• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    تفسير: (وقالوا نحن أكثر أموالا وأولادا وما نحن ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    الإسلام أمرنا بدعوة وجدال غير المسلمين بالحكمة ...
    الشيخ ندا أبو أحمد
  •  
    أسباب الحقد والطرق المؤدية له
    شعيب ناصري
  •  
    خطبة: أشبعوا شبابكم من الاحترام
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    وثلاث حثيات من حثيات ربي
    إبراهيم الدميجي
  •  
    ذكر الله يرطب اللسان
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    خطبة: الذكاء الاصطناعي
    د. فهد القرشي
  •  
    الجمع بين حديث "من مس ذكره فليتوضأ"، وحديث "إنما ...
    عبد السلام عبده المعبأ
  •  
    ألا إن سلعة الله غالية (خطبة)
    ساير بن هليل المسباح
  •  
    خطبة المولد
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    خطبة: فضل عثمان بن عفان وعلي بن أبي طالب
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    النهي عن التشاؤم (خطبة)
    أحمد إبراهيم الجوني
  •  
    التقوى خير زاد
    د. عبد الرقيب الراشدي
  •  
    روايات عمرو بن شعيب عن جده: دراسة وتحقيق (PDF)
    د. غمدان بن أحمد شريح آل الشيخ
  •  
    الحمد لله (3) حمد الله تعالى نفسه
    الشيخ د. إبراهيم بن محمد الحقيل
  •  
    المؤمنون حقا (خطبة)
    الشيخ الحسين أشقرا
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / الرقائق والأخلاق والآداب
علامة باركود

التقوى خير زاد

التقوى خير زاد
د. عبد الرقيب الراشدي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 21/8/2025 ميلادي - 27/2/1447 هجري

الزيارات: 256

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

التقوى خير زاد

 

الخطبة الأولى

إن الحمد لله، نحمده تعالى ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أنْ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.

 

﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [آل عمران: 102].

 

﴿يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾ [النساء: 1].

 

عباد الله، اعلموا أن أصدقَ الحديث كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ نبينا محمد- صلى الله عليه وسلم- وشرَّ الأمور محدثاتُها، وكلَّ محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار

 

أعاذنا الله وإياكم من البدع والضلالات والنار، أما بعد:

روى أبو داود والترمذي- وقال: حديث حسن صحيح- عن أبي نجيح العرباض بن سارية رضي الله عنه قال: وعظنا رسول الله صلى الله عليه وسلم موعظة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله، كأنها موعظة مودع فأوصنا، قال: «أوصيكم بتقوى الله....».

 

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ، تقوى الله تعالى عَمَلٌ مِنْ أَعْمَالِ الْقُلُوبِ، وَأَحَدُ أَسْبَابِ تَحْقِيقِ مَرْضَاةِ الله تعالى عَلَّامِ الْغُيُوبِ، وحقيقتها أن يجعل العبد بينه وبين عذاب الله وقايةً؛ وذلك بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، ولها عدة تعريفات؛ قال طَلْقُ بْنُ حَبِيبٍ في تعريفه للتقوى: "أَنْ تَعْمَلَ بِطَاعَةِ اللهِ عَلَى نُورٍ مِنْ نُورِ اللهِ رَجَاءَ ثَوَابِ اللهِ، وَالتَّقْوَى تَرْكُ مَعَاصِي اللهِ عَلَى نُورٍ مِنَ اللهِ خَوْفَ عِقَابِ اللهِ". وفي شعب الإيمان للبَيْهَقِيّ أن أبا هريرة سئل عن التقوى، فقال رضي الله عنه للسائل: هَلْ أَخَذْتَ طَرِيقًا ذَا شَوْكٍ؟ قَالَ الرَّجُلُ: نَعَمْ، قَالَ: فَكَيْفَ صَنَعْتَ؟ قَالَ: إِذَا رَأَيْتُ الشَّوْكَ عَدَلْتُ عَنْهُ، أَوْ جَاوَزْتُهُ، أَوْ قَصَّرْتُ عَنْهُ، فَقَالَ: "ذَاكَ التَّقْوَى".

 

وقال ابن مسعود رضي الله عنه في قوله تعالى: ﴿اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ﴾ [آل عمران: 102]: "تقوى الله أن يُطاع فلا يُعصى، ويُذكر فلا يُنْسى، وأن يُشكر فلا يُكفر". وعرَّف أمير المؤمنين علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- التقوى فقال: "هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والقناعة بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل".

 

أيها المؤمنون، تقوى الله تعالى ينبغي أن تحمل العبد على فعل الأوامر طاعةً لله ورسوله، وتحمله على ترك المعاصي خوفًا من الله جل وعلا، قَالَ ابْنُ عُمَرَ- رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا-: "لَا يَبْلُغُ الْعَبْدُ حَقِيقَةَ التَّقْوَى حَتَّى يَدَعَ مَا حَاكَ فِي الصَّدْرِ"؛ (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).

 

قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: «لا يبلغ العبد أن يكون من المتقين حتى يَدَعَ ما لا بأس به حذرًا مما به بأس»؛ (رواه الترمذي وضعَّفه الألباني).

 

وقال الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ- رَحِمَهُ اللهُ-: "مَا زَالَتِ التَّقْوَى بِالْمُتَّقِينَ حَتَّى تَرَكُوا كَثِيرًا مِنَ الْحَلَالِ مَخَافَةَ الْحَرَامِ".

 

أيها المؤمنون، ولمكانة التقوى فقد وصَّى بها الله تعالى الأولين والآخرين؛ قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ﴾ [النساء: 131]، وقد ذكر الله تعالى في كتابه الكريم أن تقواه هي وصية أنبيائه ورسله لأممهم وأقوامهم، وذلك أن تقوى الله تعالى هي قاعدة التوحيد وأساسه، فَهِيَ وَصِيَّةُ نُوحٍ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- لقومه، قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ نُوحٍ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ نُوحٌ أَلَا تَتَّقُونَ﴾ [الشعراء: 105، 106]، وَهي وَصِيَّةُ هُودٍ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- لقومه، قَالَ تعالى: ﴿كَذَّبَتْ عَادٌ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ هُودٌ أَلَا تَتَّقُونَ﴾ [الشعراء: 123، 124]، وَهي وَصِيَّةُ صَالِحٍ- عَلَيْهِ السَّلَامُ- لقومه قال تعالى: ﴿كَذَّبَتْ ثَمُودُ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ صَالِحٌ أَلَا تَتَّقُونَ﴾ [الشعراء: 141، 142]، وَهي وَصِيَّةُ لوط- عَلَيْهِ السَّلَامُ- لقومه، قال تعالى: ﴿كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ أَخُوهُمْ لُوطٌ أَلَا تَتَّقُونَ﴾ [الشعراء: 160، 161]، وَهي وَصِيَّية شعيب- عَلَيْهِ السَّلَامُ- لقومه، قال تعالى: ﴿كَذَّبَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ الْمُرْسَلِينَ * إِذْ قَالَ لَهُمْ شُعَيْبٌ أَلَا تَتَّقُونَ﴾ [الشعراء: 176، 177].

 

أيها المؤمنون، ولأهمية التقوى فقد كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يسأل ربَّه أن يجعله من المتقين، فقد كان يدعو ربَّه قائلًا: «اللهم آتِ نفسي تقواها، وزكِّها أنت خير مَنْ زكَّاها، أنت وليُّها ومولاها»؛ رواه مسلم، وكان يوصي بها أصحابه، روى الترمذي في سننه بسند حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لمعاذ بن جبل- رضي الله عنه-: «اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن»، وسأله رجل: يا رسول الله، إني أريد أن توصيني، قال: «أوصيك بتقوى الله».

 

وكان- صلى الله عليه وسلم- إذا أمَّر أميرًا على سريَّة في الجيش أوصاه في نفسه، وبخاصته، وبمن معه، بتقوى الله.

 

وتقوى الله تعالى هي وصية أصحاب رسول الله بعضهم لبعض، فلما حضرت أبا بكر الوفاة استدعى عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فلما مثل بين يديه قال له: "اتَّقِ الله يا عمر".

 

ووصَّى بها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه ولده عبدالله قائلًا: "أوصيك بتقوى الله عز وجل؛ فإنه من اتَّقاه وقاه، واجعل التقوى نصب عينيك وجلاء قلبك".

 

وكتب عمر بن عبدالعزيز- رحمه الله تعالى- إلى رجل: "أوصيك بتقوى الله عز وجل التي لا يُقبل غيرها، ولا يُرحم إلا أهلها، ولا يُثاب إلا عليها، فإن الواعظين بها كثير، والعاملين بها قليل"، ولما ولي خطب، فحمد الله وأثنى عليه وقال: "أوصيكم بتقوى الله عز وجل فإن تقوى الله خَلَف من كل سعي، وليس من تقوى الله خلف".

 

أيها المؤمنون، قد يقول قائل: ما سبب اهتمام القرآن والسنة بالتقوى؟ وللإجابة عن ذلك نقول:

إن تقوى الله تعالى إذا استقرت في قلب العبد نتجت عنها ثمار كثيرة في الدنيا والآخرة، ومن هذه الثمار أن تقوى الله تعالى هي خير زاد أمرنا الله تعالى أن نتزود به في رحلتنا إليه، قال تعالى: ﴿وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَاأُولِي الْأَلْبَابِ﴾ [البقرة: 197]، دخل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب- رضي الله عنه- المقبرة فقال: "يا أهل القبور، ما الخبر عندكم؟ إن الخبر عندنا أن أموالكم قد قُسِّمت، وأن بيوتكم قد سُكنت، وأن زوجاتكم قد زُوِّجت، ثم بكى، ثم قال: والله لو استطاعوا أن يجيبوا لقالوا: إنا وجدنا أن خير الزاد التقوى".

 

ومن ثمرات التقوى أن الله تعالى يجعل للمتقين فرجًا ومخرجًا من كل ضائقة تمر بهم ويرزقهم من حيث لا يحتسبون، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ﴾ [الطلاق: 2، 3]؛ فَاللَّهُ تَعَالَى يَجْعَلُ لِلْمُتَّقِي فَرَجًا وَمَخْرَجًا مِنْ كُلِّ شِدَّةٍ وَكَرْبٍ وَضَائِقَةٍ تنزل به، وَيَسُوقُ إِلَيْهِ الرِّزْقَ مِنْ وَجْهٍ لَا يَحْتَسِبُها وَلَا يَشْعُرُ بِهِا، بِخِلَافِ الفجرة وأهل المعاصي؛ فَإِنَّهُم إذا وقعوا فِي الشَّدَائِدِ وَالْمَكَارِهِ، وَلَا يَسْتَطِيعون التَّخَلُّصَ مِنْهَا، وَالْخُرُوجَ مِنْ عقوباته، وصدق الله القائل: ﴿وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا﴾ [الطلاق: 4].

 

أيها المؤمنون، ومن ثمرات التقوى محبة الله للمتقين؛ لقيامهم بما أمرهم الله به واجتنابهم ما نهاهم عنه، قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ﴾ [التوبة: 4]، وإذا أحَبَّ الله تعالى العبد المتقي أمر أهل السماء بمحبته؛ ففي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ الْعَبْدَ نَادَى جِبْرِيل: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحْبِبْهُ، فَيُحِبُّهُ جِبْرِيلُ، فَيُنَادِي جِبْرِيلُ فِي أَهْلِ السَّمَاء: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ فُلَانًا فَأَحِبُّوهُ، فَيُحِبُّهُ أَهْلُ السَّمَاءِ، ثُمَّ يُوضَعُ لَهُ الْقَبُولُ فِي الْأَرْضِ".

 

وهذا العبد المتقي لله تعالى يكتب الله له القبول في الأرض، ويُلقي محبته في قلوب عباده، قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدًّا﴾ [مريم: 96]؛ أَيْ: مَحَبَّةً فِي قُلُوبِ أَوْلِيَائِهِ، جاء في صحيح مسلم عَنْ أَبِي ذَرٍّ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَال: قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: أَرَأَيْتَ الرَّجُلَ يَعْمَلُ الْعَمَلَ مِنَ الْخَيْرِ، وَيَحْمَدُهُ النَّاسُ عَلَيْهِ؟ قَال: "تِلْكَ عَاجِلُ بُشْرَى المؤمن"، قال ‌هَرِمُ ‌بْنُ ‌حَيَّانَ- رَحِمَهُ اللَّهُ-: "مَا أَقْبَلَ عَبْدٌ بِقَلْبِهِ إِلَى اللَّهِ- تَعَالَى- إِلَّا أَقْبَلَ اللَّهُ بِقُلُوبِ أَهْلِ الْإِيمَانِ عَلَيْهِ حَتَّى يَرْزُقَهُ مَوَدَّتَهُمْ".

 

أيها المؤمنون، ومن ثمرات التقوى أنها سَبَبٌ لِجَلْبِ الخيرات وحصول الْبَرَكَات؛ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ﴾ [الأعراف: 96]، وما نمرُّ به هذه الأيام من جفاف وقلة أمطار وقِلَّةِ الْبَرَكَات، وَنَقْصِ الثِّمَارِ والخيرات، وَكَثْرَةِ الأمراض والْآفَاتِ؛ إِنَّمَا هُوَ نَتِيجَةٌ حَتْمِيَّةٌ لِضَعْفِ وَازِعِ التَّقْوَى عند الكثير منا، وَكَثْرَةِ الْمَعَاصِي المنتشرة في أوساط المجتمع، فلما ظهر الفساد وضعفت التقوى حلَّت العقوبة بالخلق لعلهم إليه يرجعون، وصدق الله القائل: ﴿ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾ [الروم: 41].

 

ومن ثمرات التقوى أن المتقين يحسن الله خاتمتهم، فَتتوفاهم الملائكة عَلَى أَطْيَبِ الْأَحْوَالِ، وَيُقَابَلُونَ بِالسَّلَامِ وَالْإِكْرَامِ، قال تعالى: ﴿كَذَلِكَ يَجْزِي اللَّهُ الْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ﴾ [النحل: 31، 32]، وتبشرهم الملائكة عند موتهم بخير الدنيا والآخرة، قال تعالى: ﴿أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ﴾ [يونس: 62 - 64]، فَالْبِشَارَةُ فِي الدُّنْيَا للمتقين هِيَ الثَّنَاءُ الْحَسَنُ من الخلق، وَمَا يَجده الْمتقي مِنْ لُطْفِ اللَّهِ بِهِ، وَتَيْسِيرِهِ لِأَحْسَنِ الْأَعْمَالِ وَالْأَخْلَاقِ، وَصَرْفِهِ عَنْ مَسَاوِئِ الْأَخْلَاقِ.

 

أسأل الله أن يجعلنا وإياكم من المتقين، بَارَكَ اللَّهُ لِي وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ، وَنَفَعَنِي وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيمِ.

 

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الْعَظِيمَ لِي وَلَكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله على فضله وإحسانه، وأشكره على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلَّم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:

عرفنا في الخطبة الأولى بعض ثمار التقوى في الدنيا، وبقي أن نشير إلى ثمراتها في الآخرة، فمن أعظم ثمراتها النجاة من عذاب الله في الآخرة في ذلك اليوم الرهيب العصيب، قال تعالى: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا﴾ [مريم: 71، 72].

 

ومن ثمرات التقوى في الآخرة أن المتقين تحشرهم الملائكة إلى ربهم وفودًا معززين مكرمين، قَالَ تَعَالَى: ﴿يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا﴾ [مريم: 85]، ثم بعد ذلك يساق المتقين إلى الجنة زمرًا وجماعات راكبين على النجائب، قَالَ تَعَالَى: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ﴾ [الزمر: 73]، قَالَ ابْنُ كَثِيرٍ- رَحِمَهُ اللَّهُ-: "هَذَا إِخْبَارٌ عَنْ حَالِ السُّعَدَاءِ الْمتقين حِينَ ‌يُسَاقُونَ ‌عَلَى ‌النَّجَائِبِ وَفْدًا إِلَى الْجَنَّةِ (زُمَرًا)؛ أَيْ: جَمَاعَةً بَعْدَ جَمَاعَةٍ: الْمُقَرَّبُونَ، ثُمَّ الْأَبْرَارُ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، كُلُّ طَائِفَةٍ مَعَ مَنْ يُنَاسِبُهُم: الْأَنْبِيَاءُ مَعَ الْأَنْبِيَاءِ، وَالصِّدِّيقُونَ مَعَ أَشْكَالِهِمْ، وَالشُّهَدَاءُ مَعَ أَضْرَابِهِمْ، وَالْعُلَمَاءُ مَعَ أَقْرَانِهِمْ، وَكُلُّ صِنْفٍ مَعَ صِنْفٍ، كُلُّ زُمْرَةٍ تُنَاسِبُ بَعْضُهَا بَعْضًا".

 

ثم يكون عاقبتهم في الآخرة الْفَوز بِأَعْلَى دَرَجَاتِ الْجَنَّة: قَالَ تَعَالَى: ﴿إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا﴾ [النبأ: 31]، وَقَالَ تعالى: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ * فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ﴾ [القمر: 54، 55]، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ- رَحِمَهُ اللَّهُ-: "﴿فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ﴾؛ أَيْ: مَجْلِسِ حَقٍّ لَا لَغْوَ فِيهِ وَلَا تَأْثِيمَ؛ وَهُوَ الْجَنَّةُ، ﴿عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ﴾؛ أَيْ: يَقْدِرُ عَلَى مَا يَشَاءُ، وَ﴿عِنْدَ﴾ هَا هُنَا؛ ‌عِنْدِيَّةُ ‌الْقُرْبَةِ وَالزُّلْفَةِ، وَالْمَكَانَةِ وَالرُّتْبَةِ، وَالْكَرَامَةِ وَالْمَنْزِلَةِ".

 

أيها المؤمنون، هل هناك علامات يعرف بها المتقون، وهنا نقول: إن هناك علامات يُعرَف بها المتقون، ومن هذه العلامات:

أَوَّلًا: الْإِيمَانُ بكل الغيوب التي أخبر اللهُ تعالى عنها في كتابه الكريم، ونبيُّه في سُنَّته المطهَّرة، واتباع ذلك بالأعمال الصالحة، قَالَ سُبْحَانَهُ وتعالى: ﴿ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ﴾ [البقرة: 2، 3].

 

ثَانِيًا: أن المتقي لله تعالى يسارع إلى العودة إلى الله تعالى متى ما وقع في ذنب أو معصية، قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ﴾ [الأعراف: 201].

 

ثَالِثًا: المتقي لله تعالى يعظم شعائر الله تعالى، قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ﴾ [الحج: 32].

 

رَابِعًا: أن المتقي لله تعالى عادل في كل أحواله مع أحبابه وأعدائه، قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى﴾ [المائدة: 8].

 

أيها المؤمنون، فلنجاهد أنفسنا على أن نكون من المتقين لله تعالى في كل أحوالنا، وفي سِرِّنا وعلانيتنا؛ بأن نؤدي ما يفرضه الله علينا ونترك ما حرَّمه الله ونهى عنه.

الدعاء...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • التقوى خير زاد
  • خير زاد الأنام في شهر الصيام والقيام (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • خاطرة: خير الزاد التقوى(مقالة - مكتبة الألوكة)
  • إن خير الزاد التقوى(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وتزودوا فإن خير الزاد التقوى(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وتزودوا فإن خير الزاد التقوى (WORD)(كتاب - آفاق الشريعة)
  • وتزودوا فإن خير الزاد التقوى (PDF)(كتاب - آفاق الشريعة)
  • خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوآتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير ذلك)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التقوي خير الثمرات وأفضل القربات(محاضرة - مكتبة الألوكة)
  • خير الزاد إلى يوم المعاد من غير الفريضة على هدي خير العباد (باللغة التركية PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • خير الزاد إلى يوم المعاد من غير الفريضة على هدي خير العباد - باللغة البرتغالية (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • بعد ست سنوات من البناء.. افتتاح مسجد أوبليتشاني في توميسلافغراد
  • مدينة نازران تستضيف المسابقة الدولية الثانية للقرآن الكريم في إنغوشيا
  • الشعر والمقالات محاور مسابقة "المسجد في حياتي 2025" في بلغاريا
  • كوبريس تستعد لافتتاح مسجد رافنو بعد 85 عاما من الانتظار
  • 57 متسابقا يشاركون في المسابقة الرابعة عشرة لحفظ القرآن في بلغاريا
  • طلاب هارفارد المسلمون يحصلون على مصلى جديد ودائم بحلول هذا الخريف
  • المعرض الرابع للمسلمين الصم بمدينة دالاس الأمريكية
  • كاتشابوري تحتفل ببداية مشروع مسجد جديد في الجبل الأسود

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 26/2/1447هـ - الساعة: 18:41
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب