من أن جزءاً كبيراً من السلوك القضائي في أي مجتمع يمكن ربطه ورده إلى حجم الأنظمة أو القوانين السارية المفعول فيه، فإن هذا يمثل أساساً متيناً ومقدمةً لأي نظرية ترمي إلى تفسير القضاء أو التقاضي كظاهرة اجتماعية باستخدام علم اجتماع القضاء أو القانون.

 

ب- تنوع القوانين في أسلوبها ومضمونها الاجتماعي:

المقصود من الأسلوب نوعية وطبيعة رد الفعل الذي يتضمنه النظام أو القانون في مواجهة الخارجين عليه وطرق المعالجة، ويقاس ذلك برصد طبيعة الجزاء المتضمن في ذلك النظام أو القانون، وهو الأساس الذي قدمه دوركايم في تقسيم العصبية إلى: عصبية آلية وعصبية عضوية كما سبق بيانه، غير أن الثنائية العصبية عند دوركايم قد تطورت في الأدبيات المعاصرة لعلم اجتماع القانون وتجزأت إلى أربعة أنواع أساسية مصنفة حسب طبيعة رد الفعل الذي يتضمنه النظام أو القانون وهي: الأسلوب العقابي، الأسلوب التعويضي، الأسلوب المواساتي أو التوافقي، والأسلوب العلاجي.

 

وفيما يلي شرح لكل من هذه الأنواع:

1- الأسلوب العقابي: ينظر العامل بهذا الأسلوب إلى الخروج عن القانون على أنه تعدٍّ ضدَّ المجتمعِ في الدرجة الأولى، وضدَّ الطرف المجني عليه في الدرجة الثانية، وبالتالي فإنه يُصوَّر وكأنه تجريح لمشاعر وحقوق العامة، وأنه يستدعي ويستلزم العقاب والتعذيب للخارج عن القانون جزاءً واستيفاءً لحقِّ كلا الطرفين: المجني عليهما أي المجتمع بالدرجة الأولى، والفرد الضحية بالدرجة الثانية. ومن الجدير بالذكر أن هذا الأسلوب هو السائد في نظام العدالة الجنائية في الولايات المتحدة الأمريكية، غير أن هذا الأسلوب لا يمكن أن يُؤخذ على إطلاقه؛ لأن القانون الجنائي الذي يستمد أحكامه من انحرافات الناس وأوضاعهم القائمة لا يمكن أن يقطع بأنه يكون متفقاً مع الحق على الدوام، فمن منظور القضاء في الإسلام لا يكون العقاب وسيلة صالحة باستقلال عن شرع الله لتحقيق العدل لأن العدل بحاجة إلى أن تكون الأحكام غير مخالفة لما تقرر شرعاً أنه العدل، فلا يصح أن يكون لشرع الله حكم في حق معين، ويكون للنظام الجنائي حكم آخر في المحل نفسه، وعلى النازلة نفسها، بحيث تناقض الصورة المثلى الموجودة في الشرع مع المعمول في الواقع دون موجب أو سبب مشروع، يقول ابن حجر (ت: 852هـ): قال السهيلي: (لا يستحيل أن يكون الشيء صواباً في حق الإنسان وخطأً في حق غيره، إنما المحال أن يحكم على النازلة بحكمين متضاربين في حق شخص واحد... والأصل في ذلك أن الحظر والإباحة صفات أحكام لا أعيان)[18].

 

لذا وحسب السلوك الإنساني لا يمكن أن يتحقق ذلك دون شرع الله، فالناس يختلفون في مداركهم وقدراتهم وأحوالهم، فما يراه بعضهم عدلاً قد يراه بعضهم الآخر ظلماً، وسبب ذلك أن المنافع والمضار في الدنيا إضافية لا حقيقية؛ لأن الشيء قد يكون نافعاً لشخص مضراً بآخر في وقتٍ واحدٍ؛ وقد يكون نافعاً له في حال مضرّاً به في حال أخرى أو في وقتٍ غيره، ثم إن الأغراض تختلف في الأمر الواحد؛ فإذا نفِّذ غرض هذا انتفع مع تضرر الآخر لمخالفة غرضه، وقلَّ أن تتحد الأغراض في شيء[19]؛ لذا كان لابدَّ من وجودِ مصدرٍ فوق البشري ويفوقه في كمال العلم والقدرة والحكمة، ولا يمكن أن يتحقق ذلك وفق قانون الكثرة أو قانون الاتفاق عند مخالفة النص، فكثرة القائلين بالمخالفة الشرعية واتفاقهم عليها لا يجعلها صواباً، ولا ينقلها من المفسدة إلى المصلحة، فالإنسان خطَّاء والكمال لله وحده، قال الله تعالى: ﴿ وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ ﴾ [المؤمنون: 71]، وقال تعالى: ﴿ وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ ﴾ [الأنعام: 116]؛ لذا فالرسل الذين بلَّغوا شريعة الله -صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين- أوصلوا إلينا العدالة الثابتة التي لا تتغير بتغير الناس أو أحوالهم أو أزمانهم، ومن أجل ذلك لا يمكن أن يكون العقاب عدلاً كمبدأ عام ما لم يستند أو يرجع إلى أن يصبح وسيلة لتطبيق شرع الله، فتطبيق شرع الله هو الذي يحقق العدالة ولا يصح غير ذلك، ويبقى فقط النظر في صحة وسلامة التطبيق، فالعقل الذي يوجه السلوك الإنساني لا يصح أن يستقل في النظر عن الشرع، قال الشاطبي: (إذا تعاضد النقل والعقل على المسائل الشرعية، فعلى شرط أن يتقدم النقل فيكون متبوعاً ويتأخر العقل فيكون تابعاً، فلا يسرح العقل في مجال النظر إلاَّ بقدر ما يسرحه النقل)[20].

 

2- الأسلوب التعويضي: ينظر العامل بهذا الأسلوب للخروج عن القانون على أنه تعدٍّ على المصيب يستوجب التعويض عن الضرر الناشئ عن تصرف المخطئ، فهذا الأسلوب ينظر إلى المخطئ على أنه أوقع على نفسه غُرماً يتكلفه لصالح المصيب مقابل خطئه، وأن العدل يقتضي تعويض المصيب وتغريم المخطئ على قدر مخالفته، علماً بأنه لا يشترط في التعويض أن يكون مادياً؛ فمثلاً القصاص من القاتل يعدُّ نوعاً من التعويض لذوي المصيب، ولكن المقصود بالقصاص هو في الحقيقة أشمل من مجال الأسلوب التعويضي، فهو ليس قاصراً فقط على أخذ حق المصيب أو ذويها بما يرضونه كتعويض عن الجناية، بل يزيد على ذلك أن فيه نفعاً خاصة للجاني من حيث إنَّ القصاص فيه تكفير عن الجناية، بالإضافة إلى النفع العام للناس كافّةً قال الله تعالى: ﴿ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ﴾ [البقرة: 179]، والعمل وفق شرع الله يقتضي أن يبنى النظر إلى الجريمة كعملٍ أَلحقَ ضرراً بالمصيب، فأوجب دَيْناً يتحمله المخطئ الخارج عن القانون يجب عليه أداؤه وهذا الدَّيْنُ نوعان: الأول: مقابل حق الله عزَّ وجل وجوابه استيفاء الحدود وأداء الكفارات والتوبة إلى الله بشروطها المقررة شرعاً، وأما الثاني: مقابل حق العباد وجوابه تحمل غُرم الجناية في الدنيا، ويختلف ذلك عن الأسلوب التعويضي في أنه من حيث المبدأ يفترض أن من واجب النظام القضائي الممثل للدولة إجبار الخارج عن القانون دفع الغرم الدنيوي وتحمل الخسارة التي وقعت على المجني عليه، وتكون الأولوية هنا على العكس منها في الحالة السابقة؛ فالحق الخاص هنا يُقدَّم على الحق العام، ومعنى هذا أن الدعوى تترك إذا تنازل المدعي عن حقه[21]، و هذا الاتجاه يطبق في نظام الحقوق المدنية في كثير من الدول ومنها الولايات المتحدة الأمريكية بصورة تخالف ما عليه العمل وفق أحكام الشريعة التي يكون الأسلوب التعويضي فيها مقيداً فيما يصح أخذ التعويض الشخصي فيه عن المخالفة من المخطئ. ويتضمن كلا الأسلوبين السابقين النظرة إلى طرفي التقاضي من منظور العلاقة الصفرية Zero - Sum، حيث يحصل أحد الطرفين على كل شيء، والآخر لا يحصل على شيء. وعلى العكس من هذين الأسلوبين، فإن الأسلوبين الآخريْن الآتيين تحكمهما قاعدة: (ما لا يُدرك كُله لا يُترك جُله)وإن بدرجات مختلفة ومتفاوتة من حالة إلى أخرى.

 

3- الأسلوب الاسترضائي أو التوافقي: المدعي يريد أن يُحكم له بجميع ما يدعيه والمدعى عليه لا يريد أن يُحكم لخصمه بأي شيء، وبهذا تكون العلاقة بين الخصوم علاقة صفرية أي أن كل منهم يريد لخصمه أن يخرج صفر اليدين في الوقت الذي يكون المقصد القضائي في الأسلوب التوفيقي أو الاسترضائي، أن ينتهي التقاضي إلى حلٍّ تعادلي وسط يربح فيه كلٌّ منهما شيئاً مما ادعاه ويخسر الباقي، فيتعادلان نسبيّاً وتنتهي القضية. وكما هو واضح في هذا الأسلوب يُنظر إلى التصرف المخالف على أنه نزاع بين طرفين يجب رفعه[22]، وبناءً على ذلك يكون الخروج على النظام والمخالفة مجرد خلل في التوازن القائم بين المصيب والمخطئ؛ لذا فجميع المخالفات سببها الخلل العارض؛ ووفق هذا المنظور يكمن التصرف العادل في إعادة الأمور إلى سابق حالها قبل الجناية كأساس لرفع النزاع برفع سببه وإعادة التوازن إلى العلاقة بين المخطئ والمصيب، ولكن عند التطبيق غالباً ما تكون إمكانية إعادة الأمر كما كان عليه قبل المخالفة أمراً غير ممكن، فيضطر إلى حل وسط يرضاه طرفا القضية، الأمر الذي يؤدي إلى أن يعمل القضاء على تحصيل الحل الوسط.

 

وقد يشكل النمط الإرضائي على القاضي وبخاصة إذا اختلط مع الصلح ولم يفرق بين الإصلاح قبل النظر في القضية من جهة وبين بيان قبول المتقاضين بالحكم الشرعي ورضاهم به، فبمجرد ما يعرفون الفتوى في قضيتهم يطبقونها دون حكم القاضي وقبله، ويشبه ذلك الصلح من حيث إن الخصوم تراضوا وتوافقوا عليه، ولكنه في الحقيقة أقرب إلى ترك الدعوى وتطبيق الفتوى بمجرد ما تبين لهم الحكم الشرعي، وفي قصة الزبير والأنصاري مثال على ذلك[23].

 

ويستخدم هذا الأسلوب - غالباً - متى عمد القاضي إلى جعل مهمته الأساس هي الإصلاح بين المتقاضيين وقدمها على الفصل في الخصومة، الأمر الذي يقدح في مبدأ وحدة التقاضي، وبيان ذلك يتضح في حرص القاضي على أن يوافق أحد الخصوم على الصلح، فيقول له: (اقبل الصلح وإلاَّ سأحكم عليك أو سأؤخر الحكم حتى تصطلحا. أو يقول: ستخسر الدعوى إن لم تقبل الصلح)، وسواء تكلم القاضي أو تصرّف بما يفيد المعنى، فهو في الحقيقة يستخدم العقاب كوسيلة لتحصيل التوافق، وهذا لا يصحُّ لما فيه من إكراهِ بسلبِ الإرادةِ، كما أنَّه لا يردع عن التعدِّي، بل يشجعه ما دام المعتدي يعلم أنه سيحصل على بعض ما يدّعيه[24] على حين العدالة تقتضي أن يكون الحل الوسط يعتمد على التراضي والتواضع في الممكن تحصيله من الصحيح تحصيله، فيخبر القاضي كل من المتقاضييْن ما يحق له وما لا يحق له، ويؤكد لهما أنه سيحكم لكلٍ منهما بحقه كاملاً غير منقوص، معجلاً غير مؤجل، حتى وإن رفض قبول الصلح أو الحل الوسط، ثم يطلب من كل منهما أن يتواضع عن بعض حقه لخصمه رفعاً للنزاع، وله أن يقترح عليهما ما يراه مناسباً لهما، عندها فقط تكون وحدة التقاضي محفوظة في الأسلوب التوافقي، فمعرفة الصحيح في المسألة أولاً، وضمان تحصيله ثانياً، ثم التواضع على حل وسط بالتراضي دون إكراه ثالثاً.

 

4- الأسلوب العلاجي: العامل بهذا الأسلوب ينظر للخروج عن القانون على أنه مرض، وأن المخطئ مريض وقع ضحية مرضه، ويعاني من قصور أدى إلى وقوعه في المخالفة وأن العدالة تقتضي قصد علاجه عوضاً عن قصد عقابه أو تعذيبه، وأن القانون لابد أن يكون مطلبه وغايته علاج المخطئ من أسباب الخلل.

 

والجدير بالذكر أن هذه الرحمة والشفقة على المخطئ تكون في غير محلها إن لم يكن مريضاً مرضاً يرفع عنه التكليف أو مكرهاً إكراهاً ملجئاً أصبح معه آلة بيد مُكْرِهه، وهي عند التحقيق غالباً ليست كذلك، بل مجرد انفعال نفسي فيه استغراق في اللحظة الراهنة، وفيه غفلة عن الرحمة بالناس أجمعين، فالرحمة بجميع الناس مقصودة في الإسلام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تنزع الرحمة إلاَّ من شقي[25]. وقال صلى الله عليه و سلم: ((من لا يرحم الناس لا يرحمه الله عز وجل))[26].

 

وقد نقل الإمام أبو زهرة ما يجري على ألسنة الناس مما جاء على أقلام بعض كبار رجال القانون: أن الرحمة فوق العدل والعدل فوق القانون[27]. ثم قال رحمه الله: "وإني أوافقه كل الموافقة في القضية الثانية بالنسبة للقوانين الوضعية الآن، فكثير ما يتخاذل القانون عن أن يحقق العدالة، ولكني مع إجلالي للكاتب الكبير أخالفه في القضية الأولى، فالعدالة الحقيقية هي الرحمة الحقيقية... فالرحمة الحق هي التي يقرها العدل والتسامح الحق هو الذي لا يخفض حقا، ولا يقيم باطلا". وقول الإمام أبي زهرة لا شك سليم ولا ريب في أن القوانين الوضعية يجب أن تخضع للعدالة الإسلامية، لذلك يجب على القاضي البصير أن يطوع الأنظمة لمعنى العدالة في الإسلام فيما يعرض عليه من أقضية، فالعدالة هي المقصودة بوضع النظام والأمر به، والمقصد يقدّم على الوسيلة، ويحكم به عليها، فالوسائل تسقط غالباً بسقوط مقاصدها وكلما سقط اعتبار المقصد سقط اعتبار الوسيلة[28]، ومقصود ذلك أن الوسيلة إذ لم تؤد إلى الغاية المرجوة منها ينبغي إيقاف العمل بها لأن العبرة بالغاية لأنها أقوى من الوسيلة اعتباراً في نظر الشرع، بل لا عبرة بالوسيلة إذا تخلفت عنها غايتها أو أفضت ـ في ظرف من الظروف ـ إلى النقيض مما شرعت له، وذلك باطل لأن مناقضة المشرع باطلة، فما يؤدي إلى باطل بالضرورة، فينبغي إيقاف العمل بالحكم تفادياً لهذا المآل المناقض حتى يتغير الظرف[29].

 

وتقريرا لهذا المقصد الشريف الذي هو تطبيق الشريعة الإسلامية وتقديمها على جميع الأنظمة الوضعية، جاء في المادة السابعة من النظام الأساسي للحكم: "يستمد الحكم في المملكة العربية السعودية سلطته من كتاب الله تعالى وسنة رسوله وهما الحاكمان على هذا النظام وجميع أنظمة الدولة"، والمادة السادسة والأربعون: "القضاء سلطة مستقلة ولا سلطان على القضاة في قضائهم لغير سلطان الشريعة الإسلامية"، و الرحمة الحقيقية هي الموزونة بميزان العدل بين حق الضحية وحق عموم الناس، وعلى ضوء شريعة الإسلام.

 

ومن اللازم أن يؤخذ في عين الاعتبار أن معظم الحالات والأفعال غير السوية التي تنسب إلى الأفراد في مختلف أنحاء العالم اليوم يمكن أن تكون في واقع الأمر نوعاً من أنواع الاختلال النفسي الناجم عن الظروف الاجتماعية، ومثال ذلك: انفصام الشخصية ونقص الثقة بالنفس، أو نقص المناعة النفسية وأمثالها، والحل الأمثل بناءً على هذا التصور هو مراعاة ذلك، ولكن بعد ضبطه فلا يستخدم ولا يصح أن يكون عذراً للتخلص من وزر أو غرم الجناية، ما لم يصل إلى حدٍّ يكون معه المكلَّفُ غيرَ مؤاخذٍ شرعاً.

 

تلك هي الجوانب المختلفة لتنوع القوانين التي يمكن أن تتحقق بأي من الصورتين المذكورتين، الحجم والأسلوب، أو بكلتيهما معاً، وهذان الجانبان يمثلان معيارين مفيدين يضافان إلى القوانين أو الأنظمة القضائية في مختلف المجتمعات، فإذا ما تمَّ تقويم أي نظام قضائي على هذين الأساسين، يكون من السهل إلى حدٍّ كبير تفسير تنوع السلوك القضائي والتنبؤ به في مجتمعٍ ما؛ الأمر الذي يسهل من عملية إدارة مرفق القضاء. وفيما يلي عرض للعوامل الاجتماعية التي تسهل على المراقب أن يكون توقعه صادقاً ودقيقاً في التقدير المسبق لنتيجة التقاضي وللعوامل المؤثرة فيه.

 

الثاني: العوامل المؤثرة في مآل التقاضي:

بعد بيان الاختلاف في القوانين من حيث الكم والحجم من جهة، ومن حيث الأسلوب والنمط من جهة أخرى، نصل إلى تقدير مآل التقاضي عبر قياس العوامل المؤثرة في نتيجة التقاضي وتنوعه، فقد أثبتت أحدث موضوعات الأدبيات الاجتماعية: أن ثمة خمسة عوامل أساسية أو متغيرات عامة تكمن وراء التنوع في نتيجة التقاضي والتي يمكن في ضوئها القيام بعمليتي التفسير والتنبؤ، وتلك العوامل أو المتغيرات هي: التدرج الاجتماعي، التكامل الاجتماعي، الثقافة، التنظيم الاجتماعي، وآليات الضبط الاجتماعي المختلفة. وفيما يلي شرح لتلك العوامل والمتغيرات[30].

 

أ – التدرج الاجتماعي:

التدرج الاجتماعي هو عدم تساوي أفراد المجتمع في المزايا الاجتماعية مثل الثروة، والقدرة، والمكانة؛ فالمجتمع الذي تماثل أعضاؤه في جميع المزايا من جميع الجهات فاقد للتدرج الاجتماعي، والمجتمع الذي يتفاوت أعضاؤه دوراً ومكانةً هو عكس ذلك، علماً بأنه كلما ازداد التفاوت المذكور ازداد التدرج واشتد بروزاً.

 

وبالنسبة لما نحن بصدده -أي تأثير التدرج الاجتماعي على عملية التقاضي- تشير الدراسات إلى أنه: كلما ازدادت المسافة بين المراكز الاجتماعية بين المتقاضيين، ازداد احتمال حدوث خلل في وحدة التقاضي؛ فالجناية على مَنْ مركزه عالٍ ستعامل بأهمية وحزم أعلى وأشد من نفس الجناية لو وقعت على مَنْ مركزه أدنى. ويزيد الاهتمام أكثر وأكثر إذا كان الطرفان المخطئ والمصيب من ذوي المراكز العالية في المجتمع، بحيث يصل التشدد والحزم إلى أعلى درجة بالمقارنة مع غيرها من القضايا، فاستخدام السلطة يكون بصورة أكبر مما لو أن القضية كانت بين شخصين ليسا من ذوي المراكز العالية في المجتمع، ويدل ذلك على أن مركز المخطئ ذو أهمية ودلالة أكبر على درجة السلطة المستخدمة في العملية العدلية من مركز المخطئ أو المدعى عليه[31].

 

ب- التكامل الاجتماعي:

يقصد بالتكامل الاجتماعي درجة الترابط والمشاركة الاجتماعية بين الفرد ومجتمعه الذي ينتمي له، علماً بأننا نقصد من مفهوم المجتمع معناه العام المرادف للنسق الاجتماعي (Social System) المتراوح من أصغره وهو الجماعة الأولية (Primary Group) إلى أكبره وهو المجتمع في معناه الخاص، ويوجد نوعان من هذه الظاهرة الاجتماعية ذات علاقة ودلالة بمآل التقاضي وهما:

أولاً: درجة اندماج الفرد عامةً في المجتمع الذي هو عضو فيه، ويجب التنبيه إلى أن اندماج الفرد بالمجتمع لا يقاس بمجرد مشاركة الفرد فيه.

ثانياً: طبيعة العلاقة بين الفرد وبين مجتمعه، هل هي سيئة أو ممتازة قبل بدء عملية التقاضي؟

 

وتُحدد المشاركة الاجتماعية نطاق المركز الاجتماعي للفرد، وتُقاس بالدرجة التي يسهم فيها الفرد في إضافة منافع لمجتمعه، وهو ما يظهر عادةً في مدح من كثر فعلهم للخير بحيث يصبح عنواناً لتصرفاتهم فيقال في أحدهم: (ما يجيئك منه إلاَّ خير). وفي المقابل من الناس من ينطوي على نفسه ولا ينفع أحداً في شيء، ولا يسهم في أي نفع عام، وقد يراه الآخرون تكلفة عليهم.

 

وعندما يدخل الأفراد في عملية التقاضي يبدأ تأثير الاندماج العام والمساهمة للمتقاضي في مجتمعه ومجموعته في التأثير على وحدة التقاضي، فالقضية التي يكون المصيب فيها رجلاً عالي المساهمة الاجتماعية تُعامل بحماس وحزم أكثر من القضية التي يكون المخطئ شخصاً انطوائياً يعيش حياته في عزلة فرضها على نفسه، والقضايا التي تؤخذ بالحزم والاهتمام الأكثر وتنتج نمطاً عقابيّاً في النظر القضائي هي التي يكون المخطئ فيها شخصاً معزولاً اجتماعياً والمصيب شخصاً بدرجة عالية من الاندماج والمساهمة الاجتماعية، ثم يلي ذلك أن يكون المتقاضيان من ذوي المساهمة العالية، ثم يليه أن يكون المتقاضيان من ذوي الانعزال والانطواء، ثم الأقل اهتماماً وحزماً واستدعاء للنمط العقابي في التقاضي تأتي عندما يكون المخطئ من ذوي المساهمة المرتفعة والمصيب من ذوي العزلة والانطواء الاجتماعي[32].

 

وغالباً ما يكون هذا الفارق مؤثراً بصورة أكبر، وتأخذ القضية المنحى العنيف والعقابي، ويستخدم فيها مقدار أكبر من السلطة والأنظمة كلما كان المتقاضيان غرباء غير معروفين، والعكس صحيح، يقل دور السلطة والنظام ويزيد المنحى اللين الهين والتوافقي كلما كان المتقاضيان من المعروفين، وممن تربطهم بالمجتمع ومؤسساته أو بعضهما ببعض علاقة حميمة، لذلك نرى أن السلوك المخالف يعدُّ جريمة بين الغرباء، وبين غير الغرباء المعروفين يعدُّ السلوك المخالف مجرد خلاف بين أفراد الأسرة الواحدة، فلا يستدعي عقوبة كما تستدعيه الجريمة[33].

 

ج- الثقافة:

يختلف الناس في مشاربهم وأذواقهم وتقديراتهم للحسن والقبيح، للملائم والمخالف، والجانب الثقافي يمثل الوعاء لجميع تلك الصور المختلفة للناس في بيئة ومجتمع معينين، وهذا الاختلاف يترتب عليه اختلاف في التعامل مع قضايا مختلفة، وبين كل صورة من السلوك المقبول أو المرفوض، وبين كل منهما والسلوك الآخر مسافة ثقافية معينة، وكلما زادت هذه المسافة الثقافية بين الناس أثر ذلك سلباً على وحدة التقاضي، أو على الأقل يزيد من تكلفتها وكلفتها، فالسلطة والنظام غالباً ما يستخدمان من قِبل الأفراد المختلفين ثقافياً بصور أكثر وأعمق من استخدامهما بين الأفراد المتجانسين ثقافياً. والأثر الذي يحدثه عدم التجانس الثقافي المذكور يعتمد على مساحة الاختلاف الثقافي بين جميع الأطراف المعنية والمتمثلة في: بين المتقاضييْن من جهة، وبينهما أو أحدهما والقاضي من الجهة الأخرى.

 

فالقضاء يكون أكثر حزماً وأشد عقاباً للمحكوم عليه عندما يكون المحكوم له - أي المصيب - من ذوي الثقافة السائدة، و المخطئ من ذوي الثقافة المسودة، يلي ذلك أن يكون المتقاضيان ينتميان للثقافة السائدة، ثم يليه أن يكون المتقاضيان من الثقافة المسودة، ثم القضايا التي تستدعي أقل درجة استخدام للسلطة والنظام توجد متى كان المخطئ من المنتمين للثقافة السائدة والمصيب من المنتمين للثقافة المسودة[34].

 

د- التنظيم الاجتماعي:

التنظيم صفة أساسية للأنساق الاجتماعية ويقاس حسب الدرجة التي يعمل بها أعضاء النسق المعني متعاونين ومتناغمين في تحقيق هدف مشترك، فكلما ارتفعت درجة التعاون والتناغم المذكورين كان الانتماء للمنظمة واضحاً والتنظيم أوضح.

 

والكثير من القضايا في عالم اليوم أحد أطرافها شخصية اعتبارية - منشأة إدارية - وكما هو معلوم في الغالب فإن الشخصيات الاعتبارية تملك من الموارد ما لا يملكه الأفراد، إلاَّ ما ندر، ولا عبرة بنادر، وفي دراسة لتأثير هذه التنظيمات على وحدة التقاضي في المجتمع الأمريكي خلصت إلى أن المجتمع الأمريكي أصبح مجتمعاً غير متكافئ، والسبب هو أن الدرجة التي تستطيع معها التنظيمات الإدارية فرض رغباتها واهتماماتها على حساب بقية أفراد المجتمع أكبر بكثير من قدرة الأفراد تحصيل حقوقهم أو رغباتهم إلى درجة أصبح معها تحقيق العدل بينهم في الغالب صعب المنال[35]، فهم كما تقول أدبياتهم في المثل الشائع (الجميع في أمريكا متساوون ولكن بعضهم متساوٍ أكثر من الآخرين)[36]، وقولهم: (إن الحرية ليست بلا ثمن)[37]، ويعنى ذلك أن الأفراد أحرار بقدر ما يستطيعون أن يشتروا من الحريات، فالذي لا يملك شيئاً لا يستطيع الحصول إلاَّ على القليل من الحريات المجانية، فلا يستطيع والوضع كذلك الحصول على معاملة عادلة مقابل خصم يستطيع دفع قيمة جميع الحريات ومثلها معها، ومن الأمثلة على ذلك أن من لا يستطيع دفع تكاليف المحامي في الولايات المتحدة الأمريكية تقوم الولاية بتعيين محامٍ يقوم بالدفاع عنه من قبلها هي، وتدفع أتعابه وتكون الولاية مسؤولةً عن الدفاع عن هذا الفقير فقط، فليس من اختصاصها أن تكلف محامياً برفع دعوى ابتداءً للمطالبة بحق الفقير، فهي مسؤولة عن تمكين الفقراء من تعيين محامٍ يدافع عنهم فقط عندما يكون الفقير مدعىً عليه، وليس معاونتهم على تعيين محامٍ يطالب بحقوقهم عندما يكون الفقير مدعياً، هذا من جهة؛ ومن الجهة الأخرى فهي عادة ما تختار أرخص المحامين تكلفة ويكونون من الأقل خبرة، ومما لا تتوافر لديها موارد كثيرة، فلا يقارنون بمحامين يعملون في شركة محاماة عملاقة، ولديهم الكثير من الموارد والخبرات المختصة؛ لذا يستحيل أن يتساوى الطرفان من حيث القدرة أو الفرصة في استجلاب العدالة اللازمة للتقاضي.

 

هذه الظاهرة ستعدُّ ناشئة في بيئة القضاء السعودي، فبحسب الأنظمة الجديدة التي ألغت هيئة التمييز، واستحدثت محكمة الاستئناف[38]، سيضطر الخصوم إلى تعيين محامٍ رفيع المستوى للترافع أمام محكمة الاستئناف بمقابل مالي يزيد كلما طالت مدة التقاضي، بالإضافة إلى تكلف مصاريف الانتقال المستمر، أو الإقامة في المدينة التي توجد فيها محكمة الاستئناف حتى انتهاء القضية، الأمر الذي سيضيف مبالغ قد تكون باهظة على المتقاضيين أو أحدهما؛ فيترك متابعة قضيته لعدم الجدوى الاقتصادية، فلو افترضنا أن تكلفة المحامي ومصاريف التنقل إلى مكان المحكمة أو الإقامة ستكلف (50) ألف ريال، وكانت المطالبة في قيمة دون ذلك أو تساويها أو أن الوقت المستهلك والجهد المبذول يفوت من المصالح على أحد المتقاضين؛ بحيث يترك المطالبة بحقه بسبب أن تكلفة المصلحة المرجو تحقيقها كنتيجة للتقاضي أكبر من منافعها، فتكون لأجل ذلك غير مجدية؛ لذا فالمحافظة على مبدأ مجانية التقاضي قد يتطلب أن تعدل أنظمة القضاء الجديدة، بحيث لا تتسبب في تكلفة مضافة على المتقاضي وهذا قد يتطلب تخيير المستأنف: بين استئناف ترافع -مع ما فيه من تكلفة الانتقال إلى عاصمة المنطقة وتوكيل محامي استئناف والترافع من جديد- أو استئناف تدقيق لما فيه من رفع أوراق الاعتراض على الحكم ليتم تدقيق الحكم من قبل محكمة الاستئناف بالمراسلة، أو الجمع بين النمطين بالترافع عبر الوثائق القضائية؛ بحيث يعتمد على نمط المراسلة إلى أن تصبح القضية جاهزة للبت فيها، فعندها فقط تعقد الجلسات للترافع، وهذا الأسلوب من شأنه تقليل التكلفة دون التخلي عن مبدأ الترافع، وعلى العموم لابد من قصد إعطاء المتقاضين كامل الفرصة لتحصيل الحقوق بأقل تكلفة ممكنة، والعمل لأجل ذلك ويجب الحذر من عدم ترتب تكلفه عرضية مصاحبة للنظام القضائي تقع على المتقاضيين أو أي جهة أخرى، وهذه التكلفة هي ما قصده أهل الاقتصاد عند كلامهم عن مبدأ ترتيب التكلفة خارج جهة الإدارة [39]، Externalitiesوهو عبارة عن إحداث تكلفة أو نقلها أو تصديرها إلى خارج جهة الإدارة، ومثاله ما ترتب على إلغاء هيئة التمييز وإحلال محكمة الاستئناف محلها في نظام القضاء الجديد من ترتيب تكلفة إضافية على المستأنف، وإن كانت هذه التكلفة حدثت بصورة عرضية ولم تكن مقصودة، فإن ذلك ليس مانعاً من أن يستدرك الأمر بعد حدوثه، فمراعاة اختلاف القدرة والفرصة بين المنشآت الإدارية والأفراد عند سن الأنظمة وتطبيقها أمرٌ تقتضيه العدالة، أضف إلى ذلك أن المشكلة هذه موجودة بين التنظيمات الإدارية نفسها، فظاهرة أن المؤسسات والشركات الكبيرة جداً تستطيع أن تتحكم وتسيطر على مصالح الأفراد والمؤسسات الصغيرة – وفق الأنظمة المعمول بها حالياً - وهذه السيطرة على مصالح الأفراد قد تفوق ما تعود الناس قياسه، فهي تشمل نقل تكلفة اجتماعية على الفرد في المجتمع، فالكثير من العلاقات الاجتماعية وفرص النمو والتقدم للأفراد في الحياة تعتمد بدرجة كبيرة على التنظيم الإداري الذي تنتمي له سواء شركة أو قطاع حكومي؛ لذا فإن التنظيمات الإدارية اليوم تعد أحد أهم أشكال التدافع وأكثرها انتشاراً في العصور المتأخرة، ومثال ذلك رفع دعوى لاسترداد قيمة قرض بين أفراد ليست مثلها إذا كان أحد الأطراف مصرفاً بل هي مختلفة في جهة القضاء وإجراءات التقاضي والاستئناف، وفي جميع أنحاء العالم تلاحظ سنة الله في إصلاح الأرض بالتدافع، قال الله تعالى: ﴿ وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ [البقرة: 251]، فمن أهم أدوات التدافع في هذا العصر المنشآت الإدارية، فتدافع الناس على الوظائف في منشآت إدارية، لما أنها تمثل المحور الأساس للحياة الكريمة في العصور المتأخرة، وتدافع الدول على الإنتاجية والاقتصاد الذي يمثل محور القوة يتم عبر منشآت إدارية[40].

 

لذا فالقضايا التي يغلب أن يستخدم النظام معها بجدية، والتي يغلب أن تعد القضية فيها خطيرة ومهمة هي القضايا التي تقيمها تنظيمات إدارية كبيرة مقابل الأفراد، ويلي ذلك القضايا التي تثيرها تنظيمات إدارية بين بعضها مع بعض، ثم يليها القضايا التي يقيمها الأفراد بين بعضهم مع بعض، وأقلها وزناً القضايا التي يقيمها فرد ضد منظمة إدارية[41].

 

هـ- الضبط الاجتماعي:

النظام هو الوسيلة الأساس للضبط الاجتماعي، وسبق نقاشه؛ لذا سينصب النقاش على وسائل الضبط الاجتماعي الأخرى غير النظامية وهي على سبيل المثال:

1- الانتقام: الرد بالمثل على المخطئ بأن ينتقم المصيب لنفسه.

2- الاقتراب: التفاهم مع المخطئ عبر التفاوض والواسطة.

3- الابتعاد: قطع العلاقة مع المخطئ عبر تجنبه والابتعاد عنه.

4- الاستعانة: طلب المساعدة من آخرين خارج إطار النظام.

5- التنويع: استخدام النظام مع أحد أو بعض هذه الوسائل البديلة.

 

لا شك في أن أكثر الطرق انتشاراً هي استخدام النظام لتحصيل الحقوق والعدل، ولكن اللجوء إلى النظام يعتمد على عدة أمور أحدها مدى وجود ويسر الاستفادة من قنوات أخرى اجتماعية يمكنها أن تستجلب الضبط اللازم للجاني دون اللجوء إلى النظام أو استخدام النظام، فكلما وجدت هذه القنوات وكانت فعالة وميسرة، قلَّ اللجوء إلى النظام، وعند اللجوء سيكون عمل النظام أقل حدةً والسلطة المستخدمة أقل.

 

ومن أمثلة ذلك أن ينبري من هم في الصف الثاني أو الثالث من السلطة لحل مثل هذه المشكلات خاصة إذا كانت متكررة بسبب تعقيد الأنظمة وطول الإجراءات وضعف الرقابة، وهذه الفئة تتحكم بالمعلومة التي يحتاجها صانع القرار ليستخدم صلاحيته، وبالتالي تتحكم بالقرار الذي يصدره، ففي كل جهاز إداري خاص أو عام توجد هذه الفرصة، ومن ذلك على سبيل المثال لا الحصر أعوان القاضي والعاملون معه في مكتبه ومديرو المكاتب عند المسؤولين والوكلاء في كل جهاز، ومن حولهم عادةً ما يكونون موصلاً جيِّداً لدخول التأثير الخارجي على أي عملية إدارية سواء أكانت العملية عدلية (قضائية أو حقوقية) أم غيرها، لا فرق في ذلك، والسمة الغالبة لهذه العمليات الجانبية أنها تتم في الخفاء والسبب هو أنها متى ظهرت تصبح محل انتقاد وشجب، وتبدأ هذه الظاهرة كعمل جيد ووساطة خير يقصد بها العدل في القضايا والحقوق التي لم يخدمها النظام، ثم لا تلبث حتى تتحول من استثناء إلى أساس يبنى عليه، ويصبح الوضع كما لو خُيِّر صاحب الحاجة بين أمرين: إما النظام وتحمل تعقيد الإجراءات وبطء إنهاء الأمور، وعدم ضمان تحصيل النتيجة المقصودة، أو عدم ضمان استقرارها بعد تحصيلها أو اتباع السبل غير الرسمية، جميع ذلك يجعل المخاطرة في اتباع النظام أكبر منها في اتباع الطريق غير الرسمي لتحقيق المقصود بالإضافة إلى مزيد فائدة المتمثلة في قلة المشقة وسرعة تحصيل المقصود، ومحاولة سد هذا الباب لا يكونُ علاجاً لأنه أمر مستحيل من جهة ثم إنه ليس باب شر بالضرورة بل قد يعدُّ صمام أمان إذا أحسن استثماره والحل يكون في قطع أو تقليل الحاجة إليه قدر الإمكان عبر تسهيل الإجراءات وتعجيل نتاجها واستقراره.

 

جميع وسائل الضبط الاجتماعي تتضمن تقبيحاً للعمل الذي قام به صاحبه، فالشخص الذي يمارس عليه الضبط الاجتماعي تسوء سمعته ومكانته في المجتمع على ضوء مقدار الضبط الاجتماعي المستخدم من جهة، ومقدار الممارسة الواقعة عليه من الجهة الأخرى.

 

وبناءً على ذلك فإنه كلما مورس الضبط الاجتماعي على المُدَّعَى عليه، ساءت سمعته، وكلما كان المدّعي شخصاً لم يُمارس عليه أي نوع من الضبط الاجتماعي، كانت سمعته طيبة جدّاً، ويكون النظر في دعواهما عقابياً، وفيه شدة مع سيء السمعة، ويلي ذلك في الحدة وفي النمط العقابي في القضايا التي تكون بين اثنين ذوي سمعة طيبة، ويليه القضايا بين اثنين من ذوي سمعة سيئة، ثم القضية بين سيء السمعة يدَّعِي على حسن وطيب السمعة[42].

 

ومثله مثل الرجل الصالح يدَّعي على أفسق الناس ديناً ونحوه، الأمر الذي يُنشئ تعارضاً شكلياً بين الأصل الذي هو براءة ذمة سيء السمعة، والظاهر الذي هو أن الغالب صدق الرجل الصالح فيما يدعيه. هذا التعارض قد يورث خللاً في وحدة التقاضي بين الاثنين، فيقدَّم تصديق طيب السمعة على براءة سيِّئِها، وهذا أمر غير جائز، فالأصل أن يقدم الأصل على الظاهر إذا كان الظاهر مجرد احتمال، وهو كذلك ودليله أن طيب السمعة غالباً ما يصدق، ولكن ما لم يكن القاضي مطلعاً على خفايا القلوب فلا يستطيع الجزم دون بينة[43].

 

الثالث: مَنْ المؤثرون في نتيجة التقاضي؟

كل شخص له علاقة بالتقاضي يصبح ذا تأثير ما في نتيجته، سواء بطريق مباشر أو غير مباشر، وسواء أكان التأثير كبيراً أم قليلاً؛ فكل عامل لا يأتي إلى عمله وهو فارغ الذهن وإنما يأتي ومعه ما يميز نفسه عن غيرها من جهة شخصيته ومعتقداته وقيمه وخبرته، وجميع ذلك مؤثر في تصرفه، وتصرفه مؤثر في عمله؛ لذا فكل عامل في القضية يسهم في تشكيل البنية الاجتماعية للقضية فيكون لأجل ذلك أحد القنوات التي تدخل عبرها جميع المؤثرات الاجتماعية على عملية التقاضي، لذا من الطبيعي أن العامل كلما كان عمله أقرب للقضية كان أكثر تأثيراً، وكانت تركيبته الاجتماعية أكثر تأثيراً وظهوراً في مسار عملية التقاضي ونتيجتها، والعاملون في القضية ثلاثة أنواع، هم: (أ) الأطراف الأساسية، (ب) الداعمون، (ج) المسؤولون الرسميون، وتفصيل ذلك كالآتي:

1- الأطراف الرئيسة التي تؤثر في التقاضي:

ركزت الكثير من الأبحاث في علم اجتماع القضاء على تأثير التركيبة الاجتماعية للأطراف الرئيسة في القضية على نتيجة التقاضي. والأطراف الرئيسة هم الأشخاص الذين أدى اختلافهم إلى نشوء القضية - المدعي والمدَّعَى عليه- ومن أمثلة ذلك دراسة لافري: 1980م للوضع القضائي في الولايات المتحدة الأمريكية والتي توصلت إلى أن المعاملة الأكثر قسوة كانت في القضايا التي يكون فيها المخطئ أسود البشرة، والمصيب أبيضها، وتليها في القسوة القضايا التي يكون المخطئ والمصيب أبيضي اللون، ثم تليها القضايا التي يكون المخطئ والمصيب أسودي اللون وأقلها في القسوة عندما يكون المخطئ أبيض البشرة والمصيب أسودها[44]، هذه العنصرية العرقية وأن كانت تعدُّ في منظار الشرع من الجاهلية الأولى ومنهيٌّ عنها. قال الله تعالى: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِير ﴾ [الحجرات: 13]، وكما في حديث أبي هريرة قيل: يا رسول الله من أكرم الناس؟ قال: أتقاهم[45]. وقال عليه الصلاة والسلام: "يا أيها الناس ألا أن ربكم واحد، وأن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي، ولا عجمي على عربي، ولا أحمر على أسود، وأسود على أحمر إلا بالتقوى، أبلّغت؟ قالوا: بلغ رسول الله"[46]. وفي هذا نبذ لمعيار العرقية المحض في التفضيل، واستبدال معيار التقوى به، وإنما التطرق إلى هذه المؤثرات الجزئية من حيث إنها موجودة في ممارسة وسلوك الناس، وليس البحث منصباً على ما يجب أن يكون، وفي ديننا الحنيف قيمٌ مأمورٌ بها، وهي مؤسِّسة للعدل في كل جوانب الحياة: النظري منها والعملي والقضاء واحد منها.

 

ومن المفيد أن نتطرق هنا إلى موقف وتجربة ديننا الحنيف نظرياً وعملياً في هذه القضية؛ فنظرياً نعرف أن ثمة آيات وأحاديث كثيرة في الحث على ما تفيده الآية الكريمة ﴿ وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ ﴾ [النساء: 58].

 

ومن الشواهد العملية على ذلك، والذي انبهر به الباحثون في القضاء وتاريخه هو خطاب سيدنا عمر بن الخطابرضي الله عنه لأبي موسى الأشعري عندما كان والياً على الكوفة، حيث يقول:(آسِ بين الناس في وجهك ومجلسك وعدلك حتى لا يطمع شريف في حيفك، ولا ييأس ضعيف من عدلك، البينة على من ادَّعى، واليمين على من أنكر. والصلح جائز بين المسلمين إلاَّ صلحاً أحل حراماً أو حرم حلالاً، ولا يمنعك قضاء قضيته أمس، فراجعت اليوم فيه عقلك، وهُديت فيه لرشدك، أن ترجع إلى الحق، فإن الحق قديم، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل، الفهم الفهم فيما تلجلج في صدرك مما ليس في كتاب ولا سنة. ثم اعرف الأمثال والأشباه؛ وقس الأمور بنظائرها. واجعل لمن ادَّعى حقّاً غائباً أو أمدا ينتهي إليه، فإن أحضر بينته أخذت له بحقه، وإلاَّ استحللت القضية عليه؛ فإن ذلك أنفى للشك وأجلى للعَمى)[47]. في خطاب عمر بن الخطاب رضي الله عنه خطة عملية للتعامل مع الفرق بين الصورة المثالية والصورة الواقعية، فهو في خطابه -رضي الله عنه- يصف السلوك الذي يجب على القاضي أن يفعله، وبذلك يربط بين ما يجب أن يكون وكيف يطبق على الواقع، وما قد يعترض هذا التطبيق من عوائق، فالمساواة بين المتقاضين في النظر والجلسة هو في الحقيقة وصف للتطبيق العملي لمفهوم العدل في النظر القضائي من جانب إجرائي، ثم اتبع ذلك التطبيق من الجانب الموضوعي عند قوله رضي الله عنه: "البينة على من ادعى واليمين على من أنكر" ثم ناقش مشكلة واقعية؛ وهي تطور الخبرة والمعرفة وتغير الأحوال والأزمان يؤدي إلى تغير الاجتهاد الذي قد يتحرج القاضي منه؛ لأجل الخروج من مظهر المتناقض عندما يحكم في قضايا لاحقة بغير ما حكمه في القضايا السابقة، مع التشابه أو التطابق في تسبيب القضية، وأن هذا الحرج الذي يعدُّ سلوكاً بشرياً لا يمكن في الغالب التحرر منه وأنه قد يحدث ميلاً إلى عدم تغيير الاجتهاد؛ بحيث يميل القاضي إلى المحافظة على اتساق أحكامه وتشابهها مع وجود الموجب لتغيير الحكم اتباعاً للحق واتباعاً للدليل الذي استقر في نفسه، وهذا ما نبه إليه الخليفة الراشد عمر بن الخطاب بقوله: "إن الحق قديم ومراجعة الحق خيرٌ من التمادي في الباطل"، فكأنه في قوله هذا ينبه إلى الاحتياط من الوقوع في مزلة التعلق بالوضع الراهن وهي من مزال اتخاذ القرار؛ بحيث يصور لمتخذ القرار أن تكلفة تغيير قراره أعلى من تكلفة الاستمرار عليه، وأن في تغيير القرار خسارة لرصيد سابق من المواقف[48]. وجميع ذلك يجب الاحتياط منه ومتى بان الحق يجب أن يصار إليه وفي اعتماد مبدأ الخليفة الراشد عمر بن الخطاب – رضي الله عنه - عدم جعل القضاء الذي قضاه القاضي بالأمس عذراً أو مانعاً لتغيير الحكم في اللاحق من الأقضية، فالعودة إلى الحق واجبة ولا تعد تناقضاً أو جهلاً من القاضي ثم أتبع ذلك بربط الأمور بالواقع عندما لا تكون المسألة أمراً واضحاً في الكتاب أو السنة، ولعل من أهم توجيهاته – رضي الله عنه- تأسيس مبدأ الاحتياط، فالمقصود بافتراض حق غائب هو الاحتياط للحق، قال رضي الله عنه: "واجعل لمن ادَّعى حقّاً غائباً أو أمدًا ينتهي إليه، فإن أحضر بينته أخذت له بحقه، وإلاَّ استحللت القضية عليه؛ فإن ذلك أنفى للشك وأجلى للعَمي"، فمن لم يحتط بافتراض حق غائب للخصم سيكون عرضة للتأثر بالبيئة الاجتماعية للقضية، وأول علامات التأثير هي افتراض أن أحد الخصوم ليس لديه حق قبل انتهاء النظر في البيانات.

 

2- الداعمون:

جميع الداعمين مثلهم مثل الأطراف في القضية لهم تركيبتهم الاجتماعية ويندرجون في مقام اجتماعي معين، وكلما كان الداعمون نشطين في دعم أحد الأطراف وبذلوا جهداً ووقتاً وجاهاً ومالاً أكثر لصالح الطرف الذي يؤيدون، زاد احتمال الخلل في وحدة التقاضي، وكلما عُرِفَ الداعمون بالقضية أو بقضايا من نوع معين، زاد تأثير العوامل الشخصية والاجتماعية على مخرجات التقاضي، وجميع العوامل الشخصية والاجتماعية ذات علاقة بقدرة الداعم على التأثير في مخرجات التقاضي، ومنها على سبيل المثال: الثروة والمركز المالي والنشاط الاجتماعي والثقافة السائدة والاحترام والتقدير للداعم، وإذا كان الداعم يمثل تنظيماً إدارياً قوياً، وإذا كانت المسافة الاجتماعية كبيرة بين الداعم والأطراف الرئيسة – مع ملاحظة أن المسافة الاجتماعية الكبيرة تعمل لصالح المدَّعَى عليه بصفة عامة أكثر من عملها لصالح المدعي– بالإضافة إلى أن دعم من ليس للداعم به علاقة أقوى من دعم ذي القرابة[49].

 

جميع تلك العوامل إذا اجتمعت جعلت من الممكن تفسير: لماذا يخسر الطرفُ القويُّ ويربح نتيجة التقاضي الطرف الأضعف؟ فمن الملاحظ أنه عندما يدعي الضعيف على القوي تنصرف الأذهان ابتداءً إلى أنه على حقٍّ: لما يتصوره الناس من أن القوي قادر على ظلم الضعيف، بينما الضعيف عاجز عن ظلم القوي، وتزيد حدة هذا التصور، وبالتالي تزيد قوة تأثيره على مجريات التقاضي ونتيجته كلما زادت المسافة في القدرة بين القوي والضعيف، ومعرفة الضعيف لهذه الظاهرة تمكنه من استخدامها لصالحه ولو ظلما، بحيث تصبح دعواه محكوم بها سلفا في محكمة الرأي العام – إذا صح التعبير- وتفسير ذلك يعود إلى أن الضعيف أصبح أقوى من خصمه القوي بسبب كثرة الداعمين له سواء الرأي العام أو أعوان القاضي أو القاضي نفسه قد يتعاطف مع الطرف الضعيف فالنفوس السليمة من الهوى تحب معاونة الضعفاء وجل من لا يسهو وكذلك هو حال المسؤولين وذوي الجاه، وجميع ذلك يندرج تحت تأثير الداعمين على مخرجات القضية.

 

وتجدر الإشارة إلى أن الدعم لا يتأتى للجميع، فبعض الناس من السهل دعمهم وآخرون من الصعوبة دعمهم، وذلك حسب سماتهم الاجتماعية، وبصفة عامة فالأشخاص الذين هم في مكانة اجتماعية مناسبة للداعم يجدون الدعم بسهولة ويدعمون بسهولة.

 

3- المسؤولون الموظفون في القضاء:

من المفترض أن التركيبة الاجتماعية والخصائص الشخصية للقضاة والمحامين وأعوانهم لا تؤثر في أعمالهم وهم يتعاملون مع كل قضية بالتساوي في ممارستهم لعملهم وسلطتهم، إلا أن هذه الفرضية غير واقعية ولا يمكن تحصيلها وذلك كما سبق بيانه في أثناء الحديث عن الفرق بين السلوك المثالي والسلوك الممارس الواقعي، وهذه النتيجة لم تثبت نظريّاً فحسب، بل أظهرتها التجارب العملية ونتائج الأبحاث الاجتماعية العديدة التي أجريت لدراسة هذا الأمر.

 

فمن العوامل المتغيرة استخدام القاضي لسلطته، فهي تتبع نفس نمط استخدام طرف ثالث لسلطته بين الأطراف الأساسية، ولهذا كلما زادت المسافة الاجتماعية بين المسؤول وأطراف القضية، استخدمت السلطة بدرجة أكبر، وهذا يعني أن استخدام الإجراء العقابي، وأن تكون النتيجة ممثلة لجهة واحدة احتمال يزيد حدوثه كلما كان الداعم في مركز اجتماعي أعلى من الأطراف المدعومة، وعندما يكونون بعيدين اجتماعيّاً وثقافيّاً عن المسئول. وكلما كان المسؤول متجانساً مع المتقاضيين ثقافياً واجتماعياً، استخدم اللين بصورة أكبر والسلطة بدرجة أقل، ومن ذلك أن العلاقة القرابية المباشرة مع القاضي قد تؤثر إلى الدرجة التي تستدعيه لإعفاء نفسه من النظر في القضية.

 

وللتوضيح أكثر ننظر في مثال افتراضي: لنفترض أن ثمة قضيتين (أ) و(ب) متماثلتان من جهة، ومختلفتان من جهة أخرى: أما التماثل فهو في الموضوع المتمثل في أن كلتا الحالتين عبارة عن عملية استخراج حجة استحكام على أرض معينة، فلو افترضنا أن الأرض فيها إحياء: آبار قديمة وأشجار قليلة وحاجز ترابي أو شبك يبين حدودها وأوراق قديمة وشهود وموافقة من جميع الجهات المختصة، ولم يدعِ ملكها غير المتقدم بطلب استخراج حجة استحكام ولم يعترض عليه أحد بعد الإعلان في الجريدة لمدة شهرين، وأما الاختلاف فهو في أطراف التقاضي، بمعنى أن القضية الأولى (أ) معروضة لدى قاضٍ منعزل اجتماعياً، والذي تقدم بالقضية شخص ذو مشاركة عالية في المجتمع. والثانية (ب) قضية معروضة لدى قاضٍ ذي مشاركة اجتماعية عالية، والذي تقدم بالقضية شخص منعزل اجتماعياً.

 

والسؤال الذي يُطرح هنا هو: هل سيختلف النظر في القضيتين؟

والجواب: أنه في الغالب وفق ما تشير إليه الدراسات الاجتماعية سيكون النظر مختلفاً بين القضيتين ومثاله الافتراضي كالآتي:

القضية الأولى

القضية الثانية

الملاحظات

طلب القاضي الخروج ومعاينة الموقع.

اكتفى بالبينات

الأول: استخدم من الأنظمة أكثر من الحد الأدنى المطلوب الثاني:اقتصر على القدر الكافي من الأنظمة

رأى أن الإحياء الموصوف في البينات غير كافٍ لإثبات الملك.

رأى أن الإحياء الموصوف في البينات كافٍ لإثبات الملك.

استخدام أقل للسلطة التقديرية من قبل القاضي الأول بالمقارنة مع الثاني.

عند اشتباه الأمر في بعض الجزئيات صرف النظر عن القضية.

عند اشتباه الأمر في بعض الجزئيات طلب توضيح وتوثيق لبعض الأمور.

الأول: استخدم الأسلوب العقابي.

الثاني: استخدم الأسلوب العلاجي.

رفع محضر الضبط للتمييز دون إخطار صاحب الطلب.

اقترح على بعض الأطراف تعديلاً معيناً كحل وسط بينهما في توثيق جانب معين.

الأول: استخدم الحدة والحزم.

الثاني: استخدم الأسلوب التوافقي.

أصدقاء القاضي نصحوه أن لا يتهاون مع المتقدم لأنه صاحب مركز عالٍ.

أسرة القاضي نبهوه أن يعدل مهما كانت وجهة نظره في المتقدم.

تأثير الداعمين: أصحاب القاضي الأول وأسرة الثاني.

حرص القاضي أن يظهر ويتصرف بصورة تبين عدالته.

حرص القاضي أن يكون عادلاً بغض النظر عما قد يقال عنه.

تأثير ثقافة القاضي على تعامله ونظرته واختياره لما يحسن به أن يفعل.

القاضي في محكمة كبيرة لديها موارد كثيرة.

القاضي في محكمة صغيرة ليس لديها موارد كثيرة.

تأثير التنظيم الاجتماعي: وجد الأول موارد للخروج للموقع بينما الثاني لم يخرج لشح الموارد.

يرى القاضي أن واجبه عدم التهاون مع الأقوياء والأثرياء.

يرى القاضي أن واجبه العدل مع الجميع.

تأثير التكامل الاجتماعي: على القاضي الأول دون الثاني

 

جميع هذه المؤثرات موجودة في كل سياق اجتماعي وفي كل نفس بشرية، فالقاضي كغيره من الناس لا يعلم الغيب، وإنما يبني على ما يسمع، قال أفضل الخلق صلى الله عليه وسلم: ((إنكم تختصمون إلىَّ، ولعلَّ بعضكم أن يكون أَلحن بحجته من بعض، فأقضي له على نحوِ ما أسمع منه، فمن قطعت له من حق أخيه شيئاً فلا يأخذه، فإنما أقطع له به قطعةً من النار))[50] فالمؤثرات دائماً موجودة والفرق في قوة وكثافة تأثيرها على القاضي، وكل قاضٍ لا يعلم بوجودها أو لا يقدر لهذه العوامل قدرها، فهو متأثر بها وهي مؤثرة في قضائه وإن لم يشعر، وجميع ذلك يحدث خللاً في توازن وحدة التقاضي، والحل يكمن في التعرف على المؤثرات ومصادرها وتقدير أثرها وإلغائها بمنهجية واعية وإدراك، فاجتهاد القاضي يقبل في أقضيته التي يصدرها على غيره، فمن باب أولى أن يقبل في أقضيته التي يصدرها على نفسه قاصداً ضمان عدالته وعدم حيفه، وهي بإيجاز تكون بالإصغاء والاتباع للخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه وكما نُقل سابقاً.

 

وفي هذا المثال يظهر واضحاً أن الأطراف الأساسية، والداعمين لهم، والمسؤولين، جميعهم يمثلون قنوات لدخول العوامل والمتغيرات الاجتماعية المختلفة إلى العملية العدلية والتأثير فيها؛ وأَخْذُ ذلك في الحسبان في تصميم إجراءات العمل وتقسيمه واختيار أدوات التنسيق ودرجة المشاركة في القرار يعدُّ من العوامل المهمة والأساسية لعلاج هذه الظاهرة الإنسانية الطبيعية التي لا يمكن إلغاؤها وإنما فقط إدارتها بطريقة تؤدي إلى تقليل القدر غير المقصود منها قدر الإمكان واكتشاف القدر المقصود منه ورفعه متى وُجد.

 

رابعاً: السلطة التقديرية:

الأصل في السلطة التقديرية أن يمارسها المسؤول بحيادية تامة، وأن يكون متأثراً بنص الأحكام الشرعية والأنظمة المرعية فقط في تحديد كيفية التعامل مع القضية وتصوير حكمه على الأمور بحسبها مستخدماً سلطته التقديرية في ذلك دون التأثر برأي أو أحكام الآخرين عليه.

 

ولكن الواقع الممارس كما تطرق إليه في بداية الورقة غير ذلك، حيث تُعد السلطة التقديرية مصدراً أساسياً لاختلاف النظر والأحكام والإجراءات المستخدمة، وهي عوضاً عن كونها مستقلة ومحايدة نجدها تتأثر بعوامل عديدة، بما فيها مكانة الأشخاص ومراكزهم وسمعتهم وثقافتهم ومدى قرب ذلك أو بعده عمن هم في مكان المسؤولية؛ بالإضافة إلى اختلافهم في العلم والفهم والخبرة.

 

وتعرف درجة السلطة التقديرية فقط بالمقارنة مع ما يجب أن يكون عليه الأمر عادةً في ضوء معطيات القضية، والسلطة التقديرية تستخدم بدرجة أكبر مما يتوقع الكثير في أمور متعددة ومنتشرة عبر العملية العدلية وبصورة أكثر مما يظهر، وذلك أن القضاء كعمل يتطلب درجة عالية من استخدام السلطة التقديرية، وهي بعبارة أخرى: استخدام الاجتهاد وبذل الوسع في تنزيل الأحكام على الوقائع، سواء في تقدير عدالة الشهود من حيث الصدق والضبط، وفي قبول الأدلة وفي تقدير العقوبة أو التعويض وفي تقدير الظروف المخفضة أو المشددة، وفي تقدير الجاهزية للبت في الحكم أو التأجيل، وغير ذلك مما يجتهد فيه القاضي.

 

الخاتمة

النتائج والتوصيات

الاحتياط التقويمي:

التأثير على كلِّ عمليةٍ قضائيَّةٍ أمرٌ لا يمكن الاحتراز منه؛ لذا وضعت الأنظمة والإجراءات للتقليل منه ليصل إلى درجة غير مؤثرة في عدالة الأحكام القضائية أو النظر القضائي، وهذه المؤثرات تحدث ميلاً طبيعياً يقع تحت تأثيره كل العاملين في عملية التقاضي؛ لذا فعليهم أن يتعرفوا على نوع الميل واتجاهه لاتخاذ الاحتياط اللازم لتقويمه، ويتحتم ذلك على القاضي على وجه الخصوص؛ لذا فعليه أن ينتبه إلى اتجاه الميل الطبيعي في كل قضية ليعرف اتجاه الاحتياط اللازم للمحافظة على أعلى درجة من العدل، فاتجاه الاحتياط على سبيل المثال في قضية بين أستاذ جامعي من كبار المثقفين وأحد أعضاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يختلف عن جانب الاحتياط فيما لو كانت القضية بين أحد أعضاء هيئة الأمر بالمعروف وبين أحد كبار العلماء، أو بين أحد كبار المثقفين وأحد العمال في الجامعة، فالفروقات في المركز الاجتماعي تحدد نوع الاحتياط واتجاهه.

 

التعرف على المؤثر واتجاه وحدَّة التأثير أو شدته أمرٌ مهم لكل قاضٍ ليستطيع أن يوفر لنفسه أكبر عون على إدراك جانب العدالة وتقدير نوع الاحتياط الصحيح لها ومقداره، فلا أحد يستطيع أن يقوم بهذه العملية الذهنية غيره؛ حيث إن الأمر يتطلب مهارة في ممارسة السلطة التقديرية والتي لا يتوقع إتقانها دون الاعتماد على معايير مهنية وقضائية.

 

وخلاصة ما ورد في هذه البحث النظر في الفروق بين المدَّعي والمدَّعى عليه من جهة، وعبر عدة محاور والنظر في تأثير هذه الفروق على النظر القضائي والأحكام القضائية من جهة أخرى.

 

وملخص ذلك كالآتي:

1- الفروق في المركز الاجتماعي: بين العالي والمتدني.

2- الفروق في المشاركة الاجتماعية: بين المرتفعة والمنخفضة.

3- الفروق في الثقافة: بين السائدة والمسودة.

4- الفروق في التنظيم الاجتماعي: بين المنشآت الإدارية والأفراد.

5- الفروق في الضبط الاجتماعي: بين من ليس له سوابق ولم تطبق عليه أي من الأنظمة التي تطبق على المخالفين وبين من له سوابق وطبقت عليه أنظمة كثيرة.

6- الفروق العرقية: بين الأسود والأبيض مثلاً.

7- الفروق في المسافة: بين الداعمين والمدعومين.

 

ب- تأثير الفروق بين المدَّعِي والمدَّعَى عليه:

1- القضايا التي يستجلب الميل فيها أعلى اهتمام وحزم هي:

المدَّعِي

المدَّعَى عليه

مركزه الاجتماعي عالٍ.

مركزه الاجتماعي متدنٍ.

مشاركته الاجتماعية مرتفعة.

مشاركته الاجتماعية منخفضة.

ثقافته سائدة.

ثقافته مسودة.

منشأة إدارية كبيرة.

فرد

العرق السائد

أقلية عرقية

المسافة بينه وبين الداعمين بعيدة.

المسافة بينه وبين الداعمين قريبة.

 

2- القضايا التي يستجلب الميل فيها اهتماماً وحزماً عالييْن لكنه أقل من الأول:

المدَّعِي

المدَّعىَ عليه

مركزه الاجتماعي عالٍ.

مركزه الاجتماعي عالٍ.

مشاركته الاجتماعية مرتفعة.

مشاركته الاجتماعية عالية.

ثقافته سائدة.

ثقافته سائدة.

العرق السائد

العرقية السائد

المسافة بين المدعِي والداعمين له هي نفسها المسافة بين المدعَى عليه والداعمين له

 

3- القضايا التي يستجلب الميل فيها اهتماماً متوسطاً:

المدَّعي

المدَّعىَ عليه

مركزه الاجتماعي متدنٍ.

مركزه الاجتماعي متدنٍ.

مشاركته الاجتماعية منخفضة.

مشاركته الاجتماعية منخفضة.

ثقافته مسودة.

ثقافته مسودة.

المسافة بينه وبين الداعمين له قريبة.

المسافة بينه وبين الداعمين له قريبة.

 

4- القضايا التي يستجلب فيها الميل اهتماماً ضعيفاً:

المدعِي

المدعَى عليه

مركز اجتماعي متدنٍ.

مركز اجتماعي عالٍ.

مشاركة اجتماعية منخفضة.

مشاركة اجتماعية عالية.

ثقافة مسودة

ثقافة سائدة.

أقلية عرقية

العرق السائد

المسافة بينه وبين الداعمين له قريبة.

المسافة بينه والداعمين له بعيدة.

 

ومن المهم إدراك أن هذه الظاهرة الطبيعية التي لا يمكن الاحتراز التام من تأثيرها يجب أن لا تستخدم كعذر أو تبرير للحيف ومعاملة الخصوم بطريقة غير متساوية، فالمقصود من هذه العمل إدراك ثلاثة أمور لضمان عدالة القاضي وهي:

أولاً: أن التأثير على القاضي حاصل لا محالة.

ثانياً: أنه لا بدَّ للقاضي من التعرف على نوع التأثير واتجاهه ومقداره.

ثالثاً: أنه لا بدَّ للقاضي من اتخاذ إجراء تصحيحي للتعامل مع المؤثرات الخارجية وإن لم يستطع، فليستعفِ من نظر القضية.

 

الدلالات والتوصيات لعلم اجتماع القانون (القضاء):

لأنَّ علمَ اجتماع القانون علم تجريبي (إمبيريقي) بكل ما يتضمنه ويتطلبه هذا المفهوم، تجده يقتصر بطبيعة الحال على ما يمكن ملاحظته، وعلى جمع المعلومات الميدانية الواقعية عن ومن ممارسة القانون، أي بعبارة أخرى القانون كما يمارس ويطبق؛ ومعنى هذا بوضوح أنه لا يستطيع التعرض بأي حال من الأحوال لقضايا أخلاقية وقيمية مثل: كيف ينبغي أن يكون القانون؟ أو ما العدالة؟ فالقضايا القيمية والأخلاقية تمثل ما يجب أن يكون، وليس ما هو كائن بالفعل؛ لذا فهي غير قابلة للقياس كعمل ميداني واقعي، ولكن مع هذا تُمثل النظرية التي عرضت في الصفحات السابقة تقدماً ملحوظاً في دراسة القانون والتقاضي وفهمهما، ليس فقط من منظور القائمين عليه والممارسين له، بل وكذلك من منظور المواطنين العاديين والمهتمين بالعدالة والقضاء. فهي إذ تلقي الضوء على كثير من التطورات الغامضة القديمة لممارسة القانون وتثير تساؤلات جديدة ذات دلالات فائقة الأهمية، وفيما يلي نشير إلى بعض من هذه الدلالات والآثار:

 

الأول: الآثار القضائية:

أ- ثمة مفاهيم وقضايا كثيرة كانت تؤخذ من فقه القانون التقليدي وفلسفته، وكأنها أمور مفروغ منها، ولكنها أصبحت من المسائل[51]في النظرية الحديثة؛ منها على سبيل المثال:

أ – التقدير والاجتهاد: قد يُرى الاجتهاد على أنه حرية التصرف باستخدام السلطة التقديرية التي يتمتع بها القائم على القضاء للحكم حسب استنباطه، دون الأخذ في الحسبان تأثير الآخرين وإدراكه في التطبيق العملي للأحكام والقانون، وهذا كما هو واضح من أهم مصادر الإبهام وعدم قابلية التنبؤ أو ضعف صدق التوقع لمآل التقاضي لو ترك على عواهنه بصفته حرية شخصية دون اعتبار مصادر التأثير على عملية التقاضي وحساب تأثيرها في تقويم أداء القاضي، والنظرية الجديدة التي عُرضت في أثناء هذا العلم ترفض هذا التصور وتنظر إلى المؤثرات على عملية التقاضي على أنها أمور قابلة للقياس والتقدير؛ لذا فالمؤثرات مجرد مرحلة عارضة لابد من استبعاد أثرها وأن النتائج الصادرة عن عملية التقاضي ظاهرة قابلة للتنبؤ والتوقع في ضوء معطيات ومنطلق النظرية الجديدة[52]، وقابلة لأن تستخدم في تقويم أداء القاضي.

 

ب- التفرقة: المقصود من التفرقة الانحياز الذي يحدث خللاً في وحدة التقاضي، أو في تطبيق القانون والخروج عن مفاده ومقصوده، الأمر الذي يعد شائعاً في معظم الأنظمة والممارسات القضائية وعلى مستوى العالم، ولكن النظرية التي سبق ذكرها لا تأخذ ذلك كأمر مفروغ منه لا يمكن عمل شيء إزاءه، وإنما تنظر له كظاهرة عادية قابلة للدراسة والتجزئة إلى مكوناتها الميدانية الواقعية؛ لذا فهي مسألة قابلة للدراسة والعلاج[53].

 

ج- الفرد الرشيد: هذا فردٌ افتراضي أي صورة مثالية للقاضي، وبخصوصيات مثالية افتراضية لا توجد إلاَّ في الصورة المثالية التي يصنعها النظام أو القانون؛ لذا فهو يبني عليها كثيراً من التصورات والأحكام وكأن الرشد بصورته المثالية حالة ثابتة متى وصل إليها القاضي يسير بموجبها كل الوقت وبجميع الأحوال ولا يفقدها أبداً.

 

والنظرية المعنية التي نحن بصددها تُخالف هذا التصور القالبي؛ وتأخذ مفهوم الرشد والتكليف كمسألة نسبية تتغير وتختلف في المضمون من حالة وبيئة اجتماعية وثقافية إلى أخرى ومن شخص إلى آخر[54].

 

الثاني: الآثار والدلالات الأخلاقية:

وبصفته علماً واقعياً ميدانياً فإنَّ وظيفةَ علمِ اجتماع القانون هي أن يكتشف موضوعياً: ما هي حقيقة الواقع الممارس، فلا يمكن إدارة مرفق القضاء بكفاءة وفاعلية دون معرفة الواقع الممارس؛ لذا فعلم اجتماع القضاء أو القانون يعدُّ من الوسائل المهمة لإدارة مرفق القضاء التي قد تكشف عن جوانب غير مرغوبة، فيظهرها ويوضحها بحيث تصبح قابلة للحل، وهذا لابدَّ فيه من الاعتماد على الجانب العلمي في جمع البيانات والوصول إلى المعلومات وتحليلها، ويجب معه الاحتراز الشديد من التعامل الصحفي الإعلامي مع هذه الظاهرة، وعدم البناء على ما يذكر فيها، فالصحافة والإعلام مهما كانت دقيقة وهي غير ذلك، ومهما حسنت نوايا العاملين فيها وليسوا كلهم كذلك تعدُّ جزءاً من المشكلة لما أنها تمثل أحد أقوى وسائل التأثير السلبي على القضاء، وما هذا البحث وأمثاله إلا لحماية القضاء والقضاة من الوقوع تحت هذه المؤثرات، كما أن الاكتشاف العلمي للمؤثرات في المقابل يجب أن يتعامل مع مشكلات القضاء ودلالاتها الأخلاقية، ودون اعتناء لما تعكسه تلك الاكتشافات عن واقع المجتمع وما يوجد فيه من التناقضات أو ما تعنيه تلك الاكتشافات، وما تدل عليه. ومن الأمثلة على ذلك واقع الولايات المتحدة الأمريكية، حيث المساواة أمام القانون دون اعتبار للدين والعرق والانتماءات الاجتماعية تعد من أهم القيم الأساسية، إلاَّ أنها تتعارض جذرياً مع الواقع الممارس للقانون، والحقيقة أن واقع المجتمع الأمريكي المعاصر أشبه بالمجتمع الروماني القديم، حيث كانت التفرقة على أساس الجنس والثروة والعرق أمراً مشروعاً مقبولاً ومسَلماً به، فالواقع مختلف عن الصورة المثالية للقانون في المجتمع الأمريكي كما يصورها دستورها الاتحادي (الفيدرالي) المعروف الذي ينادي بمساواة الجميع أمام القانون.

 

وغني عن القول: إن هذا التناقض ليس خاصاً بمجتمع دون غيره، فجميع المجتمعات على اختلاف ألوانها وأديانها وبيئاتها لديها النصيب الوافر من هذه التناقضات، بل إنَّ المجتمع الذي يكون تصوره للمثالي أقرب للكمال أو تكون الصورة المثالية لما يجب أن يكون عليه الأمر مفصلة بوضوح كما هو الحال عند من يحتكم لشرع الله، كلما كانت الفرصة متاحة لوجود تناقضات أكبر على أرض الواقع، فكلما زاد تنظيم الدين لجميع مفردات الحياة، زاد احتمال أن يقع المكلف في المخالفة؛ لذا نجد أن سنة الله عزَّ وجلَّ تقتضي أن يقع المسلم في المعصية فيستغفر ثم يتوب، وإن هذه الخاصية هي أقرب ما يكون الواقع إلى ما يجب أن يكون عليه حسب الصورة المثالية: عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم، ولجاء بقومٍ يذنبون فيستغفرون الله فيغفر لهم"[55]والمهم في هذا المجال هو الإشارة إلى الدور الذي يمكن أن يؤديه علم اجتماع القانون، وذلك بدراسة الحالات المختلفة للفجوة المشار إليها ورصد تفاصيل مجالاتها وأسبابها والنتائج المترتبة عليها بصرف النظر عن دلالاتها الأخلاقية والسياسية[56]، فهو بمثابة الأداة التي توصل إلى علم الواقع قبل إصدار حكم قيمي عليه.

 

الثالث: الآثار العـمـلـية:

يمثل علم اجتماع القانون أداة مفيدة ووسيلة مؤثرة للذين يهدفون إلى إصلاح الأنظمة القضائية أو التصرف فيها، وعلى العكس من السابق حيث كان الداعون إلى إصلاح الأنظمة القضائية وحتى المناضلون من أجلها، ينظرون إلى الواقع من خلال بروج عاجية بعيدة عن عالم التجربة، فيجعلون -على سبيل المثال- عدم التقنين المُلْزِم هو السبب الوحيد لاختلاف القضاة في الحكم على القضايا المتشابهة، وفاتهم أن الاختلاف موجود تاريخياً مع وجود التقنين، ومصاحب له، ويزيد بزيادته، ولأجل ذلك فإن علم اجتماع القانون -كما سبق عرضه- يأتي كسلاح لطيف في يد دعاة الحقوق المدنية والإصلاحات، وكل من أراد أن يبني إصلاحه على الواقع المعاش والحقائق الثابتة، وليست القضايا المثالية التي ربما لا يكون لها صور واقعية؛ لذا فعلم اجتماع القانون يمثل أداة مفيدة ووسيلة مؤثرة لإصلاح الأنظمة القضائية، وتقويم النظر القضائي، وهذه الأداة على عكس ما كان عليه الأمر في السابق في علم اجتماع القانون، حيث كان دعاة الإصلاح ينادون بأفكار جيدة الصياغة ولكن غير قابلة للتطبيق لعدم وجود أدوات وإجراءات تطبيقية عملية، بينما علم اجتماع القانون في مرحلته الحالية يأتي بأدوات تضبط وتقيس جانبي الممارسة والتطبيق. وتتميز هذه الأدوات بأنها لا تتطلب تدخلاً في عمل القاضي، فجميع المعلومات التي يتطلبها تقويم أداء القاضي والنظر القضائي يمكن إدخالها في إجراءات التقاضي، بحيث تُرصد وتُجمع ثم تُعالج دون سؤال القاضي أو معاونيه أو مراقبتهم من قبل مفتشين قضائيين؛ لذا فالفوائد العملية تحصل دون أن تتطلب رضا العاملين أو المتعاملين مع القضاء لِما أن العملية بكاملها تتم بتلقائية وعفوية لا يشعر معها المراَقَبُ بالرقابة مما يتيح له كامل المجال في التركيز على العمل المناط به والتفرغ له.

 

وعلى العكس من استنتاجات علم اجتماع المعرفة -على سبيل المثال- حيث تحقيق الفوائد العملية يعتمد على قبول الأطراف المعنية لتلك النتائج، فإن استنتاجات علم اجتماع القانون والتناقض البارز بين المثالي المجمع عليه والواقع الحالي الذي يماط اللثام عنه لا يترك مجالاً أمام أحد ويواجه الجميع بالحقائق المُرة التي قد تُخل بسلامة المجتمع المدني؛ على أقل تقدير.

 

ومن المجالات العملية التي تعطي المواجهة المذكورة دوراً ملحوظاً وعلى سبيل المثال، أعمال المحاكم اليومية[57]، من أولى وأخص خطواتها وقراراتها مثل طريقة تسليم القضايا إلى القضاة وإحالتها إليهم، وطريقة النظر القضائي، وطريقة اختيار التعامل مع المحامين، وغير ذلك كثير، جميعها تقابل الطريقة المثالية في المواجهة.

 

الرؤى المستقبلية:

وبالإضافة إلى كل هذا فإن ثمة قضايا حول الرؤى المستقبلية والإصلاحات القضائية بعيدة المدى التي تجد في علم الاجتماع خير سلاح له وأنفعه وأكفأه[58].

 

وتفصيلاً لما قيل، يقترح (بلاك) عدداً من الخطوات يعتقد أنها مفيدة لضمان سلامة عملية التقاضي وهي:

أ – إنشاء جهاز - مثل مركز أبحاث أو إدارة مراقبة - يصمم خصيصاً ليساعد كل عامل يعاني من الآثار السلبية للعملية الاجتماعية في المؤسسة القضائية.

ب- تقليل المعلومات الاجتماعية الداخلة في العملية القضائية أو الموجودة فيها، والتي ليست جزءاً من التقاضي، ولها أثر سلبي عليه.

ج- التعرف على الأسباب والضغوط الاجتماعية الدافعة للحيف في القضاء، ومن ثم رفعها أو تقليل أثرها قدر الإمكان.

د- التقليل من استخدام القانون والنظام كوسيلة اجتماعية للضبط الاجتماعي، وتشجيع الوسائل الاجتماعية الأخرى.

 

فهو يشير إلى أن التطرف في الاعتماد على القوانين في الضبط الاجتماعي، ومن مؤسساته القضاء الذي تستخدم فيه القوانين بكثرة سيزيد الطين بِلة، فالقوانين لن تطبق نفسها وسيطبقها بشر يعتريهم ما يعتري غيرهم من النقص، وجميع ذلك سيتيح فرصة أكبر للتأثير على العملية القضائية، فكلما كثر الاعتماد على القوانين، وجد الناس فرصة لإدخال شخصياتهم وثقافتهم ومصالحهم في تطبيقها، وأدى ذلك إلى نتائج سلبية.

 

وفي هذه التوصيات دعوى و تنبيه إلى ضرورة عدم الزيادة عن الحد أو التطرف في استخدام التظلم القضائي والغلو فيه، بحيث يصبح إحدى وسائل الإضرار، ويكون على حساب التظلم الولائي الذي يجب أن يتاح على أوسع نطاق، بحيث لا يلجأ إلى التظلم القضائي إلاَّ المضطر له. ففي ذلك تخفيف على الناس وتسريع لرفع النزاع وتقليل لتكلفته، حيث يناديبالتقليل من استخدام القانون كوسيلة للضبط الاجتماعي)، مع ذلك فالباحث لا يزال يعتقد أن القانون من أفضل الوسائل للضبط الاجتماعي ولكن بالدرجة الثانية بحيث لا يأتي ضبط المجتمع بالقوانين إلا عندما يقل تدين الناس و تفشل العادات والأعراف المجتمعية في ضبط سلوك أفراد المجتمع، عندها يزع الله بالسلطان ما لا يزع بالقرآن وهذا قد يكون محل اتفاق بين علماء القانون و علماء الاجتماع والاختلاف فقط في كمية الأنظمة المستخدمة من جهة وفي طبيعة الأنظمة المستخدمة من الجهة الأخرى فالأصل لضمان أعلى درجة من الحريات المشروعة التي ليس فيها ما يخالف شرع الله هو أن لا تقيد، لأجل ذلك فلا اختلاف في مبدأ استخدام الأنظمة للضبط الاجتماعي وهي محل اتفاق.

 

يجدر التنويه إلى أن الجهات المختصة قد بدأت بالفعل تطبيق هذه التوصيات فعلى سبيل المثال في العام 1428 هـ جاء في خطة تطوير المعهد العالي للقضاء الآتي: استحداث وكالة القياس والتقويم والاعتماد الأكاديمي تكون من مهماتها:

1- إجراء دراسات مسحية سنوية تدرس وضع القضاء والقضاة والتقاضي.

2- قياس الرضا الوظيفي؛ وتلمس جميع أوجه النقص، وطرح ما يتوصل إليه من نتائج ورفعه إلى جهات الاختصاص لدراسته والبت فيما يحتاج إلى ذلك.

3- تصميم الدورات بالتـنسيق مع الجهات ذات الاختصاص، وتحديد الهدف من كل دورة، وقياس مدى فاعليتها.

4- تصميم اختبارات الملاءمة المهنية والوظيفية واختبارات التأهيل للمرشحين للالتحاق بسلك القضاء وإجراؤها بالتـنسيق مع الجهات ذات الاختصاص.

5- استيفاء الجوانب النظامية، وأخذ الموافقات اللازمة فيما يستدعي موافقات نظامية وإدارية للبرامج التي يعقدها المعهد، ومتابعة ذلك.

6- تصميم برامج المعادلة، و الاعتماد الأكاديمي لبرامج المعهد العلمية والمهنية.

 

ومنذ تدشين مشروع الخطة الإستراتيجية لتطوير مرفق القضاء (العام 1430هـ) إلى الوقت الحالي والعمل جارٍ في كلا محوري الموارد البشرية والثقافة العدلية على تعزيز التطوير المهاري والنمو المهني ومتطلبات الثقافة العدلية لدى منسوبي القضاء وبخاصة المتعلقة بأخلاقيات المهنة ورفع مستوى الوعي المجتمعي وتعزيز الصورة الذهنية، وجميع ذلك قوامه النظام الاجتماعي للتقاضي وليس الأنظمة أو التعليمات أو الإجراءات الإدارية.

 

وفي العام 1430 هـ عقد المجلس الأعلى للقضاء ورشة عمل تتعلق بمعايير اختيار القضاة والملتقى الأول لتأهيل القضاة والتي كانت أحد محاور النقاش الجوانب الاجتماعية المؤثرة في عملية التقاضي واعتماد الإدارة الإستراتيجية والتدريب العالي وتحسين المدخلات لتحسين كفاءة وفاعلية القضاة والقضاء كأسلوب حديث في إدارة مرفق القضاء بالمقارنة مع الأسلوب السابق الذي يعتمد على الأنظمة والتعليمات في إدارة مرفق القضاء

 

وجاء في القرار الإداري للمجلس الأعلى للقضاء رقم: (10456/30 ) وتاريخ: 28/11/1430هـ، بناءً على توصيات ورشة العمل التي عقدت حول معايير اختيار القضاة وترشيحهم المتضمنة إعداد معايير للاعتماد الوظيفي القضائي، تأليف لجنة في المجلس الأعلى للقضاء لإعداد معايير للاعتماد الوظيفي القضائي، على أن تقدم اللجنة توصياتها خلال مدة أقصاها ستة أشهر من تاريخه، وجعلت لها الاستعانة بمن تراه من الخبراء والمختصين في مجال التخصص ولها عقد ما يتطلبه إعداد المعايير من ورش عمل وحلقات نقاش.

 

وحاصل الأمر:

أن الواقع المعاش مع جميع متغيراته السريعة يظهر بوضوح محاولات التأثير على القضاة من جهة عبر عمليات الغرس الثقافي في الإعلام المرئي الذي يحاول تعويد العامة على سماع رأي معين عن القضاء ومن الجهة الأخرى عبر عمليات ترتيب الأولويات التي يمارسها الإعلام المكتوب الذي يوفر معلومات كثيرة وغير دقيقة لخدمة صورة ذهنية معينه عن القضاء فيجري تصديقها من قبل العامة وإعطائها قيمه أكبر من حجمها الحقيقي، وجميع ذلك قوامة توجيه المجتمع للتأثير على القضاء بوسائل وأدوات اجتماعية؛ لأجل ذلك فالغيور على تطبيق الشريعة لا بد له من العناية بتأهيل القضاة التأهيل المناسب للتعامل مع هذه النازلة الجديدة وعلم اجتماع القانون يعدُّ الحقل المعرفي المناسب الذي إذا جرى تكييفه بما ليس فيه مخالفة لشرع الله، فإنه سيعود بمنافع كثيرة وطويلة المدى على القضاة والعمل القضائي.

 

هذا ما لزم بيانه وتيسر إيراده، أسأل الله أن أكون قد وُفِقت، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

قائمة مراجع البحث

أولاً: المراجع العربية

أ ـ الكتب العلمية:

1- ابن حجر العسقلاني، أحمد بن علي:(1379هـ) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، تحقيق: عبدالعزيز بن عبد الله بن باز، استقصاء وترقيم: محمد فؤاد عبد الباقي، إخراج وتصحيح: محب الدين الخطيب، دمشق: دار الفكر، 7/409 و13/251.

2- ابن خلدون، عبد الرحمن:(د.ت.ن.) مقدمة ابن خلدون، حققها ومهد لها: على عبدالواحد وافي، الطبعة الثالثة، القاهرة: دار مصر للطباعة والنشر، 2/ 628.

3- أبو زهرة، محمد: (د. ت. ن.) الجريمة والعقوبة في الفقه الإسلامي، طبعة 1، القاهرة: دار الفكر العربي، ص: 9.

4- ابن تيمية، أحمد بن عبدالحليم: (1369هـ) اقتضاء الصراط المستقيم: مخالفة أصحاب الجحيم، تحقيق: محمد حامد الفقي، طبعة 2، القاهرة: مطبعة السنة المحمدية.

5- ابن كثير، أبي الفداء إسماعيل: البداية والنهاية: عناية وتوثيق عبدالرحمن اللادقاني ومحمد غازي بيضون، الطبعة 6، بيروت: دار المعرفة، 1/261.

6- ابن قيم الجوزية، شمس الدين أبو عبد الله بن أبي بكر: (1397هـ - 1977م) إعلام الموقعين عن رب العالمين، تحقيق:محي الدين محمد عبدالحميد، الطبعة الثانية، بيروت: دار الفكر، 1/58 - 86

7- آل سعود، عبدالعزيز بن سطام: (1426هـ - 2005) اتخاذ القرار بالمصلحة، الرياض: جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 2/ 622.

8- الحاكم، محمد بن عبدالله النيسابوري (د. ت. ن) المستدرك على الصحيحين، طبعة الهند، تصوير دار المعرفة، بيروت، 5 مجلدات.

9- آل خنين، عبدالله بن محمد: ( 1423 – 2003م ) توصيف الأقضية في الشريعة الإسلامية، جزء 2.

10- بدوي، عبد الرحمن: (1984م) موسوعة الفلسفة، الطبعة الأولى، بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، جزء1 صفحة 183 - 186، وجزء2 صفحة 113 – 116.

11- بعض طلاب العلم وإشراف ومراجعة صالح بن عبد العزيز آل الشيخ: 1420هـ - 1990م موسوعة الحديث (الصحيحان والسنن)، الرياض: دار السلام للنشر والتوزيع.

12- الجواهري، عبدالهادي: (1980م) قاموس علم الاجتماع، الطبعة الأولى، القاهرة: مكتبة نهضة الشرق.

13- الخشاب، مصطفى:1984م، علم الاجتماع ومدارسه، الكتاب الأول، الطبعة الأولى، القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية.

14- السجستاني، أبو داود سليمان بن الأشعث:1493هـ، سنن أبي داود، إعداد وتعليق: عزت عبيد الدعاس وعادل السيد، طبعة 1، حمص: دار الحديث، 5 مجلدات.

15- الشاطبي، إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي:الاعتصام (1417هـ - 1997م، السعودية: الخبر، دار ابن لقمان، جزء أول، ص: 125).

16- ابن عبدالسلام، عبدالعزيز بن عبدالسلام بن أبي القاسم:القواعد الكبرى، الموسوم بقواعد الأحكام في إصلاح الأنام، تحقيق: نزيه حماد وعثمان ضميرية، الطبعة الأولى، دمشق: دار القلم، 1421هـ – 2000م، ج 2، ص: 91.

17- الغزالي، أبو حامد محمد بن محمد بن محمد:المستصفى في أصول الفقه، الطبعة الأولى، تحقيق: حمزة زهير حافظ، المدينة المنورة: شركة المدينة المنورة للطباعة والنشر، دون تاريخ نشر، ص: 76، وانظر: القواعد للمقري، ج1، ص: 242.

18- غيث، محمد عاطف:تحرير ومراجعة، وآخرون، إعداد المادة العلمية، قاموس علم الاجتماع، الطبعة الأولى، الإسكندرية: دار المعرفة الجامعية، (د، ت، ن.)

19- القشيري، مسلم ابن الحجاج: (1412هـ) صحيح مسلم، تحقيق وتعليق: محمد فؤاد عبدالباقي، طبعة أولى، القاهرة: دار الحديث، 5 مجلدات.

20- مان، ميشيل: (1414هـ -1994م) موسوعة العلوم الاجتماعية، ترجمة: الهواري، عادل مختار ومصلوح، سعد عبدالعزيز، الطبعة الأولى، بيروت.

 

ب ـ تقارير:

1 ـ الجربوع، أيوب بن منصور، والعيسى، فهد بن محمد، والفراج، يوسف بن عبد العزيز، والضبعان محمد بن أحمد (1427هـ ـ 2007م) البيئة العدلية ومتطلبات التنمية الاقتصادية، دراسة (غير منشورة) قدمت لمنتدى الرياض الاقتصادي، الرياض.

2 ـ جوهانسون، جوليان (1431هـ) ورقة العمل الثانية:التدريب القضائي: الممارسة وقياس الانعكاسات (غير منشور)، لورش العمل المصاحبة للملتقى الأول "تأهيل القضاة.. رؤية مستقبلية" الرياض: فندق الفيصلية 11- 12 /صفر /1431هـ الموافق 26 – 27 /يناير /2010م

3 ـ الحصين، صالح بن عبد الرحمن (معالي) (1431هـ ـ 2010م) ورقة العمل الأولى: التدريب القضائي: الممارسة وقياس الانعكاسات (غير منشور)، لورش العمل المصاحبة للملتقى الأول "تأهيل القضاة.. رؤية مستقبلية"، الرياض:  فندق الفيصلية 11- 12 /صفر /1431هـ الموافق 26 – 27 /يناير /2010م.

4 ـ المملكة العربية السعودية: وزارة العدل (1424هـ ) تقرير (غير منشور) مقدم إلى اللجنة الوزارية الفرعية للجنة الوزارية للتنظيم الإداري (من اللجنة التحضيرية) بعنوان: دراسة قطاع القضاء والتحقيق وفض المنازعات، الرياض.

5 ـ المملكة العربية السعودية:وزارة العدل (1430هـ ) مشروع الخطة الإستراتيجية لتطوير مرفق القضاء والتوثيق في المملكة العربية السعودية، ورشة العمل التخصصية (عرض لمسيرة المشروع وأهم منجزاته) (غيرمنشور)، الرياض.

6ـ المملكة العربية السعودية: المجلس الأعلى للقضاء (1430 هـ) ورشة العمل الثانية للمجلس الأعلى للقضاء: معايير اختيار القضاة، 14ـ6ـ1430 هـ الرياض.

 

ثانيًا: المراجع الأجنبية:

1- BaumgartnerM.P. (Editor), (1999), the Social Organization of Law, 2nd. Edition, USA: California: Academic Press (A division of Harcourt & Brace Company) P.8 (1997) “The Myth of Discretion” in Keith Hawkins. Ed. The Use of Discretion, Oxford University Press.

2- Black, Donald:(1976)The Behavior of Law, New York Academic Press. -Black, Donald, (1989) Sociological Justice, 1st.Edition, UK: Oxford: Oxford University Press.

3- Boudon Raymond & Francois, A CRITICAL DICTIONARY OF SOCIOLOGY, selected &translated by Peter Hamilton, Routledg 1989, London, P: 134

4- Lieter, Brian(2003)”American Legal Realism” in Blackwell Guide to Philosophy of Law and Legal Theory, (w.Edmondson & M. Gelding, Eds.)

5- Gluckman, Max(1967)The Judicial Process among the Barotes of Northern Rhodesia, 2nd.ed.

6- Green, Michael Steven(2005)Legal Realism as Theory of Law, 46 William& Mary Law Review (1915).

7- LaFree, Gary(1980)”The Effect of Social Stratification by Race on Official Reaction to Rape “American Sociological Review, Vol.45.pp.842 – 854.

8- Marx Karl:(1970)Scandinavian Realism, IN Juridical Review. Economic and philosophic, Manuscript in Gould & Kolb, p 19 in 1844, London: Lowrence & Wishart, 1959, pp: 67 – 84.

9- Moore ,Wilbert E. (1963) But Some Are More Equal Than Others, USA: American Sociological Association, P.P. 1-18.

10- Stephen P. Robbins, (2003) Decide & Conquer: Make Winning and take control of you life. 1st printing, USA, New Jersey: Prentice Hall, P. P. 3-4

11- Simon, Herbert A.(1979), Models of Thought, New York and London: Yale University Press, P7

12- Suhultz, Walter J.The moral conditions of Economic Efficiency and Law, P.12.



[1] Stephen P. Robbins, (2003) Decide & Conquer: Make Winning and take control of Your life. 1st printing, USA, New Jersey: Prentice Hall, P. P. 3-4.

[2] كل إنسان لديه فروق بين السلوك الأمثل حسب اعتقاده، وبين السلوك الواقع حسب عمله؛ الأمر الذي يُحدث ثنائية مسلكية في جميع مظاهر الحياة العادية واليومية، وهي أمر جبليُّ طبيعي وما دامت الفروق يسيرة ويمكن عزوها إلى اختلاف القدرات والفرص لا اختلاف الرغبات أو الشهوات المشروعة، وهذه الثنائية موجودة في كل عمل إنساني، وفي كل ظاهرة اجتماعية، ويتعرض لها الإنسان في مختلف مظاهر حياته اليومية.

[3] من النظريات في اتخاذ القرار نظرية (الخيار الرشيد) والتي تقتضي أن يكون لدى متخذ القرار المقدرة التامة على اتخاذه؛ لذا فهو رشيد في تصرفاته وهذا الاعتقاد مبني على نظرية الرجل الاقتصادي وهي: تفترض مسلَّمة عن (الرجل الاقتصادي) بأنه في سياق كونه اقتصادياً فهو أيضاً (عقلاني) فهو وفق هذه النظرية يمتلك معرفة تامة وقدرة كاملة على استخدام هذه العقلانية والمعرفة لجعل كل قراراته رشيدة.

Simon, Herbert A.(1979),Models of Thought ,New York and London: Yale University Press,P7

[4] ابن عبدالسلام، عبدالعزيز بن عبدالسلام بن أبي القاسم، القواعد الكبرى، الموسوم بقواعد الأحكام في إصلاح الأنام، تحقيق: نزيه حماد وعثمان ضميرية، الطبعة الأولى، دمشق: دار القلم، 1421هـ – 2000م، ج 2، ص: 91.

[5] رواه البخاري "كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة"، باب الاقتداء سنن رسول الله "13/251" مع فتح الباري رقم "7288". ومسلم "2/975" رقم "1337" كتاب الحج، باب فرض الحج مرةً في العمر.

[6] قانون المراحل الثلاث: Three Stages يقول أوجست كونت: إنه انتهى من دراسته للديناميك الاجتماعي، أي للناحية المتعلقة بالتطور إلى الكشف عن قانون عام سماه (قانون المراحل الثلاث)، وملخصه: أن العقل الإنساني أو التفكير الإنساني قد انتقل في إدراكه لكل فرع من فروع المعرفة من الدور الأول: البيولوجي الديني اللاهوتي إلى الدور الثاني: الميتافيزيقي الفلسفي، وأخيراً إلى الدور الثالث: الوضعي أو العلمي.(الخشاب، مصطفى، علم الاجتماع ومدارسه، الكتاب الأول، 1984م، ص: 220).

[7] Karl, Marx, Economic and Philosophic Manuscript in Gould & Kolb, P: 19, in 1844, London: Lawrence & Wish art, 1959, PP: 67 – 84.

[8] إمبيريقية Empiricism: يعني مفهوم إمبيريقي في علم الاجتماع ما يعنيه مفهوم تجريبي في مقابل مفهومي تحليلي ونظري، ويستعمل غالباً للتعبير عن الدراسة الميدانية التي تختلف عن الدراسة المكتبية، وله معنيان: المعنى العملي التجريبي، والمعنى العملي الذي ينظر إلى العالم نظرة حقيقية عند دراسة الأشياء وفحصها، ويكون مدعوماً بالإحصائيات والأدلة التوضيحية الأخرى، (الجوهري، عبدالهادي، 1980م، قاموس علم الاجتماع، ص: 28).

[9] Boudon Raymond & Francois, A CRITICAL DICTIONARY OF SOCIOLOGY, selected &translated by Peter Hamilton, Routledg 1989 , London,P:134.

[10] للبيروقراطية استخدامات سياسية واجتماعية واسعة خرجت بالمعنى عن المقصود به من قبل ماكس فيبر وهو : أن للبيروقراطية سمات محددة ومنظمة هي على سبيل الإجمال تصف موظفاً معيناً في هيكل هرمي السلطة ويشرف عليه رئيس يوجهه ويراقب أداءه ومدى كفاءته في القيام بالعمل المحدد وفق التعليمات الصادرة من جهة الإدارة وذلك باعتبار أن الوظيفة عيِّن عليها بموجب قدراته ومهارته الشخصية وليس بناء على علاقاته أو قرابته الأسرية –الواسطة-.

[11] المقصود بالمتغيرات المستقلة Independent Variables: دخل مفهوم المتغيرات المستقلة في البحوث الاجتماعية محل مفهوم العامل الذي يمثل السبب في تفسير الظاهرة، وكلمة متغير تعني الشيء غير الثابت الذي لا يستقر على حال، فالمتغير المستقل يعني السبب، والمفهوم الآخر هو المتغير التابع أو المعتمد Dependent Variables يمثل النتيجة أو النتائج.

[12] LaFree, Gary (1980) the Effect of Social Stratification on Oficial Reafion to rapem, American sociological review vol, 45, PP 842 – 854. 2003, Green. 2005. Mac Cormack.

[13] Lieter, 1996.P.50.

[14] البحث الأنتروبولوجي Anthropological Research: كلمة أنثروبولوجيا تعني (علم الإنسان) فالبحوث الأنثروبولوجية هي التي تدرس الإنسان من منطلقات متعددة، وتتضمن أنواعاً من الدراسات:

1- التطور البيولوجي والثقافي للإنسان.

2- العلاقات البيولوجية بين المجتمعات المعاصرة.

3- المبادئ التي تحكم العلاقات الإنسانية في كل المجتمعات.

وقد تعددت في الوقت الحاضر فروع الأنثروبولوجيا.

انظر: الجوهري، عبدالهادي، (1980م)، قاموس علم الاجتماع، صفحة 32.

[15] Black, Donald, (1976) The Behavior of Law, New York Academic Press.P.2-6.

[16] Black, 1976.P.2-6.

[17] العوامل أو المتغيرات الدخيلة أو الوسيطة هي التي تنقل أثر المتغير المستقل (السبب) إلى المتغير التابع (النتيجة) ومثاله في العمل القضائي: وقائع القضية (أسباب، )، حالة القاضي النفسية والصحية وعلاقاته الاجتماعية (متغيرات وسيطة، )، الحكم (متغير تابع) أو نتيجة.

[18] ابن حجر العسقلاني، أحمد بن علي، (1379هـ) فتح الباري بشرح صحيح البخاري، تحقيق: عبد العزيز بن عبدالله بن باز، استقصاء وترقيم: محمد فؤاد عبد الباقي، إخراج وتصحيح: محب الدين الخطيب، دمشق: دار الفكر، 7/409.

[19] انظر: شلبي، محمد مصطفى، تعليل الأحكام: عرض وتحليل لطريقة التحليل وتطوراتها في عصر الاجتهاد والتقليد، الطبعة الثانية، بيروت: دار النهضة العربية، 1401هـ - 1981م، ص: 280.

[20] الشاطبي، إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي، الاعتصام (1417هـ - 1997م، السعودية: الخبر، دار ابن لقمان، جزء أول، ص: 125).

[21] المعمول به في المملكة العربية السعودية أن الحق العام لا يسقط بإسقاط الحق الخاص، وأن ترك الحق العام منوط بالادعاء في الأصل مع بقاء حق التعزير للقاضي ناظر القضية و قد ورد إجماع الفقهاء على ذلك.

[22] Baumgartner M.P. (Editor), (1999), the Social Organization of Law, 2nd. Edition ,USA: California: Academic Press (A division of Harcourt & Brace Company) P.8.

[23] قال الصنعاني (1182هـ) في كتابه سبل السلام: إن في قصة الزبير مسألتين؛ الأولى: في أحكام الصلح وهو أن وضعه مشروط فيه المراضاة لقوله جائز أي أنه ليس بحكم لازم يقضي به وإن لم يرض به الخصم وهو جائز أيضاً بين غير المسلمين من الكفار فتعتبر أحكام الصلح بينهم وإنما خص المسلمين بالذكر لأنهم المعتبرون في الخطاب المنقادون لأحكام السنة والكتاب وظاهره عموم صحة الصلح سواءً أكان قبل اتضاح الحق للخصم أم بعده، ويدل للأول قصة الزبير والأنصاري فإنه صلى الله عليه وسلم لم يكن قد أبان الزبير ما استحقه وأمره أن يأخذ بعض ما يستحقه على جهة الإصلاح، فلما لم يقبل الأنصاري الصلح وطلب الحق أبان رسول الله صلى الله عليه وسلم للزبير قدر ما يستحقه كذا قال الشارح، والثابت أن هذا ليس من الصلح مع الإنكار، بل من الصلح مع سكوت المدعى عليه وهي مسألة مستقلة، وذلك لأن الزبير لم يكن عالماً الفراش الذي له حتى يدعه بالصلح بل هذا أول التشريع في قدر السقيا، والتحقيق أنه لا يكون الصلح إلاَّ هكذا، وأما بعد إبانة الحق للخصم فإنما يطلب من صاحب الحق أن يترك لخصمه بعض ما يستحق وإلى جواز الصلح على الإنكار ذهب مالك وأحمد وأبو حنيفة عدا في ذلك الهادوية والشافعي وقالوا: لا يصح الصلح مع الإنكار ومعنى عدم صحته أنه لا يطيب مال الخصم مع إنكار المصالح، وذلك حديث يدعي عليه آخر عيناً أو ديناً فيصالح ببعض العين أو الدين مع إنكار خصمه فإن الباقي لا يطيب له بل يجب عليه تسليمه لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل مال امرئ مسلم إلاَّ بطيبة من نفسه"، وقوله تعالى ﴿ عَنْ تَراضٍ ﴾" وأجيب بأنها قد وقعت طيبة النفس بالرضا والصلح وعقد الصلح قد صار في حكم عقد المعاوضة، فيحل له ما بقي قلت الأولى أن يقال إن كان المدعي يعلم أن له حقاً عند خصمه جاز له قبض ما صولح عليه وإن كان خصمه منكراً وإن كان يدعي باطلاً فإنه يحرم عليه الدعوى وأخذ ما صولح به والمدعى عليه إن كان عنده حق يعلمه، وإنما ينكر لغرض عليه تسليم ما صولح به عليه وإن كان يعلم أنه ليس عنده حق جاز له إعطاء جزء من ماله في دفع شجار غريم وأذيته وحرم على المدعي أخذه، وبهذه تجتمع الأدلة فلا يقال الصلح على الإنكار لا يصح، ولا أنه يصح على الإطلاق، بل يفصل فيه المسألة الثانية.

- الصنعاني، محمد بن إسماعيل الكحلاني (المتوفي: 1182هـ)، (1379هـ 1960 م) سبل السلام ، الطبعة الرابعة: مكتبة مصطفى البابي الحلبي، المجلد 3 ، ص: 59.

[24] هذا في الواقع ليس فصلاً للنزاع، أو رفعاً له وإن كان إنهاءً له، فهو لا يحقق العدالة بل عاقبته التشجيع على الظلم، وبخاصة أن الصلح ليس قضاءً حسب الأصل، فهو عمل إنساني احتسابي تقوم به طائفة من المحتسبين، فيكون أمراً طيباً يؤجرون عليه، ويمكن أن يشكل ولي الأمر تنظيماً لدعم وتوجيه عملية الاحتساب في الصلح بين الناس.

أما القاضي فالأجدر به أن لا يلجأ إلى الصلح إلاَّ للضرورة؛ لأن دوره أخذ الحق من الظالم ورده إلى صاحبه وردع الظلمة؛ لا إثابتهم بشيء مما دعوا به ظلماً وإلاَّ لم يعد قاضياً.ولا يستثنى من ذلك إلاَّ حالات يذكرها الفقهاء -خاصة المالكية- وهي الحالات التي تكون ثمرة الفصل فيها تؤول إلى مفسدة مساوية أو أكبر من المصلحة التي اعتبرها الشرع. والتي بني عليها حكم القاضي إلاَّ أن يؤدي الحكم إلى تفويت مصلحة أكبر من المصلحة التي بني عليها، ومن الأمثلة على ما ذكره الفقهاء الآتي:

1- النزاع بين الزوجين: قال الله تعالى: ﴿ فَلاَ جُنَاْحَ عَلَيْهِمَا أَن يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الأَنفُسُ الشُّحَّ وَإِن تُحْسِنُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا ﴾ [النساء: 128]. وقال الله تعالى: ﴿ إِن يُرِيدَا إِصْلاَحًا يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا ﴾ [النساء: 35]. وذلك أن فصل القضية يورث الضغينة، وبقاء المودة من هؤلاء وأمثالهم مطلوب شرعاً.

2- النزاع بين الأقارب.

3- النزاع بين ذوي الهيئات والزعامة والمقلَّدين في المجتمع حفظاً للأمن العام وسلامة القدوة.

إذا لم يتبين للقاضي الحق بعد طول بذل الجهد لكون الأدلة منعدمة أو الوصول إليها متعذراً؛ لذا قال خير البرية صلى الله عليه وسلم: في رجلين اختصما في مواريث بينهما قد درست قال: (اقتسما وتوخيا الحق ، ثم استهما وليحلل كل منكما صاحبه. لأنه لا يمكن الوصول إلى الحق إلاَّ بذلك) (انظر: المستدرك، ج16، ص: 356). ورد ذلك في حديث أم سلمة رضي الله عنها قالت: "أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلان يختصمان في مواريث لهما قد درست ليس بينهما بينة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "إنكم تختصمون إليَّ، وإنما أنا بشر، ولعل أحدكم ألحن بحجته أو قال: لحجته من بعض، فإني أقضي بينكم على نحو ما أَسْمَع، فمن قضيتُ له من حق أخيه شيئاً فلا يأخذه، فإنما أقطع له قطعةً من النار يأتي بها اسطاماً في عنقه يوم القيامة". فبكى الرجلان وقال كل واحد منهما: حقي لأخي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أما إذا قلتما فاذهبا فاقتسما، ثم توخيا الحق، ثم استهما، ثم ليحلل كل واحد منكما صاحبه). رواه أبو داود رقم (3584 و3585)، كتاب الأقضية، باب في قضاء القاضي إذا أخطأ (ج4 ص: 14/15). وأحمد (6/320) و اللفظ له، والحاكم (4/95) وغيرهم. وقال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه. قلت: في سنده أسامة بن زيد الليثي، وهو حسن الحديث ما لم يخالف، وإنما أخرج له مسلم متابعةً. متفق عليه من حديث أم سلمة رضي الله عنها رواه البخاري (5/288) مع الفتح رقم 2680 كتاب الشهادات، باب من أقام البينة بعد اليمين، وأخرجه في غيره من المواضع. ومسلم (3/1337) رقم 1713 كتاب الأقضية باب الحكم بالظاهر واللحن بالحجة. (الإمام مسلم بن الحجاج القشيري، : صحيح مسلم، شرح النووي على صحيح مسلم، الحديث 3232، كتاب الأقضية، الحكم بالظاهر واللحن بالحجة، 6/140.)

- العسقلاني، أحمد بن علي بن حجر، فتح الباري بشرح صحيح الإمام محمد بن إسماعيل البخاري، (د.س.ن)، تصحيح وتحقيق: الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز، دمشق: دار الفكر، 2278 – 2483، الشهادات، من أقام البينة بعد اليمين، 8/204، وحاصل الأمر يعود إلى أن الصلح الأصل فيه أنه ليس قضاءً، وأن القضاء الأصل فيه أنه ليس صلحاً، ولا يحتج بحديث الزبير لأنه كان - والله أعلم- من باب الحكم الولائي بالإمارة أو من باب الفتوى والنصيحة لا من باب القضاء، وبخاصةً أن ذلك كان أول التشريع في المساقات، والدليل على ذلك أنه لم يطلب وسائل الإثبات ولا غيرها، وإنما أمر الزبير رضي الله عنه كان إدلاءً على الرجل لما يعلم من دينه وحبه للخير وطاعة الله ورسوله.

[25] رواه أبو داود رقم (4942) والترمذي رقم (1923) وأحمد (2/301 وغيره) وابن حبان (462) والحاكم (4/248) وغيرهم من حديث أبي هريرة، وسنده حسن في الشواهد.

[26] رواه البخاري (13/358) رقم 7376 كتاب التوحيد، باب قوله تعالى: "قُل أدعوا الله أو أدعوا الرحمن" ومسلم (4/1809) رقم 2319 كتاب الفضائل، باب رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم الصبيان والعيال واللفظ له.

[27] الإمام أبو زهرة، العقوبة، نفس المرجع، ص: 5، ، ،.

[28] انظر قول العز بن عبدالسلام " كل تصرف تقاعد عن تحصيل مقصوده فهو باطل "، في قواعد الأحكام في إصلاح الأنام ، الطبعة الأولى 1421هـ ، تحقيق د.نزيه حماد ود. عثمان جمعة ضميرية ، دمشق ، دار القلم ، ج2 ، ص:249، وانظر قول: الغزالي، أبو حامد محمد بن محمد بن محمد، " فمتى تخلف مقصد الوسيلة عنها بطلت" في المستصفى في أصول الفقه، الطبعة الأولى، تحقيق: حمزة زهير حافظ، المدينة المنورة: شركة المدينة المنورة للطباعة والنشر، دون تاريخ نشر، ص: 76، وانظر: القواعد للمقري، ج1، ص: 242.

[29] انظر ، د.عمر بن صالح بن عمر " مقاصد الشريعة عند الإمام العز بن عبد السلام "، الطبعة الأولى 1423هـ ، الأردن، دار النفائس، ص:284.

[30] Black. 1976 Ibid.P.16.

[31] يفترض أن القاضي يطبق الشريعة والأنظمة غير المخالفة لها ، وهذا يمنع من وجود التفاوت في وحدة التقاضي، ولكن الذي يحدث على الواقع أن المتقاضين يختلفون في أقوالهم وتصرفاتهم ومظاهرهم ، الأمر الذي يجعل التهمة أقرب إلى القبول للتصديق لأحدهم بالمقارنة مع الآخر ، والقاضي بحكم علمه وورعه وتدريبه، عليه أن يكتشف جميع المؤثرات فيلغي تأثيرها عليه.

[32] Baumgartner M.P. (Editor),(1999),Ibid.P.21.

[33] Baumgartner M.P. (Editor), (1999), CIT.P.22.

[34] Baumgartner M.P. (Editor),(1999),Ibid, P11,  Black, Donald , (1976)Ibid.,P.P. 63 - 68.

[35] Moore ,Wilbert E. (1963) But Some Are More Equal Than Others, USA: American Sociological Association ,P.1-6.

[36] Moore, 1963 (Ibid).P.7-13.

[37] Moore, 1963 (Ibid).P.14-18.

[38] من الهياكل الإدارية للقضاء التي تغيرت في نظام القضاء السعودي الجديد الصادر في رمضان 1428هـ تقسيم مجلس القضاء الأعلى إلى قسمين : الأول: وهو المتعلق بالقضاء، تضمن فقد استحداث المحكمة العليا لتحل محل اللجنة الدائمة، والثاني: وهو المتعلق بالقضاة ، فقد استحدث المجلس الأعلى للقضاء ، وكذلك تم تحويل هيئات التمييز (استئناف تدقيق) إلى محاكم الاستئناف (استئناف ترافع).

[39] Suhultz, Walter J.The moral conditions of Economic Efficiency and Law, P.12.

[40] آل سعود، عبدالعزيز بن سطام (1426 هـ ـ 2005 م) اتخاذ القرار بالمصلحة، الرياض : جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، 2/ 622.

[41] Baumgartner M.P. (Editor) ,(1999) ,Ibid, P12.

[42] Baumgartner M.P. (Editor),(1999), Ibid, P 12, Black, Donald, (1976) Ibid, PP 105 -118.

[43] انظر:آل خنين، عبدالله بن محمد. توصيف الأقضية. 2/ 277.

[44] LaFree , 1980 ,P.842-854.

[45] رواه البخاري (6/525) رقم 3490 كتاب المناقب، باب قوله تعالى: "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى" الآية، ورواه في مواضع أخرى، ومسلم (4/1846) رقم 2378 كتاب الفضائل، باب من فضائل يوسف عليه السلام.

[46] رواه أحمد (5/411) وغيره من حديث أبي نضرة قال حدثني من سمع خطبة النبي صلى الله عليه وسلم وسط أيام التشريق وأورد الحديث وفي سنده خلاف على الجريري، لكن صححه شيخ الإسلام ابن تيمية في اقتضاء الصراط المستقيم ص: 144.

[47] خطاب عمر رضي الله عنه أورده جماعة، ورووه مطولاً ومجتزءاً ، قال البيهقي في المعرفة (7/367) هو كتاب معروف مشهور لا بد للقضاة من معرفته والعمل به. وقال ابن عبد البر في الاستذكار (7/104): (هذا الخبر روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه من وجوه كثيرة من رواية أهل الحجاز وأهل العراق وأهل الشام ومصر والحمد لله). وقال ابن القيم في إعلام الموقعين (1.86): هذا كتاب جليل تلقاه العلماء بالقبول، وبنوا عليه أصول الحكم والشهادة، والحاكم والمفتي أحوج شيء إليه وإلى تأمله والتفقه فيه. وقال ابن تيمية في منهاج السنة النبوية (6/71) : ورسالة عمر المشهورة في القضاء إلى أبي موسى الأشعري تداولها الفقهاء، وبنوا عليها واعتمدوا على ما فيها من الفقه وأصول الفقه. وقال ابن كثير في مسند الفاروق (2/546): هذا أثر مشهور واحتج به. ابن قيم الجوزية، شمس الدين أبو عبدالله بن أبي بكر، إعلام الموقعين عن رب العالمين، تحقيق: محي الدين محمد عبد الحميد، الطبعة الثانية، بيروت: دار الفكر، 1397 هـ - 1977، 1/58 – 86.

وانظر الكتاب في مقدمة ابن خلدون: (تصحيح على عبد الواحد وافي) (د. ت. ن.) طبع في مصر في ثلاث مجلدات، المجلد الثاني، ص: 628، انظر: ابن خنين، عبدالله بن محمد بن سعد، توصيف الأقضية. ج2/277.

[48] عبدالعزيز بن سطام، (1429هـ) محاضرة المزال الخفية لاتخاذ القرار، محاضرة غير منشورة.

[49] Baumgartner M.P. (Editor),(1999),Ibid, PP.14-15.

[50] سبق تخريجه. ص: 16.

[51] المقصود من المسائل في المنهج العلمي الموضوعات العادية القابلة للبحث والدراسة، التي تخضع للأساليب (الإمبيريقية) في البحث من حيث استخدام أساليب جمع البيانات والمعلومات الواقعية واستعمالها في التفسير، وهي بذلك لا تعتمد في الإثبات على البراهين النظرية وقواعد المنطق فقط.

[52] Baumgartner 1999.P.23.

[53] Black, 1989.P.30.

[54] Black, Ibid.P.36.

[55] رواه الإمام مسلم في صحيحه، كتاب التوبة باب: سقوط الذنوب بالاستغفار توبة، واللفظ له، (الإمام مسلم بن الحجاج القشيري، صحيح مسلم بشرح النووي، الطبعة الثانية، بيروت: دار الفكر، 1392هـ - 1972م، المجلد التاسع، الجزء 17 ، ص: 65) رواه مسلم (4/2106 رقم 2749 كتاب التوبة، باب سقوط الذنوب الاستغفار والتوبة، من حديث أبي هريرة مرفوعاً.

[56] Black, 1998, PL 100.

[57] Black, 1982.P.16.

[58] Black, 1982.Ibid.17.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • التباين في الأحكام القضائية، لماذا؟
  • العلاقة بين تطورِ أنظمة القضاء والعلم الشرعي

مختارات من الشبكة

  • ملخص بحث: العلاقة بين النظام السياسي الإسلامي والنظام السياسي الديمقراطي دراسة تحليلية مقارنة(مقالة - الإصدارات والمسابقات)
  • ملخص بحث: مقارنة بين النظام السياسي الإسلامي والنظام الغربي(مقالة - الإصدارات والمسابقات)
  • ملخص بحث: البناء السياسي بين النظام الإسلامي والنظام الديموقراطي(مقالة - الإصدارات والمسابقات)
  • ملخص بحث: سؤال المواطنة والانتماء في النظام المعرفي الإسلامي وأثره في حفظ السلم الاجتماعي(مقالة - الإصدارات والمسابقات)
  • النظام الاجتماعي في الإسلام(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • خصائص وأهداف النظام الاجتماعي في الإسلام(مقالة - موقع د. عبد المحسن الصويِّغ)
  • خصائص وأهداف النظام الاجتماعي في الإسلام(مقالة - موقع د. عبد المحسن الصويِّغ)
  • النظام الاجتماعي الإسلامي ودوره في التنمية(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • الغش المدرسي.. خلل في النظام التربوي والاجتماعي(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • الفوضى وعدم النظام(مقالة - مجتمع وإصلاح)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 11/11/1446هـ - الساعة: 0:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب