• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    {وشاورهم في الأمر}
    د. خالد النجار
  •  
    بين عام غابر، وعام زائر (خطبة)
    وضاح سيف الجبزي
  •  
    الهجرة النبوية والأمل
    د. حسام العيسوي سنيد
  •  
    النظام في هدي خير الأنام صلى الله عليه وسلم
    السيد مراد سلامة
  •  
    أسباب النجاة
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    خطبة: {وأنيبوا إلى ربكم} (باللغة البنغالية)
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    تخريج حديث: رأيت ابن عمر أناخ راحلته مستقبل
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    كف الأذى عن الناس (خطبة)
    خالد سعد الشهري
  •  
    كن ذكيا واحذر الذكاء الاصطناعي (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    من استعاذة الرسول صلى الله عليه وسلم
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (القاهر، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    منزلة الأخلاق في الإسلام
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    التحرير في حديث توسل الضرير (WORD)
    إبراهيم الدميجي
  •  
    فوائد من حديث: «ولم يكمل من النساء إلا...»
    محفوظ أحمد السلهتي
  •  
    حديث: دخل رمضان فخفت أن أُصيب امرأتي، فظاهرت منها
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    حقوق المرأة (2)
    د. أمير بن محمد المدري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن
علامة باركود

{وشاورهم في الأمر}

{وشاورهم في الأمر}
د. خالد النجار

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 27/7/2025 ميلادي - 2/2/1447 هجري

الزيارات: 147

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ

 

يقول تعالى:﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾[آل عمران: 159].

 

﴿ وَشَاوِرْهُمْ ﴾: المشورة: هي استطلاع الرأي، بحيث يُعرض الشيء على المستشار؛ ليستطلع الرأي وينظر ما رأيه فيه، والمستشار مؤتَمن يجب عليه أن يؤدي الأمانة على الوجه الذي يرى أنه أصلَح لمستشيره.


والمشاورة مشتقة من (شار الدابة): إذا اختبر جريَها عند العرض على المشتري، وفعل شار الدابة مُشتق من (المشوار)، وهو المكان الذي تَركُض فيه الدواب.


فضمير الجمع في قوله:﴿ وَشَاوِرْهُمْ ﴾ عائد على المسلمين خاصة؛ أي: شاوِر الذين أسلموا مِن بين مَن لِنتَ لهم؛ أي: لا يَصُدُّك خطلُ رأيهم فيما بدا لهم يوم أُحد عن أن تستعين برأيهم في مواقع أخرى، فإنما كان ما حصل فلتةٌ منهم، وعثرة قد أَقَلْتَهم منها.

 

﴿ فِي الْأَمْرِ ﴾ في الأمر العام المشترك، بدليل قوله تعالى:﴿ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ﴾ [الشورى: ۳۸]، وإنما تكون المشاورة في الأمر المهم المشكل مِن شؤون المرء في نفسه، أو شؤون القبيلة، أو شؤون الأمة.


وجاء الكلام على أحسن النسق، وذلك أنه أولًا أُمِرَ بالعفو عنهم فيما يتعلق بخاصَّةِ نفسه، فإذا انتهَوا إلى هذا المقام، أمر أن يستغفرَ لهم ما بينهم وبين الله تعالى، لتنزاح عنهم التبعاتُ، فلما صاروا إلى هنا أُمِرَ بأن يشاوروهم في الأمرِ إذا صاروا خالصين من التبعتين، مُصَفَّيْنَ منهما.

 

واتَّفقوا على أنَّ كلَّ ما نزل فيه وحي من عند الله، لم يَجُز للرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يشاورَ الأمةَ فيه؛ لأن النصَّ إذا جاء بطَل الرأي والقياس، فالأمرُ هنا - وإن كان عامًّا - المراد به الخصوص.

 

قال أبو البقاء: الأمر هنا للجنس، وهو عامٌّ يُراد به الخاصُّ؛ لأنه لم يُؤمَر بمشاورتهم في الفرائض، ولذلك قرأ ابن عباسٍ: في بعض الأمر وهذا تفسيرٌ لا تلاوةٌ.

 

قال مقاتل وقتادة والربيع: كانت سادات العرب إذا لم يشاوروا في الأمر شَقَّ عليهم، فأمر الله النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أن يشاورهم في الأمر الذي يريده، فإن ذلك أعطف لهم عليه، وأذهَبُ لأضغانهم وأطيبُ لأنفسهم، وإذا شاورهم عرَفوا إكرامه لهم، وأن القوم إذا عزموا وأرادوا بذلك وجهَ الله تعالى، عزم الله لهم على الأرشد.

 

وقال الشافعي رحمه الله: ونظير هذا قول النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (وَالْبِكْرُ تُسْتَأْمَرُ فِي نَفْسِهَا، وَإِذْنُهَا صُمَاتُهَا)؛ [أحمد]، إنما أُمرنا باستئذانها لاستطابة نفسها، وأنها لو كرِهت كان للأب أن يزوِّجها، وكمشاورة إبراهيم - عليه السلام - ابنه حين أُمر بذبحه، وقال الحسن: قد علم الله أنه ما به إليهم حاجة، ولكنه أراد أن يستنَّ به من بعده.

 

وقد أثنى الله تعالى على أهل المشاورة من الأنصار، فقال جل ذكره: ﴿ وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ﴾ [الشورى:38].

 

قال ابن كثير: "كان رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يشاور أصحابه في الأمر إذا حَدَث تطييبًا لقلوبهم؛ ليكونوا فيما يفعلونه أنشطَ لهم، كما شاوَرهم يوم بدر في الذهاب إلى العير، فقالوا: يا رسول الله، لو استعرضت بنا عُرْض البحر لقطَعناه معك، ولو سِرت بنا إلى بَرْك الغِمَاد لسِرنا معك، ولا نقول لك كما قال قوم موسى لموسى: ﴿ فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ﴾ [المائدة: 24]، ولكن نقول: "اذهَب، فنحن معك وبين يديك وعن يمينك وعن شمالك مقاتلون".

 

وشاورهم أيضًا أين يكون المنزل؟ حتى أشار المنذر بن عمرو بالتقدم إلى أمام القوم، وشاوَرهم في أُحد في أن يقعد في المدينة أو يخرج إلى العدو، فأشار جمهُورُهم بالخروج إليهم، فخرج إليهم، وشاورهم يوم الخندق في مصالحة الأحزاب بثلث ثمار المدينة عامئذ، فأبى عليه ذلك السَّعْدَان: سعدُ بن معاذ، وسعدُ بن عُبَادة، فترك ذلك.

 

وشاورهم يومَ الحُدَيبية في أن يَميل على ذَرَاري المشركين، فقال له الصديق: إنا لم نَجئ لقتال أحدٍ، وإنما جئنا معتمرين، فأجابه إلى ما قال، وقال عليه السلام في قصة الإفك: (أشِيروا عَلَيَّ مَعْشَرَ الْمُسْلِمينَ فِي قَوْمٍ أبَنُوا أهلِي ورَمَوهُم، وايْمُ اللهِ مَا عَلِمْتُ عَلَى أهْلِي مِنْ سُوءٍ، وأبَنُوهم بمَنْ واللهِ مَا عَلِمْتُ عَلَيْهِ إلا خَيْرًا).

 

واستشار عليًّا وأسامة في فراق عائشة رضي الله عنها، فكان - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يشاورهم في الحروب ونحوها".

 

والفائدة في أمر اللهِ لرسوله بالمشاورة من وجوه:

الأول: أن مشاورة الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إياهم توجب عُلوَّ شأنهم، ورِفعة درجتهم، وذلك يقتضي شدةَ محبتهم له، فلو لم يفعل ذلك لكان ذلك إهانةً بهم، فيحصل سوء الخلقِ والفظاظة.

 

الثاني: أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وإن كان أكملَ الناس عقلًا، إلا أن عقول الخلق غير متناهية، فقد يخطر ببال إنسانٍ من وجوه المصالح ما لا يخطر ببال آخرَ، لا سيما فيما يتعلق بأمور الدنيا؛ كما قال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (مَا كَانَ مِنْ أَمْرِ دُنْيَاكُمْ فَأَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ، وَمَا كَانَ مِنْ أَمْرِ دِينِكُمْ فَإِلَيَّ)؛ [أحمد بسند صحيح].

 

الثالث: قال الحسنُ وسفيانُ بن عيينة إنما أمر بذلك؛ ليقتدي به غيره في المشاورة، ويَصير ذلك سُنة في أُمته.

 

الرابع: أن النبيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شاورهم في واقعة أُحُد، فأشاروا عليه بالخروج، وكان ميله إلى ألا يَخرج، فلما خرَج وقَع ما وقع، فلو ترَك مشاورتهم بعد ذلك، لكان ذلك يدل على أنه بَقِيَ في قلبه منهم - بسبب مشاورتهم - بقيةُ أثرٍ، فأمره الله تعالى بمشاورتهم بعد تلك الواقعةِ؛ ليدل على أنه لم يَبْقَ في قلبه أثرٌ من تلك الواقعة.

 

الخامس: أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أمر بمشاورتهم، لا ليستفيد منهم رأيًا وعِلْمًا، بل ليعلم مقادير عقولهم وعلمهم، فيُنزلهم منازلهم على قدر عقولهم وعلمهم.

 

السادس: أن الأمر بمشاورتهم لا لأجل أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - محتاج إليهم، ولكن لأجل أنه إذا شاوَرهم في الأمر اجتهد كلُّ واحد منهم في استخراج الوجه الأصلح في تلك الواقعة، فتَصير الأرواح متطابقةً متوافقةً على تحصيل أصلح الوجوه فيها، وتطابُق الأرواح الطاهرة على الشيء الواحد مما يُعين على حصوله، وهذا هو السرُّ عند الاجتماع في الصلوات، وهو السرُّ في أن صلاة الجماعة أفضل من صلاة المنفرد.

 

السابع: قال الخفاجي: "في الآية إرشادٌ إلى الاجتهاد وجوازه بحضرته - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ".

 

وقال الرازي: "دلت على أنه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كان مأمورًا بالاجتهاد إذا لم ينزل عليه الوحي، والاجتهاد يتقوَّى بالمناظرة والمباحثة، فلهذا كان مأمورًا بالمشاورة".

 

أقوال العلماء في حكم الشورى:

اختلف العلماء في حكم الشورى على قولين:

الأول: ذهب المالكية والأحناف إلى القول بوجوب الشورى وعمومها في كل شيء من مصالح المجتمع، ابتداءً من رضاعة الطفل عند اختلاف الأبوين: ﴿ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا ﴾ [البقرة:233]، وانتهاءً بأمور الأمة المهمة، ﴿ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ﴾ [الشورى:38].

 

قال ابن عطية في تفسيره: "الشورى من قواعد الشريعة وعزائم الأحكام، ومَن لا يستشير أهل العلم والدين، فعزلُه واجبٌ لا اختلاف فيه".

 

وقال ابن خويز منداد: "واجبٌ على الولاة مشاورةُ العلماء فيما لا يعلمون، وفيما أشكَل عليهم من أمور الدين، وفيما يتعلق بمصالح العباد والبلاد".

 

وأشار ابن العربي إلى وجوبها، وأنها سببٌ للصواب، فقال: "والشورى مِسبار العقل وسببُ الصواب"؛ أي: يشير إلى أننا مأمورون بتحرِّي الصواب في مصالح الأمة، وما يتوقف عليه الواجب، فهو واجبٌ.

 

وقال الفخر الرازي: ظاهرُ الأمر أنه للوجوب، ولم يَنسب العلماء للحنفية قولًا في هذا الأمر، إلا أن الجصاص قال في كتابه «أحكام القرآن» عند قوله تعالى: ﴿ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ﴾: هذا يدل على جلالة موقع المشورة لذكرها مع الإيمان وإقامة الصلاة، ويدل على أننا مأمورون بها، ومجموع كلامَي الجصاص يدل على أن مذهب أبي حنيفة وجوبها.

 

وقال النووي، في صدر كتاب الصلاة من شرح مسلم: "الصحيح عندهم وجوبها، وهو المختار".

 

وقد شاوَر الرسول أصحابه في الحرب يوم بدر وأُحد، وتشاور الصحابة في الخلافة من بعده، وفي الحروب، وفي ميراث الجد، ونفقة المطلقة... إلخ.

 

الثاني: ذهب الشافعية (الأم 5 /18) والحنابلة (المغني 14 /26) إلى أن الشورى مستحبة للحاكم إن احتاج إلى الاجتهاد؛ لقوله تعالى: ﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ ﴾، وإنما أُمِـر بها الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تطييبًا لنفوس أصحابه.

 

وردَّ هذا أبو بكر أحمد بن علي الرازي الحنفي المعروف بالجصاص بقوله: "لو كان معلومًا عندهم أنهم إذا استفرَغوا جهدهم في استنباط الصواب عما سُئلوا عنه، ثم لم يكن معمولًا به، لم يكن في ذلك تطييبٌ لنفوسهم ولا رفعٌ لأقدارهم، بل فيه إيحاشُهم وعدمُ معاودة الشورى مرة أخرى؛ حيث لم يأخُذ بقولهم، فمشاورتهم لم تُفِد شيئًا، فهذا تأويلٌ ساقط".

 

واستدلوا أيضًا بحديث معاذ بن جبل لَما بعَثه الرسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلى اليمن، فسأله: (بِمَ تَحكُم؟ قال: بكتاب الله، قال: فإن لم تجد؟ قال: بسنة رسول الله، قال: فإن لم تجد؟ قال: أجتهد رأيي ولا آلو، قال رسول الله: الحمد لله الذي وفَّق رسولَ رسولِ الله إلى ما يحب رسوله)؛ [رواه أحمد بسند ضعيف].

 

والذي يظهر رُجحان القول الأول القائل بالوجوب، وما استدل به القائلون الآخرون غير وجيه؛ فإن حديث معاذ مختلف في إسناده، والأرجح ضَعفُه.

 

وعلى فرض صحته، فلا دليل فيه؛ لأن المنصوص عليه في الكتاب والسنة ليس محلًّا للتشاور، وإنما التشاور فيما لا نصَّ فيه وفيه للرأي مجالٌ، والشورى جاء النص على الأمر بها كما في سورتي آل عمران والشورى.

 

ويقال أيضًا: إن حديث معاذ ورد في مجال الحكم بين الخصمين، وهذا أخصُّ من الشورى، ثم على الفرض والجدل بأن مشاورة الوالي لأهل العلم والرأي غير واجبة، إنما هي في حق الوالي العالم المجتهد الذي يَعرف الحكم بدليله.

 

أما الحُكام (السياسيون) اليوم، فليسوا علماء بالشرع أصلًا، فكيف يقال: إن المشاورةَ في حقِّهم غيرُ واجبةٍ؟!

 

وفي صحيح البخاري: «باب قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ﴾ ﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ﴾، وَأَنَّ الْمُشَاوَرَةَ قَبْلَ الْعَزْمِ وَالتَّبَيُّنِ لِقَوْلِهِ: ﴿ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ﴾، فَإِذَا عَزَمَ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَكُنْ لِبَشَرٍ التَّقَدُّمُ عَلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَشَاوَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْحَابَهُ يَوْمَ أُحُدٍ فِي الْمُقَامِ وَالْخُرُوجِ فَرَأَوْا لَهُ الْخُرُوجَ فَلَمَّا لَبِسَ لَأْمَتَهُ وَعَزَمَ قَالُوا أَقِمْ فَلَمْ يَمِلْ إِلَيْهِمْ بَعْدَ الْعَزْمِ، وَقَالَ: (لَا يَنْبَغِي لِنَبِيٍّ يَلْبَسُ لَأْمَتَهُ فَيَضَعُهَا حَتَّى يَحْكُمَ اللَّهُ).

 

وَشَاوَرَ عَلِيًّا وَأُسَامَةَ فِيمَا رَمَى بِهِ أَهْلُ الْإِفْكِ عَائِشَةَ، فَسَمِعَ مِنْهُمَا حَتَّى نَزَلَ الْقُرْآنُ فَجَلَدَ الرَّامِينَ، وَلَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى تَنَازُعِهِمْ، وَلَكِنْ حَكَمَ بِمَا أَمَرَهُ اللَّهُ.

 

وَكَانَتْ الْأَئِمَّةُ بَعْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَشِيرُونَ الْأُمَنَاءَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ فِي الْأُمُورِ الْمُبَاحَةِ لِيَأْخُذُوا بِأَسْهَلِهَا فَإِذَا وَضَحَ الْكِتَابُ أَوْ السُّنَّةُ لَمْ يَتَعَدَّوْهُ إِلَى غَيْرِهِ اقْتِدَاءً بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

 

وَرَأَى أَبُو بَكْرٍ قِتَالَ مَنْ مَنَعَ الزَّكَاةَ فَقَالَ عُمَرُ: كَيْفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَإِذَا قَالُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا وَحِسَابُهُمْ عَلَى اللَّهِ) فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ وَاللَّهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ مَا جَمَعَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ثُمَّ تَابَعَهُ بَعْدُ عُمَرُ فَلَمْ يَلْتَفِتْ أَبُو بَكْرٍ إِلَى مَشُورَةٍ إِذْ كَانَ عِنْدَهُ حُكْمُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الَّذِينَ فَرَّقُوا بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَأَرَادُوا تَبْدِيلَ الدِّينِ وَأَحْكَامِهِ وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ)، وَكَانَ الْقُرَّاءُ أَصْحَابَ مَشُورَةِ عُمَرَ كُهُولًا كَانُوا أَوْ شُبَّانًا وَكَانَ وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ؛ انتهى.

 

وقال ابن عاشور: وأخرج الخطيب عن علي - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قال: قلت: يا رسول الله، الأمر يَنزل بعدك لم ينزل فيه القرآن، ولم يُسمَع منك فيه شيءٌ، قال: (اجمعوا له العابدَ من أمتي، واجعلوه بينكم شورى، ولا تَقضوه برأي واحد).

 

واستشار أبو بكر في قتال أهل الردة، وتشاور الصحابة في أمر الخليفة بعد وفاة النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وجعل عمر - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - الأمر شورى بعده في ستة عيَّنهم، وجعل مراقبة الشورى لخمسين من الأنصار، وكان عمر يكتب لعمَّاله يأمرهم بالتشاور، ويتمثل لهم في كتبه بقول الشاعر:

خليليَّ ليس الرأي في صدر واحدٍ
أَشِيرَا عليَّ بالذي تَريان

هذا والشورى مما جبَل الله عليه الإنسان في فطرته السليمة؛ أي: فطرة على محبة الصلاح وتطلُّب النجاح في المساعي، ولذلك قرَن الله تعالى خلقَ أصل البشر بالتشاور في شأنه؛ إذ قال للملائكة: ﴿ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ﴾ [البقرة:30]، إِذْ قَدْ غَنِيَ اللَّهُ عن إعانة المخلوقات في الرأي، ولكنه عرَض على الملائكة مراده؛ ليكون التشاور سنةً في البشر، ضرورة أنه مقترن بتكوينه، فإن مقارنة الشيء للشيء في أصل التكوين يوجِب إلفَه وتعارفه، ولما كانت الشورى معنًى من المعاني لا ذات لها في الوجود، جعل الله إلفَها للبشر بطريقة المقارنة في وقت التكوين، ولم تزل الشورى في أطوار التاريخ رائجة في البشر، فقد استشار فرعون في شأن موسى عليه السلام فيما حكى الله عنه بقوله: ﴿ فَمَاذَا تَأْمُرُونَ ﴾ [الأعراف:110]، واستشارت بلقيس في شأن سليمان عليه السلام فيما حكى الله عنها بقوله: ﴿ قَالَتْ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنْتُ قَاطِعَةً أَمْرًا حَتَّى تَشْهَدُونِ ﴾ [النمل:32].

 

وإنما يُلْهِي النَّاسَ عَنْهَا حُبُّ الِاسْتِبْدَادِ، وكراهية سماع ما يخالف الهوى، وذلك من انحراف الطبائع وليس من أصل الفطرة، ولذلك يُهرَع المستبدُّ إلى الشورى عند المضائق؛ قال ابن عبد البر في بهجة المجالس: الشورى محمودة عند عامة العلماء، ولا أعلم أحدًا رضي الاستبداد إلا رجلًا مفتونًا مخادعًا لمن يطلب عنده فائدة، أو رجلًا فاتكًا يحاول حين الغفلة، وكلا الرجلين فاسق، ومثل أولهما قول عمر بن أبي ربيعة:

واستبدَّت مرةً واحدة
إنما العاجزُ مَن لا يَستبد

قال تعالى: ﴿ وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ﴾ [الشورى:38]، هذا خبرٌ يُراد به الأمر، ومجيء (شورى) بين إقامة الصلاة والإنفاق في سبيل الله، فيه إشارة إلى معانٍ لطيفة؛ منها:

1- الصلاة أقوال وأفعال، وكذلك الشورى هي أقوال تعقُبها أفعال.

 

2- الصلاة تُؤدى جماعةً وفُرَادى، وفي حال انفراد المصلي له أن يؤديها كيف شاء من طول وقِصر في القراءة والسجود والركوع والقيام، أما في حال أدائها جماعةً، فليس له أن يُفارِقَهم قبل تمام الصلاة، وكذلك الشورى فلا يجوز للفرد أن يَعتدَّ برأيه ويستقل به عن جماعة أهل الشورى، وله بمفرده أن يَختار لنفسه أحدَ الآراء والأقوال، ويعمل بها لنفسه.

 

3- والصلاة فريضة عامة تجب على الرجل والمرأة على السواء، وكذلك الشورى، ولعل تنكير (شورى) دليلٌ على إطلاقها وعمومها، يشمل كلَّ شيء يحتاجه المسلمون مما لم ينص عليه في الشرع.

 

4- إذا كانت الصلاة يجب أن يَسبِقَها الطهور والوضوء، فإن الشورى يجب أن يسبقها القصدُ الحسن والنصيحة الصادقة، ولا تكون النصيحة صادقة حتى تخرُج من قلب سليم.

 

5- الصلاة لها وقت تُؤدَّى فيه، ولا يجوز تأخيرُها عن وقتها، بل توعَّد الله مَن أخَّرها عن وقتها بالنار، فقال: ﴿ فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ ﴾ [الماعون:4-5]، وكذلك الشورى لا يجوز تأخيرُها عن وقتها إذا طُلبت، أو حزب المسلمين أمرٌ فتداعَوْا للنظر فيه، فإن تأخيرها سببٌ للإثم والفساد.

 

وتُشبه الشورى الإنفاق من وجوه:

1- جعل الله الشورى نفقة يُنفقها المسلم والمسلمة لمصلحة المسلمين مما عنده من عقل وعلم ومعرفةٍ وأدب وحكمةٍ وفنٍّ، كما ينفق الرجل من ماله على الضعيف المستحق.

 

2- عبرت الآية بـ (الإنفاق) دون (الزكاة)؛ حيث لم يُجعل للشورى حدٌّ أو حال يوقَف عنده، كما حدَّد الله للزكاة نصابًا معلومًا، بل جعل الله الشورى؛ كالصدقة المطلقة يثاب عليها صاحبها بكل وقت، وعند كلِّ مَقولة.

 

3- وجاءت (ما) التبعيضية في قوله: ﴿ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ ﴾؛ أي: فكما أنه لا يجوز للإنسان أن يتصدَّق أو ينفق كلَّ ماله، وإنما يُبقي لأهله وولده ما يَكفيهم، فكذلك في الشورى على المسلم ألا يُثير في مشورته ما لا يخدم الأمر المطروح للتشاور، فيشوِّش الأمر أو يُشتِّته.

 

4- من الإعجاز في مجيء الشورى بعد الصلاة في الآية - أن وقوعها عادةً في عهد رسول - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قبل الصلاة أو بعدها، وكان ينادي للأمر المراد التشاور فيه بـ (الصلاة جامعة).

 

5- لم تُشر الآية ولم تتعرَّض السُّنة لشكل أو آلية الشورى في الإسلام، بل هو متروك للناس يختارون منهما ما يناسب الحال والزمان والمكان.

 

وعلى هذا فالمسلمون مطالبون ديانةً - كما هم مطالبون سياسة وتدبيرًا - أن يتشاوَرُوا بينهم في كل ما ينفَعهم ويقوِّيهم، ويدفَع عنهم الضعف والأذى في أمر الدين والدنيا.

 

وفي آية آل عمران أُمر الرسول بالمشاورة لمن يراه من آحاد الناس دون الشورى؛ لأنها له غير ملزمة، والمؤمنون أمَرهم الله بالشورى فيما بينهم وجوبًا عينيًّا حينًا كالصلاة والزكاة، واستحبابًا حينًا آخر كالنفقة؛ (أي: إن الله أمرهم بالشورى عامة نصًّا، وبالمشاورة الخاصة ضمنًا).

 

ووجه ذلك أن الأنبياء لا يستمدون قيادتهم وسياستهم من الأمة، وإنما يستمدون الأحكام من الله بالوحي؛ لأن ما جاء به الأنبياء أمرٌ شرعي عقدي، ﴿ فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ﴾ [النساء:65]، فطاعتُهم طاعةٌ لله ﴿ مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ ﴾ [النساء:80]، وبيعةُ الناس لهم على السمع والطاعة بيعةٌ لله فيما يُحبون ويكرهون، ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ ﴾ [الفتح:10]، فولايةُ الأنبياء على الناس نصٌّ من الله لا يتطرَّق إليها نظرٌ أو اجتهاد.

 

وفي الحديث: (أما بعد، فإني استعمل منكم رجالًا على أمور مما ولَّاني الله، فيأتي أحدكم فيقول: وهذا أحبُّ إليَّ...)، ووجه الاستدلال: أن الرسول أسنَد ولايته مباشرة إلى الله جل جلاله، لا إلى الأمة والشعب.

 

أما غير الأنبياء، فيستمدون حكمهم وشرعية سياستهم وإدارة شؤونهم من الخلق لا من الخالق، ومن ادَّعى منهم أنه يستمد قوته وصلاحياته من الله، فهو دجال كذَّاب كما تقول الكنيسة وأهل التصوف والاتحاد.

 

وجاءت الدلالة الصرفية للفعل ﴿ شاورهم ﴾ على وزن ( فاعَلَ)، تقول: شاور مشاورة، وهذا ما تُحمل عليه آية آل عمران، بخلاف كلمة (الشورى) في سورة الشورى، فإنها تعني العموم لكل ما تشمله الكلمة (الشورى)، ومما يُدركه الناس بعقولهم في أمور مصالحهم ومعاشهم، ﴿ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ﴾: الجملة اسمية تدل على الثبوت والدوام، بخلاف ﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ﴾، فهي جملة فعلية تدل على الحدوث والتجدُّد حسب الأحوال، واللام في (الأمر) في آية آل عمران للعموم، وتدخُل الاستشارة في أمر القتال دخولًا أوليًّا، وكذلك الضمير في قوله: ﴿ وشَاوِرْهُمْ ﴾ يشمل عامة المسلمين ممن في مشورتهم ترضيةٌ للنفوس، وفي رأيهم مصلحةٌ للناس ولو كانوا منافقين؛ كما هو معلوم مِن استشارة الرسول لعبد الله بن أبي بن سلول يوم أُحد.

 

والخلاصة:

• قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر وعمر: (لو اجتمعتما في مشورة ما خالفتُكما)، وهذا يشير إلى أن الأغلبية في الشورى هي الثلثان!

 

• قال علي بن أبي طالب في تفسير قوله تعالى: ﴿ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ ﴾، قال: "مشاورة أهل الرأي ثم اتِّباعهم"، ومعنى هذا أن عدم الأخذ بالأكثرية بالشورى يُلغيها.

 

• والشورى في بناء السلطة واجبة ابتداءً ملزمة انتهاءً.

 

• مشاورة ولي الأمر لمن دونه واجبة عليه، ومُلزمة له في الأمور الكبيرة العظيمة التي فيها صلاح المجتمع وقوته، وغير مُلزمة له في أمور وصلاحيات لا تَضُرُّ بالمجتمع.

 

قال بشار بن برد:

إذا بلَغ الرأي المشورة فاستعِنْ
برأي نصيحٍ أو نصيحةِ حازمِ
ولا تَحسَب الشورى عليك غَضاضةً
مكانَ الخوافي قوةٌ للقوادمِ

 

• قال ابن عثيمين: إذا صدر من المستشارين أمرٌ يكون كاشفًا للرأي، ليس بملزم لولي الأمر؛ لأنه لو كان ملزمًا لكان الحكم بأيدي جماعة، والحكم بيد واحدٍ، لكن يجب على المستشير أن يتَّبع ما يرى أنه أصلحُ، ولا يجوز أن ينتصر لرأيه لأنه رأيه، بل الواجب عليه - لحق الله ولحقِّ مَن ولَّاهم الله عليه - أن يتَّبع ما هو أصلحُ.

 

﴿ فَإِذَا عَزَمْتَ ﴾ بعد المشاورة على أمر واطمأَنَّت به نفسك.. والعزيمة: "عقد النية على إتمام الأمر" بعد الاستشارة.

 

﴿ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ﴾: والتوكلُ حقيقتُه الاعتماد، وهو هنا مجاز في الشروع في الفعل مع رجاء السداد فيه من الله، وهو شأنُ أهل الإيمان، فالتوكل انفعالٌ قلبي عقلي يتوجه به إلى الله راجيًا الإعانة، ومستعيذًا من الخيبة والعوائق، وربما رافَقه قولٌ لساني، وهو الدعاء بذلك.

 

فالتقدير: فإذا عزَمت بعد الشورى على الأمر؛ أي: تبيَّن لك وجهُ السداد فيما يجب أن تسلكه، فعزَمت على تنفيذه، فتوكَّل على الله وبادِر ولا تتأخَّر؛ لأن للتأخير آفات، والتردد يُضيِّع الأوقات، هذا سواء كان على وَفق بعض آراء أهل الشورى، أم كان رأيًا آخرَ لاح سدادُه، فقد يخرج من آراء أهل الشورى رأي، وفي المثل: "ما بين الرأي والرأي رأيٌ".

 

والتوكل بعد المشورة أمرٌ لابد منه؛ لأن العلم بالحق الأمثل من المناهج والأعمال عند علام الغيوب، فمهما يكن علمُ الإنسان فهو ناقص، فالتوكل عليه سبحانه فيه معنى الشعور بالنقص الإنساني مهما يَظهر كمالُه، ولأن الله تعالى خالق الأسباب والمسببات، وهو القادر على تغييرها، أو جعل الأمور على غير ما توجِبه أسبابُها، فالتوكل عليه ضراعةٌ وإحساس بالكمال المطلق لله تعالى، وقدرته الشاملة الكاملة على كل ما خلق، وإن عدمَ التفويض مع العمل غرورٌ من الإنسان، واستعلاء بغير سببٍ، وإنه مهما يدبِّر الإنسان فقد يُخطئه التنفيذ كما كان في غزوة أُحد.


• ويجب أن نقرِّر هنا حقيقتين:

إحداهما: أن قدرة الله تعالى واضحة في نتائج الأفعال، فعليه المعتمد، ألم تر إلى رجلين يبذران بذرًا، ويُلقيانه في قِطَع متجاورات من الأرض، ويأتي الله لأحدهما بأبرك الثمرات، والآخر تأكُل الآفات زرعَه، وكلاهما احتاطَ وأخذ بالأسباب.


الثانية: أن الاتِّكال على الله تعالى ذكرٌ لله، فتطمئن القلوب ويَذهب الخوف والجزع، ويكون الإقدام.


قال الرازي: "دلت الآية على أنه ليس التوكل أن يُهمل الإِنسَان نفسه، كما يقول بعض الجهَّال، وإلا لكان الأمر بالمشاورة منافيًا للأمر بالتوكل، بل التوكلُ هو أن يراعي الإنسان الأسباب الظاهرة، ولكن لا يُعوِّل بقلبه عليها، بل يعوِّل على عصمة الحق".

 

ويُؤثر عن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كلمة نافعة جدًّا، وهي قوله: "مَن بُورك له في شيء فليَلزمه"؛ كلمة عجيبة لو تُوزَن بالذهب لوزَنته؛ يعني إذا عمل الإنسان عملًا ورأى فيه البركة والثمرة، فليَلزمه.

 

﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾؛لأن التوكل علامة صدق الإيمان، وفيه ملاحظة عظمة الله وقدرته، واعتقاده الحاجة إليه، وعدم الاستغناء عنه، وهذا أدبٌ عظيم مع الخالق يدل على محبة العبد ربَّه، فلذلك أحبَّه الله.


ولَمَّا أمَره بالتوكل بيَّن الثمرة العظيمة من هذا التوكل، وله ثمرات كثيرة؛ منها هذه الثمرة التي ذكرها الله تعالى:﴿ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾.


وأي منزلة أعلى في الوجود من هذه المحبة التي تتضمن الرضا، ورضوان الله أكبر من كل شيء، فكيف تكون محبته، والمتوكل على الله حقَّ توكُّله قد تسامى بنفسه عن أعلاق الأرض، ودرَج بنفسه في مدارج الروحانية؛ لأنه اعتبر إرادته وعزيمته وتدبيره وعملَه، ليست بشيء بجوار قدرة الله.


• وفيه إثبات المحبة لله عز وجل، وأن الله يحب، وهي محبة الله حقيقية؛ لأن لدى أهل السنة والجماعة قاعدة أن كل ما وصَف الله به نفسه فهو حقيقة، لكن مذهبهم مبرَّأ من التمثيل والتكييف والتحريف والتعطيل، فلا يُمثلون صفات الله بصفات خلقه، ولا يُكيِّفونها.. والمحبة هي المحبة، لا يمكن أن تُعرف المحبة بأوضح منها مِن لفظها.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • { ومنهم أميون... }
  • {إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرة}
  • {أو كصيب من السماء}
  • {لا تفسدوا في الأرض}
  • {وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم}
  • {وما هم بمؤمنين}
  • { ذلك الكتاب لا ريب فيه }
  • {وإن كنتم في ريب}
  • {وإذا خلوا إلى شياطينهم}

مختارات من الشبكة

  • تبيين الأمر في الجواب عما أشكل في حديث: (رأس الأمر)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تعظيم الأمر والنهي الشرعيين في نفوس المتربين(مقالة - مجتمع وإصلاح)
  • مسائل فقهية تتعلق بالأمر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • ترويع المسلم ظلم عظيم (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شرح قاعدة: يضاف الفعل إلى الفاعل لا الآمر ما لم يكن مجبرا(مقالة - آفاق الشريعة)
  • أسئلة عن الخبر والإنشاء(مقالة - حضارة الكلمة)
  • عظيم قدر النعمة بولاة الأمر والدعاء لهم(محاضرة - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • رسالة في هدي الرسول صلى الله عليه وسلم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • الحمد لله (2) الأمر بحمد الله تعالى(مقالة - موقع الشيخ إبراهيم بن محمد الحقيل)
  • حدود سلطة ولي الأمر فيما يأمر به وينهى عنه في قضايا النكاح وفرقه (PDF)(كتاب - مكتبة الألوكة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • أهالي قرية شمبولات يحتفلون بافتتاح أول مسجد بعد أعوام من الانتظار
  • دورات إسلامية وصحية متكاملة للأطفال بمدينة دروججانوفسكي
  • برينجافور تحتفل بالذكرى الـ 19 لافتتاح مسجدها التاريخي
  • أكثر من 70 متسابقا يشاركون في المسابقة القرآنية الثامنة في أزناكاييفو
  • إعادة افتتاح مسجد تاريخي في أغدام بأذربيجان
  • ستولاك تستعد لانطلاق النسخة الثالثة والعشرين من فعاليات أيام المساجد
  • موافقة رسمية على مشروع تطويري لمسجد بمدينة سلاو يخدم التعليم والمجتمع
  • بعد انتظار طويل.. وضع حجر الأساس لأول مسجد في قرية لوغ

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 2/2/1447هـ - الساعة: 11:46
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب