• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    السنة في حياة الأمة (1)
    عبدالعظيم المطعني
  •  
    خطبة: عاشوراء
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    تفسير: (قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا ...
    تفسير القرآن الكريم
  •  
    الدرس التاسع والعشرون فضل ذكر الله
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    وجوب إعفاء اللحية وتحريم حلقها ووجوب قص الشارب
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    وبشر الصابرين..
    إلهام الحازمي
  •  
    أشنع جريمة في التاريخ كله
    فهد عبدالله محمد السعيدي
  •  
    تحريم الاستعاذة بغير الله تعالى فيما لا يقدر عليه ...
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    البخل سبب في قطع البركة
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    قصة المنسلخ من آيات الله (خطبة)
    د. محمود بن أحمد الدوسري
  •  
    نعمة الأولاد (خطبة)
    د. غازي بن طامي بن حماد الحكمي
  •  
    خطبة (المسيخ الدجال)
    الدكتور علي بن عبدالعزيز الشبل
  •  
    وقفات تربوية مع سورة العاديات
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    من أسباب الثراء الخفية
    د. عبدالله بن يوسف الأحمد
  •  
    قبسات من علوم القرآن (1)
    قاسم عاشور
  •  
    ﴿ ولقد صدقكم الله وعده ﴾
    د. خالد النجار
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن / تفسير القرآن الكريم
علامة باركود

﴿ ولقد صدقكم الله وعده ﴾

﴿ ولقد صدقكم الله وعده ﴾
د. خالد النجار

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 2/7/2025 ميلادي - 7/1/1447 هجري

الزيارات: 241

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

﴿ وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ ﴾

 

يقول تعالى في سورة آل عمران:

﴿ وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [آل عمران: 152].

 

﴿ وَلَقَدْ ﴾ هذه الجملة مؤكَّدة بثلاثة مؤكدات: القسم المقدَّر؛ لأن التقدير: (والله لقد)، والثاني: «اللام»، والثالث: «قد» التي تفيد التحقيق.

وهذا التأكيد لأنه قد يتبادر من كون الهزيمة في آخر الأمر بأُحُدٍ على المسلمين أن الله لم يصدُقهم وعده، فأكَّد ذلك بأن النصر كان ابتداء وفق وعد الله تعالى.

 

﴿ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ ﴾ صدقكم في وعده، كقولهم: صدَقته الحديث، وصَدَقتُه في الحديث.

أي: أنجزكم ما وعدكم على لسان رسوله بقوله للرماة: ((اثبتوا أماكنكم؛ فإنا لا نزال غالبين ما ثبتم مكانكم)).

 

وقيل الوعد في قوله تعالى: ﴿ وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ ﴾ [آل عمران: 120].

 

وقيل: بيَّن وضع هذا الصدقِ بقوله:

﴿ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ ﴾ تقتلونهم قتلًا كثيرًا فاشيًا وتستأصلونهم، وأصله من الحِسِّ الذي هو الإدراك بالحاسَّة، فمعنى حَسَّه: أذهب حِسَّه بالقتل.

 

وصِيغ الفعل بصيغة المضارع ليصير الماضي كأنه حاضر، وهذا ما يعبر عنه النحويون بـ «حكاية الحال»، حكاية الحال للماضي كأنها الآن واقعة؛ من أجل أن يكون ذلك أقربَ لحضورها في الذهن.

 

** وفيه: شدة عزيمة الصحابة رضي الله عنهم في طلب العدو؛ لأنه قال: ﴿ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ ﴾ والحس: القتل أو أشده، كأنه يُسمع له صوت عند القتل.

 

وكان لعليِّ بن أبي طالب وحمزة بن عبدالمطلب والزبير وأبي دجانة وعاصم بن أبي الأفلح - بلاء عظيم في ذلك اليوم، وهو مذكور في السِّير.

 

وكان المشركون في ثلاثة آلاف، ومعهم مائتا فرسٍ، والمسلمون في سبعمائة رجل، وقُتل من المشركين اثنان وعشرون رجلًا.

 

وهكذا ينبغي للمسلمين أن يأتوا أعداءهم الحربيين على شدة وغلظة؛ كما قال الله تعالى: ﴿ وَلَا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ ﴾ [النساء: 104]؛ يعني: لا تضعُفوا في طلبهم.

 

﴿ بِإِذْنِهِ ﴾ بإذنه لكم في قتالهم، وبإعانته لكم على ذلك، وقيل: بقضائه وأمره، ومعنى الإذن هنا يتضمن معنى التأييد والتقوية والتثبيت.

 

وقيل: بإذن الله الكوني والشرعي؛ بإذنه الكوني لأنه قد وقع، وكل شيء قد وقع فإن الله قد أذِن به كونًا، وبإذنه الشرعي لأن الله تعالى قد شرع لنا أن نقاتل الكفار فيكون قتلنا لهم مأذونًا فيه شرعًا، ففي هذه الآية اجتمع الإذنان: الكوني والشرعي.

 

﴿ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ ﴾ ضعُفتم، وقيل: جبُنتم عن القتال، وليس بصحيح؛ لقوله تعالى: ﴿ وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا ﴾ [الأنفال: 46]؛ أي: فتضعفوا، ولا يليق أن يكونَ المعنى: فتجبنوا.

وقيل: ضعُف رأيُكم أو مِلتم إلى الغنيمة، فإن الحرصَ من ضعف القلب.

 

﴿ وَتَنَازَعْتُمْ ﴾ المنازعة: المخاصمة والاختلاف؛ يريد تنازع الرماة مع قائدهم عبدالله بن جبير؛ حيث نهاهم عن ترك مقاعدهم، وذكَّرهم بأمر رسول الله، فنازعوه في فَهمه، وخالفوا الأمر ونزلوا، وكان ذلك بعد أن رأوا إخوانهم قد انتصروا، وأعداءهم قد انهزموا.

 

﴿ فِي الأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ ﴾؛ أي: وعصيتم الرسول لكن لم يذكر المفعول به؛ كراهةً لذكره؛ حيث إنه يكون أشد وقعًا وتوبيخًا، وكأن الله عز وجل أراد أن يوبِّخهم بطريقٍ ليِّن.

 

وقدم ذِكْرَ الفشل على التنازع والمعصية؛ لأن القوم لما رأوا هزيمة الكفارِ، وطمِعوا في الغنيمة، فشلوا في أنفسهم عن الثبات، طمعًا في الغنيمةِ، ثم تنازعوا بطريق القولِ: هل نذهب لطلب الغنيمة، أم لا؟ ثم اشتغلوا بطلب الغنيمة.

 

وكانت تلك المخالفة عن اجتهاد لا عن استخفاف، وإنما سُمِّيت هنا عصيانًا؛ لأن المقام ليس مقام اجتهاد، فإن شأن الحرب الطاعة للقائد من دون تأويل، أو لأن التأويل كان بعيدًا فلم يُعذروا فيه، أو لأنه كان تأويلًا لإرضاء حب المال، فلم يكن مكافئًا لدليل وجوب طاعة الرسول.

 

﴿ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ ﴾ من الظفَر والغنيمة وانهزام العدو؛ وذلك أنه كان الظفر ابتداءً للمسلمين؛ حيث قتلوا صاحبَ لواء المشركين وسبعةَ نفرٍ منهم بعده على اللواء، وانتشر أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وصاروا كتائبَ متفرقةً، فحاسوا العدو ضربًا حتى أجهضوهم عن أثقالهم، وحملت خيل المشركين على المسلمين ثلاث مرات، كل ذلك تُنضح بالنبل فترجع مغلوبة، وحمل المسلمون فنهكوهم قتلًا.

 

قال الزبير بن العوام: لقد رأيتُني أنظر إلى خدم هند وصواحبها مشمِّراتٍ هواربَ ما دون أخذهن قليل ولا كثير، إذ مالت الرماة إلى العسكر يريدون النهب، وخلَّوا ظهورنا للخيل، فأُتينا من أدبارنا وصرخ صارخ: ألَا إن محمدًا قد قُتل، فانكفأنا وانكفأ القوم علينا.

 

والمقصودُ منه التنبيهُ على عِظَمِ المعصية؛ لأنهم لمَّا شاهدوا أن الله تعالى أكرمهم بإنجاز الوَعْد، كان من حَقِّهم أن يمتنعوا عن المعصية، فلما أقدموا عليها، سلبهم اللهُ ذلك الإكرامَ، وأذاقهم وبالَ أمْرِهم.

 

وألفاظ الآية تقتضي التوبيخ لهم، ووجه التوبيخ لهم أنهم رأوا مبادئ النصر، فكان الواجب أن يعلموا أن تمام النصر في الثبات لا في الانهزام.

 

** وفيه: أن المعصية بعد النعمة أشدُّ من المعصية قبل النعمة.

 

والرماة لم يذهبوا جميعًا إلى الغنائم يجمعونها، بل بَقِيَ منهم عدد قليل، قيل: إنهم عشرة، ولكن نُسب العصيان إليهم جميعًا، بل نُسب إلى الجيش كله، مع أن غير الرماة كانوا الفريسةَ لعصيان كثرة الرماة؛ وذلك لأن ما يعم أثره يُنسب إلى الجميع، باعتبار ذلك الأثر، وأنهم جميعًا كان عليهم أن يتواصَوا بالطاعة المطلقة للقائد الخبير؛ وذلك كقوله تعالى: ﴿ وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ﴾ [الأنفال: 25]، فعلى كل جماعة أن تتضافر في منع ما يضر أثره بها كلها، لا بالظالمين فقط منها، وإن إثم الآثمين في الجماعات والأمم ينشأ من سكوت أهل الحق والعدل، ويعيش في ظلِّ صمتهم؛ ولذلك يُنسب العصيان إلى الجميع.

 

﴿ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا ﴾، وهم الذين نزلوا إلى الميدان يجمعون الغنائم، وكان الرماة خمسين، ذهب منهم نيف وأربعون للنهب، وعصَوا الأمر.

 

﴿ وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ ﴾؛ وهم عبدالله بن جبير والذين صبروا معه في مراكزهم حتى استُشهدوا فيها، والجملة اعتراض بين المتعاطفين.

 

** وفيه أن المدار كله على ما في القلب، وأن سبب الجبن والنزاع والمعصية سوءُ النية من بعض مَن كان فيهم، وأنه متى كان القلب صالحًا صلح العمل، ومتى كان فاسدًا فسد العمل.

 

** والعتاب لمن انهزم لا لمن ثبت، فإن من ثبت فاز بالثواب، وهذا كما أنه إذا حلَّ بقوم عقوبة عامة، فأهل الصلاح والصبيان يهلكون، ولكن لا يكون ما حل بهم عقوبة، بل هو سبب المثوبة.

 

** قال عبدُ الله بن مسعودٍ رضي الله عنه: "وما شعرت أن أحدًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يريد الدنيا، حتى كان يومُ أحدٍ، ونزلت هذه الآية".

 

** وفيه: أنه قد يكون في خير القرون من يُعاب عليه الفعل، ولكن الصحابة رضي الله عنهم بخاصة، لهم من الفضائل والسوابق والصحبة ما يكفِّر ما حصل منهم من الآفات وغيرها، ولهذا فللصحابة مزية على غيرهم، غير المكفِّرات العامة لكل أحَد؛ مثل قوله صلى الله عليه وسلم: ((ما من مصيبةٍ تُصيب المسلمَ، إلا كفَّر الله بها عنه، حتى الشوكةِ يُشاكها))؛ [البخاري]، هذه عامة لكل أحد.

 

لكن للصحابة أشياء خاصة تُوجب محوَ ما حصل منهم من السيئات، ويدلُّك على هذا أن من أعظم المصائب وأكبر المعايب التجسس لحساب المشركين، ووقعت من حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه، ولما استأذن عمر النبي صلى الله عليه وسلم في قتله؛ قال له النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنه قد شهد بدرًا، وما يدريك لعل الله أن يكون قد اطَّلع على أهل بدر، فقال: اعملوا ما شئتم؛ فقد غفرت لكم))؛ [البخاري]، مع أن التجسس لحساب الكفار مصيبة عظيمة توجِب القتل ولو كان الإنسان مسلمًا؛ لأن هذا من السعي في الأرض فسادًا، ولهذا لم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم: لا تقتله لأنه مسلم، بل قال: لا تقتله لأنه شهد بدرًا، وقد قال الله تعالى: ((اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم))، ولهذا كان القول الصحيح الذي لا شكَّ فيه أن الجاسوس يُقتل ولو كان مسلمًا، ولو كان يصلي ليلًا ونهارًا، فإنه يُقتل.

 

﴿ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ ﴾؛ أي: جعلكم تنصرفون، وكفَّكم عنهم حتى حالت الحال، ودالت الدولة.

 

وذلك إخبار عن ترك القتال لِما أصابهم من الضعف، حينما رأوا أنفسهم محصورين بين رماة المشركين ومقاتليهم، فأصعدوا في الوادي هاربين بأنفسهم، وحصل هذا بعلم الله تعالى وتدبيره، وفيه من اللطف بالمسلمين ما لا يخفى.

 

قال في (زهرة التفاسير): "أي: النتيجة التي صرتم إليها غير المقصد الذي قصدتم إليه، لقد خرجتم إليهم من مدينتكم لتقتلوهم وتنالوا منهم ما نلتموه في بدر، ولم تريدوا أن تكونوا في المدينة يأتون إليكم، بل أردتم أن تواجهوهم في الميدان لَا في الأزقة وبين الجدران، ولكن بسبب ذلك العصيان من بعضكم، صرفكم الله عنهم؛ أي: انصرفتم عنهم بإرادة الله تعالى، ورضيتم أن تعودوا مقهورين، وقد خرجتم لتعودوا منصورين بتأييد الله تعالى".

 

﴿ لِيَبْتَلِيَكُمْ ﴾؛ أي: يختبركم ويمتحنكم بالمصائب، ليَظهرَ ثباتُكم على الإيمان عندها، فيُرى المؤمن الصادق من المنافق الكاذب، والصابر من الجزِع.

 

وقيل: أي: لينزل بكم ذلك البلاء من القتل والتمحيص.

 

وكان التعبير بكلمة ﴿ صَرَفَكُمْ ﴾ بدل (هزمتم)؛ لأن ما حدث في أُحُد لم يكن هزيمة، وإن لم يكن نصرًا؛ لأن الهزيمة تقتضي أن يولي المسلمون الأدبارَ، وأن يتحكم الأعداء، وليس ما حدث أكثر من أن القتلى في المؤمنين كانوا أكثر من القتلى في المشركين، ولم ينَلِ المشركون بذلك مأربًا، فكأن الله سبحانه وتعالى يشير لهم بأن ما حدث لا يصح أن تبتئسوا له، ولا يصيبكم الحزن؛ لأنه ليس هزيمة، بل هو نوع من الصرف عن الغاية التي من أجلها خرجتم، وكان هذا لا بد منه ليمحص قلوبكم، وليختبركم بالشدائد التي تُصقل نفوسكم، وتجعلها مستعدة لِما يأتي به القدر، ولبيان أن الطاعة للقائد الحكيم هي أساس الظفَر، والعصيان سبب للاندحار.

 

﴿ وَلَقَدْ ﴾ وهذا التأكيد الثلاثي كالذي في أول الآيات؛ لأنه لما ابتُلوا بهذه البلوى، قد يتبادر إلى الذهن بأن الله سوف يعاقبهم على معصيتهم وتنازعهم وجبنهم.

 

﴿ عَفَا عَنْكُمْ ﴾؛ أي: لم يستأصلكم بعد المعصية والمخالفة بتسليط المشركين عليهم، فقتلوهم أجمعين، ولم يُبقوا منهم أحدًا، إذ تمكنوا منهم تمامًا، ولكن الله سلَّم.

 

قال الحسن البصري: "قُتل منهم جماعة سبعون، وقُتل عم النبي صلى الله عليه وسلم، وشُج وجهه وكسرت رَبَاعِيَتُه، وإنما العفو إن لم يستأصلهم هؤلاء مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي سبيل الله غضاب لله يقاتلون أعداء الله، نُهوا عن شيء فضيعوه، فوالله ما تركوا حتى غُموا بهذا الغم، يا فسق الفاسقين اليوم يُحل كل كبيرة، ويركب كل داهية، ويسحب عليها ثيابه، ويزعم أن لا بأس عليه، فسوف يعلم"؛ [انتهى كلام الحسن].

 

والظاهر أن العفو إنما هو عن الذنب؛ أي: لم يؤاخذكم بالعصيان، ويدل عليه قرينة قوله: ﴿ وَعَصَيْتُمْ ﴾، والمعنى: أن الذنب كان يستحق أكثر مما نزل بكم، فعفا عنكم، فهو إخبار بالعفو عما كان يستحق بالذنب من العقاب.

 

كما يبيِّن سبحانه عفوَه ليرفع من نفوسهم، ويُذهب الحسرة من قلوبهم، ويُحيي مواتَ العزة التي اختفت في وسط ذلك المضطرَب، ولقد أكد سبحانه وتعالى عفوه بعدة تأكيدات؛ أولها: بالتعبير بـ «قد»، فإنها للتحقيق، واستعمالها في أكثر آي القرآن للتحقيق، وثانيها: باللام، وثالثها: بالتعبير بالماضي.

 

وأكد سبحانه وتعالى عفوه بهذا التأكيد؛ لأن أولئك الأبرار الذين أخلصوا دينهم لله تعالى قد تجسم في نفوسهم خطؤهم، حتى توهموا أنه غير قابل للغفران، فإن المؤمن التقيَّ يستكثر هفوته، ويستصغر حسنته؛ لأنه يُحس بحق الله تعالى عليه، ووجوب شكر النعم التي أنعم بها، وبمقدار قوة الإيمان، يغلِّب المؤمن خوف العقاب على رجاء الثواب.

 

قال في (التحرير والتنوير): "وعقب هذا الملام بقوله: ﴿ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ ﴾ تسكينًا لخواطرهم، وفي ذلك تلطف معهم على عادة القرآن في تقريع المؤمنين، وأعظم من ذلك تقديم العفو على الملام في ملام الرسول عليه السلام في قوله تعالى: ﴿ عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ ﴾ [التوبة: 43]، فتلك رتبة أشرف من رتبة تعقيب الملام بذكر العفو، وفيه أيضًا دلالة على صدق إيمانهم؛ إذ عجَّل لهم الإعلام بالعفو؛ لكيلا تطير نفوسهم رهبةً وخوفًا من غضب الله تعالى".

 

﴿ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ ﴾؛ أي: صاحب فضل، والمرمى أن الفضل يلازمه، ولا ينقطع عنه سبحانه وتعالى أبدًا.

 

﴿ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴾ في الأحوال كلها، إما بالنصرة، وإما بالابتلاء، فإن الابتلاء فضل ولطف خفيٌّ، ليتمرنوا بالصبر على الشدائد، والثبات في المواطن، ويتمكنوا في اليقين، ويجعلوه ملكة لهم، ويتحققوا أن الله لا يُغيِّر ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، ولا يميلوا إلى الدنيا وزخرفها، ولا يذهلوا على الحق، وليكون عقوبةً عاجلة للبعض، فيتمحصوا عن ذنوبهم، وينالوا درجة الشهادة، فيلقَوا الله طاهرين.

 

وقيل: ﴿ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ ﴾ بالعفو والمغفرة؛ تذييلٌ مقرِّرٌ لمضمون ما قبله، ومؤْذِنٌ بأن ذلك العفوَ بطريق التفضُّلِ والإحسانِ لا بطريق الوجوبِ عليه، والتنكيرُ في ﴿ فَضْلٍ ﴾ للتفخيم، والإظهارُ في ﴿ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ في موقع الإضمارِ؛ للتشريفِ والإشعارِ بعلة الحُكم.

 

قال ابن عثيمين: "إظهار في موضع الإضمار، إذ مقتضى السياق أن يقول: (والله ذو فضل عليكم)، والإظهار في مقام الإضمار له ثلاث فوائد:

الفائدة الأولى: التسجيل على محل الإضمار أو على مرجع الضمير بأنه من أهل هذا الوصف؛ يعني إثبات هذا الوصف بمرجع الضمير، مثلًا: (والله ذو فضل عليكم) إذا قال: «على المؤمنين» بدل «عليكم» أفاد بأنهم مؤمنون.

 

الفائدة الثانية: العموم؛ لأنه لو قال: (والله ذو فضل عليكم) اختص الفضل بمرجع الضمير، وإذا قال: «على المؤمنين» تشملهم وغيرهم.

 

الفائدة الثالثة: علة الحكم، فالحكم كون الله ذو فضل، والعلة وهي الإيمان في هذه الآية.

 

وهنا مناسبة لفظية في الإظهار؛ وهي تناسُب رؤوس الآيات، لأنه لو قال: (والله ذو فضل عليكم) لم تتناسب مع ما بعدها ومع ما قبلها".

 

** والفضل راجعٌ إلى ما تَقَدَّمَ من ذكر النعم؛ فإنه نصرهم أولًا، ثم عفا عنهم ثانيًا، وهذا يدل على أن صَاحِبَ الكبيرةِ مُؤمِنٌ.

 

وقال ابن عاشور: والظاهر أنه عفو لأجل التأويل، فلا يحتاج إلى التوبة، ويجوز أن يكون عفوًا بعدما ظهر منهم من الندم والتوبة.

 

** فإن قال قائل: وهل لله فضل على غير المؤمنين؟

فالجواب: نعم، إن الله لذو فضل على الناس؛ ﴿ وَلَكِنَّ اللَّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ [البقرة: 251]؛ على كل أحد.

 

لكن الفضل نوعان: فضل خاص، وفضل عام، فالخاص للمؤمنين، والعام للجميع، وإلا فكل أحد قد تفضَّل الله عليه بالصحة والعافية، والطعام والشراب واللباس، والأزواج والبنين، وغير ذلك، أما الفضل الخاص الذي يتصل بفضل الآخرة، فهو للمؤمنين فقط.





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير قوله تعالى: (ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر ...)

مختارات من الشبكة

  • تفسير: (ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفة مع قوله تعالى: ولقد صدق عليهم إبليس ظنه فاتبعوه إلا فريقا من المؤمنين(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (ولقد بوأنا بني إسرائيل مبوأ صدق ورزقناهم من الطيبات فما اختلفوا)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الصدق المنافي للكذب(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شرح حديث: إن الله قد صدقك يا زيد(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الصدق: فضائل وثمرات ومجالات (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الصدق وفضله(مقالة - موقع عرب القرآن)
  • تفسير: (ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • من الدلائل العقلية على صدق النبي صلى الله عليه وسلم (5) (حادثة الإفك وصدق النبوة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • تفسير: (وقل رب أدخلني مدخل صدق وأخرجني مخرج صدق)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • الزيادة المستمرة لأعداد المصلين تعجل تأسيس مسجد جديد في سانتا كروز دي تنريفه
  • ختام الدورة التاسعة لمسابقة "جيل القرآن" وتكريم 50 فائزا في سلوفينيا
  • ندوة في سارنيتسا تبحث تطوير تدريس الدين الإسلامي وحفظ التراث الثقافي
  • مشروع للطاقة الشمسية وتكييف الهواء يحولان مسجد في تيراسا إلى نموذج حديث
  • أكثر من 5000 متطوع مسلم يحيون مشروع "النظافة من الإيمان" في زينيتسا
  • في حفل مميز.. تكريم المتفوقين من طلاب المسلمين بمقاطعة جيرونا الإسبانية
  • ندوة دولية في سراييفو تبحث تحديات وآفاق الدراسات الإسلامية المعاصرة
  • النسخة الثانية عشرة من يوم المسجد المفتوح في توومبا

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 8/1/1447هـ - الساعة: 11:30
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب