• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الفتح المبين من درر اليقين (خطبة)
    السيد مراد سلامة
  •  
    القمة... واعتصموا بحبل الله جميعا (خطبة)
    يحيى سليمان العقيلي
  •  
    الأدلة العقلية على وجود الخالق جل وعلا
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    الإيمان بالرسل وثمراته (خطبة)
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    فتنة المال وأسباب الكسب الحرام (خطبة)
    الشيخ إسماعيل بن عبدالرحمن الرسيني
  •  
    الحلال بركة والحرام هلكة (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    استعجال العذاب
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    صلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم (خطبة)
    د. عبد الرقيب الراشدي
  •  
    النكاح أركانه وشروطه (خطبة)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    تحريم قول ما شاء الله وشئت أو ما شاء الله وشاء ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    بيع التلجئة
    عبدالرحمن بن يوسف اللحيدان
  •  
    خلاف الفقهاء في حكم الاستنجاء وهل يصح فعله بعد ...
    يحيى بن إبراهيم الشيخي
  •  
    التزهيد في الاقتداء بأفعال النبي صلى الله عليه ...
    عمرو عبدالله ناصر
  •  
    الإعجاز العلمي في القرآن بين الإفراط والتفريط
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الأحكام الفقهية والقضائية للذكاء الصناعي (PDF)
    د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر
  •  
    لطائف دلالات القرآن في خواتم سرد القصص
    بشير شعيب
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / عقيدة وتوحيد
علامة باركود

الفتح المبين من درر اليقين (خطبة)

الفتح المبين من درر اليقين (خطبة)
السيد مراد سلامة

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 3/10/2025 ميلادي - 11/4/1447 هجري

الزيارات: 239

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الفتح المبين من درر اليقين


الخطبة الأولى

الحمد لله شهِدت بوجوده آياتُه الباهرة، ودلت على كرم جوده نِعمه الباطنة والظاهرة، وسبَّحت بحمده الأفلاك الدائرة، والرياح السائرة، والسحب الماطرة، هو الأول فله الخلق والأمر، والآخِر فإليه الرجوع يوم الحشر، هو الظاهر فله الحكم والقهر، وهو الباطن فله السر والجهر، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، له الملك، وله الحمد، وهو على كل شيء قدير:

أنشأتني ورحمتني وسترتني
أحسِن فأنت المحسنُ المِفضالُ
ما لي سواك وأنت غاية مقصدي
والحق أنت وما عداك ضلالُ

 

وأشهد أن سيدنا وحبيبنا وشفيعنا محمدًا عبدُالله ورسوله، وصفيه من خلقه وحبيبه، إذا سار سار النور معه، وإذا نام فيح الطِّيب مضجعه، وإذا تكلم كانت الحكمة مرفعه:

هو المختار من البرايا هو
الهادي البشير هو الرسولُ
عليه من المهيمن كل وقت
صلاة دائمًا فيها القبولُ

 

وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه، وتمسك بسنته، واقتدى بهديه، واتبعهم بإحسان إلى يوم الدين، ونحن معهم يا أرحم الراحمين:

إلهي وسيدي ومولاي:

إني ادخرت ليوم ورد منيتي
عند الإله من الأمور خطيرا
وهو اليقين بأنه الأحد الذي
ما زلتُ فيه بفضله مغمورا
وشهادتي أن النبي محمدًا
كان الرسول مبشرًا ونذيرا
وبراءتي من كل شرك قاله
من لا يقر بفعله مقدورا
وجميلُ ظني بالإله لما جنت
نفسي وإن حرمت عليَّ سرورا
إن الظلوم لنفسه إن يأتِه
مستغفرًا يجد الإله غفورا
فاشهد إلهي أنني مستغفر
لا أستطيع لِما مننت شكورا

 

أما بعد:

فحياكم الله تعالى وبيَّاكم، وجمعني الله وإياكم مع إمام أهل اليقين سيد المرسلين، ورحمة الله للعالمين، صلى الله عليه وسلم، حديثنا في هذا اليوم الطيب الميمون الأغر عن الفتح المبين من درر اليقين، مع أعلى درجات السالكين، فما هو اليقين؟ وما منزلته من الدين؟

 

أعيروني القلوب والأسماع، أيها الأحباب.

 

تعريف اليقين:

قال السعدي رحمه الله: "اليقين هو العلم التام الذي ليس فيه أدنى شك، الموجب للعمل"[1].

 

وقيل: اليقين هو التصديق الجازم، ويُعرف اليقين بآثاره في الأعمال، فمن شهد زورًا، أو أكل مال الناس بالباطل، لا يمكن أن يكون إيمانه قائمًا على اليقين[2].

 

وروى ابن أبي الدنيا في كتاب اليقين: "قال عليٌّ للحسن ابنه رضي الله عنهما: كم بين الإيمان واليقين؟ قال: أربع أصابع، قال: بيِّن، قال: اليقين ما رأته عينك، والإيمان ما سمعته أذنك وصدقت به، قال عليٌّ: أشهد أنك ممن أنت منه، ذرية بعضها من بعض"[3].

 

أيها الإخوة الكرام: اليقين بالله هو الذي يحقق المستحيل، اليقين بالله هو أن تكون كل الأبواب مغلقة، وكل الظروف صعبة، وكل المؤشرات توحي بعكس ما تتمناه، لكنك على يقين بأن الله سيصلح كل شيء، وسيتكفل بكل شيء.

 

يقول ابن القيم متحدثًا عن اليقين بالله: "لو أن أحدكم همَّ بإزالة جبل وهو واثق بالله، لأزاله"؛ فثِق بالله، وثق بتدابيره، واجعل يقينك بالله هو سر الرضا بكل شيء يحدث لك.

 

اليقين في القرآن الكريم ومنزلته من الدين:

اعلم - علمني الله وإياك - أن القرآن الكريم تحدث عن اليقين في غير ما آية من آياته؛ فقال الحق سبحانه وتعالى: ﴿ الم * ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [البقرة: 1 - 5].

 

فعلَّق سبحانه الفلاح والهداية باليقين، فالطرق كلها مسدودة إلى الهداية إلا من سلك طريق أهل اليقين، فإنه يكون من جملة المهتدين المفلحين، وخصَّه سبحانه بعد الإيمان؛ لأنه الحامل الذي يدفع العبد إلى الرغبة والرهبة؛ فبه يحقق العبد مقام التقوى والإحسان، والهداية والتوكل، وبدونه يظل المرء في ريبه يتردد.

 

يقول الإمام ابن القيم رحمه الله عن منزلة اليقين: "هو من الإيمان بمنزلة الروح من الجسد، وبه تفاضَل العارفون، وفيه تنافس المتنافسون، وإليه شمَّر العاملون، وعملُ القوم إنما كان عليه، وإشاراتهم كلها إليه، وإذا تزوج الصبر باليقين، ولد بينهما حصول الإمامة في الدين؛ قال الله تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴾ [السجدة: 24].

 

وخص سبحانه أهل اليقين بالانتفاع بالآيات والبراهين؛ فقال وهو أصدق القائلين: ﴿ وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِلْمُوقِنِينَ ﴾ [الذاريات: 20].

 

وخص أهل اليقين بالهدى والفلاح من بين العالمين؛ فقال: ﴿ وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُولَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾ [البقرة: 4، 5].

 

وأخبر عن أهل النار أنهم لم يكونوا من أهل اليقين؛ فقال تعالى: ﴿ وَإِذَا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لَا رَيْبَ فِيهَا قُلْتُمْ مَا نَدْرِي مَا السَّاعَةُ إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَمَا نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ ﴾ [الجاثية: 32].

 

فاليقين روح أعمال القلوب، التي هي روح أعمال الجوارح، وهو حقيقة الصِّدِّيقيَّة، وهو قطب هذا الشأن الذي عليه مداره"؛ ا. هـ[4].

 

واعلم أن القرآن الكريم هداية ورحمة لمن كان من أهل اليقين، أما أهل الشك والعصيان فإنه يكون عليهم عمًى؛ يقول الله تعالى: ﴿ هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾ [الجاثية: 20].

 

واليقين شرط من شروط لا إله إلا الله:

واعلموا - يرحمكم الله - أن اليقين شرط من شروط تلك الكلمة، التي قامت عليها السماوات والأرض، والتي قامت عليها سوق الآخرة، فلا يكون العبد محققًا لشهادة التوحيد، حتى يكون لديه يقين راسخ بالله تعالى.

 

اعلم – عبدَالله - أن اليقين المنافيَ للشك يكون شرطًا من شروط لا إله إلا الله، بأن يكون قائلها مستيقنًا بمدلولها يقينًا جازمًا، ينفي الوهم والشك والظن؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ﴾ [الحجرات: 15]، وعند البخاري من حديث أسماء بنت أبي بكر، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أُوحيَ إليَّ أنكم تُفتنون في قبوركم مثل فتنة المسيح الدجَّال، يُقال للميت: ما علمك بهذا الرجل؟ فأما المؤمن أو الموقن، فيقول: هو محمد رسول الله، جاءنا بالبينات والهدى، فأجبنا واتبعنا، هو محمد؛ ثلاثًا، فيُقال: نَمْ صالحًا، قد علمنا إن كنت لَموقنًا به، وأما المنافق أو المرتاب فيقول: لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته))، وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((كنا قعودًا حول رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعنا أبو بكر وعمر رضي الله عنهما في نفر، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من بين أظهُرنا فأبطأ علينا، وخشينا ‌أن ‌يقتطع ‌دوننا، ‌وفزعنا ‌فقمنا، فكنت أول من فزع، فخرجت أبتغي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتيت حائطًا للأنصار لبني النجار، فدُرت به، هل أجد له بابًا؟ فلم أجد، فإذا ربيع يدخل في جوف حائط من بئر خارجه - والربيع: الجدول الصغير - فاحتفرت، فدخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أبو هريرة؟ فقلت: نعم، يا رسول الله، قال: ما شأنك؟ قلت: كنت بين أظهرنا فقمت فأبطأت علينا، فخشينا أن تقتطع دوننا، ففزعنا، فكنت أول من فزع، فأتيت هذا الحائط، فاحتفرت كما يحتفر الثعلب، وهؤلاء الناس ورائي، فقال: يا أبا هريرة، وأعطاني نعليه، فقال: اذهب بنعليَّ هاتين، فمن لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنًا بها قلبه، فبشِّره بالجنة …))، وذكر الحديث بطوله؛ [رواه مسلم][5].

 

وهو شرط لا إله إلا الله، فإذا أخبرك الله عن شيء، فلن تدخل في الإسلام إلا بهذا اليقين، أن يصدق المسلم تصديقًا كاملًا، يمحو التكذيب من القلب محوًا شاملًا؛ وكما قال عبدالله بن رواحة:

وفينا رسول الله يتلو كتابه
إذا انشق معروف من الفجر ساطعُ
أرانا الهدى بعد العمى فقلوبنا
به موقناتٌ أن ما قال واقعُ
يبيت يجافي جنبه عن فراشه
إذا استثقلت بالمشركين المضاجعُ


رجحان العمل وحصول الرضا باليقين:

واعلموا - علمني الله وإياكم - أن رجحان العمل ليس بكثرته، إنما هو بقدر يقين صاحبه بالله تعالى، فكلما ارتقى العبد في سلَّم اليقين ثقل عمله؛ قال بكر بن عبدالله المزني رحمه الله: "ما سبقهم أبو بكر بكثرة صلاة ولا صيام، ولكن بشيء وقـر في قلبه".

 

وعن أبي الدرداء رضي الله عنه أنه قال: "يا حبذا نوم الأكياس وإفطارهم، كيف يعيبون سهر الحمقى وصيامهم؟! ولَمثقال ذرة من بُر، من صاحب تقوى ويقين، أفضل وأرجح وأعظم، من أمثال الجبال عبادةً من المغترين"[6].

 

وصح عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "إن الرَّوح والفرَج في اليقين والرضا، وإن الغم والحزن من الشك والسخط".

 

وكان عطاء الخراساني لا يقوم من مجلسه حتى يقول: "اللهم هب لنا يقينًا بك حتى تهون علينا مصيبات الدنيا، وحتى نعلم أنه لا يصيبنا إلا ما كُتب علينا، ولا يأتينا من هذا الرزق إلا ما قسمت لنا به".

 

اليقين في قدرة الله:

ومن مجالات اليقين: اليقين في قدرة الله تعالى، وأنه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، وأنه الذي أبدع هذا الكون على غير مثال سابق، ولقد تحدث القرآن الكريم في غير ما آية من آياته عن بيان قدرة الله تعالى.

 

إنها قدرة الله، إن من يحاول أن يصل بعقله إلى حدود قدرة الله، كمن يحاول أن يكلف نملة أن تنقل جبلًا من مكان إلى آخر، إن قدرة الله لا حدود لها: ﴿ إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [يس: 82]، ﴿ إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ﴾ [آل عمران: 59]، فلا تفكر بعقلك لتصل إلى منتهى قدرة الملِك، فإن قدرة الله لا تحُدها حدود، ولا يُعجز اللهَ شيء في الأرض ولا في السماء، فمن الذي خلق السماء بغير عمد ترونها؟!

 

من الذي خلق الأرض، وشق فيها البحار والأنهار، وزينها بالأشجار؟!

من الذي خلق الإنسان بهذا الإبداع والجمال؟!

 

يدُ مَن التي امتدت إلى عينيك وأنفك وأذنك، فجعلت ماء الأذن مرًّا، وماء العين مالحًا، وماء الأنف حامضًا، وماء الفم حلوًا، وأصل هذا الماء واحد وهو رأسك، أيها الإنسان؟!

 

يد من التي امتدت إلى سنبلة القمح، فغلفتها بهذه الأغلفة الحصينة المكينة، وجعلت فوق كل حبة شوكة؛ لأن الله قد قدَّر أن تكون هذه الحبة طعامًا لك - أيها الإنسان - ولم يقدر أن تكون طعامًا للطيور أو غير ذلك؟!

 

يد من التي امتدت إلى كوز الذرة، فرصَّت على قولحته هذه الحبات اللؤلؤية البيضاء، بهذا الإتقان والجمال والإبداع؟!

 

يد من التي نجَّت يوسف من غيابة الجب؟!

يد من التي نجَّت يونس من بطن الحوت؟!

يد من التي نجَّت الحبيب المصطفى ليلة الهجرة؟!

 

يد من التي نجَّت الخليل إبراهيم من وسط النيران؟! إنه الله: ﴿ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ [الحشر: 22، 23].

 

أرأيت الأرض في دورانها، كيف تمسكت بكل ثابت وسائب؟

أرأيت الشموس في أفلاكها، كيف تعلقت بنجم ثاقب؟

أرأيت الرياح كيف سُخرت، فمنها الكريم ومنها المعاقب؟

أرأيت الأرزاق كيف دُبرت، وهل في الطيور زارع أو كاسب؟

أرأيت الأنعام كيف ذُللت، فجادت بألبانها لكل حالب؟

أرأيت النحل كيف رشف رحيـق الزهور فأخرج الشفاء مشارب؟

سبحانك يا رب!

أرأيت النمل كيف خزن طعامه، وهل للنمل كاتب أو حاسب؟

أرأيت الفرخ كيف نقر بيضه، وخرج في الوقت المناسب؟

أرأيت العنكبوت كيف نسجت؟ وكم في الخيوط مصائد ومصائب!

أرأيت الوليد كيف التقم ثدي الأم، دون علم سابق أو تجارب؟

أرأيت الإنسان كيف ضحك؟ أرأيت كيف تثاءب؟

أرأيت نفسك نائمًا وقد ذهبت بك الأحلام مذاهب؟

إذا رأيت ذلك كله فاخشع، فلا نجاة لهارب، فسبحانك يا رب المشارق والمغارب!

 

الخطبة الثانية

أما بعد:

قصة صاحب القرية:

ومن صور اليقين ما قصه الله علينا في قصة الذي مر على القرية الخاوية؛ قال الله تعالى: ﴿ أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا ﴾ [البقرة: 259]، والقرية على الراجح هي قرية بيت المقدس، مر عليها العُزير بعدما دمرها بختنصر، وصارت خرابًا، فنظر إليها العزير يصفِّر فيها الهواء، لا سبب فيها من أسباب العمران، فقال: أنى يحيي الله هذه بعد موتها، فأماته الله جل وعلا مائة عام، ثم بعثه بعد مائة عام كاملة، وسأله الله جل وعلا عن طريق الملَك، قال: كم لبثت؟

 

فنظر العزير فوجد الشمس ما زالت مائلة إلى الغروب، فظن العزير أنها شمس اليوم الذي مات فيه، أو نام فيه، قال: لبثت يومًا أو بعض يوم، قال: بل لبثت مائة عام، ما الدليل؟!

 

انظر إلى وجهَي المقارنة؛ لأنه لا بد للمقارنة من وجهين؛ وجه ثابت، ووجه متغير، قال: انظر إلى الوجه الأول، انظر إلى طعامك وشرابك لم يتسنَّه؛ أي لم يتغير لونه، ولا طعمه، ولا رائحته، بالله عليكم هل في الدنيا (ديب فريزر) يحفظ الطعام مائة سنة؟ الله أكبر، يحفظ الطعام مائة عام، انظر إلى الطعام والشراب ما تغير لا لونه، ولا طعمه، ولا ريحه، وما هي المقارنة المتغيرة يا رب؟ انظر إلى الحمار، أي حمار؟ الحمار صار عظامًا بالية، صار رميمًا، أكلته الأرض وبليَ، قال: انظر إليه، فنظر إلى الحمار، فوجد الله جل وعلا يحيي أمام عينه حماره مرةً أخرى، يأتي العظم إلى جوار العظمة التي سيُركب معها، وإذ به يرى الحمار يتحول إلى هيكل عظمي فقط، لا لحم، ولا عظم، ولا شعر، ولا روح، وإذ به بعد ذلك يرى الحمار يُكسى باللحم، ثم بعد ذلك بالشعر، ثم يأمر الله الملَك فأتى الملَك الحمار فنفخ في منخريه، فنهق الحمار بإذن الله جل وعلا، فصرخ العزير قائلًا: أعلم أن الله على كل شيء قدير.

 

قصة إبراهيم عليه السلام:

بعدها قال الله: ﴿ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ﴾ [البقرة: 260]، إبراهيم ما شكَّ، أراد إبراهيم عليه الصلاة والسلام أن ينتقل من علم اليقين إلى عين اليقين.

 

قصة العاص بن وائل مع رسول الله صلى الله عليه وسلم:

ذهب العاص بن وائل - عليه من الله ما يستحق - إلى النبي صلى الله عليه وسلم بعظام بالية، أخذها في يديه، ووقف بين يدي النبي صلى الله عليه وسلم وفتَّ العظام، فحولها إلى رميم وتراب، ثم قال: يا محمد، أتزعم أن الله يحيي هذه العظام بعدما صارت رميمًا؟ فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((نعم، يميتك ثم يبعثك، ثم يدخلك جهنم))؛ فأنزل الله قوله تعالى في آخر سورة يس: ﴿ أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ * الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نَارًا فَإِذَا أَنْتُمْ مِنْهُ تُوقِدُونَ * أَوَلَيْسَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يَخْلُقَ مِثْلَهُمْ بَلَى وَهُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ * إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ * فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ ﴾ [يس: 77 - 83].

 

وإذا تزاوج الصبر باليقين ولدت بينهما الإمامة في الدين؛ قال تعالى: ﴿ وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ ﴾ [السجدة: 24]، يهدون أتباعهم وأهل القبول منهم بإذن الله لهم بذلك، وتقويته إياهم عليه.

 

فاليقين من قِسمة الله تعالى لخلقه؛ فالواجب على المسلم أن يسأل الله تعالى أن يرزقه من اليقين ما يبلغه به رضاه سبحانه وتعالى، كما كان حال إمام أهل اليقين سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، وعن نافع، عن ابن عمر، أنه لم يكن يجلس مجلسًا كان عنده أحد، إلا قال: ((اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أسررت وما أعلنت، وما أنت أعلم به مني، اللهم ارزقني من طاعتك ما تحول بيني وبين معصيتك، وارزقني من خشيتك ما تبلغني به رحمتك، وارزقني ‌من ‌اليقين ‌ما ‌تهوِّن ‌به عليَّ مصائب الدنيا، وبارك لي في سمعي وبصري، واجعلهما الوارث مني، اللهم وخذ بثأري ممن ظلمني، وانصرني على من عاداني، ولا تجعل الدنيا أكبر همي، ولا مبلغ علمي، اللهم ولا تسلط عليَّ من لا يرحمني))، فسُئل عنهن ابن عمر، فقال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يختم بهن مجلسه"[7].

 

لو أن لابن آدم من اليقين قدرَ ذرة، لَمشى على الماء:

عن بكر بن عبدالله المزني قال: "فقد الحواريون نبيهم، فانطلقوا يطلبونه، فإذا هو قد انطلق نحو البحر، وإذا هو يمشي على الماء، فقال له رجل منهم: يا نبي الله، أجيء إليك؟ قال: نعم، فذهب يرفع رجلًا ويضع أخرى، فإذا هو في الماء، فقال له عيسى: ناوِلني يدك يا قصير اليقين، فلو أن لابن آدم من اليقين قدرَ ذرة، لَمشى على الماء"[8].

 

حصون الإيمان: مَثَلُ الإيمان كبلدة لها خمسة حصون؛ قال الحجاوي في شرحه: "يُقال: مَثَلُ الإيمان كمثل بلدة لها خمسة حصون: الأول من ذهب، والثاني من فضة، والثالث من حديد، والرابع من آجُر، والخامس من لبن، فما زال أهل الحصن متعاهدين حصن اللبن لا يطمع العدو في الثاني، فإذا أهملوا ذلك طمعوا في الحصن الثاني ثم الثالث، حتى تخرب الحصون كلها، فكذلك الإيمان في خمسة حصون: اليقين، ثم الإخلاص، ثم أداء الفرائض، ثم السنن، ثم حفظ الآداب، فما دام يحفظ الآداب ويتعاهدها، فالشيطان لا يطمع فيه، وإذا ترك الآداب طمع الشيطان في السنن، ثم في الفرائض، ثم في الإخلاص، ثم في اليقين"[9].

 

الدعاء...



[1] تفسير السعدي (ج 1/ ص 40).

[2] أيسر التفاسير لأسعد حومد (ج 1/ ص 11).

[3] سمط النجوم العوالي في أنباء الأوائل والتوالي (ج 2/ ص 37).

[4] مدارج السالكين ج3، ص 413.

[5] أخرجه مسلم، ح 46.

[6] أخرجه أحمد في الزهد، ح 746.

[7] أخرجه الترمذي ح 3424، والنسائي في الكبرى ح 10234، والمنتقى من عمل اليوم والليلة (ج 1/ ص 14)، والزهد لابن المبارك ح 425، وقال الألباني: حسن؛ [انظر حديث رقم: 1268 في صحيح الجامع].

[8] تاريخ دمشق (ج 47/ ص 408).

[9] غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب (ج 1/ ص 46).





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الميراث الحرام (خطبة)
  • لماذا يكره ابن آدم الموت؟ (خطبة)
  • الإفادة في بيان دعائم الأمن والاستقرار (خطبة)
  • سبل السلامة من أهوال يوم القيامة (خطبة)
  • واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله (خطبة)
  • تذكرة المسلم الأواه بأخطاء تقع في الصلاة (خطبة)
  • رمضان شهر الكرم والجود (خطبة)
  • معجزات ودروس غزوة بدر (خطبة)
  • الفضائل العشر لعشر ذي الحجة (خطبة)
  • رعاية الإسلام للمسنين (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • خواطر حول سورة الفتح (6) مناسبات سورة الفتح(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خواطر حول سورة الفتح (2) فضل سورة الفتح(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة تلخيص أبي الفتح لمقاصد الفتح (المجلد الثاني)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • مخطوطة تلخيص أبي الفتح لمقاصد الفتح (المجلد الأول)(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • عبرة اليقين في صدقة أبي الدحداح (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • فتحان في رمضان!(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • من علامة النصب: الكسرة والياء نيابة عن الفتحة(مقالة - حضارة الكلمة)
  • الفتح المبين على كتاب نور اليقين للعلامة محمد راغب الطباخ(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • من علامة النصب: الألف نيابة عن الفتحة(مقالة - حضارة الكلمة)
  • خطبة: كيف يوفق الشباب إلى البركة وحسن العمل؟(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • أطباء مسلمون يقودون تدريبا جماعيا على الإنعاش القلبي الرئوي في سيدني
  • منح دراسية للطلاب المسلمين في بلغاريا تشمل البكالوريوس والماجستير والدكتوراه
  • مبادرة "زوروا مسجدي 2025" تجمع أكثر من 150 مسجدا بمختلف أنحاء بريطانيا
  • متطوعو كواد سيتيز المسلمون يدعمون آلاف المحتاجين
  • مسلمون يخططون لتشييد مسجد حديث الطراز شمال سان أنطونيو
  • شبكة الألوكة تعزي المملكة العربية السعودية حكومة وشعبا في وفاة سماحة مفتي عام المملكة
  • برنامج تعليمي إسلامي شامل لمدة ثلاث سنوات في مساجد تتارستان
  • اختتام الدورة العلمية الشرعية الثالثة للأئمة والخطباء بعاصمة ألبانيا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 10/4/1447هـ - الساعة: 13:17
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب