• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    تقوية القول في تفسير الآية بعدم نقل بعض المفسرين ...
    الشيخ عايد بن محمد التميمي
  •  
    القرآن واللغة العربية والحفاظ على الهوية
    د. أيمن أبو مصطفى
  •  
    آهات الندم (خطبة)
    د. عبدالرزاق السيد
  •  
    بين المحكم والمتشابه - تأصيل قرآني لاجتهاد ...
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    فقد حبط عمله.. (خطبة)
    د. أيمن منصور أيوب علي بيفاري
  •  
    من مائدة التفسير: سورة التكاثر
    عبدالرحمن عبدالله الشريف
  •  
    صفة العينين
    الشيخ عبدالعزيز السلمان
  •  
    شموع (115)
    أ. د. عبدالحكيم الأنيس
  •  
    خطوات عملية تكون سببا في الثبات على ما كان السلف ...
    محمد بن عبدالله العبدلي
  •  
    جمال الإحسان إلى الجيران (خطبة)
    السيد مراد سلامة
  •  
    المحرومون من الهداية
    د. جمال يوسف الهميلي
  •  
    الفرع الثامن: ما يستثنى جواز لبسه من الحرير من ...
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    علامات صحة القلب وسعادته
    إبراهيم الدميجي
  •  
    تخلق بأخلاق نبيك (صلى الله عليه وسلم)... تكن ...
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    ادعوا الله بصالح أعمالكم وأخلصها (خطبة)
    عبدالعزيز أبو يوسف
  •  
    مواطن القرب من الله (خطبة)
    حسان أحمد العماري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن
علامة باركود

القرآن واللغة العربية والحفاظ على الهوية

القرآن واللغة العربية والحفاظ على الهوية
د. أيمن أبو مصطفى

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 13/12/2025 ميلادي - 23/6/1447 هجري

الزيارات: 19

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

القرآن واللغة العربية والحفاظ على الهوية

 

القرآن الكريم خاطب أمة بلغت من البلاغة ما بلغت، فقد أقامت للكلمة أسواقًا، وجعلت للأدباء منزلةً وشرفًا، فكانت إذا نبغ شاعر في قبيلة أقامت له الأفراح، وذبحت الذبائح، لعلمها أن الأدباء أمراء الكلام، يسحرون به العقول، ويوجهون به الفكر، ويقودون به الناس.

 

لذا وجدنا مع كل عظيم من عظماء التاريخ شاعرًا، فالمتنبي أعلى شأن سيف الدولة، وكان يقوم مقام الإعلام الآن، وأبو تمام كان سيف المعتصم، كما كان حسان بن ثابت ذا دور لا يُنكر في نشر الدعوة والدفاع عنها؛ لذا استحق لقب "شاعر الرسول".

 

ولا ينسى التاريخ أن يذكر قلم القاضي الفاضل، ودوره في فتح بيت المقدس، فقد ذكر صلاح الدين أنه لم يفتح القدس بسيفه فقط بل بقلم القاضي الفاضل.

 

فحينما يأتي القرآن الكريم ليخاطب أمة بلغت قمة إتقان اللغة بلغتهم التي أتقنوها وعشقوها بل يتحدَّاهم بها، فذلك أمر عظيم، وجب علينا أن نقف عنده ونتأمله؛ لأنه سيفتح لنا أبوابًا من الخير.

 

ولعل هذا هو سرُّ بدء سورة يوسف بهذه البداية العجيبة ﴿ الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ * إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾ [يوسف: 1، 2]، فما القيمة التي أدتها المنة بكون القرآن عربيًّا؟

 

وما دلالة "لعلكم تعقلون"؟ إنها الإشارة إلى أن هذا القرآن سِرُّ تفرُّد العرب، وسبب كونهم الأمة التي لا تندثر أمجادها، فالثقافات والحضارات تعلو معها لغتها وتهبط معها، وكم من لغات ظهرت ثم تلاشت شيئًا فشيئًا حتى غطتها غياهب النسيان.

 

أما اللغة العربية فهي لغة حية ناضجة طازجة ممتلئة بالحيوية؛ لأنها ليست فقط لغة تواصل مع الناس، بل لغة تواصل مع رب الناس، فالصلاة لا تصح إلا بها، والتكبير والتحميد والتهليل والتلبية لا تكون إلا بها، يحرص على تعلُّمها كل من انتسب إلى الإسلام، فهي لغة حياة وعبادة، وهذا سِرُّ بقائها، وسِرُّ بقاء أهلها، فالعرب مدينون لها، وهي مدينة للقرآن.

 

ويشير الدكتور حلمي القاعود إلى أن اللغة العربية قد مرت بمحن وهزات عنيفة وخصوصًا اللهجات والاجتياحات الاستعمارية الوحشية قديمًا وحديثًا، وكان من الملاحظ أن الأمة الإسلامية والعربية كلما تعرضت لداهية من دواهي الاستعمار والاجتياح، واستكانت للجهل والأمية، كان القرآن الكريم هو الذي يوقظها، ويجدد فكرها وتصوُّرها، ويبعثها من تحت الركام لكي تبدأ من جديد[1].

 

ولذا كانت هذه البداية في مطلع سورة قصصية تعتمد قصة واحدة "قصة يوسف عليه السلام"، وهي قصة لم تكن باللغة العربية، وهذا شأن أغلب القصص القرآني؛ كقصة موسى عليه السلام، وقصة قارون، وغير ذلك، ورغم ذلك حكاها الله تعالى بالعربية، فأصبحت مرجعًا لأهل لغتها الأصلية، وكأنها إشارة إلى هيمنة العربية على اللُّغات؛ كهيمنة الإسلام على سائر المعتقدات.

 

فهي دعوة إلى اعتزاز العرب بلغتهم، فلن يعلي قدرهم إلا تمسُّكهم بدينهم، وإتقان اللغة من الدين؛ لأنهم لن يحسنوا فهم الدين إلا بفهم القرآن، ولن يحسنوا فهم القرآن إلا بفهم اللغة، فإن كان لهم عقل فعليهم أن يعيدوا للغتهم مجدها.

 

وقد شغل القرآن الناس، منذ النبوَّة حتى يومنا هذا، فقد غيَّر مجرى الحياة، ووضع من النظم والقوانين ما يصلح حياتهم، فقد كانوا متنقلين من مكان إلى مكان طلبًا للرعي والكلأ، يجوبون الفيافي من الشمال إلى الجنوب، ومن الجنوب إلى الشمال تجارًا، يعيشون قبائل متفرقة، وجماعات متنابزة، فيخلق القرآن منهم أمةً واحدةً متماسكةً.

 

ينزل القرآن بلغتهم التي يألفونها، ويجيدون شعرها ونثرها، فيتحداهم أن يأتوا بمثله أو بمثل شيء منه، فيقفون عاجزين، ويبقى القرآن معجزةً خالدةً، يتناوله المفكرون والباحثون بالدراسة والتأمُّل.

 

ويذكر ذلك الإمام السيوطي قائلًا:

(... هذا وهم الفصحاء اللد، وقد كانوا أحرص شيء على إطفاء نوره، وإخفاء أمره، فلو كان في مقدرتهم معارضته لعدلوا إليها قطعًا للحجة، ولم ينقل عن أحد منهم أنه حدَّث نفسه بشيء من ذلك ولا رامه، بل عدلوا إلى العناد تارةً، وإلى الاستهزاء أخرى، فتارة قالوا: سحر، وتارة قالوا: شعر، وتارة قالوا: أساطير الأولين، كل ذلك من التحيُّر والانقطاع، ثم رضوا بتحكيم السيف في أعناقهم وسبي ذراريهم، وحرمهم واستباحة أموالهم، وقد كانوا آنف شيء وأشده حمية، فلو علموا أن الإتيان بمثله في قدرتهم لبادروا إليه؛ لأنه أهون عليهم... قال الجاحظ: بعث الله محمدًا صلى الله عليه وسلم أكثر ما كانت العرب شاعرًا وخطيبًا، وأحكم ما كانت لغةً، وأشد ما كانت عدةً، فدعا أقصاها وأدناها إلى توحيد الله وتصديق رسالته، فدعاهم بالحجة، فلما قطع العذر وأزال الشبهة وصار الذي يمنعهم من الإقرار الهوى والحمية دون الجهل والحيرة حملهم على حظهم بالسيف، فنصب لهم الحرب ونصبوا له، وقيل: من عليتهم وأعلامهم وبني أعمامهم، وهو في ذلك يحتج عليهم بالقرآن، ويدعوهم صباحًا ومساءً إلى أن يعارضوه إن كان كاذبًا بسورة واحدة أو بآيات يسيرة، فكلما ازداد تحديًا لهم بها وتقريعًا لعجزهم عنها، تكشف عن نقصهم ما كان مستورًا، وظهر منه ما كان خفيًّا، فحين لم يجدوا حيلة ولا حجة، قالوا له: أنت تعرف من أخبار الأمم ما لا نعرف؛ فلذلك يمكنك ما لا يمكننا، قال: فهاتوها مفتريات، فلم يرم ذلك خطيب، ولا طمع فيه شاعر، ولا طبع فيه لتكلفه، ولو تكلفه لظهر ذلك، ولو ظهر لوجد من يستجيده ويحامي عليه ويكابر فيه، ويزعم أنه قد عارض وقابل وناقض، فدلَّ ذلك العاقل على عجز القوم مع كثرة كلامهم، واستحالة لغتهم، وسهولة ذلك عليهم، وكثرة شعرائهم، وكثرة من هجاه منهم، وعارض شعراء أصحابه وخطباء أمتي؛ لأن سورة واحدة وآيات يسيرة كانت أنقض لقوله، وأفسد لأمره، وأبلغ في تكذيبه، وأسرع في تفريق أتباعه، من بذل النفوس والخروج من الأوطان وإنفاق الأموال...

 

وهذا من جليل التدبير الذي لا يخفى على من هو دون قريش والعرب في الرأي والعقل بطبقات، ولهم القصيد العجيب، والرجز الفاخر، والخطب الطوال البليغة والقصار الموجزة، ولهم الأسجاع والمزدوج واللفظ المنثور، ثم يتحدى به أقصاهم بعد أن أظهر عجز أدناهم، فمحال- أكرمك الله- أن يجتمع هؤلاء كلهم على الغلط في الأمر الظاهر، والخطأ المكشوف البين، مع التقريع بالنقص والتوقيف على العجز، وهم أشد الخلق أنفة، وأكثرهم مفاخرة، والكلام سيد عملهم وقد احتاجوا إليه، والحاجة تبعث على الحيلة في الأمر الغامض، فكيف بالظاهر الجليل المنفعة، وكما أنه محال أن يطبقوه ثلاثًا وعشرين سنة على الغلط في الأمر الجليل المنفعة، فكذلك محال أن يتركوه وهم يعرفونه ويجدون السبيل إليه وهم يبذلون أكثر منه)[2].

 

فقد حفظ القرآن الكريم للغة العربية تماسكها، فلم تذُبْ في اللغات الأجنبية التي تغلبت عليها بحكم السياسات المختلفة والظروف المتباينة.

 

ولذا اهتم به المسلمون دراسةً وبحثًا، فتنوَّعت المؤلفات وتعددت، تبحث حول إعجازه وأسرار بلاغته.

 

وقد تنوَّعت نظرتهم في بلاغته، فرأوا فيه بلاغات، نعم إن كل نظرة في القرآن تعطي وجهًا بل وجوهًا من الفهم والتأويل؛ ولذا قال ابن سبع في (شفاء الصدور): ورد عن أبي الدرداء أنه قال: لا يفقه الرجل كل الفقه حتى يجعل للقرآن وجوهًا.

 

وكل هذه التأويلات ناتجة عن تثوير النص- إن جاز لنا التعبير- "وهو جائز، فقد قال ابن مسعود: من أراد علم الأولين والآخرين فليثور القرآن"[3]، وتثوير القرآن تعمق في معانيه، وغوص في باطنه.

 

فهذا أبو عبيدة في "مجاز القرآن" يعالج كيفية التوصل إلى فهم المعاني القرآنية باحتذاء أساليب العرب في كلامهم وسنتهم في وسائل الإبانة عن المعاني، حين أحس بحاجة الناس إلى وصل حاضر اللغة بماضيها.

 

وبعده كثيرون تعلقوا بخدمة القرآن الكريم تفسيرًا وتوضيحًا، وصولًا إلى عبدالقاهر الجرجاني الذي أوقف حياته على فلسفة النظم، وأرجعه إلى وجوه المعاني النحوية.

 

وقد كان المعتزلة من أبرز طوائف المتكلمين الذين عنوا بالدفاع عن الإسلام في مواجهة خصومه؛ فكان منهم الخطباء والمناظرون، فكثر حديثهم عن قوة الحجة، ووضوح العبارة، والمؤثرات الصوتية، والأداء الجسدي.

 

إلا أنهم- أي المعتزلة- كان منهم من ذهب إلى الصرفة، ومن هؤلاء واصل بن عطاء (تـ131هـ)، وتبعه تلميذه إبراهيم بن سيار النظام البصري.

 

إلا أن الجاحظ (ت 255 هـ) خرج عليهم ولم يذهب مذهبهم برغم كونه معتزليًّا، حيث ذهب إلى أن القرآن معجز لنظمه، فكان من نتائج ذلك كتابه المفقود "نظم القرآن".

 

ومن المتكلمين المدافعين عن القرآن أيضًا "ابن قتيبة (ت 276 هـ) في كتابه "تأويل مشكل القرآن" الذي ردَّ فيه على الملاحدة الذين يطعنون في القرآن، وكان سُنِّيًّا، ورغم ذلك تأثر بالجاحظ ونقل عنه.

 

ويفند معتزلي آخر "أبو الحسن علي بن عيسى الرماني (ت 386 هـ) "أوجه الإعجاز في القرآن، فيرى أنها في سبع جهات: ترك المعارضة مع توفر الدواعي، وشدة الحاجة، والتحدي للكافة والصرفة، والبلاغة، والإخبار عن المستقبل ونقض العادة وقياسه بكل معجزة"[4].

 

وقد تأثر الرماني بالنظام وبواصل بن عطاء في القول بالصرفة، وهذا رأي مردود فاسد لا يمكن قبوله، فالأمة مجمعة على إضافة الإعجاز للقرآن، والصرفة تنفي الإعجاز عنه[5].

 

وجاء الباقلَّاني (أبو بكر محمد بن الطيب ت 403 هـ) الأشعري، حيث ذكر أوجه الإعجاز، فذكر "أنه يتضمن الإخبار عن الغيوب، وذلك مما لا يقدر عليه البشر.. وأنه كان معلومًا من حال النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان أميًّا لا يكتب ولا يقرأ، وكان معروفًا عنه أنَّه لا يعرف شيئًا من كتب الأقدمين... والوجه الثالث: أنه بديع النظم، عجيب التأليف.."[6].

 

وممن فصَّلوا القول في الإعجاز القاضي أبو الحسن عبدالجبار الأسد آبادي المعتزلي (ت 415 هـ) وقد بحث في الجزء السادس عشر من كتابه "المغني في أبواب التوحيد والعدل" مسألة إعجاز القرآن، وقد بلور في كتابه فكرة النظم، وأبان أن الفصاحة لا تظهر في أفراد الكلام، وإنما تظهر في الكلام بالضم على طريقة مخصوصة...

 

وجاء عبدالقاهر الجرجاني الأشعري لتخرج نظرية النظم على يديه نظرية كاملة وافية، فقد رد إعجاز القرآن إلى خصائص أسلوبية وراء جمال اللفظ وجمال المعنى، هي المعاني الثانية أو الإضافية أو معنى المعنى.

 

وقد تأثر بعبدالقاهر كثيرون، منهم الزمخشري، والسكاكي، والرازي، والرازي له مؤلف في الإعجاز عنوانه "نهاية الإيجاز في دراية الإعجاز" يقصد فيه إلى تنظيم ما صنَّفه عبدالقاهر في كتابيه "دلائل الإعجاز" و"أسرار البلاغة".

 

وبهذا يتضح لنا دور البلاغة الفاعل في تثوير علوم القرآن، فهي تغوص وراء المعاني الثواني، وتكشف اللثام عن جماليات الألفاظ والتراكيب والصور؛ ولذا يقول يحيى بن حمزة العلوي في كتابه ذي العنوان الدال على دور البلاغة عنده (الطراز المتضمن لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز): "فإن العلوم الأدبية وإن عظم في الشرف شأنها، وعلا في أوج الشمس قدرها ومكانها، خلا أن علم البيان هو أمير جنودها، وواسطة عقودها، فلكها المحيط الدائر، وقمرها السامر الزاهر، وهو أبو عذرتها، وإنسان مقلتها، وشعلة مصباحها، وياقوتة وشاحها، ولولاه لم تر لسانًا يحوك الوشي من حلل الكلام، وينفث السحر مفتر الأكمام، وكيف لا وهو المطلع على أسرار الإعجاز"[7]، بل إنه يعرف علم البلاغة بأنه "العلم الذي يمكن معه الوقوف على معرفة أحوال الإعجاز"[8].

 

ويقول محمد بن علي الجرجاني (ت 729هـ): "فإن علم البلاغة علم شريف عظيم الشأن، لكونها كمال الإنسان وأصل البيان؛ لأن أحكام الشرع تتوقف على صدق السُّنَّة والقرآن، وصدق القرآن يتوقف على أنه منزل من عند الرحمن، وذلك يتوقف على غير مقدور للبشر للبلاغة والبيان، وإلا لوجد مثله قبل التحدي أو بعده في بعض الأزمان، ولو صرفهم الله عن المعارضة لتعجبوا من العجز بعد قدرتهم على الإتيان"[9].

 

ويبدو أن هذا المفهوم لدور البلاغة كان مستقرًّا حتى إن ابن خلدون (ت 808 هـ) يذكر في معرض تأريخه للعلوم العربية أن "ثمرة هذا الفن إنما هي في فهم الإعجاز من القرآن"[10].

 

وقد استمر هذا المفهوم لدور البلاغة عند البلاغيين المحدثين، فيذكر المراغي أن البلاغة "بها نعرف وجه إعجاز القرآن، وندرك ما فيه من خصائص البيان، ونفهم براعة أسلوبه، وانسجام تأليفه، وسهولة نظمه وسلامته وعذوبته وجزالته"[11].

 

وقد التفت البلاغيون إلى دور البلاغة في عملية فهم القرآن، فقد ذكر السكاكي (ت 626 هـ) بعد تعريفه لعلمي المعاني والبيان "أن الواقف على تمام مراد الحكيم- تعالى وتقدَّس- من كلامه، مفتقر إلى هذين العلمين كل الافتقار، فالويل كل الويل لمن تعاطى التفسير وهو فيهما راجل"[12].

 

وإلى مثل هذا ذهب الحلي (ت 750 هـ) حيث يقول: "فإن أحق العلوم بالتقديم وأجدرها بالاقتباس والتعليم بعد معرفة الله العظيم، معرفة حقائق كلامه الكريم، وفهم ما أنزل في الذكر الحكيم، لتؤمن غائلة الشك...)"[13].

 

وحديثًا قام الشيخ عبدالرحمن البرقوقي بشرح التلخيص وذكر فيه أن "ثمرة هذا النوع من العلم هي إدراك إعجاز القرآن والوقوف على الأسرار التي بها يرتفع شأن الكلام، ويفضل بعضُه بعضًا"[14].

 

وكذلك التفت الزركشي في البرهان إلى حاجة المفسر إلى الفهم والتبحُّر في العلوم، ونقل فيه أقوال بعض الصحابة في ذلك، كما ساق آراء الإمام الغزالي من كتابه «الإحياء» مدللًا بكل ذلك على ما ذهب إليه، فنجده يقول: كتاب الله بحره عميق، وفهمه دقيق، لا يصل إلى فهمة إلا من تبحَّر في العلوم، وعامل الله بتقواه في السر والعلانية، وأجلَّه عند مواقف الشبهات، واللطائف والحقائق لا يفهمها فيه إلا من ألقى السمع وهو شهيد، فالعبارات للعموم وهي للسمع، والإشارات للخصوص وهي للعقل، وللطائف صلى الأولياء وهي المشاهد، والحقائق للأنبياء وهي الاستسلام، وللكل وصف ظاهر وباطن، وحد ومطلع، فالظاهر التلاوة، والباطن الفهم، والحد أحكام الحلال والحرام، والمطلع؛ أي: الإشراق من الوعد والوعيد، فمن فهم هذه الملاحظة بان له بسط الموازنة، وظهر له حال المعاينة... وبالجملة، فالعلوم كلها داخلة في أفعال الله عز وجل وصفاته، وفي القرآن شرح ذاته وأفعاله وصفاته، وهذه العلوم لا نهاية لها، وفي القرآن إشارة إلى مجامعها والمقامات في التعمق في تفصيله راجع إلى فهم القرآن، ومجرد ظاهر التفسير لا يشير إلى ذلك، بل كل ما أشكل فيه على النظار، واختلف فيه الخلائق في النظريات والمعقولات، ففي القرآن إليه رموز ودلالات عليه يختص أهل الفهم بدركها، فكيف يفي بذلك ترجمة ظاهره وتفسيره...[15].

 

فالأساس في المنهج البلاغي أن يتخذ من أساليب البيان العربي سبيلًا لتأويل القرآن الكريم، والبلاغة العربية وفهم طرائق العرب في التعبير هي السبيل لتأويل القرآن؛ لأن "الذي ينقسم عليه الخطاب من البسط والاقتصار، والجمع والتفريق، والاستعارة والتصريح والتحقيق، ونحو ذلك من الوجوه التي توجد في كلامهم موجود في القرآن"[16].

 

وغاية ما يرمي إليه التفسير البياني يمثله قول أمين الخولي "النظرة البلاغية هي النظرة الأدبية الفنية التي تتمثل الجمال القولي في الأسلوب القرآني، وتستبين معارف هذا الجمال، وتستجلي قسماته في ذوق بارع، قد استشفَّ خصائص التراكيب العربية منضمًّا إلى تلك التأملات العميقة في التراكيب والأساليب القرآنية لمعرفة مزاياها الخاصة بها بين آثار العربية، بل لمعرفة فنون القول القرآني وموضوعاته فنًّا فنًّا، وموضوعًا موضوعًا، معرفة تبين خصائص القرآن في كل فن منها، ومزاياه التي تجلو جماله"[17].

 

فغاية ما يرمي إليه التفسير البياني الوقوف على خصائص القرآن ومزاياه التي تجلو جماله، وهذه النظرة البلاغية لأصحاب التفسير البياني هي نظرة العلماء من أصحاب إعجاز القرآن.

 

فدارسو الإعجاز يتخذون من البلاغة وسيلة لإظهار مزايا الأسلوب القرآني، ودلائل إعجازه وتفوقه على النماذج العليا من البيان العربي، وقدرته على التأثير في نفوس سامعيه إلى نحو ذلك مما يتعلق بجماليات النص.



[1] د. حلمي القاعود: مدخل إلى البلاغة القرآنية، ط 1، دار النشر الدولي، الرياض 2007م ص 210، 211.

[2] الإتقان للسيوطي، 1/370.

[3] السيوطي: الإتقان في علوم القرآن، 4/ 183.

[4] ثلاث رسائل في إعجاز القرآن، تحقيق محمد خلف الله، ومحمد زغلول سلام، دار المعارف بمصر، صـ69.

[5] الزركشي: البرهان في علوم القرآن، تحقيق أبو الفضل إبراهيم، ج 2، صـ94، طـ1، دار إحياء الكتب العربية.

[6] الباقلاني: إعجاز القرآن، صـ35 وما بعدها.

[7] العلوي: الطراز المتضمن لأسرار البلاغة وعلوم حقائق الإعجاز، 1/ 2.

[8] العلوي: الطراز 1/ 13.

[9] الجرجاني (محمد بن علي بن محمد): الإشارات والتنبيهات في علم البلاغة، تحقيق د. عبدالقادر حسين، نهضة مصر، القاهرة، (د.ت)، ص1.

[10] ابن خلدون: المقدمة، دار الشعب، القاهرة، (د.ت)، ص 521.

[11] أحمد مصطفى المراغي: علوم البلاغة، المكتبة المحمودية، القاهرة، (د.ت)، ط6، ص4.

[12] السكاكي: مفتاح العلوم ص162، دار الكتب العلمية، بيروت، ط2، 1407هـ/ 1987م.

[13] الحلي: النتائج الإلهية في شرح الكافية البديعية، تحقيق عماد حسن مرزوق، ص49، دار فجر، كفر الدوار، ط1، 1419هـ / 1999م.

[14] عبدالرحمن البرقوقي: شرح التلخيص، مطبعة النيل، القاهرة، ط1، 1322هـ / 1904م، ص7.

[15] البرهان في علوم القرآن للزركشي، 2/153 – 156، باختصار.

[16] الباقلاني: إعجاز القرآن، تحقيق محمد شريف سكر، دار إحياء العلوم، بيروت، ط1، 1408هـ/ 1988م، ص 75.

[17] أمين الخولي: مناهج تجديد في النحو والبلاغة والتفسير والأدب، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1995م، ص 239.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • إسبانيا: الدورة التدريبية الأولى لمدرسي القرآن واللغة العربية
  • إسبانيا: دورة لمعلمي القرآن واللغة العربية طبقا للمنهج الأندلسي

مختارات من الشبكة

  • كلمات وصفت القرآن(مقالة - آفاق الشريعة)
  • واجبنا نحو القرآن الكريم (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أثر علوم القرآن في نشأة الدرس البلاغي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • كتب علوم القرآن والتفسير (1)(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • منهج الاستدلال بين القرآن والسنة: دراسة نقدية لشبهة عرض الحديث على القرآن (PDF)(كتاب - آفاق الشريعة)
  • البرهان في تجويد القرآن ومعه رسالة في فضل القرآن - تأليف: الشيخ محمد الصادق قمحاوي (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • التربية في القرآن الكريم: ملامح تربوية لبعض آيات القرآن الكريم - الجزء الثاني (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • محاضرات في الدفاع عن القرآن: المحاضرة الرابعة: رد دعوى الطاعنين بالقول بنقص القرآن(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • محاضرات في الدفاع عن القرآن: المحاضرة الثالثة: أصول وقواعد في الدفاع القرآن(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)
  • محاضرات في الدفاع عن القرآن: المحاضرة الأولى: تعريف القرآن عند أهل السنة والجماعة(مادة مرئية - موقع الشيخ أ. د. عرفة بن طنطاوي)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • دورة علمية في مودريتشا تعزز الوعي الإسلامي والنفسي لدى الشباب
  • مبادرة إسلامية خيرية في مدينة برمنغهام الأمريكية تجهز 42 ألف وجبة للمحتاجين
  • أكثر من 40 مسجدا يشاركون في حملة التبرع بالدم في أستراليا
  • 150 مشاركا ينالون شهادات دورة مكثفة في أصول الإسلام بقازان
  • فاريش تستضيف ندوة نسائية بعنوان: "طريق الفتنة - الإيمان سندا وأملا وقوة"
  • بحث مخاطر المهدئات وسوء استخدامها في ضوء الطب النفسي والشريعة الإسلامية
  • مسلمات سراييفو يشاركن في ندوة علمية عن أحكام زكاة الذهب والفضة
  • مؤتمر علمي يناقش تحديات الجيل المسلم لشباب أستراليا ونيوزيلندا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 22/6/1447هـ - الساعة: 12:36
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب