مسائل الإمام أحمد الفقهية رواية محمد بن الحكم في المعاملات (جمعًا وتوثيقًا ودراسة)

ملخص الرسالة

مسائل الإمام أحمد الفقهية

رواية محمد بن الحكم في المعاملات (جمعًا وتوثيقًا ودراسة)

المقدمة

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102]، ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1]، ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا ﴾ [الأحزاب: 70].

أما بعد:

فقد حفظ الله تعالى لنا هذا الدينَ الحنيف، قال تعالى: ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9]، ومن ذلك أن هيأ الله تعالى لهذا الدينِ علماءَ عاملين، ينفون عنه تحريف الغالين، وانتحال المبطلين، وتأويل الجاهلين.

ومن أعلام هؤلاء العلماء في القرن الثالث الهجري ببغداد إمامُ أهل السنة أحمد بن حنبل، الذي ملأ الأرض علمًا وحديثًا وسنة، الذي رويت فتاواه ومسائله وحدث بها قرنًا بعد قرن، فصارت إمامًا وقدوة لأهل السنة على اختلاف طبقاتهم[1]، حتى إن المخالفين لمذهبه بالاجتهاد، والمقلدين لغيره يعظِّمون نصوصه وفتاواه، ويعرفون لها حقها وقربها من النصوص وفتاوى الصحابة، ومن تأمَّلَ فتاواه وفتاوى الصحابة رأى مطابقة كل منهما على الأخرى، ورأى الجميع كأنها تخرج من مشكاة واحدة؛ لذا رأيتُ في مسائل الإمام المبجل أحمد بن محمد بن حنبل ليكون بحثي لنيل درجة الماجستير أكبرَ الفائدة والنفع لي، ولما كانت المسائل المخطوطة المروية عنه قد طُبع جلُّها، والذي لم يطبع منها قد أخذ للحصول على درجات علمية، ولما قام عدد من الباحثين بجمع مسائل الإمام أحمد من بطون كتب الحنابلة برواية أحد تلاميذه عنه ومن ثم دراستها، رأيت أن ألتحق بهذا الركب المبارك؛ رجاء الاستفادة من مسائل الإمام أحمد.

أهمية الموضوع وأسباب اختياره:

لقد وجدت الفرصة مناسبة حينما أكرمني الله تعالى بفضله، فالتحقت بالمعهد العالي للقضاء في قسم الفقه المقارن في مرحلة الماجستير، فأحببت أن يكون لي نصيب، وإن كنت لا أرى نفسي أهلاً لذلك، ولا من فرسان تلك المسائل، ولكن من الله أستمد العون، وأستلهم الصواب والتوفيق، وهو حسبي ونعم الوكيل.

وبعد البحث والاستشارة وقع اختياري على المسائل التي رواها محمد بن الحكم؛ حيث لم أجد من قام بجمعها ودراستها، فكان هذا الموضوع، وهو: "مسائل الإمام أحمد بن حنبل الفقهية، رواية محمد بن الحكم، جمعًا وتوثيقًا ودراسة، في المعاملات".

فاستشرت من يوثق بعلمه، فحثني على ذلك وحضني، واستخرت الله تعالى، فانشرح لذلك صدري، فعزمت مستعينًا بالله عز وجل على اختياره والكتابة فيه.

وقد تلخصت دوافع الاختيار فيما يلي:

1- أهمية مسائل الإمام أحمد التي لا تخفى.

2- شمول هذا البحث لعدد من الكتب الفقهية، وهذا أولى من الاقتصار على كتاب فقهي أو بعض كتاب.

3- ما تميَّز به محمد بن الحكم عن باقي تلامذة الإمام أحمد؛ مما يجعل مسائله أكثر أهمية، ومن ذلك ما سبق ذكره عن الخلال قوله:

♦ "لا أعلم أحدًا أشد فهمًا من محمد بن الحكم".

♦ "وكان أبو عبدالله يبوح بالشيء إليه من الفتيا، لا يبوح به لكل أحد".

♦ "وكان خاصًّا بأبي عبدالله".

♦ "كان له فهم سديد وعلم".

4- كثرة المسائل التي نَقَلَها مُحمَّد بن الحكم، وتفرُّقها في المصادر، وفي جَمْعِها في سفر واحد ودراستها فائدةٌ عظيمة.

5- أنَّ طَرْقَ مثل هذا الموضوع، والعناية ببيان أحكامه الشرعية، فيه معونة على البِرّ والتَّقوى، وذلك مندوبٌ إليه شرعًا.

6- تحقق الفائدة العلمية المرجوة في طرق هذا الموضوع؛ نظرًا لما يشتمل عليه من مسائل وقواعد وأصول يستفيد الباحث من دراستها وبيانها.

الدراسات السابقة:

بعد البحث في دليل الرسائل العلمية في المعهد العالي للقضاء، وكلية الشريعة في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض، وكذلك فهرس الرسائل بمركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، ومكتبة الملك فهد الوطنية، وفهرس الرَّسائِل في جامعة أم القرى والجامعة الإسلامية، لَم أجِدْ مَن قام بِجَمع وتوثيق ودراسة مسائل الإمام أحمد بن حنبل رواية محمد بن الحكم في المعاملات.

الخاتمة

الحمد لله الذي مَنَّ عليَّ بإتمام هذا البحث، وأكرمني بدراسة جزء من مسائل العالم الرباني أحمد بن حنبل - رحمه الله - والذي سخَّر الله سبحانه تلاميذَ وأصحابًا نقلوا عنه علمه وفِقْهه، ومن هؤلاء مُحمَّد بن الحكم، الذي قمت بدراسة مسائله عن الإمام.

وقد جمعتُ - حَسَبَ قُدْرَتي واستطاعتي، وتوفُّر المصادر لدي - هذه المسائل، ثم بوَّبتها التبويب الفقهيَّ المُناسِبَ لَها.

وقد قمتُ بتوثيق الرِّواية والمسألة، ثُمَّ أعْقبها بِذِكْر دلالتِها الفقهيَّة، وأحيانًا - حسب الاستطاعة - أذكرُ مَنْ وافق مُحمَّد بن الحكم في نقْل هذه الدلالة الفقهيَّة.

ثُمَّ ذكرت الروايات الأخرى المنقولة عن الإمام أحمد، ثُمَّ بيَّنت الرواية التي استقر عليها المذهب المفتى به عند الحنابلة.

كما أني ذكرتُ دليل المسألة إن لم يكن مذكورًا في الرواية، ومن ثَمَّ قمتُ بمقارنة المسألة بالمذاهب الفقهية الأخرى، وقمت بتخريج الأحاديث والآثار، وبيان غريب المصطلحات.

وإنَّ من أهمِّ النتائج التي توصلت إليها في بحثي:

1- أنَّ مُحمَّد بن الحكم من أهم تلاميذ الإمام أحمد.

2- أن رواياته عن الإمام أحمد قديمة؛ لأنه مات قبله بنحو عشرين سنة.

3- أن من أبرز تلاميذ محمد بن الحكم: البخاري.

4- أنَّ مُحمد بن الحكم ثقةٌ في الحديث.

5- أن محمد بن الحكم كان خاصًّا بالإمام أحمد.

6- كثرة ناقلي المسائل عن الإمام أحمد.

7- أهمية مسائل الإمام أحمد، ومكانته الخاصة عند أهل السنة والجماعة.

8- عدم الحرج من إجابة المستفتى بـ "لا أدري".

وخلاصة المذهب في المسائل ما يأتي:

المسألة الأولى؛ من عنده أمة رهن فسَقَت ولده لبنًا:

المذهب: أن الأمة المرضعة تدخل في الانتفاع بالمحلوب.

المسألة الثانية؛ الحكم في رجل يقر بالعبودية حتى يباع:

المذهب: أن العهدة على البائع، ولا تلزم المقر.

المسألة الثالثة؛ بيع أرض السواد:

المذهب: عدم صحة بيع أرض السواد التي فتحت عنوة، ولم تقسم غير المساكن.

المسألة الرابعة؛ إذا باع ما علم كيله صبرة؛ فالبيع صحيح لازم:

المذهب: أن من عرف مبلغ شيء لم يبعه صبرة، وإن باعه فالبيع صحيح لازم.

المسألة الخامسة؛ لا يصح بيع العصير لمن ظن أن يتخذه خمرًا:

المذهب: لا يصح بيع العصير لمن يتخذه خمرًا إذا علم.

المسألة السادسة؛ بيع المكيل بالمكيل جزافًا، وبيع الموزون بالموزون جزافًا:

المذهب: منع بيع المكيل بالمكيل جزافًا، وبيع الموزون بالموزون جزافًا واختلف الجنس، أمَّا إن اتحد الجنس لم يصح إجماعًا.

المسألة السابعة؛ إذا وقع البيع على عينين من جنسين، والعيب من جنسه قبل التفرق أو بعده:

المذهب: صحة العقد.

المسألة الثامنة؛ بيع الدين المستقر بعرض، وقبضه في المجلس:

المذهب: لا يجوز بيع الدين المستقر لغير من هو في ذمته.

المسألة التاسعة؛ للمرتهن أن ينفق على المحلوب والمركوب، ويركب ويحلب بقدر نفقته، متحريًا للعدل في ذلك:

المذهب: جواز انتفاع المرتهن بالرهن إن كان محلوبًا أو مركوبًا بقدر نفقته.

المسألة العاشرة؛ بيع السواد في حج أو غيره:

المذهب: أنَّ له منعه.

المسألة الحادية عشر؛ حكم دفع المال إلى الحاكم العاجز:

المذهب: أن الولاية تنتقل من الأب إلى وصيِّه، ثم إلى الحاكم بالشروط المعتبرة، ثم إلى رجل أمين يقوم به.

المسألة الثانية عشر؛ الحكم فيما لو طلب الغاصب أخذ البناء أو الغراس بقيمته، وأبى مالكه إلا القلع:

المذهب: أنه يجبر على قلع البناء، وليس له قيمة البناء.

المسألة الثالثة عشر؛ من غصب حديدًا فجعله سيوفًا:

المذهب: أن الغاصب يرد المغصوب بزيادته وأرش نقصه، ولا شيء له.

المسألة الرابعة عشر؛ من غصب دارًا فسكنها عشرين سنة:

المذهب: إن كان المغصوب تصح إجارته؛ فعلى الغاصب أجره مثله مطلقًا.

المسألة الخامسة عشر؛ ما يصح إجارته؛ هل يلزمه أجرة مثله؟

المذهب: أن ما يصح إجارته يلزمه أجرة مثله.

المسألة السادسة عشر؛ حكم من نوى جحد حقٍّ عليه أو بيده في حياة ربه:

المذهب: أن من نوى جحد حق عليه أو بيده في حياة ربه؛ فثوابه له، وإلا فلورثته.

المسألة السابعة عشر؛ الحيلة في إسقاط الشفعة:

المذهب: أن التحيُّل على إسقاط الشفعة لا يسقطها.

المسألة الثامنة عشر؛ الحكم فيمن سوى بين الذكر والأنثى، أو فضلها عليه، أو فضل بعض البنين أو بعض البنات على بعض، أو خصَّ بعضهم بالوقف دون بعض:

المذهب: أنَّ المستحب القسمة بينهم على حسب الميراث.

المسألة التاسعة عشر؛ الصياد يقع في شصِّه الكيس أو النحاس:

المذهب: أن العروض لا تملك بالتعريف، وإنما تملك الأثمان فقط.

المسألة العشرون؛ الحكم في امرأة ولدت ذكرًا، وأخرى أنثى، وادعت كل واحدة أن الذكر ولدها دون الأنثى.

المذهب: أنه يعرض على القافة، فإن لم يوجد قافة اعتبر اللبن خاصة.

المسألة الحادية والعشرون؛ من شرط في الهبة أو العطية ثوابًا مجهولاً:

المذهب: أنها لا تصح، وتبطل بذلك.

المسألة الثانية والعشرون؛ المشروع في عطية الأولاد:

المذهب: أن المشروع في عطية الأولاد القسمة على قدر ميراثهم.

المسألة الثالثة والعشرون؛ إذا فاضل بين ولده في العطايا، أو خص بعضهم بعطية، ثم مات قبل أن يسترده:

المذهب: أن الواهب إذا فاضل بين ولده ثم مات قبل التعديل؛ فإن المعطى يثبت للموهوب ويلزم، وليس للورثة الرجوع.

المسألة الرابعة والعشرون؛ إذا قال الواهب: "هذا لك على أن تثيبني"؛ فله أن يرجع إذا لم يثبه.

المذهب: أنها لا تصح.

المسألة الخامسة والعشرون؛ الحي يقسم ماله بين أولاده:

المذهب: أنه لا بأس بذلك، ولا يُكره له.

المسألة السادسة والعشرون؛ التسوية بين الأولاد في الوقف:

المذهب: يجوز التسوية بينهم، ذكرًا كأنثى، ويجوز تفضيل بعضهم على بعض إذا كان لحاجة.

المسألة السابعة والعشرون؛ ما حازه لا يأخذه حيًّا ولا ميتًا، وإن كان بعينه إذا حازه لنفسه:

المذهب: أنه لو وجد عين ماله بعد موت أبيه؛ أن له أخذه إن لم يكن أنقده ثمنه.

المسألة الثامنة والعشرون؛ لو وصى لشخص بمثل نصيب ولده، وله ابن وبنت:

المذهب: أنه إذا وصى لغير وارث بمثل نصيب أحد ورثته ولم يسمِّه، وكانوا يتفاضلون في الميراث؛ فإنَّه يُعْطى مثل نصيب أقلهم ميراثًا؛ فيكون له مثل نصيب البنت.

المسألة التاسعة والعشرون؛ حكم توريث المولى من أسفل من معتقه:

المذهب: أن العبد لا يرث مطلقًا.

المسألة الثلاثون؛ أربعة شهدوا على أختهم بالزنا فرجمت، فرجموا مع الناس؛ فهل يرثونها؟:

المذهب: أنهم يَرِثُونَها.

المسألة الحادية والثلاثون؛ فيمن أسلم قبل قسم ميراث موروثه:

المذهب: أنه يرث.

المسألة الثانية والثلاثون: من كان رقيقًا حين موت موروثه فأعتق قبل القسمة:

المذهب: أنه لا يرث.

المسألة الثالثة والثلاثون؛ الحكم إذا تحرك الجنين؛ هل يرث؟:

المذهب: أنه إذا عُلمت حياته بصوت أو حركة أو رضاع أو غيره؛ ورث، وثبت له أحكام المستهل.

المسألة الرابعة والثلاثون؛ الولاء كالمال يورث عن المعتق، فمن ملك شيئًا حياته فهو لورثته:

المذهب: أن الولاء لا يورث.

المسألة الخامسة والثلاثون؛ حكم الميراث إذا مات المعتق وخلَّف ابنين، ثم الابنان بعده، وقبل المولى، وخلف أحدهما ابنًا والآخر تسعة:

المذهب: أنه يرث المولى المعتق من عصبات سيده أقربهم إليه، وأولاهم بميراثه يوم موت العبد.

المسألة السادسة والثلاثون؛ هل يكون الولد رقيقًا إذا استثناه من العتق؟:

المذهب: أنه يعتق جنينها معها، إلا أن يستثنيه.

المسألة السابعة والثلاثون؛ هل كتابة المدبر رجوعٌ في تدبيره.

ومن أهم التوصيات:

1- العناية بجمع ودراسة مسائل الإمام أحمد بن حنبل الفقهية، والتي لا توجد لها بين أيدينا مخطوطات.

2- احترام آراء الصحابة والتابعين ومعرفة حقها.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.