• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    وما خرفة الجنة؟
    السيد مراد سلامة
  •  
    معنى كلام خديجة رضي الله عنها
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    حياة من الجن وجن من الحيات (خطبة)
    د. محمد بن مجدوع الشهري
  •  
    تحريم صرف الخشية لغير الله تعالى
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    شروط الدعاء
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    إنهم لن يضروا الله شيئا
    د. خالد النجار
  •  
    تخريج حديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغسل ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    انظروا عمن تأخذون دينكم
    عاقب أمين آهنغر (أبو يحيى)
  •  
    التعليقات العارفية على الحديث المسلسل بالأولية
    د. محمد عارف الأركاني
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: (العليم، ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    خطبة: لا تغتابوا المسلمين (باللغة النيبالية)
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    وقفات تربوية مع سورة القارعة
    رمضان صالح العجرمي
  •  
    وقفة معبرة مع تقويم الهجرة (خطبة)
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    تفسير سورة الناس
    يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف
  •  
    حديث: إذا مضت أربعة أشهر وقف المولي حتى يطلق، ولا ...
    الشيخ عبدالقادر شيبة الحمد
  •  
    رؤيا فسرها المنام وصدقها الواقع
    عبدالله بن إبراهيم الحضريتي
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن / تفسير القرآن الكريم
علامة باركود

إنهم لن يضروا الله شيئا

إنهم لن يضروا الله شيئا
د. خالد النجار

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 29/6/2025 ميلادي - 4/1/1447 هجري

الزيارات: 70

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا

 

قال الله تعالى: ﴿وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾ [آل عمران: 176].

 

أشار سبحانه وتعالى إلى بعض الحكم والغايات المحمودة التي كانت في وقعة أحد، وهو أن يتميز المؤمن الصادق من المنافق الكاذب. فإن المسلمين لما أظهرهم الله على أعدائهم يوم بدر، وطار لهم الصيت، دخل معهم في الإسلام ظاهراً من ليس معهم فيه باطناً، فاقتضت حكمة الله -عز وجل- أن سبّب لعباده محنة ميزت بين المؤمن والمنافق، فأطلع المنافقون رؤوسهم في هذه الغزوة، وتكلموا بما كانوا يكتمونه، وظهر مخبآتهم، وعاد تلويحهم صريحاً، وانقسم الناس إلى كافر ومؤمن ومنافق انقساماً ظاهراً، وعرف المؤمنون أن لهم عدواً في نفس دورهم، وهم معهم لا يفارقونهم، فاستعدوا لهم، وتحرزوا منهم.

 

﴿وَلَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ﴾يدخلون في الكفر مسرعين من غير تريث وتدبر وتفكير، ويحرصون على أعماله، وينتقلون من درجة إلى درجة، فينتقلون من الضلال والجحود إلى التضليل ومن التضليل إلى الفتنة ثم القتال، فضلا عن التدبير الخبيث والمكر السيئ.. فهم يتوغلون فيه ويعجلون إلى إظهاره وتأييده والعمل به عند سنوح الفرص.

 

وهي استعارة تمثيلية:

شبه حال حرصهم وجدهم في تكفير الناس وإدخال الشك على المؤمنين وتربصهم الدوائر وانتهازهم الفرص بحال الطالب المسارع إلى تحصيل شيء يخشى أن يفوته وهو متوغل فيه متلبس به.

 

والمعنى: لا تهتم ولا تبال بما يلوح منهم من آثار الكيد للإسلام ومضرة أهله، وذلك من شدة حرصه -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على الناس فكان يحزنه مُبَادَرَة الكفار إلى المخالفة والعناد والشقاق.

 

قال القشيري: والحزن على كفر الكافر طاعة؛ ولكن النبّي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كان يفرط في الحزن على كفر قومه، فنهي عن ذلك؛ كما قال تعالى: ﴿فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ﴾ [فاطر:8] وقال: ﴿فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً﴾ [الكهف:6].

 

﴿إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا﴾ نكرة في سياق النفي، تفيد العموم، أي: لن يضروا الله أي شيء في ذاته ولا في ملكه ولا في أسمائه وصفاته ولا في غير ذلك.. والآية تعليل للنهي عن أن يحزنه تسارعهم إلى الكفر.

 

روى مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي ذَرٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فِيمَا رَوَى عَنْ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَنَّهُ: (قَالَ يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا فَلَا تَظَالَمُوا، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ جَائِعٌ إِلَّا مَنْ أَطْعَمْتُهُ فَاسْتَطْعِمُونِي أُطْعِمْكُمْ، يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ عَارٍ إِلَّا مَنْ كَسَوْتُهُ فَاسْتَكْسُونِي أَكْسُكُمْ، يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا فَاسْتَغْفِرُونِي أَغْفِرْ لَكُمْ، يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا ضَرِّي فَتَضُرُّونِي وَلَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُونِي فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ، يَا عِبَادِي إِنَّمَا هِيَ أَعْمَالُكُمْ أُحْصِيهَا لَكُمْ ثُمَّ أُوَفِّيكُمْ إِيَّاهَا فَمَنْ وَجَدَ خَيْرًا فَلْيَحْمَدْ اللَّهَ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلَا يَلُومَنَّ إِلَّا نَفْسَهُ).

 

وقال عطاء: يريد أولياء الله.

 

وقال المهايمي: أي: لن يضروا أولياء الله، لأنهم يحميهم الله، فلو أضروهم لأضروا الله بتعجزيهم إياه عن حمايتهم، ولا يمكنهم أن يعجزوه شيئاً.

 

وتعليق نفي الضرر به تعالى لتشريفهم والإيذان بأن مضارتهم بمنزلة مضارته سبحانه، وفيه مزيد مبالغة في التسلية.

 

وقيل: المنفي هنا ضرر خاص، وهو إبطال الإسلام وكيده حتى يضمحلّ، فهذا لن يقع أبداً، بل أمرهم يضمحل ويعلو أمرك عليهم.

 

قال ابن عاشور: نفي أن يعطلوا ما أراده إذ قد كان الله وعد الرسول إظهار دينه على الدين كله، وكان سعي المنافقين في تعطيل ذلك، فنهى الله رسوله أن يحزن لما يبدو له من اشتداد المنافقين في معاكسة الدعوة، وبين له أنهم لن يستطيعوا إبطال مراد الله، تذكيرا له بأنه وعده بأنه متم نوره.. وإذا انتفى إضرارهم لله انتفى إضرارهم للمؤمنين فيما وعدهم الله.

 

فإن قيل: إن الله قد أثبت أن بعض عباده يؤذيه كما في قوله تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ﴾ [الأحزاب:57] وفي قوله في الحديث القدسي: (يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ يَسُبُّ الدَّهْرَ وَأَنَا الدَّهْرُ بِيَدِي الْأَمْرُ أُقَلِّبُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ) [البخاري].

 

فنقول أنه لا يلزم من الأذية الضرر، فقد يتأذى الإنسان بالشيء ولا يتضرر به أرأيت لو صلى إلى جانبك أو جلس إلى جانبك رجل قد أكل بصلاً وثوماً فإنك تتأذى برائحته ولكن لا تتضرر، فلا يلزم من الأذية الضرر، وحينئذ لا معارضة بين نفي الضرر عن الله عزّ وجل وإثبات الأذية.

 

﴿يُرِيدُ اللَّهُ﴾استئناف لبيان جزائهم على كفرهم في الآخرة، بعد أن بين السلامة من كيدهم في الدنيا.

 

﴿أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا﴾ الحظ: النصيب من شيء نافع﴿فِي الْآخِرَةِ﴾من الثواب في الآخرة. فكفرهم ليس مراغمة لله سبحانه حتى تحزن، وإنما هو بإرادته لأنه أراد ألا يكون لهم حظ من الخير في الآخرة.

 

﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ذو عظمة، وعظمة كل شيء بحسبه؛ فقوله تعالى: ﴿سُبْحَنَكَ هَذَا بُهْتَانُ عَظِيمٌ﴾ [النور:16] كلمة عظيم هنا من باب الذم، وقوله: ﴿وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ﴾ [النمل:23] من باب المدح.

﴿إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾.

 

﴿إِنَّ الَّذِينَ اشْتَرَوُا﴾ استبدلوا ﴿الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ﴾ إما بأخذه بدلاً من الإيمان الحاصل بالفعل، كما هو حال المرتدين، أو بالقوة القريبة منه الحاصلة بمشاهدة دلائله في التوراة، كما هو شأن اليهود ومنافقيهم.

 

والكفار ابتداء كان اختيارهم للكفر أخرجهم من الفطرة التي كانوا عليها، وهي التوحيد، فهم اشتروا الكفر بعد الإيمان الفطري.

 

وهذه أَخْسَرُ صفقة على وجه الأرض أن يأخذ الإنسان الكفر بالإيمان طائعاً طيبة به نفسه والعياذ بالله.

 

وفي هذا دلالة على أمرين:

أولهما: أن الكافرين طمس على قلوبهم فاستبدلوا بفطرة الإيمان التي فطر الله الناس عليها كفرا قامت الدلائل على بطلانه، فكان هذا دليلا على تمكن الضلال، وكل ما يقع منهم بعد ذلك من شر يجب أن يكون متوقعا، فيهون أمره، ويضعف في النفس أثره.

 

ثانيهما: أن الإيمان في ملك كل إنسان، وهو الأصل الذي يجب أن يهتدي إليه عندما تلوح ظواهره وبيناته، فإن الله تعالى قد ألهم كل نفس فجورها وتقواها، والبينات الشاهدة الواضحة المؤيدة الهادية تجعل الإيمان في قبضة يد طالب الحق، فإذا فتح قلبه للكفر، فقد باع أغلى شيء في الوجود، وهو الإيمان، بأحقر شيء في الوجود وهو الكفر.

 

﴿لَنْ يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا﴾فيه تعريض ظاهر باقتصار الضرر عليهم، كأنه قيل: وإنما يضرون أنفسهم.

 

فالتكرير لتقرير الحكم وتأكيده، ببيان علته، بتغيير عنوان الموضوع، وتصريح بلحوق ضرره بأنفسهم، وعدم تعديه إلى غيرهم أصلاً، كيف وهو علم في الخسران الكلي، والحرمان الأبدي، دال على كمال سخافة عقولهم، وركاكة آرائهم، فكيف يتأتى منهم ما يتوقف على قوة الحزم، ورزانة الرأي، ورصانة التدبير، من مضارة حزب الله تعالى.. فالجملة مقررة لمضمون ما قبلها تقريراً للقواعد الكلية، لما اندرج تحتها من جزئيات الأحكام.

 

أو المعنى ليس في طولهم ولا في طاقتهم أن يضروا دين الله تعالى ولا رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، ولا المؤمنين بالله تعالى شيئا من الضرر الذي تكون عاقبته انتصارهم إلى النهاية، فإن الله تعالى ناصر دينه خاذل أعداء الحق، فإضافة إرادة الضرر إلى الله تعالى على حذف مضاف، أي وتقديره دين الله أو رسوله أو المؤمنين بالله، وفي حذف المضاف إشارة إلى أن ما يفعله المشركون ويوجهونه إلى المؤمنين إنما يوجهونه إلى الله تعالى رب العالمين، وذلك إعلاء للدين وللرسول وللمؤمنين.

 

﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾جملة مبتدأة مبينة لكمال فظاعة عذابهم، بذكر غاية إيلامه، بعد ذكر نهاية عظمه. فهنا قال: إنه أليم، وهناك قال: إنه عظيم، فيجتمع في عذابهم -والعياذ بالله- العظيم والأليم، وأليم هنا بمعنى مؤلم وليس بمعنى شديد.

 

وقيل: لما جرت العادة باغتباط المشتري بما اشتراه، وسروره بتحصيله عند كون الصفقة رابحة، وبتألمه عند كونها خاسرة، وصف عذابهم بالإيلام مراعاة لذلك.

 

﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾[آل عمران: 178].

 

قد يرد على الخاطر: إذا كان أمر الله هو الغالب فَلِمَ يترك هؤلاء الكفار في شيء من النعيم تارة وبعض الانتصارات والعلو تارة أخرى.. فقال سبحانه:

﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ﴾النهي عن الظن متجها للذين كفروا.. وفي قراءة ولا تحسبن ويكون الخطاب بالنهي متجها إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وأمته.

 

﴿الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ﴾الإملاء: الإمهال في الحياة، يقال: أملى لفرسه إذا أرخى له الطول في المرعى، وهو مأخوذ من الملو وهو سير البعير الشديد، ثم قالوا: أمليت للبعير والفرس إذا وسعت له في القيد لأنه يتمكن بذلك من الخبب والركض.

 

أي: نملي لهم بتطويل أعمارهم وإمهالهم عن العقوبة وتخليتهم وشأنهم دهراً طويلاً. كقوله تعالى: ﴿وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ﴾ [الأعراف:183]

 

﴿خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ﴾ بل هو سبب مزيد عذابهم.

 

﴿إِنَّمَا نُمْلِي﴾ نطول أعمارهم.

 

﴿لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا﴾ إلى إثمهم، بكثرة المعاصي فيزدادوا عذاباً، فهم -والعياذ بالله- لا يستفيدون من دنياهم، وإنما يزدادون فيها كفراً فيكون أخذهم به أشد.

 

والآية استئناف واقع موقع التعليل للنهي عن حسبان الإملاء، خيرا، أي ما هو بخير لأنهم يزدادون في تلك المدة إثما.

 

واللام لام العاقبة كما هي في قوله تعالى: ﴿لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوّاً وَحَزَناً﴾ [القصص:8]

 

﴿وَلَهُمْ﴾ في الآخرة ﴿عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ذو إهانة في أسفل دركات النار.. وهو أنه لما تضمن الإملاء التمتع بطيبات الدنيا وزينتها، وذلك مما يستدعي التعزز والتجبر، وصف عذابهم بالإهانة، ليكون جزاؤهم جزاء وفاقاً.

 

كقوله تعالى: ﴿أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مَالٍ وَبَنِينَ * نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لا يَشْعُرُونَ﴾ [المؤمنون:55-56]، وكقوله: ﴿فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهَذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ﴾ [القلم:44]، وكقوله: ﴿فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ﴾ [التوبة:55].

 

روي عن ابن مسعود -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أنه قال: "ما من أحد بر ولا فاجر إلا والموت خير له؛ لأنه إن كان برا فقد قال الله تعالى: ﴿وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ لِلأَبْرَارِ﴾ [آل عمران:198] وإن كان فاجرا فقد قال الله: ﴿إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً﴾".

 

والآية نص في بطلان مذهب القدرية؛ لأنه أخبر أنه يطيل أعمارهم ليزدادوا الكفر بعمل المعاصي، وتوالي أمثاله على القلب. كما تقدم بيانه في ضده وهو الإيمان.

 

والإملاء لزيادة الإثم مشروط باستمرارهم على الكفر، لأن الإملاء ينقطع بإيمانهم، فالإملاء إنما هو لأجل مشاقة الله ورسوله وإعلان الكفر ومحادة الحق، وبإيمانهم تنتهي هذه المشاقة فيزول سبب الإملاء، وإن زيادة الإثم إنما هي منوطة بوصف الكفر، فبانتهائه تزول الزيادة، بل يغفر الله -سبحانه وتعالى- ما سبق كما قال جل شأنه: ﴿قُل لِلَّذِينَ كَفَرُواْ إِن يَنتَهُواْ يُغَفَرْ لَهُم مَّا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُواْ فَقَدْ مَضَتْ سُنَّةُ الأَوَّلِينِ﴾ [الأنفال:38].

 

﴿ مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ ﴾ [آل عمران:179].


﴿مَا كَانَ اللَّهُ﴾استئناف ابتدائي، وهو رجوع إلى بيان ما في مصيبة المسلمين من الهزيمة يوم أحد من الحكم النافعة دنيا وأخرى.

 

﴿لِيَذَرَ﴾ ليترك ﴿الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ﴾ من الالتباس بالمنافقين، بل لا يزال يبتليكم.

 

أي: أن هذا ممتنع غاية الامتناع على الله عزّ وجل، وهذا الامتناع ليس امتناعاً لعدم المقدرة عليه، فهو قادر، لكنه امتناع شرعي، أي: يمتنع بحسب ما تقتضيه حكمته سبحانه.

 

﴿حَتَّى يَمِيزَ﴾مزت الشيء أميزه إذا فرقت بين شيئين. ومنه امتاز القوم، تميز بعضهم عن بعض. ويكاد يتميز: يتقطع؛ وبهذا فسر قوله تعالى: ﴿تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ﴾ [الملك:8]

 

﴿الْخَبِيثَ﴾ المنافق ﴿مِنَ الطَّيِّبِ﴾المؤمن الخالص من النفاق.

 

فلا بُد أن يعقد سببا من المحنة والتكليف، يظهر فيه وليه، ويفتضح فيه عدوه. يُعرف به المؤمن الصابر، والمنافق الفاجر. يعني بذلك يوم أحد الذي امتحن به المؤمنين، فظهر به إيمانهم وصبرهم وجلدهم وثباتهم وطاعتهم لله تعالى ولرسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وهتك به ستر المنافقين، فظهر مخالفتهم ونُكُولهم عن الجهاد وخيانتهم لله ولرسوله.

 

وفي التعبير عن المؤمن والمنافق بالطيب والخبيث تسجيل على كل منهما، بما يليق به، وإشعار بعلة الحكم.

 

وإفراد الخبيث والطيب مع تعدد ما أريد بكل منهما وتكثره لاسيما بعد ذكر ما أريد بأحدهما -أعني: المؤمنين بصيغة الجمع- للإيذان بأن مدار إفراز أحد الفريقين من الآخر هو اتصافهما بوصفهما لا خصوصية ذاتهما وتعدد آحادهما، كما في مثل قوله تعالى: ﴿يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ﴾ [الحج:2]، حيث قصد الدلالة على الاتصاف بالوصف.

 

♦ وفيه بيان رحمة الله عز وجل بعباده حيث لا يتركهم هكذا يشتبه بعضهم ببعض، بل لا بد من تميز هذا عن هذا. وبيان حكمة الله عز وجل في أفعاله وشرعه أيضاً.

 

﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ﴾ الذي يميز به ما في قلوب الخلق من الإيمان والكفر.. أي ما كان الله ليعين لكم المنافقين حتى تعرفوهم، ولكن لا يميز إلا بهذا الابتلاء الكاشف. لأنه تعالى جعل نظام هذا العالم مؤسسا على استفادة المسببات من أسبابها، والنتائج من مقدماتها.

 

يذكر أن منجما كان عند الحجاج بن يوسف الثقفي؛ فأخذ الحجاج حصيات بيده قد عرف عددها فقال للمنجم: كم في يدي؟ فحسب فأصاب المنجم.

 

فأغفله الحجاج وأخذ حصيات لم يعدهن فقال للمنجم: كم في يدي؟ فحسب فأخطأ، ثم حسب أيضا فأخطأ؛ فقال: أيها الأمير، أظنك لا تعرف عدد ما في يدك؟ قال لا: قال: فما الفرق بينهما؟ فقال: إن ذاك أحصيته فخرج عن حد الغيب، فحسبت فأصبت، وإن هذا لم تعرف عددها فصار غيبا، ولا يعلم الغيب إلا الله تعالى.

 

﴿وَلَكِنَّ اللَّهَ يَجْتَبِي﴾يختار ويصطفي﴿مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشَاءُ﴾باطلاعه على بعض الغيب، كما أوحى إلى النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ما ظهر منهم من الأقوال والأفعال، فيفضحهم على رؤوس الأشهاد، ويخلصكم من سوء جوارهم.

 

والجملة استدراك حتى لا يجعله المنافقون حجة على المؤمنين، في نفي الوحي والرسالة، فيكون المعنى: وما كان الله ليطلعكم على الغيب إلا ما أطلع عليه رسوله فيكون كاستثناء من عموم ﴿ليطلعكم﴾.

 

قال ابن القيم: هذا استدراك لما نفاه من اطلاع خلقه على الغيب، كما قال: ﴿عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ﴾ [الجن:26-27] فحظكم أنتم وسعادتكم في الإيمان بالغيب الذي يطلع عليه رسله، فإن آمنتم به واتقيتم كان لكم أعظم الأجر والكرامة في الإيمان بالغيب الذي يطلع عليه رسله. التعرض للاجتباء للإيذان بأن الوقوف على أمثال تلك الأسرار الغيبية، لا يتأتى إلا ممن رشحه الله تعالى لمنصب جليل، تقاصرت عنه همم الأمم، واصطفاه على الجماهير لإرشادهم، وتعميم الاجتباء لسائر الرسل عليهم السلام للدلالة على أن شأنه عليه الصلاة والسلام في هذا الباب أمر متين، له أصل أصيل، جار على سنة الله تعالى المسلوكة فيما بين الرسل عليهم السلام.

 

﴿فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ﴾الذين اجتباهم للاقتداء بهم في الاعتقادات والأعمال.

 

خطابا للمؤمنين المقصود منه الإيمان الخاص، وهو التصديق بأنهم لا ينطقون عن الهوى، وبأن وعد الله لا يخلف، فعليهم الطاعة في الحرب وغيره أو أريد الدوام على الإيمان، لأن الحالة المتحدث عنها قد يتوقع منها تزلزل إيمان الضعفاء ورواج شبه المنافقين.

 

وتعميم الأمر في قوله تعالى: ﴿فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ﴾ مع أن سوق النظم الكريم للإيمان بالنبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لإيجاب الإيمان به بالطريق البرهاني، والإشعار بأن ذلك مستلزم للإيمان بالكل، لأنه مُصدق لما بين يديه من الرسل، وهم شهداء بصحة نبوته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، والمأمور به الإيمان بكل ما جاء به عليه الصلاة والسلام، فيدخل فيه تصديقه فيما أخبر به من أحوال المنافقين دخولاً أولياً.

 

﴿وَإِنْ تُؤْمِنُوا﴾فتصححوا الاعتقادات﴿وَتَتَّقُوا﴾فتصلحوا الأعمال.

 

﴿فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾يعني ثواباً، وسمّى الله الثواب أجراً من باب التكرم والتفضل كأننا نحن مستأجرين أدينا العمل، فنطالب بالأجرة، مع أن الحق لله علينا لكنه -عز وجل- أوجب على نفسه أنه: ﴿مَن يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللّهِ وَلِيّاً وَلاَ نَصِيراً * وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَـئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيراً﴾ [النساء:123-124]

 

 

﴿ وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ﴾ [آل عمران:180].

 

لما بالغ تعالى في التحريض على بذل النفس في الجهاد في الآيات المتقدمة، شرع ههنا في التحريض على بذل المال في سبيل الله، وبيّن الوعيد الشديد لمن يبخل ببذله فيه.

 

﴿وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ﴾الظاهر أن هذا أنزل في شأن أحوال المنافقين، فإنهم كانوا يبخلون ويأمرون الناس بالبخل، كما حكى الله عنهم في سورة النساء بقوله: ﴿الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ﴾ [37] وكانوا يقولون: لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا، وغير ذلك، ولا يجوز بحال أن يكون نازلا في شأن بعض من المسلمين لأن المسلمين يومئذ مبرؤون من هذا الفعل ومن هذا الحسبان، ولذلك قال معظم المفسرين: إن الآية نزلت في منع الزكاة، أي فيمن منعوا الزكاة، وهل يمنعها يومئذ إلا منافق. ولعل مناسبة ذكر نزول هذه الآية هنا أن بعضهم منع النفقة في سبيل الله في غزوة أحد.

 

والبخل في اللغة:

أن يمنع الإنسان الحق الواجب عليه. فأما من منع ما لا يجب عليه فليس ببخيل؛ لأنه لا يذم بذلك.

 

عن جَابِرٌ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ سَيِّدُكُمْ يَا بَنِي سَلَمَةَ؟) قُلْنَا: جَدُّ بْنُ قَيْسٍ عَلَى أَنَّا نُبْخِلُهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (وَأَيُّ دَاءٍ أَدْوَى مِنَ الْبُخْلِ بَلْ سَيِّدُكُمْ عَمْرُو بْنُ الْجَمَوحِ). قَالَ: وَكَانَ عَمْرٌو عَلَى أَصْنَامِهِمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ يُولِمُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذَا تَزَوَّجَ [لأدب المفرد وصححه الألباني].

 

والشح هو البخل مع حرص، روى مسلم عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (اتَّقُوا الظُّلْمَ فَإِنَّ الظُّلْمَ ظُلُمَاتٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَاتَّقُوا الشُّحَّ فَإِنَّ الشُّحَّ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، حَمَلَهُمْ عَلَى أَنْ سَفَكُوا دِمَاءَهُمْ وَاسْتَحَلُّوا مَحَارِمَهُمْ).

 

وروى النسائي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (لَا يَجْتَمِعُ غُبَارٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَدُخَانُ جَهَنَّمَ فِي مَنْخَرَيْ مُسْلِمٍ وَلَا يَجْتَمِعُ شُحٌّ وَإِيمَانٌ فِي قَلْبِ رَجُلٍ مُسْلِمٍ). وهذا يدل على أن الشح أشد في الذم من البخل.

 

﴿بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾أي من خيره؛ لأن الفضل في الأصل هو الزيادة فالإنسان قد يعمل عملاً يؤمل أن يكسب فيه ألفاً، فيكسب ألفين أو أكثر من فضل الله عزّ وجل.

 

وفي الآية الكريمة إشارة إلى أن سبب البخل نسيان أصل المال، إذ أن البخيل يحسب أن ما يأتي إليه من مال إنما هو بجهوده وكسبه فقط، وليس فضلا من الله، وينسى أن الله سبحانه وتعالى هو المعطي المانع، وأنه يرزق من يشاء بغير حساب، وأن الرجلين يسعيان ويتخذان الأسباب، فتأتي جائحة لهذا تأكل الأخضر واليابس، وينجو مال ذاك، والله على كل شيء قدير، وبكل شيء عليم.

 

والجملة للمبالغة في بيان سوء صنيعهم، فإن ذلك من موجبات بذله في سبيله، كما في قوله تعالى: ﴿وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ﴾ [الحديد:7].

 

﴿هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ﴾لاستجلاب العقاب عليهم، والتنصيص على شريته لهم، مع انفهامها من نفي خيريته، للمبالغة في ذلك، والتنوين للتفخيم.

 

والجملة إضراب إبطالي، وقد يأتي الإضراب في القرآن انتقالياً كما في قوله تعالى: ﴿بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الْآخِرَةِ بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ مِنْهَا بَلْ هُم مِّنْهَا عَمُونَ﴾ [النمل:66] فالثاني لا يبطل الأول بل يؤكده.

 

﴿سَيُطَوَّقُونَ﴾ سين الوعيد، أي سوف يطوقون، أو للتحقيق فكلمة ﴿سَيُطَوَّقُونَ﴾ أبلغ في التحقيق من كلمة ﴿يطوقون﴾.

 

﴿مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ وسمي يوم القيامة لوجوه ثلاثة: يقوم فيه الناس لرب العالمين، ويقوم فيه الأشهاد، ويقوم فيه العدل.

 

والآية بيان لكيفية شرية مآل ما بخلوا به. أي: سيجعل ما بخلوا به طوقاً في أعناقهم.

 

وقد ذهب طائفة من المفسرين إلى أن هذا الوعيد على طريق التمثيل أي: سيلزمون وبال ما بخلوا به لزوم الطوق.

 

وذهب آخرون إلى أنه على ظاهره، وأنه نوع من العذاب الأخروي المحسوس، وأيدوه بما رواه البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ لَهُ مَالُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا أَقْرَعَ [الشجاع: الذكر من الحيات وهو أجرؤها، والأقرع: كثير السم؛ لأن رأسه من كثرة سمه قد تمزق شعره، فهو أقرع] لَهُ زَبِيبَتَانِ [غدَّتان تُشبهان الزبيب، قد امتلأتا من السم] يُطَوَّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ -يَعْنِي بِشِدْقَيْهِ- ثُمَّ يَقُولُ أَنَا مَالُكَ أَنَا كَنْزُكَ [يقول ذلك توبيخاً له فيزداد بذلك حسرة] ثُمَّ تَلَا ﴿لَا يَحْسِبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ﴾ الْآيَةَ.

 

﴿وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ﴾اللام هذه للاختصاص، والجار والمجرور خبر مقدم، وتقديمه يفيد الحصر، أي: أنه له وحده عزّ وجل.

 

وذلك أن الذي يبخل بماله إنما يبخل به ليبقى له، فبين الله أنه لن يبقى له، ولابد أن يموت ويرثه ورثته ثم يموتون ويرثهم ورثتهم وهكذا إلى أن ينتهي الإرث إلى الله عز وجل.

 

أو المعنى: أنه يفني أهل السموات والأرض، ويصير أملاك أهلهما بعد فنائهم إلى خالص ملكه، كما يصير مال المورث ملك الوارث، فجرى ما هنا مجرى الوراثة، إذ كل الخلق يدعون الأملاك ظاهراً، وإلا فالكل له، وعلى هذا فهو مجاز.

 

وفيه بيان سلطان الله تعالى على كل ما في الوجود، فهو ملكه، وهو الذي يئول إليه، وفي ذلك بيان كمال سلطانه، وتأكيد لمعنى أنه المعطي الوهاب، والقوي الرزاق المتين، ولذلك لم يعبر عن الميراث بأنه ميراث الأموال التي نعرفها، بل ميراث كل ما حوته السماء وما حوته الأرض.

 

والمعنى في الآيتين أن الله تعالى أمر عباده بأن ينفقوا ولا يبخلوا قبل أن يموتوا ويتركوا ذلك ميراثا لله تعالى، ولا ينفعهم إلا ما أنفقوا، فالآية موعظة ووعد ووعيد.

 

﴿وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ فيجازيكم على المنع والبخل، فالخبرة هي العلم الدقيق الشامل.

 

وخَتْمُ الآية بهذا الاسم ﴿الخبير﴾ واضح المناسبة؛ لأن هؤلاء الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله قد لا يطلع عليهم الخلق، فالإنسان قد يكون عنده المال الكثير ولا يعلم الناس عنه، ويبخل بزكاتها ولا يُعلم عنه، فبين الله تعالى أنه خبير بعملهم.لأن الخبرة -كما قال العلماء-: هي العلم ببواطن الأمور، ومن المعلوم أن العليم ببواطن الأمور عليم بظواهرها من باب أولى.

 

﴿ لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ * ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ ﴾ [آل عمران: 181، 182]

 

﴿لَقَدْ﴾تأكيد بالقسم المقدر و (قد) التي تفيد التحقيق، وإنما أكده سبحانه وتعالى للمبالغة في تهديد هؤلاء.

 

﴿سَمِعَ اللَّهُ﴾تهديد، وهو يؤذن بأن هذا القول جراءة عظيمة، وإن كان القصد منها التعريض ببطلان كلام القرآن، لأنهم أتوا بهذه العبارة بدون محاشاة، ولأن الاستخفاف بالرسول وقرآنه إثم عظيم وكفر على كفر.

 

ولا يلزم من السماع ثبوت الأذن، فها هي الأرض يوم القيامة تُحدث أخبارها، أي تخبر عما فعل الناس عليها، أو عما قالوا عليها، مع أنه ليس لها أذن ولا لسان، والجلود والأيدي والأرجل تشهد يوم القيامة على الإنسان بما عمل، وهي ليس لها آذان، إذن لا يجوز أن نقول: إن الله له أذن بناءً على أن الله أثبت له السمع، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير سبحانه وتعالى.

 

﴿قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا﴾من اليهود.. وإيراد صيغة الجمع في الآية مع كون القائل واحداً، كما روي، لرضا الباقين بذلك، ونظائره في التنزيل كثيرة.

 

﴿إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ﴾قال أهل التفسير: لما أنزل الله تعالى: ﴿مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً﴾ [البقرة:245].. قال قوم من اليهود - منهم حيي بن أخطب؛ في قول الحسن. وقال عكرمة وغيره: هو فنحاص بن عازوراء- إن الله فقير ونحن أغنياء يقترض منا.

 

ولكن الله -عز وجل- في كتابه لا يذكر شيئاً خاصاً إلا لسبب، لابد معه من تعيين الشخص، ولهذا لم يذكر الله -عز وجل- أحداً باسمه في القرآن من هذه الأمة إلا رجلاً مؤمناً ورجلاً كافراً فقط. الرجل المؤمن زید بن حارثة ﴿فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا﴾ [الأحزاب:37]، والرجل الكافر من هذه الأمة أبو لهب؛ لأن الوصف أكثرفائدة لوجهين:

الأول: أنه قد تتغير حال المعين، يكون بالأول فاسقاً مارداً كافراً، ثم يسلم ويتوب الله عليه، فإذا تاب ولم يذكر اسمه في القرآن كان أحسن مما لو ذكر، فإنه لو ذكر اسمه لبقي العار عليه ولو تاب .

 

الثاني: أنه أعم؛ لأن تعليق الحكم بالوصف أعم من تعليقه بالشخص، ولهذا إذا عُلِّق الحكم بالشخص احتمل الخصوصية، وإذا قلنا بعموم الحكم المعلق بالشخص فإنه ليس عموماً شمولياً، ولكنه عموم تمثيلي، يعني بالقياس.

 

وهذه مسألة دل عليها القرآن وكذلك السنة أيضاً دلت عليها، فكان الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لا يقول: ما بال فلان يقول كذا؟ بل كان يقول: ما بال أقوام.

 

والله -عزّ وجل- جعل الإنفاق في سبيله بمنزلة القرض له، إشعاراً للمنفق بأنه سوف يجازي عليه، كما أن المقترض يجب عليه أن يوفي مقرضه، فهكذا جعل الله العمل له بمنزلة القرض تفضلاً منه -عز وجل- وإحساناً للعباد.

 

واليهود لا يستغرب منهم أن يصفوا الله بمثل هذا، فهم قالوا: يد الله مغلولة، فوصفوه بالبخل، وهم قالوا: إن الله خلق السموات والأرض في ستة أيام، ثم تعب واستراح يوم السبت، ولهذا يجعلون يوم السبت هو يوم الراحة عندهم -قاتلهم الله- وهم كاذبون في هذا، قال الله تبارك وتعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُغُوبِ﴾ [ق:38].

 

وقيل: إنما قالوا هذا تمويها على ضعفائهم، لا أنهم يعتقدون هذا؛ لأنهم أهل كتاب. ولكنهم كفروا بهذا القول؛ لأنهم أرادوا تشكيك الضعفاء منهم ومن المؤمنين، وتكذيب النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-. أي إنه فقير على قول محمد -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؛ لأنه اقترض منا.

 

﴿وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ﴾ فجعلوا أنفسهم أكمل من الله، وهذا غاية ما يكون من الوقاحة.

 

﴿سَنَكْتُبُ﴾بنون العظمة.. والكتابة هنا كتابة الله عزّ وجل بملائكته؛ لأنهم يكتبون بأمره وهم جنده وفيه من التهديد والوعيد ما لا يخفى.


فالظاهر أنه أريد من الكتابة عدم الصفح ولا العفو بل سيثبت لهم ويجاوزون عنه فتكون الكتابة كناية عن لزوم المحاسبة.

 

﴿مَا قَالُوا﴾ما قالوه من هذه العظيمة الشنعاء في صحائف الحفظة. وهذا كقوله: ﴿وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ﴾ [الأنبياء:94]. وقيل: مقصود الكتابة الحفظ، أي سنحفظ ما قالوا لنجازيهم.

 

﴿وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ﴾إنما نظم مع ما قبله زيادة في مذمتهم بذكر مساوي أسلافهم، لأن الذين قتلوا الأنبياء هم غير الذين قالوا: ﴿إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ﴾ بل هم من أسلافهم، فذكر هنا ليدل على أن هذه بشاعة قديمة فيهم، وهي الاجتراء على الله ورسله، وأنه ليس أول جريمة ارتكبوها، وأن من اجترأ على قتل الأنبياء لم يستبعد منه هذا الكلام، وأن هؤلاء اعتدوا على حق الله وعلى حق رسله وأنبيائه.

 

أي: ونكتب قتلهم الأنبياء، أي رضاهم بالقتل. والمراد قتل أسلافهم الأنبياء؛ لكن لما رضوا بذلك صحت الإضافة إليهم.

 

روي أنه حسّن رجل عند الشعبي، قتل عثمان -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فقال له الشعبي: شركت في دمه. فجعل الرضا بالقتل قتلا؛ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-.

 

وهذه مسألة عظمى، حيث يكون الرضا بالمعصية معصية. وقد روى أبو داود عَنِ الْعُرْسِ ابْنِ عَمِيرَةَ الْكِنْدِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِذَا عُمِلَتِ الْخَطِيئَةُ فِي الْأَرْضِ، كَانَ مَنْ شَهِدَهَا فَكَرِهَهَا - وَقَالَ مَرَّةً: «أَنْكَرَهَا» - كَانَ كَمَنْ غَابَ عَنْهَا، وَمَنْ غَابَ عَنْهَا فَرَضِيَهَا، كَانَ كَمَنْ شَهِدَهَا)وهذا نص.

 

﴿بِغَيْرِ حَقٍّ﴾ هذا قيد كاشف وليس احترازي، يعني أن قتلهم للأنبياء بغير حق، وليس المعنى أن الأنبياء ينقسم قتلهم إلى قتل بحق وقتل بغير حق، فكل قتل للأنبياء إنما هو بغير حق، ومع ذلك لا يقتلون النبي لشخصه، وإنما يقتلونه لما جاء به من الحق أي أنهم يقتلونهم لكونهم أنبياء.

 

ففي هذا القيد فائدتان:

الأولى: بيان الواقع، فهي صفة كاشفة.

 

والثانية: المبالغة في التشنيع عليهم.. فإنهم يقتلونهم بغير حق وذلك للإشارة إلى شناعة أفعالهم، وعظم شرهم، وأنهم لَا يبالون أكان فعلهم في موضعه أم في غير موضعه.

 

﴿وَنَقُولُ﴾أي يقال لهم هذا في جهنم، أو عند الموت، أو عند الحساب.. ثم هذا القول من الله تعالى، أو من الملائكة؛ قولان.

 

﴿ذُوقُوا﴾الذوق إدراك الطعوم، ثم اتسع فيه لإدراك سائر المحسوسات والحالات، وذكره ههنا، لأن العذاب مرتب على قولهم الناشئ عن البخل، والتهالك على المال، وغالب حاجة الإنسان إليها لتحصيل المطاعم، ومعظم بخله به للخوف من فقدانه، ولذلك كثر ذكر الأكل مع المال - أفاده البيضاوي–.

 

وقيل: الذوق هو الإحساس، وهو هنا الإحساس بالألم، والتأصل في الذوق أن يكون في أمر مرغوب في ذوقه وطلبه، وهو هنا للألم، فالتعبير فيه تهكم عليهم، كما قال تعالى: ﴿فَبَشِّرْهم بِعَذَابٍ أَلِيم﴾[آل عمران:21].

 

﴿عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾الحريق النار الملتهبة، وإضافة عذاب الحريق بيانية، أي: العذاب الذي هو الحريق.

 

وهو قول يقصد به الإهانة والإذلال وإلا فإنهم سيذوقون عذاب الحريق، قيل لهم ذلك أم لم يقل، فهو حق.

 

فهؤلاء سوف يذوقون العذاب بالألم البدني والألم النفسي في قوله: ﴿وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾، ففي الحريق: ألم بدني، وفي قوله ﴿ذُوقُوا﴾: ألم نفسي؛ لأن هذا توبيخ وإهانة، فالأمر هنا للتوبيخ والإهانة.

 

♦ وفيه: بيان قدرة الله -عز وجل- حيث يحترق هؤلاء وتنضج جلودهم، وكلما نضجت جلودهم بدلوا جلوداً غيرها، ومع ذلك لا يموتون مع أن مثل هذا الحريق لو أصاب أحداً في الدنيا لهلك كما قال سبحانه: ﴿ثُمَّ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى﴾ [الأعلى:13] فلا يموت ويستريح، ولا يحيا حياة هنيئة.

 

﴿ذَلِكَ بِمَا﴾ الباء للسببية على أن هذا العذاب لعظم هوله مما يتساءل عن سببه، ففيه تهويل للعذاب.

 

﴿قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ﴾ وتخصيص الأيدي بالذكر؛ للدلالة على التمكن من الفعل وإرادته، ولأن أكثر الشر يكون ببطش اليد، ولأن نسبة الفعل إلى اليد تفيد الالتصاق به، والاتصال بذاته.

 

والتعبير بالأيدي عن الأنفس من حيث أن عامة أفاعيلها إنما تزاول بهنّ، فهو من قبيل التعبير عن الكل بالجزء الذي مدار جلّ العمل عليه.

 

﴿وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ يقال لهم ذلك تقريعاً وتوبيخاً وتحقيراً وتصغيراً، بسبب هتكهم حرمة الله، وحرمة كلامه وأنبيائه المبلغين له.

 

إن قيل: ظلاّم صيغة مبالغة من الظلم، تفيد الكثير، ولا يلزم من نفي الظلم الكثير نفي الظلم القليل، فلو قيل: بظالم، لكان أدل على نفي الظلم قليله وكثيره!

 

فالجواب عنه من أوجه:

أحدها: أن الصيغة للنسب من قبيل نجار وعطّار لا للمبالغة، والمعنى: لا ينسب إلى الظلم.

 

الثاني: أن فعالاً قد جاء لا يراد به الكثرة. وهذا يدل على نفي البخل في كل حال، ولأن تمام المدح لا يحصل بإرادة الكثرة.

 

والثالث: أن المبالغة لرعاية جمعية العبيد، من قولهم: فلان ظالم لعبده، وظلام لعبيده، فالصيغة للمبالغة كماً لا كيفاً.

 

الرابع: أنه إذا نفي الظلم الكثير انتفى الظلم القليل ضرورة، لأن الذي يظلم إنما يظلم لانتفاعه بالظلم، فإذا ترك الظلم الكثير مع زيادة نفعه في حق من يجوز عليه النفع والضر، كان للظلم القليل المنفعة أترك.

 

الخامس: إن المبالغة لتأكيد معنى بديع، وذلك لأن جملة: ﴿وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ اعتراض تذييلي مقرر لمضمون ما قبلها، أي: والأمر أنه تعالى ليس بمعذب لعبيده بغير ذنب من قبلهم.

 

والتعبير عن ذلك بنفي الظلم لبيان كمال نزاهته تعالى عن ذلك بتصويره بصورة ما يستحيل صدوره عنه سبحانه من الظلم، كما يعبر عن ترك الإثابة على الأعمال بإضاعتها. وصيغة المبالغة لتأكيد هذا المعنى بإبراز ما ذكر من التعذيب بغير ذنب في صورة المبالغة في الظلم.

 

والصفات المنفية لا يُراد بها مجرد النفي، بل المراد انتفاء هذه الصفة لثبوت كمال الضد، فإذا نفى أن يكون ظلاماً للعبيد فذلك لكمال عدله، وإذا نفى أن تأخذه سنة ولا نوم فذلك لكمال حياته وقيوميته، وإذا نفى أن يصيبه لغوب فذلك لكمال قوته، وهكذا.

 

﴿الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ قُلْ قَدْ جَاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ وَبِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [آل عمران: 183].

 

﴿الَّذِينَ قَالُوا﴾ هم الذين قالوا.. سيقت للذم، وفيه ذكر قولة أخرى شنيعة منهم.

 

﴿إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا﴾ أمرنا، أو أوصانا وصية موثقة بالعهد.

 

﴿أَلَّا نُؤْمِنَ لِرَسُولٍ﴾ نصدقه ونذعن لما يدعو إليه ونخضع؛ إذ المطلوب منهم هو الإذعان للحق والخضوع له والتسليم به.

 

﴿حَتَّى يَأْتِيَنَا بِقُرْبَانٍ تَأْكُلُهُ النَّارُ﴾ فالرسول هو الذي يأتي بالقربان من النعم مما يتقرب به إلى الله تعالى ذبحا، ويقدمه هو، ثم تنزل نار البيضاء من السماء فتأكله، فليسوا هم الذين يقدمون القربان الذي تأكله النار، بل الذي يفعل ذلك هو الرسول إعجازا، ولبيان أنه رسول، وتكون معجزة وآية كما حصل في عهد موسى وهارون من نزول النار وأكلها المحرقة.. إلا أنها معجزة لا تطرد لسائر الأنبياء كما زعمه اليهود لأن معجزات الرسل تجيء على ما يناسب تصديق الأمة.

 

وقيل: كان أمر القرابين ثابتا إلى أن نسخت على لسان عيسى ابن مريم. وكان النبي منهم يذبح ويدعو فتنزل نار بيضاء لها دوي وحفيف لا دخان لها، فتأكل القربان.

 

واعلم أن القربان -بضم القاف- معناه لغةً: ما يتقرب به إلى الله تعالى وسيلة لمرضاته. قال في «مرشد الطالبين»: ذبائح العبرانيين عديدة جداً، وكان المستعمل من هذه الذبيحة -بتعيين الله-: الثيران والنعاج والمعز والحمام واليمام.

 

وكانت الذبائح نوعين عامّين: إحداهما كانت تقرّب لتكفير الخطايا، والأخرى شكراً لله على مراحمه وبركاته.

 

ثم قال: فالذبيحة اليومية كانت مشهورة جداً، وهي خروف بلا عيب، يقدم وقوداً لله كفارة للخطايا، وذلك مرتان صباحاً ومساءً، طول مدة السنة، فالتي في الصباح تقدم عن خطايا الشعب ليلاً، والتي في المساء عن خطاياهم نهاراً.

 

وقبل فعل الذبيحة تعترف كل الشعوب بخطاياها فوق الحيوان المراد ذبحه على يد الكاهن الخادم، وبهذا كان ينقل الإثم إليه بواسطة وضع وكلاء الشعب أيديهم على رأسه، ثم يذبح ويقرب وقوداً.

 

وفي غضون ذلك تسجد الجماعة في الدار، وتبخر الكهنة على المذابح الذهبية، ويقدمون الطلبات لله عن الشعب، وأما في يوم السبت، فكانت تتضاعف الذبيحة، ويقرب في كل دفعة خروفان.

 

ويوم الكفارة كان ممتازاً بالذبيحة السنوية، وهي أنه بعد أن يقرب الكاهن ثوراً كفارة لخطايا عائلته يقرب ماعزان كفارة لخطايا الشعب. انتهى

 

﴿قُلْ﴾يا محمد تبكيتاً لهم، وإظهاراً لكذبهم ﴿قَدْ جَاءَكُمْ﴾يا معشر يهود ﴿رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّنَاتِ﴾ الآيات والمعجزات الواضحةالدالة على رسالتهم وصدقهم.

 

﴿وَبِالَّذِي قُلْتُمْ﴾ بعينه من نار تأكل القرابين المتقبلة.

 

وقدم قوله بالبينات ليدل على أن ما قالوه وإن كان آية، لكنه دون البينات التي جاؤوا بها؛ لأنهم جاؤوا بأعظم من هذا، فمثلاً موسى -عليه الصلاة والسلام- جاء ببينة أعظم من ذلك: كان يلقي العصا فتكون حية، ويحملها فتكون عصا، وكان يدخل يده في جيبه فتخرج بيضاء لكن من غير عيب أو من غير برص، كذلك عيسى كان يخرج الأموات من القبور أحياء، أو يقف على الميت قبل أن يدفن فيحيا بإذن الله، ويخلق من الطين كهيئة الطير بإذن الله فينفخ فيه فيكون طيراً، أو فيكون طائراً فيه قراءتان.

 

فأيهما أعظم.. هذه البينات أم أن تنزل من السماء نار تأكل القربان؟!

﴿فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ﴾فلم قابلتموهم بالتكذيب والمخالفة والمعاندة وقتلتموهم. إذ إن القتل لَا يكون إلا أثرا من آثار التكذيب العنيد، والجحود الشديد

 

فقتلتم زكريا ويحيى وشعيا، وسائر من قتلوا من الأنبياء عليهم السلام ولم تؤمنوا بهم.. أراد بذلك أسلافهم.

 

وهذه الآية هي التي تلاها عامر الشعبي رضي الله عنه، فاحتج بها على الذي حسّن قتل عثمان -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- كما بيناه.

 

والله تعالى سمى اليهود قتلة لرضاهم بفعل أسلافهم، وإن كان بينهم نحو من سبعمائة سنة، ولأنهم تكلموا عن الماضين منهم بأنهم منهم فقالوا: ﴿إِنَّ اللَّهَ عَهِدَ إِلَيْنَا﴾، مع أن الأمر كان في هؤلاء الماضين لَا فيهم، لذلك كان عليهم أن يتحملوا وصف الإجرام الذي وقع من الماضين حتى يتخلصوا من تلك الأمة الخاسرة، ويدخلوا في أمة الإيمان وأهل الإذعان.

 

﴿إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ في أنكم تتبعون الحق وتنقادون للرسل.

والاستفهام إنكاري ينفي أن يكون ثمة مبرر للقتل على أي وجه كان المبرر، وينفي أيضا صدقهم.

 

﴿ فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ ﴾ [آل عمران:184].

 

﴿فَإِنْ كَذَّبُوكَ﴾بعد بطلان عذرهم المذكور﴿فَقَدْ كُذِّبَ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ﴾ فلا تحزن.

 

﴿جَاءُوا بِالْبَيِّنَاتِ﴾الآيات البينات الشرعية والكونية، فالآيات الشرعية هي الكتب التي جاءوا بها، والآيات الكونية هي ما يُسمى بالمعجزات الحسية.

 

﴿وَالزُّبُرِ﴾ الكتب الموحاة منه تعالى.. الكتب المزبورة، يعني المكتوبة. والزبر جمع زبور وهو الكتاب. وأصله من زبرت أي كتبت. وكل زبور فهو كتاب.

 

وقيل: الزبور ما اشتمل على المواعظ والزواجر، ولهذا كان الزبور الذي أوتيه داود أكثره مواعظ وزواجر. وأما الكتاب فما اشتمل على الأحكام الشرعية.

 

﴿وَالْكِتَابِ الْمُنِيرِ﴾ الواضح الجلي. والزبور والكتاب واحد في الأصل، وإنما ذكرا لاختلاف الوصفين. فالزبور فيه حكم زاجرة، والكتاب المنير هو المشتمل على جميع الشريعة.

 

وقيل: جمع بين الزبر والكتاب -وهما بمعنى- لاختلاف لفظهما.

 

وقيل: عطف من باب عطف الصفة على الصفة الأخرى؛ لأن الزبر تتضمن الكتاب المنير وعطف الصفات بعضها على بعض موجود في القرآن، ومنه: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى * وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى﴾ [الأعلى:1-4] فالتغاير تغاير صفة وليس تغاير ذات.

 

﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ﴾ [آل عمران:185].

 

﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ﴾ هذه الآية مرتبطة بأصل الغرض المسوق له الكلام، وهو تسلية المؤمنين على ما أصابهم يوم أحد، وتفنيد شبه المنافقين في مزاعمهم أن الناس لو استشاروهم في القتال لأشاروا بما فيه سلامتهم فلا يهلكوا.

 

وهنا إشارة بيانية أخرى رائعة هي أنه أسند ذوق الموت إلى النفس، ولم يسنده إلى الشخص؛ لأن النفس روح، والشخص جزءان جسد ونفس، وإن النفس تبقى بعد مفارقة الجسد، فهي التي تذوق الموت، كما ذاقت الحياة الدنيا، فإسناد الذوق إليها لأنها باقية.

 

وعبر بالذوق لأنه أبلغ في الحصول؛ فالذوق يحصل به حق اليقين، وقد قسم العلماء اليقين إلى ثلاث درجات: علم، وعين، وحق. العلم بالخبر، والعين بالمشاهدة، والحق بالذوق.

 

والآية كقوله تعالى: ﴿كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ﴾ [الرحمن:26-27] فهو تعالى وحده هو الحي الذي لا يموت والإنس والجن يموتون، وكذلك الملائكة وحملة العرش، وينفرد الواحد الأحد القهار بالديمومة والبقاء، فيكون آخرًا كما كان أولا.

 

أما قوله تعالى: ﴿وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّهُ﴾ [الزمر:68] ذكر العلماء أنه يستثنى من هذا من لا يموت ممن خُلقوا للبقاء كالولدان الذين في الجنة والحور اللاتي في الجنة.

 

وفي هذه الآية تعزية لجميع الناس، ووعد ووعيد للمصدق والمكذب.

 

﴿وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ﴾أي تكمل لكم أجوركم لا نقص فيها، والخطاب هنا للأشخاص لَا للنفوس وحدها.

وفيه تعريض بأنهم قد حصلت لهم أجور عظيمة في الدنيا على تأييدهم للدين: منها النصر يوم بدر، ومنها كف أيدي المشركين عنهم في أيام مقامهم إلى أن تمكنوا من الهجرة.

 

﴿يَوْمَ الْقِيَامَةِ﴾ تعطون جزاء أعمالكم وافياً يوم القيامة، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر. فأجر المؤمن ثواب، وأجر الكافر عقاب.

 

قال الزمخشري: فإن قلت: فهذا يوهم نفي ما يروى أن القبر روضة من رياض الجنة، أو حفرة من حفر النار! قلت: كلمة التوفية تزيل هذا الوهم، لأن المعنى أن توفية الأجور وتكميلها يكون ذلك اليوم، وما يكون قبل ذلك فبعض الأجور.

 

وقال الرازي: بيّن تعالى أن تمام الأجر والثواب لا يصل إلى المكلف إلا يوم القيامة، لأن كل منفعة تصل إلى المكلف في الدنيا فهي مكدرة بالغموم والهموم، وبخوف الانقطاع والزوال، والأجر التام والثواب الكامل إنما يصل إلى المكلف يوم القيامة، لأن هناك يحصل السرور بلا غم، والأمن بلا خوف، واللذة بلا ألم، والسعادة بلا خوف الانقطاع. وكذا القول في العقاب، فإنه لا يحصل في الدنيا ألم خالص عن شوائب اللذة، بل يمتزج به راحات وتخفيفات، وإنما الألم التام الخالص الباقي هو الذي يكون يوم القيامة، نعوذ بالله منه.

 

﴿فَمَنْ زُحْزِحَ﴾ أبعد﴿عَنِ النَّارِ﴾التي هي مجمع الآفات والشرور﴿وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ﴾ الجامعة للَّذات والسرور.. وإنما جمع بين ﴿زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ﴾، مع أن في الثاني غُنْيَةً عن الأول، للدلالة على أن دخول الجنة يشمل على نعمتين عظيمتين: النجاة من النار، ونعيم الجنة.

 

﴿فَقَدْ فَازَ﴾حصل الفوز العظيم، وهو الظفر بالبغية، أعني النجاة من سخط الله والعذاب السرمد، ونيل رضوان الله والنعيم المخلد.

 

قال -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنْ النَّارِ وَيُدْخَلَ الْجَنَّةَ، فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ) [مسلم].

 

وروى الترمذي عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (إِنَّ مَوْضِعَ سَوْطٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا. اقْرَءُوا إِنْ شِئْتُمْ: ﴿فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الغُرُورِ﴾ [آل عمران: 185]): «هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ»

 

﴿وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا﴾ لذاتها﴿إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ﴾المتاع: ما يتمتع وينتفع به، كالفأس والقدر والقصعة ثم يزول ولا يبقى ملكه.

 

والغُرور: غره، أي: خدعه وأطمعه بالباطل، وقيل: الغرور ما رأيت له ظاهرا تحبه، وفيه باطن مكروه أو مجهول.

 

والغَرور الشيطان؛ يغر الناس بالتمنية والمواعيد الكاذبة. والشيطان غرور؛ لأنه يحمل على محاب النفس، ووراء ذلك ما يسوء. ومن هذا بيع الغَرر، وهو ما كان له ظاهر بيع يغر وباطن مجهول.

 

وإنما وصف عيش الدنيا بذلك لما تمنِّيه لذاتها من طول البقاء، وأمل الدوام، فتخدعه ثم تصرعه.

 

قال الحسن: كخضرة النبات، ولعب البنات لا حاصل له.

 

وقال قتادة: هي متاع متروك توشك أن تضمحل بأهلها؛ فينبغي للإنسان أن يأخذ من هذا المتاع بطاعة الله سبحانه ما استطاع.

 

وقال بعض السلف: الدنيا متاع متروك يوشك أن يضمحل ويزول. فخذوا من هذا المتاع واعملوا فيه بطاعة الله ما استطعتم.

 

﴿ لَتُبْلَوُنَّ فِي أَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ ﴾ [آل عمران:186].

 

بين الله سبحانه وتعالى في الآيات السابقة أن محنة أُحد كانت فيها العِبَر، وكانت تمحيصا لقلوب المؤمنين وصقلا لنفوسهم ثم ذكر سبحانه من بعد ذلك أن المستقبل سيكون من جنس الماضي، وأنه سينزل بالمؤمنين ضروب من البلاء كالتي نزلت أو أقوى، وأن واجب التبليغ والإيمان يتقاضاهم أن يتحملوا ذلك بصبر وتقوى واحتياط ولذلك قال سبحانه وتعالى:

﴿لَتُبْلَوُنَّ﴾ الابتلاء: الاختبار، ويراد به هنا لازمة وهو المصيبة، لأن في المصائب اختبارا لمقدار الثبات.

 

وقد أكد سبحانه وقوع الابتلاء بالقسم، واللام الموطئة للقسم، ونون التوكيد الثقيلة، وقد أكد بهذه التأكيدات ليكون الوقوع مستيقنا، وليستعدوا بالصبر والمجاهدة، والاعتماد على الله تعالى.

 

﴿فِي أَمْوَالِكُمْ﴾ بما يصيبها من الآفات بإنفاقه في سبيل الله تعالى، وتبديده بغارات الأعداء، وبالتكليفات الكثيرة المتعلقة به، وبالجوائح تنزل به، فكل هذا اختبار بالمال، وإنه ليسمى نفيسا؛ لأنه قرين النفس، وإن كان دونها، وهي أغلى منه، والمعنى: ليست أحوال المؤمن رخاء دائما، بل فيها شدة وبلاء يقتضي الصبر، وفيها نعمة وإحسان يقتضي الشكر.. وبدأ بذكر الأموال لكثرة المصائب بها.

 

﴿وَأَنْفُسِكُمْ﴾بالقتل والأسر والجراح، وما يرد عليها من صنوف المتاعب والأمراض والمخاوف والشدائد.

 

والآية استئناف لإيقاظ المؤمنين إلى ما يعترض أهل الحق وأنصار الرسل من البلوى، وتنبيه لهم على أنهم إن كانوا ممن توهنهم الهزيمة فليسوا أحرياء بنصر الحق، وأكد الفعل بلام القسم وبنون التوكيد الشديدة لإفادة تحقيق الابتلاء، إذ نون التوكيد الشديدة أقوى في الدلالة على التوكيد من الخفيفة.

 

وهذا كقوله تعالى: ﴿وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ﴾ [البقرة:155].

وفي مسند أحمد عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: قَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللهِ أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ بَلاءً؟ قَالَ: (الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الْأَمْثَلُ، فَالْأَمْثَلُ، حَتَّى يُبْتَلَى الْعَبْدُ عَلَى قَدْرِ دِينِهِ، ذَاكَ فَإِنْ كَانَ صُلْبَ الدِّينِ ابْتُلِيَ عَلَى قَدْرِ ذَاكَ -وَقَالَ مَرَّةً: أَشَدُّ بَلاءً- وَإِنْ كَانَ فِي دِينِهِ رِقَّةٌ ابْتُلِيَ عَلَى قَدْرِ ذَاكَ - وَقَالَ مَرَّةً: عَلَى حَسَبِ دِينِهِ - قَالَ: فَمَا تَبْرَحُ الْبَلايَا عَنِ الْعَبْدِ، حَتَّى يَمْشِيَ فِي الْأَرْضِ -يَعْنِي- وَمَا إِنْ عَلَيْهِ مِنْ خَطِيئَةٍ) [حسن]

 

﴿وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا﴾وفي الجمع بين العالم بالكتاب والجاهل به إشارة إلى أنه عند وجود المعاندة يستوي العالم والجاهل، فإن الجاهل يَعْمهُ في عمياء جهالته، والعالم يطمس الله تعالى على قلبه، فيكون هو والجاهل سواء.

 

﴿أَذًى كَثِيرًا﴾من الافتراء على الله تعالى، والتهكم على القرآن، والسخرية من الشرع الإسلامي.. ولذلك وصفه هنا بالكثير، أي الخارج عن الحد الذي لا تحتمله النفوس غالبا، وكل ذلك مما يفضي إلى الفشل.

 

فهو كثير ليس بقليل في مقداره، ولا في نوعه، ولا في موضوعه، فالكثرة ليس المراد منها المقدار فقط، بل الكثرة تشمل: المقدار، والنوع، والطريقة، والموضوع.

 

قال البخاري: بَاب ﴿وَلَتَسْمَعُنَّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا﴾.

 

عن عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ أَنَّ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رَكِبَ عَلَى حِمَارٍ عَلَى قَطِيفَةٍ فَدَكِيَّةٍ وَأَرْدَفَ أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ وَرَاءَهُ يَعُودُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ فِي بَنِي الْحَارِثِ بْنِ الْخَزْرَجِ قَبْلَ وَقْعَةِ بَدْرٍ قَالَ حَتَّى مَرَّ بِمَجْلِسٍ فِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ وَذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُسْلِمَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ فَإِذَا فِي الْمَجْلِسِ أَخْلَاطٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ عَبَدَةِ الْأَوْثَانِ وَالْيَهُودِ وَالْمُسْلِمِينَ وَفِي الْمَجْلِسِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ فَلَمَّا غَشِيَتْ الْمَجْلِسَ عَجَاجَةُ الدَّابَّةِ خَمَّرَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ أَنْفَهُ بِرِدَائِهِ ثُمَّ قَالَ لَا تُغَبِّرُوا عَلَيْنَا فَسَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَيْهِمْ ثُمَّ وَقَفَ فَنَزَلَ فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ وَقَرَأَ عَلَيْهِمْ الْقُرْآنَ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ أَيُّهَا الْمَرْءُ إِنَّهُ لَا أَحْسَنَ مِمَّا تَقُولُ إِنْ كَانَ حَقًّا فَلَا تُؤْذِنَا بِهِ فِي مَجْلِسِنَا ارْجِعْ إِلَى رَحْلِكَ فَمَنْ جَاءَكَ فَاقْصُصْ عَلَيْهِ فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ فَاغْشَنَا بِهِ فِي مَجَالِسِنَا فَإِنَّا نُحِبُّ ذَلِكَ فَاسْتَبَّ الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْيَهُودُ حَتَّى كَادُوا يَتَثَاوَرُونَ فَلَمْ يَزَلْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخَفِّضُهُمْ حَتَّى سَكَنُوا ثُمَّ رَكِبَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- دَابَّتَهُ فَسَارَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَا سَعْدُ أَلَمْ تَسْمَعْ مَا قَالَ أَبُو حُبَابٍ يُرِيدُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ قَالَ كَذَا وَكَذَا قَالَ سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ يَا رَسُولَ اللَّهِ اعْفُ عَنْهُ وَاصْفَحْ عَنْهُ فَوَالَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ لَقَدْ جَاءَ اللَّهُ بِالْحَقِّ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ لَقَدْ اصْطَلَحَ أَهْلُ هَذِهِ الْبُحَيْرَةِ عَلَى أَنْ يُتَوِّجُوهُ فَيُعَصِّبُوهُ بِالْعِصَابَةِ فَلَمَّا أَبَى اللَّهُ ذَلِكَ بِالْحَقِّ الَّذِي أَعْطَاكَ اللَّهُ شَرِقَ بِذَلِكَ فَذَلِكَ فَعَلَ بِهِ مَا رَأَيْتَ فَعَفَا عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَأَصْحَابُهُ يَعْفُونَ عَنْ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ كَمَا أَمَرَهُمْ اللَّهُ وَيَصْبِرُونَ عَلَى الْأَذَى قَالَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: ﴿وَلَتَسْمَعُنَّ مِنْ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنْ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا﴾ الْآيَةَ وَقَالَ اللَّهُ: ﴿وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ﴾.

 

إِلَى آخِرِ الْآيَةِ وَكَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَتَأَوَّلُ الْعَفْوَ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ حَتَّى أَذِنَ اللَّهُ فِيهِمْ فَلَمَّا غَزَا رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بَدْرًا فَقَتَلَ اللَّهُ بِهِ صَنَادِيدَ كُفَّارِ قُرَيْشٍ قَالَ ابْنُ أُبَيٍّ ابْنُ سَلُولَ وَمَنْ مَعَهُ مِنْ الْمُشْرِكِينَ وَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ هَذَا أَمْرٌ قَدْ تَوَجَّهَ فَبَايَعُوا الرَّسُولَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَلَى الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمُوا.

 

﴿وَإِنْ تَصْبِرُوا﴾ على ذلك ﴿وَتَتَّقُوا﴾ مخالفة أمره تعال ى﴿فَإِنَّ ذَلِكَ﴾ الصبر والتقوى.

 

﴿مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ﴾ العزم: إمضاء الرأي وعدم التردد بعد تَبْيِينِ السَّدَادِ. والمراد هنا العزم في الخيرات.. والتقدير: وإن تصبروا وتتقوا تنالوا ثواب أهل العزم.

 

أي الصبر والتقوى من الأمور المعزومة التي تحتاج إلى عزم وإلى همة وإلى مكابدة لأنها شاقة على النفس، والعزم في الأمور من الصفات الحميدة التي وصف بها الكمّل من الخلق، قال تعالى: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾ [الأحقاف:35]، فالعزم لا شك أنه خُلق عال يهبه الله عز وجل لمن يشاء، فإذا كان الإنسان عنده عزم في أموره فهذا هو الموفق، أما الإنسان الذي ليس عنده عزم فتجده دائماً في ملل، وفي كسل، وفي تهاون، فإن هذا لا شك خاسر، فالإنسان العازم في أموره هو الرابح دنيا وديناً.

 

وكان من قام بحق، أو أمر بمعروف، أو نهى عن منكر، فلا بد أن يؤذَى، فما له دواء إلا الصبر في الله، والاستعانة بالله، والرجوع إلى الله عز وجل.

 

وقد اختلف العلماء رحمهم الله: هل هذه الآية منسوخة وأننا نصبر ونتقي إذا كنا عاجزين عن الرد بالمثل، أو هي محكمة؟ والصحيح أنها محكمة، وأنها إنما تكون في حال يكون الصبر فيه على الأذى خيراً، أما إذا كان الأمر بالعكس فالرد أولى.. فالخير مطلوب في جميع الأحوال

.

فليست الآية مقتضية عدم الإذن بالقتال من حيث إنه أمرهم بالصبر على أذى الكفار حتى تكون منسوخة بآيات السيف، لأن الظاهر أن الآية نزلت بعد وقعة أحد، وهي بعد الأمر بالقتال.. قاله القفال.

 

﴿ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ ﴾ [آل عمران:187].

 

﴿وَإِذْ﴾ واذكر إذ﴿أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ﴾ هو العهد الثقيل المؤكد الذي لَا يقبل تأويلا ولا احتمالا، مشتق من الوثاق، وهو الحبل الذي يشد به الإنسان ويربط؛ لأنه كالرباط للمعاهد.

 

﴿الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾هم علماء اليهود والنصارى، فالآية توبيخ لهم، ثم مع ذلك هو خبر عام لهم ولغيرهم.

 

والعالم لا يشعر بهذا الميثاق، لكن إيتاء الله العلم له يعتبر ميثاقاً، فالله تعالى لم يهبه هذا العلم إلا من أجل أن يبينه وإن كان الإنسان لا يستحضر أنه جرى بينه وبين الله عهد.

 

وقيل: هذا الميثاق أخذ على سلفهم من عهد رسولهم وأنبيائهم، وكان فيه ما يدل على عمومه لعلماء أمتهم في سائر أجيالهم إلى أن يجيء رسول.

 

﴿لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ﴾ لتظهرن جميع ما فيه من الأحكام والأخبار التي من جملتها أمر نبوته -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

 

والآية التفات من الغائب إلى الخطاب؛ إذ إنه كان متحدثا عنهم، ثم فسر الكتاب بالخطاب، لتأكيد أخذ الميثاق بإعلان أنهم ما كانوا غائبين عند أخذه، بل كانوا حاضرين مخاطبين، فالعهد قد أخذ عليهم بألسنتهم.

 

﴿وَلَا تَكْتُمُونَهُ﴾ من النهي عن الكتمان، بعد الأمر بالبيان، مبالغة في إيجاب المأمور به. أي: لتبيننه بياناً لا كتمان فيه.

 

وأكد قوله تعالى: ﴿لَتُبَيِّنُنَّهُ للنَّاسِ﴾ بعدة توكيدات، بالقسم وبلامه، وبنون التوكيد الثقيلة، ولم يؤكد ﴿ولا تَكتمونه﴾؛ وذلك لأن طلب البيان مشدد ومؤكد، وبذلك يتأكد عدم الكتمان بتأكد طلب البيان، ولو أن أدوات التوكيد لحقت ﴿ولا تكتمونه﴾ لأوهم الأسلوب أن المنفي هو الكتمان المؤكد المبالغ، أما غيره فلا ينفي، فلو قيل: (ولا تكتمنّه) لأوهم الأسلوب أن المراد النهي عن المبالغة في الكتمان، فغير المبالغة في موضع الإباحة، وذلك غير معقول.

 

﴿فَنَبَذُوهُ﴾ أي: الميثاق، والنبذ الطرح، أي: فطرحوه ولم يراعوه. وعطف بالفاء الدالة على التعقيب للإشارة إلى مسارعتهم إلى ذلك.

 

﴿وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ﴾ مبالغة في الإطراح، وأنهم لن يعودوا إلى ما نبذوه.. ونبذُ الشيء وراء الظهر مثل في الاستهانة به، والإعراض عنه بالكلية. كما أن جعله نصب العين علم في كمال العناية به.

 

﴿وَاشْتَرَوْا بِهِ﴾استبدلوا به﴿ثَمَنًا قَلِيلًا﴾شيئاً حقيراً من حطام الدنيا.. من إبقاء رئاستهم وجاههم وسلطانهم على قومهم؛ لأن هؤلاء الأحبار والقسيسين لو تبعوا محمداً زالت رئاستهم ووجاهتهم وصاروا كعامة الناس.

 

وقال ابن عاشور: وهو ما يأخذونه من الرشى والجوائز من أهل الأهواء والظلم من الرؤساء والعامة على تأييد المظالم والمفاسد بالتأويلات الباطلة، وتأويل كل حكم فيه ضرب على أيدي الجبابرة والظلمة بما يطلق أيديهم في ظلم الرعية من ضروب التأويلات الباطلة، وتحذيرات الذين يصدعون بالمنكر. وهذه الآية وإن كانت في أهل الكتاب إلا أن حكمها يشمل من يرتكب مثل صنيعهم من المسلمين لاتحاد جنس الحكم والعلة فيه.

 

ووصف الله هذا بأنه (قليل)؛ لأن جميع ما في الدنيا قليل، وأنهم لم يأخذوا مقابله ولا مماثله ولا ما فوقه، لكنهم أخذوا بدله ثمناً قليلاً، مما يدل على خسة هممهم، وأن هممهم دنيئة حيث أخذوا الأدنى بدلاً عن الأعلى.

 

﴿فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ﴾بتغيير كلام الله ونبذ ميثاقه.

 

روى أحمد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (مَنْ سُئِلَ عَنْ عِلْمٍ فَكَتَمَهُ، أُلْجِمَ بِلِجَامٍ مِنْ نَارٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) [صحيح]

 

قال الحسن وقتادة: هي في كل من أوتي علم شيء من الكتاب. فمن علم شيئا فليعلمه، وإياكم وكتمان العلم فإنه هلكة.

 

وقال محمد بن كعب: لا يحل لعالم أن يسكت على علمه، ولا للجاهل أن يسكت على جهله؛ قال الله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ﴾ الآية. وقال: ﴿فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ﴾ [النحل:42].

 

وقال أبو هريرة: لولا ما أخذ الله -عز وجل- على أهل الكتاب ما حدثكم بشيء. ثم تلا: ﴿وَإِذَ أَخَذَ اللّهُ.. ﴾ الآية.

 

وقال الحسن بن عمارة: أتيت الزهري بعد ما ترك الحديث، فألفيته على بابه فقلت: إن رأيت أن تحدثني. فقال: أما علمت أني تركت الحديث؟ فقلت: إما أن تحدثني وإما أن أحدثك. قال حدثني. قلت: حدثني الحكم بن عتيبة عن يحيى بن الجزار قال سمعت علي بن أبي طالب يقول: ما أخذ الله على الجاهلين أن يتعلموا حتى أخذ على العلماء أن يعلموا. قال: فحدثني أربعين حديثا.

 

قال العلامة الزمخشري: "كفى بهذه الآية دليلاً على أنه مأخوذ على العلماء أن يبينوا الحق للناس وما علموه، وأن لا يكتموا منه شيئاً لغرض فاسد من تسهيل على الظلمة، وتطييب لنفوسهم، واستجلاب لمسارّهم، أو لجر منفعة وحطام الدنيا، أو لتقية مما لا دليل عليه ولا أمارة، أو لبخل بالعلم، وغيرة أن ينسب إليه غيرهم".

 

قال العلامة أبو السعود: في تصوير هذه المعاملة بعقد المعاوضة، لاسيما بالاشتراء المؤذن بالرغبة في المأخوذ، والإعراض عن المعطي، والتعبير عن المشتري الذي هو العمدة في العقد والمقصود بالمعاملة بالثمن الذي شأنه أن يكون وسيلة إليه، وجعل الكتاب الذي حقه أن يتنافس فيه المتنافسون، مصحوباً بالباء الداخلة على الآلات والوسائل- من نهاية الجزالة والدلالة على كمال فظاعة حالهم وغاية قبحها بإيثارهم الدنيء الحقير، على الشريف الخطير، وتعكيسهم بجعلهم المقصد وسيلة، والوسيلة مقصداً- ما لا يخفي جلالة شأنه ورفعة مكانه.

 

﴿ لاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَواْ وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ﴾ [آل عمران: 188].

 

﴿لاَ تَحْسَبَنَّ﴾تأكيد للنهي، وليس بتوكيد للظن﴿الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَواْ﴾فرح أشر وبطر ومِنّة على الله تعالى وعلى رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِمَا أَتَوا، أي بما أتوا من الأعمال التي يتقربون بها إلى الله على زعمهم.


﴿وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُواْ بِمَا لَمْ يَفْعَلُواْ﴾يعني بذلك المرائين المتكثرين بما لم يُعْطَوا ويبذلوا.

 

﴿فَلاَ تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِّنَ الْعَذَابِ﴾أي: بمنجاة من العذاب، وسمي موضع المخاوف كالصحاري مفازة على جهة التفاؤل؛ قاله الأصمعي. وقيل: إنما سميت مفازة؛ لأن من قطعها فاز.

 

﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ جملة استئنافية، لما بين أنهم ليسوا بمفازة من العذاب وليسوا ناجين أكد هذا بقوله: ﴿وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ بمعنى مؤلم أشد الإيلام، أو بكل ما يتصور العقل من إيلام، ولذلك جاءت كلمة ﴿أليم﴾ نكرة.

 

ولا شك أن من نسب إلى نفسه ما ليس لها من الخير، أو ادعى ما ليس عنده من الفضل، فقد كذب على نفسه، وكذب على الناس.

 

قال الشيخ السعدي رحمه الله: "أي: بالخير الذي لم يفعلوه، والحق الذي لم يقولوه، فجمعوا بين فعل الشر وقوله، والفرح بذلك ومحبة أن يحمدوا على فعل الخير الذي ما فعلوه".

 

وعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَقُولُ إِنَّ زَوْجِي أَعْطَانِي، مَا لَمْ يُعْطِنِي؟

فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلَابِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ) [رواه مسلم].

 

قال النووي رحمه الله: قَالَ الْعُلَمَاء: مَعْنَاهُ الْمُتَكَثِّر بِمَا لَيْسَ عِنْده، بِأَنْ يَظْهَر أَنَّ عِنْده مَا لَيْسَ عِنْده، يَتَكَثَّر بِذَلِكَ عِنْد النَّاس، وَيَتَزَيَّن بِالْبَاطِلِ، فَهُوَ مَذْمُوم كَمَا يُذَمّ مَنْ لَبِسَ ثَوْبَيْ زُور.

 

قَالَ أَبُو عُبَيْد وَآخَرُونَ: هُوَ الَّذِي يَلْبَس ثِيَاب أَهْل الزُّهْد وَالْعِبَادَة وَالْوَرَع، وَمَقْصُوده أَنْ يَظْهَر لِلنَّاسِ أَنَّهُ مُتَّصِف بِتِلْكَ الصِّفَة، وَيَظْهَر مِنْ التَّخَشُّع وَالزُّهْد أَكْثَر مِمَّا فِي قَلْبه، فَهَذِهِ ثِيَاب زُور وَرِيَاء، وَقِيلَ: هُوَ كَمَنْ لَبِسَ ثَوْبَيْنِ لِغَيْرِهِ، وَأَوْهَمَ أَنَّهُمَا لَهُ، وَقِيلَ: هُوَ مَنْ يَلْبَس قَمِيصًا وَاحِدًا وَيَصِل بِكُمَّيْهِ كُمَّيْنِ آخَرَيْنِ، فَيَظْهَر أَنَّ عَلَيْهِ قَمِيصَيْنِ، وَحَكَى الْخَطَّابِيُّ قَوْلًا آخَر أَنَّ الْمُرَاد هُنَا بِالثَّوَابِ الْحَالَة وَالْمَذْهَب، وَالْعَرَب تَكْنِي بِالثَّوْبِ عَنْ حَال لَابِسه، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ كَالْكَاذِبِ الْقَائِل مَا لَمْ يَكُنْ، وَقَوْلًا آخَر أَنَّ الْمُرَاد الرَّجُل الَّذِي تُطْلَب مِنْهُ شَهَادَة زُور، فَيَلْبَس ثَوْبَيْنِ يَتَجَمَّل بِهِمَا، فَلَا تُرَدّ شَهَادَته لِحُسْنِ هَيْئَته، وَاللَّه أَعْلَم.

 

وعَنْ ثَابِتِ بْنِ الضَّحَّاكِ عَنْ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (وَمَنْ ادَّعَى دَعْوَى كَاذِبَةً لِيَتَكَثَّرَ بِهَا لَمْ يَزِدْهُ اللَّهُ إِلَّا قِلَّةً) متفق عليه، واللفظ لمسلم.

 

قال ابن حجر: "ولا مانع من أن يتناول الآية كلَّ من أتى بحسنة وفَرِحَ بها فَرَحَ إعجاب، وأحب أن يحمده الناس ويثنوا عليه بما ليس فيه. والله تعالى أعلم".

 

وفي الحكم: «لا تُفرحكَ الطاعة من حيث إنها صَدَرَتْ منك، وافرح بها من حيث إنها هدية من الله عليك؛ ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ﴾ [ يُونس: 58 ]».

 

وفي صحيح البخاري عَنْ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ أَنَّ عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ مَرْوَانَ قَالَ لِبَوَّابِهِ اذْهَبْ يَا رَافِعُ إِلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقُلْ لَئِنْ كَانَ كُلُّ امْرِئٍ فَرِحَ بِمَا أُوتِيَ وَأَحَبَّ أَنْ يُحْمَدَ بِمَا لَمْ يَفْعَلْ مُعَذَّبًا لَنُعَذَّبَنَّ أَجْمَعُونَ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمَا لَكُمْ وَلِهَذِهِ إِنَّمَا دَعَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَهُودَ فَسَأَلَهُمْ عَنْ شَيْءٍ فَكَتَمُوهُ إِيَّاهُ وَأَخْبَرُوهُ بِغَيْرِهِ فَأَرَوْهُ أَنْ قَدْ اسْتَحْمَدُوا إِلَيْهِ بِمَا أَخْبَرُوهُ عَنْهُ فِيمَا سَأَلَهُمْ وَفَرِحُوا بِمَا أُوتُوا مِنْ كِتْمَانِهِمْ ثُمَّ قَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ﴿وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كَذَلِكَ حَتَّى قَوْلِهِ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا﴾.

 

وفي البخاري أيضا، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رِجَالًا مِنْ الْمُنَافِقِينَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إِذَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِلَى الْغَزْوِ تَخَلَّفُوا عَنْهُ وَفَرِحُوا بِمَقْعَدِهِمْ خِلَافَ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَإِذَا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- اعْتَذَرُوا إِلَيْهِ وَحَلَفُوا وَأَحَبُّوا أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا [أي ويحبون أن يحمدوا بأن لهم نية المجاهدين] فَنَزَلَتْ: ﴿لَا يَحْسِبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا﴾ الْآيَةَ

 

ولا منافاة بين الروايتين، لأن الآية عامة في جميع ما ذكر، ومعنى نزول الآية في ذلك وقوعها بعد ذلك، لا أن أحد الأمرين كان سبباً لنزولها.

 

وقد روى ابن مَرْدُويه عن محمد بن ثابت الأنصاري؛ أن ثابت بن قيس الأنصاري قال: يا رسول الله، والله لقد خشيت أن أكون هلكت. قال: "لم؟" قال: نهى الله المرء أن يُحِب أن يُحْمَدَ بما لم يفعل، وأجدني أُحِبُّ الحمدَ. ونهى الله عن الخُيلاء، وأجدني أحب الجمال، ونهى الله أن نرفع أصواتنا فوق صوتك، وأنا امرؤ جهوري الصوت. فقال رسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ألا تَرْضى أن تَعِيش حَمِيدا، وتُقْتَل شَهِيدا، وتدخل الجنة؟) قال: بلى يا رسول الله. فعاش حميدا، وقُتل شهيدا يوم مُسَيْلَمة الكذاب.

 

وروى مسلم عَنْ هَمَّامِ بْنِ الْحَارِثِ أَنَّ رَجُلًا جَعَلَ يَمْدَحُ عُثْمَانَ فَعَمِدَ الْمِقْدَادُ فَجَثَا عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَكَانَ رَجُلًا ضَخْمًا فَجَعَلَ يَحْثُو فِي وَجْهِهِ الْحَصْبَاءَ فَقَالَ لَهُ عُثْمَانُ مَا شَأْنُكَ فَقَالَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: (إِذَا رَأَيْتُمْ الْمَدَّاحِينَ فَاحْثُوا فِي وُجُوهِهِمْ التُّرَابَ).

 

وقوله تعالى: ﴿لا تَحْسَبَنَّ ... فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ﴾ أسلوب توكيد، يسمى في علم البديع بالترديد، وإفادته التأكيد حاصلة بمجرد إعادة اللفظ.

 

ونظيره قوله تعالى: ﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ﴾ [القمر:9]





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • تفسير: {ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله}
  • تفسير: {له دعوة الحق والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء}
  • تفسير: {واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس شيئا}
  • تفسير: { ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله }
  • تفسير: {وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي وأنهارا}

مختارات من الشبكة

  • تفسير قوله تعالى: (إن الذين اشتروا الكفر بالإيمان لن يضروا الله شيئا ولهم عذاب أليم)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • {وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم} (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء(مقالة - مكتبة الألوكة)
  • بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء (تصميم)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء (بطاقة)(كتاب - مكتبة الألوكة)
  • تفسير: (إن تبدوا شيئا أو تخفوه فإن الله كان بكل شيء عليما)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • لا يضرهم من خذلهم(مقالة - آفاق الشريعة)
  • وقفات مع مسلسل عمر(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الليلة الرابعة عشرة: قوله تعالى ﴿ إنهم فتية آمنوا بربهم ﴾(مقالة - ملفات خاصة)
  • وقفوهم إنهم مسؤولون (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • أكثر من 5000 متطوع مسلم يحيون مشروع "النظافة من الإيمان" في زينيتسا
  • في حفل مميز.. تكريم المتفوقين من طلاب المسلمين بمقاطعة جيرونا الإسبانية
  • ندوة دولية في سراييفو تبحث تحديات وآفاق الدراسات الإسلامية المعاصرة
  • النسخة الثانية عشرة من يوم المسجد المفتوح في توومبا
  • تخريج دفعة جديدة من الحاصلين على إجازات علم التجويد بمدينة قازان
  • تخرج 220 طالبا من دارسي العلوم الإسلامية في ألبانيا
  • مسلمو سابينسكي يحتفلون بمسجدهم الجديد في سريدنيه نيرتي
  • مدينة زينيتشا تحتفل بالجيل الجديد من معلمي القرآن في حفلها الخامس عشر

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1447هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 3/1/1447هـ - الساعة: 13:14
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب