• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    خطبة: عبودية الترك
    د. ناصر بن حسين مجور
  •  
    خطبة بر الوالدين
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    من آفات اللسان (3) الكذب (خطبة)
    خالد سعد الشهري
  •  
    خطبة: الإيجابية.. خصلة المؤمنين
    يحيى سليمان العقيلي
  •  
    حفظ الأسرار خلق الأبرار (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    المضاف إلى الله
    الشيخ عبدالعزيز السلمان
  •  
    خطبة عن الرياء
    د. رافع العنزي
  •  
    خطوة الكبر وجمال التواضع (خطبة)
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
  •  
    أكبر مشايخ الإمام البخاري سنا
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    بطاعة الله ورسوله نفوز بمرافقة الحبيب (صلى الله ...
    د. محمد جمعة الحلبوسي
  •  
    خطبة: نعمة تترتب عليها قوامة الدين والدنيا
    أبو عمران أنس بن يحيى الجزائري
  •  
    خطبة عن الصمت
    د. عطية بن عبدالله الباحوث
  •  
    يا محزون القلب، أبشر
    تهاني سليمان
  •  
    كسب القلوب مقدم على كسب المواقف (خطبة)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    الإمداد بالنهي عن الفساد (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    سورة البقرة: مفتاح البركة ومنهاج السيادة
    د. مصطفى يعقوب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

خطبة بر الوالدين

خطبة بر الوالدين
الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 5/12/2025 ميلادي - 15/6/1447 هجري

الزيارات: 18

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

خطبة بر الوالدين

 

الخطبة الأولى

الحَمْدُ للهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَسْتَهْدِيْه، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ عبده المصطفى ونبيه المجتبى، فالعبد لا يُعبد كما الرسول لا يُكذب، اللهم صلِّ وسلِّم عليه، وعلى آله، وأصحابه، ومن سلف من إخوانه من المرسلين، وسار على نهجهم واقتفى أثرهم إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:

 

أيها الناس! فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.

 

أيها المؤمنون!

ثبت في الصحيحين[1] من حديث عبد الله بن عمر بن الخطاب رَضِيَ اللهُ تعالى عنه وعنْ أَبيه قال: قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «انطلق ثلاثةٌ ممن كان قبلكم في سفر، فآواهم المبيت إلى غار، فنزلت صخرةٌ على فم الغار فسدته، فحاولوا الخروج فلم يستطيعوا، فقال بعضهم لبعض: إنه لن ينجيكم مما أنتم فيه إلا أعمالٌ صالحةٌ عملتموها لله عَزَّ وَجَلَّ، فقال أحدهم: اللهم إنه كان لي أبوان شيخان كبيران وكنت أرعى عليهما غَبُوقَهما، وإنه نأى بيَ السيرُ ذات يوم فلم آتي إلا وقد غربت الشمسُ، فحلبتُ لهما غَبُوقَهما، فجئت إليهما وقد ناما، والصبيةُ –يعني أبناءه- تحتي يتضاغون بكاءً من شدة الجوع، فلم أقدِّم على والدي أهلًا ولا نفسًا ولا ولدًا، حتى طلع الصبح ثم أسقيتهما فسقيا، اللهم إن كنت تعلم أني فعلتُ ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، قال صلَّى اللهُ عَليه وَسلَّمَ: فانفرجت الصخرة وإنهم لينظرون إلى السماء، قال الثاني: اللهم إنه كانت لي ابنة عم وكنت أحبها كأحب ما يحب الرجالُ النساء وإني دعوتها إلى نفسها فأبت، وإنها احتاجت ذات يوم فجاءت إليّ فأعطيتها على أن تمكنني من نفسها فأبت، فذهبت، فلما اشتدت حاجتها جاءت إليّ فأعطيتها مائة دينارٍ على أن تمكنني من نفسها، حتى إذا صرتُ بين شعبها الأربع، بين يديها ورجليها قالت: يا عبد الله، اتق الله ولا تفضنَّ الخاتم إلا بحقه، قال: فقمتُ عنها وتركتها وما بيدها ثم قال: اللهم إن كنت تعلم أني فعلتُ ذلك ابتغاءً وجهك فافرج عنا ما نحن فيه، فانفرجت الصخرة ولكنهم لا يستطيعون الخروج. قال الثالث: اللهم إنه كان لي أجراء فأعطيتُ كل أجيرٍ أجره إلا واحدٌ ذهب ولم يأخذ أجرته، فنميتُ أجرته حتى صار له وادٍ من الإبل ووادٍ من الغنم ووادٍ من البقر ووادٍ من الرقيق يقومون على بهيمة الأنعام، حتى إذا جاء بعد مدةٍ طويلة أتاني فقال: يا عبد الله، أتعرفني؟ قلتُ: نعم أنت الذي عملتَ عندي ثم ذهبتَ ولم تأخذ أجرتك، قال: اتقِ الله وأعطني أجري، قلتُ: أترى ذلك الوادي من الإبل وذلك الوادي من البقر وذلك الوادي من الغنم وذلك الوادي من الرقيق؟ قال: نعم، قال: فإنه أجرك فخذه، قال: فذهب فساقه كله ولم يدع منه شيئًا، اللهم إن كنت تعلم أني فعلتُ ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه. قال النبيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: فانفرجت الصخرة وخرجوا يمشون في الأرض».

 

نعم يا عباد الله؛ توسل هؤلاء العباد، توسل هؤلاء الصالحون إلى الله جَلَّ وَعَلا بأعمالٍ صالحة عملوها ابتغاء وجه الله، وطلبًا لثوابه ومرضاته، عندئذٍ قبِل الله جَلَّ وَعَلا توسلهم، وأرضى وسيلتهم، فحقق لهم سؤلهم.

 

وإنا نقف وإياكم مع ذلك الرجل الذي بر والديه في حال الكبر؛ لأننا في زمانٍ فشا فيه بين الناس العقوق، عقوق الوالدين، وتقطيع الأرحام، حتى أصبحت المجالس والنوادي وأماكن الشرط والرعاية الاجتماعية تئن من هؤلاء الفجار أنًا عظيمًا.

 

ü قال ذلك الأول: "اللهم إنه كان لي أبوان شيخان كبيران"، والأبوان في حال شيبتهما وشيخوختهما يكونان أحوج ما يكونا إلى الرعاية والعناية والصيانة والخدمة، لا في حال شبابها ونشاطهما وقوتهما، "اللهم إنه كان لي أبوان شيخان كبيران وكنت أرعى عليهما غبوقهما"، فالإبل لهما، وليس لهما من العشاء إلا هذا الحليب الذي يطعمونه من الإبل، فجئت إليهما وقد ناما، وإن الصبية أي أبناؤه يتضاغون تحته بكاءً من شدة الجوع، ولم يقدم على والديه لا نفسه وقد تعب، ولا أولاده الصغار وهم يبكون من شدة الجوع، ولا أهله ولا أحدًا غيرهم، وذلك من كمال بره وإحسانه لوالديه، ولو قدم أحدًا من نفسه أو أهله أو أولاده على والديه لما كان ملومًا عند عامة العقلاء، فتوسل إلى الله بهذا البر بقوله: "اللهم إن كنت تعلم أني فعلتُ ذلك ابتغاء وجهك فافرج عنا ما نحن فيه"، فقبِل الله جَلَّ وَعَلا وسيلته، وبره بوالديه الشيخين الكبيرين، وأجاب دعوته في الدنيا، وله عند الله جَلَّ وَعَلا عظيم الجزاء والثواب.

 

نفعني الله وَإِيَّاكُمْ بالقرآن العظيم، وما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله كما أمر، أحمده سبحانه وقد تأذن بالزيادة لمن شكر، وأشهد أن لا إله إلا الله إقرارًا بربوبيته وألوهيته وإيمانًا بأسمائه وصفاته، مراغمًا بذلك من عطلها أو عاند بها وألحد وكفر، وأصلي وأسلم على سيد البشر الشافع المشفع في المحشر صلى الله عليه، وعلى آله، وأصحابه السادة الغرر، خير آلٍ ومعشر، ما طلع الليل والنهار وأقبل أحدهما على الآخر وأدبر، أما بعد:

 

عباد الله! اتقوا الله عَزَّ وَجَلَّ، واعلموا أنكم ملاقوا ربكم، ﴿ وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 281]، اتقوا ربكم جَلَّ وَعَلا ولاحظوا أنفسكم هل بررتم بوالديكم، هل أحسنتم إلى أمهاتكم وإلى آبائكم؟ فإنه ثبت عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حديثٌ صحيح يهز قلوب أهل الإيمان هزًا حيث قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لا تقوم الساعة حتى يصل الرجل زوجته ويقطع أمه، ولا تقوم الساعة حتى يصل الرجل صديقه وصاحبه ويقطع أباه»[2]، وما أُرى ذلك إلا كاد أن يقع، بل قد وقع في بعض الفئام الذين هم لئام، لا يستحقون شيئًا من معاني المروءة والشهامة.

 

إن من الرجال من يسعى في خدمة زوجته وتحقيق مطالبها ورغباتها، وصلة صديقاتها وأقاربها، في مقابل عقوقه وسوء تصرفه مع أمه، تصرفه مع أمه التصرف العاق، وشأنه مع زوجته شأن العبد الذليل الذي يسعى في كل ما تأمره وتسعى به، وهذا يا عباد الله علامة نقصٍ، وهؤلاء أشباه رجالٍ ليسوا برجال، أمك التي ولدتك وحملتك قبل الولادة تسعة أشهر، ولا قت أشد الملاقاة حتى وضعتك ابنًا لها، ومهما بلغتَ من السن كبرًا وعتيًا تبقى في عين أمك وأبيك ذلك الغلام الصغير.

 

الأم ليس بدلها أم وكذا الأب ليس بدله أب، أما الزوجة فبدلها مائة زوجة. إن من اللئام من قرب زوجته ووصلها وأحسن إليها في مقابل عقوقه وسوء تصرفه وتعامله مع أمه، والله جَلَّ وَعَلا يقول: ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [الإسراء: 23- 24]؛ قال العلماء رَحِمَهُم الله: لو أن ثمة كلمة أقل من كلمة (أف) لقالها سبحانه وتعالى. كيف وبعض اللئام السفهاء يرفع يده على أبيه وعلى أمه ضربًا؟ أو يسبهما؟ أو يتمعط بوجهه في وجوههما؟ أما زوجته وأما صديقه فإنه العبد الذليل القائم على خدمتهما وعلى أوامرهما، فإذا طلب منه أبوه شيئًا قال: إليك عني، أنا مشغول، ألا ترى ما بي من العمل والشغل؟ فإذا اتصل به صديقه بادر إليه وربما قضى الساعات الطوال مع صديقه أنسًا به، فإذا أمره أبوه بأمرٍ كان أشد نفرةً من أمر أبيه.

 

ألا فليتقِ الله هؤلاء، وليعلموا أن جزاء العقوق مما يُقدَّم لصاحبه عقوبةً في الدنيا قبل الآخرة، قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بروا آباءكم تبركم أبناؤكم»[3]، فإذا بر الإنسان والديه وجد عاجل المثوبة، وعاجل الأجر من الله جَلَّ وَعَلا في بر أولاده له في الدنيا، أما إذا عقَّ والديه فإنه يجد عاجل العقوبة في نفسه وفي همه، بل وفي ولده وزوجه وصديقه في الدنيا.

 

فاتقوا الله عباد الله، وراقبوا ربكم جَلَّ وَعَلا، وأدوا الحقوق إلى أهلها، فإن أعظم الحقوق بعد حق الله وحق رسوله حق الوالدين؛ حيث قرنهما سبحانه بحقه؛ ﴿ وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ [الإسراء: 23]، وفي آية الحقوق العشرة في سورة النساء يقول سبحانه وتعالى: ﴿ وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ﴾ [النساء: 36].

 

ثبت في الصحيحين [4] يا عباد الله! "أن رجلًا جاء إلى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال: يا رسول الله، من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: «أمك»، قال: ثم من؟ قال: «أمك»، قال: ثم من؟ قال: «أمك»، وقال في الرابعة: «ثم أبوك»، وبعض الناس قدم الزوجة أو قدم القريبة على حق الأم، وقدم الصاحب والصديق أو القريب على حق الأب، وهؤلاء قد بلغوا من العقوق مبلغًا عظيمًا. نعم هؤلاء بلغوا من عقوق الوالدين مبلغًا عظيمًا سيجدون أثر هذه المعصية وشؤمها في رزقهم، وفي وظائفهم، وفي تجارتهم، بل وفي أنفسهم وخواطرهم وسوء راحة بالهم.

 

"جاء رجلٌ من اليمن حاملًا أمه على ظهره حاجًا بها بيت الله الحرام، فطاف بها وهو حاملها على ظهره، فلقي بعد الطواف عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنهما، فقال: "يا صاحب رسول الله، هذه أمي أتيتُ بها من اليمن، حاملًا لها على ظهري، أُتراني أديت حقها؟ فقال ابن عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُما: لا، لا، ولا بطلقةٍ واحدةٍ من طلقاتها؛" أي: لما ولدتك ووجدت ألم ولادتك وإجهاض حملك بها فلم تؤدِ ولا طلقةً واحدةً من طلقاتها.

 

إذا علمنا هذا يا عباد الله فبادروا إلى برٍ بأمهاتكم، وآبائكم، قبل أن يدهمكم أو يدهمهما الموت.

 

وقد يقول قائل: لقد ذهب أبي، أو ماتت أمي، أو ماتا جميعًا، فهل بقي عليّ من البر بهما بعد موتهما؟ فالجواب: نعم، أول ذلك بالدعاء لهما كلما دعوت لنفسك، ﴿ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا ﴾ [الإسراء: 24]، ثبت في الصحيحين[5] قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث؛ من علمٍ يُنتفع به، أو صدقةٍ جارية، قال: أو ولدٌ صالحٌ يدعو له»، فادعُ لأبيك ولأمك في سرائك وفي ضرائك، كلما دعوت لنفسك تكون قد أديت بعض حقهما، وقمتَ ببعض البر بهما.

 

من علامة البر بالوالدين الصدقة عنهما، وأعظم الصدقة إجراء الماء وسقيه، فقد ثبت في الصحيحين[6] أن أم سعد بن أبي وقاص رضي الله تعالى عنه ماتت فقال: يا رسول الله، إن أمي افتلتت نفسها، وأظنها لو تكلمت تصدقت، أفأتصدق عن أمي؟ قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «نعم، تصدق عن أمك»؛ دل على أن هذا من العمل الصالح.

 

ومن العمل الصالح والبر بالوالدين بعد موتهما إكرام صديقهما وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما، فتصل أقارب أمك وتصل أقارب أبيك، وتصل صويحبات أمك وأصحاب أبيك، بالسؤال والهدية، والصدقة إن كانوا من أهلها، والدعاء لهم، وقضاء حوائجهم، وسائر أعمال البر التي تُؤدى لأمثالهم؛ لأنك إذا وصلتَ أقارب أبيك وأمك تجدد الدعاء لوالديك بقولهم: جعل الله من أتى بك في الجنة، أو من أرثك في الجنة، أو الله يجعل والديك في الجنة، فيتجدد الدعاء عندئذٍ لأمك وأبيك.

 

! خرج ابن عمر رَضِيَ اَللَّهُ تَعَالَى عَنْهُما إلى مكة قاصدًا العمرة، فبينما هو يمشي في الطريق ومعه أصحابه وطلابه إذ لقي شيخًا أعرابيًا كبيرًا في السن، فنزل من على دابته، ثم أركب هذا الشيخ الأعرابي البدوي على دابته، وأصبح يماشيه ويؤانسه بالكلام، وأصحابه يتعجبون من صنيعه، حتى نزل ذلك الأعرابي وأخذ بطريقٍ آخر، فقال له أصحابه: يا أبا عبد الرحمن، من هذا الرجل الذي فعلتَ به، وهششتَ في وجهه وبششتَ؟ قال: إن والد هذا –أي هذا الأعرابي- كان صديقًا لعمر؛ فابن عمر يصل أهل ود وصداقة أبيه، وهذا من البر بالوالدين يا عباد الله.

 

فاتقوا الله عَزَّ وَجَلَّ وعظموا أمره، وبروا آباءكم وأمهاتكم، تبركم أبناؤكم في حياتكم وبعد مماتكم.

 

واعلموا عباد الله أن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ بدعة، وكل بدعةٍ ضلالة، وعليكم عباد الله بالجماعة؛ فإن يد الله مع الجماعة، ومن شذ شذ في النار.

 

اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميدٌ مجيد. اللهم وارض عن الأربعة الخلفاء، والعشرة وأصحاب الشجرة، والمهاجرين والأنصار، وعنا معهم بمنك ورحمتك يا أرحم الراحمين، اللهم وأعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين، اللهم انصر دينك وكتابك وسنة نبيك على العالمين، اللهم انصر من نصر الدين، واخذل من خذل عبادك المؤمنين، يا ذا الجلال والإكرام، اللهم أبرم لهذه الأمة أمرًا رشدًا يُعزُّ فيه أهل طاعتك ويُهدى فيه أهل معصيتك، ويُؤمر فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر، يا سميع الدعاء، اللهم وفقنا للبر بآبائنا وأمهاتنا، اللهم اجعلنا بارين بوالدينا ولا تجعلنا قاطعين لهما ولا قاطعين لأرحامنا، يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اغفر لآبائنا وأمهاتنا، ووالدَينا، ووالدِينا، واجمعنا هم في عوالي جنانك في فردوسك الأعلى صحبة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، وحسن أولئك رفيقًا، اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان، اللهم أفرغ عليهم الصبر إفراغًا، اللهم اربط على قلوبهم، واجمع على الكتاب والسنة كلمتهم ورايتهم، اللهم من أراد بنا أو بالمسلمين سوءًا اللهم فأشغله في نفسه واجعل كيده في نحره، واجعل تدبيره تدميرًا عليه يا سميع الدعاء، اللهم وفق ولاة أمورنا لطاعتك وحسن عبادتك، اللهم اهدهم بهداك، اللهم وفقهم لطاعتك، واجعلهم ناصرين لدينك، عونًا لأوليائك سلمًا لأوليائك حربًا على أعدائك، يا ذا الجلال والإكرام، اللهم اجعلهم ولاة رحمةٍ على رعاياهم، ومن علمتَ منهم سوءًا اللهم فاهده أو أبدلنا خيرًا منه، يا ذا الجلال والإكرام، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

 

عباد الله! ﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ﴾ [النحل: 90]، فاذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.



[1] أخرجه البخاري (2215)، ومسلم (2743).

[2] لم أقف عليه بهذا اللفظ في الكتب التسعة، وقد أخرج الترمذي (2210): (إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة حل بها البلاء» فقيل: وما هن يا رسول الله؟ قال: «إذا كان المغنم دولا، والأمانة مغنما، والزكاة مغرما، وأطاع الرجل زوجته، وعق أمه، وبر صديقه، وجفا أباه..) الحديث.

[3] لم أقف عليه في الكتب التسعة بهذا اللفظ.

[4] أخرجه البخاري (5971)، ومسلم (2548).

[5] لم أقف عليه في البخاري، وإنما أخرجه مسلم (1631).

[6] أخرجه البخاري (1388)، ومسلم (1004).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • بر الوالدين.. سبل للعمل
  • بر الوالدين... ففيهما فجاهد
  • بر الوالدين
  • بر الوالدين (تصميم)
  • من وصايا لقمان الحكيم لابنه (بر الوالدين)

مختارات من الشبكة

  • بر وعقوق الوالدين (خطبة)(مقالة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري)
  • بر الوالدين (خطبة)(مقالة - موقع د. صغير بن محمد الصغير)
  • الوالدان القدوة (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الإحسان للوالدين: فضائل وغنائم (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • البر بالوالدين وصية ربانية لا تتغير عبر الزمان (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • البر بالوالدين: وصية ربانية لا تتغير عبر الزمان (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • البر بالوالدين دين ودين (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الوصية بالوالدين (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: العناية بالوالدين وبرهما(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: عبودية الترك(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بحث مخاطر المهدئات وسوء استخدامها في ضوء الطب النفسي والشريعة الإسلامية
  • مسلمات سراييفو يشاركن في ندوة علمية عن أحكام زكاة الذهب والفضة
  • مؤتمر علمي يناقش تحديات الجيل المسلم لشباب أستراليا ونيوزيلندا
  • القرم تشهد انطلاق بناء مسجد جديد وتحضيرًا لفعالية "زهرة الرحمة" الخيرية
  • اختتام دورة علمية لتأهيل الشباب لبناء أسر إسلامية قوية في قازان
  • تكريم 540 خريجا من مسار تعليمي امتد من الطفولة حتى الشباب في سنغافورة
  • ولاية بارانا تشهد افتتاح مسجد كاسكافيل الجديد في البرازيل
  • الشباب المسلم والذكاء الاصطناعي محور المؤتمر الدولي الـ38 لمسلمي أمريكا اللاتينية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 14/6/1447هـ - الساعة: 9:33
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب