• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: عبودية الترك
    د. ناصر بن حسين مجور
  •  
    خطبة بر الوالدين
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    من آفات اللسان (3) الكذب (خطبة)
    خالد سعد الشهري
  •  
    خطبة: الإيجابية.. خصلة المؤمنين
    يحيى سليمان العقيلي
  •  
    حفظ الأسرار خلق الأبرار (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    المضاف إلى الله
    الشيخ عبدالعزيز السلمان
  •  
    خطبة عن الرياء
    د. رافع العنزي
  •  
    خطوة الكبر وجمال التواضع (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    أكبر مشايخ الإمام البخاري سنا
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    بطاعة الله ورسوله نفوز بمرافقة الحبيب (صلى الله ...
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    خطبة: نعمة تترتب عليها قوامة الدين والدنيا
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة عن الصمت
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    يا محزون القلب، أبشر
    تهاني سليمان
  •  
    كسب القلوب مقدم على كسب المواقف (خطبة)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    الإمداد بالنهي عن الفساد (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    سورة البقرة: مفتاح البركة ومنهاج السيادة
    د. مصطفى يعقوب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / العلم والدعوة
علامة باركود

خطبة: عبودية الترك

خطبة: عبودية الترك
د. ناصر بن حسين مجور

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 5/12/2025 ميلادي - 15/6/1447 هجري

الزيارات: 144

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

خطبة: عبودية الترك

 

إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا. من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]، ثم أما بعد:

 

فاعلموا عباد الله أن أصدق الحديث كتاب الله، وأن أحسن الهدي هدي رسوله عليه الصلاة والسلام، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة.

 

أيها المسلمون عباد الله، إن الله تبارك وتعالى لم يخلقنا عبثًا ولم يتركنا سدًى، ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ﴾ [المؤمنون: 115]؟! بل خلقنا تبارك وتعالى لغاية واضحة نصَّ عليها بكلامه الجليل، فقال تبارك وتعالى: ﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ﴾ [الذاريات: 56].

 

هذه الغاية السامية التي من أجلها بعث الله الرسل وأنزل الكتب، واختار لنا خير رسله، وفضلنا بأفضل كتبه، اختار لنا محمدًا عليه الصلاة والسلام غرة جبين الأنبياء ونور الزمان، واختار لنا القرآن المعجز في تنزيله وحفظه، والمعجز في لفظه ومعناه. فهذا الطريق واضح بَيِّن لا غبش فيه، ولا يضل عنه إلا هالك، ولا يزيغ عنه إلا ضالٌّ.

 

هذه الغاية السامية معاشر المسلمين، غاية العبودية، أن تكون عبدًا لله اختيارًا قبل أن تكون عبدًا له اضطرارًا، ومن أبى فإنه ولا بد أن يكون عبدًا لله اضطرارًا: ﴿ إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا ﴾ [مريم: 93 - 95]، أين تشرد من العبودية؟ من الذي أوجدك؟ لقد كنت قبل مدة من الزمان قصيرة عدمًا، لا اسم ولا ذكر. أين تذهب من الموت وهو لاحقك ولا بد؟ أين تشرد من المرض؟ أين تذهب من الأقدار التي تقع على العباد كوقع القطر بل أشد؟ فأنت عبد في قبضته، فلتكن عبدًا اختيارًا.

 

أن تكون عبدًا للملك تبارك وتعالى، لما بُعِث النبي عليه الصلاة والسلام غيَّر مفاهيم الناس حتى ينظروا نظرةً غير مادية؛ لأن هناك عالمين متوازيين: عالم الشهادة المحسوس الذي نراه ونسمعه ونحس به، وعالم آخر هو أعظم وأجل؛ هو عالم الغيب، فبعث النبي عليه الصلاة والسلام ليذكرنا بعالم الغيب، ليذكرنا بالله تبارك وتعالى الذي هو غيب الغيوب، وما انطوى تحت الإيمان به من الفضائل والمكارم التي لا تراها العين، إنما يدركها القلب المؤمن المنيب إلى الله.

 

تأمَّل معي إلى قول النبي عليه الصلاة والسلام وهو يقول: "من ترك اللباس تواضعًا لله وهو يقدر عليه، دعاه الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق حتى يخيره من أي حلل الإيمان شاء فليلبس". هذا الحديث العظيم يتحدَّث فيه عن أمر فرعي، من يسَّر الله له وأغناه، واستطاع بماله أن يشتري ما شاء؛ رفيع اللباس وفاخره. يقول النبي عليه الصلاة والسلام أن نترك فاخر اللباس، لماذا يا رسول الله؟ قال: "تواضعًا لله"، مع أنه يعلم أن النبي عليه الصلاة والسلام قد قال في حديث آخر: "إذا آتاك الله مالًا فلير أثر نعمته عليك وكرامته"، ويعلم قبل ذلك قول الله تبارك وتعالى: ﴿ قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ ﴾ [الأعراف: 32]، فمن وسَّع الله عليه فلبس رفيع الثياب، أو ركب فاخر المراكب، أو سكن فاخر الدور، أو أكل فاخر الطعام، فإنه مما أباح الله. فكما أن اللبس والطعام والشراب لمن وسَّع الله عليه فعله من السُّنَّة، كذلك تركه تواضُعًا لله من السُّنَّة. فانظر إلى الترك قبل أن تنظر إلى العطاء؛ لأن الترك دالٌّ على أن الاختيار كان لله تبارك وتعالى.

 

وهذا الترك أيها الكرام ليس بالضرورة أن يكون في المال أو في المحسوس، فقد يكون فيما ليس من الأموال ولا من الماديات، قد يكون تركك لخُلُق من الأخلاق أو تصرُّف من التصرفات. اسمع إلى رسول الله عليه الصلاة والسلام وهو يقول: "من كظم غيظًا وهو قادر على أن ينفذه، دعاه الله تبارك وتعالى على رؤوس الخلائق حتى يخيره من الحور العين ما شاء". هذا ترك قدرته على الإيذاء، قدرته على أن ينفذ غيظه، قد يكون أبًا اغتاظ على ابنه، أو زوجًا اغتاظ على زوجته، أو أمًّا اغتاظت على ابنتها، أو مديرًا اغتاظ على موظف عنده، أو تاجرًا اغتاظ على عامل تحت يده. فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول لك: إن تركت الغيظ وأنت تستطيع أن تنفذه لقدرتك، فإنه تبارك وتعالى سيدعوك على رؤوس الخلائق كرامةً لك، لما خفته في الغيب أكرمك على رؤوس الخلائق.

 

تأمل أيها المؤمن إلى حالنا في هذا الزمان، وكيف ضعف إيماننا بعالم الغيب، وغلب علينا الحس والماديات. يعجز أحدنا أن يترك النظر في الهاتف ليردد خلف المؤذن، لا يستطيع أن يبقى دقيقتين مرددًا خلف الأذان، لأنه مشغول بهاتفه. يحضر كثير منا المواعظ والمحاضرات والدروس، وتراه وسط المحاضرات حاملًا هاتفه، ما يستطيع أن يفارقه. يكون أحدنا مأمورًا بعبادة من العبادات فيغلبه عنها أتفه الأسباب: الحديث مع صديق، أو جلسة أوقات، أو نومة، أو لهو، أو مباراة، أو سوق من الأسواق. لا يستطيع أن يترك ذلك لله؛ لأنه قد غاب عنه عالم الغيب، وغلب عليه حال الحس، فهو يريد العوض المادي المرئي العاجل.

 

تأمل هذا الحال المرير، ثم التفت إلى صفحات الماضي لترى سلمان الفارسي ابن سيد قومه، قد نال أبوه الشرف في قومه فهو سيدهم، ونال المال فهو غنيهم. يترك سلمان المال والأب والأم والدار والملك والأصدقاء؛ لأنه قد وقر في قلبه ليس محض الإيمان؛ بل وقر في قلبه أن الدين الذي هو عليه هناك دين هو خير منه. يفك قيده ويهاجر من خراسان إلى العراق، ومن العراق إلى الشام، ومن الشام إلى عمورية، يتنقل بين أساقفة النصارى، من أسقف إلى آخر، ليس له غرض إلا أن يتبصَّر المعبود جل جلاله تبارك وتعالى، فيسجد له ويبكي بين يديه ويقول: أنت الإله الحق الذي ينبغي أن تترك الدنيا كلها من أجلك، وأن ترحل النوق وتركب في سبيلك، أنت الإله العظيم الكريم الذي لا أكرم منك، والغني الذي لا أغنى منك، والعزيز الذي لا أعز منك، والقوي الذي لا أقوى منك. فما أطلبه ويطلبه جميع الخلق أجمعون بين يديك، وفي قبضة يديك، فعلامَ أخاف مما أترك وقد أقبلت عليك؟ هل تتصوَّر معي أن تخرج من بيتك وتترك كل شيء من أجل الله تبارك وتعالى؟

 

وليس هذا فحسب، بل يأتي إلى الشام فينقطع عنه الرجال الصالحون الذين كان يلزمهم، ويدله آخرهم على أنه لم يبق على وجه الأرض ممن تبحث عنهم أحد ممن تلازمهم حتى تعبد الله، ولكن هذا أوان نبي يبعث في جزيرة العرب من صفته كيت وكيت. وكان قد اكتسب بقرات وغنيمات، فيقدم أناس من كلب؛ من قبيلة كلب العربية، إلى الشام تجَّارًا، فلما أذنوا بالانصراف إلى بلادهم قال لهم: سأعطيكم بقراتي وغنيماتي في سبيل أن تذهبوا بي إلى الجزيرة. يتخلى سلمان عن كل شيء من أجل الله تبارك وتعالى، فيغدر به هؤلاء القوم البهت، فلما وصلوا وادي القرى باعوه بثمن بخس عبدًا وهو ابن سيد في قومه، باعوه لرجل من اليهود، فيصبح سلمان بعد أن كان ابن السيد في قومه عبدًا. هل تراه كان حزينًا في ذلك؟ كلا، لقد كان سلمان ملتذًّا بذلك في ذات الله؛ لأنه كان ينظر إلى عالم الغيب، وقد هانت عليه أمور الشهادة والحس، فلم يحسب لها حسابًا. بقي سلمان عبدًا حتى قدم النبي عليه الصلاة والسلام إلى المدينة فآمن به، وما زال عبدًا حتى إن العبودية كانت سببًا في ألا يشهد بَدْرًا ولا أُحُدًا، كل ذلك كان في سبيل الله حتى أعتق نفسه وساعده النبي عليه الصلاة والسلام في ذلك.

 

أما المثال الثاني المضيء المشرق فهو مثال صهيب الرومي الذي قدم مكة، وكان يحسن التجارة، فجمع من المال ما شاء الله أن يجمع. فلما بعث النبي عليه الصلاة والسلام آمن به وخالط الإيمان حشاشة قلبه، فهان عليه ما بيده. فلما عزم النبي عليه الصلاة والسلام وصحبه الكرام على الهجرة إلى طيبة خرج مهاجرًا، فتبعه نفر من قريش، قالوا: كلا، لقد أتيتنا صعلوكًا لا مال لك، والله لا ندعك تذهب. فقال لهم: أرأيتم إن تركت لكم مالي وداري أكنتم تاركي سبيلي؟ قالوا: نعم. قال: فلكم مالي وداري. فلما قدم النبي عليه الصلاة والسلام وكان الوحي قد سبق، قال له: "ربح البيع أبا يحيى، ربح البيع أبا يحيى". هذا هو البيع الحقيقي لهذا التراب الفاني الذي من أجله نتقاتل ونتنافس، ويكذب بعضُنا على بعض، ويظلم بعضنا بعضًا، ويخون بعضنا بعضًا. نسأل الله تبارك وتعالى أن يلهمنا رشدنا، وأن يقينا سوء أعمالنا، وأن يجعلنا من عباده التائبين المخلصين.

 

قلت ما سمعتم، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم فاستغفروه يا لفوز المستغفرين!

 

الخطبة الثانية

الحمد لله، الحمد لله رب العالمين، ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على إمام المتقين وسيد ولد آدم أجمعين، محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، وبعد:

فاتقوا الله عباد الله حق التقوى، وتزوَّدوا من داركم هذه للدار الأخرى، جعلني الله وإياكم من عباده المتقين.

 

أيها المسلمون عباد الله، قد يكون الترك في العطاء، قد يكون تركك لله في أن تعطي، أن يكون لك مال ولو كان يسيرًا فتتركه لله، تعطي منه لربِّك تبارك وتعالى، وأنت تعلم يقينًا أن ما أعطيت خير مما أبقيت، وأن ما بذلت خلفه عند الله تبارك وتعالى عظيم. يقول عليه الصلاة والسلام: "ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفو إلا عزًّا، وما تواضع عبد لله إلا رفعه". فهذا ترك بالعطاء: أن تعطي من نفسك المال؛ أي: تتركه لله، وتعطي من نفسك التواضُع، فتترك الكبر لله، وتعطي من نفسك العفو والتسامح، فتترك الشح لله تبارك وتعالى.

 

والنبي عليه الصلاة والسلام يضع لنا قاعدةً عامةً في كل شيء، فيقول فيما صحَّ عنه عليه الصلاة والسلام: "إنك لن تدع شيئًا لله عز وجل إلا أبدلك الله به ما هو خير لك منه". أي شيء، وقد يكون هذا الشيء أمرًا يتعلق بالمعنى كغيظ تكتمه أو حق معنوي تتسامح فيه، فتتسامح مع من اغتابك أو بهتك لله عز وجل، تتركه لله تبارك وتعالى؛ ولذلك التاركون لله أعظم الناس جزاءً يوم القيامة، الذين تتحرك قلوبهم لله، فأخذهم لله، وعطاؤهم لله، وتركهم لله، فالمحرك لهم هو الله تبارك وتعالى في أفعالهم وفي تركهم.

 

ولذلك تأمل معي هذا المشهد لأمر ربما نعده يسيرًا، لكنه على لسان النبي عليه الصلاة والسلام أمر عظيم جوزي بالجنة. روى الشيخان عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: "كان رجل يداين الناس، فكان يقول لفتاه- وفي رواية لفتيانه؛ أي: لخدامه وعبيده- يقول لفتاه: إذا أتيت معسرًا فتجاوز عنه، لعل الله أن يتجاوز عنا". قال عليه الصلاة والسلام: "فلقي الله فتجاوز عنه". رواية أخرى في مسلم تبين أن هذا الرجل لم يكن له عمل صالح إلا هذا، ما كان عنده عمل صالح إلا أنه كان متسامحًا، كان طيب القلب ليس شحيح النفس، متسامحًا في بيعه وشرائه وقضائه في الدين. رواية مسلم التي يرويها حذيفة يقول فيها عليه الصلاة والسلام: "تلقت الملائكة روح رجل ممن كان قبلكم، فقالوا- أي الملائكة له-: أعملت من الخير شيئًا؟ قال: لا. قالوا له: تذكر. قال: كنت أداين الناس فآمر فتياني أن ينظروا المعسر- أي الذي ليس عنده مال- أن يمهلوه ويعطوه فسحةً حتى يكتسب المال، قال: وكنت أداين الناس فآمر فتياني أن ينظروا المعسر ويتجاوزوا عن موسر"؛ أي: الذي عنده مال، إن وقع عنده نقص تجاوزوا عنه أو وقع عنده شيء من الخلل في العطاء تجاوزوا عنه. قال: قال الله عز وجل: "تجاوزوا عنه فإني أحق بأن أتجاوز".

 

هكذا أيها الأحبة، من ترك شيئًا لله أبدله الله خيرًا منه. وهذا البدل أيها الكرام قد يكون في الدنيا بالعطاء؛ فإن سليمان عليه السلام لما شغلته الخيل عن صلاة العصر ﴿ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ ﴾ [ص: 33] نحرها في سبيل الله، فأبدله الله تبارك وتعالى الريح تأخذه في الغدوِّ؛ أي: في الصباح مسيرة شهر على الخيل، وتأخذه في العشي مسيرة شهر على الخيل. وهكذا هؤلاء المهاجرون أصحاب النبي عليه الصلاة والسلام تركوا مكة أحب البلاد إلى الله وإليهم، تركوها لله، تركوا دورهم وأموالهم ومراتع صباهم، وقدموا إلى طيبة الطيبة لا مال ولا دار إلا الله تبارك وتعالى نصب أعينهم، فماذا كان؟ لم تمضِ إلا سنوات يسيرة حتى فتح الله لهم الأمصار وملكهم شرق البلاد وغربها.

 

وقد يكون العطاء أخرويًّا وهو كما قال ابن دقيق العيد: هو الأعظم والأكثر، قال: لأن ذرةً من الآخرة لا تساوي الدنيا بحذافيرها؛ ولذلك لما قدم النقباء من الأنصار في بيعة العقبة الأولى والثانية، فبايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لهم: بايعوني على أن تحموني وتمنعوني مما تمنعون منه حرماتكم وأنفسكم. قال بعد ذلك الأنصار: يا رسول الله، فما لنا؟ ماذا يقابل هذا الأمر الذي سنقوم به؟ فقال لهم النبي عليه الصلاة والسلام: "لكم الجنة، لكم الجنة". هذا هو العوض، فمن ترك شيئًا لله أبدله الله خيرًا منه.

 

نسأل الله تبارك وتعالى أن يملأ قلوبنا بالإيمان. اللهم عمر قلوبنا بذكرك وبالإيمان بك، وأعِنَّا يا ربنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك. ربنا وخالقنا وإلهنا لا إله إلا أنت، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، وأنت العزيز ونحن الأذلاء بين يديك، وأنت القادر العزيز الكريم ونحن المحتاجون إليك. اللهم أغننا بفضلك عمن سواك، وبطاعتك عن معصيتك. اللهم أعطنا ولا تحرمنا. اللهم أعطنا الإيمان في قلوبنا. اللهم إنا نحبك ونحب رسولك عليه الصلاة والسلام، فاحشرنا في زمرته وتحت لوائه، وأوردنا حوضه يا أكرم من دعي.

 

اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات، إنك سميع قريب مجيب الدعوات. اللهم يا رب يا أكرم من دعي ويا خير من رفعت له الأكفُّ، إن لنا إخوةً في الإيمان بالسودان وبغزة وببقاع من الأرض نعلم بعضها ويغيب عنا كثير منها قد أحصاها كتابك، هؤلاء قد مسَّتهم البأساء والضراء، وأنت أرحم بهم من أنفسهم وأرحم بهم منا. اللهم استر عوراتهم، وآمن روعاتهم.

 

اللهم أطعمهم من جوع، وآمنهم من خوف، واسقهم من ظمأ، وآوهم من تشريد. اللهم اجعل لهم مما هم فيه فرجًا ومخرجًا، اللهم اجعل لهم مما هم فيه فرجًا ومخرجًا، برحمتك يا أرحم الراحمين. وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • عبودية القلب
  • عبودية الحب
  • العبودية
  • عز العبودية وذل الحرية
  • العبودية (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • التعبد بترك الحرام واستبشاعه (خطبة) – باللغة البنغالية(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة بر الوالدين(مقالة - موقع د. علي بن عبدالعزيز الشبل)
  • من آفات اللسان (3) الكذب (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: الإيجابية.. خصلة المؤمنين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • حفظ الأسرار خلق الأبرار (خطبة)(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • خطبة عن الرياء(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطوة الكبر وجمال التواضع (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بطاعة الله ورسوله نفوز بمرافقة الحبيب (صلى الله عليه وسلم) في الجنة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: نعمة تترتب عليها قوامة الدين والدنيا(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة عن الصمت(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بحث مخاطر المهدئات وسوء استخدامها في ضوء الطب النفسي والشريعة الإسلامية
  • مسلمات سراييفو يشاركن في ندوة علمية عن أحكام زكاة الذهب والفضة
  • مؤتمر علمي يناقش تحديات الجيل المسلم لشباب أستراليا ونيوزيلندا
  • القرم تشهد انطلاق بناء مسجد جديد وتحضيرًا لفعالية "زهرة الرحمة" الخيرية
  • اختتام دورة علمية لتأهيل الشباب لبناء أسر إسلامية قوية في قازان
  • تكريم 540 خريجا من مسار تعليمي امتد من الطفولة حتى الشباب في سنغافورة
  • ولاية بارانا تشهد افتتاح مسجد كاسكافيل الجديد في البرازيل
  • الشباب المسلم والذكاء الاصطناعي محور المؤتمر الدولي الـ38 لمسلمي أمريكا اللاتينية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 14/6/1447هـ - الساعة: 9:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب