• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    حسن الظن بالله تعالى (خطبة)
    د. عبد الرقيب الراشدي
  •  
    خطبة: صلاة الاستسقاء
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    هل الكلب طاهر أم نجس؟ دراسة فقهية موجزة
    د. أحمد عبدالمجيد مكي
  •  
    البصيرة في زمان الفتن - منهجية رد المتشابهات، ...
    د. هيثم بن عبدالمنعم بن الغريب صقر
  •  
    من نعم الابتلاء بالمرض (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    إن للموت لسكرات (خطبة)
    د. فهد بن ابراهيم الجمعة
  •  
    خلاف العلماء في حكم لبن الميتة وإنفحتها
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    خلاف الفقهاء في حكم الاستنجاء
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    من أدلة صدقه عليه الصلاة والسلام: توازن شخصيته ...
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    وقاحة التبرير (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    وقفات تربوية مع سورة الإخلاص (خطبة)
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    خطب الاستسقاء (15) أسباب الغيث المبارك
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    سنة الحياة..
    أ. سميع الله بن مير أفضل خان
  •  
    دلالة السياق في تنوع الحركات في البنية نفسها في ...
    د. صباح علي السليمان
  •  
    تأملات في بعض الآيات (1) بنات العم والعمات، ...
    حكم بن عادل زمو النويري العقيلي
  •  
    عذاب القبر حق
    صلاح عامر قمصان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / عقيدة وتوحيد / الموت والقبر واليوم الآخر
علامة باركود

الداخلون الجنة بغير حساب (خطبة)

الداخلون الجنة بغير حساب (خطبة)
د. عبد الرقيب الراشدي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 14/11/2025 ميلادي - 24/5/1447 هجري

الزيارات: 159

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الداخلون الجنةَ بغير حساب


الخطبة الأولى

الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71]؛ أما بعد:

فقد روى الإمامان البخاري ومسلم في صحيحيهما، عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما، قال: ((خرج علينا النبي صلى الله عليه وسلم يومًا فقال: عُرضت عليَّ الأمم، فجعل يمر النبي معه الرجل، والنبي معه الرجلان، والنبي معه الرهط - دون العشرة - والنبي ليس معه أحد، ورأيت سوادًا كثيرًا سد الأفق، فرجوتُ أن تكون أمتي، فقيل: هذا موسى وقومه، ثم قيل لي: انظر، فرأيت سوادًا كثيرًا سد الأفق، فقيل لي: انظر هكذا وهكذا، فرأيت سوادًا كثيرًا سد الأفق، فقيل: هؤلاء أمتك، ومع هؤلاء سبعون ألفًا يدخلون الجنة بغير حساب، فتفرق الناس، ولم يبيِّن لهم، فتذاكر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: أما نحن، فوُلدنا في الشرك، ولكنا آمنا بالله ورسوله، ولكن هؤلاء هم أبناؤنا، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هم الذين لا يتطيَّرون، ولا يسترقُون، ولا يكتوون، وعلى ربهم يتوكلون، فقام عُكَّاشة بن مِحصن، فقال: أمِنهم أنا يا رسول الله؟ قال: نعم، فقام آخر، فقال: أمنهم أنا؟ فقال: سبقك بها عكاشة)).

 

أيها المؤمنون: يا لسعادة عكاشة بن محصن رضي الله عنه وهو يسمع هذه البشارة من النبي صلى الله عليه وسلم التي يبشره فيها بدخول الجنة بغير حساب ولا عقاب، ومنذ أن سمع عكاشةُ هذه البشارة من رسول الله صلى الله عليه وسلم تاقت نفسه إلى الجنة؛ فقد خرج مجاهدًا في سبيل الله مع خالد بن الوليد لقتال المرتدين، وكان في طليعة الصحابة الذين خرجوا لقتال مدَّعي النبوة طليحة بن خويلد، وقد استُشهد أثناء هذه الحملة في حربه للمرتدين، ولقيَ الله شهيدًا مجيدًا في الدنيا وفي الآخرة، وسيكون من السابقين إلى الجنة بغير حساب ولا عقاب.

 

أيها المؤمنون: من بركات النبي صلى الله عليه وسلم على أمته أنَّ أكثر من سيدخلون الجنة من أمته صلى الله عليه وسلم؛ لأنه خير الأنبياء والرسل، وأمته خير الأمم؛ كما قال تعالى: ﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ﴾ [آل عمران: 110].

 

وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم أن نصف أهل الجنة سيكونون من هذه الأمة؛ روى الإمام مسلم في صحيحه، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((والذي نفسي بيده، إني لأرجو أن تكونوا ربع أهل الجنة، فكبَّرنا، فقال: أرجو أن تكونوا ثلث أهل الجنة، فكبرنا، فقال: أرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة، فكبرنا)).

 

بل قد ورد في بعض الأحاديث أن ثلثي أهل الجنة من هذه الأمة؛ جاء عند الترمذي بسندٍ صححه الألباني، عن بريدة بن الحصيب الأسلمي رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أهل الجنة عشرون ومائة صف، ثمانون منها من هذه الأمة، وأربعون من سائر الأمم)).

 

أيها المؤمنون: لكم أن تتخيلوا حال الناس في عَرَصات يوم القيامة، فالشمس قد دنت من رؤوس الخلائق بمقدار ميل، والناس يغرقون في عرقهم، كلٌّ بحسب عملِه الذي عمِله في الدنيا؛ روى الإمام مسلم في صحيحه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال صلى الله عليه وسلم: ((يعرق الناس يوم القيامة، فمنهم من يلجمه العرق إلجامًا، ومنهم من يبلغ العرق كعبيه، ومنهم من يبلغ العرق ركبتيه، ومنهم من يبلغ العرق حِقوَيه، ومنهم من يبلغ العرق ثدييه، ومنهم من يبلغ العرق عنقه، ومنهم من يبلغ العرق وجهه)).

 

وفي ذلك اليوم الرهيب العصيب، يفر كل قريب من قريبه، وكل حبيب من حبيبه، وكلٌّ يبحث عن طريق نجاته، وعن سبيل خلاصه، وفي ذلك اليوم تنتهي الأواصر والعلاقات؛ وقد وصف الله تعالى حال الناس في ذلك اليوم بقوله تعالى: ﴿ يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ ﴾ [عبس: 34 - 37]، ويزداد خوف الناس عند رؤيتهم لنار جهنم في أرض المحشر، وهي تكاد تتميز غيظًا وحنقًا على أعداء الله من أهل الكفر والعصيان.

 

وهي تريد أن تفتك بهم، وأن تُحرقهم في أرض المحشر قبل أن يدخلوها؛ وصدق الله القائل في وصف النار يوم القيامة: ﴿ بَلْ كَذَّبُوا بِالسَّاعَةِ وَأَعْتَدْنَا لِمَنْ كَذَّبَ بِالسَّاعَةِ سَعِيرًا * إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا * وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا * لَا تَدْعُوا الْيَوْمَ ثُبُورًا وَاحِدًا وَادْعُوا ثُبُورًا كَثِيرًا ﴾ [الفرقان: 11 - 14]، ولولا أن الله جعل لجهنمَ ملائكة يُمسكون بها، لأتت على من في أرض المحشر وأحرقتهم؛ روى الإمام مسلم في صحيحه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول صلى الله عليه وسلم: ((يؤتى بجهنم يومئذٍ لها سبعون ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملَك يجرونها)).

 

أيها المؤمنون: ويزداد خوف الناس عندما يأمر الله آدم عليه السلام أن يقوم ويبعث بعثَ النار، فيدخل النارَ من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون، ولا ينجو منهم إلا واحد، عند ذلك يشيب الوليد وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى وما هم بسكارى، وقد وصف النبي صلى الله عليه وسلم هذه الحالة؛ ففي الصحيحين عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يقول الله تعالى يوم القيامة: يا آدم، فيقول: لبيك وسعديك، فيقول: أخرِج بعثَ النار، قال: وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين، فذاك يوم يجعل الولدان شيبًا))؛ وصدق الله القائل: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ ﴾ [الحج: 1، 2]، وقال تعالى: ﴿ فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْمًا يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ شِيبًا * السَّمَاءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كَانَ وَعْدُهُ مَفْعُولًا * إِنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا ﴾ [المزمل: 17 - 19]، ولحظات الحساب رهيبة، ومواقفه عصيبة، كيف لا؟ والناس يطول وقوفهم في عرَصات القيامة في يومٍ كان مقداره خمسين ألف سنة، ولا يستطيع أحدٌ أن يدفعَ عن الكافرين عذابَ الله تعالى؛ وصدق الله القائل: ﴿ سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ * لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ * مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ * تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ﴾ [المعارج: 1 - 4].

 

أيها المؤمنون: في أهوال يوم القيامة الرهيبة والعصيبة، هناك زمرة من المؤمنين ينجيهم الله من أهوالها، ومن كرباتها، ويُؤمَر بهم فيدخلون الجنة بغير حساب ولا عقاب؛ إنهم الذين سبقت لهم من الله الحسنى؛ وصدق الله القائل: ﴿ إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ * لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خَالِدُونَ * لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ هَذَا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ ﴾ [الأنبياء: 101 - 103]، وهؤلاء السعداء هم الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عقاب؛ ومنهم عكاشة بن محصن؛ وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم لهم أربع صفات، كما في الحديث الذي ابتدأنا به خطبتنا؛ فقال صلى الله عليه وسلم: ((هم الذين لا يتطيرون، ولا يسترقون، ولا يكتوون، وعلى ربهم يتوكلون))، وهذه الصفات جديرٌ بنا أن نقف عندها في خطبتنا هذه؛ علينا أن نتحقق بها حتى نكون ممن سيدخلهم الله الجنة بغير حساب.

 

الصفة الأولى: أنهم لا يتطيرون: والتطير: هو التشاؤم، ومعناه: توقع حصول الشر، وسُميَ التشاؤم تطيرًا؛ لأن العرب في جاهليتهم، كان الواحد منهم إذا أراد أن يخرج لحاجة له يريد قضاءها، ذهب إلى عشِّ طائر فيزجره، فإن طار جهة اليمين مضى في قضاء حاجته، وإن طار جهة الشمال تشاءم منه ورجع عما أراد.

 

ولما جاء الإسلام أبطل التشاؤم والطِّيرة، ونفى تأثيرها وجعلها شركًا؛ روى الإمام أحمد في مسنده وهو في السلسلة الصحيحة، عن عبدالله بن مسعود رضي الله تعالى عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((الطيرة شرك الطيرة شرك؛ ثلاثًا))، وعند أحمد في مسنده بسند صححه الألباني عن عبدالله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من ردَّته الطِّيرة من حاجة فقد أشرك))، فمن تطير بشيء أو تشاءم منه، وترك حاجته بسبب هذه الطيرة والتشاؤم، فقد وقع في الشرك.

 

أيها المؤمنون: وإنما كان التشاؤم شركًا؛ لاعتقاد صاحبه أن الشيء الذي تشاءم منه يجلب له نفعًا أو يدفع عنه ضرًّا، وهذا الاعتقاد منافٍ لقول الله جل جلاله: ﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ﴾ [يونس: 107]، فالله جل وعلا هو الذي بيده النفع والضر، والخير والشر وما يتشاءم به الناس لا يجلب خيرًا ولا يدفع ضرًّا.

 

أيها المؤمنون: بعض المسلمين في عصرنا قد يقعون في التشاؤم؛ فبعضهم يتشاءم ببعض الأيام أو الشهور، وبعضهم قد يتشاءم ببعض الطيور كـ(البوم والغراب)، وبعضهم قد يتشاءم ببعض الحيوانات كـ(القط الأسود والحمير)، ومن العبارات المنتشرة بين الناس وفيها معنى التطير والتشاؤم قولُ بعض الناس إذا مرَّ به طير، أو وقع أمامه حادث قال: (خير يا طير)، وهذا ما تنبه إليه ابن عباس رضي الله عنهما؛ فقد جلس رجل عند ابن عباس فمر طائر فقال هذا الرجل: خيرٌ خيرٌ، فقال ابن عباس: "لا خير ولا شر".

 

أسأل الله بمنِّه وكرمه أن يُجنبنا وإياكم الطيرة والتشاؤم، وأن يجعلنا من المتوكلين عليه، ونتناول بقية صفات الداخلين الجنةَ بغير حساب ولا عقاب في الخطبة الثانية، قلت ما قد سمعتم، فاستغفروا الله يا فوز المستغفرين.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، وأشكره على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليمًا كثيرًا؛ أما بعد أيها المؤمنون:

فأما الصفة الثانية والثالثة من صفات من يدخلون الجنة بغير حساب؛ فقد قال عنهما النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يسترقون ولا يكتوون))؛ والاسترقاء هو: طلب الرقية الشرعية للمريض، وهذه الرقية جائزة إن كانت من القرآن الكريم، أو كانت من الأذكار النبوية الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ ومما يدل عليها قوله صلى الله عليه وسلم كما في صحيح مسلم: ((من استطاع منكم أن ينفع أخاه، فليفعل))، وأما الرُّقى بما لا يُفهم معناه من الألفاظ أو الطلاسم، فغير جائزة، وقد تدخل في أبواب الشرك بالله تعالى، والاكتواء هو العلاج بالكي بالنار في أماكن في الجسد كالظهر والرأس والبطن وغيرها من الأماكن، وهو جائز أيضًا؛ ومما يدل على جواز الكي ما رواه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الشفاء في ثلاثة: في شرطة مِحجم، أو شربة عسل، أو كية بنار، وأنهى أمتي عن الكي))، فالرقية والكي جائزان ويُقاس عليهما التداوي من سائر الأمراض والأسقام التي قد تُصيب الإنسان في أي عضو من أعضاء جسده، وتركُ ذلك أفضل وخاصة لمن يعتقد أنهما نافعتان بذاتهما، فيتكل عليهما ولا يتكل على الله تعالى، والله تعالى وحده الشافي، وهو الذي يأذن بالشفاء عند تعاطي الأسباب؛ وصدق الله القائل: ﴿ وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ ﴾ [الشعراء: 80]، وقال تعالى: ﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الأنعام: 17]، فمن استرقى أو اكتوى أو تعالج بأي نوع من أنواع العلاج، واعتقد أن الشفاء يقع بذلك لا محالة، ولم يعتقد أن الله هو الشافي وحده، فقد ضعُف عنده التوكل على الله تعالى؛ لهذا قال صلى الله عليه وسلم فيما رواه أحمد والترمذي في سننه، وهو في السلسلة الصحيحة: ((من اكتوى أو استرقى، فقد برئ من التوكل))؛ قال الإمام النووي: "نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن الاسترقاء والاكتواء، لأن الاسترقاء يدل على ضعف الإيمان والاعتماد على غير الله تعالى، والاكتواء يدل على عدم الصبر على الألم والمرض"، وقال الحافظ ابن حجر: "المراد بترك الرقى والكي: الاعتماد على الله في دفع الداء والرضا بقدره، لا القدح في جواز ذلك؛ لثبوت وقوعه في الأحاديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن السلف الصالح، لكن مقام الرضا والتسليم أعلى من تعاطي الأسباب فالطب غير قادح في التوكل؛ إذ تطبَّب النبي صلى الله عليه وسلم وتطبب علية الفضلاء، وكل سبب مقطوع به، كالأكل للغذاء والشرب للري لا يقدح في التوكل، والحق أن من وثِق بالله وأيقن أن قضاءه عليه ماضٍ، لم يقدح في توكله تعاطيه الأسباب اتباعًا لسنته وسنة رسوله"، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "الالتفات إلى الأسباب شرك في التوحيد، وترك الأسباب نقص في العقل، والإعراض عن الأسباب بالكلية قدح في الشرع، وإنما التوكل معنى يتألف من موجب التوحيد والعقل والشرع".

 

أيها المؤمنون: والصفة الرابعة من صفات من يدخلون الجنة بغير حساب أنهم على ربهم يتوكلون، وهذه الصفة فيها العلاج من الطِّيرة والتشاؤم.

 

أيها المؤمنون: إن علاج الطيرة والتشاؤم يكون بالتوكل على الله وحده، والمُضي فيما عزم عليه الإنسان؛ لهذا لما سأل الصحابة النبي صلى الله عليه وسلم عن كفارة هذه الطيرة والتشاؤم، فقال: ((أن يقول أحدهم: اللهم لا خير إلا خيرك، ولا طير إلا طيرك، ولا إله غيرك))، ومعنى هذا الدعاء أن الخير والشر لا يقع إلا بإذن الله تعالى.

 

ومن علاج الطيرة والتشاؤم أن يعتقد المؤمن اعتقادًا جازمًا بأن الأمور كلها تجري بأمر الله تعالى، وأن ما قدره الله وقضاه واقع لا محالة، وأن ما يحصل للمرء من خير أو شر قد سبق في علم الله تعالى، وأن ما كتبه الله للعبد سيقع لا محالة، وما لم يكتب فلن يصل إليه ولن يصيبه؛ قال تعالى: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ﴾ [الحديد: 22، 23].

 

أيها المؤمنون: إن التوكل على الله من أعظم أسباب النصر، فمن فوَّض أمره إلى الله تعالى، وتوكل على الله في كل شأنه، كفاه شرَّ أعدائه؛ قال تعالى: ﴿ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ﴾ [الطلاق: 3]، وهذا ما حصل لإبراهيم عليه السلام حينما ألقاه الكفرة في النار، وهو ما حصل لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، حينما وصلته الأخبار أن الكفار قد جمعوا قوتهم لاستئصاله ومن معه من المؤمنين، ففوَّضا أمرهما إلى الله تعالى، فكفاهما الله كيدَ الكائدين، ومكر الماكرين؛ روى الإمام البخاري في صحيحه، عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما قال: "﴿ حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾ [آل عمران: 173]، قالها إبراهيم عليه السلام حين أُلقي في النار، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم حين قالوا: ﴿ الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ﴾ [آل عمران: 173]".

 

أيها المؤمنون: وإذا كان المسلمون مطالبين بالتوكل على الله في كل وقت وحين، فهم في زماننا هذا مطالبون به كثيرًا؛ لأننا في زمن كثرت فيه الفتن والابتلاءات، وحُورب فيه الإسلام وأهله؛ فضعُف توكل كثير من المسلمين على الله تعالى، وتعلق كثير منهم بالأسباب المادية الأرضية، ولا حلَّ لذلك إلا بالتوكل على الله تعالى بعد الأخذ بالأسباب المشروعة، فتوكلوا على ربكم في كل شؤون حياتكم، واطردوا عنكم الطيرة والتشاؤم؛ علكم أن تكونوا من السبعين ألفًا الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عقاب.

 

أسأل الله بمنه وكرمه أن يجعلنا وإياكم ممن ينالون هذه البشارة في الآخرة، إنه سميع مجيب.

الدعاء...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • إلى الجنة بغير حساب
  • من يدخلون الجنة بغير حساب (خطبة)
  • إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب (خطبة)
  • أجر بغير حساب
  • إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب
  • من فضائل النبي صلى الله عليه وسلم: أكرمه الله بأن يدخل من أمته سبعين ألفا الجنة بغير حساب ولا عذاب

مختارات من الشبكة

  • يا أهل الجنة لا موت... لكم الحسنى وزيادة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فضل كلمة «لا حول ولا قوة إلا بالله»(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة تذكير الأمة بشرح حديث: "كل أمتي يدخلون الجنة" = الجزء العاشر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • سلسلة تذكير الأمة بشرح حديث: "كل أمتي يدخلون الجنة" الجزء التاسع(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الوسيلة والفضيلة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التسبيح غراس الجنة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أيهما أصح: ((تعرض الأعمال يوم الاثنين ويوم الخميس)) أو ((تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين والخميس))؟(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ضعف حديث: (أطفال المشركين خدم أهل الجنة) وبيان مصيرهم في الآخرة(مقالة - آفاق الشريعة)
  • قصص القرآن والسنة دروس وعبر: قصة أصحاب الجنة (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • إطعام الطعام من خصال أهل الجنة(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • ندوة لأئمة زينيتسا تبحث أثر الذكاء الاصطناعي في تطوير رسالة الإمام
  • المؤتمر السنوي التاسع للصحة النفسية للمسلمين في أستراليا
  • علماء ومفكرون في مدينة بيهاتش يناقشون مناهج تفسير القرآن الكريم
  • آلاف المسلمين يجتمعون في أستراليا ضمن فعاليات مؤتمر المنتدى الإسلامي
  • بعد ثلاث سنوات من الجهد قرية أوري تعلن افتتاح مسجدها الجديد
  • إعادة افتتاح مسجد مقاطعة بلطاسي بعد ترميمه وتطويره
  • في قلب بيلاروسيا.. مسجد خشبي من القرن التاسع عشر لا يزال عامرا بالمصلين
  • النسخة السادسة من مسابقة تلاوة القرآن الكريم للطلاب في قازان

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 23/5/1447هـ - الساعة: 13:13
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب