• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    حديث: يا رسول الله، إن امرأتي ولدت غلاما أسود
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    {حتى يغيروا ما بأنفسهم}
    نورة سليمان عبدالله
  •  
    خطبة: ثمرات وفضائل حسن الخلق
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    بيع الحاضر للبادي
    عبدالرحمن بن يوسف اللحيدان
  •  
    خطبة: ليكن العام الدراسي عام نجاح
    يحيى سليمان العقيلي
  •  
    خطبة: موعظة الإمام مالك بن أنس للخليفة هارون ...
    عبدالعزيز أبو يوسف
  •  
    مواقيت الصلوات: الفرع الخامس: وقت الفجر
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    قصة الرجال الثلاثة الذين أغلق عليهم الغار
    عبدالستار المرسومي
  •  
    شكر الله بعد كل عبادة، عبادة (خطبة)
    الشيخ الحسين أشقرا
  •  
    المحافظة على الأسرار
    الشيخ صلاح نجيب الدق
  •  
    الغش والخداع في البيع: غش وخداع ومكر في السوبر ...
    د. محمد أحمد صبري النبتيتي
  •  
    خطبة للشهري: موت العلماء (خطبة)
    خالد سعد الشهري
  •  
    خطبة الشيخ السبر: في رحيل العلماء
    الشيخ محمد بن إبراهيم السبر
  •  
    موت العلماء (رحيل خطيب عرفة)
    محمد الوجيه
  •  
    صدى المعنى في نسيج الصوت: الإعجاز التجويدي ...
    د. مصطفى يعقوب
  •  
    أسرار خاتمة سورة المؤمنون: ﴿وقل رب اغفر وارحم ...
    د. محمد أحمد صبري النبتيتي
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / الآداب والأخلاق
علامة باركود

المحافظة على الأسرار

المحافظة على الأسرار
الشيخ صلاح نجيب الدق


تاريخ الإضافة: 27/9/2025 ميلادي - 5/4/1447 هجري

الزيارات: 112

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الـمحافظة على الأسرار

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين؛ أما بعد:

فإن حفظ الإنسان لسره لنفسه، أو حفظ أسرار الناس من الأمور المهمة في حياة المسلم، فأقول وبالله تعالى التوفيق:

تعريف الأسرار:

• السر: هو كل ما يكتمه الإنسان ويخفيه في نفسه، فلا يخبر به أحدًا؛ وذلك لجلب مصلحة أو لدفع ضررٍ، ويمكن أن يخص بالسر من يثق به من الناس؛ [المفردات، للراغب الأصفهاني، ص: 404، الكليات، للكفوي، ص: 514].

 

حفظ الأسرار وصية رب العالمين:

حفظُ أسرار الناس أمانة عظيمة، يجب على المسلم الوفاء بها، ولقد أمرنا الله تعالى في كتابه العزيز بالمحافظة على الأسرار.

 

• قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا ﴾ [الإسراء: 34].

 

إن حفظ أسرار الناس التي ائتمنوا المسلم عليها، وطلبوا منه عدم نشرها، نوع من أنواع العهود التي يجب على المسلم الوفاء بها، والمحافظة عليها لأصحابها.

 

• قال الشيخ أحمد عبدالمتعال رحمه الله: "إن من دأب الصالحين حفظ السر؛ لأن حفظ السر من تمام الوفاء بالعهد، وهو من صفات المؤمنين"؛ [زاد المسلم اليومي، أحمد عبدالمتعال، ج: 2، ص: 171].

 

• قال الله سبحانه وتعالى: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴾ [المؤمنون: 8].

 

• قال الشيخ عبدالعزيز السلمان رحمه الله: "من معاني الأمانة: حفظ الأسرار التي لا يرضى أهلها أن تُذاع، فكم من أضرار على الأبدان والأموال والأعراض حصلت بإفشاء الأسرار"؛ [موارد الظمآن، عبدالعزيز السلمان، ج: 3، ص: 529].

 

نبي الله يعقوب يأمر يوسف بكتمان الرؤيا:

قال الله تعالى حكاية عن نبيه يعقوب: ﴿ قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنْسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ ﴾ [يوسف: 5].

 

• قال الإمام ابن كثير رحمه الله: "يقول تعالى مخبرًا عن قول يعقوب لابنه يوسف حين قصَّ عليه ما رأى من هذه الرؤيا، التي تعبيرها خضوعُ إخوته له، وتعظيمهم إياه تعظيمًا زائدًا، بحيث يخِرون له ساجدين إجلالًا وإكرامًا واحترامًا، فخَشِيَ يعقوب عليه السلام، أن يحدِّث بهذا المنام أحدًا من إخوته فيحسدوه على ذلك، فيبغوا له الغوائل، حسدًا منهم له؛ ولهذا قال له: ﴿ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا ﴾ [يوسف: 5]؛ أي: يحتالوا لك حيلةً يردونك فيها".

 

• ثم قال الإمام ابن كثير رحمه الله: "ومن هذا يؤخذ الأمر بكتمان النعمة حتى توجد وتظهر"؛ [تفسير ابن كثير، ج: 4، ص: 371].

 

نبينا صلى الله عليه وسلم يوصينا بحفظ الأسرار:

(1) روى الطبراني عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((استعينوا على إنجاح الحوائج بالكتمان؛ فإن كل ذي نعمة محسود))؛ [حديث صحيح، صحيح الجامع، للألباني، حديث: 943].

 

• قوله: ((استعينوا على إنجاح الحوائج))؛ قال الإمام عبدالرؤوف المناوي رحمه الله: "أي: كونوا لها كاتمين عن الناس، واستعينوا بالله على الظَّفَر بها، ثم علل طلب الكتمان لها بقوله: ((فإن كل ذي نعمة محسود))؛ يعني: إن أظهرتم حوائجكم للناس حسدوكم"؛ [فيض القدير للمناوي، ج: 1، ص: 630].

 

• روى أبو داود عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المستشار مؤتمن))؛ [حديث صحيح، صحيح أبي داود، حديث: 4277].

 

• قوله: ((المستشار مؤتمن))؛ أي: أمين على ما استُشير فيه، فمن أفضى إلى أخيه بسره وأمنه على نفسه، فقد جعله بمحلها؛ فيجب عليه ألَّا يشير عليه إلا بما يراه صوابًا، فإنه كالأمانة للرجل الذي لا يأمن على إيداع ماله إلا عند ثقة، والسر قد يكون في إذاعته تلف النفس، وأولى بألَّا يُجعل إلا عند موثوق به؛ [فيض القدير للمناوي، ج: 6، ص: 348].

 

احتفاظ الإنسان بالأسرار:

(1) قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "من كتم سره كانت الخيرة في يديه، ومن عرَّض نفسه للتهمة، فلا يلومن من أساء به الظن"؛ [الصمت، لابن أبي الدنيا، ص: 311].

 

(2) قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "سرك أسيرك فإن تكلمت به صرت أسيره"؛ [أدب الدنيا والدين، للماوردي، ص: 306].

 

(3) قال عمرو بن العاص رضي الله عنه: "ما وضعت سري عند أحد أفشاه عليَّ فلُمته، أنا كنت أضيق به حيث استودعته إياه"؛ [الصمت، لابن أبي الدنيا، ص: 214].

 

(4) قال عمر بن عبدالعزيز رحمه الله: "القلوب أوعية الأسرار، والشفاء أقفالها، والألسن مفاتيحها، فليحفظ كل امرئ مفتاح سره"؛ [أدب الدنيا والدين، للماوردي، ص: 308].

 

(5) قال ذو النون المصري رحمه الله: "صدور الأحرار قبور الأسرار"؛ [حلية الأولياء، أبو نعيم الأصبهاني، ج: 9، ص: 377].

 

(6) قال الإمام الماوردي رحمه الله: "كتمان الأسرار من أقوى أسباب النجاح، وأدوم لأحوال الصلاح"؛ [أدب الدنيا والدين، للماوردي، ص: 306].

 

(7) قال بعض الحكماء لابنه: "يا بني، كن جوادًا بالمال في موضع الحق، ضنينًا بالأسرار عن جميع الخلق؛ فإن أحمد جود المرء الإنفاق في وجه البر، والبخل بمكتوم السر"؛ [أدب الدنيا والدين، للماوردي، ص: 306].

 

(8) قال بعض الأدباء: "من كتم سره كان الخيار إليه، ومن أفشاه كان الخيار عليه"؛ [أدب الدنيا والدين، للماوردي، ص: 306].

 

(9) قال بعض الحكماء: "انفرد بسرك ولا تودعه حازمًا فيزِل، ولا جاهلًا فيخون"؛ [أدب الدنيا والدين، للماوردي، ص: 307].

 

(10) قال بعض الحكماء: "سرك من دمك فإذا تكلمت به فقد أرَقته"؛ [أدب الدنيا والدين، للماوردي، ص: 307].

 

(11) قال بعض الحكماء: "من أفشى سره كثر عليه المتآمرون"؛ [أدب الدنيا والدين، للماوردي، ص: 309].

 

(12) قال بعض الحكماء: "أملك الناس لنفسه أكتمهم لسره من أخيه"؛ [الأمثال، زيد عبدالله الهاشمي، ص: 32].

 

(13) قال بعض الحكماء: "أصبر الناس من لا يفشي سره إلى صديقه؛ مخافة التقلب يومًا ما؛ [غذاء الألباب، للسفاريني، ج: 1، ص: 117].

 

(14) قال بعض الأدباء الحكماء: "ثلاثة لا ينبغي للعاقل أن يقدِم عليها: شرب السم للتجربة، وإفشاء السر إلى القرابة والحاسد وإن كان ثقةً، وركوب البحر وإن كان فيه غنًى"؛ [غذاء الألباب، للسفاريني، ج: 1، ص: 117].

 

أسباب صعوبة حفظ الأسرار:

• قال الراغب الأصفهاني رحمه الله: "السبب في صعوبة كتمان السر أن للإنسان قوتين آخذةً ومعطيةً، وكلتاهما تتشوق إلى الفعل المختصة به، ولولا أن الله تعالى وكل المعطية بإظهار ما عندها، لما أتاك بالأخبار من لم تزوده (ما ظهرت الأسرار)، فصارت هذه القوة تتشوق إلى فعلها الخاص بها، فعلى الإنسان أن يُمسكها، ولا يطلقها إلا حيث يجب إطلاقها؛] الذريعة لمكارم الشريعة، للراغب الأصفهاني، ص: 212].

 

نصيحة لمن يحفظ الأسرار:

• قال الشيخ عبدالرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله: "كن حافظًا للسر، معروفًا عند الناس بحفظه، فإنهم إذا عرفوا منك هذا الحال، أفضَوا إليك بأسرارهم، وعذروك إذا طويت عنهم سر غيرك الذي هم عليه مشفقون، وخصوصًا إذا كان لك اتصال بكل واحد من المتعادين؛ فإن الوسائل لاستخراج ما عندك تكثر وتتعدد من كل من الطرفين، فإياك إياك أن يظفَر أحد منهم بشيء من ذلك تصريحًا أو تعريضًا، واعلم أن للناس في استخراج ما عند الإنسان طرقًا دقيقة، ومسالكَ خفيفة؛ فاجعل كل احتمال على بالك، ولا تؤتَ من جهة من جهاتك؛ فإن هذا من الحزم، واجزم بأنك لا تندم على الكتمان"؛ [سوء الخلق، محمد إبراهيم الحمد، ص: 24].

 

حفظ الأسرار في واحة الشعراء:

(1) قال الإمام الشافعي رحمه الله محذرًا من عواقب إفشاء السر:

إذا المرء أفشى سره بلسانه
ولام عليه غيره فهو أحمقُ
إذا ضاق صدر المرء عن سر نفسه
فصدر الذي يستودع السر أضيقُ

[ديوان الإمام الشافعي، ص: 92].

 

(2) قال عبدالله بن المعتز:

ومستودعي سرًّا تبوأت كتمه
فأودعته صدري فصار له قبرا

[قوت القلوب، أبو طالب المكي، ج: 2، ص: 376].

 

(3) قال صالح بن عبدالقدوس:

لا تدع سرًّا إلى طالبه
منك فالطالب للسر مذيع

[أدب الدنيا والدين، للماوردي، ص: 308].

 

(4) قال منصور بن محمد الكريزي:

اجعل لسرك من فؤادك منزلًا
لا يستطيع له اللسان دخولا
إن اللسان إذا استطاع إلى الذي
كتم الفؤاد من الشؤون وصولا
ألفيتَ سرك في الصديق وغيره
من ذي العداوة فاشيًا مبذولا

[روضة العقلاء، لابن حبان، ص: 189].

 

(5) قال محمد بن إسحاق الواسطي:

إذا المرء لم يحفظ سريرة نفسه
وكان لسر الأخ غير كتومِ
فبعدًا له من ذي أخ ومودة
وليس على ود له بمقيمِ

[روضة العقلاء، لابن حبان، ص: 189].

 

(6) قال أسامة بن زيد البجلي:

جعلت ضمير القلب للسر جنةً
إذا ما أضاع السر بالغيب حاملُه
أمِت سرَّ من يفشي إليك حديثه
وما خير سر حين تبدو شواكلُه
ولا تجعل السر المكتم بذلةً
ولا تجهلن يومًا على من تهازله

[الحماسة، للبحتري، ص: 304].

 

(7) قال دعامة بن ندي الطائي:

لا تفشين سرًّا إلى ذي نميمة
فذاك إذًا ذنب برأسك يُعصبُ
إذا ما جعلت السر عند مضيع
فإنك ممن ضيع السر أذنبُ

[الحماسة، للبحتري، ص: 304].

 

(8) قال يحيى بن زياد:

إذا المرء لم يحفظ سريرة نفسه
فلا تفشين يومًا إليه حديثا

[الحماسة، للبحتري، ص: 304].

 

(9) قال الشاعر:

لا تنطق بسرك كل سر
إذا ما جاوز الاثنين فاشي

[أدب الدنيا والدين، للماوردي، ص: 308].

 

(10) قال الشاعر:

إن الكريم الذي تبقى مودته
ويحفظ السر إن صافا وإن صرما
ليس الكريم الذي إن زلَّ صاحبه
بث الذي كان من أسراره علما

[تاريخ بغداد، للخطيب البغدادي، ج: 6، ص: 372].

 

(11) قال الشاعر:

ترى الكريم إذا تصرم وصله
يُخفي القبيح ويُظهر الإحسانا
وترى اللئيم إذا تقضى وصله
يخفي الجميل ويظهر البهتانا

[إحياء علوم الدين، للغزالي، ج: 2، ص: 179].

 

(12) قال الشاعر:

صُنِ السر عن كل مستخبر
وحاذر فما الحزم إلا الحذر
أسيرك سرك إن صنته
وأنت أسير له إن ظهر

[الذخائر والعبقريات، عبدالرحمن البرقوقي، ج: 2، ص: 74].

 

أهمية حفظ الأسرار في العلاقات الاجتماعية:

إن المحافظة على الأسرار خاصية إنسانية في العلاقات الاجتماعية؛ من حيث تعامل الفرد مع الآخرين، ومع المجتمع الذي يعيش فيه، والأسرار لها أهمية كبيرة في الأمم، فهي من أعظم أسباب النجاح، وأدوم لأحوال الصلاح؛ ومن هنا فرعاية الإسلام للمحافظة على الأسرار يُستهدف من ورائها تكوين المجتمع الإسلامي، ووضع التشريعات الضابطة لحماية العلاقات وتنميتها، وهي أمر لازم لدوام الحياة الاجتماعية وتقدمها من الناحية المعنوية، ولو أُهملت المبادئ الأخلاقية والاجتماعية، وسُمح للخيانة وفشو الأسرار بالانتشار؛ لزالت المعاني الإنسانية، كالأمانة وكتمان الأسرار، من حياة الناس، وتحولت الحياة الاجتماعية إلى جحيم لا يُطاق؛ [مجلة البيان، ج: 1 ص: 177].

 

حفظ الأطباء لأسرار المرضى:

يتأكد في حق الطبيب كتمان السر، ومن حق المريض عليه ألَّا يبوح بأي معلومات عنه؛ وذلك أن ثقة المريض في طبيبه هي أساس التعامل بينهما، والمريض إنما أفشى أسراره وما يعانيه للطبيب؛ لأجل الوصول إلى التشخيص الصحيح.

 

وحفظ أسرار المريض من حفظ الأمانة؛ وقد قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ ﴾ [المؤمنون: 8]؛ [أسرار المرضى، هاني عبدالله جبير، ص: 6].

 

• قال ابن الحاج رحمه الله: "ينبغي أن يكون الطبيب أمينًا على أسرار المرضى، فلا يُطلع أحدًا على ما ذكره المريض؛ إذ إنه لم يأذن له في إطلاع غيره على ذلك، ولو أذِن فينبغي ألَّا يفعل ذلك معه، اللهم إلا أن يعلم من المريض في أمره بذلك استجلاب خواطر إخوانه، ومن يتبرك بدعائه له بظهر الغيب"؛ [المدخل، لابن الحاج، ج: 4، ص: 135].

 

الوسائل التي تساعد على حفظ الأسرار:

نستطيع أن نوجز الوسائل التي تساعد المسلم على المحافظة على أسرار الناس في الأمور التالية:

أولًا: استحضار مراقبة الله تعالى للناس: يجب على المسلم أن يعلم بأن الله مطلع على كل خافية، فلا يعصيه بإفشاء أسرار الناس.

 

ثانيًا: حب الخير لكل مسلم، ومعرفة أن هناك ضررًا قد يقع على صاحب السر إذا أظهره للناس.

 

ثالثًا: استشعار الضرر الذي يقع على المسلم من إفشاء سره؛ فربما لحِقه أذًى عظيم من إفشاء سره؛ فقد تكون زوجة يطلقها زوجها، أو موظف يفقد وظيفته، أو قريب يهجره أقاربه، أو صديق تنقطع المودة بينه وبين باقي أصدقائه.

 

رابعًا: إفشاء الأسرار مظلمة لأخيك المسلم، يجدها يوم القيامة ويحاجُّك بها عند الله عز وجل.

 

خامسًا: من صفات المؤمن الصادق المحافظةُ على العهد، وعدم إفشاء ما يسمع من أخيه المسلم.

 

سادسًا: بإفشاء الأسرار يفقد الإنسان نعمة عظيمة؛ وهي نعمة مشاورة الناس له، واختيارهم له وثقتهم فيه؛ [حفظ الأسرار، مكتبة دار القاسم، ص: 12].

 

نبينا صلى الله عليه وسلم القدوة في المحافظة على الأسرار:

(1) روى البخاري عن عروة بن الزبير، قال: قالت عائشة عند الحديث عن الهجرة: ((بينا نحن يومًا جلوس في بيتنا في نحر الظهيرة، فقال قائل لأبي بكر: هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم مقبلًا متقنعًا، في ساعة لم يكن يأتينا فيها، قال أبو بكر: فدًا لك أبي وأمي، والله إنْ جاء به في هذه الساعة إلا لأمر، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم، فاستأذن فأذن له فدخل، فقال حين دخل لأبي بكر: اخرج من عندك، قال: إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله، قال: فإني قد أُذن لي في الخروج، قال: فالصحبة بأبي أنت وأمي يا رسول الله؟ قال: نعم، قال: فخُذ بأبي أنت يا رسول الله إحدى راحلتيَّ هاتين، قال النبي صلى الله عليه وسلم: بالثمن))؛ [البخاري، حديث: 5807].

 

• قال الإمام ابن بطال رحمه الله: "هذا الحديث فيه: أن المرء ينبغي له التحفظ بسره، ولا يُطلع عليه إلا من تطيب نفسه عليه، لقوله صلى الله عليه وسلم لأبى بكر: ((اخرج من عندك)) ليخبره بخروجه مخليًّا به، فلما قال له الصديق رضي الله عنه: إنما هم أهلك، وعلم أن شفقتهم عليه كشفقة أهله، أطلعه صلى الله عليه وسلم حينئذٍ على سره، وأنه قد أُذِن له في الخروج إلى المدينة"؛ [شرح صحيح البخاري، لابن بطال، ج: 9، ص: 93].

 

• قال الإمام عبدالرحيم العراقي رحمه الله: "قوله: ((اخرج من عندك)) سببه شدة التحرز في أمر الهجرة؛ لئلا يعوق عنها عائق؛ فإن فشو السر سبب لحصول المفسدة، فلما أعلمه الصديق بأنه ليس هناك من يتوقع منه إفشاء السر بقوله (إنما هم أهلك)، تكلم بما عنده"؛ [طرح التثريب، عبدالرحيم العراقي، ج: 7، ص: 274].

 

(2) روى الشيخان عن كعب بن مالك رضي الله عنه قال: ((لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد غزوةً إلا ورَّى بغيرها))؛ [البخاري حديث: 2947، مسلم، حديث: 2769].

 

• قوله: (ورى بغيرها): أي: إلا أظهر للناس أنه يريد جهةً أخرى؛ حرصًا على الكتمان؛ [منار القاري، حمزة قاسم، ج: 5، ص: 6].

 

• قال ابن الملك: "قوله: (ورى بغيرها) أي: سترها بغيرها، وأظهر أنه يريد بها لما فيه من الحزم وإغفال العدو، والأمن من جاسوس يطلع على ذلك فيخبر به العدو، وتوريته صلى الله عليه وسلم كان تعريضًا بأن يريد - مثلًا - غزوة مكة، فيسأل الناس عن حال خيبر وكيفية طرقها"؛ [مرقاة المفاتيح، علي الهروي، ج: 6، ص: 2535].

 

حرص نبينا صلى الله عليه وسلم على كتمان أسرار غزواته:

لقد كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يكتم أسرار خططه في الغزوات، وسوف نذكر بعضًا منها:

(1) سرية عبدالله بن جحش:

بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عبدَ الله بن جحش الأسدي ومعه ثمانية من المهاجرين، ليس فيهم من الأنصار أحد، وكتب له كتابًا، وأمره ألَّا ينظر فيه حتى يسير يومين، ثم ينظر فيه، فيمضي لما أمره به، ولا يستكره من أصحابه أحدًا، فلما سار عبدالله بن جحش يومين فتح الكتاب، فنظر فيه فإذا فيه: إذا نظرت في كتابي هذا فامضِ حتى تنزل نخلة، بين مكة والطائف، فترصد بها قريشًا وتعلم لنا من أخبارهم، فلما نظر عبدالله بن جحش في الكتاب، قال: سمعًا وطاعةً، ثم قال لأصحابه: قد أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أمضي إلى نخلة، أرصد بها قريشًا، حتى آتيه منهم بخبر، وقد نهاني أن أستكره أحدًا منكم، فمن كان منكم يريد الشهادة ويرغب فيها فلينطلق، ومن كره ذلك فليرجع، فأما أنا فماضٍ لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمضى ومضى معه أصحابه، لم يتخلف عنه منهم أحد؛ [سيرة ابن هشام، ج: 2، ص: 601].

 

• لقد ابتكر الرسول صلى الله عليه وسلم أسلوب الرسائل المكتومة؛ مراعاة للسِّرِّيَّة وللمحافظة على الكتمان الشديد، ولحرمان أعداء المسلمين من الحصول على المعلومات التي تفيدهم عن تحركات المسلمين وأهدافهم؛ [دروس في الكتمان، محمود شيت خطاب، ص: 20].

 

(2) غزوة فتح مكة:

في غزوة فتح مكة المكرمة بلغ النبي صلى الله عليه وسلم في تطبيق عامل الكتمان حد الروعة، حتى لَيمكن اعتبار هذه الغزوة مثالًا من أعظم أمثلة التاريخ العسكري في تطبيق الكتمان إلى أبعد الحدود، وأمر أهله أن يجهزوه، ولكنه لم يخبر أحدًا من المسلمين في الداخل أو الخارج بنيَّاته وأهدافه من حركته واتجاهها، بل أخفى نياته وأهدافه واتجاه حركته حتى عن أقرب المقربين إليه، ولما اقترب موعد الحركة، صرح الرسول صلى الله عليه وسلم بأنه سائر إلى مكة المكرمة، ولكنه بثَّ عيونه ليحُول دون وصول أخبار اتجاه حركته إلى قريش؛ [موسوعة الأخلاق الإسلامية، ج: 2، ص: 3].

 

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله، وأصحابه، والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر


مختارات من الشبكة

  • المحافظة على صحة السمع في السنة النبوية (PDF)(كتاب - موقع د. عبدالعزيز بن سعد الدغيثر)
  • أسرار خاتمة سورة المؤمنون: ﴿وقل رب اغفر وارحم وأنت خير الراحمين﴾(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خمسون سرا من أسرار القصص القرآني (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • التحذير من إفشاء الأسرار(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أسرار المجالس وأماناتها(مقالة - آفاق الشريعة)
  • مخطوطة زبدة الأسرار في شرح مختصر المنار(مخطوط - مكتبة الألوكة)
  • طريق الأبرار 20 حديثا تملؤها الأسرار (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الأسرار المرفوعة في الأخبار الموضوعة (الموضوعات الكبرى) للعلامة الملا علي القاري (PDF)(كتاب - موقع د. محمد بن لطفي الصباغ)
  • إفشاء الأسرار في التواصل الاجتماعي(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • حكم الجهر أو الإسرار بالاستعاذة في الصلاة وفي غيرها(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • شبكة الألوكة تعزي المملكة العربية السعودية حكومة وشعبا في وفاة سماحة مفتي عام المملكة
  • برنامج تعليمي إسلامي شامل لمدة ثلاث سنوات في مساجد تتارستان
  • اختتام الدورة العلمية الشرعية الثالثة للأئمة والخطباء بعاصمة ألبانيا
  • مدرسة إسلامية جديدة في مدينة صوفيا مع بداية العام الدراسي
  • ندوة علمية حول دور الذكاء الاصطناعي في تحسين الإنتاجية بمدينة سراييفو
  • مركز تعليمي إسلامي جديد بمنطقة بيستريتشينسكي شمال غرب تتارستان
  • 100 متطوع مسلم يجهزون 20 ألف وجبة غذائية للمحتاجين في مينيسوتا
  • مسابقة الأحاديث النبوية تجمع أطفال دورات القرآن في بازارجيك

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 4/4/1447هـ - الساعة: 14:55
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب