• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    في تحريم تعظيم المذبوح له من دون الله تعالى وأنه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    كل من يدخل الجنة تتغير صورته وهيئته إلى أحسن صورة ...
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    محاضرة عن الإحسان
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    ملامح تربوية مستنبطة من قول الله تعالى: ﴿يوم تأتي ...
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    نصوص أخرى حُرِّف معناها
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    فضل العلم ومنزلة العلماء (خطبة)
    خميس النقيب
  •  
    البرهان على تعلم عيسى عليه السلام القرآن والسنة ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدرس السادس عشر: الخشوع في الصلاة (3)
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    القرض الحسن كصدقة بمثل القرض كل يوم
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الليلة التاسعة والعشرون: النعيم الدائم (2)
    عبدالعزيز بن عبدالله الضبيعي
  •  
    حكم مشاركة المسلم في جيش الاحتلال
    أ. د. حلمي عبدالحكيم الفقي
  •  
    غض البصر (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    كيف تقي نفسك وأهلك السوء؟ (خطبة)
    الشيخ محمد عبدالتواب سويدان
  •  
    زكاة الودائع المصرفية الحساب الجاري (PDF)
    الشيخ دبيان محمد الدبيان
  •  
    واجب ولي المرأة
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (9)
    د. عبدالسلام حمود غالب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / روافد
علامة باركود

جماليات البداية والنهاية في القصة القرآنية

عبدالله بن صالح العريني

المصدر: الدرعية: السنة العاشرة، العددان: 37/38 ربيع الأول - جمادى الآخرة 1428هـ/ أبريل - يوليو 2007م
مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 31/3/2010 ميلادي - 15/4/1431 هجري

الزيارات: 60758

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

جماليات البداية والنهاية في القصة القرآنية

 

المقدمة

لفتتِ القصةُ القرآنية أنظارَ الباحِثين، الذين رأَوا فيها مَعينًا لا ينضب من الجمال والجلال، وحسن العرض وقوَّة التأثير؛ فكثرت الدراسات والبحوث التي جعلتْ منها مجالاً للبحث، ومع اهتمامهم بالعناصر الفنية للقصة القرآنية[1]، إلا أنني لم أقف على دراسةٍ لعنصري البداية والنهاية، بالرغم من أهميتهما في جمال القصة وروعتها؛ لذا رأيت دراسة هذين العنصرين، وإبراز أثرهما في إبداع عرض القصة القرآنية؛ فهما عنصران لا مشاحَّة في وجودهما، وعلى الضدِّ من ذلك المصطلحات القصصية غير الملائمة؛ كمصطلح الحبكة، أو العقدة، أو الحل، فهذه المصطلحات، وإن ناسبت القصة الغربية وما جرى مجراها، فإنها لا تتَّفق مع جلال القصة القرآنية وقداستها، وهي قصص حق تتنزَّه وتجلُّ عن الحيل الفنية للروايات الأدبية المختلفة.

 

وكما نهل اللُّغويون من لغة القرآن واتخذوها إمامًا لهم، ونهل البلاغيون من بلاغة القرآن واتخذوها إمامًا لهم، فإن من الواجب على النقَّاد المسلمين النهلَ من التقنية الإبداعية في قصص القرآن وجعلها إمامًا لهم، بدلاً من اجتلاب القيم الفنية للقصة من الغرب، وهي قِيَم تلائم طبيعةَ أولئك القوم وتصوراتهم، ومفهوماتهم عن الإنسان والكون والحياة.

 

كما ينتظر من دراسة النص القصصي القرآني أن تؤدِّي إلى إبراز قواعدَ ومقاييسَ نقديةٍ في البناء الجمالي للقصة القرآنية، وسوف نجد أنها قِيَمٌ عالية، يمكن استثمارُها لقيام رؤية نقدية إسلامية، تقوم على الخصائص المتميِّزة لقصص القرآن، التي ستمنح القصة الإسلامية خصوصية، تعصمها من اللهاث وراء إفرازات الحياة النقدية، التي تتشكَّل في عالم اليوم، ويسير كثير منها في اتجاه مضادٍّ لهدي القرآن الكريم، في ظل هذا المفهوم الواضح ستتم دراسةُ عنصرَي البداية والنهاية.

 

ونظرًا لكثرة قصص القرآن وتنوُّعها وتعدُّدها؛ فقد اخترت نموذجين منها في كل قسم من أقسام البحث، ممَّا يدعم الفكرةَ التي قام عليها ويثبت صحته، وجعلت البحث في خمسة مباحث، ثم ذكرت خاتمة أجملتُ فيها نتائج البحث، تبعها فهرس للمصادر والمراجع.

 

هذا، وآمل أن يُلقِي هذا البحثُ الضوء على هذين العنصرين المهمَّين في القصة القرآنية، وأن يكون لبنة في بناء نقدي متميِّز، يقوم أساسه على القرآن الكريم والسُّنَّة النبوية، في إبداعهما وجمال عرضهما.

 

والله الموفِّق والمعين إلى كل خير، والحمد لله أولاً وآخرًا.

 

والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه وسلم.

♦ ♦ ♦

 

المبحث الأول: بداية القصة ونهايتها في إطار السياق القرآني:

هنالك اتِّساق عام ينتظم موضوعاتِ السورة الواحدة، حيث تأتي القصة القرآنية في مقام ملائم تمامًا لتناسقها مع الجو العام للسورة[2]، وما يسبق القصة وما يعقبها بمثابة الإطار الذي يحيط باللوحة، ويعطيها أبعادها وحدودها المناسبة، وسنلاحظ هذا الاتِّساق في إطار القصة القرآنية، سواء أكانت قصة طويلة أم قصيرة، وذلك على النحو التالي:

1- ما قبل البداية وما بعد النهاية في القصة الطويلة:

ومن ذلك قصة إبراهيم عليه السلام حيث نجد أول مشهد للقصة تصويره وهو صبي يقلِّب طرْفَه في ملكوت السموات والأرض، ويسبق الحديثَ عن هذا المشهد قولُه - تعالى -: ﴿ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ﴾ [الأنعام: 73].

 

وهي آية تُعَدُّ تمهيدًا لما سيحدث من إبراهيم عليه السلام من تأمُّل السموات والأرض، وإعجابه بكوكبها وقمرها وشمسها، وأنها أعظم من أصنام أبيه وقومه، فهي بشهادتهم أَوْلَى بالعبادة من تلك الأصنام، فلعل تلك الرؤوس تترفَّع عن حمأة الطين، لتنظر إلى أعلى وتتدبَّر خلق السموات والأرض، وتتحرَّر من تلك النظرة الضيِّقة المَقيتة، ولعلهم يخطون خطوات متدرِّجة للوصول بهم إلى الإيمان بالله - عزَّ وجلَّ.

 

فما قبل البداية يمهِّد السبيلَ لها، ويحقق الإحاطة بالمعنى الإيماني لقصة إبراهيم عليه السلام وأن ما سيظهر منه في محاجَّته قومَه ليس معناه نسيانَ الحقيقة الكبرى، وهي أن الله - تعالى - هو خالق السموات والأرض، وأنه الجدير بالعبادة وحده.

 

وحين انتهت القصة بأذان إبراهيم في الناس بالحج، كان ما تلا ذلك مناسبًا أتَمَّ المناسبة لها، فإذا كان قد دعاهم إلى المجيء إلى مكة، فليس حضورهم هدفًا بحدِّ ذاته، ولكنه لأداء عبادة خاصة، لها أسلوبها، وطريقتها، وأداؤها الذي به فقط تحقق الاستجابة لدعاء إبراهيم - عليه السلام.

 

لقد انتهتْ قصة إبراهيم بالدعوة إلى الحج، فناسب ذِكر المشوقات التي تحمس المؤمنين لأداء هذا النسك، وهي:

1- شهود منافع.

2- ذكر اسم الله طوال تلك الأيام المعلومات.

3- الأكل والإطعام من بهيمة الأنعام.

4- قضاء التفث[3].

5- الوفاء بالنذر.

6- الطواف بالبيت العتيق.

7- بيان أجر من يعظِّم حرُمات الله.

8- أمر باجتناب الأوثان واجتناب قول الزور.

﴿ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ * ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ * ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ﴾ [الحج: 28 - 30].

 

لقد كانت بداية قصة إبراهيم إسقاط الأوثان، بتحطيمها في النفوس، ودحض مزاعم الكفار وشبهاتهم فيها، ثم إسقاطها على أرض الواقع بتكسيرها، وجاءت النهاية بالدعوة إلى الحج وبيان مناسكه، واجتناب الأوثان، وربطها بالرجس وقول الزور، الذي يُضادُّ الحق الصريح والحجة البالغة، وليس ثمَّة زور أعظم من الافتراء على الله - تعالى - والإشراك به، وبذا لا تتحوَّل القصة إلى مجرد خبر فحسب؛ ولكنها تعطي إشارة البدء بتنفيذ دعوة إبراهيم عليه السلام وتحويلها إلى أرض الواقع، وحث المؤمنين على الاستجابة لها؛ بذكر المنافع المتحققة لهم في دنياهم وأخراهم.

 

وفي قصة موسى عليه السلام نجد أن ملخصًا موجزًا بمجريات الأحداث، يسبق بداية القصة، ويمثِّل إضاءة عامَّة لها، من بدايتها إلى نهايتها، دون دخول في التفصيلات، أو عرض للجزئيات، مما يعطي تصورًا عامًّا عنها[4]، يقول - تعالى -: ﴿ طسم * تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ * نَتْلُو عَلَيْكَ مِنْ نَبَأِ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالْحَقِّ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ * إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلاَ فِي الأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ * وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ ﴾ [القصص: 1، 6].

 

ومن شأن هذه البداية إحاطة المرء بالقصة في صورة موجزة، وحفْز اهتمامه إلى معرفة كيف حدث هذا، ثم تبدأ القصة بعد ذلك في عرْض مجريات أحداثها وتفصيلاتها، وحين تختم يتكرر ذِكر امتنان الله على رسوله محمدٍ - صلَّى الله عليه وسلَّم - بذكر هذه المعلوماتِ الدقيقةِ الصحيحة، التي ما كان له أن يقف عليها وينتفع منها لولا رحمةُ الله، ثم يذكر - تعالى - غرضًا رئيسًا من ذلك، وهو إنذار قومه الذين لم يكونوا يعلمون بهذه الأمور؛ رجاء أن تكون سببًا في تذكيرهم وإيقاظ قلوبهم من الغفلة، بذكر سنة الله - تعالى - في الذين ضلُّوا من قبلهم: ﴿ وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ ظَهِيرًا لِلْكَافِرِينَ * وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾ [القصص: 86 - 87].

 

2- ما قبل البداية وما بعد النهاية في القصة القصيرة:

لقد رأينا في قصتَي إبراهيمَ وموسى - عليهما السلام - أمثلةً بارزة على مجيء القصة القرآنية ضمن إطار عام، يمنح كلَّ قصة تناسقًا متميزًا، بحيث يسبق البدايةَ تمهيدٌ أو تشويق، ويعقب نهايةَ القصة بيانٌ لجوانب العِبرة، وليس ذلك الحكم خاصًّا بتلك النماذج السابقة، التي جاءت فيها القصة القرآنية مفصلة، تتَّسم بشيء من طول العرض؛ بل نجد تحقيقَ الاتِّساق العام في القصص التي تذكره موجزة، فإن من المألوف أن يسبق عرضَها إضاءةٌ لها، بجعلها تجسيدًا عمليًّا لحكم من الأحكام، ثم يعقب نهايةَ تلك القصص إبرازُ أمرٍ من الأمور يمثِّل أهمية خاصة ينبغي التأكيد عليه.

 

من ذلك أن القرآن الكريم قد مهَّد لعرض عِدَّة قصص من قصص الأنبياء، فقال - تعالى -: ﴿ نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ ﴾ [الحجر: 49، 50].

 

تبع ذلك ذكرُ قصة ضيف إبراهيم، وقصة لوط، وقصة أصحاب الحجر، وهي قصص يتجلَّى فيها ذلك الوصفُ الكريم الذي وصَف المولى به نفَسه من أنه هو الغفور الرحيم، وأن عذابه هو العذاب الأليم.

 

وتبع ذِكرَ تلك القصص مباشرةً قولُه - تعالى -: ﴿ وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ * إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ * وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ * لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ * وَقُلْ إِنِّي أَنَا النَّذِيرُ الْمُبِينُ ﴾ [الحجر: 85، 89].

 

حيث يختم - تعالى - هذه القصص بمثل ما بدأها به من الثناء على نفسه، وتصبير الرسول - صلَّى الله عليه وسلَّم - على قومه، والصفح الجميل عنهم، فإن لهم موعدًا لن يخلفوه، ودعوته إلى الاعتزاز بنعمة الله عليه بالقرآن والرسالة، وأنها خيرٌ من الدنيا وما فيها، وهي إشارة لطيفة إلى أن سبب هلاك تلك الأقوامِ اغترارُهم بالدنيا وإعراضُهم عن الآخرة.

♦ ♦ ♦


المبحث الثاني: البداية الموسعة والنهاية المفتوحة:

1- قصة آدم عليه السلام:

تظلُّ الإنسانية في لهفة لمعرفة بداية وجودها، ويذهب الباحثون في أصل الإنسان كلَّ مذهب في تخيُّل صورة الإنسان الأول، وكيفية وجوده، ولكن الأدوات التي يملكونها أضعفُ من أن تُوصل إلى الرأي اليقين، ويظلُّ أولئك يقذفون بالغيب من مكان بعيد[5]، فيما يكرم الله - تعالى - عبادَه المؤمنين بتعريفهم ببداية الخلق في تفصيل وبيان مدهشين يشفيان الغليل، ويحس المؤمن أنه قد أمسك بطرف خيط الموضوع.

 

فقد سجل القرآن الكريم بداية آدم أبي البشر التي تمثِّل البداية الحقيقية للإنسان: ﴿ وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 30].

 

إن الآيات السابقة لا توقفنا على بداية آدم عليه السلام فحسب؛ ولكنها تطلعنا على الظروف التي أحاطتْ بها، فتسجل الآياتُ حوارًا في الملأ الأعلى بين الله - عزَّ وجلَّ - وملائكته، بشأن ذلك المخلوق الجديد الذي سوف يسكن الأرض، وحين يخلق الله - تعالى - آدمَ، يأمر الملائكة بالسجود فتسجد، ويأبى إبليس أن يسجد؛ استكبارًا وحسدًا: ﴿ وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴾ [البقرة: 34].

 

وتتوالى الأحداث في البداية في تتابُعٍ موجز، ودقة متناهية، تشهد بالإعجاز البياني في القرآن.

 

ويدْعو الله - تعالى - آدم أن يسكن الجنة، وينهاه عن الأكل من شجرةٍ معينة؛ امتحانًا وابتلاءً له، ﴿ فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ﴾ [البقرة: 36].

 

فبداية القصة تتضمَّن التشويق والإثارة من خلال ذلك الخبر الذي أخبر به المولى - عزَّ وجلَّ - ثم نجد صداه يرفع مستوى ذلك التشويقِ وتلك الإثارة، بسؤال الملائكة، الذي يكشف عن خوفها من الله - تعالى - وكمال فضله، فكأنها - وهي على ما هي عليه من العبادة - تخشى أن تكون قد قصَّرت في طاعة ربها، "فسؤالها سؤال استكشاف، وليس سؤال استنكار"[6].

 

فقد عصَمَهم الله - تعالى - ممَّا يتلبَّس به الإنسان من المعصية والحسد، وتنتهي القصة بمشهد آدمَ وحواءَ يستغفرانِ ربَّهما، ويعترفان بذنبهما، فقد خُيِّر إبليس فاختار الإنظار على التوبة، فكان جزاؤه اللعن والطرد من رحمة الله، وخُيِّر آدم فاختار التوبة، ووقف مع زوجه موقف المنيب، الراجي لفضل الله وكرمه، الذي يشعر بأنه لا منجا ولا ملجأ من الله إلا إليه ﴿ قَالَا رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ﴾ [الأعراف: 23].

 

وموقف التوبة فيه تزكيةٌ وتطهير، فإن الأعمال بخواتيمها، وكما بدأت القصة بمظهر التكريم المشتمِل على خلق آدم وسجود الملائكة له، فقد انتهتْ بنهاية يؤوب فيها آدم وحواء إلى الله - تعالى - نادمينِ معترفين بخطئهما ﴿ فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ فَتَابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 37].

 

ويفيد تكرار الأمر بالهبوط في قوله - تعالى -: ﴿ قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا ﴾ [البقرة: 38]، بعد قوله - تعالى -: ﴿ وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ ﴾ [البقرة: 36]؛ لئلا يظن أن التوبة ألغت الأمرَ الأول بالهبوط[7].

 

فنحن من خلال هذه النهاية نرى شريط الأحداث يتوقَّف عند هذا الموقف؛ لأنه الموقف الأهم، وتظل نهاية الشخصيات غير مقصودة؛ لأن عنصر الحدث هو العنصر البارز، فالحياة لم تنتهِ من خلال هذه النهاية؛ ولذا لم يُشِر إلى نهاية الشخصيات، وإنما الذي انتهى فقط هي مرحلة من مراحل تلك الحياة، فالنهاية لتلك، بداية لمرحلة أخرى تستمر لدى آدم وذريته إلى قيام الساعة، إنها نهاية مفتوحة، وكأنما التحدي الذي عاشه آدم عليه السلام سيتكرر بصورة، أو أخرى، لدى كلِّ أبنائه من خلال الالتزام بهدي الله - تعالى - أو الإعراض عنه ﴿ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ﴾ [البقرة: 38].

 

فأمام آدم وبنيه طريقان لا ثالث لهما: إيمان أو كفر، هدى أو شقاء، فلاح أو خسران[8]، ويستمرُّ النداء الإلهي الكريم داعيًا إلى اتِّباع هدى الله؛ لأن ذلك وحده هو الذي يعصم الإنسانَ من الضلال والشقاء، ويقيه النارَ، ويُدخِله برحمة الله الجنة، وبذا يظلُّ صدى ذلك النداء باقيًا مدى الدهر.

 

ويُوازِن الأستاذ سيد قطب بين نهاية قصة آدم كما وردت في القرآن بجعل الهبوط والاستغفار آخِر القصة، وكما وردت في التوراة، فيرى أن ختام القصة في القرآن قد تحقَّق فيه المستوى الإبداعيُّ الرائع، الذي ترك نهاية القصة مفتوحة للخيال؛ لتذهب في تصور آدم وزوجه في الأرض غريبين لم يعرفَا أقطارَها، ولم يتعوَّدا حياتها، وليس لهما من خبرة بالمعاش فيها، إلى آخر ما يتملاه الخيال من مشاهِدَ وفروضٍ[9].

 

إن الامتحان الذي خاضه آدمُ عليه السلام سيخوضه أبناؤه، ويتعرضون لمثل ما تعرَّض له من إغراء الشيطان وفتنته، فالقصة نفسُها تتكرَّر في البشر إلى قيام الساعة، وتغدو المحرَّمات التي حرَّمها الله - تعالى - على عباده ونهاهم عنها، المعادلَ الموضوعي لتلك الشجرةِ التي نُهِيَ آدم عليه السلام عن الأكل منها، ويتمحض الناس إلى فريقين:

فريق يطيع الله - عزَّ وجلَّ - ويعصي الشيطان، فيكون جزاؤه الجنة، وفريق يعصي الله - عزَّ وجلَّ - ويطيع الشيطان، فيكون جزاؤه جهنم - والعياذ بالله.

 

2- قصة عيسى عليه السلام:

ومن قصص القرآن التي تبدأ بداية موسَّعة وتنتهي بنهاية مفتوحة، قصةُ عيسى عليه السلام التي تبدأ بقصة أخرى، هي قصة مريم - عليها السلام - وأمها امرأة عمران المرأةُ الكريمة في الأسرة الكريمة، التي اصطفاها الله على العالمين؛ فهي بيئة طيبة تمثِّل الطُّهرَ والعفاف والنقاء في أجلِّ صوره ومظاهره.

 

فتنذر امرأةُ عمرانَ لله - تعالى - ما في بطنها، وحينما تضع مولودَها تفاجأ بأنها أنثى، ولكنها مع ذلك تظل وفيةً بنذرها، وتنشأ مريم - عليها السلام - في كفالة زكريا على خير ما تنشأ عليه الفتاةُ المؤمنة الكريمة، ويصطفيها الله - عزَّ وجلَّ - لتكون أمًّا لعيسى عليه السلام ثم تتتابع التفصيلات الدقيقة لحقيقة ما جرى بعد ذلك حيث يرسل الروح القدس.

 

وتمضي قصة مريم في أحداث صاعدة، كلُّ حدث أقوى إثارةً من سابقه، بدءًا من رؤيتها الروحَ القدس ونفخه فيها من روح الله، وحتى تضع حملها، فتقول في لهفة: ﴿ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنْتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا ﴾ [مريم: 23]، فكيف ستواجه قومَها؟ وأنَّى لهم أن يصدِّقوا أنها ما زالتْ عفيفة طاهرة، ومعها هذا المولود؟ ثم تنزل عليها السكينةُ والطمأنينة، فتأكل وتشرب، وتقرُّ عينًا، ويذهب روعها، وتعلم أن ما حدث آيَة معجزة فضَّلها بها الله – تعالى - ولن يخذلها؛ فهي دليل فضلٍ وكرم، ولن يخذلها الله - عزَّ وجلَّ.

 

وتنتقل الدهشة إليهم، فيسألون في تعجب واستنكار: ﴿ يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا * يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا ﴾ [مريم: 27- 28]، إن الهزَّة لتطلق ألسنتهم بالسخرية والتهكُّم على (أخت هارون)، وفي تذكيرها بهذه الأخوَّة ما فيه من مفارقة، فهذه حادثة في هذا البيت لا سابقة لها، ما كان أبوك امرأ سوء، وما كانت أمك بغيًّا، فأشارت إليه، ويبدو أنها كانت مطمئنَّة لتكرار المعجزة هنا، أمَّا همْ، فما عسى أن نقول في العجب الذي يساورهم، والسخرية التي تجيش بها نفوسهم، وهم يرَوْن عذراء تواجههم بطفل، ثم تتبجح فتشير إليه، ليسألوه عن سرِّها ﴿ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا ﴾ [مريم: 29][10].

 

وفي مشهدٍ مثير تكلَّم ذلك الغلام مُبعِدًا كلَّ شائبةِ نقصٍ تلحق بوالدته، ومظهرًا كرامتَها عند ربها ﴿ قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا * وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا * وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا * وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا ﴾ [مريم: 30- 33].

 

ويصبح دليل الاتِّهام نفسُه دليلَ البراءة، والتأييد الرباني الذي جعل من تلك البراءة حقيقةً من الحقائق العظمى في تاريخ الأنبياء والرسل - صلوات الله وسلامه عليهم - ولأن المهم في مجال بحثنا هو الحديث عن البداية والنهاية فحسب؛ فإننا سنطوي الذِّكر صفحًا عن تفاصيل حياة المسيح عليه السلام لنقف على آخر مشهد في حياته، وهو مشهد مؤامرة اليهود لقتله وصلبه، أو ما بدَا للمتآمِرين أنهم قد قتلوه عليه السلام في حين أن الذي قُتل هو شبيهه، أما عيسى عليه السلام فقد رفعه الله إليه ﴿ وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ ﴾ [النساء: 157].

 

وقد تداخلتْ في نهاية هذه القصةِ الدنيا مع الآخرة على نحو لا نشهده في أيِّ قصة أخرى، فنهايتها الأولى تتضمَّن اختفاء (البطل) بانسحاب مؤقت عن مسرح الأحداث، ويظلُّ غير المؤمنين في حيرة من أمرهم، ويختلفون في موته كشأن اختلافهم في مولده.

 

هذه هي النهاية الأولى في الدنيا، ولكنها لا تمثِّل خاتمة المطاف؛ بل تنقلنا القصةُ لتصوُّر عيسى عليه السلام يقف يوم القيامة على رؤوس الأشهاد متبرئًا من الذين اتخذوه وأمَّه إلهين من دون الله، وهي خاتمة تسجِّل ضلال الذين عبدوا عيسى عليه السلام وتؤكِّد أنه هو نفسه لا يرضى بذلك، فهو عبد الله ورسوله، فضلاً أن يكون قد أمرهم بذلك؛ إنما كان قوله لهم: ﴿ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ ﴾ [المائدة: 117].

 

وبذا يسقط في يد كلِّ الذين أشركوا به، ويعلمون أنهم قد ضلَّ ضلالهم: ﴿ وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ * إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ﴾ [المائدة: 116، 118].

 

إنها نهاية تبعث على الرهبة في ذلك اليوم المشهود، وفي خطاب المولى - عزَّ وجلَّ - لعبدِه عيسى عليه السلام وفي تبرُّؤ الرسول من الذين أشركوا به، مؤكدًا أنه قد بلَّغ الرسالة، وكان شهيدًا عليهم طوال وجوده معهم، ثم يَكِلُ الأمر كلَّه لله - عزَّ وجلَّ - إن شاء عذَّبهم، وإن شاء غفر لهم، فالكل عبيده - سبحانه وتعالى.

♦ ♦ ♦


المبحث الثالث: الارتباط العضوي بين البداية والنهاية:

1 - قصة إبراهيم عليه السلام:

ومن أبرز القصص التي يتجلَّى فيها عنصر الربط واضحًا بين البداية والنهاية، قصةُ إبراهيم عليه السلام ولقد كان أولُ مشهدٍ نرى فيه إبراهيمَ عليه السلام مشهدَه وهو صبي صغيرٍ يقلِّب طرْفه في ملكوت السموات والأرض، ويتظاهَر أمام قومه أنه يبحث في لهفة عن الهداية إلى الدين الحق، لقد رآهم يعبدون أصنامًا يتَّخذونها آلهة، لم يكن إبراهيم شاكًّا أو ضالاًّ عن معرفة ربه - عزَّ وجلَّ[11].

 

لكنه أراد أن يتدرِّج في ترقيَة عقولهم، فجعل تساؤله تساؤلاً خارجيًّا شارَكَه قومه فيه، وتابعوا معه الاحتمالات المناسبة: من كون الرب هو الكوكبَ، أو القمر، أو الشمس؛ حيث يتجلَّى للجميع ضعفُ هذه المخلوقاتِ وأفولها، في مشهد لا يقبل الجدلَ، وتشرق اللحظة المعرفية التي ينتظرها إبراهيم عليه السلام فالربُّ - عزَّ وجلَّ - أعظم من "كوكب يلمع، أو قمر يطلع، أو شمس تسطع، ولا يجده فيما تبصر العين، ولا فيما يحسه الحس، إنه يجده خالقًا لكل ما تراه العيون، ويحسه الحس، وتدركه العقول"[12].

 

وهنا يقرِّر بجلاء أن هذه المخلوقاتِ كلَّها لا تصلح أن تكون آلهة ﴿ وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ * فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ * فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغًا قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ * فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ * إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾[الأنعام: 75- 79].

 

وفي المشهد السابق يتجاوَز إبراهيمُ مرحلةَ الكشف عن الخطأ، إلى مرحلة عمل الصواب، حين يخاطبهم بقوله: ﴿ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ﴾، ويذهب بعض الباحثين إلى أن حوار إبراهيم عليه السلام السابق في سورة الأنعام، يكشف عن خطوات التفكير العلمي في حلِّ المشكلات؛ ويتمثل هذا المنهج في أن خليل الله إبراهيمَ عليه السلام قد شعر بوجود مشكلة أولاً، وثانيًا جمَعَ بياناتٍ كافيةً حول موضوع المشكلة، وثالثًا وضع الفروض، ورابعًا قوَّم فروضه، ووصل في نهاية المطاف إلى هدفه المنشود[13].

 

والأمر لا ينتهي بهذا الاكتشاف المُثِير فحسب؛ لكن مشهد البداية يستمرُّ في رصد التداعيات التي أحدثها موقفُ إبراهيم عليه السلام حين راح الملأ يحاجُّونه: ﴿ وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ * وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [الأنعام: 80، 81].

 

لكنه كما انتصر في إيضاح ضلالهم باتِّخاذ تلك الأصنام، فقد انتصر أيضًا في دفع كل شبهة ألبستْ على أذهانهم وخُيِّل لهم معها أن لديهم ما يسند موقفَهم الهش الضعيف، واليقين الذي انتهى إليه إبراهيم لا يظل في إطار المعرفة، لكنه يتحوَّل إلى موقف تطبيقي؛ حيث يمضي إلى تلك الأصنامِ يحطمها ويجعلها جذاذًا، يحطمها في الحس كما حطَّمها في النفس، ويجعلهم يعترفون بأنفسهم بأنهم ضالُّون، وعلى هذا النحو تمضي قصة أبي الأنبياء تعرض مشاهدَ من الإيمان الذي لا يتزعزع.

 

وفي القصة تتجلَّى شخصيةُ الداعية الذي يواجه مختلفَ الظروف بما يناسبها؛ فهو: "الداعية الحكيم في مواجهة السلطان، والداعية البصير في نقضه لمعبودات قومه، والداعية الشجاع في تحطيم الأصنام ومحاجَّة قومه، والداعية الشفيق في محاجَّته لوالده، ودعوته إياه، واستغفاره له"[14]، وقد تعرَّض عليه السلام لصنوف الابتلاء: من الطرد، والإيذاء، والإلقاء في النار، والأمر بذبح ابنه؛ لكنَّه خرج من كل ابتلاء ظافرًا منتصرًا.

 

ثم توَّج إبراهيم عليه السلام حياتَه الرائعة ببناء بيت الله الحرام، وهو آخر مشهد نراه فيه، حين يقوم على جبل عرفة يؤذن للناس بالحج: ﴿ وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ * وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَى كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ ﴾ [الحج: 26- 27].

 

وانتهاء قصة إبراهيم بهذه النهاية تجعل ذلك النداءَ يبدو في صورة مستمرَّة، ومشهده عليه السلام لا يبرح مخيلتنا وهو يؤذن بالحج، ويتوافد حُجاج بيت الله إلى ذلك المكان الطاهر؛ تلبيةً لذلك النداء الكريم، الذي تتجاوَب النفوسُ المسلمة معه، وتتأثر به، وتهرع إلى أداء النسك على النحو الذي أدَّاه أبوهم إبراهيم - عليه السلام.

 

وجمالية هذه النهاية تقوم على بقاء المشهد الأخير حيًّا مؤثِّرًا، فلم يعد المشهد مجرَّد تاريخ ماضٍ، ولكنه حاضر في واقع الحياة كلما حجَّ حاجٌّ إلى هذا البيت.

 

والنهاية ترتبط ارتباطًا عضويًّا ظاهرًا بتلك البدايةِ التي بدأتْ فيها قصةُ إبراهيم عليه السلام فهو هناك صبي يتظاهَر بالبحث عن الإله، وهو هنا شيخ كبير، عرف ربَّه - عزَّ وجلَّ - وآمَن به، وبنى بيته، ودعا إلى حجه؛ فالارتباطُ بين البداية والنهاية في القصة واضحٌ جلي.

 

2- قصة يوسف عليه السلام:

ومن قصص القرآن التي يتجلَّى فيها الارتباطُ بين بداية القصة ونهايتها، قصةُ يوسف عليه السلام حيث تبدأ بدايةً مُثِيرة للتشويق، وهي بداية هادئة تزيح الستارَ عن المشهد ببطء: ﴿ يَا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ ﴾ [يوسف: 4]، وتتحوَّل تلك الرؤيا إلى ما يشبه اللغز المحيِّر بما تضمَّنه من رمز خفي على يوسف عليه السلام لكن الأب عرف دلالته واستبشر به، ثم توالَتْ أحداث الحياة فيما بعد لتحيله من مجرَّد رؤيا إلى أمر واقعي، وخلال تلك الأحداث ينتقل الرسول الكريم في أوضاع متقابلة: طردًا وتشريدًا، وإغواءً وسجنًا، وفقرًا وغنى.

 

وفي مشهد البداية ينشأ حوارٌ بين يوسفَ وأبيه - عليهما السلام - وحظُّ الأب أكبرُ من حظِّ الابن في هذا الحوار، فالابن ذَكَر لأبيه تلك الرؤيا ولم يعقِّب، وظل يستمع بإنصاتٍ إلى ما يقوله والدُه عن هذه الرؤيا العجيبة، أمَّا الأب فكان وقوفه على خبر تلك الرؤيا داعيًا إلى التعامل معها بطول نفَس، والتأكيد على أهمية أن يبقى خبرُ هذه الرؤيا سرًّا من الأسرار، لا يذيعه على إخوته، ولا يبوح به لأحد منهم ﴿ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ ﴾ [يوسف: 5]، مبينًا مغبَّة مخالفة هذا الأمر، حيث يناصبونه العداء، وينافسونه على هذا الفضل ﴿ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا ﴾ [يوسف: 5]، وتنبيهه إلى عنصر الشر الذي سوف يحرِّكهم ضده؛ ﴿ إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ [يوسف: 5].

 

وفي إطار هذه التحذيرات يؤكِّد على دلالة الفضل العظيم التي تبشر به: ﴿ وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ وَيُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَعَلَى آلِ يَعْقُوبَ كَمَا أَتَمَّهَا عَلَى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ﴾ [يوسف: 6][15].

 

بعد هذه البداية تمضِي القصة في تنقُّلات عجيبة، وأوضاعٍ مختلفة، حتى يوقفنا القرآنُ على مشهد النهاية، وهي نهاية سعيدة مُفرِحة، تغمرها بهجةُ اللقاء بعد طول فراق، وتخضلُّ العيون بدموع الفرح، وفي هذه النهاية نلاحظ كثرةَ الأحداث وتتابعها في إيقاع سريع، مؤذِن بقرب الخاتمة، حيث يدخل الإخوة ومعهم أبوهم وأمُّهم على يوسفَ في ملكه وسلطانه، فيدعوهم للاستقرار الآمِن في مصر، ويرفع أبويه على العرش احتفاء وتكريمًا، وبعد ذلك يخرُّ الجميع له سُجَّدًا، فيرى أمام عينيه المشهد نفسَه الذي رآه في المنام، لقد تحقَّقت الرؤيا بكل تفصيلاتها، ويخاطب أباه: ﴿ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ﴾ [يوسف: 100].

 

إنه يعدِّد نِعَم الله عليه ولطفه به، ولأن نعمه - تعالى - لا تحصى؛ فإنه يذكر ما يناسب المقام، ومن أبرزها: تحقق تلك الرؤيا المباركة، وإخراجه من السجن، وانتقال أهله من حياة البداوة بما فيها من جفاء وشظف، إلى حياة المدينة بما فيها من لطف وهنية عيش، وإصلاح ما بينه وبين إخوته، والملاحظ أن يوسف عليه السلام لم يستثمر قوته للبطش والانتقام؛ وإنما قابل فعلتهم بالصفح والغفران.

 

وبعيدًا عن الغرور والعجب، يحيل النبي الكريم نصر الله إلى موقف شكر له - سبحانه - على كمال إفضاله وإنعامه، وبعد أن سوَّى كل شيء بينه وبين أسرته، انتقل إلى الأمر الأهم، وهو رفع آيات الحمد والثناء على الله - عزَّ وجلَّ - في حديث ضارعٍ، يبدأ بتعداد تلك النعم والإقرار بها، وينتهي بسؤاله المزيد[16].

 

فلقد ذاق يوسف عليه السلام الدنيا: حلوها ومرها، وعرف أنها ليست بشيء؛ ولذا اشتاق إلى ما عند الله من نعيم، فما كان الجاه والسلطان ليصرفاه عن أمنيته الغالية بأنْ يتوفَّاه الله مسلمًا، وأن يلحقه بالصالحين من عباده[17].

﴿ رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ ﴾ [يوسف: 101]، وتبقى روعة هذه النهاية في تسجيلها لهذا المشهد الاحتفالي الرائع، ممَّا لا يمكن أن يبلغه إلا هذا التعبيرُ القرآني المعجِز.

♦ ♦ ♦


المبحث الرابع: نهاية القصة بنهاية الأحداث:

1- نهاية قصة نوح:

قصة نوح عليه السلام مثل أكثر قصص الرسل الآخَرين التي نرى فيها الواحد منهم أوَّل ما نراه في موقف دعوة، وقد بلغ الأشدَّ، وتلقَّى الوحي وأُمر بالبلاغ، ونهايات قصص هؤلاء الرسل تنطق بالسنة الإلهية التي لا تتخلَّف، ﴿ ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا ﴾ [يونس: 103].

 

وهي واقعة لا محالة وإن بدَتْ في وقت من الأوقات بعيدة المنال ﴿ حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ﴾ [البقرة: 214]، ولذا فإن عنصر النهاية يعد هو العنصر الأهم، ولذا تسلط عليه الأضواء، ويبدو المشهد النهائي معروضًا عرضًا موسعًا، وتُتاح له مساحةٌ أكبر في مجال القصة، ولعل ذلك العرض الموسَّع يهدف إلى استبقاء صورة النهاية في الذهن؛ لأنها الحلقة الأهم التي تتجلَّى فيها العبرة والموعظة على أقوى ما تكون.

 

لقد أبدى نوح عليه السلام صبرًا غير عادي على تكذيب قومه، واستغرقت منه الدعوة قريبًا من ألف سنة، فما كَلَّ ولا مَلَّ، حتى تأكَّد له أن القوم لن يسلموا ﴿ وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آمَنَ ﴾ [هود: 36]، فترَكَهم وما هم عليه، ودعا الله - تعالى - أن ينتقم منهم، وفي مشهد النهاية يظهر نوح عليه السلام وقد أتَمَّ صناعة الفلك، وأصبح ينتظر الإشارة الإلهية ليركب السفينة مع المؤمنين من قومه.

 

وتُطالِعنا قصَّة نوح مع ابنه، وهي حلقة من حلقات النهاية في هذه القصة؛ فنوح عليه السلام يدعو ابنه إلى ركوب سفينة النجاة، والابن يرفض ذلك ويُدِير ظهره لدعوة أبيه، وينضمُّ إلى الذين يتسابَقون إلى صعود الآكَام والجبال، طمَعًا في السلامة، مع أن الأب يؤكِّد له أن ذلك لا ينفعه، ويستمرُّ الحوار لا ينهيه إلا الموج الذي يَحُول بينهما؛ فيهلك الابن غرقًا وتطفو جثَّته على سطح الماء مع جثث الغارقين من قومه: ﴿ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ * قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ ﴾ [هود: 42- 43].

 

وبعد هلاك القوم الكافرين غاضَ ماء الأرض، وتوقَّف مطر السماء، وعادت الأمور إلى ما كانت عليه: ﴿ وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الْأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ﴾ [هود: 44].

 

وبدَت الأرض في خلق جديد ولم يعد على ظهرها إلا هذه الثلَّة المؤمنة، التي رأتْ مصارع القوم، ووَعَتْ رعاية الله لها وحفظه.

 

إن حشد تلك الأحداث الكثيرة المهمَّة في هذا الحيِّز لَيُعطِي النهاية طابع الإثارة الذي يأخذ بمجامع القلوب، وإذا كانت الأحداث قد انتهَتْ فإن ذلك يعني أن القصة قد بلغت أمدها ووصلت إلى نهايتها؛ لأن الاتِّجاه السائد فيها هو اتِّجاه الأحداث، والتركيز عليها وإبراز ما فيها من مواطن الاعتبار.

 

فتتوارَى الشخصيات ويصبح دورها تحريك تلك الأحداث، وتبادل التأثُّر والتأثير معها؛ ولهذا - والله أعلم - لم تسجل نهاية تلك الشخصيات التي كانت على ظهر السفينة؛ لأنها لن تمرَّ على امتحان أعظم من ذلك الامتحان الذي تخطَّته بنجاح، فالحديث عنها بعد ذلك يُضعِف فنية النهاية ويسحب منها طابع القوة والتأثير.

 

2- قصة موسى عليه السلام:

تُعَدُّ قصة موسى عليه السلام أكثر قصص القرآن تكرارًا[18]، وتتضمَّن سيرته ولادة موسى في قصر فرعون، وخروجه إلى مدين، وتكليم الله - تعالى - له، ثم سيرته مع بني إسرائيل، ويعنينا أن نقف على نهاية هذه القصة التي تتمثَّل في مشهد تحريضه بني إسرائيل على دخول الأرض المقدَّسة ﴿ يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ ﴾ [المائدة: 21]، إنه يقدِّم لهم البُشرَى بوعد الله - تعالى - لهم، ويسمِّي البلاد بأزكى أسمائها ﴿ الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ ﴾ تشجيعًا لهم، ويؤكِّد لهم أنها معركة محسومة النتيجة سلفًا، فقد كتَبَها الله لهم، ومع ذلك يتثاقلون ويخلدون إلى ما ألفوه من الذل والهوان، ويرفضون الجهاد، ويظلُّ يتودَّد إليهم ويحرضهم على القتال، ولكن لا فائدة؛ لأنهم يريدون نصرًا بلا معركة!

 

والحل في رأيهم أن يخرج القوم الجبَّارون من تلقاء أنفسهم ويسلموا لهم البلاد وهو أمر يرفضه منطق الواقع ﴿ قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ ﴾ [المائدة: 22]، ولعل في تكرار: ﴿ حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا ﴾ ما يكشف عن الصدق التعبيري في تصوير الجبن والخَوَر الذي ابتُلِي به بنو إسرائيل، وحين أكثر عليهم في ذلك قالوا قولتهم المنكرة: ﴿ فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ﴾ [المائدة: 24].

فلمَّا قالوا ما قالوه أحلَّ الله عليهم عقوبته ﴿ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ ﴾ [المائدة: 26].

 

وبهذا الخطاب الإلهي يدخل بنو إسرائيل في التِّيه، وينتهي الفصل الأخير من قصة موسى عليه السلام فلا يَرِد ذكر بعد هذه الحادثة فلقد وفَّى بالأمانة وجاهَد في الله حقَّ جهاده، ولم يعد هناك ما يفعله معهم، أمَّا بنو إسرائيل فدخَلوا في التِّيه أربعين سنة، والمشهد السابق يحدِّد بدء هذا التِّيه إيذانًا بأن تذهب النفس في استبقاء مشهد التِّيه كل مذهب، وهي نهاية مأساوية مؤلمة، تظلُّ مثيلات لها متكرِّرة في تاريخهم الطويل مع أنبياء الله ورسله.

 

ويظلُّ ذلك الانطباع هو الأثر النفسي الذي يدوِّي في الذاكرة كلَّما ذكرت تلك القصة، وكأنهم ما زالوا حتى الآن في تيههم الذي دخلوه ذات، يوم وهذا ما جعل الأستاذ سيد قطب يُبدِي إعجابه بهذه النهاية المثيرة لقصة موسى عليه السلام مع قومه ويتساءل: " ترى أكان هناك ختام فني أجمل من مشهد التِّيه في نهاية ذلك الجهد الجهيد، وبعد ذلك التردُّد الشديد؟ إن مشهد التِّيه هو المشهد الفني الأنسب"[19].

 

هذا عن نهاية قصة موسى عليه السلام مع قومه، أمَّا نهاية موسى نفسه فقد سجَّلته السنة النبوية فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((أُرسِل ملك الموت إلى موسى عليه السلام فلمَّا جاءه صكَّه؛ فرجع إلى ربِّه فقال: أرسلتَنِي إلى عبدٍ لا يريد الموت، فردَّ الله عليه عينه وقال: ارجِع، فقل له: يضع يده على متن ثور؛ فله بكلِّ ما غطَّت به يده بكلِّ شعرة سنة، قال: أي رب، ثم ماذا؟ قال: ثم الموت، قال: فالآن، فسأل الله أن يُدنِيَه من الأرض المقدَّسة رميةً بحجر، قال: قال رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: فلو كنت ثَمَّ لأريتكم قبره إلى جانب الطريق عند الكثيب الأحمر))[20].

♦ ♦ ♦


المبحث الخامس: نهاية القصة بنهاية الشخصيات:

1 - نهاية قصة سليمان عليه السلام:

تأتي نهاية قصة سليمان عليه السلام مُثِيرة مدهشة؛ حيث يبدو واقفًا متَّكئًا على عصاه فلا يظنُّ أحد أنه ميت، ويخفى الأمر على الجن أنفسهم مع أنهم على مقربة منه، لقد أمر سليمان الجن بالعمل، وكان يعرف شرَّهم وخطورتهم فأخذَهَم بالشدة والعذاب.

 

والقصة القرآنية تختصِر الكثير لتُظهِر سليمان وقد قضى الله عليه بالموت واقفًا ﴿ فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ ﴾ [سبأ: 14].

 

ها هو ذا سليمان واقف يتَّكئ على عصاه يرقب عمل الشياطين والجن، وهم يصنعون له ما يشاء، ويؤدُّون أشغالاً شاقَّة، قد أصابهم العناء والتعب، ونبيهم لا يعطيهم فرصة للراحة، بل ما زال واقفًا أمامهم، ترَك كل أعماله، ووجَّه اهتمامه لهم؛ فأنَّى لهم أن يكسلوا أو يتهاونوا، إن عينيه تنظران إليهم وترصد كلَّ حركة من حركاتهم، وبمرور الوقت يتحوَّل العمل إلى عذاب مهين لا يُطاق، ذلك كله وسليمان عليه السلام واقِف على رؤوسهم، يخشون بطشه وعقابه، ويستمرُّ الأمر وهم لا يعلمون أنه قد توفي، وأن الماثِل أمامهم هو الجسد فقط، أمَّا روحه فقد صعدت إلى بارئها.

 

ها هم الجن الذين يظنُّ الناس أنهم يعلمون الغيب، يجهلون وفاة سليمان عليه السلام وهو قريبٌ منهم، فأي دليلٍ أعظم من هذا الدليل يفضح دعواهم ويكشف زيفها، ولكن وقوف سليمان عليه السلام لا يستمرُّ إلى ما لا نهاية؛ إذ يسلِّط الله دابَّة الأرض فتظلُّ تأكل عصاه، وحينئذ يهوي جسده على الأرض، وتكتشِف الجن موته، ولكن بعد فوات الأوان، وبعد أن أخذ منها التعب كل مأخذ.

 

وهذه النهاية المؤثِّرة تسجِّل أبعادًا فاعِلة في حياة الناس الذين يعتقدون، بالجن وعلمهم الغيب، ولا يزال في ضِعاف الناس إلى يومنا هذا مَن يظن ذلك الظن، ويخافهم ويعوذ بهم، ومشهد نهاية سليمان عليه السلام يحمل أمرًا يتعلَّق بالتوحيد وإخلاص العبادة لله وحده، فها هو ذا سليمان عليه السلام الذي بلَغ من القوة والعظمة في الملك ما لا يبلغه أحدٌ من بعده، لا يستطيع أن يمنع عن نفسه الميتة التي كتَبَها الله عليه.

 

والعجيب اختيار الأستاذ سيد قطب أن تكون نهاية قصة سليمان هي مشهده وهو يحكم في الحرث ويعلِّل ذلك بقوله: "مشهد الحكم والحكمة هنا له قيمته الفنية أيضًا في حياة سليمان، فهو "سليمان الحكيم" كما يُلقَّب، وهو "سليمان الملك"، وفي هذا الحكم المبكِّر شاهِد بالحكمة الموهوبة وإرهاص للملك العريض، ثم هي طريقةٌ من طرق العرض؛ أن تنتهي قصة البطل بمشهدٍ من مشاهد طفولته أو صباه ذي علاقة وثيقة بمحور قصَّته من البدء للختام.

 

وما قاله الأستاذ سيد قطب مُستَبعد؛ إذ إن مشهد النهاية ليس محلَّ اختيارٍ مِنَّا، وإنما القصة القرآنية نفسها هي التي تحسِم ذلك الأمر وتحدِّده، فما دام أن القرآن الكريم قد صوَّر قصة وفاة سليمان عليه السلام فإن هذه الحلقة بالضرورة هي خاتمة القصة، واختيار حلقة أخرى من حلقات الحياة غير هذه النهاية يُخالِف منطق سير الأحداث، فضلاً عن أن هذه النهاية تحقِّق غرضًا مؤثرًا يجعلها لو لم تكن بالفعل هي نهاية القصة، لكان الأَوْلَى اختيارها على غيرها من المواقف.

 

2- نهاية قصة الرجل المؤمن:

أمَر الله نبيَّه - صلَّى الله عليه وسلَّم - أن يضرب مثلاً للمشركين، يتمثَّل في قصة أصحاب القرية التي ذكَرَها الله - تعالى - في القرآن، وأن الرسل الذين أرسَلَهم الله لهذه القرية قد كذَّبهم أهلها، وهمُّوا بطردهم، ثم يذكر المولى - عز وجل - أن رجلاً تدخَّل في اللحظات الأخيرة، وسعى ليُقنِع أصحاب القرية بضرورة الإيمان وترك ما هم عليه: ﴿ وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ * اتَّبِعُوا مَنْ لَا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ * وَمَا لِيَ لَا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * أَأَتَّخِذُ مِنْ دُونِهِ آلِهَةً إِنْ يُرِدْنِ الرَّحْمَنُ بِضُرٍّ لَا تُغْنِ عَنِّي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا وَلَا يُنْقِذُونِ * إِنِّي إِذًا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ * قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُكْرَمِينَ ﴾ [يس: 20- 27].

 

وتسجِّل القصة القرآنية مشهد النهاية الذي يتمثَّل في دعوة قومه لاتِّباع المرسلين، وإقناعهم بالتخلِّي عن موقفهم المعرِض عن الدعوة، وإنكاره عليهم اتِّخاذ الآلهة التي لا تردُّ قضاء الله - تعالى - وتحدِّيه لهم بإيضاح موقفه، والإعلان الصريح عنه "إني آمنت بربكم فاسمعون".

 

ثم نرى خاصِّية تكشف عنها نهاية البطل، وهي انتقاله من نصر إلى نصر، ومن توفيق إلى توفيق، قد وُفِّق إلى الهداية والإعلان عنها والدعوة إليها، ووُفِّق أخيرًا في دخول الجنة، فنهايته كانت سريعة؛ وذلك تعجيلاً للثواب الذي ينتظره.

 

غير أن هنالك جملة أحداث أليمة بين قوله: ﴿ إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ ﴾ [يس: 25]، وبين دعوته إلى دخول الجنة ﴿ قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ ﴾ [يس: 26]، تلك الأحداث التي تتمثَّل في القِتْلَة الشنيعة التي قُتِل بها، فقد رُوِي أنهم "وثبوا عليه وثبةَ رجلٍ واحد فقتلوه، ولم يكن له أحدٌ يمنع عنه... وجعلوا يرجمونه بالحجارة وهو يقول: اللهم اهدِ قومي فإنهم لا يعلمون، فلم يزالوا به حتى أقعصوه وهو يقول ذلك، فقتلوه - رحمه الله"[21].

 

إن نهايته المؤلِمة قد تلاشَتْ بالرغم من شِدَّتها، وأصبحت نسيًا منسيًّا، بمجرَّد موته ودخوله الجنة، وهذا مصداق حديث رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((يُؤتَى بأشد الناس بؤسًا في الدنيا من أهل الجنة؛ فيُصبَغ صبغةً في الجنة، فيُقال له: يا ابن آدم، هل رأيت بؤسًا قطُّ؟ هل مرَّ بك شدَّة قطُّ؟ فيقول: لا والله يا رب، ما مرَّ بي بؤسٌ قطُّ، ولا رأيت شدَّة قطُّ))[22].

 

إنه نعيم يُنسِي كلَّ المتاعِب التي بُذلِت في سبيله؛ ولذا فإن نهاية (البطل) في هذه القصة قد أصبحت ومضةً خاطفة بالقدر الذي نقَلَه من الدنيا إلى الآخرة.

 

وأصبحت أمنيَّته الوحيدة التي يتمنَّاها أن يرى قومُه إكرامَ الله له، تلك الكرامة العظيمة التي لو رأَوْهَا لعلموا أنهم هم الخاسرون.

 

إن نهاية الأحداث بالرغم من شدَّتها وألمها لم تكن نهاية القصة، وإنما استتبع جمالية العرض أن تهفو النفوس إلى نهاية (البطل) نفسه، وخاصَّة أنها في ظاهرها كانت أليمة شديدة ربما صورت هزيمة البطل وانتصار قومه الكفار، وهي في حقيقتها خلاف ذلك؛ إذ لم تكن إلاَّ برزخًا مؤقتًا، نقل الرجل المؤمن من دنيا العناء والألم إلى جنَّة نعيم.

 

"وهي من نوع قصص الكفاح، التي تنتهِي باستشهاد البطل في سبيل الحق، فموته وإن كان في الظاهر هزيمة لكنه في الحقيقة انتصارٌ للمبادئ التي آمَن بها، ودعا إليها، وعمل على تحقيقها، وفوز عظيم له بما نال من رضا الله وجنة الخلد"[23].

 

أمَّا الكفار فلم يفرحوا بانتصارهم عليه ولم يستمتعوا بالحياة بعده، ولم يَطُلْ بهم الوقت حتى قُضِي عليهم بصَيْحَةٍ واحدة حسَمَت الموقف وأفنَتْهُم فناءً يستتبع التحسُّر على موقفهم السيِّئ، ﴿ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا كُنَّا مُنْزِلِينَ * إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً فَإِذَا هُمْ خَامِدُونَ ﴾ [يس: 28- 29].

 

وهكذا استطاعَت القصة القرآنية أن تقدِّم نموذجًا لنهاية البطل، في صورة يحيل موقف الموت المؤلم في ظاهره إلى موقف إيجابي، يتمثَّل في معنى الاستشهاد، والذي يجعل الموت مطلوبًا عزيزًا، وأمنية غالية، في حين يكون مرعبًا مخوفًا لغير المؤمنين.

♦ ♦ ♦


المبحث السادس: قصص البداية والنهاية:

هنالك من قصص القرآن ما يقوم أساسًا على التركيز على عنصري البداية والنهاية، فيما تتوارَى عناصر القصة الأخرى، وتأخذ منزلة دون منزلتهما في الأهمية الجمالية، وتغدو القصة تقريبًا في مشهدين اثنين: مشهد بداية القصة، ومشهد نهايتها، وهي ظاهرة بارِزَة في القصص القصيرة في القرآن؛ كقصة: ابني آدم، وأصحاب الكهف، وذي القرنين، وقارون، وفي قصص الأمثال كقصة الذي مرَّ على قريةٍ وهي خاويةٌ، وقصة الذي آتاه الله الآيات فأتبَعَه الشيطان.

 

وفي القرآن الكريم مثالان بارزان لهذه الظاهرة الفنية هما:

قصة صاحب الجنَّتين، وقصة أصحاب الجنة، وفي كلاَ النموذجين يتَّضح تفوُّق عنصري البداية والنهاية على العناصر الأخرى.

 

1- صاحب الجنتين:

في هذه القصة نرى مشهدًا صامتًا يصوِّر الجنَّتين تصويرًا حسيًّا بديعًا "ولعل أوَّل ما تُبادِرنا به الآيات القرآنية من تفصيلٍ لمظاهر النعيم التي بدأ صاحب الجنتين يتمتَّع بها - تعدُّد مصادر الرزق ﴿ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ ﴾ [الكهف: 32]، وتعدَّدت الغلاَّت التي تدرُّ عليه الرزق: "الأعناب، النخل الحافُّ بالجنَّتين، الزرع الموجود بينهما"، ثم يُضِيف القرآن الكريم مُفرَدةً أخرى تُسهِم في رسم هذه الصورة الغنية الضخمة عن حجم الرزق الذي آتاه الله - تعالى - صاحب الجنَّتين، هذه المفردة هي عبارة عن المحاصيل الوافرة السليمة التي درَّت بها الجنتان: ﴿ كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا ﴾ [الكهف: 33].

 

ثم تأتي صورة تفجير النهر لتُضفِي الحركة والحيوية للانطِباع الذي تُثِيره في أذهاننا صورة الجنَّتين كما يرسمها لنا القرآن الكريم: ﴿ وَفَجَّرْنَا خِلاَلَهُمَا نَهَرًا ﴾ [الكهف: 33].

 

الرزق الوافر، والنعيم الواسع، وضعف النفس المالِكة لهذا الرزق والنعيم، كلُّ ذلك محصِّلته الأكيدة: الغرور، والغفلة عن الله - تعالى - والاعتماد على الأسباب الظاهرية ونسيان مسبِّب الأسباب.

 

ها هو ذا صاحِب الجنَّتين ينظر إلى هذه النِّعَم الهائلة الغزيرة بنفسٍ ملؤها الضعف والجفاف الروحي والغفلة عن ذكر الخالق - تعالى - الذي كان السبب الأول والأخير في تدفُّق تلك النِّعَم"[24].

 

فيغتر بأسباب العيش الرَّغِيد التي تيسَّرت له، ويطمئن إليها ويَثِق كلَّ الثقة بها، ويستبعد أن تزول هذه النعمة العظيمة، ولم يبقَ هذا الغرور في داخل نفسه، بل بدأ يعلن ذلك صراحة: ﴿ مَا أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هَذِهِ أَبَدًا ﴾ [الكهف: 35]، ويبالغ في هذا الغرور حتى يقول: ﴿ وَلَئِنْ رُدِدْتُ إِلَى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْرًا مِنْهَا مُنْقَلَبًا ﴾ [الكهف: 36].

 

وهكذا يستأثِر مشهد البداية بالاهتمام، ويشدُّ الانتباه إلى متابعة حال ذلك الرجل ثم ينشأ بينه وبين أحد أصحابه حوارٌ يحاوِل فيه الصاحب المؤمِن ردع ذلك المتكبِّر عن غروره وكبريائه، ويخوِّفه عاقبة كفره وغروره، لكنه لا يرعوي عن غيِّه، ويصرُّ على ما هو عليه من كفر النعمة.

 

ويربط أحد الباحثين بين نهاية هذه القصة وبين بداية السورة ﴿ إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا * وَإِنَّا لَجَاعِلُونَ مَا عَلَيْهَا صَعِيدًا جُرُزًا ﴾ [الكهف: 7- 8]، فالأرض كلها متاع عابِر منتهٍ إلى خراب شامِل؛ ممَّا يجعل الصاحب المؤمن يؤكِّد أنه لا يعترف بكلِّ ما قاله صاحبه، وإنما يعترِف بأن الوحدانية والربوبية هي لله وحده لا شريك له، ويعجب من صاحبه الذي لم يقل حين أعجبَتْه جنَّته: الحمد لله، وما شاء الله لا قوة إلا بالله[25].

 

ثم تختصر القصة ما حدث بعد ذلك في كلمتين وجيزتين ﴿ وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ ﴾ [الكهف: 42]، متى؟ وكيف؟ ليس ذلك مهمًّا، المهم النتيجةُ التي انتَهَى إليها، لنرى بسرعة نهاية القصة وقد جلس على أنقاض الجنَّتين، يقلِّب كفَّيه حسرة وندامة، وقد تحوَّلتَا إلى مجرَّد أطلال خربة، وغدا في صورة مغايرة تمامًا لحاله في بداية القصة، فهناك كان فَخُورًا كَفُورًا، وهنا ضعيف مسكين يستولي عليه الندم والألم، يقول في توجُّع وندم: ﴿ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا ﴾ [الكهف: 42].

 

"وهكذا يُحِيط العذاب من كلِّ حدب وصوب بتلك الثمار التي كانت مصدر غرور واستكبار هذا الإنسان الضعيف النفس، ويُشعِر إلحاق ضمير الملكية (الهاء) بـ(الثمر) ونسبة هذا الثمر إلى صاحب الجنتين أن الله - تعالى - أراد من وراء ذلك رسم صورة ساخرة مستهزئة من هذا الإنسان[26].

 

ومع إيجاز النهاية إلاَّ أنها احتَوَتْ تفصيلات جزئية مثيرة؛ فهنالك أنقاض الجنَّتين وهي خاوية على عروشها، وهنالك حالة ذلك الشخص يقلب كفَّيه على ما أنفق فيها، وهنالك قوله بحزن شديد: ﴿ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُشْرِكْ بِرَبِّي أَحَدًا ﴾ [الكهف: 42]، وهنالك الوحدة المؤلمة حين خذَلَه مَن كان ينتظر منه العون وبقي وحده ﴿ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ فِئَةٌ يَنْصُرُونَهُ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَمَا كَانَ مُنْتَصِرًا ﴾ [الكهف: 43]، وهنالك الحقيقة الكبرى التي تُعلِن عنها القصة، قانونًا إلهيًّا لا يتخلَّف ﴿ هُنَالِكَ الْوَلَايَةُ لِلَّهِ الْحَقِّ هُوَ خَيْرٌ ثَوَابًا وَخَيْرٌ عُقْبًا ﴾ [الكهف: 44]، وهو إعلان مؤثر يُلائِم منطق الأحداث التي انتَهَتْ إلى تقرير تلك الحقيقة واقعًا مُشاهَدًا في حياة ذلك الرجل.

 

ويذهب الإمام الرازي إلى أن هذه القصة مثَلٌ ضرَبَه الله - تعالى -: "للكفار حين افتخروا بأموالهم وأنصارهم على فُقَراء المسلمين، فبيَّن الله - تعالى - أن ذلك ممَّا لا يُوجِب الافتخار؛ لاحتمال أن يَصِير الفقير غنيًّا والغني فقيرًا، أمَّا الذي يُوجِب حصول المفاخَرَة به فطاعة الله وعبادته، وهي حاصلة لفقراء المؤمنين"[27].

 

ولا شكَّ أن تركيز القصَّة على البداية والنهاية، وعدم توزيع الاهتمام على عناصر قصصيَّة متعدِّدة قد زاد قوَّة التأثير في النفس؛ فأصبحت نموذجًا مؤثِّرًا يقدم الحدث ونتيجته مباشرة.

 

2- أصحاب الجنة:

وهي مثْل القصة السابقة في بُرُوز عنصري البداية والنهاية، وغلبتهما على الجوِّ العام، وتمدُّدها على مساحة واسعة منها، وإن كانت أقصر من قصة صاحب الجنتين، ويتجلَّى المشهد الأول منها في اتِّفاق أصحاب الجنة على قرار ظالم يمنعون به حق الفقراء والمساكين، ويستبدُّ بهم الطمع حتى يصمِّموا على تنفيذ ذلك القرار، ويقسموا فيما بينهم على احترامه والالتزام به: ﴿ إِنَّا بَلَوْنَاهُمْ كَمَا بَلَوْنَا أَصْحَابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّهَا مُصْبِحِينَ * وَلَا يَسْتَثْنُونَ ﴾ [القلم: 17- 18].

 

ويقدرون أمرًا، ويقدر الله - عزَّ وجلَّ - أمرًا آخَر فينطلقون في الصباح الباكر في هيئة من التوجُّس والحذر والرغبة في الخفاء، وهم يتخافتون ثم يفاجؤون باحتراق تلك الجنة وزوالها تمامًا، حتى لا يكادون يصدقون ما حدث، ويظنون أنهم قد أخطؤوا الطريق إليها، ولكنهم لم يخطئوا الطريق بل ها هي ذي جنتهم وقد أصبحت كالصريم!

 

والآن قد سقط في أيديهم قال أوسطهم: ألم أقل لكم: لولا تسبحون؟ أي والله! هلاَّ سبحتم الله واتقيتموه؟

قالوا: سبحان ربنا، إنَّا كنا ظالمين، الآن وبعد فوات الأوان!

 

وكما يتنصَّل كلُّ شريك من التَّبِعة عندما تَسُوء العاقبة، ويتوجَّه باللوم إلى الآخَرين ها هم أولاء يتركون التلاوم ليعترفوا جميعًا بالخطيئة؛ عسى أن يفيدهم الاعتراف الغفران، ويعوِّضهم من الجنَّة الضائعة جنَّة أخرى: ﴿ قَالُوا يَا وَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا طَاغِينَ * عَسَى رَبُّنَا أَنْ يُبْدِلَنَا خَيْرًا مِنْهَا إِنَّا إِلَى رَبِّنَا رَاغِبُونَ ﴾ [القلم: 31- 32][28].

 

إن البداية والنهاية في هذه القصة تمثِّلان موضع الإثارة فيها؛ ولذا كان التركيز عليهما، فهما نسيج القصة وبناؤها الذي قامَتْ عليه؛ حيث البداية تمثِّل السبب، والنهاية تمثِّل النتيجة، السبب حرمان أصحاب الجنة حقَّ الفقراء والمساكين الذي أوجبه الله - تعالى - والنتيجة دمار تلك الجنة وفناؤها.

 

ويتبع مشهد النهاية تصوير الندم الذي حلَّ بأولئك وكيف أنهم قد وعوا الدرس جيدًا وعلموا خطأهم، واعترفوا به، ورجوا أن يبدلهم الله خيرًا من تلك الجنة، ثم كانت الخاتمة النهائية ﴿ كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ﴾ [القلم: 33].

 

إن تلك العقوبة ليست بشيءٍ في ألمها وشدَّتها بالقياس إلى العذاب الأخروي الشديد، نسأل الله العافية.

♦ ♦ ♦


الخاتمة:

نظرًا لأهمية عنصري البداية والنهاية في القصة القرآنية، فقد اتَّجه هذا البحث إلى دراستهما موضِّحًا أهميتهما، ومُبرِزًا جماليتهما في القصة، وكشَف عن أن البداية قد تكون موسَّعة، تتضمَّن مرحلة تسبق مرحلة البداية الفعلية في القصة؛ كما في قصة آدم، وقصة وعيسى - عليهما السلام - حتى إن قصة عيسى عليه السلام قد سُبِقت بقصة أخرى هي قصة مريم - عليها السلام - ثم وجدنا في نهايتهما ما يمكن تسميته بالنهاية المفتوحة، كما تتميَّز نهاية قصة عيسى عليه السلام بميزة خاصة وهي تداخلها بين الدنيا والآخرة.

 

وأوضَحَ البحث الارتباط والتناسُب بين البداية والنهاية، وكان من أبرز النماذج الدالَّة على ذلك قصة يوسف عليه السلام التي بدَأَت بالرؤيا، وانتهت بتحقُّق تلك الرؤيا، وكذلك قصة إبراهيم عليه السلام التي بدَأَت بالبحث عن الرب، وانتهت بالإيمان به، والدعوة إليه، وآذن الناس بالحج إلى بيته.

 

وفي مجال النهاية فإن أكثر نهايات قصص القرآن الكريم تركِّز على انتهاء القصة بانتهاء أحداث معيَّنة هي غالبًا مشاهد العقاب الذي يحلُّ بالأقوام الكافرة، بينما ينجو الرسول والذين آمنوا معه من ذلك، وبذا تقف القصة، وقد حقَّقت غرضها دون أن تشير إلى الحديث عن أحوال الرسل بعد ذلك، وقد تَمَّ عرض نهاية قصة موسى عليه السلام كنموذج لهذا النوع من النهايات هذا في الأعم الغالب، في حين نرى بعض نهايات القصص التي تنتهي بانتهاء الشخصية الرئيسة كقصة الرجل المؤمن؛ حيث أشارت الآية إلى انتهاء ذلك الرجل بالموت، بدليل الإخبار بدخول الجنة.

 

وكقصة سليمان عليه السلام الذي كانت نهاية قصته تسجيل موته واقفًا متكئًا على عصاه، ثم سقوطه بعد ذلك حين أكَلَت دابة الأرض مِنسَأته، ذلك كله والجن القريبون منه لم يعلموا بذلك، وهي نهاية مؤثرة تصويريًّا وعقديًّا.

 

وفي بعض قصص القرآن الكريم تكون فيها البداية والنهاية أبرز العناصر؛ وذلك لقصر تلك القصص وقيامها على مشهدين رئيسين: الأول يصور ما قبل نزول العذاب، والآخر يصوِّر ما بعد نزول العذاب، وفيما بين ذلك يتمُّ اختصاره بصورة مدهشة بمثل قوله - تعالى -: ﴿ وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ ﴾ [الكهف: 42]، كما في قصة صاحب الجنتين، وقوله - تعالى - في سورة القلم: ﴿ فَطَافَ عَلَيْهَا طَائِفٌ مِنْ رَبِّكَ ﴾ [القلم: 19] كما في قصة أصحاب الجنة.

 

وهكذا، فإن دراسة البداية والنهاية في القصة القرآنية تكشِف عن روعة جماليات قصص القرآن الكريم، وتغري بالمزيد من التعرُّف إليها، والإفادة من إبداعها وروعتها، كيف وهي من لدن حكيم عليم؟!

 

وبالله التوفيق.

♦ ♦ ♦


المصادر والمراجع:

1- القرآن الكريم.

2- آدم عليه السلام كما تحدث القرآن الكريم؛ د. عبدالغني الراجحي، القاهرة: مؤسسة مكة المكرمة، (د- ت).

3- الآفاق الفنية في القصة القرآنية؛ محمد ناجي مشرح، ط1، جدة: دار المجتمع، 1412هـ.

4- أحسن القصص قصص الأنبياء؛ كمال مصطفى شاكر، ط1، بيروت: مؤسسة الأعلمي، 1412هـ.

5- أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن؛ محمد الأمين الشنقيطي، ط1، بيروت: دار إحياء التراث العربي، 1417هـ.

6- البنية السردية في القصص القرآني؛ طول محمد، ط1، الجزائر: ديوان المطبوعات الجامعية، 1991م.

7- التصوير الفني في القرآن؛ سيد قطب، ط11، الرياض: دار الشروق، 1409هـ.

8- تفسير القرآن العظيم؛ أبو الفداء: إسماعيل بن عمر بن كثير (774هـ)؛ تحقيق سامي محمد السلامة، ط2، الرياض: دار طيبة، 1420هـ.

9- التفسير الكبير للإمام الفخر الرازي؛ تحقيق مكتبة دار إحياء التراث، ط2، بيروت: دار إحياء التراث العربي، 1417هـ.

10- جامع البيان عن تأويل آي القرآن؛ لأبي جعفر: محمد بن جرير الطبري (310هـ)؛ تحقيق د. عبدالله بن عبدالمحسن التركي، ط1، القاهرة: دار هجر، 1422هـ.

11- الحوار القرآني بين التفسير والتصوير؛ أحمد سنبل، ط1، دمشق: دار ابن هاني، 1998م.

12- الحوار ورسم الشخصية في القصص القرآني؛ عبدالمرضي زكريا، ط1، بيروت: مكتبة زهراء الشرق، 1997م.

13- خصائص القصة الإسلامية؛ مأمون فريز جرار، ط1، جدة: دار المنارة، 1408هـ.

14- دراسات في التفسير الموضوعي للقصص القرآني؛ أحمد جمال العمري، ط1، القاهرة: مكتبة الخانجي، 1406هـ.

15- دراسات نصيَّة أدبية في القصة القرآنية؛ سليمان طراونة (د- ن)، ط1، 1413هـ.

16- سيرة إبراهيم الخليل في القرآن المجيد والأحاديث الصحيحة، هاشم فهمي العارف، ط1، بيروت: دار البشائر الإسلامية، 1417هـ.

17- سيكولوجية القصة في القرآن، د. التهامي النقرة، ط1، تونس: الشركة التونسية، 1974م.

18- فتح الباري بشرح صحيح البخاري؛ للإمام الحافظ بن حجر؛ تحقيق محمد فؤاد عبدالباقي؛ قرأ أصله وصححه الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز، دمشق: مكتبة دار الفيحاء، (د- ت).

19- في ظلال القرآن؛ سيد قطب، ط26، بيروت: دار الشروق، 1418هـ.

20- القصة القرآنية الخصائص والأهداف؛ على حسن محمد سليمان، ط1، القاهرة: مطبعة الحسين الإسلامية، 1415هـ.

21- القصص القرآني (رؤية فنية)؛ فالح الربيع، ط1، القاهرة: الدار الثقافية، 1422هـ.

22- قصص القرآن؛ محمد جاد المولى؛ تحقيق عبدالرحيم مارديني، ط1، عمان: دار أسامة، (د- ت).

23- الموسوعة العربية العالمية، ط1، الرياض: مؤسسة أعمال الموسوعة، 1416هـ.

24- المنهاج في شرح صحيح مسلم؛ للإمام محيى الدين بن شرف النووي (ت676هـ)؛ تحقيق وهبة الزحيلي، ط1، صيدا: المكتبة العصرية، 1422هـ.

25- النبوة والأنبياء؛ محمد على الصابوني، ط1، الرياض: عالم الكتب، 1405هـ.

 


[1] انظر من تلك الدراسات:

1- "القصة القرآنية: الخصائص والأهداف"، للدكتور على حسن محمد سليمان، ط1، القاهرة: مطبعة الحسين الإسلامية، 1415هـ، وقد درس العناصر التالية: الشخصية، والحوار، والأحداث، والأسلوب.

2 - "القصص القرآني: رؤية فنية"، للدكتور فالح الربيعي، ط1، القاهرة: الدار الثقافية، 1422هـ، وقد درس العناصر التالية: الشخصية، والحوار، والزمان، والمكان.

3 - "خصائص القصة الإسلامية"، للدكتور مأمون فريز جرار، ط10 - جدة: دار المنارة، 1408هـ، وقد درس العناصر التالية في القصة القرآنية: الشخصية، والحدث، والحوار، والزمان، والمكان.

4 - "دراسة نصية أدبية في القصة القرآنية"، للدكتور سليمان طراونة (د-ن)، ط1، 1423هـ. ودرس العناصر التالية: أسلوبيات الرد، الحوار، الشخصية، الزمان، والمكان.

5 - "البنية السردية في القصص القرآني"، لطول محمد، ط1، الجزائر: ديوان المطبوعات الجامعية، 1991م، وقد درس العناصر التالية: الحدث، والشخصية، والصراع، واللغة.

[2] انظر: "دراسات في التفسير الموضوعي للقصص القرآني" 70 - 72، للدكتور أحمد جمال العمري، ط1، القاهرة: مكتبة الخانجي، 1406هـ.

[3] التفث: ترك الادِّهان، والغسل، والحلق، "المعجم الوسيط": (ت ف ث).

[4] انظر: "الآفاق الفنية في القصة القرآنية": 59، 60، لمحمد ناجي مشرح، ط1، جدة: دار المجتمع، 1412هـ.

[5] انظر: "الموسوعة العربية العالمية": 3/230 - 234، ط1، الرياض: مؤسسة أعمال الموسوعة، 1416هـ.

[6] انظر: توضيح العلماء لطبيعة هذا السؤال، "النبوة والأنبياء": 124، لمحمد علي الصابوني، الرياض: عالم الكتب.

[7] "آدم عليه السلام كما تحدث القرآن الكريم"، 77.

[8] "قصص القرآن"، محمد جاد المولى، 9.

[9] "التصوير الفني في القرآن"، 176.

[10] "التصوير الفني في القرآن"، 198.

[11] انظر في ذلك: "تفسير الطبري"، 9/359، لأبي جعفر محمد بن جرير الطبري؛ تحقيق عبدالله بن عبدالمحسن التركي، ط1، القاهرة: دار هجر، 1422هـ، "أضواء البيان"، 1/361-362، لمحمد الأمين الشنقيطى، ط1، بيروت: دار إحياء التراث العربي، 1417هـ، "سيرة إبراهيم الخليل في القرآن المجيد والأحاديث الصحيحة"، 48 - 51، لهشام فهمي العارف، ط1، بيروت: دار البشائر الإسلامية، 7141هـ.

[12] "في ظلال القرآن"، 2/1141.

[13] انظر: "الحوار ورسم الشخصية في القصص القرآني"، 70.

[14] "خصائص القصة الإسلامية"، 77.

[15] انظر في الحديث عن هذه الرؤيا من الوجهة الفنية: "البنية السردية في القصص القرآني"، 28- 32، "سيكولوجية القصة في القرآن"، 519، 520، للدكتور التهامي النقرة، ط1، تونس: الشركة التونسية، 1974م، "الحوار القرآني بين التفسير والتبصير"، 180، 184، 185، لأحمد سنبل، ط1، دمشق: دار ابن هانئ، 1998م.

[16] انظر: "الحوار القرآني بين التفسير والتبصير"، 254 – 256.

[17] انظر: "قصص القرآن"، محمد جاد المولى، 113.

[18] انظر: "أحسن القصص قصص الأنبياء": 213، لكمال مصطفى شاكر، ط1، بيروت: مؤسسة الأعلمي، 1421هـ.

[19] "التصوير الفني في القرآن": 174

[20] "فتح الباري بشرح صحيح البخاري": 3/206، 207، برقم 1339.

[21] "تفسير ابن كثير": 6/571؛ تحقيق سامي محمد السلامة، ط2، الرياض: دار طيبة، 1420هـ.

[22] "المنهاج في شرح صحيح مسلم"؛ للنووي، 17/287 برقم 2807.

[23] "سيكولوجية القصة القرآنية في القرآن": 158.

[24] "القصص القرآني: رؤية فنية": 108، 109.

[25] "الحوار القرآني بين التفسير والتبصير": 292.

[26] "القصص القرآني": رؤية فنية: 112.

[27] "التفسير الكبير للرازي": 7/462.

[28] "التصوير الفني في القرآن": 52.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • قصة الرجل والفتاتين
  • من خصائص القصة في القرآن الكريم
  • بين البداية والنهاية
  • عناصر القصة المؤثرة
  • من جماليات الظاهر: النظافة والعناية بالملبس
  • نظرات تحليلية في القصة القرآنية
  • التناسب في بنية القصة القرآنية

مختارات من الشبكة

  • عيوب الفكر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • جماليات المنازل(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الحوار في قصص القرآن الكريم: من جماليات الظاهر والمضمر في قصة فداء إسماعيل(مقالة - آفاق الشريعة)
  • جماليات القصة الشاعرة... محمد صادق - الدمياطي نموذجا(مقالة - حضارة الكلمة)
  • جماليات قرآنية؛ (فصل التشابه والاختلاف)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • جماليات النظم القرآني في قصة المراودة في سورة يوسف (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • جماليات المكان القرآني في قصة يونس - عليه السلام - (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • خلق التفقد جماليات وتجليات(مقالة - آفاق الشريعة)
  • جماليات التعبير بالحركة (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • جماليات يوم القيامة (2)(مقالة - آفاق الشريعة)

 


تعليقات الزوار
6- طلب التواصل
آمنة المسلاتي - ليبيا 16-12-2015 06:19 PM

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
حياك الله وبياك
أرغب في التواصل معك لحاجتي الماسة لمساعدتك في مجال بحثي والذي يقوم على دراسة لبعض رواياتك .
وهذا المجال لم يتطرق إليه أحد بالدراسة أو التأليف في بلادي؛ فقلت حياتي بقلة مصادري ومراجعي للدراسة.
لذا أرجو منك - وكلي أمل - أخذ طلبي بعين الاعتبار والشكر موصول إليك مسبقا
وجزاك الله خيرا

5- جماليات البداية والنهاية فى القصة القرآنية
د/ عبدالرحمن محمد - جمهورية مصر العربية 24-12-2011 06:42 AM

المكتوب دراسة علمية أقرب ما تكون الى المنهجية وليت كاتبنا الهمام يزيدها بهاءا بالعض الشامل لهذه القصة وأمثالها في القرآن الكريم.

4- hamza de maroc
hamza - maroc 21-09-2011 12:20 AM

mawdo3 rai3 jidaa

3- المعنى الحقيقي للبداية والنهاية للنص القرآني
MESAOD - algeria 29-07-2010 01:32 PM

في الحقيقة أن الموضوع جد قيم وينور الفكر والعقل مع استنارة القلوب وإحيائها...

 جزاك الله عنا خير الجزاء وشكرا*--*-*-*-*

2- جهد مشكور
علي عبد الباقي - مصر 10-07-2010 10:56 PM

جهد مشكور من الباحث لربطة بدايات القصة فى القرآن بنهايتها، والتوافق بين محصلتهما، والجو العام للقصة.

لكنه يحد من إقبال البعض لإنكارة مصطلحات مثل الحبكة ، والعقدة..! فى الوقت الذى نريد فيه إقبال الشباب على مثل هذه الدراسات.

ظنى أن إنكار مصطلحات كهذه تضع حواجز بين مثل هذه الدراسات القيمة وشبابنا.!

الغريب أن الباحث إعتمد على كتاب سيد قطب "فى ظلال القرآن"، وهو ملئ بمصطلح لقطة ، ومشهد.. فلما ننكر هذا.؟

شكرا للباحث وبالتوفيق إن شاء الله.

1- روعة في الطرح
موسى - الجزائر 26-04-2010 09:43 PM

إنها دراسة في منتهى الحسن والجمال من جهة المنهجية الأكادمية أو من ناحية الأسلوب الذي تميز بالسهولة والوضوح

1 

أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الدورة الخامسة من برنامج "القيادة الشبابية" لتأهيل مستقبل الغد في البوسنة
  • "نور العلم" تجمع شباب تتارستان في مسابقة للمعرفة الإسلامية
  • أكثر من 60 مسجدا يشاركون في حملة خيرية وإنسانية في مقاطعة يوركشاير
  • مؤتمرا طبيا إسلاميا بارزا يرسخ رسالة الإيمان والعطاء في أستراليا
  • تكريم أوائل المسابقة الثانية عشرة للتربية الإسلامية في البوسنة والهرسك
  • ماليزيا تطلق المسابقة الوطنية للقرآن بمشاركة 109 متسابقين في كانجار
  • تكريم 500 مسلم أكملوا دراسة علوم القرآن عن بعد في قازان
  • مدينة موستار تحتفي بإعادة افتتاح رمز إسلامي عريق بمنطقة برانكوفاتش

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 9/11/1446هـ - الساعة: 17:29
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب