• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    مختصر رسالة إلى القضاة
    الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله
  •  
    كيف أكون سعيدة؟
    د. عالية حسن عمر العمودي
  •  
    أوقات إجابة الدعاء والذين يستجاب دعاؤهم
    الشيخ محمد جميل زينو
  •  
    موجة الإلحاد الجديد: تحديات وحلول
    محمد ذيشان أحمد القاسمي
  •  
    الأسوة الحسنة ذو المكارم صلى الله عليه وسلم (كان ...
    الدكتور أبو الحسن علي بن محمد المطري
  •  
    خطبة: فاعبد الله مخلصا له الدين (باللغة
    حسام بن عبدالعزيز الجبرين
  •  
    من عوفي فليحمد الله (خطبة)
    الشيخ عبدالله بن محمد البصري
  •  
    تخريج حديث: أخبر الناس أنه من استنجى برجيع أو عظم ...
    الشيخ محمد طه شعبان
  •  
    كيف يمكن للشباب التكيف مع ضغوط الدراسة وتحديات ...
    محمود مصطفى الحاج
  •  
    من أقوال السلف في أسماء الله الحسنى: ذو الجلال ...
    فهد بن عبدالعزيز عبدالله الشويرخ
  •  
    الإلحاد والأساس الخرب
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    وقفات مع القدوم إلى الله (17)
    د. عبدالسلام حمود غالب
  •  
    وما المفردون؟
    السيد مراد سلامة
  •  
    وأقيموا الصلاة (خطبة)
    الشيخ الدكتور صالح بن مقبل العصيمي ...
  •  
    خطبة: علموا أولادكم أهمية الصلاة
    عدنان بن سلمان الدريويش
  •  
    حقوق المظلوم
    د. أمير بن محمد المدري
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / عقيدة وتوحيد
علامة باركود

الإلحاد والأساس الخرب

الإلحاد والأساس الخرب
الشيخ عبدالله محمد الطوالة

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 22/6/2025 ميلادي - 26/12/1446 هجري

الزيارات: 88

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

الإلحاد والأساسُ الخرِب

 

﴿ وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُون ﴾ [النمل:93].. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له: ﴿ يَهْدِي مَن يَشَاء إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيم ﴾ [النور:46].. والصلاة والسلام على مَن بعثه اللهُ تباركَ وتعالى هاديًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا، فبلغ الرسالةَ، وأدى الأمانةَ، ونصح الأمةَ، وجاهد في الله حق جهاده، صـلى الله وسلم وبــارك عليـه، وعلى آله الأطهار، وصحابتهِ الأبرار، والتابعينَ وتابعيهم بإحسانٍ ما تعاقبَ الليلُ والنهار، وسلّمَ تسليمًا كثيرًا..

 

أمّا بعدُ: ففي عالمٍ يتسارعُ فيه التطورُ العلميُّ والتقنيُّ تسارعًا مذهلًا، وتتنافرُ فيه الأفكارُ والعقولُ على طرفي نقيض، وتتداخلُ فيه الدلائلُ والحقائقُ بطريقةٍ محيرة، فلا عجبَ أن تظهرَ نتيجةً لذلك مجموعةٌ من التوجهات الفكريةِ المخالفة، والآراءِ المعارضة، ومن أبرز ذلك: تيارٌ فكريّ يُنكرُ وجود الخالقِ جلَّ وعلا، ويزعمُ أنَّ الكونَ بلا غاية، والحياةَ بلا معنى..

 

وأربابُ هذا التيارِ الخطير وإن لم يأتوا بجديد، فقد حكى اللهُ عن أسلافهم بقوله: ﴿ وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ ۚ وَمَا لَهُم بِذَٰلِكَ مِنْ عِلْمٍ ۖ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ﴾ [الجاثية: 24]..

 

إلا أنَّ خطورة الملحدين الجدد تكمنُ في أنهم لبِسوا لبوسَ العلمِ والفلسفة، وتزيّنوا بمساحيق العقلانيةِ والحريةِ الفكرية، وادّعوا الموضوعيةَ والمنهجيةَ الصارمة، وليس ذلك في حقيقته إلا إعادةَ تسويقٍ لشكوكٍ قديمة، وآراءٍ مغلوطة، صاغوها بلغةٍ مُعاصرةٍ خِداعًا وتلبيسًا، واظهروها بثوبَ التفكير الحرّ تزويقًا وتدليسًا..

 

هذا التيار، وإن بدا متماسكًا في ظاهره، فهو مهزوزٌ من داخله، مرتبكُ المنطق، ضعيفُ الحجة، يثيرُ الشبهات، ويشككُ في المسلمات، ويتكئ على الجدل لا على العلم، ويتغذى من انبهار العوامِّ لا من رسوخ العلماء..

 

إنه مسلكٌ يُمارسُ التضليلَ تحت لافتةِ التنوير، ويتستّرُ بالحياد وهو أسيرُ أهواءٍ فكريةٍ مُسبقة..

 

يرفضُ الغيبَ لأنه لا يُقاس، ثم يُؤمنُ بأكوانٍ موازيةٍ لم يُشاهدها أحدٌ، ولا سبيل إلى معرفة شيءٍ عنها..

 

يسخرُ من النبوّات، ثم يُبجّلُ الأساطيرَ العلمية، والفرضياتِ العدميّة، ما دامت تُوافقُ هواه..

 

يتهمُ المؤمنينَ بانتقاء الأدلة، وهو لا يختارُ منها إلا ما يُلبّي نزعتهُ الماديّة..

 

وحيث إننا في زمنٍ اختلطت فيه المفاهيم، والتبسَ الحقُّ بالباطل، فقد ازدادت الحاجةُ إلى تأصيل الرؤيةِ حولَ هذا الفكر المتهافت، وكشفِ النقابِ عن هشاشة بنيانه، وتداعي أساساته؛ فالإلحادُ المعاصرُ ليس مدرسةً عقلانيةً صادقة، ولا منهجًا ذا قواعدَ ثابتة، بل هو منظومةٌ كلاميةٌ قائمةٌ على التدليس والمغالطة، وعلى تحريف المفاهيم، وإخفاءِ الحقائق، وتبديلِ المقدماتِ لتفضي إلى نتائج زائفة..

 

إنه فكرٌ لا يصدرُ عن برهانٍ صريح، ولا يقفُ على أساسٍ صحيح، يدّعي الموضوعيةَ وهو يُخفي أكثرَ الحقائق، ويتحدثُ باسم العلم ولا يأخذُ منه إلا ما وافق هواه، ويسألُ أسئلةً ظاهرها الفلسفة، وباطنها الالتفافُ والمراوغة..

 

ولو أنك رأيتَ بيتًا مائلًا مُتهدِّمًا، قد تصدّعت جُدرانه، وانهارت أركانه، فقد تظن أنَّ الخللَ في السقف أو الأعمدةِ فحسب، بينما العيبُ كل العيبِ في أساساته الهشّةِ الضعيفة، والتي لم تستطع الصمودَ تحت ثقلِ البناء.. وحين تخلخلت، خلخلت معها المبني كله..

 

هكذا هو الإلحادُ تمامًا: مذهبٌ واهٍ بُنيَ على أساسٍ خربٍ من التدليس والمغالطات، فلا عجبَ أن ترى منه الانهيارَ عند أولِ سؤال، ولا غرابةَ أن تجدَ فيه التناقضَ عند كلِّ نقاش، وأن تجد التهافتَ في كلِّ ركنٍ من أركانه.. فيا لبلاغة القرآن: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّىٰ إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا ﴾ [النور: 39]..

 

والحقُّ أنّ الإلحاد (عكس الأديانِ تمامًا) فهو لا يملكُ كيانًا معرفيًا واضحًا، ولا رؤيةً وجوديةً مُتماسكة.. ولا يُقدِّمُ حلولًا مُقنعة، ولا يُجيبُ عن الأسئلة الوجوديةِ الكبرى: من أين جئنا؟ ولمَ نحنُ هنا؟ وإلى أين المصير؟

 

إنه خواءٌ روحيٌّ، وفراغٌ عقليّ، وموقفٌ سلبيّ لا يصادم الدين فقط، بل يصادمُ العقلَ والمنطق.. دليلهُ الأكبر: إنكارُ الدليلِ وجحدُه؛ كما قال تعالى: ﴿ وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ﴾ [النمل: 14]، وقال جلّ وعلا: ﴿ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَٰكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ﴾ [الأنعام: 33].

 

إنه تسطيحٌ للفكر، وطمسٌ للفطرة، وتشويهٌ للحقائق، وهكذا هو العقلُ بدون أنوارِ الوحي، سرعانَ ما يتيهُ في الظلام ويفقدُ البوصلة، فيظن أن كلَّ طريقٍ يُفضي إلى الحقيقة.. فإذا هو في النهاية لا يلقى إلا الضباب والتيه والضلال.

 

وحين تطالعُ أطروحاتِ الملاحدة، فإنَّ أولَ ما يواجِهك من المغالطات والتدليسات، هو أنهم لا ينطلقون من برهانٍ إيجابيٍّ صريح، بل من نقضٍ مغشوش، ونفيٍ مبيّتٍ سلفًا.

 

وهم بهذا، قد قلَبوا المنهج العلمي رأسًا على عقب؛ فبدلًا من الابتداء بالدليل وصولًا إلى النتيجة، فإذا بهم قد انطلقوا من نتيجةٍ مبيّتةٍ سلفًا، ثم راحوا يلوون أعناقَ الأدلةِ ويعفِسونها عفسًا لتتوافق مع ما يريدون.. وهذا عكسُ ما يفعلهُ أيُّ باحثٍ نزيهٍ مُتجرّد، يمضي خلفَ البرهان حيثما قاده، ولا يُطوِعُ الحقيقةَ حسبَ هواه.

 

إنهم لا يقولون: هذا الكونُ نشأَ عن كذا بدليل كذا، وإنما يبدأون من النتيجة التي بيّتوها مسبقًا: (لا إله)، ثم يعودون ليبنوا فوق هذا النفي بنيانًا مفبركًا من الأدلة المتهافتة، والمبرراتِ المتكلفة التي تُلائم (بزعمهم) هذا النفي المسبق.

 

وهذا هو (الأساسُ الخَرِب) الذي أوقعهم في ورطة الترقيعِ والتلفيق، إذ صار لزامًا عليهم أن يختلقوا لكل ظاهرةٍ تبريرًا يتلائمُ مع ذلك النفي، وهو ما ألجأهم لسلسلةٍ من المغالطات الكبرى: كأزلية المادة، والفراغِ الكمومي، والكونِ الخالق، والأكوانِ المتعددة، وولادةِ الحياةِ بالصدفة، ونشوءِ الكائناتِ عبر التطورِ الأعمى.. وجميعها ليست حقائقَ علميةٍ ثابتة، وإنما هي فرضياتٌ هشّة، ومغالطاتٌ مكشوفة، وتدليساتٌ تم تلفيقها واللجوءَ إليها بغرض إقصاءِ الخالق من المشهد، وليس لتفسير الخلقِ تفسيرًا عقلانيًا متّزنًا.

 

تأمل في دعوى أزليةِ الكونِ عندهم.. ستجدُ أنها دعوى بدون دليلٍ ولا برهان، وسترى أنّ الملاحدة يغالطونَ أنفسهم قبل غيرهم، فكل الحقائقِ التي تبينُ أنَّ الكونَ نشأَ من لحظة انفجارٍ هائل قبل قرابة 14 مليار سنة، وأنّ الزمانَ والمكانَ والمادةَ وجميعَ أشكالِ الطاقةِ نشأت كلها بعد هذه اللحظة.. إلى اكتشافِ "هابل" المذهل، وهو أنّ الكونَ يتمددُ ويتوسعُ بسرعاتٍ هائلة، إلى اكتشافِ الإشعاعِ الكوني، (وهو أثرٌ موجودٌ يدلُ على حدوث الانفجارِ العظيم) وكذلك انتقالُ الحرارةِ من الأسخنِ للأبرد، وتوالدُ النجومِ وموتها، وغيرها من الحقائق الثابتة، التي تؤكدُ كلها أنَّ للكون بدايةً محددة، مما ينسفُ دعاوى الأزليةِ نسفًا نهائيًا، ويؤكدُ أن وراءَ هذا الوجودِ إرادةً أحدثتهُ، وعقلًا حدَّدهُ ونظمهُ، وخُطةً محكمةً أخرجتهُ من العدم إلى الوجود.

 

وعليه فأنّ إصرارَ الملاحدةِ على أزلية الكونِ واحدةٌ من مغالطاتهم الكبرى، وتدليساتهم البيّنة، التي يُريدُونَ بها الالتفافَ على سؤال: "ما مصدرُ الوجود؟".. لأنّهم يعلمون أنَّ التسليمَ بأنَّ للكون بداية، يفتحُ البابَ للسؤال الذي يهربونَ منه: "من الذي أوجدَ الكون؟".. وحين يُحشرُ الملحدُ بهذا السؤال، يراوغُ ويدلسُ بأقوالٍ وأراءٍ تتلونُ وتتبدلُ مع كل اكتشافٍ جديد، وتراهم دائمًا ما يُغلِفونَ ادعاءاتهم بمصطلحاتٍ علميةٍ تفتقرُ للمصداقية، فيزعم بعضهم أن الكون انبثقَ من كونٍ سابق، أو أنَّ هناك "أكوانًا متعددة"، تتناسلُ تلقائيًا وينبثقُ بعضها من بعض، أو أنَّ الكون نشأَ من "لا شيء"، وكلُّ هذا تلفيقٌ وتدليسٌ بلا دليلٍ.. فالعدمُ في لغة العقلاءِ هو: اللا شيء، العدم من الناحية المادية: هو ما لا وجودَ له، أي أنه لا يحمِلُ أيُّ خصيصةٍ، فلا زمانَ ولا مكانَ ولا طاقةَ ولا أيَّ شيء.. فكيف يَنشأُ عنه شيء؟! لكنهم يحاولونَ التمويه بتعريفاتٍ ومصطلحاتٍ خادعة، فيقولون: "الفراغ الكمومي"، "اللا شيء الفيزيائي"، "الطاقة السالبة".. وكل هذه أشياءٌ موجودةٌ وليست عدمًا.. ولو أنّ رجلًا عاميًا زعمَ أن بيتهُ نشأ من تلقاء نفسه، لضحك الناسُ من كلامه، أمّا إذا قال الملحدُ أنّ الكونَ كلهُ نشأَ بلا مسببٍ، أو أنهُ نشأَ من لا شيء، فهذا كلامٌ صادرٌ عن عقلٍ وعلم.. (مالكم كيف تحكمون).

 

فإذا ضُيقَ عليهم الخناق، انتقلوا إلى مغالطةٍ أخرى، فقالوا إنَّ الحياةَ وُجدت "صدفة"، وتطورت بالصدفة، وبلغت هذا التعقيدِ الشديد بالصدفة.

 

فإذا تأملت دعوى هذه "الصدفةِ العمياء".. علمتَ أنّ هذه الكلمةَ لوحدها كافيةٌ لهدم مذهبهم كله.. إذ كيف تَصنعُ الصدفةَ كونًا منظمًا؟ وكيف تضعُ القوانينَ التي تحكم الطاقة، والمادة، والزمن؟ وكيف تُنتجُ التعقيد، والدقة، والتوازن، والانضباط، والتعاون والانسجام؟.. وغيرها من خصائص الكونِ الكثيرة.

 

لكنها إحدى ورطاتهم ومغالطاتهم التي يضطرون إليها حينما يعجزون عن تفسير الخلق.. كيفَ والأرقامُ والإحصاءاتُ الرياضيةُ تؤكدُ استحالة نشوءِ الحياةِ صدفةً، فلو ألقيتَ عشرَ قطعٍ نقديةٍ على الطاولة، وخرجت كُلها على نفس الوجه، وكررت ذلك عشر مراتٍ مُتتاليةٍ، وفي كل مرةٍ يخرجُ نفسُ الوجه، لقلت حتمًا إنّ هناك يدًا تدخّلت.. فكيف إذا اجتمعت آلافُ المتغيراتِ الدقيقة، في ظروفٍ بيئيةٍ دقيقةٍ ومعقدة، لتنتجَ أولَ خليةٍ حيّةٍ كاملة، تعملُ بدقةٍ تفوقُ كل معاملِ البشرِ مجتمعة.. أليس هذا أكبرُ (بملايين المرات) من أن يُنسبَ إلى صدفةٍ عمياء؟ وإنَّ من ينسبُ إلى الصدفة كل هذا الانسجامَ المذهلِ لقوانين الفيزياء والكيمياء والأحياء؟ كمن يقول: أنَّ انفجارًا وقعَ في مطبعةٍ فنتجَ عنه: "قاموسٌ ضخمٌ يخلو من الأخطاء".. ولذلك فالمنصفُ من الملاحدة (وما أقلهم) يتراجع ويعترف، كما فعل عالم الفلك البريطاني فريد هويل حين بهره التركيبُ المعقدُ للحياة، فقال: "إنّ احتمالَ أن تنشأَ الحياةُ عن طريق الصدفةِ يُشبهُ احتمالَ أن يضربَ إعصارٌ ساحة خردةٍ، فينتج عن ذلك طائرةُ بوينغ جاهزةٌ للطيران"..

 

أيها المتأمل: إنّ الصدفةَ ليست قدرةً، ولا عقلًا، ولا قانونًا، ولا سببًا، ولا قصدًا.. إنما هي غيابُ السبب.. الصدفةُ هي فعلٌ بلا قصدٍ ولا سبب.. وإلا لو كانت الصدفةُ قد صَنعت كلَّ شيءٍ (كما يزعمون)، فلم لا نراها تصنع شيئًا على أرض الواقع.. لماذا لا تصنعُ الصدفةُ أو الطبيعةُ بيتًا صغيرًا من تلقاء نفسها؟.. فإنّ ما نراه من صنع الطبيعةِ إنما هو العكسُ من ذلك تمامًا.. فلا يُنسبُ للطبيعة على الحقيقة سوى الهدمِ والتخريب.. كما هو حاصلٌ في الزلازل والبراكينِ والأعاصير والفيضانات.. وبالتالي فإنّ الكونَ إذا نُسبَ إلى الصدفة، فإنما يُنسبُ إلى العبث، وإذا نُسبَ إلى العبث، فلا عقلَ في الوجود، ولا قيمةَ لأيِّ برهان.. (فأين تذهبون يا معشر الملاحدة).

 

وحيث أنّ الصدفةَ لوحدها لا تكفي، فقد تمادوا في الضلال والتدليسِ أكثر وقالوا إنّ "النشوءَ والتطور" هو الذي خلقَ الكائنات!.. وقدموا ذلك بديلًا عن الخالق، ورفعوا "نظرية داروين" إلى مقام المسلمات، وألبسوها لباسَ العلم، وتعاملوا معها كما لو كانت يقينًا لا يتطرقُ إليه شك، وهي عند التحقيق فرضيةٌ قاصرة، مليئةٌ بالفجوات والثغرات، ولا تزالُ تُراجعُ وتُناقشُ وتُرقَّع، وأكثر نتائجها التي بنوا عليها الحادهم بلا بيّناتٍ ولا براهين.

 

فهذه النظرية وإن فسرت "تغيّرَ الأنواع" جزئيًا، إلا أنها لا تفسّرُ "نشوءَ الحياة" ابتداءً، بل ولا تشرحُ كيف تمَّ الخلقُ أصلًا، ولا كيف انطلقت الحياةُ من العدم، وهي تهتمُ فقط بتطوّر الموجود، لا بطريقة إيجاده، ولا تملك جوابًا عن أسئلة البدايات.

 

فكيف نشأت الحياةُ من مادةٍ ميتة؟.. وكيف ظهرت أولُ خليةٍ حية؟..

 

ومن أنشأَ شيفراتِ الحياة؟.. ومن صمّمَ قوانينَ الجينات؟.. ومن أودعَ المعلوماتِ المشفّرةِ داخلَ الحمضِ النووي؟.. وكيف يستطيعُ الـDNA أن يبني البروتينات؟.. وأيُّ قوةٍ وجهت تلك التفاعلات الكيميائية لتكوِّن كائنًا حيًا مدركًا؟..

 

وعلى فرض صحتها في تفسير بعض التغيراتِ الحيويةِ المحدودة، فإنها لا تفسرُ القفزاتِ النوعيةِ الكبرى في الكائنات، كظهور العقلِ الواعي، واللغةِ، والضميرِ، والمشاعرِ، والغرائزِ، والمعاني، والأخلاقِ، والفنِ، والمواهبِ، والوجدان.. كما أنها أعجزُ من أن تفسّرَ حبَّ الأمِ لطفلها، أو وفاءُ الصديقِ لصاحبه، أو تضحيةُ الإنسانِ بحياته من أجل مبدأٍ يؤمنُ به.

 

فهذه المشاعرُ العليا، لا تُفكّك إلى ذرات، ولا تُفسَّرُ بالجينات، لأنَّ فيها "معانٍ" لا يمكنُ اختزالها ماديًا.. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في كلمةٍ جامعة: "كل مولود يولد على الفطرة".. وهذه الفطرة، هي بوصلة المعاني التي فطرَ اللهُ الناسَ عليها، لا تستطيع المادة أن تبرمجها، ولا أن تفسرها بأي تعليلٍ مادي بارد.

 

ولهذا ترى دعاةَ الإلحاد، يستخدمون جزءًا من نظريةٍ علمية، ثم يعممونه على قضية فلسفية كليّة، ويظنون أن "التدرج في التغير البيولوجي" يُغني عن سؤال: من صمّمَ نظامَ الحياةِ أصلًا؟ ومن جعلهُ بهذا الإبداعِ المذهل؟

 

وصدق الله: ﴿ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِين ﴾ [النمل:64].

 

فإذا انكشفَ عوار تدليسهم، وظهرَ أساسُهم الخرب.. لجأوا إلى قلب الطاولة بالأسئلة العاطفية المغلوطة، وراحوا يسألون: لماذا يُبتلى الأبرياء؟ ولماذا يولد الأطفال معاقين؟ ولماذا وجد الشرُّ في العالم؟ ولماذا يُعاقِبُ اللهُ من لا يعبده؟ وهي في الحقيقة أسئلةٌ نفسيةٌ لا برهانية، تُستعملُ لخلخلة القناعاتِ لا لتفسير الحقائق.

 

إنهم يفترضون أن وجودَ الشرِّ ينفي وجودَ الإله، وهو استدلالٌ فاسدٌ منطقيًا، لأنّ وجود الشرّ لا ينفي وجود الإله، بل قد يكون دليلًا عليه، إذ لا يُدرَكُ معنى "الشرّ" إلا بوجود معيارٍ للخير، وهذا المعيار لا يمكن أن يوجدَ بلا خالقٍ يُفرّقُ بين الخير والشرّ، ولا بلا حقٍّ مُطلقٍ يُرجَعُ إليه، ومن الذي يضعُ هذا الحقَّ المطلقَ إن لم يكن الإله؟

 

بل حتى صيغة السؤال: "لماذا يسمحُ الله؟"، فإنّ فيها اعترافًا ضمنيًا بوجوده تعالى، وهذا وحده يهدمُ الإلحادَ من أساسه.

 

أما تفسير أفعال الله، فهو خارجٌ عن نطاق القدرةِ البشرية، فالله سبحانه: ﴿ لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ﴾ [الأنبياء: 23]، ومن العجب أن يُقال: "ما دمنا لا نفهم كل شيءٍ عن الله، فلنؤمن بأنه لا وجودَ له!".. فيا لها من سفسطةٍ بيّنة، وهرطقةٍ ساقطة!

 

ثمَّ من الذي قالَ إنّ الإلهَ يجبُ أن يعملَ حسبَ فهمنا القاصر للعدل؟ ألسنا نرى الطبيبَ يستأصلُ العضو التالفَ رغمَ الألم؟ ونرى المعلمَ يُعاقبُ التلميذَ ليُهذبه؟ ونرى الأبَ يمنعُ عن ابنه ما يحبُّ حفاظًا على سلامته؟.. أفلا يجوزُ أن يكونَ وراءَ البلاءِ حِكمةٌ؟.. ألم يقل الله تعالى: ﴿ وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ﴾[البقرة: 216]، وهل كلُّ ما جهلنا حِكمتهُ يُعدُّ ظلمًا؟

 

إن القولَ بذلك ضربٌ من الغرور المعرفي، لأنَّ العقلَ حين يعجزُ عن إدراك الغايةِ فلا يحقُّ لهُ أن ينكرَ وجودها، كمثل من يرى قِطعةً في جوالٍ لا يرى لها فائدة، لكنه بما تراكم لديه من حُسن ظنٍّ بالشركة الصانعةِ يوقنُ أنَّ لها فائدة، وإن غابت عنه.. ﴿ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُون ﴾ [البقرة:216].

 

ثم لو أنّ وجودَ الشرِّ ينفي الإيمان، لكان على الملاحدة أن يُقدموا بديلًا عاقلًا تُفسّرُ به الحياة.. لكنهم لا يملكونَ إلا "الصدفة والعبث"! فهل هذا أرحمُ بعقل الإنسانِ من الإيمان بإلهٍ حكيم، عليمٍ، رحيم؟.. ﴿ سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيم ﴾ [النور:16].

 

وربما لجئوا إلى المغالطة المشهورة: "من خلقَ الله؟"، وهي شبهةٌ قديمةٌ سقيمة، كأنهم لا يعلمون أنّ من صفات الإلهِ أنهُ واجبُ الوجود، لا بدايةَ له ولا نهاية.. وأنّ هذه المقولةِ الخاطئةِ تُوقِعُ في مغالطةِ الدورِ الممتنع، وفي تناقضٍ يستحيلُ وجوده، فإمَّا خالقٌ أو مخلوق.. وهي كمن يقول: "موجودٌ وغير موجود في وقت واحد"، أو "خطان متوازيانِ متقاطعان".. فالسؤالُ باطلٌ من أساسه، لأنَّ اللهَ هو أصلُ الوجودِ كله.. فلا يُسألُ عن مبدأ وجوده.

 

ثم تأتي طامةُ التدليسِ الكبرى بقولهم: "لا يوجدُ حقٌّ مطلق، كلُّ شيءٍ نسبي".. وهي دعوى ظاهرها التحرر، وباطنها التناقضُ والتدليس، لأنها في حقيقتها ادعاءٌ مُطلق، فكيف يُقال: "كل شيءٍ نسبي" بعبارةٍ قطعية؟! فهم بذلك ينحرون مذهبهم بأيديهم.

 

ولو قُبلت هذه المقولة الواهية، لانهار العقلُ ذاته، وسقطت قيمةُ العلم، لأنَّ العلم لا يُبنى إلا على الثبات والموضوعية، فهل رأيت طبيبًا يقول: "الدواء يُشفي بحسب وجهة نظرك"؟ أو مهندسًا يقول: "الجسرُ آمنٌ عندي وخطيرٌ عندك"؟!..

 

ولو كان كلُّ شيءٍ نسبيًا فعلًا، لصارت السرقةُ حريةً شخصية، والقتلُ وجهةُ نظر، ولضاعت الحقوق، وسقطت القيم، واستُبيحَ الظلم، وذُبحَ العدل باسم "الرأي الآخر"! فكيف يُحاكمُ المجرم إذًا؟ وعلى أيِّ أساسٍ يُحمى الضعفاء؟

 

ولو أنّ النسبيةَ المطلقةَ حُكِّمت، لما بقيَ دينٌ ولا عقلٌ ولا عدالة، ولانتهت الحِكمةُ واليقينُ والقوانين، ولصارت كلُّ القضايا الكبرى نسبياتٍ صغيرة!

 

أليس من السخرية أن يُنكرَ أحدهم وجودَ اللهِ لأنه "غير مقتنع"، ثم يرفضُ أن يكون هناك ميزانٌ صحيحٌ توزنُ به القناعات؟!

 

إن ِالعلم بلا مرجعيةٍ لا يساوي شيئًا، والإرادةُ بلا ميزانٍ لا تثمرُ يقينًا.. فتأمل قوله عزَّ وجلّ: ﴿ أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ ﴾ [الجاثية: 23].. فهل هناك نسبيةٌ أكبر من أن يكون الهوى هو الإله؟!

 

نعم، هناك أمورٌ تحتمل النسبية في الفروع، كما قال الشافعي رحمه الله: "رأيي صوابٌ يحتمل الخطأ، ورأي غيري خطأٌ يحتمل الصواب".. لكن هذا لا يشمل الحقائق الثابتة التي لا تقبل التقدير أو التأويل، كوجود الله، وثوابت الدين، ومبادئ العدل.. فما لا يحتمل الخطأ والصواب، فإنَّ له نفس الحكم عند الجميع..

 

لقد أحكم الله خلقه، وثبّت نواميسه، فجعل النارَ تحرق، والماءَ يسقي، والشمسَ تطلع من المشرق، والزرعُ لا يخرج إلا ببذر. ومن يدعي أن هذه الثوابت خرافة أو احتمال، فهو كمن يقول: "الشمس ليست هي التي تضيئ النهار"، وقد صدق من قال: فليس يصح في الأذهان شيءٌ.. إذا احتاج النهار إلى دليل..

 

ثمَّ إذا انقطعت حجتهم وأفلسوا، لجأوا إلى السفسطة والتهكم؛ فمرةً يسخرون، ومرة يراوغون، ومرة يقولون: "نحن لا نعلم"، ومرة يقولون: "العلم لم يُثبت هذا بعد".. لكنهم لا يقولون أبدًا: "نحن أخطأنا"! لأنهم ليسوا طلابَ حقيقة، بل هم عبادُ هوى، قال الله عن أمثالهم: ﴿ فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ ﴾ [القصص: 50]..

 

وهكذا يتبين أنَّ الإلحادَ لا يقومُ على البرهان، وإنما يقوم على التدليس والمغالطة، وأنه لا يملك تفسيرًا مقنعًا للوجود، ولا يقدم بديلًا أفضلَ من الإيمان، بل كلُّ ما يقدمه هو شكٌ منمَّق، وأسئلةٌ مشحونة، وتناقضاتٌ مكسوّة بمصطلحاتٍ فلسفية، ﴿ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاء حَتَّى إِذَا جَاءهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا ﴾ [النور:39]، فلا هو أروى العقل، ولا هو أراحَ القلب، ولا هو بنى منهجًا.. إنما هو: نفيٌ بلا إيجاب، وإنكارٌ بلا بديل، ومذهبٌ لا يسيرُ على بيّنة، ولا يعرف إلى أين يذهب، كما قال الله تعالى: ﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴾[الكهف: 103، 104]..

 

فلا تعجب إن وجدت أن كل ردودهم مضطربة، وأصولهم متهافتة، وأمثلتهم مهلهلة.. ليس لهم مسلكٌ ثابت، ولا أثارةٌ من علمٍ صحيح، إنما هو قولٌ بلا دليل، وتكرارٌ بلا فائدة، وإنكارٌ بعد جحود، وهذا هو الأساسُ الخَرِب الذي قام عليه مذهبهم، وما بُني على فاسدٍ فهو فاسد..

 

وإننا بعد بيانِ هذه الشواهد كلها لعلى يقينٍ أن الإلحادَ ليس تيارًا عقلانيًا كما يُسوَّقون، بل هو منظومةٌ من الأخطاء والتدليس المركب، والمغالطاتِ المكررة، التي تُغرِّر بها عباراتٌ برّاقةً لكنها خواء، ووجهاتٌ نظرٍ تبدو منطقيةً لكنها بلا عُمق، ومقدماتٌ مزيفةٌ تُلبّسُ بلباس "العلم" زورًا، وما بُني على باطل، فهو باطل، ومن خالط أصله زيفٌ وكذب، فلن يثمرَ فرعهُ صدقًا ولا حقًا، كما قيل قديمًا: "إنك لا تجني من الشوك العنب"، وهذا هو حال الإلحاد: ركامٌ من دخان، وفقاقيعُ صابون، يُخدعُ به من لم يتأملهُ جيدًا، ويُفتنُ به من لم يُحصّن قلبه بالحق، لكنَّ من عرفَ الحقَّ عرفَ ضِده، ومن استنارَ بنور الوحي، أدركَ أنّ الله هو الحقّ، وأنَّ ما يدّعون من دونه هو الباطل، وصدق الله: ﴿ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً، وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ، كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الأَمْثَالَ ﴾ [الرعد:17]..

 

وبعد كل هذا يظهر لنا بوضوح أنَّ القضية ليست في قلة الأدلةِ على وجود الله أو عدم كفايتها، بل في إصرارهم المسبقِ على إنكارها مهما بدت ناصعةً وواضحة.. ولهذا، فإنَّ على كل ذي عقلٍ وبصيرةٍ أن يتحرّى طريقَ البرهان، وأن يتجرد للحق، وألا ينجرفَ خلف السراب، فالهداية نعمة، والحقُّ أبلج، ومن يرد اللهً به خيرًا يشرح صدرهُ للإيمان، ويجعل له نورًا وفرقانًا..

 

ومن صدّقَ أن الكونَ بلا غاية، وأنَّ عقلهُ مجردَ نتاجٍ أعمى للطبيعة، وأنّ الحياةَ كلها مجردُ عبث، فلما لا يكون عقلهُ وأفكارهُ وإلحادهُ وأمرهُ كلهُ عبثٌ لا قيمة له ولا غاية.. وبالتالي فهو أمام خيارين لا ثالث لهما: إما أن يُعمِل عقلهُ فيلغيَ إلحاده.. أو يبقي إلحاده فيعطِّل عقله..

 

فالإلحاد في جوهره وحقيقتهِ ليس "رفضًا للخالق فقط"، بل هو رفضٌ للعقل، وللفطرة، وللحقِّ، وللقيم، وللضمير، وللمعنى، وللحكمة.. الإلحاد معاكسة للفطرة ولكل ما هو طبيعي، وسيرٌ في متاهةٍ مظلمةٍ مغلقةٍ من كل النواحي، ليس لها مدخلٌ ولا مخرج.. ﴿ صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ ﴾ [البقرة: 18].. وصدق الله: ﴿ أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ، أَمْ مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ، فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ﴾ [التوبة:109]..

 

فيا أيها الحائرُ في دروب الفكر، المُتعبُ من كثرة السؤال، الهائمُ في بحار الشك والأوهام..

 

قفْ لحظةً وتأمل، واصدق مع نفسك، وتحرر من الهوى، وتجرد للحقِّ..

 

اللهَ.. اللهَ، لا تُسلِم عقلك لمن يلقي به في أوحال الشبهات، ولا ترضَ أن يجروك بزخرف القولِ إلى قاعٍ سحيقٍ من الشك والتناقض.. أليس الإيمان بالله أبقى للعقل وأرحم، وأوثق للعلم وأسلم، وأقرب للحق وأحكم، وأهدى للفطرة وأكرم..

 

نعم: لقد خُلِقت بفطرةٍ سوية، وعقلٍ سليم، وقلبٍ نقي، وقد أراك الله من آياته في الآفاق وفي الأنفس ما يكفي وزيادة: ﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنشِئُ النَّشْأَةَ الآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ﴾ [العنكبوت:20].. ﴿ أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا، فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَـكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ ﴾ [الحج:46]..

 

فيا من جرّك الإلحاد إلى وادٍ بقيعة، وقد حسبته نبعَ ماءٍ روي، فإذا هو سرابٌ بلقع، عُد إلى الحقِّ، فإنه لا يخذلك.. واستمسك بحبل من خلقك فسواك فعدلك، (فما لك من إله غيره)، ﴿ وَإِذَا مَسَّكُمُ الْضُّرُّ فِي الْبَحْرِ ضَلَّ مَن تَدْعُونَ إِلاَّ إِيَّاهُ ﴾ [الإسراء:67].. وتذكر أنّ الحقَّ لا يُعرفُ بكثرة السالكين، وإنما يُعرف بنوره وصدقه، وأنَّ الإثمَ ما حاك في صدرك وكرهت أن يطلع عليه الناس، وقد قال تعالى: ﴿ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ ﴾ [يونس: 32]..

 

ويا من تريد أن تفهم هذا الوجود بحق، وأن تصل إلى أنوار الحقيقة بيقين، تعال من الباب الصحيح، فإنّ أعظم ما يُبنى عليه الفهم الصحيح هو الإيمان بالله.. ﴿ وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ ﴾ [النور: 40]..

 

ألا وإنَّ من أعظم الخسران: أن يرى الإنسان كلَّ شيءٍ إلا الحقيقة.. وأن يعرفَ عن كل شيءٍ إلا عن خالقه، وأن يسلك الطرق كلها إلا الصراط المستقيم.. ﴿ قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا ﴾ [الكهف: 103]..

 

فيا ربنا، يا من خلقتنا وأحسنت خَلْقنا، وهديتنا ولم تحرمنا.. نسألك أن تُثبتنا على الحق، وأن تُبصرنا بآياتك، وأن تُلهمنا رشدنا، وألا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين.. اللهم لا تجعل في قلوبنا شكًا، ولا في عقولنا غشاوة، واجعلنا ممن قالوا: ﴿ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ ﴾ [آل عمران:191]..

 

واجعلنا ممن أحبوا الحق فهُدوا إليه، وطلبوه في مظانه فأدركوه، وذادوا عنه وثبتوا عليه.. واجعل ما كتبناه حُجّةً لنا لا علينا، ونورًا لنا ولمن قرأه..

 

ودعوةً خالصة تُزهر بها قلوبُ التائهين، وتضيء بها دروبُ المترددين، إنك وليّ ذلك والقادر عليه..

 

﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾.. [الصافات:180]..





 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • الإلحاد وإيقاف الزمن
  • الإلحاد وعسر الهضم
  • أبو الإلحاد ولغز الأحافير
  • الإلحاد والغزو الفكري
  • معنى الإلحاد وأقسامه

مختارات من الشبكة

  • خطر الإلحاد .. بعض أسباب الإلحاد وطرق العلاج منها(مقالة - موقع د. أمين بن عبدالله الشقاوي)
  • خطر الإلحاد.. أسباب الخروج من الإسلام واعتناق الإلحاد(مقالة - موقع د. أمين بن عبدالله الشقاوي)
  • الإلحاد: تعريفه، وأقسامه، وصوره، وكيف نواجه موجة الإلحاد المعاصرة؟(مقالة - آفاق الشريعة)
  • التحذير من الإلحاد في البلد الحرام(مقالة - موقع د. محمود بن أحمد الدوسري)
  • الإلحاد: تعريفه وأشكاله ونشأته(مقالة - آفاق الشريعة)
  • هل سمعت بديانة العصر الجديد؟(مقالة - آفاق الشريعة)
  • بيان حقيقة الإلحاد في أسماء رب العالمين وذكر أقسام الملحدين فيها(مقالة - موقع الشيخ عبدالله بن جار الله آل جار الله)
  • موجة الإلحاد الجديد: تحديات وحلول(مقالة - ثقافة ومعرفة)
  • دراسة الإلحاد طلبا للعلم(استشارة - الاستشارات)
  • خطر الإلحاد (5)(مقالة - موقع د. أمين بن عبدالله الشقاوي)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • تخريج دفعة جديدة من الحاصلين على إجازات علم التجويد بمدينة قازان
  • تخرج 220 طالبا من دارسي العلوم الإسلامية في ألبانيا
  • مسلمو سابينسكي يحتفلون بمسجدهم الجديد في سريدنيه نيرتي
  • مدينة زينيتشا تحتفل بالجيل الجديد من معلمي القرآن في حفلها الخامس عشر
  • بعد 3 سنوات أهالي كوكمور يحتفلون بإعادة افتتاح مسجدهم العريق
  • بعد عامين من البناء افتتاح مسجد جديد في قرية سوكوري
  • بعد 3 عقود من العطاء.. مركز ماديسون الإسلامي يفتتح مبناه الجديد
  • المرأة في المجتمع... نقاش مفتوح حول المسؤوليات والفرص بمدينة سراييفو

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 25/12/1446هـ - الساعة: 15:8
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب