• الصفحة الرئيسيةخريطة الموقعRSS
  • الصفحة الرئيسية
  • سجل الزوار
  • وثيقة الموقع
  • اتصل بنا
English Alukah شبكة الألوكة شبكة إسلامية وفكرية وثقافية شاملة تحت إشراف الدكتور سعد بن عبد الله الحميد
 
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد  إشراف  الدكتور خالد بن عبد الرحمن الجريسي
  • الصفحة الرئيسية
  • موقع آفاق الشريعة
  • موقع ثقافة ومعرفة
  • موقع مجتمع وإصلاح
  • موقع حضارة الكلمة
  • موقع الاستشارات
  • موقع المسلمون في العالم
  • موقع المواقع الشخصية
  • موقع مكتبة الألوكة
  • موقع المكتبة الناطقة
  • موقع الإصدارات والمسابقات
  • موقع المترجمات
 كل الأقسام | مقالات شرعية   دراسات شرعية   نوازل وشبهات   منبر الجمعة   روافد   من ثمرات المواقع  
اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة اضغط على زر آخر الإضافات لغلق أو فتح النافذة
  •  
    بيان الخصائص التي اختص الله تعالى بها الأنبياء ...
    د. أحمد خضر حسنين الحسن
  •  
    تفسير سورة الشرح
    أبو عاصم البركاتي المصري
  •  
    أشراط الساعة والرد على الشبهات المتعلقة بها (PDF)
    رند بنت عبدالحميد عبد الله الزامل
  •  
    فقه اليقين بموعود رب العالمين (خطبة)
    د. عبدالرزاق السيد
  •  
    لا يستوي الخبيث والطيب
    د. عبدالرحمن بن سعيد الحازمي
  •  
    تحريم النذر لله بمكان يشرك فيه بالله أو يعصى فيه
    فواز بن علي بن عباس السليماني
  •  
    الدرس الرابع والعشرون: صفات اهل الجنة
    عفان بن الشيخ صديق السرگتي
  •  
    البخل بالإنفاق سبب الخسران والشقاء
    د. خالد بن محمود بن عبدالعزيز الجهني
  •  
    الاستقامة وأثرها في حسن الخاتمة
    الدخلاوي علال
  •  
    {وقولوا للناس حسنا} خطبة
    ساير بن هليل المسباح
  •  
    "من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه.." ماذا بعد ...
    د. صغير بن محمد الصغير
  •  
    من رعاة غنم إلى قادة أمم.. (خطبة)
    الشيخ عبدالله محمد الطوالة
  •  
    ظاهرة التشقيق في الأحكام الفقهية
    د. عبدالله بن يوسف الأحمد
  •  
    فضل التبكير إلى الصلوات (2)
    د. أمين بن عبدالله الشقاوي
  •  
    من عظم أمر الله أذل الله له عظماء خلقه (خطبة)
    حسان أحمد العماري
  •  
    ثمرات الاستقامة
    السيد مراد سلامة
شبكة الألوكة / آفاق الشريعة / مقالات شرعية / التفسير وعلوم القرآن / تفسير القرآن الكريم
علامة باركود

سورة الإخلاص

سورة الإخلاص
يوسف بن عبدالعزيز بن عبدالرحمن السيف

مقالات متعلقة

تاريخ الإضافة: 14/6/2025 ميلادي - 18/12/1446 هجري

الزيارات: 180

 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
النص الكامل  تكبير الخط الحجم الأصلي تصغير الخط
شارك وانشر

سُورَةُ الْإِخْلَاصِ


سُورَةُ (الْإِخْلَاصِ): مُخْتَلَفٌ فِيهَا، هَلْ هِيَ مَكِّيَّةٌ أَمْ مَدَنِيَّةٌ[1]، وَعَدَدُ آيَاتُهَا أَرْبَعُ آياتٍ.

 

أَسْمَاءُ السُّورَةِ:

وَقَدْ ذُكِرَ مِنْ أَسْمَائِهَا: سُورَةُ (التَّجْرِيدِ)، وَسُورَةُ (التَّوْحِيدِ)، وَسُورَةُ (الْإِخْلَاصِ)، وَسُورَةُ (الْوِلَايَةِ)، وَسُورَةُ (النِّسْبَةِ)، وَسُورَةُ (الْمُقَشْقِشَةِ)، وَسُورَةُ (الْمُعَوِّذَةِ)، وَسُورَةُ (الصَّمَدِ)، وَسُورَةُ (الْمَانِعَةِ)، وَسُورَةُ (الْبَراءَةِ)، وَسُورَةُ (النُّورِ)، وَسُورَةُ (الْأَمَانِ)[2].

 

الْمَقَاصِدُ الْعَامَّةُ لِلسُّورَةِ:

اِحْتَوَتْ هَذِهِ السُّورَةُ عَلَى مَقَاصِدَ عَظِيمَةٍ، مِنْ أَهَمِّهَا[3]:

• إِثْبَاتُ وَحْدَانِيَّةِ اللهِ تَعَالَى.

• إِبْطَالُ أَنْ يَكُونَ للهِ ابْنٌ.

• إِبْطَالُ أَنْ يَكُونَ الْمَوْلُودُ إِلَهًا، مِثْلَ عِيسَى.

 

سَبَبُ النُّزُولِ:

فِي سَبَبِ نُزُولِهَا عِدَّةُ أَقْوَالٍ:

الْقَوْلُ الْأَوَّلُ:عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه: «أَنَّ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: انْسُبْ لَنَا رَبَّكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد * اللَّهُ الصَّمَد ﴾ [الإخلاص:1-2]»[4].

 

الْقَوْلُ الثَّاني: أَنَّ عَامِرَ بْنَ الطُّفَيْلِ وَأَرْبَدَ بْنَ رَبِيعَةَ أَتَيَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ عَامِرٌ: «إِلَامَ تَدْعُونَا يَا مُحَمَّدُ؟ قَالَ: إِلَىْ اللَّهِ، قَالَ: صِفْهُ لَنَا، أَمِنْ ذَهَبٍ هُوَ؟ أَمْ مِنْ فِضَّةٍ؟ أَمْ مِنْ حَدِيدٍ؟ أَمْ مِنْ خَشَبٍ؟ فَنَزَلَتْ هَذِهِ السُّورَةُ، فَأَهْلَكَ اللَّهُ أَرْبَدَ بِالصَّاعِقَةِ، وَعَامِرَ بْنَ الطُّفَيْلِ بِالطَّاعُونِ»[5].

 

الْقَوْلُ الثَّالِثُ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: «أَنَّ الْيَهُودَ جَاءَتِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، مِنْهُمْ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ وَحُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ، فَقَالُوا: يَا مُحَمَّدُ، صِفْ لَنَا رَبَّكَ الَّذِي بَعَثَكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عز وجل: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد * اللَّهُ الصَّمَد * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَد ﴾ [الإخلاص:1-3] فَيَخْرُجُ مِنْهُ ﴿ وَلَمْ يُولَد ﴾ [الإخلاص:3] فَيَخْرُجُ مِنْ شَيْءٍ، ﴿ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَد ﴾ [الإخلاص:4]، وَلَا شَبَهٌ، فَقَالَ: هَذِهِ صِفَةُ رَبِّي عز وجل وَتَقَدَّسَ عُلُوًّا كَبِيرًا»[6].

 

مِنْ فَضَائِلِ سُورَةِ الإِخْلَاصِ:

سُورَةُ الْإِخْلَاصِ لَهَا فَضَائِلُ كَثِيرَةٌ جِدًّا، فَمِنْ فَضَائِلِهَا:

أولًا: أَنَّها مُتَضَمِّنَةٌ لِصِفَةِ الرَّحْمَنِ سبحانه وتعالى ؛ لِحَديثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ رَجُلًا عَلَى سَرِيَّةٍ، وَكَانَ يَقْرَأُ لِأَصْحَابِهِ فِي صَلاَتِهِمْ فَيَخْتِمُ بِـ: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)، فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: سَلُوهُ لِأَيِّ شَيْءٍ يَصْنَعُ ذَلِكَ؟ فَسَأَلُوهُ، فَقَالَ: لِأَنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ، وَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَقْرَأَ بِهَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ»[7].

 

ثانيًا:أَنَّ حُبَّها يُوجِبُ مَحَبَّةَ اللَّهِ الَّتِي هِيَ أَجَلُّ الْمَطَالِبِ؛ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «أَخْبِرُوهُ أَنَّ اللَّهَ يُحِبُّهُ»[8].

 

ثالثًا: أَنَّ حُبَّها يُوجِبُ دُخُولَ الْجَنَّةِ؛ لِحَديثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: «كَانَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ يَؤُمُّهُمْ فِي مَسْجِدِ قُبَاءٍ، وَكَانَ كُلَّمَا افْتَتَحَ سُورَةً يَقْرَأُ بِهَا لَهُمْ فِي الصَّلاَةِ مِمَّا يَقْرَأُ بِهِ افْتَتَحَ بِـ: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) حَتَّى يَفْرُغَ مِنْهَا، ثُمَّ يَقْرَأُ سُورَةً أُخْرَى مَعَهَا، وَكَانَ يَصْنَعُ ذَلِكَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، فَكَلَّمَهُ أَصْحَابُهُ، فَقَالُوا: إِنَّكَ تَفْتَتِحُ بِهَذِهِ السُّورَةِ، ثُمَّ لاَ تَرَى أَنَّهَا تُجْزِئُكَ حَتَّى تَقْرَأَ بِأُخْرَى، فَإِمَّا تَقْرَأُ بِهَا وَإِمَّا أَنْ تَدَعَهَا، وَتَقْرَأَ بِأُخْرَى، فَقَالَ: مَا أَنَا بِتَارِكِهَا، إِنْ أَحْبَبْتُمْ أَنْ أَؤُمَّكُمْ بِذَلِكَ فَعَلْتُ، وَإِنْ كَرِهْتُمْ تَرَكْتُكُمْ، وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُ مِنْ أَفْضَلِهِمْ، وَكَرِهُوا أَنْ يَؤُمَّهُمْ غَيْرُهُ، فَلَمَّا أَتَاهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَخْبَرُوهُ الخَبَرَ، فَقَالَ: يَا فُلاَنُ، مَا يَمْنَعُكَ أَنْ تَفْعَلَ مَا يَأْمُرُكَ بِهِ أَصْحَابُكَ، وَمَا يَحْمِلُكَ عَلَى لُزُومِ هَذِهِ السُّورَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ؟ فَقَالَ: إِنِّي أُحِبُّهَا، فَقَالَ: حُبُّكَ إِيَّاهَا أَدْخَلَكَ الجَنَّةَ»[9].

 

رابعًا: أَنَّها تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ، وَقَدْ جَاءَ في ذَلِكَ عِدَّةُ أَحَادِيثَ، مِنْهَا:

مَا رَوَاهُ أَبُوْ الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «أَيَعْجِزُ أَحَدُكُمْ أَنْ يَقْرَأَ فِي لَيْلَةٍ ثُلُثَ الْقُرْآنِ؟ قَالُوا: وَكَيْفَ يَقْرَأُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ؟ قَالَ: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ»[10].

 

ومنها: حَدِيْثُ أَبِيْ هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: «احْشُدُوا فَإِنِّي سَأَقْرَأُ عَلَيْكُمْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ فَحَشَدَ مَنْ حَشَدَ، ثُمَّ خَرَجَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَرَأَ: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾، ثُمَّ دَخَلَ، فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ: إِنِّي أُرَىْ هَذَا خَبَرٌ جَاءَهُ مِنَ السَّمَاءِ، فَذَاكَ الَّذِي أَدْخَلَهُ، ثُمَّ خَرَجَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنِّي قُلْتُ لَكُمْ: سَأَقْرَأُ عَلَيْكُمْ ثُلُثَ الْقُرْآنِ، أَلَا إِنَّهَا تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ»[11].

 

ومنها: حَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ رضي الله عنه: «أَنَّ رَجُلًا سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ﴾ يُرَدِّدُهَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، وَكَأَنَّ الرَّجُلَ يَتَقَالُّهَا[12]، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّهَا لَتَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ»[13].

 

وَمَعْنَى أَنَّهَا (تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ)، أَيْ: أَنَّ مَنْ قَرَأَها فَلَهُ جَزَاءُ قِرَاءَةِ ثُلُثِ الْقُرْآنِ، لَا أَنَّهَا تُجْزِئُ عَنْ قِرَاءَةِ ثُلُثِ الْقُرْآنِ[14]، وعليهِ: فَإِنَّ مَنْ نَذَرَ أَنْ يَقْرَأَ ثُلُثَ الْقُرْآنِ فَلَا يُجْزِئُهُ قِرَاءَتُها؛ لِأَنَّهَا تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ في الْجَزَاءِ لَا فِي الإِجْزَاءِ، وَفَرْقٌ بَيْنَهُمَا. وَلَوْ قَرَأَهَا في صَلَاتِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ لَا تُجْزِئُهُ عَنْ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ، مَعَ أَنَّهُ يُعْطَى جَزَاءَ وَأَجْرِ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ كَامِلًا.

 

وَإِنَّمَا كَانَ لِهَذِهِ السُّورَةِ هَذَا الْفَضْلُ العَظِيمُ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ: ثُلُثٌ مِنْهُ لِلْأَحْكَامِ، وَثُلُثٌ مِنْهُ لِلْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ، وَثُلُثٌ مِنْهُ لِلْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، وَهَذِهِ السُّورَةُ جَمَعَتِ الْأَسْمَاءَ وَالصِّفَاتِ[15].

 

خامسًا: أَنَّ الدُّعَاءَ بِهَا مُسْتَجَابٌ، وَفِيها اسْمُ اللهِ الْأَعْظَمُ؛ لِمَا جَاءَ عَنْ بُرَيْدَةَ رضي الله عنه قَالَ: «سَمِعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا يَدْعُو وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِأَنِّي أَشْهَدُ أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، الأَحَدُ الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، قَالَ: فَقَالَ: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَقَدْ سَأَلَ اللَّهَ بِاسْمِهِ الأَعْظَمِ الَّذِي إِذَا دُعِيَ بِهِ أَجَابَ، وَإِذَا سُئِلَ بِهِ أَعْطَى»[16]. وَعَنْ مِحْجَنِ بْنِ الْأَدْرَعِ رضي الله عنه: «دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الْمَسْجِدَ، فَإِذَا هُوَ بِرَجُلٍ قَدْ قَضَى صَلَاتَهُ، وَهُوَ يَتَشَهَّدُ وَهُوَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ يَا اَللَّهُ الْأَحَدُ الصَّمَدُ، الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ، أَنْ تَغْفِرَ لِي ذُنُوبِي، إِنَّكَ أَنْتَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ، قَالَ: فَقَالَ: قَدْ غُفِرَ لَهُ، قَدْ غُفِرَ لَهُ، ثَلَاثًا»[17].

 

سادسًا: أَنَّها مِنْ أَعْظَمِ مَا يُرَدُّ بِهِ وَسْوَسَةُ الشَّيْطَانِ، فَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «لاَ يَزَالُونَ يَسْأَلُونَ حَتَّى يُقَالُ: هَذَا اللَّهُ خَلَقَنَا، فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ عز وجل؟ قَالَ: فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَوَاللَّهِ إِنِّي لَجَالِسٌ يَوْمًا، إِذْ قَالَ لِي رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ: هَذَا اللَّهُ خَلَقَنَا، فَمَنْ خَلَقَ اللَّهَ عز وجل؟ قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَجَعَلْتُ أُصْبُعَيَّ فِي أُذُنَيَّ، ثُمَّ صِحْتُ، فَقُلْتُ: صَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، اللَّهُ الْوَاحِدُ الصَّمَدُ، لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ»[18].

 

سابعًا: وَمِنْ فَضَائِلِهَا: مَا جَاءَ عَنْ مُعَاذِ بْنِ أَنَسٍ الْجُهَنِيِّ صَاحِبِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «مَنْ قَرَأَ: (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) حَتَّى يَخْتِمَهَا عَشْرَ مَرَّاتٍ، بَنَى اللهُ لَهُ قَصْرًا فِي الْجَنَّةِ، فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: إِذًا نَسْتَكْثِرَ يَا رَسُولَ اللهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: اللهُ أَكْثَرُ وَأَطْيَبُ»[19].

 

ثامنًا: وَمِنْ فَضَائِلِهَا: أَنَّهَا تُقْرَأُ فِي الْوِتْرِ[20]، وَسُنَّةِ الْفَجْرِ[21]، وَسُنَّةِ الْمَغْرِبِ[22]، وَسُنَّةِ الطَّوَافِ[23]، كَمَا جَاءَتْ بِذَلِكَ الْأَحَادِيثُ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم.

 

مِنْ فَضَائِلِ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ مَعَ سُورَتَيْ (الْفَلَقِ وَالنَّاسِ):

وَمِنْ فَضَائِلِ هَذِهِ السُّورَةِ الْعَظِيمَةِ، مَعَ سُورَتَي الْفَلَقِ وَالنَّاسِ:

أولًا: أَنَّ هَذَهِ السُّوَرُ مِنْ خَيْرِ مَا أُنْزِلَ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ وَالفُرْقَانِ الْعَظِيمِ، فَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَهُ: «يَا عُقْبَةُ بْنَ عامِرٍ، أَلَا أُعلِّمُكَ خَيْرَ ثَلَاثِ سُوَرٍ أُنْزِلَتْ في التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالزَّبُورِ وَالْفُرْقَانِ الْعَظِيمِ؟ قَالَ: قُلْتُ: بَلَى، جَعَلَنِي اللهُ فِدَاكَ، قَالَ: فأَقْرَأَني: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد ﴾ [الإخلاص:1]، وَ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَق ﴾ [الفلق:1]، وَ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاس ﴾ [الناس:1]، ثُمَّ قالَ: يَا عُقْبَةُ لا تَنْسَاهُنَّ، ولا تَبِتْ لَيْلَةً حَتَّى تَقْرَأَهُنَّ، قَالَ: فَمَا نَسِيتُهُنَّ قَطُّ مُنْذُ قَالَ: لَا تَنْسَاهُنَّ، وَمَا بِتُّ لَيْلَةً قَطُّ حَتَّى أَقْرَأَهُنَّ»[24].

 

ثانيًا: أَنَّ قِرَاءَةَ هَذِهِ السُّوَرِ كَافِيَةٌ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ؛ لِحَديثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ خُبَيْبٍ رضي الله عنه قَالَ: «خَرَجْنَا فِي لَيْلَةِ مَطَرٍ وَظُلْمَةٍ شَدِيدَةٍ، نَطْلُبُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِيُصَلِّيَ لَنَا، فَأَدْرَكْنَاهُ، فَقَالَ: أَصَلَّيْتُمْ؟ فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا، فَقَالَ: قُلْ، فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ: قُلْ، فَلَمْ أَقُلْ شَيْئًا، ثُمَّ قَالَ: قُلْ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَقُولُ؟ قَالَ: قُلْ: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد ﴾ [الإخلاص:1]، وَالْمُعَوِّذَتَيْنِ حِينَ تُمْسِي، وَحِينَ تُصْبِحُ، ثَلَاثَ مَرَّاتٍ تَكْفِيكَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ»[25].

 

ثالثًا: أَنَّ هَذِهِ السُّوَرَ مِنْ أَذْكَارِ الصَّبَاحِ وَالْمَسَاءِ؛ لِحَدِيثِ عَبْدِ اللهِ بْنِ خُبَيْبٍ رضي الله عنه الْمُتَقَدِّمِ.

 

رابعًا: أَنَّهَا مِنْ أَذْكَارِ النَّوْمِ؛ لِحَدِيثِ عَائِشَةَ رضي الله عنها: «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِذَا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ كُلَّ لَيْلَةٍ جَمَعَ كَفَّيْهِ، ثُمَّ نَفَثَ فِيهِمَا فَقَرَأَ فِيهِمَا: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد ﴾ [الإخلاص:1]، وَ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَق ﴾ [الفلق:1]، وَ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاس ﴾ [الناس:1]، ثُمَّ يَمْسَحُ بِهِمَا مَا اسْتَطَاعَ مِنْ جَسَدِهِ، يَبْدَأُ بِهِمَا عَلَى رَأْسِهِ وَوَجْهِهِ، وَمَا أَقْبَلَ مِنْ جَسَدِهِ، يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلاَثَ مَرَّات»[26].

 

خامسًا: أَنَّ هَذِهِ السُّوَرَ تُقْرَأُ دُبُرَ كُلِّ صَلَاةٍ؛ لِحَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه قَالَ: «أَمَرَنِي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ أَقْرَأَ بِالْمُعَوِّذَات[27] فِي دُبُرَ كُلِّ صَلاَةٍ»[28].

 

سادسًا: أَنَّهَا تَعْوِيذَاتٌ مُبَارَكَةٌ، مَا تَعَوَّذَ أَحَدٌ بِمِثْلِهَا، كَمَا ثَبَتَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ رضي الله عنه قَالَ: «بَيْنَا أَنَا أَقُودُ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَاحِلَتَهُ فِي غَزْوَةٍ إِذْ قَالَ: يَا عُقْبَةُ، قُلْ فَاسْتَمَعْتُ، ثُمَّ قَالَ: يَا عُقْبَةُ، قُلْ فَاسْتَمَعْتُ، فَقَالَهَا الثَّالِثَةَ، فَقُلْتُ: مَا أَقُولُ؟ فَقَالَ: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد ﴾ [الإخلاص:1]؛ فَقَرَأَ السُّورَةَ حَتَّى خَتَمَهَا، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَق ﴾ [الفلق:1]، وَقَرَأْتُ مَعَهُ حَتَّى خَتَمَهَا، ثُمَّ قَرَأَ ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاس ﴾ [الناس:1]، فَقَرَأْتُ مَعَهُ حَتَّى خَتَمَهَا، ثُمَّ قَالَ: مَا تَعَوَّذَ بِمِثْلِهِنَّ أَحَدٌ»[29].

 

شَرْحُ الْآيَاتِ:

قَوْلُهُ: ﴿ قُلْ ﴾ [الإخلاص:1]، الْخِطَابُ هُنَا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ أَمْرٌ لَهُ أَنْ يُخَاطِبَ أَهْلَ الْكُفْرِ وَالشِّرْكِ عَامَّةً[30]، ﴿ هُوَ اللَّهُ ﴾ [الإخلاص:1]، (اللَّهُ): مُشْتَقٌّ مِنَ الْأُلُوهِيَّةِ وَالْإِلَهِيَّةِ[31]، وَهِيَ الْعُبُودِيَّةُ، فَاللهُ مُشْتَقٌّ مِنْ (إِلَهٍ) بِمَعْنَى: مَأْلُوهٌ، أَيْ: الْمَعْبُودُ حُبًّا وَتَعْظِيمًا، وَهُوَ عَلَمٌ عَلَى الْإِلَهِ الْمُسْتَحِقِّ لِلْعِبَادَةِ سبحانه وتعالى [32].

 

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: «اللهُ ذُو الْإِلَهِيَّةِ وَالْعُبُودِيَّةِ عَلَى خَلْقِهِ أَجْمَعِينَ»[33]. وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رحمه الله: "إِذِ الْإِلَهُ هُوَ الَّذِي يُؤْلَهُ فَيُعْبَدُ مَحَبَّةً وَإِنَابَةً وَإِجْلَالًا وَإِكْرَامًا"[34]، وَقَالَ: "وَالْإِلَهُ مَنْ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُؤْلِهَهُ الْعِبَادُ، وَيَدْخُلُ فِيهِ حُبُّهُ وَخَوْفُهُ، فَمَا كَانَ مِنْ تَوَابِعِ الْأُلُوهِيَّةِ فَهُوَ حَقُّ اللهِ مَحْضٌ"[35].

 

قَولُهُ: ﴿ أَحَد ﴾ [الإخلاص:1]، أي: لَا شَبِيهَ لَهُ وَلَا نَظِيرَ، وَلَا صَاحِبَةَ، وَلَا وَلَدَ، وَلَا شَرِيكَ[36].

 

قَالَ فِي الْمَطْلَبِ الْحَميدِ: "﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد ﴾ [الإخلاص:1]، يَعْنِي: هُوَ اللهُ الْوَاحِدُ الْأَحَدُ الَّذِي لَا نَظِيرَ لَهُ وَلَا وَزِيرَ وَلَا نِدَّ وَلَا شَبِيهَ وَلَا عَدِيلَ، وَلَا يُطْلَقُ هَذَا اللَّفْظُ فِي الْإِثْبَاتِ إِلَّا عَلَى اللهِ عز وجل؛ لِأَنَّهُ الْكَامِلُ فِي جَمِيعِ صِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ"[37].

 

قَولُهُ: ﴿ اللَّهُ الصَّمَد ﴾ [الإخلاص:2]، في مَعْنَى: (الصَّمَدِ) قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ:

الْقَوْلُ الْأَوَّلُ: السَّيِّدُ الَّذِي كَمُلَ فَي سُؤْدَدِهِ، وَلَيْسَ فَوْقَهُ أَحَدٌ، وَالْمَصْمُودُ إِلَيْهِ في قَضَاءِ الحَوَائِجِ.

 

الْقَوْلُ الثَّانِي: الَّذِي لَا جَوْفَ لَهُ، وَلَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ، وَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ شَيْءٌ[38].

 

فَفِي التَّعْرِيفِ الْأَوَّلِ إِثْبَاتٌ لِصِفَاتِ الْكَمَالِ، وَفِي التَّعْرِيفِ الثَّانِي نَفْيٌ لِصِفَاتِ النَّقْصِ عَنْهُ جل وعلا، فَتَنَزَّهَ وَتَقَدَّسَ تَعَالَى عَنْ صِفَاتِ خَلْقِهِ.

 

قَولُهُ: ﴿ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَد ﴾ [الإخلاص:3]، أَيْ: أَنَّ اللهَ تَعَالَى لِكَمَالِ غِنَاهُ لَمْ يَصْدُرْ عَنْهُ وَلَدٌ، وَلَمْ يَصْدُرْ هُوَ عَنْ شَيْءٍ؛ لِأَنَّهُ تَعَالَى لَا يُجَانِسُهُ شَيْءٌ، وَلَا يَفْتَقِرُ إِلَى شَيْءٍ، وَلَا يَسْبِقُهُ عَدَمٌ، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ ﴾ [الأنعام:101]؛ وَلِهَذَا جَاءَ فِي حَدِيثِ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: «لَيْسَ أَحَدٌ أَوْ لَيْسَ شَيْءٌ أَصْبَرَ عَلَى أَذَىً سَمِعَهُ مِنَ اللَّهِ، إِنَّهُمْ لَيَدَّعُونَ لَهُ وَلَدًا، وَإِنَّهُ لَيُعَافِيهِمْ وَيَرْزُقُهُمْ»[39].

 

وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «قَالَ اللهُ: كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ فَقَولُهُ: لَنْ يُعِيدَنِي كَمَا بَدَأَنِي، وَلَيْسَ أَوَّلُ الْخَلْقِ بِأَهْوَنَ عَلَيَّ مِنْ إِعَادَتِهِ، وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ فَقَولُهُ: اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا وَأَنَا الْأَحَدُ الصَّمَدُ، لَمْ أَلِدِ وَلَمْ أُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لِي كُفُؤًا أَحَدٌ»[40] [41].

 

قَولُهُ: ﴿ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَد ﴾ [الإخلاص:4]، أَيْ: ولَمْ يَكُنْ أحَدٌ يُكافِئُهُ أَوْ يُماثِلُهُ مِن صَاحِبَةٍ أَوْ غَيْرِها، لَا فِي أَسْمَائِهِ وَلَا فِي صِفَاتِهِ، وَلَا فِي أَفْعَالِهِ تبارك وتعالى [42].

 

بَعْضُ الْفَوَائِدِ الْمُسْتَخْلَصَةِ مِنَ الْآيَاتِ:

في آيَاتِ هَذِهِ السُّورَةِ الْعَظيمَةِ نَسْتَلْهِمُ فَوَائِدَ جَمَّةً، مِنْهَا:

تَجَلِّي الْوَحْدَانِيَّةِ وَالصَّمَدِيَّةِ:

هَذِهِ السُّورَةُ مِنْ أَعْظَمِ سُوَرِ الْقُرْآنِ شَأْنًا وَأَجَلِّهَا مَعْنًى؛ لِأَنَّهَا تَصِفُ الْوَاحِدَ الْأَحَدَ الْصَّمَدَ سُبْحَانَهُ، الَّذِي لَا نَظِيرَ لَهُ وَلَا شَبِيهَ وَلَا مَثِيلَ، وَهُوَ الصَّمَدُ الَّذِي تَقْصِدُهُ الْخَلَائِقُ في حَاجَاتِهَا، وَهُوَ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ؛ وَلِهَذَا هِيَ السُّورَةُ الَّتِي أَخْلَصَهَا اللهُ تَعَالَى لِنَفْسِهِ، فَلَيْسَ فِيهَا إِلَّا الْكَلَامُ عَنْ وَحْدَانِيَّتِهِ وَصِفَاتِهِسبحانه وتعالى.


شَرَفُ الْإِخْلَاصِ:

فِي هَذِهِ السُّورَةِ: "دَلِيلٌ عَلَى شَرَفِ التَّوْحِيدِ، كَيْفَ لَا وَالْعِلْمُ يَشْرُفُ بِشَرَفِ الْمَعْلُومِ، وَمَعْلُومُ هَذَا الْعِلْمِ هُوَ اللهُ وَصِفَاتُهُ، وَمَا يَجُوزُ عَلَيْهِ وَمَا لَا يَجُوزُ، فَمَا ظَنُّكَ بِشَرَفِ مَنْزِلَتِهِ وَجَلَالَةِ مَحَلِّهِ"[43]؛ وَلِهَذَا سُمِّيَتْ بِسُورَةِ الْإِخْلَاصِ لِأَنَّهَا أَخْلَصَتْ فِي صِفَةِ الرَّحْمَنِ، وَلِأَّنَّهَا تُخْلِصُ قَارِئَهَا مِنَ الشِّرْكِ الْعِلْمِيِّ الِاعْتِقَادِيِّ.

 

قَالَ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ رحمه الله: "وَسُمِّيَتْ سُورَةَ الْإِخْلَاصِ لِأَنَّ قِرَاءَتَهَا خَلَاصٌ مِنْ عَذَابِ اللهِ، أَوْ لِأَنَّ فِيهَا إِخْلَاصَ اللهِ تَعَالى مِنْ شَرِيكٍ وَوَلَدٍ، أَوْ لِأَنَّهَا خَالِصَةٌ للهِ تَعَالَى لَيْسَ فِيهَا أَمْرٌ وَلَا نَهْيٌ"[44].

 

كَمَالُ صِفَاتِ اللهِ وَأَسْمَائِهِ:

هَذِهِ السُّورَةُ مِنْ أَقْوَى أَدِلَّةِ أَهْلِ السُّنَةِ وَالْجَمَاعَةِ في بَابِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، وَعَقِيدَتُهُمْ هِيَ إِثْبَاتُ مَا أَثْبَتَهُ اللهُ لِنَفْسِهِ مِنَ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ في كِتَابِهِ أَوْ أَثْبَتَهُ لَهُ نَبِيُّهُ صلى الله عليه وسلم مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ وَلَا تَعْطِيلٍ وَلَا تَكْيِيفٍ وَلَا تَمْثِيلٍ.

 

وَإِقْرَارُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم لِقَولِ الرَّجُلِ إنَّهَا صِفَةُ الرَّحْمَنِ دَلِيلٌ عَلَى إِثْبَاتِ الصِّفَاتِ لِمَنْ أَنْكَرَهَا وَعَطَّلَهَا، سَوَاءٌ كَانَ تَعْطِيلُهُ كُلِّيًّا كَالْجَهْمِيَّةِ أَوْ جُزْئيًّا كَالْأَشَاعِرَةِ.

 

وَقَدِ احْتَّجَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رحمه الله بِقَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «أَخْبِرُوهُ»؛ فَثَبَتَ بِهذِه النُّصُوصِ أَنَّ الْكَلَامَ الذَّي يُخْبَرُ بِهِ عَنِ الله صِفَةٌ لَهُ، وَعَلَّلَ ذَلِكَ بِأَنَّ الْوَصْفَ هُوَ الْإِظْهَارُ وَالْبَيَانُ لِلْبَصَرِ أَوِ السَّمْعِ، كَمَا يَقُولُ الفُقَهاءُ: ثَوْبٌ يَصِفُ البَشَرَةَ أَوْ لَا يَصِفُ البَشَرَةَ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ ﴾ [الأنعام:139]، وَقَالَ: ﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُون ﴾ [الصافات:180][45].

 

اِجْتِمَاعُ أُصُولِ التَّوْحِيدِ فِيْ هَذِهِ السُّورة:

قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ رحمه الله: "فِي سُورَةِ الْإِخْلَاصِ مِنْ كَمَالِ التَّوْحِيدِ الْعِلْمِيِّ الِاعْتِقَادِيِّ، وَإِثْبَاتِ الْأَحَدِيَّةِ للهِ، الْمُسْتَلْزِمَةِ نَفْيَ كُلِّ شَرِكَةٍ عَنْهُ، وَإِثْبَاتِ الصَّمَدِيَّةِ الْمُسْتَلْزِمَةِ لِإِثْبَاتِ كُلِّ كَمَالٍ لَهُ، مَعَ كَوْنِ الْخَلَائِقِ تَصْمُدُ إِلِيْهِ فِي حَوَائِجِهَا، أَيْ: تَقْصِدُهُ الْخَلِيقَةُ وَتَتَوَجَّهُ إِلَيْهِ، عُلْوِيُّهَا وَسُفْلِيُّهَا، وَنَفْيِ الْوَالِدِ وَالْوَلَدِ وَالْكُفْءِ عَنْهُ الْمُتَضَمِّنِ لِنَفْيِ الْأَصْلِ وَالْفَرْعِ وَالنَّظِيرِ وَالْمُمَاثِلِ، مِمَّا اخْتَصَّتْ بِهِ وَصَارَتْ تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ، فَفِي اسْمِهِ الصَّمَدِ: إِثْبَاتُ كُلِّ الْكَمَالِ، وَفِي نَفْيِ الْكُفْءِ: التَّنْزِيهُ عَنِ الشَّبِيهِ وَالْمِثَالِ، وَفي الْأَحَدِ: نَفْيُ كُلِّ شَرِيكٍ لِذِي الْجَلَالِ، وَهَذِهِ اْلأُصُولُ الثَّلَاثَةُ هِيَ مَجَامِعُ التَّوْحِيدِ"[46].

 

تَضَمُّنُ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ لِأَنْوَاعِ التَّوْحِيدِ الثَّلَاثَةِ:

سُورَةُ التَّوْحِيدِ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى أَنْوَاعِ التَّوْحِيدِ الثَّلَاثَةِ: تَوْحِيدِ الْأُلُوهِيَّةِ، وَتَوْحِيدِ الرُّبُوبِيَّةِ، وَتَوْحِيدِ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، وبيانه كما يلي:

فَقَولُهُ: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد ﴾: تَوْحِيدٌ لِلْأُلُوهِيَّةِ، فَاللَّهُ هُوَ الْإِلَهُ الْوَاحِدُ الْمَعْبُودُ حَقًّا، الَّذِي لَا يُعْبَدُ أَحَدٌ سِوَاهُ.

 

وَقَولُهُ: ﴿ اللَّهُ الصَّمَد ﴾: تَوْحِيدٌ لِلرّبُوبِيَّةِ، وَتَوْحِيدٌ لِلْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ، فَاللَّهُ عز وجل هُوَ الْكَامِلُ في صِفَاتِهِ الَّذِي تَصْمُدُ إِلَيْهِ جَميعُ مَخْلُوقَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الرَّبُّ الْوَاحِدُ الَّذِي يَقْصِدُهُ الْخَلَائِقُ فِي حَوَائِجِهِمْ وَمَسَائِلِهِمْ. قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رحمه الله: "فَإِنَّ ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد ﴾ تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقْرْآنِ، إِذْ كَانَ الْقُرْآنُ بِاعْتِبَارِ مَعَانِيهِ ثَلَاثَ أَثْلَاثٍ: ثُلُثُ تَوْحِيدٍ، وَثُلُثُ قَصَصٍ، وَثُلُثُ أَمْرٍ وَنَهْيٍ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللهِ، وَالْكَلَامُ: إِمَّا إِنْشَاءٌ، وَإِمَّا إِخْبَارٌ، وَالْإِخْبَارُ: إِمَّا عَنِ الْخَالِقِ، وَإِمَّا عَنِ الْمَخْلُوقِ، وَالْإِنْشَاءُ: أَمْرٌ وَنَهْيٌ وَإِبَاحَةٌ. فَـ ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد ﴾: فِيهَا ثُلُثُ التَّوْحِيدِ، الَّذِي هُوَ خَبَرٌ عَنِ الْخَالِقِ، وَقَدْ قَالَ صلى الله عليه وسلم: «﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد ﴾ تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ»[47]، وَعَدْلُ الشَّيْءِ -بِالْفَتْحِ- يَكُونُ: مَا سِوَاهُ مِنْ غَيْرِ جِنْسِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا ﴾ [المائدة:95]، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ لَهُ مِنَ الثَّوَابِ مَا يُسَاوِي الثُّلُثَ فِي الْقَدْرِ، وَلَا يَكُونُ مِثْلَهُ فِي الصِّفَةِ، كَمَنْ مَعَهُ أَلْفُ دِينَارٍ وَآخَرُ مَعَهُ مَا يَعْدِلُهَا مِنَ الْفِضَّةِ وَالنُّحَاسِ وَغَيْرِهِمَا؛ وَلِهَذَا يَحْتَاجُ إِلَى سَائِرِ الْقُرْآنِ، وَلَا تُغْنِي عَنْهُ هَذِهِ السُّورَةُ مُطْلَقًا، كَمَا يَحْتَاجُ مَنْ مَعَهُ نَوْعٌ مِنَ الْمَالِ إِلَى سَائِرِ الْأَنْوَاعِ، إِذْ كَانَ الْعَبْدُ مُحْتَاجًا إِلى الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَالْقَصَصِ.

 

وَسُورَةُ ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد ﴾: فِيهَا التَّوْحِيدُ الْقَوْلِيُّ العملي، الَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ الْأَسْمَاءُ وَالصَّفَاتُ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد * اللَّهُ الصَّمَد ﴾"[48].


إِثْبَاتُ صِفَةِ الْكَلَامِ للهِ:

فِي هَذِهِ السُّورَةِ إِثْبَاتُ صِفَةِ الْكَلَامِ للهِ تَعَالَى عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ بِدَلَالَةِ قَوْلِهِ: ﴿ قُلْ ﴾، وَلَوْ كَانَ كَلَامَ مُحَمَّدٍ أَوْ جِبْرِيلَ لَمْ يَقُلْ: ﴿ قُلْ ﴾. قَالَ الْبُخَارِي: قَالَ أَبُو الْوَليدِ: سَمِعْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ وَذُكِرَ لَهُ أَنَّ قَوْمًا يَقُولُونَ: الْقُرْآنُ مَخْلُوقٌ فَقَالَ: كَيْفَ يَصْنَعُونَ بِـ ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد * اللَّهُ الصَّمَد ﴾[49].

 

وَظِيفَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هِيَ الْبَلَاغُ:

أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مُبَلِّغٌ عَنِ اللهِ تَعَالَى؛ لِقَوْلِ اللهِ تَعَالَى لَهُ: ﴿ قُلْ ﴾ [الإخلاص:1]، قَالَ ابْنُ الْقَيَّمِ رحمه الله: "وَنَظيرُ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد ﴾ [الإخلاص:1]؛ فَهُوَ تَوْحِيدٌ مِنْهِ لِنَفْسِهِ وَأَمْرٌ لِلْمُخَاطَبِ بِتَوْحِيدِهِ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد ﴾ [الإخلاص:1] كَانَ قَدْ وَحَّدَ اللهَ بِمَا وَحَّدَ بِهِ نَفْسَهُ، وَأَتَى بِلَفْظَةِ (قُلْ) تَحْقِيقًا لِهَذَا الْمَعْنَى، وَأَنَّهُ مُبَلِّغٌ مَحْضٌ قَائِلٌ لِمَا أُمِرَ بِقَوْلِهِ، وَاللهُ أَعْلَمُ، وَهَذَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ: ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَق ﴾ [الفلق:1]، وَ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاس ﴾ [الناس:1]، فَإِنَّ هَذَا أَمْرٌ مَحْضٌ بِإِنْشَاءِ الاِسْتِعَاذَةِ لَا تَبْلِيغٌ لِقَوْلِهِ: ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاس ﴾ [الناس:1]، فَإِنَّ اللهَ لَا يَسْتَعِيذُ مِنْ أَحَدٍ، وَذَلِكَ عَلَيْهِ مُحَالٌ، بِخِلَافِ قَولِهِ: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد ﴾ [الإخلاص:1]؛ فَإِنَّهُ خَبَرٌ عَنْ تَوْحِيدِهِ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ يُخْبِرُ عَنْ نَفْسِهِ بِأَنَّهُ الْوَاحِدُ الْأَحَدُ، فَتَأَمَّلْ هَذِهِ النُّكْتَةَ الْبَدِيعَةَ -وَاللهُ الْمُسْتَعَانُ-"[50].


دَلَالَةُ اسْمِ اللهِ الْجَامِعِ (اللهُ):

اِسْمُ (اللهِ) هُوَ الاِسْمُ الْجَامِعُ، الَّذِي يَدُلُّ عَلَى جَمِيعِ أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ تَعَالَى:

• فَهَذاَ الاِسْمُ لَمْ يُطْلَقْ عَلَى أَحَدٍ غَيْرِ اللهِ تَعَالَى.

• وَهُوَ الاِسْمُ الْأَعْظَمُ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ.

 

قَالَ الْقُرْطُبِيُّ رحمه الله: "قَوْلُهُ: (اللهُ) هَذَا الاِسْمُ أَكْبَرُ أَسْمَائِهِ سُبْحَانَهُ وَأَجْمَعُهَا، حَتَّى قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ: إِنَّهُ اسْمُ اللهِ الْأَعْظَمُ، وَلَمْ يَتَسَمَّ بِهِ غَيْرُهُ؛ لِذَلِكَ لَمْ يُثَنَّ وَلَمْ يُجْمَعْ، وَهُوَ أَحَدُ تَأْوِيلَيْ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ﴾ [مريم:65]، أَيْ: مَنْ تَسَمَّى بِاسْمِهِ الَّذِي هُوَ (اللهُ)، فَاللهُ اسْمٌ لِلْمَوْجُودِ الْحَقِّ الْجَامِعِ لِصِفَاتِ الْإِلَهِيَّةِ، الْمَنْعُوتِ بِنُعُوتِ الرُّبُوبِيَّةِ، الْمُنْفَرِدِ بِالْوُجُودِ الْحَقِيقِيِّ، لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ"[51].

 

وَقَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ رحمه الله: "اِسْمُ (اللهِ): دَالٌّ عَلَى جَمِيعِ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى، وَالصِّفَاتِ الْعُلْيَا بِالدَّلَالَاتِ الثَّلَاثِ"، وَيَقْصِدُ بِالدَّلَالَاتِ الثَّلَاثِ: الْمُطَاَبَقَةُ وَالتَّضَمُّنُ وَاللُّزُومُ.

 

دَلَالَاتُ اِسْمِ اللهِ (الَأَحَدُ):

مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ الْحُسْنَى: الْأَحَدُ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ أَحَد ﴾، وَلَا يُطْلَقُ مُنَكَّرًا، وَلَا يُطْلَقُ فِي الإِثْبَاتِ إِلَّا عَلَى اللهِ تَعَالَى وَحْدَهُ.

 

قَالَ ابْنُ رَجَبٍ رحمه الله: "وَ(أَحَدُ) اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ يُسَمَّى اللهُ بِهِ، وَلَا يُسَمَّى غَيْرُهُ مِنَ الْأَعْيَانِ بِهِ، فَلَا يُسَمَّى شَيْءٌ مِنَ الْأَشْيَاءِ أَحَدًا فِي الْإِثْبَاتِ إِلَّا فِي الَأَعْدَادِ الْمُطْلَقَةِ، وَإِنَّمَا يُسَمَّى بِهِ في النَّفْيِ، وَمَا أَشَبْهَهُ مِنَ الاِسْتِفْهَامِ وَالنَّهْيِ وَالشَّرْطِ، كَقَوْلِهِ: ﴿ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَد ﴾ [الإخلاص:4]، وَقَولِهِ: ﴿ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّنْ أَحَدٍ ﴾ [مريم:98]، وَقَوْلِهِ: ﴿ فَلاَ تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا ﴾ [الجن:18]، وَقَوْلِهِ: ﴿ وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ ﴾ [التوبة:6] وَنَحْوِهِ"[52].

 

وَقَوْلُ بَعْضِ النَّاسِ: (جَاءَنِي أَحَدُ الْأَشْخَاصِ) خَطَأٌ، هَذَا فِي الْإِثْبَاتِ، وَأَمَّا فِي النَّفْيِ أَوِ الاِسْتِفْهَامِ أَوِ الشَّرْطِ فَيَصِحُّ؛ فَلَكَ أَنْ تَقُولَ مَثَلًا: (مَا جَاءَنِي أَحَدٌ).

 

قَالَ الْعِزُّ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ رحمه الله: "﴿ أَحَد ﴾ الْأَحَدُ الْمُنْفَرِدُ بِصِفَاتِهِ، فَلَا شِبْهَ لَهُ وَلَا مِثْلَ، تَقْديرُهُ: الْأَحَدُ، فَحُذِفَتِ الْأَلِفُ وَاللَّامُ، أو لَيْسَ بِنَكِرَةٍ، وَإِنَّمَا هُوَ بَيَانٌ وَتَرْجَمَةٌ، قَالَ الْمُبَرِّدُ: الْأَحَدُ وَالْوَاحِدُ سَوَاءٌ أَوِ الْأَحَدُ الَّذِي لَا يَدْخُلُ في الْعَدَدِ، وَالوَاحِدُ يَدْخُلُ في الْعَدَدِ؛ لِأَنَّكَ تَقُولُ لِلْوَاحِدِ: ثَانِيًا، أَوِ الَأَحَدُ يَسْتَوْعِبُ جِنْسَهُ، وَالْوَاحِدُ لَا يَسْتَوْعِبُهُ؛ لِأَنَّكَ لَوْ قُلْتَ: فُلَانٌ لَا يُقَاوِمُهُ أَحَدٌ لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَاوِمَهُ اثْنَانِ وَلَا أَكْثَرُ، فَالْأَحَدُ أَبْلَغُ مِنَ الْوَاحِدِ"[53].

 

دَلَالَاتُ اسْمِ اللهِ (الصَّمَدُ):

الصَّمَدُ: اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ اللهِ الْحُسْنَى، وَإِذَا تَبَيَّنَ مَعْنَى (الصَّمَدِ)، وَأَنَّ اللهَ هُوَ وَحْدَهُ الْمُسْتَحِقُّ لِلُّجُوءِ وَالاِسْتِعَانَةِ، وَهُوَ الَّذِي يُقْصَدُ فيِ قَضَاءِ الْحَوائِجِ، فَالْوَاجِبُ عَلَى الْمُؤْمِنِ أَنْ لَا يُعَلِّقَ قَلْبَهُ إِلَّا بِالله، فَلاَ يَدْعُو غَيْرَهُ وَلاَ يرْجُو سِوَاهُ؛ لِأَنَّهُ تَعَالى الْغَنِيُّ الَّذِي كَمُلَ فِي غِنَاهُ وَشَرَفِهِ وَسُؤْدُدِهِ، فَصَمَدَ لِحَوَائِجِ الْخَلاَئِقِ كُلِّهَا، وَهُوَ الْقَائِلُ سُبْحَانَهُ: ﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُون ﴾ [البقرة:186].

 

قَالَ ابْنُ عَاشُورٍ رحمه الله: "وَالصَّمَدُ: مِنْ صِفَاتِ اللهِ، وَاللهُ هُوَ الصَّمَدُ الْحَقُّ الْكَامِلُ الصَّمَدِيَّةِ عَلَى وَجْهِ الْعُمُومِ، فَالصَّمَدُ مِنَ الْأَسْمَاءِ التِّسْعَةِ وَالتِّسْعِينَ في حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عِنْدَ التِّرْمِذِيِّ، وَمَعْنَاهُ: الْمُفْتَقِرُ إِلَيْهِ كُلُّ مَا عَدَاهُ، فَالْمَعْدُومُ مُفْتَقِرٌ وُجُودُهُ إِلَيْهِ، وَالْمَوْجُودُ مُفْتَقِرٌ فِي شُؤُونِهِ إِلَيْهِ...، وَصِيغَةُ (اللهُ الصَّمَدُ): صِيغَةُ قَصْرٍ بِسَبَبِ تَعْرِيفِ الْمُسْنَدِ، فَتُفِيدُ قَصْرَ صِفَةِ الصَّمَدِيَّةِ عَلَى اللهِ تَعَالَى، وَهُوَ قَصْرُ قَلْبٍ، لِإِبْطَالِ مَا تَعَوَّدَهُ أَهْلُ الشِّرْكِ في الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ دُعَائِهِمْ أَصْنَامَهُمْ فِي حَوَائِجِهِمْ، وَالْفَزَعِ إِلَيْهَا فِي نَوَائِبِهِمْ حَتَّى نَسُوا اللهَ"[54].

 

نَفْيُ الْوَلَدِ عَنِ اللهِ:

اللهُ تَعَالَى لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَا وَالِدَ، فَلَيْسَ هُوَ بِأَبٍ لِأَحَدٍ، وَلَا ابْنٍ لِأَحَدِ، سبحانه وتعالى، وَلَيْسَ هُوَ مِمَّنْ يُولَدُ فَيَفْنَى، وَلَا هُوَ بِمُحْدَثٍ لَمْ يَكُنْ فَكَانَ، تَعَالَى وَتَقَدَّسَ.

 

وَإِنَّمَا قَالَ: (لم يلد) أَوَّلًا قَبْلَ (لم يولد) لِأَنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ نَسَبَ لَهُ الْوَلَدَ، فَكَذَّبَ إِفْكَهُمْ، وَرَدَّ بُهْتَانَهُمْ، وَقَطَعَ عَلَيْهِمْ طُرُقَ افْتِرَائِهِمْ؛ فَقَالَ: ﴿ لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَد ﴾ [الإخلاص:3]، وَهَذَا مِثْلُ: قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ وَجَعَلُواْ لِلّهِ شُرَكَاء الْجِنَّ وَخَلَقَهُمْ وَخَرَقُواْ لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُون * بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم * ذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيل ﴾ [الأنعام:100-102].

 

وَقَوْلِهِ تَعَالىَ: ﴿ وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا * لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْدًا ﴾ [مريم:88-95].

 

فَاللهُ تَعَالَى هُوَ مَالِكُ كُلِّ شَيْءٍ وَخَالِقُهُ، فَكَيْفَ يَكُونُ لَهُ مِنْ خَلْقِهِ نَظِيرٌ يُسَامِيهِ، أَوْ قَرِيبٌ يُدَانِيهِ - تَعَالَى وَتَقَدَّسَ؟

 

قَالَ الشَنْقِيطِيُّ رحمه الله: "تَنْبِيهٌ: فَفِي اتِّخَاذِ الْوَلَدِ لَا يَسْتَلْزِمُ نَفْيَ الْوِلَادَةِ؛ لِأَنَّ اتِّخَاذَ الْوَلَدِ قَدْ يَكُونُ بِدُونِ وِلَادَةٍ كَالتَّبَنِّي أَوْ غَيْرِهِ، كَمَا فِي قِصَّةِ يُوسُفَ في قَوْلِهِ تَعَالَى عَنْ عَزِيزِ مِصْرَ: ﴿ أَكْرِمِي مَثْوَاهُ عَسَى أَن يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا ﴾ [يوسف:21]، فَفِي هِذِهِ السُّورَةِ نَفْيٌ أَخَصُّ، فَلَزِمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ في هَذِهِ السُّورَةِ الْكَرِيمَةِ وَهِيَ سُورَةُ الْإِخْلَاصِ، وَالَّتِي تَعْدِلُ ثُلُثَ الْقُرْآنِ لِاخْتِصَاصِهَا بِحَقِّ اللهِ تَعَالَى فِي ذَاتِهِ وَصِفَاتِهِ مِنَ الْوَحْدَانِيَّةِ وَالصَّمَدِيَّةِ، وَنَفْيِ الْوِلَادَةِ وَالْوَلَدِ، وَنَفْيِ الْكُفْءِ، وَكُلُّهَا صِفَاتُ انْفِرَادٍ للهِ سُبْحَانَهُ.

 

وَقَدْ جَاءَ فِيهَا النَّصُ الصَّرِيحُ بِعَدَمِ الْوِلَادَةِ، وَأَنَّهُ سبحانه وتعالى لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ، فَهِيَ أَخَصُّ مِنْ تِلْكَ، وَهَذا مِنَ الْمُسَلَّمَاتِ عِنْدَ الْمُسْلِمينَ جَمِيعًا بِدُونِ شَكٍّ وَلَا نِزَاعٍ، وَلَمْ يُؤْثَرْ فِيهَا أَيُّ خِلَافٍ. وَلَكِنْ غَيْرُ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يُسَلِّمُوا بِذَلِكَ، فَالْيَهُودُ قَالُوا: عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ، وَالنَّصَارَى قَالُوا: الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ، وَالْمُشْرِكُونَ قَالُوا: الْمَلَائِكَةُ بَنَاتُ اللهِ، فَاتَّفَقُوا عَلَى ادِّعَاءِ الْوَلَدِ للهِ، وَلَمْ يَدَّعِ أَحَدٌ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ مَوْلُودٌ، وَقَدْ جَاءَتِ النُّصُوصُ الصَّرِيحَةُ في نَفْيِ الْوَلَدِ عَنِ اللهِ سبحانه وتعالى، إِلَّا أَنَّ مُجَرَّدَ النَّصِ الَّذِي لَمْ يُؤْمِنْ بِهِ الْخَصْمُ لَا يَكْفِي لِإِقْنَاعِهِ، وَفِي هَذِهِ السُّورَةِ وَهِيَ الْمُخْتَّصَةُ بِصِفَاتِ اللهِ لَمْ يَأْتِ التَّنْوِيهُ فِيهَا عَنِ الْمَانِعِ مِنِ اتِّخَاذِ اللهِ لِلْوَلَدِ، وَمِنْ كَوْنِهِ سُبْحَانَهُ لَمْ يُولَدْ"[55].

 

لَا فَنَاَءَ فِي حَقِّ اللهِ تَعَالَى:

فِيْ هَذِهِ السُّوْرَة: أنَّ الله تَعَالَى لَا يَفْنَى؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ لَمْ يَلِدْ ﴾، إِذْ لَا شَيْءَ يَلِدُ إِلَّا وَهُوَ فَانٍ بَائِدٌ لَا مَحَالَةَ، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالى: ﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَان * وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلاَلِ وَالإِكْرَام ﴾ [الرحمن:26-27]، وَاللهُ تَعَالَى هُوَ الْأَوَّلُ فَلَيْسَ قَبْلَهُ شَيْءٌ، وَهُوَ الْآخِرُ فَلَيْسَ بَعْدَهُ شَيْءٌ، كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيم ﴾ [الحديد:3][56].

 

الْجَمْعُ بَيْنَ الإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ:

فِي هَذِهِ السُّورَةُ: الجَمْعُ بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ، كَمَا قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ: "وَهُوَ سُبْحَانَهُ قَدْ جَمَعَ فِيمَا وَصَفَ وَسَمَّى بِهِ نَفْسَهُ بَيْنَ النَّفْيِ وَالإِثْبَاتِ"[57]، أَيْ: إِثْبَاتِ صِفَاتِ الْكَمَالِ، وَنَفْيِ التَّشْبِيهِ وَالْمِثَالِ.

 

وَمَعَانِي التَّنْزِيهِ تَرْجِعُ إِلَى هَذَيْنِ الْأَصْلَيْنِ، وَهَذا عَكْسُ مَا عَلَيْهِ أَهْلُ الْبِدَعِ مِنَ الْجَهْمِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَغَيْرِهِمْ؛ فَإِنَّهُمْ "يَنْفُونَ صِفَاتِ الْكَمَالِ، وَيُثْبِتُونَ مَا لَا يُوجَدُ إِلَّا فِي الْخَيَالِ"[58].

 

الرَّدُّ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكِينَ.

هَذِهِ السُّورَةُ الْعَظيمَةُ تَضَمَّنَتِ الرَّدَّ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمُشْرِكِينَ، وَهِيَ حُجَّةُ اللهِ عَلَى خَلْقِهِ، كَمَا قَالَ السُّيُوطِيُّ: "سُورَةُ الْإِخْلَاصِ فِيهَا الرَّدُّ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسِ وَالْمُشْرِكينَ وَالْمُجَسِّمَةِ وَالْمُشَبِّهَةِ وَالْحُلُولِيَّةِ وَالاِتِّحَادِيَّةِ وَجَمِيعِ الْأَدْيَانِ الْبَاطِلَةِ"[59].

 

وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا: مَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ رَبِّهِ: «كَذَّبَنِي ابْنُ آدَمَ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، وَشَتَمَنِي وَلَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ، فَأَمَّا تَكْذِيبُهُ إِيَّايَ فَقَولُهُ: لَنْ يُعِيدَنِي كَمَا بَدَأَنِي، وَلَيْسَ أَوَّل الخَلْقِ بِأَهْوَن عَلَيَّ مِنْ إِعَادَتِهِ، وَأَمَّا شَتْمُهُ إِيَّايَ فَقَولُهُ: اتَّخَذَ اللهُ وَلَدًا، وَأَنَا الأَحَدُ الصَّمَدُ، لَمْ أَلِدْ وَلَمْ أُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لِي كُفُوًا أَحَدٌ»[60].

 

كَمَالُ غِنَى اللهِ عَنْ خَلْقِهِ:

فِيْ هَذِهِ السُّورَةِ: دَلَالَةٌ وَاضِحَةٌ عَلَى كَمَالِ غِنَى اللهِ سبحانه وتعالى وَفَقْرِ الْخَلَائِقِ إِلَيْهِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿ اللَّهُ الصَّمَد ﴾ [الإخلاص:2]، "فَالصَّمَدُ هُوَ الَّذِي تَصْمُدُ إِلَيْهِ الْخَلَائِقُ بِحَوَائِجِهَا، وَهُوَ الْغَنِيُّ عَنْ كُلِّ مَنْ سِوَاهُ، الْمُفْتَقِرُ إِلَيْهِ كُلُّ مَنْ عَدَاهُ، فَلِكَمَالِ غِنَاهُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى الْوَالِدِ وَالوَلَدِ، وَلِكَوْنِهِ وَاحِدًا أَحَدًا لَا يَكُونُ أَحَدٌ لَهُ مِثْلًا وَنَظِيرًا"[61].

 

الْحَثُّ عَلَى طَلَبِ الرِّزْقِ:

وَفِي اسْمِ اللهِ (الصَّمَدُ): حَثٌّ عَلَى طَلَبِ الرِّزْقِ مِنَ اللهِ تَعَالى؛ لِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ هُوَ الَّذِي تَصْمُدُ إِلَيْهِ الْخَلَائِقُ فِي حَوَائِجِهِمْ وَمَسَائِلِهِمْ. قَالَ السَّعْدِيُّ رحمه الله: "وَالصَّمَدُ وَهُوَ الَّذِي تَقْصِدُهُ الْخَلَائِقُ كُلُّهَا في جَمِيعِ حَاجَاتِهَا وَأَحْوَالِهَا وَضَرُورَاتِهَا؛ لِمَا لَهُ مِنَ الْكَمَالِ الْمُطْلَقِ فِي ذَاتِهِ وَأَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَفْعَالِهِ"[62].


نَفْيُ الشَّبِيهِ وَالمُمَاثِلِ عَنِ اللهِ تبارك وتعالى:

فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:﴿ وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَد ﴾ [الإخلاص:4]: التَّنْبِيهُ إِلَى أَنَّ اللهَ تَعَالَى لَيْسَ لَهُ مُكَافِئٌ، وَلَا شَبِيهٌ، وَلا مَثِيلٌ، وَلَا نَظِيرٌ فِي أُلُوهِيَّتِهِ وَأَحَدِيَّتِهِ وَصَمَدِيَّتِهِ وَتَفَرُّدِهِ في أَسْمَائِهِ وَصِفَاتِهِ وَأَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ، كَمَا قَالَ جَلَّ فِي عُلَاهُ: ﴿ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ﴾ [مريم:65]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِير ﴾ [الشورى:11].

 

قَالَ ابْنُ تَيْمِيَّةَ رحمه الله: "فَقَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿ قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَد * اللَّهُ الصَّمَد * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَد * وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُوًا أَحَد ﴾ [الإخلاص:1-4]؛ فَبَيَّنَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ كُفْوًا لَهُ، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا ﴾ [مريم:65]، فَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ لَهُ سَمِيٌّ، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً ﴾ [البقرة:22]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ فَلاَ تَضْرِبُواْ لِلّهِ الأَمْثَالَ ﴾ [النحل:74]، وَقَالَ تَعَالَى: ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾ [الشورى:11]، فَفِيمَا أَخْبَرَ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ مِنْ تَنْزِيهِهِ عَنِ الْكُفْؤِ وَالسَّمِيِّ وَالْمِثْلِ وَالنِّدِّ وَضَرْبِ الْأَمْثَالِ لَهُ بَيَانُ أَنْ لَا مِثْلَ لَهُ في صِفَاتِهِ وَلَا أَفْعَالِهِ"[63].

 

الْحِكْمَةُ مِنْ تَخْصِيصِ سُورَةِ الْإِخْلَاصِ بِنَفْيِ الْوَلَدِ عَنِ اللهِ:

قَالَ الرَّازِيُّ: "إِنَّ هَذِهِ السُّورَةَ فِي حَقِّ اللهِ مِثْلُ سُورَةِ الْكَوْثَرِ فِي حَقِّ الرَّسُولِ، لَكِنِ الطَّعْنُ في حَقِّ الرَّسُولِ كَانَ بِسَبِبِ أَنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّهُ أَبْتَرُ لَا وَلَدَ لَهُ، وَهَا هُنَا الطَّعْنُ بِسَبَبِ أَنَّهُمْ أَثْبَتُوا للهِ وَلَدًا؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ عَدَمَ الْوَلَدِ فِي حَقِّ الْإِنْسَانِ عَيْبٌ، وَوُجُودُ الْوَلَدِ عَيْبٌ فِي حَقِّ اللهِ تَعَالَى؛ فَلِهَذَا السَّبَبِ قَالَ هَاهُنَا: ﴿ قُلْ ﴾ حَتَّى تَكُونَ ذَابًّا عَنِّي، وَفِي سُورَةِ: ﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ ﴾، أَنَا أَقُولُ ذَلِكَ الْكَلَامَ حَتَّى أَكُونَ أَنَا ذَابًّا عَنْكَ -وَاللهُ سبحانه وتعالى أَعْلَمُ-"[64].

 


[1] تفسير ابن عطية (5/ 536)، زاد المسير (4/ 505).
[2] ينظر: تفسير الرازي (32/ 357)، التحرير والتنوير (30/ 610)، بصائر ذوي التمييز (1/ 553)، إعراب القرآن وبيانه (10/ 619).
[3] ينظر: التحرير والتنوير (30/ 612).
[4] أخرجه أحمد في المسند (21219)، والترمذي (3364) واللفظ له، وصحح إرساله، والطبري في تفسيره (24/ 727)، والحاكم في المستدرك (3987) وصححه. والحديث في إسناده أبو جعفر الرازي – واسمه: عيسى بن أبي عيسى ماهان - ضعيف الحديث، وفيه علة أخرى، وهي الإرسال، ولهذا الحديث شواهد. ينظر: فتح الباري لابن حجر (8/ 739).
[5] ينظر: زاد المسير (4/ 505)، تفسير البغوي (8/ 584).
[6] أخرجه البيهقي في الأسماء والصفات (2/ 38) (606)، وحسنه الحافظ في الفتح (13/ 356).
[7] أخرجه البخاري (7375) واللفظ له، ومسلم (813).
[8] الحديث السابق.
[9] أخرجه البخاري معلقًا بصيغة الجزم (1/ 155)، ووصله الترمذي (2901) وقال: "حسن غريب"، وصححه ابن خزيمة (537).
[10] أخرجه مسلم (811).
[11] أخرجه مسلم (812).
[12] أَيْ: يراها قليلًا. ينظر: الاستذكار (2/ 511).
[13] أخرجه البخاري (5013).
[14] ينظر: الاستذكار (2/ 512)، كشف المشكل من حديث الصحيحين (2/ 167).
[15] ينظر: مجموع الفتاوى (17/ 103).
[16] أخرجه أحمد في المسند (22952)، وأبو داود (1493)، والترمذي (3475) واللفظ له وقال: "حسن غريب"، وابن ماجه (3857). وصححه ابن حبان (891).
[17] أخرجه أحمد في المسند (18974)، وأبو داود (985) واللفظ له، والنسائي (1301).
[18] أخرجه أحمد في المسند (9027) واللفظ له، وأبو داود (4722). وأصل الحديث في صحيح مسلم (135) دون ذكر قصة أبي هريرة مع العراقي.
[19] أخرجه أحمد في المسند (15610) بإسناد ضعيف؛ لأن في إسناده ابن لهيعة ورشدين بن سعد وزبان بن فائد، وكلهم ضعفاء. ينظر: مجمع الزوائد للهيثمي (7/ 145).
[20] أخرجه أبو داود (1423)، والترمذي (462)، والنسائي (1699)، وابن ماجه (1173).
[21] أخرجه مسلم (726).
[22] أخرجه أحمد في المسند (4763)، والترمذي (431) وقال: "حديث غريب"، والنسائي (992)، وابن ماجه (1166).
[23] أخرجه مسلم (1218).
[24] أخرجه أحمد (17334).
[25] أخرجه أبو داود (5082) واللفظ له، والترمذي (3575) وقال: "حسن صحيح غريب".
[26] أخرجه البخاري (5017).
[27] قال ابن حجر في فتح الباري (9/ 62): "المراد بأنه كان يقرأ بالمعوذات، أَيْ: السور الثلاث، وذكر سورة الإخلاص معهما تغليبًا لما اشتملت عليه من صفة الرب، وإن لم يصرح فيها بلفظ التعويذ. وقد أخرج أصحاب السنن الثلاثة أحمد وابن خزيمة وابن حبان من حديث عقبة بن عامر قال: قال لي رسول الله H: قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، تعوذ بهن، فإنه لم يتعوذ بمثلهن، وفي لفظ: اقرأ المعوذات دبر كل صلاة. فذكرهن".
[28] أخرجه أحمد في المسند (17417)، وأبو داود (1523) واللفظ له، والنسائي (1336)، وصححه ابن خزيمة (755)، وابن حبان (2004)، والحاكم في المستدرك (929) وقال: "صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه".
[29] أخرجه النسائي (5430).
[30] قال ابن عاشور في التحرير والتنوير (30/ 612): "افتتاح هذه السورة بالأمر بالقول لإظهار العناية بما بعد فعل القول كما علمت ذلك عند قوله تعالى: ﴿قُلْ يَاأَيُّهَا الْكَافِرُونَ ﴾ [الكافرون: 1]، ولذلك الأمر في هذه السورة فائدة أخرى، وهي أنها نزلت على سبب قول المشركين: انسب لنا ربك، فكانت جوابا عن سؤالهم فلذلك قيل له: قل كما قال تعالى: ﴿قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ﴾ [الإسراء: 85]؛ فكان للأمر بفعل قل فائدتان".
[31] معنى كونه مشتقًا أنه دال على صفة الألوهية كسائر أسمائه الحسنى، كالعليم والسميع والبصير ونحو ذلك. ينظر: بدائع الفوائد (ص22).
[32] ينظر: زاد المسير (1/ 16)، تفسير العثيمين: الفاتحة والبقرة (2/ 78).
[33] تفسير الطبري (1/ 121).
[34] مجموع الفتاوى (1/ 31).
[35] مجموع الفتاوى (1/ 76).
[36] ينظر: تفسير القرطبي (20/ 244).
[37] المطلب الحميد في بيان مقاصد التوحيد (ص81).
[38] ينظر: تفسير ابن كثير (8/ 528)، ومجموع الفتاوى (6/ 72)، الصواعق المرسلة (3/ 1026-1027).
[39] أخرجه البخاري (6099).
[40] أخرجه البخاري (4974).
[41] ينظر: تفسير ابن كثير (8/ 529).
[42] ينظر: تفسير الماوردي (6/ 372).
[43] إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري (1/ 306).
[44] تفسير العز بن عبد السلام (3/ 507).
[45] مجموع الفتاوى (6/ 340).
[46] الطب النبوي لابن القيم (ص: 134)
[47] سبق تخريجه.
[48] اقتضاء الصراط المستقيم (2/ 393-394).
[49] ينظر: الفتاوى الكبرى (5/ 33).
[50] بدائع الفوائد (2/ 172).
[51] تفسير القرطبي (1/ 102).
[52] تفسير ابن رجب (2/ 664).
[53] تفسير العز بن عبد السلام (3/ 507).
[54] التحرير والتنوير(30/ 617-618). وينظر: تفسير ابن جزي (2/ 524).
[55] أضواء البيان (9/ 151).
[56] ينظر: تفسير الطبري (24/ 737).
[57] العقيدة الواسطية (ص60).
[58] منهاج السنة النبوية (2/ 187).
[59] الإكليل (ص302).
[60] سبق تخريجه.
[61] قطف الجني الداني (ص63). وينظر: تفسير السعدي (ص937).
[62] تفسير السعدي (ص945). وينظر: مجموع الفتاوى (17/ 229).
[63] ينظر: مجموع الفتاوى (5/ 325).
[64] تفسير الرازي (32/ 366).




 حفظ بصيغة PDFنسخة ملائمة للطباعة أرسل إلى صديق تعليقات الزوارأضف تعليقكمتابعة التعليقات
شارك وانشر

مقالات ذات صلة

  • وقفات مع سورة الإخلاص (خطبة)
  • تفسير سورة الإخلاص
  • من مائدة التفسير (سورة الإخلاص)
  • سورة الإخلاص

مختارات من الشبكة

  • تفسير سور الإخلاص والفلق والناس للناشئين(مقالة - موقع أ. د. عبدالحليم عويس)
  • الفتوحات الربانية في تفسير الآيات القرآنية: تفسير سورة الإخلاص(مقالة - آفاق الشريعة)
  • شرح كتاب الدروس المهمة (تفسير سورة المسد وسورة الإخلاص) - مترجما للغة الإندونيسية(مادة مرئية - مكتبة الألوكة)
  • تفسير سور المفصَّل ( 15 ) تفسير سورة الإخلاص(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • تفسير سور المفصَّل ( 14 ) فضائل سورة الإخلاص (الجزء الثاني)(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • تفسير سور المفصَّل ( 13 ) فضائل سورة الإخلاص (الجزء الأول)(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • تفسير سور المفصَّل ( 13 ) فضل سورة الإخلاص(مادة مرئية - موقع الشيخ د. خالد بن عبدالرحمن الشايع)
  • خطبة بعنوان " الإخلاص "(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الإخلاص في القول والعمل (خطبة)(مقالة - آفاق الشريعة)
  • الإخلاص سبيل الجنة(مقالة - آفاق الشريعة)

 



أضف تعليقك:
الاسم  
البريد الإلكتروني (لن يتم عرضه للزوار)
الدولة
عنوان التعليق
نص التعليق

رجاء، اكتب كلمة : تعليق في المربع التالي

مرحباً بالضيف
الألوكة تقترب منك أكثر!
سجل الآن في شبكة الألوكة للتمتع بخدمات مميزة.
*

*

نسيت كلمة المرور؟
 
تعرّف أكثر على مزايا العضوية وتذكر أن جميع خدماتنا المميزة مجانية! سجل الآن.
شارك معنا
في نشر مشاركتك
في نشر الألوكة
سجل بريدك
  • بنر
  • بنر
كُتَّاب الألوكة
  • مدينة زينيتشا تحتفل بالجيل الجديد من معلمي القرآن في حفلها الخامس عشر
  • بعد 3 سنوات أهالي كوكمور يحتفلون بإعادة افتتاح مسجدهم العريق
  • بعد عامين من البناء افتتاح مسجد جديد في قرية سوكوري
  • بعد 3 عقود من العطاء.. مركز ماديسون الإسلامي يفتتح مبناه الجديد
  • المرأة في المجتمع... نقاش مفتوح حول المسؤوليات والفرص بمدينة سراييفو
  • الذكاء الاصطناعي تحت مجهر الدين والأخلاق في كلية العلوم الإسلامية بالبوسنة
  • مسابقة للأذان في منطقة أوليانوفسك بمشاركة شباب المسلمين
  • مركز إسلامي شامل على مشارف التنفيذ في بيتسفيلد بعد سنوات من التخطيط

  • بنر
  • بنر

تابعونا على
 
حقوق النشر محفوظة © 1446هـ / 2025م لموقع الألوكة
آخر تحديث للشبكة بتاريخ : 20/12/1446هـ - الساعة: 15:36
أضف محرك بحث الألوكة إلى متصفح الويب