• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    الإحصاء في القرآن الكريم والسنة النبوية: أبعاد ...
    د. مراد باخريصة
  •  
    صفة جمع المصحف في عهد عثمان والفرق بين جمعه وجمع ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    الدين النصيحة (خطبة)
    سعد محسن الشمري
  •  
    العطايا والمنح بعد المحن (خطبة)
    د. عبدالرزاق السيد
  •  
    تحريم إبرام اليمين وتوكيدها ممن يَعلم عجزَه أو ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    تفسير قول الله تعالى: { كل الطعام كان حلا لبني ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    من محاسن الدين الإسلامي وجود بدائل لكل عمل صالح ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    وقفات إيمانية وتربوية حول اسم الله العفو جل جلاله
    د. عبدالرحمن سيد عبدالغفار
  •  
    شموع (112)
    أ.د. عبدالحكيم الأنيس
  •  
    المندوبات عند الحنابلة من كتاب الأطعمة حتى نهاية ...
    رازان بنت عبدالله بن صالح المشيقح
  •  
    حكم تقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام
    د. ضياء الدين عبدالله الصالح
  •  
    الذكر يحصن العبد من وسوسة الشيطان
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    كن بلسما (خطبة)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    كلنا رجال تربية وتعليم (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    لا تظالموا.. (خطبة)
    د. عبد الرقيب الراشدي
  •  
    تخريج حديث: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا ذهب ...
    الشيخ محمد طه شعبان
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

العطايا والمنح بعد المحن (خطبة)

العطايا والمنح بعد المحن (خطبة)
د. عبدالرزاق السيد

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 1/9/2025 ميلادي - 9/3/1447 هجري

الزيارات: 136

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

العطايا والمنح بعد المحن

 

الحمد لله، دافع المحنة والبلاء، وكاشف الضراء، نحمده تعالى، جعل المنح بعد المحن تكرُّمًا منه وفضلًا، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، عمَّ فضلُه وخيرُه الأرض والسماء، ونشهد أن سيدنا ونبينا محمدًا عبدُه ورسوله، أكثر الناس رجاءً وتوكُّلًا، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

أهمية الحديث عن العطايا والمنح بعد المحن:

أيها المسلمون، ما من محنة إلا في طيَّاتها مِنْحة، وما من شدَّة إلا وراءها لله حكمة، وما من عُسْر إلا معه يُسْر، هذه سنن ربانية، فقد تقسو المحنة وتشتد الفتنه فيمتحن الله العباد ليختبر صبرهم ويضاعف أجرهم، فيخرجوا بمنحة عظيمة، أقوى إيمانًا، وأثبت يقينًا، وأصلب عودًا، وأعلى همَّةً تُمكِّنهم من الصمود في وجه العوادي والنكبات، وتسلِّحُهم ضد أهوال الحياة وتقلُّباتها، وحينما تأتي المحن فإن المنحة منها تكشف معادن الناس، وتُبيِّن حقيقتهم، وتُجلِّي كامن صفاتهم، فقد تعرف إنسانًا لفترات طويلة، ولا يبين لك منه صفاته الحقة، فإذا مرت المحنة ظهرت صفاته، وبانت علاماته، فلكأنما تكشَّف بعد اختفاء وتعرَّى بعد غطاء، فكم من امرئ ظنَّه الناس عالمًا عاملًا، وإذا به ينقلب حليفًا لكسبه، فيلوي عنق الكلمات، ويدنس نفسه بممالأة أهل الكفر والنفاق، فلا يرفع للحق راية، ولا يقيم للدين وزنًا، فينزع عنه قناعه ليُظهر وجهه القبيح، وكل أفعاله التي ينخدع بها البعض لم تكن إلا ستارًا يُخْفي من ورائه قبح خططه ومُخطَّطاته.


والمحنة تقوي النفس، وتقوم الظهر، وتثبته، وتجعله صلبًا في مواجهة تقلبات الدنيا، فإنْ صبر المرء فيها وتوكَّلَ على الله ربِّه، وأخذ بالأسباب، وداوم وصلًا بالرحمن الرحيم ذكرًا ودعاءً والتجاءً، فما يلبث أن يعود أقوى وأرسخ، وتأتيه المنح والعطايا الربانية من حيث لا يشعر، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

 

القرآن والسُّنَّة يُحدِّثاننا عن العطايا والمنح بعد المحن:

أيها المسلمون، لقد ذكر في القرآن وسُنَّة النبي صلى الله عليه وسلم، أن المحنة سُنَّة ثابتة في حياة البشر، قال تعالى: ﴿ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ [الملك: 2]، وأشار القرآن أن المحنة حتى مع الرسل، فقال الله تعالى: ﴿ وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ وَلَقَدْ جَاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ ﴾ [الأنعام: 34]، وذكر الله في القرآن أن المحنة تغربل الناس والجماعات والجيوش، والأمم، ففي قصة طالوت وجالوت، قال الله عنهم: ﴿ أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَدْ أُخْرِجْنَا مِنْ دِيَارِنَا وَأَبْنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْا إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ﴾ [البقرة: 246]، ثم جاءت غربلة أخرى عند عبور النهر: ﴿ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ ﴾ [البقرة: 249]، ثم الامتحان الثالثة: ﴿ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ﴾ [البقرة: 249]، وبيَّن لنا القرآن أن مع المحن المنح والعطايا الربانية، فقال تبارك وتعالى: ﴿ وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَمْحَقَ الْكَافِرِينَ ﴾ [آل عمران: 141]، ويقول عزَّ وجلَّ: ﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ﴾ [البقرة: 216]، ويقول: ﴿ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا ﴾ [النساء: 19]، ويقول الله تعالى في محكم آياته: ﴿ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ ﴾ [النور: 11]، وقال تعالى: ﴿ سَيَجْعَلُ اللَّهُ بَعْدَ عُسْرٍ يُسْرًا ﴾ [الطلاق: 7]، وفي السُّنَّة النبوية يُعلِّمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن المسلم وما يصيبه من محنة وبلاء إنما هو منحة من الله، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا يزالُ البلاءُ بالمؤمنِ أَوِ المؤمنةِ في نَفْسِهِ، ومالِهِ، ووَلَدِهِ، حتَّى يَلْقى اللهَ وما عليهِ مِن خطيئةٍ)؛ حسن صحيح ابن حبان.

 

سنة المحن جارية:

أيها المسلمون، إن الله تعالى جعل الدنيا دارَ ممرٍّ وامتحانٍ، وجعل فيها المحن سُنَّةً من سُنَنه الربانية الجارية؛ ذلك أن طبيعة الحياة الدنيا، وطبيعة البشر فيها تقتضي ألا يخلو المرء فيها من كوارث تصيبه، وشدائد تحل بساحته، فمنهم من تنزل به محنة حروب فيهلك فيها الولد والوالد والقريب والبعيد، ومنهم من ينزل بهم الزلازل والبراكين والفيضانات والأمطار، فيهلك فيها الآلاف من الناس، وأقل الناس من يُخفق في عمل، ويخيب له أمل، أو يُبتلى بموت حبيب، أو يَمرض له بدن، أو يُفقد منه مالٌ أو ولد، أو يُبتلى في قوة تمسُّكه بدينه، أو غير ذلك مما تفيض به الحياة الدنيا من ابتلاءات وشدائد ومحن وتمحيصات.


إنها سُنَّة جارية منذ أن خلق الله الأرض وأجرى فيها قدر الحياة والموت، فهو القائل سبحانه: ﴿ الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ﴾ [الملك: 2]، وقال سبحانه: ﴿ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾ [الأنبياء: 35]، وقال الله تعالى: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ﴾ [البقرة: 155، 156]، وقال الله تعالى: ﴿ أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ﴾ [البقرة: 214]، إنهاحكمةٌ بالغةٌ وسنةٌ ماضيةٌ: ﴿ فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا ﴾ [فاطر: 43] ﴿ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ﴾ [آل عمران: 140]، وورد في الخبر: (إنَّ هذه الدنيا دار الْتِواء لا دار اسْتِواء، ومنزِل تَرَحٍ لا منزل فرح، فَمَن عرفَها لم يفْرَح لِرَخاء، ولم يحْزن لِشَقاء، جعلها الله دار بلْوى، وجعل الآخرة دار عُقبى، فجَعَلَ بلاء الدنيا لِعَطاء الآخرة سببًا، وجعل عطاء الآخرة من بلْوى الدنيا عِوَضًا، فيأخُذ لِيُعْطي ويبْتلي ليُجْزي)؛ أخرجه الديلمي.


والمحنة تكشف معادن الرجال، وتُميِّز الصفوف، وتهتك الستر عن المنافقين، وتظهر إيمان المؤمنين، قال الله تعالى: ﴿ مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ ﴾ [آل عمران: 179]، فيخرج في الأمة من لا تصدق أن فيها منهم، قال ابن مسعود- رضي الله عنه-: (لا يأتي عليكم زمان إلا وهو أشرُّ مما كان قبله: أَمَا إني لا أعني أميرًا خيرًا من أمير، ولا عامًا خيرًا من عام، ولكن علماؤكم وفقهاؤكم يذهبون، ثم لا تَجِدون منهم خلَفًا، ويَجيء قوم يُفتون برأيهم)، وفي لفظ عنه: (فيَثْلِمون الإسلام ويَهدِمونه)؛ أخرجه الدارمي بسند حسن.

 

المنحة بعد المحنة عطاء رباني:

أيها المسلمون: كم يكون بعد المحنة من منحة وعطاء! وكم يكون في الظلمة معرفة قدر النور! والمحن سحائب منح، والبلايا عطايا، والأمور المؤلمات هي في الحقيقة هبات، ولو لم يكن من عطايا المحن إلا منحة التذكير بالرجوع إلى المولى الرحيم، والخالق العظيم، وإحسان الظن به، والوقوف بين يديه، والالتجاء إليه في خضوع وذلة، وانطراح صادق يقطع العبد العلائق إلا مع الله، ويتجاوز المعوقات، ويصدق في دعائه وخضوعه ورجائه، ويسأل ربَّه أن يبدل الله العُسْر يسرًا، والمحنة منحة، قال الله تعالى: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ﴾ [البقرة: 186]، وقال الله تعالى: ﴿ أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ﴾ [النمل: 62].

 

لقد اشتدت المحنة بنبي الله إبراهيم عليه السلام حتى ألقي في النار، فجاءته المنحة الربانية، فقال الله للنار: ﴿ قُلْنَا يَانَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ ﴾ [الأنبياء: 69]، وجاءت العطية الربانية ﴿ وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ ﴾ [الأنبياء: 71]، لقد نزلت بموسى عليه السلام عند خروجه من مدين راجعًا إلى مصر محنة عظيمة، فأضل الطريق في ليلة شاتية، بين شعاب وجبال، في برد وشتاء وظلام وضباب، فخرج يبحث عن النار، فرجع موسى عليه السلام بمنحة؛ ألا وهي النبوَّة والرسالة أعظم من النار التي خرج يبحث عنها، قال الله تعالى: ﴿ إِذْ قَالَ مُوسَى لِأَهْلِهِ إِنِّي آنَسْتُ نَارًا سَآتِيكُمْ مِنْهَا بِخَبَرٍ أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ * فَلَمَّا جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [النمل: 7، 8]؛ أي: فلما جاء موسى إلى الذي ظن أنه نار وهي نور، قال تعالى: ﴿ فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَامُوسَى * إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى ﴾ [طه: 11، 12]، وخرج النبي صلى الله عليه وسلم في محنة الهجرة إلى غار ثور هو وأبو بكر الصِّدِّيق رضي الله عنه، فيخاف الصديق على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأتته المنحة الربانية بكلمة صادقة، وعزيمة صارمة من رسول الله صلى الله عليه وسلم: ﴿ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا ﴾ [التوبة: 40]، فما دام الله معنا فلمَ الحزن؟! ولمَ الخوف؟! تمتحن أم سلمة في هجرتها، ويأخذ ابنها، ثم تهاجر إلى زوجها، فيموت زوجها أبو سلمة- رضي الله عنه- فتحزن لفراقه أُمُّ سلمة- رضي الله عنها- حزنًا شديدًا، وتقول: أيُّ المسلمين خيرٌ من أبي سلمة؟ أوَّل بيت هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتأتي المنحة الربانية فتتزوَّج خيرًا من أبي سلمة، فيتزوَّجها رسول الله صلى الله عليه وسلم، لتصبح أُمًّا للمؤمنين، وزوجةً لسيد المرسلين.


إن الأمر قد يكون في ظاهره شرًّا، ثم تكون العاقبة خيرًا بإذن الله، أرأيت حادثة الإفك وفيها من الشناعة والبشاعة ما فيها، ومع ذلك هي بنصِّ القرآن: ﴿ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ﴾ [النور: 11]، فقد تقولون لكن يحدث في المحن الموت والقتل والجوع، إن من يموت وقت المحنة يأتيه العطاء الرباني، فهو شهيد في سبيل الله بإذن الله يجري عليه رزقه ﴿ وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ﴾ [الحج: 58]، ﴿ بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ﴾ [آل عمران: 169]، قال ابن القيم رحمه الله: من تدبر حكمته سبحانه، ولطفه وبرَّه بعباده وأحبابه، في كسره لهم ثم جبره بعد الانكسار، كما يكسر العبد بالذنب، ويُذلُّه به، ثم يجبرُه بتوبته عليه، ومغفرته له، وكما يكسره بأنواع المصائب والمحن، ثم يجبره بالعافية والنعمة انفتح له باب عظيم من أبواب معرفته ومحبته، وعَلِمَ أنه أرحمُ بعباده من الوالدة بولدها، وأن ذلك الكسر هو نفس رحمته به وبره ولطفه، وهو أعلم بمصلحة عبده منه، ولكن العبد لضعف بصيرته ومعرفته بأسماء ربه وصفاته لا يكاد يشعر بذلك، ولا يُنالُ رضا المحبوب وقربه والابتهاج والفرح بالدنو منه والزُّلْفى لديه إلا على جسر من الذل والمسكنة، وعلى هذا قام أمرُ المحبة، فلا سبيل إلى الوصول إلى المحبوب إلا بذلك)؛ انتهى.

 

فكم ذكَّرت الشدائد من غافل! وكم هدَتْ من عاصٍ! وكم قربتْ من بعيد! وكم غفرتْ من ذنب! وكم غسلتْ من قلب! فكيف تجزع من أمر يعيدك إلى محبوبك، ويغفر لك ذنوبك، ويخلصك من حب الدنيا، ويبدِّل مكانه حب الآخرة، ويعلمك أن كل أمر صغير أو كبير هو بيد الله، فهو وحده سبحانه من يملك الأمر، ووحده سبحانه من يكشف الضر، ويبدل العسر يسرًا، والمحنة عطاء ومنحة، إن الخسارة والمحنة العظيمة أن ترضى بالضعف وتقبل الذل والهوان، وتنسى أن الضريبة المدفوعة للذُّل هي نفس الضريبة المدفوعة للعزة والكرامة، وإن ضريبة الذل لأفدَحُ في كثير من الأحيان، وإن بعض النفوس الضعيفة لَيُخَيَّلُ إليها أن للكرامة ضريبةً باهظةً لا تُطاق، فتختار الذل والمهانة هربًا من هذه التكاليف الثقال؛ فتعيش عيشةً تافهةً رخيصةً، مفزعةً قلقةً، تخاف من ظلها، وتَفْرَقُ من صداها، ﴿ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ ﴾ [المنافقون: 4] ﴿ وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ ﴾ [البقرة: 96]، وصدق الله إذ يقول: ﴿ أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴾ [العنكبوت: 2، 3].

 

موقف المسلم من المحنة والمنحة:

أيها المسلمون، إن أمتنا اليوم في محنة، ونحن بانتظار المنحة والعطاء بإذن الله، فنحتاج إلى إيمان عميق، وفهم دقيق، وصدق في الطريق إلى الله، وصبر على الشدائد هذه هي الحقيقة الأساسية التي ينبغي أن يفقهها كل مسلم في وقت المحنة، كيف لا؟ والله عز وجل هو مالك كل شيء، وقائم على كل شيء، ومهيمن على كل شيء، لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، أحاط بكل شيء علمًا، يقدم ويؤخر، يخفض ويرفع، يعز ويذل، يقبض ويبسط، ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، فهو الذي يفتح القلوب للإيمان به ﴿ وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي ﴾ [المائدة: 111]، ويختار من ينتصر لدينه ﴿ وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ [الدخان: 32]. ويحميهم ويرعاهم ويكفيهم ويحفظهم ﴿ وَكَفَّ أَيْدِيَ النَّاسِ عَنْكُمْ ﴾ [الفتح: 20]، ويبتلي الأمة تطهيرًا أو تذكيرًا ﴿ وَآتَيْنَاهُمْ مِنَ الْآيَاتِ مَا فِيهِ بَلَاءٌ مُبِينٌ ﴾ [الدخان: 33]، وهو الذي سيمكنها وينصرها رغم أنوف المفسدين ﴿ إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ﴾ [الأعراف: 128]. إن مقتضى هذه الحقائق يؤكد أن على الأمة أن تتجه أولًا وقبل أي شيء، نحو الله سبحانه وتعالى لاستجلاب رضاه ومعيته وكفايته ﴿ وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ﴾ [هود: 123]،لقد نسي الكثير من الناس في غمرة الأحداث والمحن والمصائب والكوارث أن الله هو الذي بيده الموت والحياة وكل شيء عنده بمقدار، وأنه كتب الآجال، وقدر الأقدار، وحكم بين العباد، ولا يجري في هذا الكون أمر إلا بإرادته ومشيئته، وعنده علم الغيب، لا ينازعه فيه أحد، قال تعالى: ﴿ وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [الأنعام: 59]، قال عامر بن قيس: (ثلاث آيات من كتاب الله استغنيت بهن على ما أنا فيه: قرأت قول الله تعالى: ﴿ وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يَمْسَسْكَ بِخَيْرٍ فَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [الأنعام: 17]، فعلمت وأيقنت أن الله إذا أراد بي ضرًّا لم يقدر أحد على وجه الأرض أن يدفعه عني، وإن أراد أن يعطيني شيئًا لم يقدر أحد أن يأخذه مني، وقرأت قوله تعالى: ﴿ فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ ﴾ [البقرة: 152]، فاشتغلت بذكره جل وعلا عمَّا سواه، وقرأت قوله تعالى: ﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [هود: 6]، فعلمت وأيقنت وازددت ثقة بأن رزقي لن يأخذه أحد غيري.لما لجأَ الرجلُ المؤمنُ من آل فرعون إلى الله كُفِي شرُّ قومه، قال سبحانه عنه: ﴿ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ * فَوَقَاهُ اللَّهُ سَيِّئَاتِ مَا مَكَرُوا وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ ﴾ [غافر: 44، 45].





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الإسراء والمعراج: دروس ومقاصد (خطبة)
  • المنهج التربوي القلبي الصحيح وأثره (خطبة)
  • سنة المغالبة وفقهها (خطبة)
  • فقه السير إلى الله تعالى (خطبة)
  • عاشوراء بين ظهور الحق وزوال الباطل (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • كم في البلايا من العطايا (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • العطايا والبلايا والخطايا(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • بلاد العطايا والأوهام(مقالة - حضارة الكلمة)
  • فضل ليلة القدر(مقالة - ملفات خاصة)
  • الأصدقاء(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ظاهرة‫ الشائعات‬‬‬‬(مقالة - آفاق الشريعة)
  • عبودية الصبر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خير العطاء وأوسعه(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن صالح القصيِّر)
  • تيسير الوصول إلى شرح ثلاثة الأصول (1)(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن حمود الفريح)
  • رسالة في أعمال الحاج(مقالة - موقع أ.د.سليمان بن قاسم بن محمد العيد)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مبادرة "ساعدوا على الاستعداد للمدرسة" تدخل البهجة على 200 تلميذ في قازان
  • أهالي كوكمور يحتفلون بافتتاح مسجد الإخلاص الجديد
  • طلاب مدينة مونتانا يتنافسون في مسابقة المعارف الإسلامية
  • النسخة العاشرة من المعرض الإسلامي الثقافي السنوي بمقاطعة كيري الأيرلندية
  • مدارس إسلامية جديدة في وندسور لمواكبة زيادة أعداد الطلاب المسلمين
  • 51 خريجا ينالون شهاداتهم من المدرسة الإسلامية الأقدم في تتارستان
  • بعد ست سنوات من البناء.. افتتاح مسجد أوبليتشاني في توميسلافغراد
  • مدينة نازران تستضيف المسابقة الدولية الثانية للقرآن الكريم في إنغوشيا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 8/3/1447هـ - الساعة: 14:0
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب