• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    بيان اتصاف النبي صلى الله عليه وسلم بالرحمة
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    خطبة: كيف ننجح في التواصل مع الشباب؟
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    الحياة بين الإفراط والتفريط
    شعيب ناصري
  •  
    البناء والعمران بين الحاجة والترف (خطبة)
    د. مراد باخريصة
  •  
    ذكر الله خير من إنفاق الذهب والفضة
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    أين تقف حريتك؟! (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    تحريم الحلف بالطواغيت والأنداد كاللات والعزى ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    المعالجات النبوية لأزمة الفقر (خطبة)
    د. مراد باخريصة
  •  
    فوائد وأحكام من قوله تعالى: { وإذ أخذ الله ميثاق ...
    الشيخ أ. د. سليمان بن إبراهيم اللاحم
  •  
    من محاسن الدين الإسلامي وجود بدائل لكل عمل صالح ...
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    هل من خصائص النبي محمد عليه الصلاة والسلام أنه لا ...
    د. محمد بن علي بن جميل المطري
  •  
    وقفات مع شهر الله المحرم (خطبة)
    د. عبد الرقيب الراشدي
  •  
    الإيثار صفة الكرام
    الشيخ صلاح نجيب الدق
  •  
    خطبة: التدافع سنة ربانية وحكمة إلهية
    يحيى سليمان العقيلي
  •  
    خطبة: حر الصيف عبر وعظات
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    شذا الريحان من مزاح سيد ولد عدنان صلى الله عليه ...
    السيد مراد سلامة
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / منبر الجمعة / الخطب / خطب المناسبات
علامة باركود

وقفات مع شهر الله المحرم (خطبة)

ووقفات مع شهر الله المحرم (خطبة)
د. عبد الرقيب الراشدي

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 11/8/2025 ميلادي - 17/2/1447 هجري

الزيارات: 186

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

وقفات مع شهر الله المحرم

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهدِهِ الله، فلا مضلَّ له، ومن يضلل، فلا هاديَ له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ ﴾ [آل عمران: 102].

 

﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ [النساء: 1].

 

﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا ﴾ [الأحزاب: 70، 71].

 

عباد الله: اعلموا أن أصدقَ الحديث كتابُ الله، وأحسنَ الهَدْيِ هَدْيُ محمد صلى الله عليه وسلم، وشرَّ الأمور مُحْدَثاتُها، وكلَّ مُحْدَثَةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

أعاذنا الله وإياكم من البدع والضلالات والنار؛ أما بعد:

فقد روى الإمام البخاري ومسلم في صحيحيهما، عن أبي بكرة نفيع بن الحارث رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: ((إن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض: السنة اثنا عشر شهرًا، منها أربعة حرم: ثلاثة متواليات: ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرم، ورجب مضرَ الذي بين جُمادى وشعبان))، ومعنى قوله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاث متواليات)) إبطال لِما كان يفعله الناس في الجاهلية من تبديل شهر صفر بدلًا من شهر الله المحرم؛ لئلا تتوالى عليهم ثلاثة أشهر بدون قتال، فلا يجوز لأحد من الخلق أن يُحِلَّ شهرًا حرمه الله، ولا أن يحرِّم شهرًا أحلَّه الله

 

أيها المؤمنون: لا زلنا نعيش هذه الأيام في شهر الله المحرم، وهو أول أشهر السنة الهجرية، وهو شهر مبارك، وفي خطبتنا هذه سنقف مع هذا الشهر عدة وقفات:

الوقفة الأولى: أن شهر الله المحرم هو أحد الأشهر الحُرُم التي فضَّلها الله تعالى على سائر أشهر السنة، وأمرنا أن نعظِّمها، ونهانا أن نظلم فيهن أنفسنا؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ ﴾ [التوبة: 36]؛ قال قتادة: "إن الله اصطفى من الملائكة رسلًا، ومن الناس رسلًا، ومن الكلام ذِكره، ومن الأرض المساجد، ومن الأيام يوم الجمعة، ومن الليالي ليلةَ القدر، ومن الشهور رمضان والأشهر الحرم، فعظِّموا ما عظَّم الله، فإنما تعظُم الأمور بما عظمها الله تعالى عند أهل الفهم والعقل، واعلموا أن الظلم في الأشهر الحرم أعظم خطيئةً ووزرًا من الظلم فيما سواها، وإن كان الظلم على كل حال عظيمًا، ولكن الله يعظم من أمره ما شاء".

 

أيها المؤمنون: والمتأمل في ترتيب أشهر السنة الهجرية يجد أنها تبدأ بشهر حرام؛ وهو شهر الله المحرم، وتنتهي بشهر حرام؛ وهو ذو الحجة؛ وذلك رحمةً من الله بعباده، حتى يستكثروا فيهما من الأعمال الصالحة؛ قال الحسن البصري: "إن الله عز وجل افتتح السنة بشهر حرام، واختتمها بشهر حرام، فليس شهر في السنة بعد شهر رمضان، ولا أعظم عند الله من محرم".

 

ومما يدل على مكانة شهر محرم أن الله تعالى أضافه إلى نفسه إضافةَ تشريف؛ ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أفضل الصيام، بعد رمضان، شهر الله المحرم،))، فالله تعالى لا يضيف إلى ذاته إلا أشرفَ مخلوقاته؛ مثل: بيت الله وناقة الله؛ قال ابن رجب رحمه الله: "ولما كان هذا الشهر مختصًّا بإضافته إلى الله تعالى، وكان الصيام من بين الأعمال مضافًا إلى الله تعالى؛ فإنه له من بين الأعمال؛ فناسب أن يختص هذا الشهر المضاف إلى الله بالعمل المضاف إليه المختص به؛ وهو الصيام."

 

أيها المؤمنون: أما الوقفة الثانية فهي: أن الصيام في شهر الله المحرم هو أفضل الصيام بعد صيام شهر رمضان؛ ومما يدل على ذلك ما جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أفضل الصيام، بعد رمضان، شهر الله المحرم...))، وقد بيَّن الإمام القرطبي السبب في ذلك فقال: "وإنما كان هذا - والله تعالى أعلم - من أجل أن المحرم أول السنة المستأنفة التي لم يجئ بعد رمضانها، فكان استفتاحها بالصوم الذي هو من أفضل الأعمال، والذي أخبر عنه صلى الله عليه وسلم بأنه ضياء، فإذا استفتح سنته بالضياء مشى فيه بقيتها"؛ ا.هـ.

 

فالإكثار من الصيام في شهر محرم يُستحب استحبابًا شديدًا، ويتأكد هذا الاستحباب في صيام اليوم العاشر من شهر الله المحرم، وقد تحرى الرسول صلى الله عليه وسلم صيامَ هذا اليوم؛ فقد روى الإمام البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((ما رأيت النبي يتحرى صومَ يوم فضَّله على غيره إلا هذا اليوم؛ يوم عاشوراء)).

 

أيها المؤمنون: وعاشوراء يوم جليل قدرُه حتى عند أهل الجاهلية، فحينما بُعث النبي صلى الله عليه وسلم وجد أهل الجاهلية في مكة يصومونه، فصامه معهم، وكان صيامه في أول الإسلام واجبًا ثم نُسخ بعد أن فرض الله صيام رمضان؛ ومما يدل على ذلك ما رواه الإمام البخاري في صحيحه، عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه، فلما قدم المدينة صامه، وأمر بصيامه، فلما فُرض رمضان، ترك يوم عاشوراء، فمن شاء صامه، ومن شاء تركه))، وفي صحيح مسلم: ((أن أهل الجاهلية كانوا يصومون يوم عاشوراء، وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم صامه والمسلمون قبل أن يفترض رمضان، فلما افترض رمضان، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن عاشوراء يوم من أيام الله تعالى، فمن شاء صامه، ومن شاء تركه)).

 

ومما يدل على أن صيام يوم عاشوراء كان واجبًا ما جاء في الصحيحين من حديث الربيع بنت معوذ رضي الله عنها قالت: ((أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم غداة عاشوراء إلى قرى الأنصار التي حول المدينة: من كان أصبح صائمًا، فليتم صومه، ومن كان أصبح مفطرًا، فليتم بقية يومه، فكنا بعد ذلك نصومه، ونصوِّم صبياننا الصغار منهم إن شاء الله، ونذهب إلى المسجد، فنجعل لهم اللعبة من العِهن، فإذا بكى أحدهم على الطعام، أعطيناها إياه عند الإفطار، وفي رواية: فإذا سألونا الطعام، أعطيناهم اللعبة تُلهيهم حتى يتموا صومهم)).

 

أيها المؤمنون: وقد بيَّن النبي صلى الله عليه وسلم لأُمته فضلَ صيام يوم عاشوراء، وأخبر بأن صيامه يكفِّر ذنوبَ سنة كاملة؛ ففي صحيح مسلم عن أبي قتادة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((صيام يوم عاشوراء، أحتسب على الله أن يكفِّر السنة التي قبله))، وقد كان سلف هذه الأمة يحرصون على صيام عاشوراء في سفرهم وفي حضرهم، فقد كان الزهري رحمه الله تعالى يُفطر إذا سافر في رمضان، فصام عاشوراء وهو مسافر فلم يفطر، فسُئل عن ذلك قال: "إن رمضان له عدة من أيام أُخر، وعاشوراء يفوت".

 

أيها المؤمنون: ولما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة، وجد اليهود يصومون عاشوراء؛ لأن نبيَّ الله موسى صامه شكرًا لله الذي نجاه من فرعون وجنوده؛ جاء في صحيح مسلم: ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قدِم المدينة، فوجد اليهود صيامًا يوم عاشوراء، فقال: ما هذا اليوم الذي تصومونه؟! قالوا: هذا يوم عظيم أنجى الله فيه موسى وقومه، وغرَّق فرعون وقومه، فصامه موسى شكرًا، فنحن نصومه، قال الرسول صلى الله عليه وسلم: فنحن أحق وأولى بموسى منكم، فصامه صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه)).

 

وبعد أن أكمل الله تعالى لأمة الإسلام دينها، وأتم عليها نعمته، خالف صلى الله عليه وسلم اليهود في صيام يوم عاشوراء، كما خالفهم في كثير من أمور دينهم؛ ففي صحيح مسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ((حين صام رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم عاشوراء وأمر بصيامه، قالوا: يا رسول الله، إنه يوم تعظِّمه اليهود والنصارى، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فإذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع، قال: فلم يأتِ العام المقبل، حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم))، وقد أكد النبي صلى الله عليه وسلم على هذه المخالفة في أحاديث أخر؛ فقال صلى الله عليه وسلم: ((صوموا يوم عاشوراء، وخالفوا فيه اليهود، وصوموا قبله يومًا أو بعده يومًا))؛ [رواه أحمد في مسنده مرفوعًا].

 

أيها المؤمنون: استكثروا من الصيام في شهر الله المحرم، وخاصة اليوم العاشر منه، تنالوا الأجر والمثوبة من ربكم، قلت ما قد سمعتم فاستغفروا ربكم، يا فوز المستغفرين.

 

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، وأشكره على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليمًا كثيرًا؛ أما بعد:

فالوقفة الثالثة: أن شهر الله المحرم يذكِّرنا بيوم عظيم من أيام الله تعالى؛ إنه يوم عاشوراء، اليوم الذي أنجى الله فيه موسى ومن آمن معه، وأهلك فرعون وجنوده.

 

أيها المؤمنون: لقد كان فرعون مثلًا للكفر والطغيان، ورمزًا للفساد في الأرض؛ فقد أعلن الألوهية، وأعلن ذلك كما حكى الله عنه بقوله: ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي ﴾ [القصص: 38]، وقال تعالى عنه: ﴿ فَكَذَّبَ وَعَصَى * ثُمَّ أَدْبَرَ يَسْعَى * فَحَشَرَ فَنَادَى * فَقَالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى ﴾ [النازعات: 21 - 24]، ولم يكتفِ عدو الله بذلك، وحاول أن يوهم الناس بأن ما هو عليه هو سبيل الحق والرشاد؛ حتى يقنع الناس بكفره وضلاله؛ قال تعالى حكاية عن فرعون أنه قال: ﴿ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ ﴾ [غافر: 29].

 

وعندما أرسل الله إلى فرعون نبيَّه موسى عليه السلام يدعوه إلى الإيمان بالله واليوم الآخر، واتباع ما جاء به موسى عليه السلام من عند الله تعالى، لم يزدد بذلك فرعون إلا طغيانًا كبيرًا، وأخذ يكيل التهم لموسى لدعوته، وطلب تفويضًا من قومه بقتل موسى، وإراحة الناس منه ومن دعوته؛ قال تعالى حكاية عنه: ﴿ وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ ﴾ [غافر: 26].

 

ثم أظهر فساده في الأرض بأن علا في الأرض، فاستضعف بني إسرائيل؛ فقتل أبناءهم، واستحيا نساءهم؛ قال تعالى: ﴿ إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ﴾ [القصص: 4].

 

أيها المؤمنون: ورغم كل الجرائم التي ارتكبها فرعون، فلم يأخذه الله عند أول جريمة له، بل أمهله الله، لم يهمله، وتركه ولكنه لم ينسَه؛ حتى استدرجه من حيث لا يحتسب؛ ففي الصحيحين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله لَيُملي للظالم حتى إذا أخذه لم يُفلته، ثم قرأ: ﴿ وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ ﴾ [هود: 102]، وفي ليلة من ليالي شهر الله المحرم أمر الله تعالى نبيه موسى عليه السلام أن يخرج مع قومه إلى الأرض المقدسة؛ ليعبدوا الله فيها، فلما بلغ فرعون ذلك الخبر، أبى لكِبره وطغيانه أن يخلي بينهم وبين عبادة الله تعالى، وقرر فرعون أن يقضي على موسى ومن آمن معه، فخرج ومن معه من الجند، فأدرك موسى ومن معه عند شاطئ البحر، فلما رآهم قوم موسى بلغ الخوف بهم منتهاه؛ إذ البحر من أمامهم، وفرعون وجنوده من ورائهم، فأيقنوا بالهلاك، وقالوا لموسى: ﴿ إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ﴾ [الشعراء: 61]، فقال لهم موسى عليه السلام قولة الواثق بربه: ﴿ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾ [الشعراء: 62]، فكان أمر الله له أن ﴿ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ ﴾ [الشعراء: 63]، فضرب موسى البحر ﴿ فَانْفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ * وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الْآخَرِينَ * وَأَنْجَيْنَا مُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ ﴾ [الشعراء: 63 - 65]، وقال تعالى: ﴿ وَاسْتَكْبَرَ هُوَ وَجُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنَا لَا يُرْجَعُونَ * فَأَخَذْنَاهُ وَجُنُودَهُ فَنَبَذْنَاهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ ﴾ [القصص: 39، 40]؛ قال ابن كثير: إن فرعون خرج في محفل عظيم وجمع كبير من أولي الحل والعقد والدول، من الأمراء والوزراء والكبراء، والرؤساء والجنود، فجُوزي في نفسه وجنده بما أراد لهم، فخرجوا من النعيم الذي كانوا فيه، وتركوا تلك المنازل العالية والبساتين والأنهار، والأموال والأرزاق، والملك والجاه الوافر في الدنيا؛ كما قال تعالى: ﴿ وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ ﴾ [الأعراف: 137].

 

أيها المؤمنون: أهلك الله فرعون وجنوده، ونجى موسى ومن آمن معه في العاشر من شهر الله المحرم، كما أخبر عن ذلك نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي سبق ذكره، وفي هذا بيان أن الصراع بين الحق والباطل مستمر إلى قيام الساعة،، وما قصَّه الله تعالى علينا في كتابه الكريم من قصة موسى وفرعون إلا مثالًا لهذا الصراع، وأهل الحق مهما أصابتهم محن وبلايا، فإن عاقبة أمرهم إلى خير، وأهل البغي والطغيان مهما تجبروا، فإن مصيرهم إلى الهلاك والزوال، ونهايتهم لن تختلف كثيرًا عن نهاية فرعون وجنوده، ولعل ما يمر به أهل غزة من ظلم واضطهاد على أيدي اليهود مقدمة لزوال هذا الظلم والطغيان، وبداية لتمكين المستضعفين من أهل الإيمان في غزة وفلسطين؛ وصدق الله القائل: ﴿ وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُونَ ﴾ [القصص: 5، 6]، فيوم عاشوراء فيه تذكير لأهل الإيمان أن الله معهم ناصرًا ومعينًا، مهما تجبر الفراعنة وطغَوا، فلا بد للحق أن ينصره الله مهما استُضعف أتباعه، ولا بد للباطل أن يزهق مهما بلغت قوته وسطوته؛ وصدق الله القائل: ﴿ بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ ﴾ [الأنبياء: 18]، فإذا أزهق الله الباطل تمت نعمة الله على عباده المؤمنين، وكان واجبًا عليهم حمدُ الله وشكره على ما منَّ به عليهم من نصر وتمكين؛ وصدق الله القائل: ﴿ فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الأنعام: 45].

 

عباد الله: اجتهدوا في شهر الله المحرم بعبادة الصيام، وخصوا بذلك صيام العاشر منه، وثقوا بنصر الله لدينه ولعباده المؤمنين في كل زمان ومكان، متى ما تحققوا بالأسباب الموجبة للنصر والتمكين، وثقوا بأن الله الذي أهلك فراعنة الماضي قادر على إهلاك الصهاينة فراعنةِ عصرنا، وما ذلك على الله بعزيز.

 

الدعاء...





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • شهر الله المحرم وقفات وعبر
  • شهر الله المحرم سننه وبدعه (خطبة)
  • شهر الله المحرم
  • فضل شهر الله المحرم
  • وقفات مع شهر الله المحرم ويوم عاشوراء (خطبة)
  • خطبة: شهر الله المحرم وفضائله
  • فضل صيام شهر الله المحرم
  • محاسبة النفس في ضوء الكتاب والسنة وأحكام شهر الله المحرم (خطبة)

مختارات من الشبكة

  • وقفات مع اسم الله العليم (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: وقفات مع اسم الله العدل(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات مع الذكاء الاصطناعي (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الذكاء الاصطناعي بين نعمة الشكر وخطر التزوير: وقفة شرعية (خطبة)(مقالة - موقع د. صغير بن محمد الصغير)
  • وقفات تربوية مع سورة التكاثر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة شهر صفر 1445هـ(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات مع نهاية العام وتقارب الزمان، والتذكير بفضل شهر الله المحرم (خطبة)(مقالة - موقع الشيخ عبدالرحمن بن سعد الشثري)
  • وقفات مع شهر الله المحرم رجب(مقالة - ملفات خاصة)
  • خطبة: كيف ننجح في التواصل مع الشباب؟(مقالة - آفاق الشريعة)
  • خطبة: كيف أتعامل مع ولدي المعاق؟(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • نواكشوط تشهد تخرج نخبة جديدة من حفظة كتاب الله
  • مخيمات صيفية تعليمية لأطفال المسلمين في مساجد بختشيساراي
  • المؤتمر السنوي الرابع للرابطة العالمية للمدارس الإسلامية
  • التخطيط لإنشاء مسجد جديد في مدينة أيلزبري الإنجليزية
  • مسجد جديد يزين بوسانسكا كروبا بعد 3 سنوات من العمل
  • تيوتشاك تحتضن ندوة شاملة عن الدين والدنيا والبيت
  • مسلمون يقيمون ندوة مجتمعية عن الصحة النفسية في كانبرا
  • أول مؤتمر دعوي من نوعه في ليستر بمشاركة أكثر من 100 مؤسسة إسلامية

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 16/2/1447هـ - الساعة: 16:2
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب