• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

ويلك أيها الظالم من المظلوم

د. محمد جمعة الحلبوسي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 27/6/2010 ميلادي - 15/7/1431 هجري

الزيارات: 449853

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

ويلك أيها الظالم من المظلوم

 

أمَّا بعد:

فإنَّ الله - سبحانه وتعالى - خلَق النَّاس في هذه الدُّنيا من ذكَر وأُنثى، وجعلهم شعوبًا وقبائل ليتعارَفوا ويتآلَفوا، ويتعاوَنوا على البِرِّ والتَّقوى، وعلى الأمر بالمعْروف وأفعال الخير، وكذلِك لكَي يتعاوَنوا على دفْع الإثْم والعُدْوان، وعلى النَّهي عن المنكر وعن أفْعال الشَّرّ، فلا يتكبَّر أحدٌ على أحد، ولا يتجبَّر أحدٌ على أحد.

 

ولقد أمر الخالقُ عبادَه هؤلاءِ عن طريق الأنبياء والمُرْسلين، وعن طريق المبشِّرين والمنذِرين بأَن يكونوا إخوةً متحابِّين فيما بينهم، تسُود بينهم علاقاتُ المحبَّة والشَّفقة والتَّراحُم، ولكنَّه في نفس الوقت حرَّم عليهم أمرًا، هذا الأمر هو صفة المُجْرمين، هذا الأمْر ما شاع في الأُمَّة إلاَّ هوى بها إلى أسفلِ السَّافلين، فكم من بيوتٍ عامرة، وكم من قصورٍ شامِخة تهدَّمتْ بسبب فِعْلهم لهذا الأمْر، وكم من أُسرةٍ كانت تظلُّها السَّعادة، وتسود بين أفرادِها المحبَّة والتَّعاون، فبسبب انتِشار هذا الأمر بينهم أحاط بها الشَّقاء، ونزلت بها المصائب والمِحن، هذا الأمر لخطورتِه؛ حرَّمه الله على نفسِه قبل أن يحرِّمَه على النَّاس، إنَّه الظُّلْم، وما أدراك ما هو الظُّلم؟

 

الظُّلم ظلمات يوم القيامة، واسمع معي إلى كلام الله - تعالى - وهو يقول في الحديث القدُسي: ((يَا عِبَادي، إنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ على نَفْسي وجَعَلْتُهُ بيْنَكم مُحَرَّمًا، فَلا تَظَالَمُوا))؛ رواه مسلم.

 

فيا تُرى ما هو الظلم؟ الظُّلم هو مُجاوزة الحدود التي شرعها الله - عزَّ وجلَّ - والتَّطاوُلُ على الحرمات التي قدَّسها ربُّ الأرْباب؛ فتعْذيب المسلم ظُلْم، وسرِقةُ ماله ظُلْم، وقَذْفُ نسائِه ظلم، وقتْلُه ظُلْم، وليعلم الظَّالم أنَّ المظلوم في ذلك اليوم العصيب سيُوقفه أمام المحكمة الرَّبَّانيَّة الَّتي لا يُظلم فيها أحد، وسيَعْلَم الَّذين ظلَموا أيَّ منقلبٍ ينقلبون.

 

أيُّها الظَّالم:

أظننتَ أنَّ ظلمك للمسلمين والمسلمات؛ من ضَرْبٍ أو سبٍّ، أو شتْم أو تزوير، أو أكْل مالٍ بالباطِل أو أكْل مال يتيمٍ - سيضيع سُدًى؟! كلا، كلا؛ بل إنَّ الظّلم ظلمات يوم القيامة.

 

فيا مَن دعاك منصِبُك، يا مَن دعاك كرسيُّك، يا مَن دعتْك صحَّتُك، يا مَن دعتْك قوَّتك وقدرتُك على ظُلم الضعفاء والفُقراء والمستضعفين من العباد، تذكَّر قدرة الله - جلَّ وعلا - واعْلمْ يقينًا بأنَّ الله هو الَّذي سيقتصُّ للمظْلوم من الظَّالمين، فاحذَرِ الظُّلْم بجميع أنواعه، سواء كان صغيرًا أو كبيرًا؛ فإنَّه ظلمات يوم القيامة.

 

يا مَن تعْتدي على جارك، إيَّاك الظُّلمَ، يا مَن تأكل أموال النَّاس بالباطِل، إيَّاك الظُّلْم، يا مَن تَحرم الإناثَ من الميراث وتُعْطي الذُّكور، إيَّاك الظُّلْم، يا مَن تؤْذي المسلمين، إيَّاك الظُّلم، يا مَن تُساعد على تعْذيب الأبرِياء وقتْلهم، إيَّاك الظّلم.

 

ففي الصَّحيحين من حديث ابنِ عبَّاس أنَّ النَّبيَّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - لمَّا بعث معاذَ بن جبل إلى اليمن وصَّاه بالوصايا الغالية، وكان من بين هذه الوصايا أنْ قال له المصطفى - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((اتَّقِ دَعْوَةَ المَظْلُومِ؛ فإنَّها لَيْسَ بَيْنَها وبَيْنَ اللَّهِ حِجابٌ)).

 

بل ورد في الصَّحيحين من حديث أبي مُوسى الأشعري أنَّ الحبيب النَّبي - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قال: ((إنَّ اللَّهَ لَيُمْلِي لِلظَّالِمِ، حتَّى إِذا أخَذَهُ لَمْ يُفْلِتْهُ))، وقرأ النَّبيّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - قولَ الله - تعالى -: ﴿ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إذا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ﴾ [هود: 102].

 

بل تدبَّر معي جيِّدًا هذا الحديث الَّذي رواه ابن حبَّان عَنْ سيِّدنا جَابِرٍ، قالَ: لَمَّا رَجَعَتْ إلى رَسُولِ اللَّهِ - صلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلَّم - مُهَاجِرةُ البَحْرِ، قَالَ: ((ألا تُحَدِّثُونِي بِأعَاجِيبِ ما رَأَيْتُمْ بِأرْضِ الحَبَشَة!))، قالَ فِتْيَةٌ مِنْهُمْ: بَلى يَا رَسُولَ اللَّه، بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَرَّتْ بِنَا عَجُوزٌ مِنْ عَجَائِزِ رَهابِينِهِم، تَحْمِلُ على رَأْسِهَا قُلَّةً مِنْ مَاءٍ، فمَرَّتْ بِفَتًى مِنْهُمْ، فجَعَلَ إحْدَى يَدَيْهِ بَيْنَ كَتِفَيْها ثُمَّ دَفَعَها، فخَرَّتْ على رُكْبَتَيْها، فانْكَسَرَتْ قُلَّتُها، فلَمَّا ارْتَفَعَتْ الْتَفَتتْ إِليْهِ فقَالَتْ: سَوْفَ تَعْلَمُ - يَا غُدَرُ - إذَا وَضَعَ اللَّهُ الكُرْسِيَّ وجَمَعَ الأوَّلِينَ والآخِرِينَ، وتَكَلَّمَتِ الأيْدِي والأرْجُلُ بِما كَانُوا يَكْسِبُون، فسَوْفَ تَعْلَمُ كَيْفَ أمْرِي وأَمْرُكَ عِنْدَهُ غَدًا! قَالَ: يَقُولُ رَسُولُ اللَّهِ - صلَّى اللَّهُ عَلَيْه وسلَّم -: ((صَدَقَتْ، صَدَقَتْ، كَيْفَ يُقَدِّسُ اللَّهُ أُمَّةً لا يُؤْخَذُ لِضَعيفِهِم مِنْ شَديدِهِمْ؟!)).

 

نعم والله، كيف يقدِّس الله أُمَّة لا يؤْخَذ من شديدِهم لضعيفِهم؟! وكيف يقدِّس الله أمَّة لا تُحترم فيها الكرامات، لا تُصان فيها الأعراض والأنساب؟! كيف يقدِّس الله أمَّة تُسفك فيها الدِّماء، ويتَّهم فيها البريء، ويبرَّأ فيها الظَّالم؟! أمَّة بهذه الأخلاقيَّات الفاسدة محكومٌ عليها في الدّنيا بالدَّمار، ومَحكوم على أفرادِها من أهل الظُّلم في الآخرة بالنَّار.

 

لو نظرتَ - أخي المسلم - في مجتمع المسلمين اليومَ، ستجِد أنَّ الدّماء لا حُرمة لها، يُقتل كلّ يوم العشرات؛ بل المئات، الموت في بلاد المسلمين بالجملة، طوابير تُقْتَل ومن عامَّة النَّاس: نساء وشيوخ وأطفال دون استثناء، ضحايا التَّفجيرات على مدار السَّاعة ليلاً ونهارًا، علنًا وجهارًا، في الأسواق وفي المدارس والجامعات، نسف البيوت وتفْخيخها ثمَّ تفْجيرها على ساكِنيها، قتْل السجناء وتصْفيتهم إثر التَّعذيب وبأحدَث الطُّرق، حُرمة المسلم أصبحتْ لا قيمةَ لها، حُرمة المسلم أصبحتْ سِلْعة رخيصة في أسواقِنا.

 

هذا ابْنُ عُمَرَ - رضي الله عنهما - نَظَرَ يَوْمًا إلى الكَعْبةِ، فقَال: "ما أعْظَمَكِ وأعْظَمَ حُرْمَتَكِ! والمُؤْمِنُ أعْظَمُ حُرْمَةً عِنْدَ اللَّهِ مِنْكِ"، بلْ قال - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((قتْلُ المؤْمِن أعظم عند الله مِن زوال الدُّنيا))؛ رواه النَّسائي.

 

وهذه من علامات السَّاعة كما قال - صلَّى الله عليْه وسلَّم -: ((لا تَقُومُ السَّاعَةُ حتَّى يَكْثُرَ الهَرْجُ))، قَالُوا: ومَا الهَرْجُ يَا رَسُولَ اللَّه؟ قَال: ((القَتْلُ القَتْلُ))، وفي لفظ: ((لا يدْري القاتلُ فيم قَتَل، ولا يدري المقتولُ فيم قُتِل!))؛ رواه البخاري ومسلم.

 

أنا أقول لكلّ مَن يقتل ويساعد في قتْل المسلمين الأبرياء - أقول لهم: أيُّها الظَّالمون، إن كُنتم تظنُّون أنَّكم ستنْجون من مَحاكِم الدُّنيا، فاعْلموا أنَّ هناك مَحكمةً أُخرى ليستْ فيها رشوة، وليستْ فيها واسطة ولا شفيع، تلك المحكمة التي شعارها: ﴿ وَلا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ﴾ [الكهف: 49].

 

ولا تتصوَّر - أخي المسلم - أنَّ الله تعالى غافلٌ عن هؤلاء وعن أعمالهم، لا؛ بل إنَّ الله - تعالى - يعلم خائنةَ الأعيُن، إنَّ الله لا تَخفى عليه خافية؛ ولكنَّه يؤخِّرهم ويُمهلهم؛ لكي يزْدادوا آثامًا مع آثامِهم، ثمَّ يقول لهم هناك: ﴿ وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُولُونَ ﴾ [الصافات: 24].

 

فيا ليت شِعْري ماذا سيكون جواب الظَّالم هناك؟! ماذا سيَكون جواب القاتِل في ذلك اليوم الَّذي يجيء المقتول المظْلوم آخذًا بتلابيب قاتِله، وأوداجُه تشخبُ دمًا حتَّى يأتيَ العرش، حتى يصل إلى المحكمة، فيقول المقتول: يا رب، سلْ هذا لِمَ قتلني، ما هو السَّبب الَّذي دفعه إلى قتْلي؟ فيسأله الله - عزَّ وجلَّ -: يا فلان، لِمَ قتلتَه؟ ما الَّذي دفعك إلى قتْلِه؟ فيقول هذا الظَّالم: يا ربّ، قتلتُه لتكون العزَّة لفلان، قتلته لأنال رضا فلان، قتلتُه من أجْل أن أنال منصبًا من فلان، قتلتُه لتكون العزَّة لفلان، فيقول له الله - تعالى -: تعِست؛ بل العزَّة لي، خذوه إلى النَّار، ﴿ وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ﴾ [النساء: 93].

 

أيها الظالم، اسمع إلى هذا الحديث الَّذي يرويه مسلم في صحيحِه: سأل النَّبيُّ - صلَّى الله عليْه وسلَّم - يومًا أصحابه، فقال: ((أتدرونَ مَنِ المُفْلِسُ؟)) قالوا: المفْلسُ فِينَا مَنْ لا دِرهَمَ لَهُ ولا مَتَاع، فقَالَ: ((إنَّ المُفْلسَ مِنْ أُمَّتي مَنْ يأتي يَومَ القيامَةِ بصلاةٍ وصيامٍ وزَكاةٍ، ويأتي وقَدْ شَتَمَ هَذَا، وقَذَفَ هَذَا، وأَكَلَ مالَ هَذَا، وسَفَكَ دَمَ هَذَا، وضَرَبَ هَذَا، فيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِه، وهَذَا مِنْ حَسناتهِ، فإنْ فَنِيَتْ حَسَناتُه قَبْل أنْ يُقضَى مَا عَلَيهِ، أُخِذَ منْ خَطَاياهُم فَطُرِحَتْ عَلَيهِ، ثُمَّ طُرِحَ في النَّارِ)).

 

تأمَّل معي أيّها المسلم، لقد صلَّى وزكَّى وصام، ولكن مع ذلك ها هم المظْلومون يظهرونَ له يوم القيامة، يجرُّونه جرًّا ليقفوه بين يدَي الله - جلَّ وعلا -: هذا يجرّه من ظهْرِه، وهذا يجرُّه من لحيته، وهذا يجرّه من يَمينه، وهذا يجرُّه من يساره، فإذا أوقفوه بين يدَي الله، يقول أحد المظْلومين: يا ربّ، هذا شتمني، والآخر يقول: يا رب، وهذا ظلَمني، والآخر يقول: يا ربّ، هذا اغتابني، والآخر يقول: يا ربّ، هذا غشَّني في البيع والشِّراء، والآخر يقول: يا ربّ، هذا وجدني مظلومًا وكان قادرًا على دفْع الظُّلم، فجامل ونافق الظَّالمَ وتركني، والآخر يقول: يا ربّ، هذا جاورني فأساء جواري، والآخر يقول: يا ربّ، هذا عذَّبني وقتلني...

 

سترى كلَّ مَن ظلمتَه في الدُّنيا متعلِّقًا بك بين يدَي الملك - جلَّ وعلا - يُطالِب بحقِّه وأنت واقف، فيقال: خُذوا من حسناتِه، فتنظر إلى صحيفتِك الَّتي بين يديْك، فتراها قد خلَتْ من الحسنات التي تعِبت في تَحصيلها طوال عمرِك، فتصرخ وتقول: أين حسناتي؟! أين صلاتي؟! أين زكاتي؟! أين قرآني؟! أين طاعتي؟! أين؟! أين؟! أين...؟!

 

أتعرف أين هِي يا مسكين؟! لقد نُقلت إلى صحائف مَن ظلمْتَهم في الدُّنيا، والآن فنِيت حسناتُك، وبقي أهل الحقوق يُنادون على الله - جلَّ وعلا - أن يُعطيهم حقوقَهم منك، فيأمر الحقُّ - سبحانه - أن يؤخَذ من سيئاتِ مَن ظلمتَهم في دنياك؛ لتُطرح عليك ثمَّ تُطرح في النَّار، قال الحقُّ - تبارك وتعالى -: ﴿ وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ * مُهْطِعِينَ مُقْنِعِي رُؤُوسِهِمْ لَا يَرْتَدُّ إِلَيْهِمْ طَرْفُهُمْ وَأَفْئِدَتُهُمْ هَوَاءٌ * وَأَنْذِرِ النَّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذَابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنَا أَخِّرْنَا إلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرُّسُلَ أَوَلَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ مِنْ قَبْلُ مَا لَكُمْ مِنْ زَوَالٍ * وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ وَتَبَيَّنَ لَكُمْ كَيْفَ فَعَلْنَا بِهِمْ وَضَرَبْنَا لَكُمُ الْأَمْثَالَ * وَقَدْ مَكَرُوا مَكْرَهُمْ وَعِنْدَ اللَّهِ مَكْرُهُمْ وَإِنْ كَانَ مَكْرُهُمْ لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ * فَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ * يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ * وَتَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ * سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ * لِيَجْزِيَ اللَّهُ كُلَّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ * هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ ﴾ [إبراهيم: 42 - 52].

 

فإذا كان الأمر كذلك، فلا بدَّ من الحذَر من الظُّلم، وأن نقِف مع أنفُسِنا وقفة مراجعة ونسأل أنفُسَنا: ما هو حالُنا في بيتنا؟ وفي وظيفتِنا؟ وفي الموقع الَّذي نكون فيه، هل نحن من الظَّالمين أو المظْلومين؟

 

اعلم - أيّها الظَّالم - أنَّ الدّنيا لن تدومَ لأحد، وأنَّ المال لا يدوم لأحد، وأنَّ الصّحَّة لا تدوم لأحد، وأنَّ المنصب لا يدوم لأحد، ولو دام لغيرك ما وصل إليك، واعلم أنَّك ستموت وستَتْرك الدنيا وستقِف يوم القيامة أمام الله - تعالى.

 

هذه نصائحُ قدَّمتها لكلّ ظالم؛ لعلَّه ينتهي عن ظلمه، وأقول للمظْلوم: إنَّ الله معك، وهو ناصِرُك في الدّنيا والآخرة.

 

وأختِم كلامي بما ذكرتْه كتُب السِّيرة والتَّاريخ، بأنَّ خالد بنَ يَحيى البرمكي لمَّا نكب، وكان وزيرًا، سُجِن هو وابنه، ولمَّا كانا في السّجن، وهما مصفَّدان مغلولان مقْهوران مأْسوران، قال الابن لأبيه: يا أبتِ، بعد العزِّ أصبحْنا في القَيد والحبْس، بعْد الأمْرِ والنَّهي صِرْنا إلى هذا الحال! فقال: يا بُنَيَّ، دعوة مظلوم سرت بلَيْل، ونحن عنها غافلون، ولم يغفل الله عنْها.

لا تَظْلِمَنَّ إِذَا مَا كُنْتَ مُقْتَدِرًا
فَالظُّلْمُ آخِرُهُ يُفْضِي إِلَى النَّدَمِ
تَنَامُ عَيْنُكَ وَالمَظْلُومُ مُنْتَبِهٌ
يَدْعُو عَلَيْكَ وَعَيْنُ اللَّهِ لَمْ تَنَمِ

 

واللهَ أسألُ أن يُجنِّبنا وجميعَ إخوانِنا المسلمين الظُّلْم، وأن يوفِّقَنا للعدْل والإنصاف، وأن يؤمِّن المسلمين في أوطانهم، وألاَّ يُسلِّط عليهم عدوًّا من غير أنفُسِهم، وأن يقيَهُم شرَّ أنفُسِهم.

 

وصلَّى الله وسلَّم وبارك على محمَّد وآله وصحْبه، وسلَّم تسليمًا كثيرًا، والسَّلام.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • نماذج من أنواع الظلم
  • التحذير من ظلم العمال
  • تسعون فائدة من حديث "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي"
  • الظلم في المنظور القرآني (1/ 2)
  • الظلم في المنظور القرآني (2/2)
  • أيها المظلوم.. لا تقف
  • لطفًا أيها الظالم: العالم كله ينتظر مغادرتك الكون
  • يوم يعض الظالم على يديه
  • بشراك أيها المظلوم
  • الله نصير المظلومين
  • الاقتصاص من الظالم للمظلوم والإيمان بالجنة والنار
  • المستبان ما قالا فعلى البادئ ما لم يعتد المظلوم
  • سلوة المظلوم (قصيدة)
  • دعاء المظلوم وعقوبة الظالم
  • الموقف الفقهي من مقاطعة الدول الظالمة
  • رسالة إلى كل ظالم
  • بين الظالم والمظلوم (خطبة)
  • رسالة من مظلوم إلى ظالمه: أشكرك أنك جعلتني من هؤلاء المحظوظين

مختارات من الشبكة

  • ويلك؛ ورثت منك ثقافة فاسدة(مقالة - موقع أ. حنافي جواد)
  • أنيس المظلومين (2)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إنذار لكل ظالم ... دعوة المظلوم لا تسقط بالتقادم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • إياكم ودعوة المظلوم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • العقل المظلوم(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • حلف الفضول ونصرة المظلوم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التحذير من دعوة المظلوم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شرح حديث البراء: "أمرنا رسول الله بسبع: نصر المظلوم"(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شرح حديث: اتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب(مقالة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • شرح قول النبي صلى الله عليه وسلم اتق دعوة المظلوم فإنها ليس بينها وبين الله حجاب(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)

 


تعليقات الزوار
2- شكر
ميكان سايا - بسكرة - الجزائر 23-03-2015 08:11 PM

شكرا لكم

1- الظلوم
عمروابوعلم عثمان - مصر محافظة أسيوط 09-09-2013 10:57 AM

كيف أعرف المظلوم من الظلم في الأيام الحالية

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب